طلاق المريض مرض الموت

طلاق المريض مرض الموت وهذا ما نصت عليه المادة 116 من قانون الأحوال الشخصية في القانون السوري. وإذا تساءلنا عن مرض الموت نجد بأن القانون المدني لم يأت بتعريف لمرض الموت لذلك وجب الرجوع إلى الشريعة الإسلامية التي استمد منها الشارع أحكام تصرفات المريض مرض الموت لمعرفة ماهية مرض الموت وأحكامه.
وبالرجوع إلى الشريعة الإسلامية نجد أن المادة 1595 من مجلة الأحكام العدلية عرفت مرض الموت بقولها: (مرض الموت هو المرض الذي يخاف فيه الموت في الأثر الذي يعجز المريض عن رؤية مصالحه الخارجية عن داره إن كان من الذكور، ويعجز عن رؤية المصالح الداخلة في داره إن كان من الإناث، ويموت على ذلك الحال، قبل مرور سنة صاحب فراش كان أو لم يكن، وإن امتد مرضه دائماً على حال ومضى عليه سنة يكون في حكم الصحيح وتكون تصرفاته كتصرفات الصحيح ما لم يشتد مرضه ويتغير حاله ولكن لو اشتد مرضه وتغير حاله ومات يعد حاله اعتباراً من وقت التغير إلى الوفاة مرض الموت).
وجاء في الفتاوى الهندية الجزء الرابع ص176 إذا كان الغالب منه الموت كان مرض الموت، سواء أكان صاحب فراش أم لم يكن.
وفي حكم طلاق المريض مرض الموت لا نتعرض لأحكام تصرفات المريض مرض الموت في المعاملات المالية، إنما نبين مدى تأثير مرض الموت في الطلاق والميراث باعتباره من آثار الزواج.
إذا طلق المريض مرض الموت زوجته ومات وهو في مرضه فإن كان الطلاق رجعياً فالزوجة ترثه ما دامت في العدة لأنها لا تزال زوجه. أما إذا كان الطلاق بائناً فالأفضل أن لا ترث لأن الزوجة تبين بالطلاق البائن فلا ميراث.
إلا أن أكثر الفقهاء لاحظوا أن من يطلق زوجته بدون رضاها وهو مريض مرض الموت انما يقصد بذلك التهرب من ميراثها لذلك سموه طلاق الفار وردوا عليه قصده وذلك بتوريثها منه رغم البينونة التي حصلت بالطلاق لأن ايقاعه الطلاق صحيح انما قالوا بميراثها منه على خلاف فيما بينهم.

قال الظاهرية: طلاق المريض كطلاق الصحيح فإذا طلق الزوج زوجته ثم مات في مرضه فلا ترثه زوجته إن كان الطلاق بائناً.
ولدى الشافعية روايتان أصحها أن طلاق المريض مرض كطلاق الصحيح والرواية الثانية يعتبر المريض فيها فاراً وترث زوجته.
أما الأحناف: فقالوا ترث زوجة الفار ما دامت في العدة ولو كان الطلاق بائناً خلافاً للأصل.
وذهب الحنابلة: إلى أن الزوجة ترث زوجها ما دامت في العدة بدون خلاف بين جمهور الفقهاء لأن الزوج لا يرث زوجته إذا ماتت وهي في العدة إن كان طلاقه فار، واختلفوا فيما لو انتهت العدة هل ترث أم لا على روايتين ـ الصحيح من المذهب أنها ترثه ما دامت لم تتزوج.
وقال مالك: إن حق الزوجة في الميراث لا ينقطع ولو تزوجت قبل الموت لأن القصد الآثم مردود على صاحبه، وقد قصد حرمانها من الميراث فيرد عليه قصده وذلك بتوريثها كما لو لم يطلقها.
(الأحوال الشخصية ـ أبو زهرة ص318)
وذهب الجعفرية إلى أن زوجة المريض ترث زوجها ما دامت في العدة فإذا مضت العدة فإنها ترث أيضاً ما لم تمضي سنة على طلاقها فحينئذ لا ترثه.
وخلاصة ما جاء في أراء الفقهاء: أن الرجل إذا تعسف في طلا زوجته فطلقها في مرض موته اعتبر الشارع هذا فراراً من ميراث زوجته فرد عليه قصده بتوريثها منه.
وجاء في قرار لمحكمة النقض السورية ـ إذا كان الزوج الذي طلق زوجته طلاقاً بائناً صحيح الجسم حين ايقاعه الطلاق… ترثه زوجته إن مات وهي في عدة الطلاق موضوع القاعدة 714 وما يليها في هذا الكتاب.
إن الشارع إذ أعطى الزوج حق الطلاق فقد جعل من ضميره الحي رقيباً على تصرفاته فلا يطلق إلا لحاجة وإلا كان كفراناً لنعمة الزواج التي قدمها الله.

هذه الرقابة أو هذا الحكم الدياني الذي جعله الإسلام في قلب كل مؤمن كان كفيلاً أن لا يطلق الزوج زوجته إلا حين يعتقد أن المصلحة تقتضي ذلك إذ لم تعد الحياة المشتركة تصلح بينهما.
إن عقداً جعله الله من أوثق العقود لا يجوز أن يكون ألعوبة في أيدي الناس، وإن مستقبل الأسرة والأولاد لا يجوز أن يكون بمنأى عن تفكير المشرع ورقابته.
ونحن نقول أنه إذا أساء الزوج استعمال حقه في الطلاق وجب عليه التعويض لزوجته على أن لا يتناول ذلك كل طلاق، كالطلاق بحكم القاضي مثلاً بناء على طلب الزوجة أو برضاها، فهذا لا تعويض له.
بل إننا نذهب إلى أكثر من هذا فنقول أن الزوجة إذا كانت تملك حق الطلاق بناء على تفويض الزوج لها ـ فطلقت نفسها طلاقاً تعسفياً أصاب الزوج من جزائه ضرر فيجب عليها التعويض لزوجها، ولا نرى مبرراً للتفرقة بين تعسف الزوج في طلاقه وتعسف الزوجة إذ في كل من الحالتين ضرر يصيب الآخر.
إن الحياة الاجتماعية قد تغيرت ظروفها وأحوالها عن ذي قبل فعلى المشرع أن يراعي هذا التغيير الهائل في حياتنا الاجتماعية، وألا يتقيد بما قيدنا به الفقهاء من الأحكام التي تلائم بيئتهم وظروفهم.

ونرى أن يكون هذا التعويض (المتعة) التي شرعها الله بقوله تعالى: «ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعاً بالمعروف حقاً على المحسنين» ـ البقرة أية 226 ـ «وللمطلقات متاع بالمعروف حقاً على المتقين» ـ البقرة آية 241. والتي هي مبلغ من المال يدفعه الزوج لمطلقته عما أصابها من بؤس وفاقة بطلاقه إياها، وقد جاء في تفسير المنار الجزء الثاني ص430: (إن في هذا الطلاق غضاضة وإيهاماً للناس أن الزوج ما طلقها إلا وقد رابه منها شيء فإذا هو متعها متاعاً حسناً تزول هذه الغضاضة ويكون هذا المتاع الحسن بمنزلة الشهادة بنزاهتها، والاعتراف بأن الطلاق كان من قبله أي لعذر يختص به لا من قبلها ولا لعلة فيها لأن الله تعالى أمرنا أن نحافظ على الإعراض بقدر الطاقة. فجعل هذا التمتع كالمرهم لجرح القلب لكي يتسامح به الناس.
وإن كنا نرى عدم التفرقة بوجوب المتعة بين المطلقة التي أصابها ضرر وفاقه وكان طلاقها دون سبب كما ذهب القانون السوري والمطلقة التي لم يصبها بؤس وفقر بطلاقها. فالتعويض يجب أن يشمل كل مطلقة بعد الدخول بصرف النظر عن وضعها المالي أو الاجتماعي وبخاصة إذا أردنا أن نرتب هذا التعويض على اساءة الزوج فلا دخل لفقر المرأة أو غناها في استعمال الزوج حقه بالطلاق، وبها تكون قد جعلنا التعويض مشروعاً تماماً كما نص الفقهاء على أحكام المتعة حين الطلاق.
ومع ذلك نرى أن يحدد المشرع مقدار المتعة التي ترك الفقهاء أمر تقديرها للعرف، ولا نستحسن ترك تقديرها للقضاء خشية أن تبلغ مقداراً جسيماً ينوء به الزوج فنكون قد أعطيناه حقاً بيد وسلبناه منه بيد أخرى، وهذا ما فعله القانون السوري وحسن ما فعل حيث نص على أن التعويض يجب أن لا يزيد على نفقة ثلاث سنوات فوق نفقة العدة إن كان الطلاق تعسفياً.
ولو أخذنا بعين الاعتبار غلاء المعيشة بالوقت الحاضر، ووضع الزوجة بعد الطلاق وما قد يصيبها من فاقة وبؤس نجد أن هذا التعويض فيما لو قدر لها بنفقة اليسار لا يتناسب مع كل ما تقدم… هذا ليس بكثير على الزوج علماً بأن القانون السوري قد سهل له طريق الدفع بما يتماشى وحال الزوج.