طلب إصدار أمر القبض بين الاستجابة و الرفض

القاضي علي دايح جريان الفهداوي

من المعروف ان امر القبض هو طريق من طرق أجبار المتهم على الحضور اضافه الى الطريق الاخر وهو التكليف بالحضور ( ألأستقدام ) .

ومعنى القبض هو الامساك بالمتهم من قبل المكلف بالقاء القبض عليه ووضعه تحت تصرفه لفتره قصيره من الوقت من اجل احضاره امام السلطه التحقيقيه لأستجوابه والتصرف بشانه .

ويعتبر امر القبض من الاجراءات الخطيره التي تتخذ في مرحلة التحقيق لأنه يمس الحريه الشخصيه , لذلك نجد ان القبض على الأشخاص لاتبيحه التشريعات الا في الحدود المقرره قانونآ .

وللسبب اعلاه فأن أغلب الدساتير ومنها الدستور العراقي النافذ لسنة 2005 قد كفل هذه الحريات الشخصيه في عدة مواد دستوريه ومنها المادة 19 التي حظرت الحجز والماده 37 منه التي لم تجز توقيف احد او التحقيق معه الا بقرار قضائي .

وكذلك فعل المشرع في قانون اصول المحاكمات الجزائيه في الماده 92 منه والتي لاتجيز القبض على اي شخص او توقيفه الا بمقتضى امر صادر من قاضي او محكمه .

ومن طبيعة الامور في أي مجتمع ان لاتكون حرية الفرد مطلقه ، لذا كان من اللازم ان تنظم تلك الحريه بما يؤمن المجتمع ويطمئن افراده ، ويكون ذلك عن طريق القانون والقانون بطبيعته يتضمن بعض القيود على حرية الفرد ويجيز في بعض الاحوال المساس بالحرية الشخصيه للفرد او حرمة مسكنه بالقبض او التوقيف او التفتيش ، وأن المساس بالحقوق الشخصيه للفرد يجب ان يكون بالقدر الضروري الذي تبرره مصلحه اعلى وهي حماية المجتمع .

جهة أصدار امر ألقبَض :

ألاصل أن قاضي التحقيق هو الجهة ذات الاختصاص في مرحلة التحقيق في أصدار امر القبض الا ان القانون يجيز في بعض الاحوال لكل قاضي سواء كان قاضي التحقيق او غيره من القضاة القبض على أي شخص أرتكب جريمه بحضوره في أي جنايه او جنحه ولم يكن قاضي التحقيق موجودا” وهي حاله أستثنائيه قصدها المشرع للحفاظ على أدلة الجريمه (المادة 98 ألأصوليه) .

وأن المتهم يحضَر بأمر القبض أذا كانت الجريمه معاقبا” بالحبس مدة تزيد على سنه ألا أذا استصوب القاضي أحضاره بورقة تكليف بالحضور ، غير انه لايجوز اصدار ورقة تكليف بالحضور اذا كانت الجريمه معاقبا” عليها بالأعدام او السجن المؤبد . (المادة 99 ألأصوليه) .

ويكون هذا الامر نافذ المفعول في جميع انحاء البلد وواجب التنفيذ ممن كلف به من اعضاء الضبط القضائي او افراد الشرطه او اية جهه اخرى كلفت بتنفيذ ذلك الامر ويبقى ساري المفعول حتى يتم تنفيذه او يتقرر إلغائه من الجهة التي اصدرته او من جهة اعلى .

ونرى ان كثير من الافعال يمكن لقاضي التحقيق أصدار ورقة تكليف بالحضور أذ أن المادة (99) أعلاه تعطي الحق للقاضي ان يستصوب أحضار المتهم بورقة تكليف ولم تلزمه بأصدار امر القبض الا في الحالات التي تكون فيها الجريمة معاقبا” عليها بالاعدام او السجن المؤبد .

متى يصدر أمر ألقبض ؟

نص قانون اصول المحاكمات الجزائيه في المادة (1) منه على ان ( تحرك الدعوى الجزائيه بشكــوى تحـريـريـه او شفويـه تقدم الى قاضي التحقيـق او المحقـق او اي مسؤول في مركز ألشرطه او اي من اعضاء الضبط القضائي او من المتضرر من الجريمه أو من يقوم مقامه قانونا أو اي شخص علم بوقوعها او بأخبار يقدم الى اي منهم من الادعاء العـام ……… ) .

وأن بعض الدعاوى الجزائيه لايجوز تحريكها الا بناءا” على شكوى من المجنى عليه او من يقوم مقامه قانونا” والمشار اليها في المادة (3) من ذات القانون .

وبعد تحريك الدعوى تبدأ مرحلة التحري وجمع الادله ، حيث يشرع في التحقيق بتدوين أقوال المشتكي أو المخبر ثم شهادة المجنى عليه وشهود الأثبات ومن يطلب الخصوم سماع شهادتهم وكذلك شهادة من يتقدم من تلقاء نفسه للأدلاء بالمعلومات اذا كانت تفيد التحقيق وشهادة الاشخاص الذين يصل الى علم القاضي او المحقق ان لهم معلومات تتعلق بالحادث (المادة 58 ألأصوليه) .

وقد يتطلب الامر أنتداب الخبراء أوربط التقارير الفنيه أو الطبيه وتحريز المبرزات الجرميه وسائر الادله القانونيه الاخرى والتي تختلف من جريمة الى اخرى ، وأذا ما توافرت لدى القاضي بعد تدقيق الادله وتمحيصها القناعه بأن هذه الادله تكفي لأصدار امر القبض او الاستقدام فأنه يصدر قراره وحسب الاحوال التي أشرنا اليها انفا” .

ولايفوتنا الاشاره الى أعمام مجلس القضاء الاعلى المرقم (4887 / ق / أ ) في 21/6/2009 بوجوب التثبت من مصداقية المعلومات التي يدلي بها المخبر السري بالكيفية المنصوص في المادة (47/2 )من قانون اصول المحاكمات الجزائيه وأعتبار أقوال المخبر السري مجرد أخبار لايقوم بمفرده دليلا” لأصدار امر القبض أو ألاستقدام مالم يدعم هذا الاخبار بدليل او قرينه …… ) .

ظاهرة الدعاوى الكيديه :

كان للاحداث التي مر بها المجتمع العراقي اثرا” كبيرا” على بعض أفراده تمثلت في ضعف ألوازع الديني وألأخلاقي عند هؤلاء مما ادى الى استشراء ظاهرة الدعاوى ألكيديه في الاونه الاخيره والتي تهدف الى أبتزاز الاشخاص او التنكيل بهم من خلال التوقيف لذا كان لابد من أخذ ذلك بنظر ألأعتبار عند أصدار اوامر القبض من قبل السادة القضاة .

وقد اصدر مجلس القضاء الاعلى اعمامه المرقم (155/مكتب/2011) في 12/2/2011 لغرض الحد من هذه الظاهره ، والمتضمن وجوب تدوين اقوال المشتكين والشهود والمخبرين والمصادر السريه قبل اصدار قرارات القبض ومنع السفر وحجز الاموال المنقوله وغير المنقوله والتأكد من صحة المستمسكات والعناوين مع الاعتماد على تزكية الأجهزه الاستخباريه والامنيه للمصادر السريه العاملين لديها قبل تدوين الاقوال امام المحاكـم المختصه .

كما أصدر اعماميه المرقمين (2260 و 2261) في 2/6/2011 والتي أوجبت على المحاكم المختصه تفعيل العمل بالمادتين(243 و 248) من قانون العقوبات للحد من جريمتي الاخبار الكاذب وتضليل القضاء والأستيضاح من المشتكي عند تدوين اقواله عما اذا كانت لديه شكوى مسجله ضد المتهم المقامه عليه الشكوى شكوى اخرى بنفس الموضوع او موضوع اخر من عدمه ، وفي حال وجودها يطلب منه تفاصيل الشكوى الثانيه المسجله ضد المتهم .

وهناك ظاهره اخرى تتمثل في تقديم بعض الجهات طلبات الى قضاة التحقيق يرومون فيها أصدار امر قبض بحق شخص او مجموعه معينه ولايستندون في ذلك الى أي دليل وهنا يظهر دور قاضي التحقيق في وجوب اتباع المعايير المشار اليها انفا وتكليف تلك الجهات بتقديم مالديهم من ادله قبل أتخاذ أي قرار

مايشتمل عليه أمر ألقبض :

لقد بينت المادة (93) من قانون الاصول مايشتمل عليه امر القبض وهو اسم المتهم ولقبه واوصافه ان كانت معروفه ومحل اقامته ومهنته ونوع الجريمهالمسنده اليه ومادة القانون المنطبقه عليها وتاريخ الامر وتوقيع من اصدره وختم المحكمة .

وتفاديا” لمسألة تشابه الاسماء فقد اصدر مجلس القضاء الاعلى اعمامه المرقم (4685 / ق / أ) في 26/5/2011 والمتضمن وجوب ادراج معلومات اضافيه عن المطلوبين عند أصدار مذكرات القاء القبض بحقهم كالأسم الرباعي وأسم الام واللقب .

كما نسب السيد معالي رئيس مجلس القضاء الاعلى بموجب الاعمام المرقم (1492 / حاسبه / 2011) في 20/2/2011 بوجوب أضافة رقم الى مذكرة امر القبض اضافه الى وضع رموز خاصه لكل محكمة ووجوب فتح سجل لأوامر القبض وأستحداث برنامج العداله الجنائيه لخزن المعلومات في اجهزة الحاسوب .

ونعتقد ان الغايه من ذلك هو تلافي حالة تزوير اوامر القبض من جهه وسهولة الرجوع الى الاوليات في حالة طلب صحة الصدور من جهة اخرى .

ونظرا” لكون بعض المتهمين الذين تصدر بحقهم اوامر القبض من سكنة اقليم كردستان او في محافظات بعيده ، ولكون اجراءات تسفير المتهمين الموقوفين قد تستغرق فترات طويله والتي قد تتجاوز مدد التوقيف القانونيه فقد اصدر مجلس القضاء الاعلى / رئاسة الادعاء العام الاعمام المرقم (74/ سيادة / 2011) في 7/6/2011 وأعمامات اخرى تتضمن وجوب تفعيل احكام المادة (95) من قانون اصول المحاكمات الجزائيه ، والتي تجيز للقاضي الذي أصدر امر القبض ان يدون فيه وجوب اطلاق سراح المقبوض عليه اذا قدم تعهدا” كتابيا” بالحضور في الوقت المعين مقترنا” بكفاله يعينها القاضي او بدون كفاله او تعهد مقترنا” بأيداع صندوق الدائره المبلغ الذي يعينه القاضي ، ومتى قدم المقبوض عليه هذا التعهد او أودع المال لزم اطلاق سراحه ، وعلى من وجه اليه امر القبض ان يخبر القاضي بما اتخذ من اجراءات .

ونرى ان يكون ذلك في الجرائم التي لايستوجب القانون فيها التوقيف ولايخشى معها هروب المتهم اواضراره بالتحقيق ويمكن زيادة مبلغ الكفاله بما يؤمن حضور المتهم امام الجهة التي اصدرت امر القبض ، لاسيما وأن أطالة فترة توقيف المتهم قد تكون هي الغايه الرئيسيه لبعض المشتكين ولاسيما ان التوقيف ليس بعقوبه .

تنفيذ أمر ألقبض خارج دائرة أختصاص القاضي ألذي أصدره :

قد يتعذر تنفيذ امر القبض ضمن دائرة اختصاص القاضي الذي اصدره وذلك لان المتهم المطلوب القبض عليه يتواجد في منطقه اخرى ، وفي هذه الحاله على القائم بالتحقيق ان يقدمه الى القاضي المختص في تلك المنطقه للاطلاع عليه والاذن بتنفيذه . الا اذا كان عرض الامر من شانه ان يفوت فرصة القبض على المتهم ، وفي هذه الحاله يجوز تنفيذ امر القبض ومن ثم اطلاع القاضي المختص في تلك المنطقه على الاجراءات التي اتخذت فورا” لتقرير مصير المتهم .

ونعتقد ان من الضروري في بعض الاحيان التحقق من صحة صدور امر القبض في حالة وجود شك في صحته من المحكمة التي اصدرته ، فضلا” عن وجوب تدوين هوية من يقدم امر القبض بالكامل لأتخاذ الاجراءات القانونيه ضده لاحقا” اذا ماظهر انه مزور .

ونرى انه لامانع من التحقق من صحة الصدور هاتفيا” او عبر الانترنت لاسيما في الحالات المستعجله التي يخشى فيها من هروب المتهم .

ونخلص من هذه الدراسه أن مسألة الأستجابه الى طلب اصدار امر القبض او رفضه من الصعوبه بمكان لاسيما في الوقت الحاضر ولا اخفيكم اننا نتردد في كثير من الاحيان قبل اتخاذ هذا الاجراء نظرا لوجود عدد من المتناقضات التي ترافق هذه العمليه تتمثل في وجوب تحقيق نوع من التوازن بين مصلحة المشتكي في الحصول على حقوقه ومصلحة المجتمع في تحقيق الامن والاستقرار ومصلحة المتهم في الا تنتهك حرياته الا في الحدود التي رسمها القانون .