مفهوم القرينة حسب القانون

تعرف القرينة على انها استنباط امر غير ثابت من امر ثابت وهي على نوعين نوع يستنبطه المشرع نفسه مما يغلب وقوعه عملا في طائفة معينة من الحالات فيبني عليها قاعدة ينص عليه في صيغة مجردة وهذه هي القرائن القانونية والتي تنطوي على خطورة لاتوجد بالنسبة لغيرها وذلك لان المشرع وهو يقوم باستنباطها والنص عليها في صيغة عامة مجردة حتى ولو بدت مغايرتها للواقع في بعض الحالات لذا ينبغي ان يكون عمل المشرع هذا في اضيق الحدود لكي يترك المجال رحبا للقاضي في الملائمة بين الحقيقة الواقعة والافتراض في كل حالة على حدة.

والقرائن القانونية على نوعين هي القرائن القانونية القاطعة فهي تؤدي دورا رئيسا في الاثبات لذلك فهي تغني من تقررت لمصلحته عن اية طريقة من طرق الاثبات ، اذ تنص الفقرة الثانية من المادة 98 من قانون الاثبات رقم 107 لسنة 1979 على ان (القرينة القانونية تغني من تقررت لمصلحته عن اي دليل آخر من ادلة الاثبات) وعليه فاذا ثبت قيام الواقعة اساس القرينة فانه يجب على القاضي ان يأخذ بحكم القرينة فيجعلها اساسا لحكمه حتى ولو بدا له عدم مطابقته للواقع في الدعوى المنظورة والا كان حكمه عرضة للنقض ولا يعني كون القرينة قاطعة انها لا تقبل اثبات العكس اذ يمكن دحض القرينة القانونية القاطعة عن طريق الاقرار او اليمين لاسيما في الامور التي تتعلق بالنظام العام اذ تنص المادة 101 من قانون الاثبات على انه (يجوز قبول الاقرار واليمين في نقض القرينة القانونية القاطعة التي لا تقبل اثبات العكس في الامور التي لا تتعلق بالنظام العام).

وهذا يعني ان المشرع فرق بين نوعين من القرائن القانونية القاطعة الاولى تتعلق بالنظام العام اي تلك الموضوعة لحماية مصلحة عامة وهذه يجوز اثبات عكسها باي دليل من ادلة الاثبات بما في ذلك الاقرار واليمين اما النوع الثاني فهي القرائن القانونية القاطعة التي لاتتعلق بالنظام العام اي التي وضعت لحماية مصلحة خاصة وهذه تقبل اثبات العكس بالاقرار واليمين فقط.

و تقوم فكرة القرينة القانونية غير القاطعة على ذات الفكرة التي تقوم عليها القرينة القانونية القاطعة اي الاحتمال الراجح من وجهة نظر المشرع فالاصل في القرائن ان تكون غير قاطعة لانها مقررة بصيغة عامة مجردة تحتمل عدم مطابقتها مع الواقع واثبات العكس في القرائن القانونية غير القاطعة هو اثبات في الحالة الخاصة التي يكون الخصم في صددها والا فانه لايجوز اثبات عكس القرينة في عمومها وهذا يعني انها تضع قاعدة تشريعية جديدة والغاء قاعدة سابقة قامت عليها القرينة القانونية اذ ان التشريع لايلغى الابمثله وفي هذه الحالة فان بامكان القاضي ان يقبل باثبات عكس القرينة غير القاطعة دليلا ذا قوة مطلقة كالاقرار واليمين فاذا كان بالامكان دحض القرينة القانونية القاطعة بهذين الطريقين فالاولى ان يدحضا القرينة القانونية غير القاطعة كما يمكن ان يتم دحضها بطريقة اخرى وهي الكتابة او بمبدأ الثبوت بالكتابة معززة بالشهادة او القرائن القضائية ووفقا للقواعد العامة في الاثبات .

اما النوع الثاني من القرائن فهي القرائن القضائية وهي مايستنبطه قاضي الموضوع من ظروف الدعوى وتعدّ استنتاجات فردية في حالات خاصة اما بالنسبة لحجية الاحكام فهي قرينة قانونية قاطعة تجعل الاحكام القضائية الباتة صحيحة لاتقبل الشك ، فالقاضي يصل الى القرينة القضائية عن طريق الاستنباط الذي يقوم على ماهو راجح الوقوع في الغالب على ان يكون ذلك في نطاق محدد هو نطاق الاثبات بالشهادة وذلك استنادا الى الفقرة الثانية من المادة 102 من قانون الاثبات والتي تنص على انه (للقاضي استنباط كل قرينة لم يقررها القانون وذلك في نطاق مايجوز اثباته بالشهادة فضلا عن المادة 103 من هذا القانون والتي تكمل المادة السابقة حيث تنص على انه (يجوز الاثبات بالقرائن القضائية للطعن في تصرف قانوني اذا قام على وجود غش او احتيال في ذلك التصرف ) .

ومن الجدير بالذكر فان استنباط القرينة القضائية يمر بمرحلتين تتجلى فيها السلطة التقديرية للقاضي في الاستنباط حيث يبدأ القاضي في المرحلة الاولى بتقرير ان واقعة معينة او عدة وقائع تعد ثابتة في الدعوى ثم ينتقل القاضي الى تقرير قيام الواقعة او الوقائع التي اعدّها ثابتة يرجع تبعا للغالب او للامر الراجح قيام الواقعة المسببة للاثر القانوني المتنازع فيه وللقاضي في هذا المجال سلطة تقديرية واسعة لكن ينبغي على القاضي ان يكون في منتهى الحيطة والحذر في الاستخلاص كي يكون استخلاصه مؤدبا عقلا ومنطقا قانونيا سليما الى النتيجة التي يتوصل اليها في حكمه.

واستنادا الى المادة 104 من قانون الاثبات التي تنص على انه (للقاضي ان يستفيد من وسائل التقدم العلمي في استنباط القرائن القضائية ) فان للقاضي ان يستعين بوسائل التقدم العلمي والتي من شأنها ان تسهل عليه المهمات المنوطة به مثل التسجيل الصوتي والصوري وفحص DNA وبصمات الاصابع .

ومن جهة اخرى فان قاضي الموضوع يختص وحده بهذا الاستنباط والذي هو عبارة عن عملية ذهنية تعتمد في صوابها على مدى فهم وادراك القاضي لوقائع النزاع وتقديره لدلالتها ولما كان الخطأ في هذا الجانب واردا فقد جعل القانون القرينة القضائية في مرتبة واحدة مع الشهادة لكون ان هناك خشية كامنة في دقة الاستنباط لدى القاضي ومقدار تجرده .

والقاضي فيما يمتلك من سلطة واسعة في التقدير قد تقنعه قرينة واحدة قوية الدلالة وقد لاتقنعه قرائن متعددة اذا كانت تلك القرائن ضعيفة لاتؤدي الى اقناعه في شأن الوقائع محل النزاع .

وجعل القانون من حجية الاحكام قرائن قانونية قاطعة متعلقة بالنظام العام ويقصد بالحكم الحاسم: هو الحكم الذي تنتهي به الدعوى فما يقرره الحكم يعدّ حقيقة قضائية ثابتة وقد بني هذا على الاحتمال الراجح ، اما من ناحية ارتباطها بالنظام العام فانه قائم على اساس ضرورة احترام الاحكام القضائية من جهة ووضع حد لعدم تجرد الدعاوى والمنازعات مراعاة لمصلحة المجتمع وراحتهم واستقرار اوضاعهم ووقاية من تعارض الاحكام القضائية الذي قد يحدث فيما لو تجددت المنازعات.

وتثبت حجية الاحكام بالنسبة للاحكام الباتة التي انتهت فيها كل طرق الطعن وكذلك فان الحجية لاتثبت الا لمنطوق الحكم فقط اي للفقرة الحكمية من دون الوقائع والاسباب .

وتسري حجية الاحكام في مواجهة من كان طرفا في الدعوى التي صدر فيها الحكم مدعيا كان ام مدعى عليه او شخصا ثالثا تدخل او ادخل في الدعوى سواء خسر الدعوى ام كسبها ، اما بالنسبة للغير فانه لايسري الحكم كمبدأ عام في مواجهته الا بالنسبة للاحكام التي توجد وضعا قانونيا جديدا للشخص كاعلان افلاس تاجر والطلاق فحجية هذه الاحكام تسري تجاه الكل قطعا.

وفي حال توفر هذه الشروط في الحكم فان هذا يؤدي الى قيام دفع لصاحب المصلحة يرد به كل نزاع في المستقبل فيما سبق الحكم به وهو الدفع بحجية الشيء المحكوم فيه وهذا الدفع يكون للمحكمة اثارته من تلقاء نفسها في اية مرحلة من مراحل الدعوى كونه من النظام العام .

اما بالنسبة لحجية الحكم الجنائي امام المحكمة المدنية فقد نصت المادة 107 من قانون الاثبات على انه (لايرتبط القاضي المدني بالحكم الجزائي الا في الوقائع التي فصل فيها الحكم وكان فصله ضروريا ) واستنادا لهذا النص فانه اذا رفعت الدعوى المدنية فيوقف الفصل فيها حتى يصدر الحكم النهائي في الدعوى الجنائية المقامة قبل رفعها او اثناء نظرها ويقصد بذلك منع اصدار حكم نهائي في الدعوى المدنية حتى يصدر حكم نهائي في الدعوى الجنائية .

المحامية: ورود فخري