حكم تمييز ( امن دولة )

محكمة التمييز
طعن بالتمييز رقم (19/93) أمن دولة
جلسة 20/ 6/ 1994
برئاسة السيد المستشار حمود عبد الوهاب الرومي رئيس الجلسة، وعضوية السادة المستشارين جلال الدين أنسي، محمد عبد المنعم البنا، د. عادل قورة، محمد فؤاد شرباش.

الوقائع
اتهمت نيابة أمن الدولة الطاعن بأنه في خلال الفترة من 2/ 8/ 1990 وحتى نوفمبر 1990 بدائرة مباحث أمن الدولة/ محافظة الأحمدي:

أولاً: سلم سلطات الاحتلال العراقي المعادية لدولة الكويت وسائل المواصلات المبينة بالأوراق بأن قام بنقل خمسة وستين سيارة نقل عام المملوكة لشركة النقل العام الكويتية من الكويت إلى دولة العراق المعادية وذلك على النحو المبين بالتحقيقات.

ثانيًا: أعان عمدًا العدو العراقي بأن وضع نفسه في خدمته وتولى طواعيةً مسؤولية إدارة وتنسيق مرفق النقل العام بالبلاد وأرشد عن الهيكل التنظيمي والإداري لذات الشركة وهدد وحرض العاملين بالشركة سالفة الذكر على الالتحاق بأعمالهم لخدمة العدو، وأنشأ خطًا بريًا للسير بين الكويت والبصرة لتدعيم سلطات العدو في الاستمرار في احتلال البلاد ولخدمة مصالحه مقابل راتب شهري تقاضاه وذلك على النحو المبين بالتحقيقات.

ثالثًا: وهو في حكم الموظف العام (مراقب تفتيش بشركة النقل العام الكويتية المملوكة للدولة) قبل وأخذ لنفسه من سلطات الاحتلال نقودًا مقابل قيامه بعمل ضار بالمصلحة القومية للبلاد بأن تقاضى راتبًا شهريًا بواقع ستمائة وثلاثين دينارًا وكان ذلك في زمن الحرب وعلى النحو المبين بالتحقيقات.

رابعًا: بصفته سالفة الذكر سهل للعدو العراقي الاستيلاء بغير حق على سيارات نقل الركاب موضوع التهمة الأولى والمملوكة للدولة (شركة النقل العام الكويتية) والمبينة وصفًا وقيمةً بالأوراق وذلك على النحو المبين بالتحقيقات.
وطلبت النيابة مجازاته عنها بمقتضى المواد (5/ 1، 2)، (6/ ج)، (7/ 1)، (43/ هـ)، (45)، (50) من القانون رقم 31/ 1970 بتعديل بعض أحكام قانون الجزاء. بتاريخ 22/ 10/ 1993 قضت محكمة أمن الدولة العليا حضوريًا بمعاقبة الطاعن بالحبس المؤبد مع الشغل والنفاذ وبتغريمه ألفي دينار وبعزله من وظيفته وإلزامه برد مبلغ مليونين واثنين وستين ألف وثلاثمائة وثلاثين دينارًا كويتيًا وبغرامة مساوية لهذا المبلغ. فطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق التمييز.

المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع المرافعة وبعد المداولة:
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية،
وحيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجرائم تسليم وسائل مواصلات للعدو وتسهيل الاستيلاء على هذه الوسائل بغير حق، وإعانته العدو عمدًا، وقبول نقود من دولة أجنبية في زمن الحرب مقابل القيام بعمل ضار بالمصلحة القومية للبلاد قد شابه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال والخطأ في تطبيق القانون، ذلك أنه تمسك أمام محكمة الموضوع بدفاع حاصله أن أحدًا من شهود الواقعة لم يقطع بمساعدته العراقيين على الاستيلاء على سيارات الشركة التي كان يعمل بها وأن شهادتهم اقتصرت على ترديد ما وصل إلى أسماعهم من شائعات في هذا الخصوص وأن الشاهد (……………) ذكر بالتحقيقات أنه كان في استطاعة العراقيين الاستيلاء على السيارات المشار إليها دون مساعدته،

كما أنه تمسك بأنه أكره على مرافقة هذه السيارات إلى العراق وبأن مؤدى أقوال الشهود أنه كان – قبل الغزو – من العاملين الجيدين وأن (……………..) مدير الشؤون الفنية بالشركة اعتذر في بداية الغزو عن مواصلة العمل بها وأنابه عنه في عمله وكان استمراره هو في العمل راجعًا إلى خشيته من بطش العراقيين ورغبته – ومن ناحية أخرى – في الحفاظ على أموال الشركة، يؤيد ذلك أنه لم يرشدهم إلى مكان وجود خزائنها، وكان يصفهم بأنهم لصوص، هذا إلا أنه ترك العمل بعد فترة، أما قبوله المرتب عن فترة عمله أيام الغزو فقد دفعته إليه الحاجة بعد أن انقطعت أمامه سبل العيش خلال تلك الفترة الأمر الذي ينتفي معه القصد الجنائي للجرائم المنسوبة إليه، إلا أن الحكم لم يمحص هذا الدفاع واطرحه بما لا يسوغه، ولم يأبه بما قرره الشاهد (………….) – بتحقيقات النيابة – من أنه كانت تنتاب الطاعن – قبل الغزو – حالة نفسية تسبب له الانطواء والقلق. كل ذلك مما يعيب الحكم بما يستوجب تمييزه.

وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما حاصله أن الطاعن – الذي كان يعمل مراقب تفتيش بشركة النقل العام الكويتية – توجه عقب الغزو العراقي لدولة الكويت إلى مقر الشركة وأخذ في تحريض وتهديد الموظفين على الاستمرار في العمل مستخدمًا في ذلك كتابًا يحمل توقيع وزير النقل العراقي بضرورة التحاق الموظفين بأعمالهم وإلا تعرضوا للحجز والتوقيف. كما قام – خدمةً لسلطات الاحتلال وتدعيمًا لها – بتزويدها بمعلومات عن الهيكل التنظيمي والإداري للشركة، وإنشاء خط للحافلات بين الكويت والبصرة، كما تولى نقل خمسة وستين حافلة مملوكة لهذه الشركة إلى العراق بعد أن حصل على بطاقة ضمان عدم التعرض له وسيارة لاستعماله الخاص وتقاضى راتبًا شهريًا مقداره – ستمائة وثلاثين دينارًا.

وساق الحكم على ثبوت الواقعة لديه على هذه الصورة أدلة استمدها من أقوال ضابط مباحث أمن الدولة – (…………) – الذي شهد بأن معلومات وردت إليه مفادها أن الطاعن تعاون مع سلطات الاحتلال العراقي عن طريق إدارته مرفق النقل العام للركاب وإكراهه العاملين به على مزاولة العمل ومساهمته في إنشاء خط لسيارات الشركة بين الكويت والبصرة بالاتفاق مع شركة النقل العام العراقية، وإنشاء جراج بالبصرة لإصلاح هذه السيارات، كما اشترك مع تلك السلطات في سرقة ونقل خمسة وستين حافلة إلى العراق، وعزا تعاون الطاعن مع العراقيين إلى قرابته بهم.

ومن أقوال (…………) – أحد السائقين بالشركة – الذي قرر بالتحقيقات الإدارية أنه ذهب إلى مقر الشركة بتاريخ 24/ 8/ 1990 فلم يشاهد هناك من العاملين الكويتيين سوى الطاعن فعاد إلى منزله، وبعد يومين فوجئ بحضور الأخير إليه وبرفقته جندي عراقي مسلح وسائق هندي لإرشاده عن سائقي سيارات الشركة، وقد أطلعه على كتاب موقع من (………..) – الذي عينته السلطات العراقية محافظًا للكويت – بإعدام من يرفض العمل وطلب منه مباشرة عمله، فلما اعتذر بأن البلد محتل أجابه بأن الكويت أصبحت إحدى محافظات العراق وأجبره على العمل تحت تهديد السلاح والتعرض للضرب من قبل الحارس الذي كان يرافقه، ثم عرض عليه بعد ذلك المشاركة في نقل سيارات الشركة إلى العراق مقابل خمسين دينارًا عراقيًا عن كل واحدة إلا أنه اعتذر بعدم استطاعته قيادة هذا النوع من السيارات. ومما شهد به (…………) – مدير الشؤون الفنية بالشركة – من أن العراقيين أسندوا إلى الطاعن عقب الغزو المسؤولية عن الشركة وزودوه بسيارة خاصة وجندي مسلح وورقة عدم تعرض،

ومما شهد به (……..) – عضو الشؤون المالية بالشركة – من أن الطاعن كان عقب الغزو صاحب النفوذ في الشركة وقد حضر إلى منزله طالبًا منه مواصلة عمله بها فرفض متعللاً بأنه اعتبر مفصولاً لانقطاعه عن العمل فقرر له أن في مكنته أن يزوده بمستند يفيد أنه كان في إجازة إلا أنه رفض، ومما شهد به (……………) – مدير إدارة الحركة والتشغيل – من أن الطاعن حضر إلى منزله عقب الغزو وعرض عليه إنشاء خط للسيارات بين الكويت والبصرة إلا أنه اعترض خشية سرقة السيارات ثم علم بعد ذلك بأن الطاعن أقام هذا الخط وأضاف أن موظفي الشركة أبلغوه بعد التحرير أن الطاعن أكرههم على الالتحاق بالعمل أثناء الغزو، ومما شهد به (……) – مراقب حملات الحج والعمرة بالشركة – من أن الطاعن عين عقب الغزو نائبًا لمدير الشركة وكان يتمتع بسلطة كبيرة ويرافقه جندي عراقي مسلح، ويكره العاملين على الالتحاق بالعمل،

وقد طلب منه ذلك غير أنه رفض، وأضاف أنه علم بأن الطاعن قام بنقل خمسة وستين حافلة للشركة إلى العراق، ومما جاء بتقرير الإدارة العامة للأدلة الجنائية من أن الأوراق الخاصة بطلب إعادة تعيين بعض العاملين بالشركة – والموجهة من الطاعن إلى مدير المنشأة العامة لنقل الركاب/ فرع الكويت والمؤرخة 3، 11، 13/ 11/ 1993 والمؤشر عليها بالموافقة على التعيين بعد موافقة الوزير والمدير العام مذيلة بتوقيع صحيح للطاعن، ومن إقرار الأخير بالتحقيقات بتوجهه عقب وقوع الغزو إلى مقر الشركة وتوليه طواعيةً مسؤولية إدارة مرفق النقل العام بالبلاد وتزويده سلطات الاحتلال بمعلومات عن الهيكل الإداري والتنظيمي للشركة وتحصله نظير ذلك على راتب شهري مقداره ستمائة وثلاثين دينارًا وأخذه إحدى سيارات الشركة لاستعماله الشخصي وبطاقة لضمان عدم التعرض له،

ثم تسهيله لسلطات الاحتلال الاستيلاء على خمسة وستين حافلة مملوكة للشركة بتوليه نقلها إلى العراق ومرافقتها إلى هناك مستقلاً سيارة خاصة. لما كان ذلك، وكان النص في المادة (6/ ج) من القانون رقم 31/ 1970 بتعديل بعض أحكام قانون الجزاء على أن (يعاقب بالإعدام كل من سهل دخول العدو أو سلمه وسائل مواصلات) يدل على أن الركن المادي لهذه الجريمة يتحقق بكل نشاط أيًا كان نوعه أو قدره يساهم به الجاني في تسليم العدو وسائل المواصلات في الدولة، ويتحقق القصد الجنائي فيها باتجاه إرادته إلى ارتكاب هذا الفعل بقصد إعانة العدو، وتقدير توافر هذا القصد أو نفيه هو مما يستقل به قاضي الموضوع حسبما يستخلصه من الظروف المحيطة بالدعوى وعناصرها ما دام موجب تلك الظروف وهذه العناصر لا تتنافر عقلاً مع ذلك الاستخلاص.

لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد استخلص ثبوت هذه الجريمة بركنيها المادي والمعنوي في حق الطاعن من أقوال شهود الواقعة واعترافات الطاعن والظروف التي ارتكبت فيها الجريمة استخلاصًا سائغًا لا يجافي العقل والمنطق ويتفق وصحيح القانون، وكان الحكم قد عرض لما قام عليه دفاع الطاعن من أنه قام بنقل السيارات المشار إليها إلى العراق تحت تأثير الإكراه واطرحه استنادًا إلى ما ثبت لديه من أقوال الشهود واعترافاته بالتحقيقات بأنه توجه عقب الغزو العراقي للبلاد إلى مقر الشركة وتولى طواعيةً واختيارًا مسؤولية إدارة مرفق النقل العام بالبلاد، ثم قام بنقل خمسة وستين حافلة مملوكة للشركة إلى العراق ومرافقتها إلى هناك مستقلاً سيارة خاصة وأنه عاد مرة أخرى وتسلم وظيفة بذات الشركة، وكان ما أقام عليه الحكم قضاءه سائغًا وكافيًا لاطراح دفاع الطاعن بأنه كان مكرهًا على نقل هذه السيارات إلى العراق والذي ساقه في أقوال مرسلة لا دليل عليها فإن النعي على الحكم في هذا الشأن يكون على غير أساس. لما كان ذلك، وكان الحكم قد خلص إلى اعتبار الجرائم الثلاثة المسندة إلى الطاعن مرتبطة ارتباطًا لا يقبل التجزئة وأعمل في حقه حكم المادة (84) من قانون الجزاء وأنزل به عقوبة واحدة عنها تدخل في نطاق العقوبة المقررة للجريمة الأشد موضوع التهمة الأولى وهي جريمة تسليم العدو وسائل مواصلات والتي أثبتها الحكم في حقه على النحو سالف البيان فإنه لا جدوى مما يثيره في نعيه بالنسبة لباقي الجرائم المسندة إليه،

ويضحى الطعن برمته على غير أساس، إلا أنه لما كان الحكم المعطون فيه بعد أن خلص إلى إدانة الطاعن في الجرائم المسندة إليه وأعمل نص المادة (84) من قانون الجزاء وأوقع عليه عقوبة الجريمة الأشد – وهي جريمة تسليم العدو وسائل مواصلات المنصوص عليها في المادة (6/ ج) من القانون رقم 31/ 1970 بتعديل بعض أحكام قانون الجزاء والمقررة لها عقوبة الإعدام ونزل بها إلى الحبس المؤبد طبقًا لنص المادة (83) من قانون الجزاء ما كان له أن يقضي عليه أيضًا بالغرامة المقررة – كعقوبة أصلية – للجريمة الأخف المرتبطة بتلك الجناية والمنصوص عليها بالمادة (5/ 1، 2) من القانون رقم 31/ 1970 المشار إليه والتي لا تقل عن ألفي دينار،

كما أنه لما كان مؤدى ما تنعى عليه المادة (50) من القانون رقم 31/ 1970 من أنه فضلاً عن العقوبات المقررة للجرائم المذكورة في المواد (44) إلى (48) من هذا القانون يحكم على الجاني بالعزل والرد بغرامة مساوية لقيمة ما اختلسه أو استولى عليه من مال أو منفعة أو ربح أن الحكم بالغرامة النسبية مناطه أن يكون الجاني قد اختلس أو استولى على مال أو منفعة أو ربح فتقدر الغرامة بقدر ما اختلسه أو استولى عليه، وكان الطاعن قد وقف نشاطه في هذه الجريمة – عند حد تسهيل استيلاء الغير على المال العام دون أن يدخل في ذمته شيئًا من ذلك المال فإن الحكم بالغرامة النسبية – كعقوبة تكميلية – ينتفي موجبه في هذه الحالة – كما أن الحكم بالرد لم يشرع للعقاب أو الزجر،

إنما قصد به إعادة الحال إلى ما كانت عليه قبل ارتكاب الجريمة، والقضاء به يدور مع موجبه من بقاء المال في ذمة الجاني الذي اختلسه أو استولى عليه، وإذ كان الطاعن لم يدخل في ذمته شيئًا من المال العام الذي وقف دوره عند حد تسهيل الاستيلاء عليه للغير فإن قضاء الحكم المطعون فيه عليه بالرد لا يكون له محل.

لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد خالف هذا النظر فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون بما يخول محكمة التمييز – طبقًا لنص الفقرة الأخيرة من المادة العاشرة من القانون رقم 40/ 1972 بشأن حالات الطعن بالتمييز وإجراءاته أن تميز الحكم المطعون فيه من تلقاء نفسها تمييزًا جزئيًا لمصلحة الطاعن، وتصححه بإلغاء عقوبات الغرامة البالغة ألفي دينار والرد والغرامة النسبية اكتفاءً بعقوبة الحبس المؤبد المقررة للجريمة الأشد والعزل من وظيفته ولو لم يرد هذا الوجه في أسباب الطعن.