بحث ودراسة حول مسودة الدستور العراقي الجديد الباب الثالث

الباب الثالث

السلطات الاتحادية

(مجلس النواب )

((السلطات الاتحادية))

مجلس النواب

اليمين الدستوري :-
نظمت المادة (49) من مسودة الدستور اليمين الدستورية التي يؤديها عضو مجلس النواب ورئيس الوزراء ورئيس الجمهورية حيث نصت :
( أقسم بالله العظيم أن أؤدي مهماتي ومسؤولياتي القانونية بتفان و إخلاص وأن أحافظ على استقلال العراق و سيادته و أرعى مصالح شعبه وأسهر على سلامة أرضه و سمائه و مياهه و ثرواته و نظامه الديمقراطي الاتحادي وأن أعمل على صيانة الحريات العامة و الخاصة واستقلال القضاء و التزام بتطبيق التشريعات بأمانة و حياد و الله على ما أقول شهيد ) .
يلاحظ أن المادة (69) الخاصة بقسم رئيس الجمهورية و المادة (76) الخاصة بقسم مجلس الوزراء اعتبرت كذلك الصيغة الواردة في المادة (49) من المسودة الخاصة بقسم مجلس النواب صيغتاً لأداء اليمين الدستورية لرئيس الجمهورية و مجلس الوزراء .

من دراسة الصيغة للقسم أعلاه نرى أنه أغفل ذكر عبارة مهمة كان لا بد من ذكرها فيه ألا وهي عبارة (( وأن أحافظ على وحدة العراق و سلامة أراضيه )) حيث كان من المفترض أدراج هذه العبارة بعد كلمة مصالح شعبه بعد إبدال كلمة ( أسهر) بكلمة (وأحافظ) وهذا يعطي للقسم أهمية في الحفاظ على سلامة أراضي العراق حينما يربط القسم بين الحفاظ على المهام القانونية و الديمقراطية بالمحافظة على وحدة أرض العراق و سلامة أراضيه و يضفي على القسم صفة الولاء للوطن كله .
و من جانب ثاني أن عدم ذكر عبارة الحفاظ على وحدة العراق يشير الشكوك و المخاوف لدى القارئ لهذا النص من إعطاء المجال مستقبلاً ( لا سامح الله ) لتفكك أراضي العراق على حساب الوطن الواحد الموحد ، خصوصاً و أننا سمعنا من بعض الساسة العراقيين ممن شاركوا بكتابة المسودة من خلال المؤتمرات الصحفية مطالبتهم و بإلحاح بإضافة عبارة (المحافظة على وحدة العراق) إلى صيغة اليمين ألا أن طلبهم هذا (رفض) فضلاً على أنه كان هناك نص في المسودة الأولى التي قدمت و نشرت قبل 15 أب يحمل عبارة المحافظة على وحدة و سلامة أراضي العراق . قد حذف من قبل اللجنة .
هذا كله يثير الشبه من أن عدم أدراج عبارة وحدة العراق في صيغة اليمين الدستورية و رفض أحد الفصائل السياسية بشدة طلب أدراجها ربما يكون مقصود لأمراً أو لغاية لا سامح الله .

((ضرورة النص على إصدار قانون مجلس النواب))

نصت المادة 48/خامساً من المسودة على :-
(( يقوم مجلس النواب بسن قانون يعالج حالات استبدال أعضائه عند الاستقالة أو الإقالة أو الوفاة ))
وكذلك نصت المادة (50) على :-
(يضع مجلس النواب نظاماً داخلياً له لتنظيم سير العمل فيه ) .
من دراسة نص المادة 48/خامساً نلاحظ أنه لم يشر صراحتةً على سن قانون لمجلس النواب باعتباره ((قانون مجلس النواب)) و الذي بموجبه تنظم كامل أعمال و صلاحيات و اختصاصات ووظائف وشؤون مجلس النواب وأن ما نلاحظه تأكيد النص على إصدار قانون يعالج فقط حالات استبدال أعضاء مجلس النواب و لكون نص المادة 48/خامساً نص دستوري عليه فأذا سن مثل هكذا قانون فأنه سوف يلتزم بما ورد بهذا النص أي بمعنى أخر أنه سوف يعالج حالات استبدال الأعضاء فقط .
وهذا غير كافي لذلك كان الأجدر أن يوضع نص دستوري صريح ينص على سن قانون لمجلس النواب يسمى ((قانون مجلس النواب)) خصوصاً إذا ما علمنا أن مجلس النواب سلطة تشريعية عليا .
أما ما ورد في المادة (50) من المسودة فالكلام عليه يستمد من الكلام عن عدم وجود نص يشير صراحة على وجود قانون لمجلس النواب فكما معروف أن وجود نظام داخلي يجب أن يسبقه وجود قانون لمجلس النواب عليه سوف نكون أمام حالة مشابهة للحالة التي كانت عليها ((الجمعية الوطنية الحالية)) فكما معروف أنها كانت تعمل و تسير وفق مواد وفقرات من قانون أداره الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية و ليس وفق قانون تشريعي واضح .

النص المقترح البديل :-
((كافة شؤون مجلس النواب المتعلقة بعمله و شؤون أعضائه تنظم بقانون)) .

(الاغلبية المطلقة)
نصت المادة 58/أولاً /أ (يتحقيق نصاب انعقاد جلسات مجلس النواب بحضور الأغلبية المطلقة لعدد أعضائه ) .

يلاحظ من هذا النص أنه رفع نسبة حضور أعضاء مجلس النواب إلى نسبة الأغلبية المطلقة لأمكانية انعقاد جلسات مجلس النواب وهذه النسبة المطلوبة مبالغ بها كثيراً وربما تكون سبباً لتأخر انعقاد جلسات مجلس النواب لعدم حصول النسبة المطلوبة (الأغلبية المطلقة) وكان الأجدر بالنص اعتبار المجلس منعقداً بحضور الأغلبية البسيطة وهذا يضمن استمرار انعقاد الجلسات سيما وأن أنقاد المجلس لا يعني التصويت .
ومن جانب ثاني أن النص على حضور الأغلبية المطلقة واعتبارها النصاب القانوني المطلوب قد يكون سبباً لتحكم الكتل البرلمانية المؤتلفة في البرلمان وسيطرتها على سير العمل في المجلس . وبالتالي يكون سبباً لضعف الكيانات والأعضاء المستقلين في المجلس والمتمثل بعجزهم عن عقد جلسة لمجلس النواب بدون نفوذ الكتل الكبيرة .
ومما يزيد الأمر غرابة أن الفقرة ب/أولاً من ذات المادة (58) من المسودة تنص على (تتخذ القرارات في جلسات مجلس النواب بالأغلبية البسيطة بعد تحقق النصاب ما لم ينص على خلاف ذلك) .
وهنا نلاحظ أن المسودة أعطت لانعقاد جلسة مجلس النواب أهمية أكبر من التصويت على القرارات .

النص المقترح البديل :-
المادة 58/ أولاً /أ ( يتحقق نصاب انعقاد جلسات مجلس النواب بحضور الأغلبية البسيطة لعدد أعضائه ) .
نصت المادة 58/ثانياً :-
أ?- مشروعات القوانين تقدم من رئيس الجمهورية و مجلس الوزراء .
ب- مقترحات القوانين تقدم من عشرة من أعضاء مجلـس النـواب أو من
إحدى لجانه المتخصصة .

من دراسة هذه المادة بفقرتها (ثانياً/أ ) نستخلص ما يلي :-

1- أن إعطاء رئيس الجمهورية حق تقديم مشروعات القوانين فيه تدخل واضح من السلطة التنفيذية بأعمال السلطة التشريعية المحصورة بمجلس النواب حيث أن مجلس النواب هو الجهة الوحيدة وكما نصت مسودة الدستور لها الحق بسن و صياغة وتشريع القوانين .
2- من جانب ثاني و عملاً بما ورد في المادة (71) من المسودة و بالتحديد بالمادة المتعلقة بصلاحيات رئيس الجمهورية نلاحظ أن الفقرة ثالثاً منها نصت على ( يصادق ويصدر القوانين التي يسنها مجلس النواب وتعد مصادقاً عليها بعد مضي خمسة عشر يوماً من تاريخ تسلمها ) .

من هنا نلاحظ أنه رئيس الجمهورية أعطيت له مهمة المصادقة على القوانين التي يسنها مجلس النواب و بالتالي فأن هذا النص حصر مهمة سن القوانين بمجلس النواب ومنح رئيس الجمهورية مهمة المصادقة عليها شكلياً بعد إقرار من قبل مجلس النواب فبالتالي نلاحظ أن نص المادة 58/ ثانياً /أ فيه تناقض مع نص (71) من المسودة وبالتالي يشكل حالة من حالات المس بمبدأ الفصل بين السلطات .

((الفصل بين السلطات))

جاء في المادة (46) من مسودة الدستور على (تتكون السلطات الاتحادية من السلطات التشريعية و التنفيذية و القضائية و تمارس اختصاصها و مهماتها على أساس مبدأ الفصل بين السلطات .

مما تقدم من النص أعلاه نلاحظ أن مسودة الدستور أخذت بمبدأ الفصل بين السلطات و لكن الذي يراجع نص المادة (59) من المسودة و التي تعالج اختصاصات مجلس النواب يلاحظ جلياً مدى التدخل من قبل السلطة التشريعية (مجلس النواب) بعمل السلطات الأخرى القضائية و التنفيذية و نوضح ذلك كما يلي :-
أ-جاء بالمادة (59/خامساًً /أ ) أن من صلاحيات مجلـس النـواب تعيين بعـض العناوين الوظيفية الواردة فيها كما يلي :(رئيس و أعضاء محـكمة التمـييز الاتحادية ورئيس الإدعاء العام ورئيس هيئة الأشراف العدلي …) .
ب- السفراء و أصحاب الدرجـات الخـاصة باقتراح من مجلـس الـوزراء .
ج- رئيس أركان الجيش و معاونيه و من هم بمنصب قائـد فرقـة فما فـوق
ورئيس جهاز المخابرات بناء على اقتراح من مجلس الوزراء .

عليه ومن دراسة هذه المادة بالفقرات أعلاه نجد أن تعيين رئيس الإدعاء العام و هيئة الأشراف العدلي هي من الوظائف القضائية البحتة و التي كان من المفترض حصرها بمجلس القضاء الأعلى الذي اعتبرته المسودة ممثلاً للسلطة القضائية لا أن يعطى الاختصاص بمجلس النواب الممثل للسلطة التشريعية عليه فأن ذلك يشكل خرقاً واضحاً لمبدأ الفصل بين السلطات الذي أكدت عليه المسودة.
2- أن قيام مجلس النواب بتعيين السفراء ورئيس أركان الجيش و معاونيه ومن هم بمنصب قائد فرقة فما فوق يشكل من حالات التدخل من قبل السلطة التشريعية (مجلس النواب) بأعمال السلطة التنفيذية (مجلس الوزراء) حيث كان من المفترض أن يكون الأمر بتعيين السفراء هو حصراً من اختصاص مجلس الوزراء بالتشاور مع وزارة الخارجية و نفس الأمر يقال بالنسبة لتعيين منصب رئيس أركان الجيش و معاونيه ومن هم بمنصب قائد فرقة فما فوق فكما هو معروف أن هؤلاء هم من الضباط و عادة يكون أمر تعينهم من اختصاص وزارة الدفاع بالتشاور مع مجلس الوزراء .
أما أن يعطى هذا الاختصاص إلى مجلس النواب فهذا أمر فيه مبالغة كبيرة جداً و يمثل حالة من حالات احتكار السلطة التشريعية لما ليس لها الحق فيه و معارضه واضحة و صريحة لنص المادة
(46) من المسودة التي أكدت على مبدأ الفصل بين السلطات .

ومن جانب أخر منح مجلس النواب صلاحيات مبالغ بها عن صلاحياته (التشريعية)) المعتادة يمثل حالة من حالات السيطرة المقصودة للكتل البرلمانية الكبيرة فيه على مفاصل الدولة الوظيفية مما يعطي الوظيفة وجهاً أخر غير وجهها المهني الصرف و المتمثل بالاعتماد على الكفاءات من (التكنوقراط) و اللجوء إلى التسيس للوظيفة العامة وهذا ما حصل فعلاً خلال المرحلة الانتقالية فكثيراً ما لاحظنا أن المناصب المهمة في الوزارة كافة أعطيت لأشخاص لا لكفاءتهم و أنما تبعاً لأنتمائاتهم الحزبية . و هذا ما خلف حالة غير طبيعة في عمل هذه الدوائر من تدهور و إهمال و انتشار حالات الفساد الإداري و المالي .

النظام الاتحادي

(الفيدرالية)

((الفيدرالية الاتحادية))

نصت المادة (1) من المسودة على ((جمهورية العراق دولة مستقلة ذات سيادة نظام الحكم فيها جمهوري نيابي (برلماني) ديمقراطي اتحادي )) .
هنا ومن أجل إغناء البحث و إيضاح بعض المفاهيم و المصطلحات الجديدة التي جاءت بها مسودة الدستور وعلى رأسها مصطلح العراق الاتحادي (الفيدرالي)لابد هنا من أيراد مقدمة أكاديمية حول المقصود بمصطلح (الفيدرالية)كشكل من أشكال الدول المركبة و كما يلي :-

((الاتحاد المركزي أو الفيدرالي))

وهو شكل من أشكال الدول المركبة الذي يقوم بين عدة دول تتنازل كل منها بمقتضى الدستور الاتحادي عن بعض سلطاتها الداخلية و عن سيادتها الخارجية للكيان القانوني الجديدة المسمى بالدولة الاتحادية(1). وهنا يلاحظ أن الدويلات التي تدخل في تكوين الاتحاد لا يمكن تسميتها دولاً نظراً لفقدانها السيادة الخارجية و جزءاً من السيادة الداخلية و يسند الاتحاد الفيدرالي إلى الدستور الاتحادي وأن العلاقات بين الدول المركزية من جهة و الدويلات الأعضاء من جهة أخرى هي علاقات قانون داخلي تخضع للدستور . أما ما يخص السلطة الداخلية فأنها في ظل الاتحاد الفيدرالي توزع بين الحكومة الاتحادية و حكومات الدويلات .

(1) كتاب النظرية العامة في القانون الدستوري و النظام الدستوري في العراق /جامعة بغداد /كلية القانون / المكتبة القانونية /بغداد / د. إحسان المفرجي و د. كطران زغير ود.رعد الجدة .

((كيفية نشأة الاتحاد المركزي الفيدرالي))

ينشاء الاتحاد الفيدرالي أما بطريقة تفكك دولة موحدة بسيطة إلى عدد من الدول مع رغبتها بالارتباط معها في شكل اتحاد مركزي تبعاً لأسباب عديدة منها تعدد القوميات في تلك الدولة . أما الوجه الثاني لتكوين الاتحاد الفيدرالي فيكون بطريقة انضمام عدد من الدول في دولة مستقلة واحدة في شكل اتحاد مركزي فيدرالي .
وكما لاحظنا فأنه لا يوجد في الاتحاد الفيدرالي سوى شخصية دولية واحدة و يترتب على كل وحدة الشخصية للدول الاتحادية ما يلي :-
1- أن يكون للدولة المركزية وحدها الدخول في علاقات دولية مع غيرها من الدول .
2- أن تكون الحكومة الاتحادية وحدها عضواً في المنظمات الدولية .
3- أن يكون للحكومة الاتحادية فقط حق إبرام المعاهدات .
4- أن يحصر حق التبادل و التمثيل الدبلوماسي في الحكومة الاتحادية .
5- الحكومة الاتحادية هي وحدها لها الحق تقرير الحرب و السلم .
أما في مجال المظاهر الوحدوية الداخلية للدولة الفيدرالية فتتمثل في فقدان هذه الدول لجانباً من سيادتها الداخلية لمصلحة دولة الاتحاد و يترتب على ذلك قيام مؤسسات اتحادية موحدة ومنها :-
1- وجود دستور مركزي موحد يحدد اختصاصات كل من هيئات الحكومة
المركزية و هيئات و حكومات الدويلات .
2- وجود هيئة تشريعية موحدة .
3- وجود هيئة تنفيذية مركزية موحدة .
4- وجود هيئة قضائية مركزية موحدة .
عليه ومن خلال المقدمة التمهيدية أعلاه نورد الملاحظات التفصيلية عما جاءت به مسودة الدستور من مواد و نصوص تنظم سلطات و صلاحيات الحكومة الاتحادية و حكومات الأقاليم و بالتفصيل الأتي :-
المادة (1) : جمهورية العراق دولة مستقلة ذات سيادة نظام الحكم فيها جمهوري نيابي (برلماني) ديمقراطي اتحادي .
من دراسة هذه المادة نلاحظ أنها جعلت شكل الدولة (اتحادي) و بذلك أخرج العراق من كونه دولة مركزية بسيطة الى دولة مركبة اتحادية و لكن يشار ما أخذ على هذا النص يتمثل في أن النص لم يحدد أي نوع من أنواع الأنظمة الاتحادية يقصد به ؟ فكما هو معروف أن الأنظمة الاتحادية للدول المركبة هي عديدة ومنها الاتحاد الشخصي و الاتحاد الاستقلالي أو التعاهدي أو الكونفدرالي و الاتحاد المركزي أو الفيدرالي عليه كان الأجدر بالنص يراعي ذلك و ينص صراحتةً نوع هذا الاتحاد .
ورغم ذلك قد يقول قائل أن ذلك يتوضح من قراءات بقية نصوص المسودة و التي تظهر أن الاتحاد يقصد به الاتحاد الفيدرالي .
والجواب على هذا الاستنتاج أيضاً ليس بالجواب الجازم المؤكد سيما و أن بعض مواد و الفقرات من المسودة تمثل خروجاً و تجاوزاً واضح لأسس النظام الفيدرالي .

((النفط و الغاز و باقي الثروات المعدنية الأخرى))

نصت المادة 109 من مسودة الدستور على :- (النفط و الغاز هما ملك كل الشعب العراقي في كل الأقاليم و المحافظات ) .

كما نصت المادة 110 من المسودة على ( تقوم الحكومة الاتحادية بإدارة النفط و الغاز المستخرج من الحقول الحالية مع حكومات الأقاليم و المحافظات المنتجة على أن توزع وارداتها بشكل منصف يتناسب مع التوزيع السكاني في جميع أنحاء البلاد مع تحديد حصة لفترة محددة للأقاليم المتضررة و التي تضررت بعد ذلك بما يؤمن التنمية المتوازنة للمناطق المختلفة من البلاد و ينظم ذلك بقانون).
من دراسة نص المادة (109) من المسودة يتضح لنا جلياً أنها عالجت فقط موضوع ((النفط و الغاز )) في اعتبارهما ملكاً لكل الشعب العراقي في كل الأقاليم و المحافظات في حين أغفلت و تجاهلت هذه المادة ذكر مصير بقية المعادن و الخيرات التي تزخر فيها أرض العراق (( كالحديد و الكبريت و الزئبق بأنواعه و اليورانيوم بأنواعه و المغنيسيوم و النحاس و الفحم و الرصاص و غيرها الكثير )).
و الفهم القانوني لهذه المادة يعني أن ما تم ذكره من نفط وغاز هو ملك لكل لشعب العراقي بغض النظر عن مكان إنتاجه . أما ما لم يتم ذكره فأنه سيكـون
( ملكاً خالصاً للإقليم أو المحافظة التي تنتجه و يستخرج منها ) دون أن تشاركها فيه الحكومة الاتحادية أو الأقاليم و المحافظات الأخرى .
عطفاً عما ورد في المادة (110) من المسودة من عبارة (المستخرج من الحقول الحالية ) نجد أن هذه المادة حصرت أدارة النفط و الغاز (فقط) ((المستخرج حالياً )) بالحكومة الاتحادية و حكومات الأقاليم و المحافظات المنتجة ،
أما ما لم يتم استخراجه حالياً من باطن الأرض من نفط و غاز فأنه يكون ملكاً خالصاً للأقاليم و المحافظات المنتجة و يكون بإدارتها فقط دون أن يكون للحكومة الاتحادية أو بقية الأقاليم و المحافظات أي شأن في ذلك .
فضلاً عن أن نص المادة (110) و كما حصل مع نص المادة (109) حصر الأمر ( بالنفط و الغاز) فقط و أستثنى ماعداها باعتباره ملكاً للإقليم و المحافظة المنتجة فقط .
عليه نرى أن المادتين (109) و (110) جاءت مخالفة لمبدأ ((الثروة الوطنية))
الذي يعتبر جميع موارد العراق من نفط و غاز و غيرها من الموارد المعدنية ملكاً خالصاً للشعب العراقي بكامل محافظاته سواء الذي أكتشف و أستخرج منها أم الذي لا يزال في باطن الأرض و لم يستخرج .
عليه فأنه لو طبق هذين النصين سوف نكون أمام وضعاً اقتصادياً متفاوتاً و بشكل كبير بين مناطق العراق المختلفة تبعاً لأماكن وجود الثروات و المعادن فيه مما يخل بميزان التنمية العادلة .

النص المقترح الجديد :-

نص المادة (109) :- النفط و الغاز و كافة المعادن و الفلزات الأخرى مللك للشعب العراقي بكافة محافظاته دون استثناء .
المادة (110) ( تقوم الحكومة العراقية بإدارة النفط و الغاز و بقية المعادن و الفلزات الأخرى المستخرجة حالياً و التي لا تزال في باطن الأرض من غير المكتشفة و المستخرجة . على أن توزع وارداتها بشكل منصف بين كافة المحافظات بما يتناسب مع التوزيع السكاني في جميع أنحاء العراق مع الاهتمام بالمحافظات التي تضررت في فترة النظام السابق و التي تضررت بعد ذلك بما يؤمن التنمية المتوازنة للمناطق المختلفة من البلاد .

((المحكمة الاتحادية العليا))

نصت المادة (90) من مسودة الدستور على تشكيل هيئة قضائية تسمى المحكمة الاتحادية العليا و جاء في الفقرة أولاً :
((المحكمة الاتحادية العليا هيئة قضائية مستقلة مالياً و أدارياً ))
ثانياً : – تتكون المحكمة الاتحادية العليا من عدد من القضاة و خبراء في الفقه الإسلامي و فقهاء القانون ، و يحدد عددهم و تنظم طريقة اختيارهم و عمل المحكمة بقانون يسن بأغلبية ثلثي أعضاء مجلس النواب .

يتضح مما جاء في الفقرة أولاً من المحكمة هي هيئة قضائية مستقلة . في حين أن الفقرة ثانياً من ذات المادة (90) تسمح لغير القضاة بأن يكونوا أعضاء فيها حيث صنفت الفقرة ثانياً أعضاء هيئة المحكمة من ثلاث فئات هم :
1- القضاة .
2- خبراء في الفقه الإسلامي .
3- فقهاء القانون .
و لكون الفئات الأخرى من بين تشكيل المحكمة من خبراء الفقه الإسلامي و فقهاء القانون هم من غير القضاء عليه فأن ما جاء بالفقرة ثانياً قد ناقض و خالف نص الفقرة أولاً من ذات المادة و الذي عرفة المحكمة الاتحادية بأنها (هيئة قضائية) و كما معروف بأن الهيئات القضائية يقتصر تكوينها على القضاة فقط .
و هنا قد يقول قائل أن وجود فقهاء القانون و الخبراء في الفقه الإسلامي ضرورياً في تفسير بعض النصوص الدستورية و القانونية سيما و أن الفقرة أولاً من المادة (2) من مسودة الدستور نصت على ( الإسلام دين الدولة الرسمي و هو مصدر أساس للتشريع و لا يجوز سن قانون يتعارض مع ثوابت أحكام الإسلام ).
و هنا نجيب بالقول أنه فعلاً في ضوء النص السابق تبرز ضرورة وجود مثل هؤلاء الخبراء و الفقهاء لسير عمل المحكمة (ولكن) بشرط أن يكون وجودهم ليس بصفة أعضاء في المحكمة بل يمكن للمحكمة الاستئناس بهم عند الحاجة بأخذ الرأي في بعض الأمور الشرعية و القانونية .
هذا و من جانب ثاني ورد في الفقرة ثانياً من المادة (90) أن المحكمة من حيث عملها وعدد القضاة و طريقة اختيارهم يسن بقانون لأغلبية ثلثي أعضاء مجلس النواب في حين أن المحكمة الاتحادية العليا قد تشكلت فعلاً و بدء العمل بها . بموجب الأمر رقم (30) لسنة 2005 الذي نشر في جريدة الوقائع العراقية رقم 3996 في 17/ آذار / 2005 و كذلك صدر النظام رقم (1) لسنة 2005 الخاص بأجراء سير العمل بالمحكمة الاتحادية العليا و الذي نشر في جريدة الوقائع العراقية بالعدد 3997 في 2/أيار/2005 و بموجب قانون المحكمة الاتحادية أعلاه رقم (30) لسنة 2005 حدد عدد قضاة المحكمة من رئيس و ثمانية أعضاء و كما أن قانون المحكمة الاتحادية أعلاه رقم (30) لسنة 2005 لم يشير إلى أنها تتكون من خبراء في الفقه الإسلامي و فقهاء قانون و كذلك حدد هذا القانون اختصاص عملها حسبما ورد في المادة (4) من القانون .
عليه فأن هذه المحكمة مشكله و موجودة ولها كيان و بدأت العمل فأي قانون أكدت عليه المسودة بموجب الفقرة ثانياً من المادة (90) سوف يسن لإنشاء المحكمة و أن حصل ذلك فما مصير المحكمة الموجودة الآن ؟؟

النص المقترح للمادة (90) فقرة ثانياً :-
تتكون المحكمة من عدد من القضاة و يمكن للمحكمة الاستئناس بآراء خبراء بالفقه الإسلامي و فقهاء القانون في القضايا التي يحتاج فيها إلى ذلك .

تأسيس مكاتب للأقاليم و المحافظات
في السفارات والبعثات الدبلوماسية
(صورة من صور الكونفدرالية)

جاء في المادة 118/رابعاً من المسودة :-
توئسس مكاتب للأقاليم و المحافظات في السفارات و البعثات الدبلوماسية لمتابعة الشؤون الثقافية و الاجتماعية و الإنمائية .

من دراسة هذه المادة نستخلص ما يلي :-
1- في الاتحاد الفيدرالي وكما هو واضح من كتابات فقهاء القانون لا توجد
سوى شخصية دولة الاتحاد في المجال الخارجي وبالتالي فأن اختفاء مظاهر التمثيل الخارجي للدويلات الداخلة فيه يمثل مظهر من مظاهر الوحدوية للدولة الاتحادية و يترتب على ذلك وحدة الشخصية الدولية لدولة الاتحاد وهذا يقتضي انتهاء مظاهر التمثيل الخارجي لدويلات الاتحاد وأقاليمه نهائياً وبأي شكل كان هذا التمثيل من فتح مكاتب أو سفارات بمكاتب متعددة كما أشار النص موضوع البحث عليه ومن المظاهر الواضحة التي تترتب على ذلك :-
1- أن تكن الحكومة الاتحادية وحدها حق التمثيل الخارجي الدبلوماسي وغيره .
2- أن يسمح للحكومة الاتحادية وحدها الانضمام للمنظمات الدولية و الإقليمية مهما كان نوعها وطبيعة عملها .
3- أن يكون للحكومة الاتحادية وحدها حق تنظم وممارسة التجارة الخارجية خارج حدود الدويلات و الأقاليم .
4- أن يكون للحكومة الاتحادية وحدها حق إبرام المعاهدات و الاتفاقيات مع المنظمات و الدول الأخرى .
عليه و بالعودة إلى نص الفقرة رابعاً من المادة (118/رابعاً) من مسودة الدستور نلاحظ أنها خرجت عن مفهوم الدولة الفيدرالية وذلك بإعطائها حق للأقاليم فتح مكاتب في السفارات و البعثات الدبلوماسية وهذا بدوره ليس ألا صورة من صور التمثيل الخارجي الذي لا يمكن منحه في النظام الفيدرالي ألا للحكومة الاتحادية حصراً .
عليه ومن رؤية قانونية صرفة يعتبر نص المادة رابعاً من المادة (118) صورة من صور الاتحاد الكونفدرالي و الذي بموجبه يسمح للدول الداخلة في الاتحاد بالاحتفاظ بالمظاهر الخارجية من حيث أن كل دولة داخلة فيه تحتفظ بكامل شخصيتها الدولية .
ومن جانب ثاني أن نص المادة (118) بفقرته /رابعاً يتناقض ويخالف ما ورد في نص المادة (108) بفقرتها أولاً و التي نصت على أن تختص السلطات الاتحادية بالاختصاصات الحصرية ومنها رسم السياسة الخارجية و التمثيل الدبلوماسي و التفاوض بشأن المعاهدات و الاتفاقيات الدولية وسياسات الافتراض و التوقيع عليها ………) .
و لو بقينا في ذات النص 118/رابعاً لوجدنا أن أحد أهداف المكاتب التي يمكن للإقليم فتحها في السفارات و البعثات الدبلوماسية هي لمتابعة الشؤون الإنمائية

وعند تفسير معنى الشؤون الإنمائية للإقليم نجده لا يعدو أن يكون مفهوماً اقتصادية بصور متعددة ومنها التجارة الخارجية بمفهومها الواسع من استيراد وتصدير واستثمار وإنشاء وتطوير البنى التحتية وما يتبعها من أشكال وصور أخرى لمفهوم التنمية .
أن ممارسة سلطات الأقاليم لهذه الأشكال الاقتصادية خارج حدود الإقليم يمس ويتعدى سلطات الحكومة الاتحادية ويمثل خروجاً عند مفهوم الدولة الاتحادية التي حصرت سياسات التجارة الخارجية بمفهومها الاقتصادي الواسع بيد الحكومة الاتحادية .

إنشاء القوات المسلحة في النظام الفيدرالي يكون حصراً للسلطة الاتحادية

جاء في المادة (118/خامساً ) من مسودة الدستور :-
(تختص حكومة الإقليم بكل ما تتطلبه أداره الإقليم و بوجه خاص إنشاء و تنظيم قوى الأمن الداخلي للإقليم كالشرطة و الأمن وحرس الإقليم) .

مما تقدم من النص أعلاه و بالتحديد فيما جاء بأخر عجز المادة من عبارة (حرس الأقاليم) نلاحظ إن هذه العبارة تفسر على إنشاء قوات مسلحة تسمى بحرس الإقليم بحيث لا يمكن أن نصفها بغير ذلك فحرس الإقليم من مضمون النص لا يمكن أن يكونوا من الشرطة ولا قوى الأمن الداخلي ولا من الأمن حيث أن هذه المسميات تم ذكرها حصراً في النص عليه .
لذلك فأن إعطاء هذه الصلاحية لسلطة الإقليم يعتبر خروجاً عن مفهوم الدولة الفيدرالية و يدخل ضمن اصطلاح الدولة الكونفدرالية ففي الدول الفيدرالية تبقى صلاحية إنشاء و تكوين و قيادة الجيش و القوات المسلحة حكراً بيد الحكومة الاتحادية حيث أن مواضيع عديدة كالقضايا الخارجية و الدفاع و السيطرة على القوات المسلحة هي من المصالح العامة وهي من اختصاص الحكومة الاتحادية الفيدرالية (1) .
ومن جانب ثاني أن إنشاء حرس الإقليم الذي جعل من صلاحيات حكومات الأقاليم بهدف الدفاع و حماية الإقليم أيضاً مهمة من مهمات الحكومة الاتحادية كون أن عمل ونشاط حرس الإقليم لا يتعدى أن يكون من أعمال الدفاع و التي تدخل حصراً بسلطات الحكومة الاتحادية التي من شأنها إنشاء القوات المسلحة للدفاع عن كامل أراضي الدولة الاتحادية .

1- المدخل لدراسة العلوم السياسية /الدكتور أبروريا/جامعة أوستن الأمريكية /الطبعة الأولى بغداد ص 270 .

ومن جانب ثاني أن نص المادة (118/خامساً) و بالذات فيما يخص إنشاء(قوات حرس الإقليم) يناقض ويخالف نص المادة (108/ثانياً) من المسودة التي حددت السلطات الحصرية للحكومة الاتحادية في الفقرة ثانياً في (وضع سياسة الأمن الوطني و تنفيذها بما في ذلك إنشاء قوات مسلحة و أدارتها لتأمين حماية و ضمان أمن حدود العراق و الدفاع عنه ).