دراسة موضحة للعلاقه بين القانون الدولي الإنساني و القانون الدولي لحقوق الإنسان

المحتويات

الموضوع الصفحة
من إلى
المقدمة
الفصل الأول
ماهية القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان

المبحث الأول : ماهية القانون الدولي الإنساني
المطلب الأول : تعريف القانون الدولي الإنساني
المطلب الثاني : تطور القانون الدولي الإنساني
المطلب الثالث: مصادر القانون الدولي الإنساني

المبحث الثاني : ماهية القانون الدولي لحقوق الإنسان
المطلب الأول: تعريف القانون الدولي لحقوق الإنسان:
المطلب الثاني: تطور القانون الدولي لحقوق الإنسان:
المطلب الثالث : مصادر القانون الدولي لحقوق الإنسان:

الفصل الثاني
نطاق تطبيق القانونين
المبحث الأول : نطاق التطبيق المادي للقانونين

المطلب الثاني: النزاعات المسلحة الداخلية
المبحث الثاني : النطاق الشخصي لتطبيق القانونين
المطلب الأول : أشخاص القانون الدولي الإنساني
المطلب الثاني : أشخاص القانون الدولي لحقوق الإنسان
المبحث الثالث : الحقوق المشموله بحماية القانونين
المطلب الأول : انواع الحقوق التي يحميها القانونين
المطلب الثاني : نطاق الحماية ومداها
المطلب الثالث: التداخل في الحمايه التي يوفرها القانونين
الفصل الثالث
آليات تنفيذ القانونين
المبحث الأول : آليات تنفيذ القانون الدولي الإنساني

مقدمة

كثيراً ما يقع الخلط ما بين القانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الانسان على الرغم من اختلاف احكام كل منها.
وكثيراً ما وقعت الأمم المتحدة في هذا الخلط عندما تستخدم آليات وتغيرات خاصة بالقانون الدولي لحقوق الانسان في حالات تشكل انتهاكاً لقواعد القانون الدولي الانساني.
وحيث انه ليس من المنطق تطبيق احكام قاعدة على وقائع تخضع لاحكام قاعدة اخرى لما في ذلك من خروج على المقتضيات القانونية السليمة، من هنا جاءت ضرورة البحث في استقلالية القانون الدولي لحقوق الانسان، والقانون الدولي الإنساني.
ان كلا القانونين يهدفان الى حماية ارواح الافراد وصحتهم وكرامتهم من زاويتين مختلفتين، فعلى سبيل المثال: يهدف كل منهما الى حماية الحياة الإنسانية وحظر للاشخاص الخاضعين لاجراءات قضائية جنائية، كما تضم كل منهما احكاماً تكفل حماية النساء والاطفال وتوفير الغذاء والدواء.
الا انهما يختلفان في جوانب أخرى ، ففي الوقت الذي يعالج القانون الدولي الإنساني مواضيع تخرج من نطاق القانون الدولي لحقوق الانسان مثل: سير الاعمال العدائية والوضع القانوني للمقاتلين نجد بان القانون الدولي لحقوق الانسان يعالج جوانب لاتدخل في نطاق حماية القانون الدولي الإنساني من قبيل حماية حقوق الانسان في وقت السلم كحرية الصحافة والحق في الاجتماع والتصويت.

لقد خلطت الأمم المتحدة بين هذين القانونين في مناسبات عده ومن ذلك ان لجنة تقصي الحقائق التابعة للأمم المتحدة في السلفادور اعتبرت حكم الاعدام الذي نفذه الجيش السلفادوري في ممرضة القي القبض عليها بعد الهجوم على مستشفى لجبهة الفارابوندمارتي للتحرير الوطني يمثل خرقاً صارخاً للقانون الدولي الإنساني وحقوق القانون الدولي الإنساني وحقوق الانسان. ذهبت الأمم المتحدة الى اعتبار الاحداث الإنسانية في يوغسلافيا سنة 1990 والتي تعرض لها المدنيون في سراييفو تعد انتهاكات للقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان. ( )
لاشك بان هذا الخلط غير محبذ ويجب تجاوزه وذلك لوجود استقلال واضح بين مجالي هذين القانونيين . هذا الامر دعانا الى رصد العلاقة بين هذين الفرعين الحديثين نسبياً من خروج القانون ؟ الدولي العام وهما القانون الدولي لحقوق الإنسان الذي يعنى بحماية حقوق الإنسان في جميع الظروف، وفي زمن السلم والحرب وثانيهما هو القانون الدولي الإنساني الذي يُعنى بحماية حقوق الإنسان في ظرف النزاع المسلح. ففي حين يبدو الأول قانونا عاما شاملا يطبق في جميع الظروف، وإن كان كثيرا ما يتعثر تطبيقه من الناحية الواقعية في زمن الحرب، يبدو الثاني قانونا خاصا بظرف خاص وهو النزاع المسلح.
ومن جهة أخرى، وعلى الرغم من حداثة هذين القانونين نسبيا ، إلا أن قواعد القانون الدولي الإنساني كانت هي الأسبق بالظهور بنحو مئة عام . فقد بدأ تقنين قواعد هذا القانون بعد منتصف القرن التاسع عشر، وعلى الأخص بعد تشكيل اللجنة الدولية للصليب الأحمر عام 1863. في حين أن قواعد القانون الدولي لحقوق الإنسان لم تبدأ بالظهور كقانون مكتوب إلا بعد منتصف القرن العشرين بعد ان أولت هيئة الأمم المتحدة حقوق الإنسان اهتماما كبيرا. ( )
وبالنظر لاهمبة التمييز بين هذين الفرعين المهمين من فروع القانون الدولي فقد عزمت على دراستهما ساعيا الى القاء الضوء عليهما متطرقا الى مجالات تطبيقهما وآليات تنفيذهما, وفي هذا السبيل تطرقنا الى آخر الدراسات الفقهيه والاتفاقيات والصكوك الدوليه.
و قد قسمنا هذه الدراسة الى ثلاثة فصول نبحث في الفصل الاول منها ماهية القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان في حين نخصص الفصل الثاني للبحث في نطاق اختصاص القانونين اما الفصل الثالث فقد كرس في دراسة آليات تنفيذ القانونين وختمنا الدراسة بخاتمة ومقترحات نأمل ان تنال رضا الاساتذة الكرام .

الفصل الأول: ماهية القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان

سعي المجتمع الدولي الحثيث الى حماية الفرد مما قد يتعرض له من عنف وتعسف ، قادت الى ظهور مجموعتين من القواعد منها سمي بالقانون الدولي الإنساني الذي ظهر كمصطلح في سبعينيات القرن الماضي وارتبط بالمفاوضات التي جرت بين 1974-1977 في جنيف والتي انتهت بوضع بروتوكولي جنيف الملحقين باتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949 ، والذي يضم ماكان يصطلح عليه بقانون الحرب او قانون النزاعات المسلحة .والقسم الثاني من القواعد يطلق عليها تسمية القانون الدولي لحقوق الإنسان الذي ظهر كمصطلح أيضا في سبعينيات القرن الماضي على اثر نفاذ العهدين الدوليين لحقوق الإنسان ، ولهذين القانونين معاني متميزة نبينها في هذا الجزء من الدراسه.

المبحث الأول: ماهية القانون الدولي الإنساني

الحرب واقع قديم قدم الإنسانية نفسها، حيث عُرفت الحرب كأداة لتسوية الخلافات، منذ العهود الأولى لوجود الإنسان، لو عدنا إلى كتب التاريخ والمخطوطات القديمة، لوجدنا أرقاماً هائلة لأعداد الحروب، حيث يعجز العقل عن تصديق ذلك.
حيث تزودنا الإحصاءات بأن ( 14000 ) حرب اشتعلت خلال (5) آلاف سنة من التاريخ، وبلغت الخسائر بالأرواح نحو (5) مليارات من بني البشر، وخلال (3400) سنة الأخيرة، لم يعرف العالم سوى (250) عام من السلام، وجاءت الحرب العالمية الأولى على نحو (10) ملايين نسمة بالإضافة إلى (21) مليون نسمة ماتوا نتيجة الأوبئة التي خلفتها الحرب، وفي الحرب العالمية الثانية، وفي الحرب العالمية الثانية قتل نحو (40) مليون نسمة نصفهم من المدنيين ( )
وهكذا من خلال النظر إلى هذه ألأرقام الهائلة، كان لابد من السعي لإيجاد الحلول الوقائية التي تحول دون وقوع الحروب، أو حتى التخفيف منها قدر الإمكان، ومن هنا، كانت البدايات الأولى لظهور ما سمي فيما بعد ( القانون الدولي الإنساني ) حيث نجد أولى قواعده في الثقافات لبني البشر، حيث نتلمَّس قواعده في مبادئ الفروسية والمروءة ومساعدة الضعيف التي كانت تسود في المجتمعات القديمة.
ثم ظهرت قواعده في الأديان السماوية بدءاً بالدين المسيحي، حيث دعا السيد المسيح عليه السلام إلى المحبة والرحمة والتسامح، وعندما سادت المسيحية في أوروبا، وسيطرت الكنيسة على مقاليد الحكم، بدأ الفقهاء بإيجاد المبررات الدينية للحرب، فصاغوا نظرية (الحرب العادلة ). بعد ذلك جاءت الشريعة الإسلامية التي وضعت قواعد وأحكام محددة لتنظيم سلوك الدولة والأفراد على السواء في زمني السلم والحرب.

المطلب الأول: تعريف القانون الدولي الإنساني

وردت تعاريف كثيرة بخصوص القانون الدولي الإنساني ، فقد عرف بأنه “مجموعة المبادئ والأحكام المنظمة للوسائل والطرق الخاصة بالحرب بالإضافة إلى الحماية للسكان المدنيين ، والمرضى والمصابين من المقاتلين أسرى الحرب “( ).
كما عرفه البعض بأنه “مجموعة القواعد الدولية الموضوعة بمقتضى اتفاقيات واعراف دولية مخصصة بالتحديد لحل المشاكل ذات الصفة الإنسانية الناجمة مباشرة عن المنازعات المسلحة الدولية أو غير الدولية والتي تحد لاعتبارات إنسانية من حق أطراف النزاع في اللجوء إلى ما يختارونه من أساليب ووسائل في القتال ، وتحمي الأشخاص والممتلكات التي تتضرر من جراء النزاع”( ).

القانون الدولي الإنساني هو أحد فروع القانون الدولي العام الحديثة، يهدف هذا القانون إلى حماية الإنسان في ظرف طارئ، هو ظرف النزاع المسلح.
لقد تبنت اللجنة الدولية للصليب الأحمر، تعريفاً للقانون الدولي الإنساني، اعتبرت فيه أن هذا القانون يتكون من ( مجموعة القواعد الدولية المستمدة من الاتفاقيات والأعراف، التي تهدف بشكل خاص، إلى تسوية المشكلات الإنسانية الناجمة بصورة مباشرة، عن النزاعات المسلحة الدولية، أو غير الدولية والتي تقيَّد لأسباب إنسانية، حق أطراف النزاع في استخدام أساليب الحرب، وطرقها التي تروق لها، أو تحمي الأشخاص والأملاك المعرضين أو الذين يمكن أن يتعرضوا لأخطار النزاع ). ( )
وذهب البعض الى تعريفه بتعبير آخر بأنه ( مجموعة المبادئ والقواعد المتفق عليها دولياً، والتي تهدف إلى الحد من استخدام العنف في وقت النزاعات المسلحة عن طريق حماية الأفراد المشتركين في العمليات الحربية أو الذين توقفوا عن المشاركة فيها، والجرحى والمصابين والأسرى والمدنيين، وكذلك عن طريق جعل العنف في المعارك العسكرية مقتصراً على تلك الأعمال الضرورية لتحقيق الهدف العسكري ) ( ). والقانون الدولي الإنساني هو جزء من القانون الدولي الذي ينظم العلاقات بين الدول. ويتمثل القانون الدولي في الاتفاقيات التي ابرمتها الدول، والعرف الدولي التابع من ممارسات الدول والمقبول من جانبها باعتباره الزامياً، فضلاً عن المبادئ العامة للقانون. ( )

ويرجع ابتكار مصطلح ( القانون الدولي الانساني ) والذي تناولنا تعاريفه فيما تقدم، إلى القانوني المعروف ( Max Huber ) والذي شغل منصب رئاسة اللجنة الدولية للصليب الاحمر سابقا ولعدة سنوات ، ولم يلبث هذا المصطلح ان ظهر حتى تم تبنيه من قبل العديد من الفقهاء ، ويكاد يكون اليوم مصطلحاً رسمياً على الصعيد الدولي( ).
ومن التعاريف أعلاه ومن غيرها نستطيع ان نستنتج ان القانون الدولي الانساني ، عبارة عن مجموعة من القواعد الدولية التي تستهدف حماية شيئين اساسيين الاول هو حماية شخص الانسان ، الغاية الاساسية لهذا القانون وغيره من القوانين وثانيا حماية الأعيان والممتلكات لهذا الانسان . ولكن أي انسان هو المعني بحماية هذا القانون ، واي من ممتلكات هذا الانسان هي التي يحميها هذا القانون ؟ هل ان كل الافراد مشمولون بعناية هذا القانون ، وهل ان كل الاعيان مشمولة بهذه الحماية ؟
في الحقيقة ان القانون الدولي الانساني يعنى بالانسان والاعيان في وقت الحرب ، والانسان المشمول بهذه العناية هو الانسان غير المشترك في الحرب والانسان غير القادر على مواصلة الاشتراك في الحرب ، والمثال على الحالة الاولى المدنيون بشكل عام باستثناء الذين يشتركون في العمليات القتالية ، والمثال على الحالة الثانية الأسرى والجرحى ( ) أما بالنسبة إلى الأعيان والممتلكات المشمولة بالحماية او ما تعرف بالأعيان المدنية ، فهي كافة الأهداف التي لا تعتبر أهدافاً عسكرية بالمفهوم العسكري ، ويشترط بالأهداف العسكرية أن تكون لخدمة غرض عسكري وان تكون محمية عسكرياً( )

المطلب الثاني: تطور القانون الدولي الإنساني

إذا كان تعبير القانون الدولي الإنساني تعبير حديث جداً، حيث يرجعه البعض إلى السبعينيات من القرن الماضي فإن ولادة قواعده قديمة، حيث نجدها في كتابات الفلاسفة، ونادت بها الأديان السماوية ومنها الديانه المسيحيه حيث ساهم في تكوين العرف الدولي الخاص بالنزاعات المسلحة عوامل عديدة ، منها فكرة الشرف العسكري الذي تحلى به المحاربون القدامى والفرسان في العصور الوسطى ، حيث كانت الحروب في نظرهم كفاحاً شريفاً تحكمه قواعد خاصة تتعلق بمعاملة الجرحى والمرضى وعدم التعرض لغير المقاتلين من سكان دولة العدو وكان الفضل في إنماء هذا الاتجاه لدى الفرسان الذي عد عنصراً أساسياً في نظام الفروسية يعود إلى مبادئ الدين المسيحي التي تنادي بالمحبة وطيب المعاملة للجميع سواء كانوا أعداءً أم أصدقاء وأبرز صور الفروسية كانت تظهر في الاهتمام بالجرحى وتأمين العلاج لهم من قبل آباء القصور أنفسهم وبات ذلك تقليداً شائعاً بين الفرسان الأعداء الذين غالباً ما عقدوا الهدن لغرض دفن موتاهم وإجراء مراسيم الدفن المسيحية ومعالجة المرضى( ).

ومن الأمثلة على تأثر سلوك المتحاربين بفكرة الشرف العسكري التي قامت على أيدي فرسان العصور الوسطى ، واستمرارها في توجيه وحكم سلوك الأعداء في الحروب ، ما حصل في عام 1745 في معركة فونتنوا البلجيكية بين كل من القوات الفرنسية بقيادة لويس الخامس عشر وقوات إنكلترا وهولندا ، حيث تم مراعاة فكرة الشرف العسكري ونظام الفروسية ، فتمت معالجة جميع الجرحى بواسطة خدمات طبية جيدة أمنها الطرفان ، وكذلك التقدير المتبادل الذي ظهر في سلوك قادة تلك الحرب بتبادلهم التحية قبل بدء الحرب( ).

كما ان الشريعة الإسلامية وضعت قواعد كان لها اثر كبير في حكم سلوك المسلمين أثناء الحروب التي كانوا يدخلون فيها ، حيث أثرت فيهم قواعد الشريعة الإسلامية ، والأوامر التي كان يتلقاها المسلمون من الرسول (محمد) عليه الصلاة والسلام ، وكذلك أوامر الخلفاء الراشدين من بعده ، وقادة الجيوش العسكرية الإسلامية كان لها دور في تغيير وإزالة العادات والتقاليد اللاإنسانية والوحشية التي كانت تتبع في الحروب قبل الإسلام ، كما أثرت في المقابل على العدو الداخل في الحرب مع الجيوش التابعة للدولة الإسلامية لما لمسه من قواعد ومعاملة مميزة مع اتباعه الواقعين تحت أيدي الجيوش الإسلامية( )
ومن ذلك ما أوصى به الرسول (ص) زيد بن حارثة عندما أمَّره على الجيش الذي أرسله لمحابة الكفار في مؤته، قائلاً له: ((لا تقتلوا وليداً ولا امرأةً ولا كبيراً ولا فانياً ولا منعزلاً بصومعة ولا تعقروا نخلاً ولا تقطعوا شجرةً ولا تهدموا بناء )).
وهكذا نجد أنّ الإسلام وضع نظاماً صارماً لأنسة الحرب . وقد انتقلت هذه المبادئ وكان لها الأثر الكبير في كتابات ودعوات الكثيرين المناشدين للتخفيف من وحشية الحروب، أمثال فيتوريا وسواريز ومن بعدهم غروسيوس ( ) .
وعلى ذلك فإن مصادر القانون الدولي الإنساني تعود في اصولها الى قواعد تستمد جذورها من الحضارات القديمة والديانات فالحروب خضعت دوماً لبعض القوانين والاعراف. ( )

والقانون الدولي الانساني مر بعدة مراحل تطور على الصعيد الدولي ، ابتداء بوجود اعراف دولية تتضمن مبادئه وتطورا إلى وجود قواعد دولية اتفاقية تتضمن هذه المبادئ ( ) وكانت الاتفاقية الاولى قد تمت المصادقة عليها عام 1864 بعد إعدادها من قبل اللجنة الدولية للصليب الاحمر والتي تأسست عام 1863 والتي تبنت مهمة الاعداد لما يعرف بالقانون الدولي الانساني ، وعلى الرغم من أن هذه الاتفاقية كانت تمثل نقلة مهمة في مجال هذا القانون ونقطة البداية للجزء الاتفاقي المكتوب فيه ، فان هذه الاتفاقية كان يشوبها الكثير من النقص الامر الذي دفع إلى تعديلها عدة مرات في الاعوام 1906 و 1929 اذ تم اعتماد اتفاقيات جنيف لتحسين مصير ضحايا الحرب . ومن جهة اخرى فان اتفاقيات لاهاي لسنة 1899 والتي تمت مراجعتها عام 1907 جعلت مبادئ جنيف مواكبة للحرب البحرية ، وبعد الحرب العالمية الثانية ونظراً للمآسي الكبيرة التي لحقت ببني البشر من عسكريين ومدنيين من جراء تلك الحرب ، تم في عام 1949 إبرام اتفاقية جنيف الرابعة وهدفها تحديد وضع السكان المدنيين زمن الحرب ، وفضلاً عن ما تقدم فقد كان هناك ضرورة كبيرة لتحسين اوضاع الاتفاقيات السابقة فأقرت الاتفاقية الاولى المتعلقة بحماية الجرحى والمرضى العسكريين في الميدان ، والاتفاقية الثانية المتعلقة بالجرحى والمرضى والغرقى للقوات البحرية ، والاتفاقية الثالثة الخاصة باسرى الحرب ولكن وبسبب استمرار الماسي الانسانية والحروب التي نشبت بعد عام 1949 تواصل البحث عن حلول جديدة لتفادي هذا الواقع وتمخض عن ذلك ايجاد البروتوكولين ( الاول والثاني ) لعام 1977 ، كإضافة لاتفاقيات جنيف لعام 1949 ، حيث جاء البروتوكول الاول كتدعيم للمبادئ الانسانية التي جاءت بها اتفاقيات جنيف وخاصة للمفقودين والجرحى والمرضى . اما الثاني فقد حدد ودعم الحماية الدولية لضحايا النزاعات غير الدولية .

كما جائت اتفاقية عام 1980 بشأن بعض الأسلحة التقليدية وبرتوكولاتها الأربعة. ثم اتفاقية عام 1993. بشأن الاسلحة الكيمياوية ومعاهدة أوتاوا لعام 1997 بشأن الالغام المضادة للأفراد والبروتوكول الأختياري لعام 2000 المتصل بالاتفاقية الخاصة بحقوق اطفال في النزاعات المسلحة.

ومن الجدير بالذكر ان كتابات المفكرين وأرائهم كانت الدافع الأساسي لظهور القانون الدولي الإنساني الحديث، وخصوصا مفكري عصر التنوير، ” أمثال جان جاك روسو و فاتيل ” كما ذهب إلى ذلك الأستاذ ” (( ستانيسلاف انهليك )) في كتابه ( عرض موجز للقانون الدولي الإنساني ) ( ).

وظهرت قواعد هذا القانون أيضا، في مؤلفات الكُتَّاب المسيحين من دعاة الرحمة وتجنب القسوة أمثال (( فيتوريا وسواريز ))، الذين دعوا إلى التخفيف من وحشية الحروب، وأتَّباع الرأفة والرفق بما أدخلواه من نظم دينية على الحرب مثل ( صلح الرب ) و(هدنة الرب ) وخلال حرب الثلاثين عام التي اجتاحت أوروبا ( 1618-1648) بين الدول الكاثوليكية و الدول البروتستانتية، ظهر الفقيه غروسيوس. بمؤلفة المعروف بِـ ( قانون الحرب والسلام ) حيث دعا على إثر هذه الحرب إلى ضبط سلوك المتحاربين، حيث دعا فيه إلى عدم قتل المهزوم إلا في الحالات الاستثنائية، وأنه لا يجوز تدمير الملكية إلا لأسباب عسكرية ضرورية ( ).

ونجده في مقدمة هذا الكتاب يعبّر عن مدى الخجل والهلع الذي أصابه كمسيحي إزاء تفاقم النزاعات المسلحة في عصره حيث قال: ( لقد لاحظت في كل مكان من العالم المسيحي، تهوراً، في الحرب يندى له جبين البرابرة، لقد رأيت الناس يحملون السلاح لأسباب تافهة، أو دون سبب يُذكر، ووجدت أن السلاح عندما يتكلم لا يعود للقانون الإلهي أو الإنساني أيَّ احترام، وكلُّّ شيء يجري كما لو أن الهيجان العام يطلق الأيدي، بموجب مرسوم عام، لارتكاب الجرائم ) ( )

أيضاً جان جاك روسو في كتابه ” العقد الاجتماعي ” الصادر عام 1752 أوضح فيه أن الحرب ليست (( علاقة إنسان بإنسان، بل علاقة دولة بدولة، لا يكون فيها الأفراد أعداء إلاّ بصورة عابرة، لا كبشر، ولا حتى كمواطنين، بل كجنود، لا كأفراد من الوطن، بل كمدافعين عنه )) وأكد بأن نهاية الحرب تكون بالقضاء على الدولة المعادية لذلك (( من حقنا أن نقتل المدافعين عنها طالما كان السلاح في أيديهم، ولكن ما أن يُلقوا السلاح ويستسلموا ويتوقفوا عن كونهم أعداء أو أدوات للعدو، يصبحون من جديد مجرَّد بشر لا حقّ لنا في حياتهم )) وهكذا نجد أن روسو وضع مبادئ وقواعد ثورية وجديدة في سلوك المتحاربين. لو اتبعتها الأطراف المتحاربة لأدى ذلك إلى التقليل من ضحايا هذه النزاعات إلى حدٍ كبير وإذا كان مردَّ أفكار غرو سيوس إلى تأثير بمبادئ ومفاهيم الدين المسيحي، وتأثره أيضاً بمبادئ الشريعة الإسلامية.

فإن أفكار روسو تعود إلى المنطق والعقل باعتبار أحد فلاسفة عصره.
هذا وتعد معركة سولفرينو ( وهي مدينة شمال إيطاليا، حصلت فيها معركة بين الجيش الفرنسي بقيادة (( نابليون الثالث )) والجيش النمساوي بقيادة (( ماكسيمليان )) عام 1859 انتتهت إلى انتصار الجيش الفرنسي ) تعد وهذه المعركة نقطة تحول هامة في مسيرة الحركة الإنسانية. فخلال ست عشر ساعة من القتال وقع أربعين ألفاً من القتلى والجرحى. ( )
وفي ذلك اليوم وصل إلى هذه المنطقة المواطن السويسي ((هنر دونان )) لا كمقاتل بل كمدني جاء في زيارة عمل، وهناك شاهد ما خلفته تلك الحرب، من عدد هائل من الجرحى والقتلى، حيث الجنود يأتون من الآلام والجروح، ويموتون من جراء نزف دمائهم دون منقذ ينقذهم، عندما وجه نداءً إلى السكان المحليين لمساعدته على رعاية الجرحى وذلك بوسائل بسيطة وبدائية، للتقليل من معاناتهم.

وعند عودته إلى سويسرا، ألف كتابه المعروف بـ (( تذكار سولفر ينو )) ونشره في عام 1862 وكان لهذا الكتاب دوره الكبير في إنماء الحركة الإنسانية، حيث تقدم من خلاله باقتراحين:

  • الأول: يدعو فيه الى تشكيل جمعيات إغاثة في وقت السلم، تضم ممرضين وممرضات مستعدين لرعاية الجرحى وقت الحرب.
  • والثاني: يدعو فيه إلى الاعتراف بأولئك المتطوعين الذين يتعين عليهم مساعدة أفراد الخدمات الطبية التابعة للجيش، وحمايتهم بموجب اتفاق دولي.

وفي عام 1863 تشكلت لجنة خيرية عرفت باسم ( جمعية جنيف للمنفعة العامة ) وهي لجنة مؤلفة من خمسة أعضاء مهمتهم تحويل أفكار دونان إلى واقع ملموس، وأعضائها هم (( غوستاف موانييه – غيوم هنري دوفور – لوي أبيا – تيودور مونوار – إضافة إلى دونان نفسه )) أنشأت هذه اللجنة المؤلفة من خمسة أعضاء اللجنة الدولية لإغاثة الجرحى، التي تحولت فيما بعد إلى اللجنة الدولية للصليب ( )

ومن هنا نجد أن الفضل في تأسيس هذه اللجنة يعود إلى السويسري (( دونان )) وشعوره الإنساني العميق وهي مؤسسة إنسانية غير متحيزة، ومحايدة، ومستقلة. ولدت في خضم الحرب منذ أكثر من 140 عاماً. تعمل كوسيط محايد بين الأطراف المتحاربة. و تسعى إلى تأمين الحماية والمساعدة لضحايا النزاعات المسلحة، والاضطرابات الداخلية وغيرها من حالات العنف الداخلي ( ).

أما عن مهمتها الإنسانية في الإغاثة، فإنها تباشرها أثناء النزاع المسلح الدولي استناداً إلى اتفاقيات جنيف لعام 1949 (المواد 10،9 المشتركة من الاتفاقيات الثلاث الأولى والمواد 11،10 من الاتفاقية الرابعة ) وأيضاً استناداً إلى البروتوكول الإضافي الأول ( المادة 5) حيث تباشر أعمال إغاثة العسكريين الجرحى والمرضى والغرقي، وزيارة أسرى الحرب، ومساعدة المدنيين، وبصفة عامة تأمين الحماية والمساعدة لضحايا النزاع المسلح، شريطه موافقة أطراف النزاع.
أما أثناء النزاعات المسلحة غير الدولية فتباشر مهمتها استناداً إلى المادة الثالثة المشتركة في اتفاقيات جنيف الأربع والبروتوكول الثاني ( المادة 18) حيث تقوم بأعمال الإغاثة وزيارة المحتجزين لأسباب تتعلق بالنزاع.
وفي حالات العنف التي لا تصل إلى مستوى النزاع المسلح ( الاضطرابات الداخلية ) فتباشر اللجنة مهمتها استناداً إلى المادة (5) من النظام الأساسي للحركة التي تقرر حق اللجنة في المبادرة الإنسانية ( ) .

هذا بالنسبة لدورها في أعمال الإغاثة، أما دورها في تطوير قواعد القانون الدولي الإنساني، فإن لها الدور الاكبر والاهم في ذلك.
فمنذ نشأتها، أخذت على عاتقها تطوير قواعد هذا القانون، فاتفاقية جنيف الأولى لتحسين حال العسكريين الجرحى في الميدان لعام 1864 تعود إلى مبادرة من (( لجنة جنيف )) لعام 1863 حيث دعمتها الحكومة الاتحادية السويسرية، ودعت إلى عقد مؤتمر حكومي أدى عند انعقاد إلى إبرام هذه الاتفاقية التي تعتبر نقطة البداية في تقنين قواعد هذا القانون.
ونتيجة تواجد اللجنة الدولية في الميدان، ومراقبتها الأمور عن كثب، فإن ذلك أتاح لها التعرّف إلى المشكلات التي تواجه ضحايا النزاع المسلح، أتاح لها أيضاً التعرف إلى الثغرات الموجودة في قواعد القانون الدولي الإنساني، مما يجعلها تأخذ زمام المبادرة في تطوير قواعد هذا القانون.

وهكذا كانت اللجنة الدولية للصليب الأحمر، تعمل دائماً بهدف سدّ الثغرات واستكمال النقص في قواعد القانون الدولي الإنساني، تعمل على وضع مسودّات الاتفاقيات الدولية وتشارك في صياغة هذه الاتفاقيات، بما فيها اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949 والبرتوكولين الإضافيين لعام 1977.

وأخيراً أنشأت مشروعاً لإعادة تأكيد القانون الدولي الإنساني وتطوير عام 2002 ويستهدف هذا المشروع في أحد أجزاه، توفير إطار لكل من التفكير الداخلي، والمشاورات الخارجية حول القضايا الراهنة والمستقبلية المتعلقة بالقانون الدولي الإنساني ( ) .
وأيضاً أجرت اللجنة مؤخراً دراسة على المستوى العالم بأسره حول القواعد الدولية العرفية، حدَّدت الدراسة التي انتُهى منها عام 2004 المواضيع التي يجوز فيها للممارسات المتعارف عليها في الوقت الراهن، أن تكمَّل القوانين والمعاهدات المكتوبة ( ) .
ومن خلال هذا العرض الموجز، نلاحظ مدى أهمية الدور الذي تضطلع به اللجنة الدولية للصليب الأحمر. سواءً في مجال أعمال الإغاثة الإنسانية، أو في مجال تطوير قواعد القانون الدولي الإنساني، والسهر، على تنفيذ قواعده، ونشرها من خلال المنشورات التي تصدرها والمؤتمرات التي تدعو لعقدها.

المطلب الثالث :مصادر القانون الدولي الإنساني

باعتبار القانون الدولي الإنساني، أحد فروع القانون الدولي العام، فإن مصادره هي نفس مصادر هذا الأخير، أي أن مصادره هي المعاهدات أو الاتفاقيات الدولية – العرف الدولي – المبادئ العامة للقانون للقانون كما يمكن إضافة قرارات المنظمات الدولية وآراء كبار الفقهاء واجتهادات المحاكم، كمصادر احتياطية.

اولا: الاتفاقيات الدولية:

يمكن القول بأن منتصف القرن التاسع عشر وتحديداً في عام 1864 هو تاريخ ميلاد أول اتفاقية دولية لحماية ضحايا الحروب وبشكل خاص المرضى والجرحى ، متعددة الأطراف ، واتفق لاحقاً بأنها تمثل تأريخ ولادة القانون الدولي الإنساني المقنن في اتفاقيات دولية وقبل ذلك التاريخ كانت هناك الاتفاقيات الثنائية ، منها ، الاتفاقيات الثنائية التي كان القادة الأسبان يعقدونها مع الطرف الآخر في الحرب ، وكانت تتضمن أحكاماً تتعلق بمعالجة الجرحى والمرضى ومعاملة الأطباء والجراحين الذين يعتنون بهم وأقدم هذه الاتفاقات هو اتفاق التسليم الذي عقده السندورا فارنيزي بعد تسليم تورناي عام 1581 وتضمن منح عفو عام عن المدافعين مع منح القادة والضباط سواء من الأجانب أو رعايا البلد أو من الحملة ، أو القصر ، إمكانية الانسحاب حاملين شارات رتبهم على أكتافهم وأسلحتهم موقدة الفتيل حاملين متعلقا تهم التي يستطيعون أخذها ، ويتمتع بهذه الامتيازات الجرحى والمرضى زملاؤهم بعد شفائهم ، ومنها أيضا اتفاق الهدنة المعقود بين المركيز الإسباني دي سانتا كروز والحاكم الفرنسي لتوارس ، الذي نص على تحديد منطقة ميرابلو لكي يتم إرسال الجرحى والمرضى إليها للعناية بهم من الفرنسيين ، ومن الأمثلة أيضا الاتفاقية الثنائية المعقودة بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا في 1785 التي اشترطت انه في حالة الحرب ، فان القوتين يجب أن لا تحتاط فقط لأمر النساء والأطفال بل يجب إفساح المجال للعلماء وزراع الأراضي والصناع وأصحاب المصانع ، وجميع الأشخاص الاخرين الذين تعد وظائفهم ضرورية لبقاء الجنس البشري ومنفعته ، ويجب إفساح المجال لهم بالاستمرار بأعمالهم ، والسماح للتجار بالبقاء لمدة تسعة اشهر لجمع ديونهم وتصفية أعمالهم والسماح للسفن التجارية بالمرور لتأمين حصول الأفراد على احتياجاتهم. ( )

و هناك ايضا الاتفاق المبرم بين الولايات المتحدة الأمريكية وإنكلترا عام 1813 المتعلق بتبادل الأسرى وكيفية معاملتهم ، واتفاق تروخيليو المبرم بين بوليفار الكولومبي والقائد الإسباني عام 1820 بمناسبة الحرب التي كانت قائمة بين الكولومبيين ضد إسبانيا للاستقلال عن الأخيرة تم فيه التعبير عن المعاملة غير التمييزية للجرحى من قبل الطرفين( ).

واليوم يقسم القانون الدولي الإنساني أو كما يسميه البعض قانون الحرب في نطاق هذا المصدر من مصادره إلى قسمين الأول لاهاي، والثاني قانون جنيف.
قانون لاهاي: وضعت أسس هذا القانون في مؤتمري لاهاي للسلام في عامي 1899-1907 حيث أبرُمت عدة اتفاقيات لتحديد واجبات وحقوق الدول، في إدارة العمليات الحربية، وأيضاً الحد من حرية الدول في اختيار وسائل إلحاق الضرر بالعدو. مع الأخذ بعين الاعتبار الأجزاء التي نُقلت من هذا القانون في عامي 1929-1949 إلى قانون جنيف، والخاصة بالوضع القانوني لأسرى الحرب، والوضع القانوني للجرحى والمرضى الغرقى في العمليات الحربية البحرية، والوضع القانوني للسكان المدنيين في الأراضي المحتلة ( ) .

ويدخل في نطاق هذا القانون بعض الاتفاقيات التي لا تحمل اسم العاصمة الهولندية لاهاي مثل إعلان سان بطرسبرغ لعام 1868 الذي يحظر استعمال الرصاص المتفجر، وبروتوكول جنيف لعام 1925 بشأن حظر استعمال الغازات الخانقة والسامة او ما شابهها والوسائل الجرثومية في الحرب، واتفاقية جنيف لعام 1980 بشأن حظر أو تقييد استعمال أسلحة تقليدية معينة يمكن اعتبارها مفرطة الضرر أو عشوائية الأثر، والبروتوكول الأول (جنيف) عام 1980 بشأن الشظايا التي لا يمكن الكشف عنها، والبروتوكول الثاني لعام 1996 المتعلق بحظر أو تقييد استعمال الألغام والأشراك الخداعية والنبائط الأخرى، والبروتوكول الثالث لعام 1980 بشأن حظر أو تقييد استعمال الأسلحة المحرقة، والبروتوكول الرابع لعام 1995 بشأن أسلحة الليزر المعمية، وأخيراً اتفاقية حطر استعمال وتخزين وإنتاج ونقل الألغام المضادة للأفراد وتدميرها لعام 1997 ( ).
قانون جنيف: وهو يهدف إلى حماية العسكريين العاجزين عن القتال، أي اللذين أصبحوا خارج العمليات الحربية، او ألقوا السلاح كالجرحى والمرضى والغرقى وأسرى الحرب، وأيضاً حماية الأشخاص اللذين لا يشتركون في العمليات الحربية أي المدنيين كالنساء والأطفال والشيوخ. وهو يتألف من اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949 وبروتوكوليها الإضافيين لعام 1977 والتي تم وضعها تحت رعاية اللجنة الدولية للصليب الأحمر وجهودها المستمرة لتطوير قواعد القانون الدولي الإنساني. حيث تم تبني هذه الاتفاقيات وهي كالتالي:

  • الاتفاقية الأولى: لتحسين حال المرضى والجرحى بالقوات المسلحة في الميدان.
  • الاتفاقية الثانية: لتحسين حال جرحى ومرضى وغرقى القوات المسلحة في البحار.
  • الاتفاقية الثالثة:: بشأن معاملة أسرى الحرب.
  • الاتفاقية الرابعة: بشأن حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب.

بعد ذلك تم وضع البروتوكولين الإضافيين لعام 1977 لتطوير قواعد اتفاقيات جنيف لعام 1949 واستكمال النقص الموجود فيها وسد الثغرات وهما كالتالي:

  • البروتوكول الأول: يتعلق بحماية ضحايا النزاعات المسلحة الدولية.
  • البروتوكول الثاني: يتعلق بحماية ضحايا النزاعات المسلحة غير الدولية.

ثانيا: العرف:

العرف الدولي الملزم هو: (( مجموعة القواعد القانونية التي تنشأ في المجتمع الدولي، بسبب تكرار الدول لها مدة طويلة، وبسبب التزام الدول بها في تصرفاتها، واعتقادها بأن هذه القواعد تتصف بالإلزام القانوني )) ( ).

من المهم القول انه من حيث ترتيب ظهور القواعد الدولية التي تناولت الحروب ، يأتي العرف في مقدمتها ويشكل مصدراً مهماً من مصادر القانون الدولي الإنساني إلى جانب الاتفاقيات الدولية التي قننت القواعد التي تنظم النزاعات المسلحة ، وهو ما أكدته القاعدة الشهيرة والمعروفة في القانون الدولي الإنساني (بقاعدة مارتينز) ، وقد وضع هذه القاعدة السير فردريك دي ماتينز (Friedrich Vo Martens) الروسي الأصل في عام 1899 في اتفاقية لاهاي الثانية الخاصة بالحرب البرية لعام 1899 في ف (3) من مقدمتها ، ثم أعيد التأكيد عليها في اتفاقية لاهاي الرابعة الخاصة بالحرب البرية عام 1907 في الفقرة السابعة من مقدمتها التي نصت على “في الحالات التي لا تشملها أحكام الاتفاقية التي تم عقدها ، يظل السكان المدنيون والمقاتلون تحت حماية وسلطان مبادئ قانون الأمم كما جاءت في الأعراف التي استقر عليها الحال بين الشعوب المتمدنة وقوانين الإنسانية ومقتضيات الضمير العام” والحالات التي لم تكن الاتفاقية تشملها وينطبق عليها حكم العرف هي حالة ما إذا كان أحد الأطراف المتحاربة ليس طرفاً سامياً في هذه الاتفاقية والحالة الثانية هي حالة ما إذا كانت هناك مسائل جديدة غير محكومة بقواعد الاتفاقية وتخرج عن إطارها فهنا كان حكم العرف هو المنطبق عليها وسواء كان الطرفان المتحاربان أطرافاً في الاتفاقية أم لا( )

إذن العرف هو مصدر أساسي للقانون الدولي الإنساني ، وهو ملزم للدول سواء شاركت في تكوينه أم لا وسواء كانت هذه الدول موجودة وقت نشوئه أم لا ، أما الطريقة التي يثبت فيها وجود العرف فانه يكون بالنظر إلى ما تسلكه الدول في تصرفاتها في أثناء الحروب والنزاعات المسلحة ، وبالنظر إلى مشاريع الاتفاقيات التي لم توضع موضع التنفيذ بل حتى الاتفاقيات الدولية النافذة يمكن الوقوف على القواعد العرفية ذلك لأن هذه الاتفاقيات قد تأتي في بعض أو معظم قواعـدها تـدويناً لاعراف دولية( ).

وهنا تكون قواعد هذه الاتفاقيات وخاصة تلك العرفية منها ملزمة حتى للدول الغير الأطراف في الاتفاقية ، والسبب في أن قواعد هذه الاتفاقيات كلها أو بعض منها هي عبارة عن تقنين لأعراف دولية سائدة ، وبالتالي التزام الدول غير الأطراف بهذه القواعد إنما هو التزامها بقواعد عرفية كرستها هذه الاتفاقيات( ).

و العرف الدولي شانه شان العرف في القانون الداخلي يتكون من عنصرين: عنصر مادي: وهو التكرار والعادة، أي تكرار بعض الوقائع بشكل دائم ومستمر وعام. وعنصر معنوي: وهو اقتناع الدول بضرورة هذا العرف، وإيمانها بأن إتباعه والسير بمقتضاه يعتبر واجباً ويعتبر العرف المصدر الثاني لقواعد القانون الدولي الإنساني، وبعد الاتفاقيات والمعاهدات الدولية وذلك إذا علمنا أن المجتمع الدولي ما زال مجتمعاً غير منظم بشكل تام حتى الآن، لذلك يعتبر العرف مصدراً هاماً من مصادر هذا القانون.

فكما نعلم أن أكثر قواعد القانون الدولي الإنساني المكتوب أو المقتن، كانت في البداية قواعد عرفية، تم تبنيها فيما بعد، وإقرارها من قبل الدول على شكل معاهدات واتفاقيات دولية. وأحياناً تأتي الاتفاقيات الدولية بقواعد جديدة غير متعارف عليها في نطاق النزاعات المسلحة، خصوصاً مع تطور أساليب وفنون الحرب لكن تكرارها وإتباعها من قبل الدول الأطراف في الاتفاقيات، يحوَّلها إلى قانون عرفي دولي، يطبق هذا القانون على جميع أعضاء المجتمع الدولي، الأطراف وغير الأطراف في الاتفاقيات الدولية. خصوصاً إذا علمنا أن الدول ليست جميعها أطراف في هذه الاتفاقيات فالبروتوكول الأول لعام 1977 الملحق باتفاقيات جنيف لعام 1949 لم تنضم إليه حتى عام 2005 الا (162) دولة وخمس دول وقعت ولم تصادق عليه وكذلك البروتوكول الثاني، انضم إليه (141) دولة وأربع دول وقعت ولم تصادق عليه ( ).

وقد تم الاعتراف بالعرف كمصدر من مصادر القانون الدولي الإنساني يمكن الرجوع إليه، عند عدم وجود نص في الاتفاقيات الدولية، للحالات التي تواجه الدول، وهذا ما نصت عليه الفقرة و الثانية من المادة الأولى من البروتوكول الإضافي الأول لعام (1977) حيث جاء فيها: (( يظل المدنيون والمقاتلون في الحالات التي لا ينص عليها هذا اللحق ((البروتوكول )) أو أي اتفاق دولي آخر تحت حماية وسلطان مبادئ القانون الدولي كما أستقر بها العرف ومبادئ الإنسانية وما يمليه الضمير العام)).

ثالثا: المبادئ العامة للقانون:

إلى جانب الاتفاقيات الدولية المكونة للقانون الدولي الإنساني والأعراف المستقر عليها التي وضعت التزامات عديدة على عاتق الدول ، توجد هناك جملة من المبادئ القانونية يستند إليها هذا القانون ، بعض من هذه المبادئ يتم استنباطها من سياق النص القانوني لأنها تعبر عن جوهر القانون ، وبعض منها تمت صياغتها بشكل صريح في الاتفاقيات الدولية، وأخرى انبثقت من الأعراف الدولية ( ).

ويراد بهذه المبادئ القواعد التي تسود في القوانين الوطنية، وخصوصاً الأنظمة الرئيسة في العالم. حيث تسود في هذه الأنظمة قواعد متشابهة تتعلق مثلا استقلال الدول وعدم التدخل بشؤونها، وكذلك حق تقرير المصير وغير ذلك من المبادئ.
كما وردت الاشاره الى هذه المبادئ في قانون جنيف، حيث نص البروتوكول الإضافي الأول لعام 1977 في الفقرة الثانية من المادة الأولى على أنه (( يظل المدنيون والمقاتلون في الحالات التي لا ينص عليها اللحق ((البروتوكول)) أو أي اتفاق دولي آخر، تحت حماية وسلطان مبادئ القانون الدولي كما استقر بها العرف ومبادئ الإنسانية، وما يمليه الضمير العام )).

ومن الجدير بالذكر ان هذه المبادئ التي يقوم عليها القانون الدولي الإنساني ، تنقسم إلى قسمين رئيسين

  • القسم الأول: تتصف بأنها مبادئ قانونية عامة تصلح لكل الأنظمة القانونية الداخلية والدولية بما فيها نظام القانون الدولي الإنساني( ) أما القسم الثاني : فهي مبادئ قانونية خاصة بقانون النزاعات المسلحة (القانون الدولي الإنساني) تنطبق أثناء النزاعات المسلحة . وتظهر أهمية تقسيم المبادئ الأساسية للقانون الدولي الإنساني إلى هذين القسمين الرئيسين ، في أن الجزء الأول من مبادئ القانون الدولي الإنساني التي هي من نوع المبادئ القانونية العامة ، هي وحدها التي سوف تتصف بوصف المصدر القانوني المستقل من مصادر القانون الدولي العام كما بينها م/38 من نظام محكمة العدل الدولية ، لأنها تتميز بالعمومية وتستند إليها وتقرها مختلف الأنظمة القانونية ، من هذه المبادئ القانونية العامة مبدأ حسن النية في تنفيذ الالتزامات ، والعقد شريعة المتعاقدين( ) ، مبدأ التعويض عن الأضرار( ) فالدول ينبغي لها أن تنفذ التزاماتها الدولية بحسن نية ومن بينها الالتزامات المفروضة عليها في القانون الإنساني ، وإذا خالفت الأحكام الواردة في قانون النزاعات المسلحة ، فإنها تلتزم بالتعويض كما ستكون مسؤولة عن جميع الأعمال التي يقوم بها أشخاص ينتمون إلى قواتها المسلحة التي تشكل مخالفة وانتهاك لهذا القانون ، ولا يحق لها أن تتحلل من مسئوليتها تجاه هذه الانتهاكات والمخالفات( ) ومن المبادئ القانونية العامة والمستقرة داخلياً ودولياً مبدأ المساواة أمـام القانون ، مساواة الأفراد أمام القانون وعدم التمييز بينهم فيما يتعلق بسريان القانون عليهم ، وهو مبدأ أكده القانون الدولي الإنساني في إطار تأمينه الحماية لضحايا النزاعات المسلحة ، ومقتضاه إن جميع الأشخاص الذين يحميهم القانون الدولي الإنساني يجب أن يعاملوا معاملة إنسانية بدون أي تمييز ، ومن المبادئ أيضاً لا جريمة ولا عقوبـة إلا بنص ، والحق في محاكمة عادلة ، واحترام حرية المعتقد الديني ، ومبدأ الأمن الشخصي الذي مفاده عدم جواز توقيف الأفراد إلا على وفق الحالات التي يحددها القانون ، والمتهم بريء حتى تثبت الإدانة ، ومبدأ احترام الملك وعدم جواز حرمان أحد من ملكهِ تعسفاً( ).
    ومبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها الذي هو أحد المبادئ القانونية المهمة في القانون الدولي العام والذي يعد عماد العلاقات الودية بين الدول.
  • أما القسم الثاني من المبادئ الأساسية للقانون الدولي الإنساني فهي مبادئ خاصة تسري وتنطبق فقط في حالة النزاعات المسلحة ، وميزتها هي إنها استقرت وثبتت في الاتفاقيات الدولية والأعراف الدولية ، لذلك لا تعد مصدراً مستقلاً من مصادر القانون الدولي الإنساني بقدر ما تعبر عن قواعد قانونية اتفاقية وعرفية ، وتأتي الزاميتها من إلزامية النص القانوني المستقرة فيه( ) ومن هذه المبادئ مبدأ الضرورة العسكرية الذي يعني أن استخدام وسائل القتال سواء كانت معدات عسكرية أم خططاً أم حيلاً في الحروب والنزاعات المسلحة إنما يكون لأجل تحقيق هدف معين وهو دائماً الهدف النهائي من أي حرب -فرض الإرادة على العدو وإجباره على الاستسلام والتراجع عن موقفه – ولأجله ينبغي إن يكون استخدام وسائل وأساليب القتال في الحدود التي تكفل تحقيق هذا الهدف لكي تكون مشروعة ومن ثم يحرم على الأطراف استخدام وسائل في القتال تزيد من آلام الإنسان دون مبرر ، إذن ينبغي أن يكون استخدام الوسائل في الحدود التي تقتضيها الضرورة العسكرية ويتفرع عن هذا المبدأ عدد آخر من المبادئ الأساسية التي يترتب على احترامها للتقليل من معاناة البشر في النزاعات المسلحة ، وهذه المبادئ هي مبدأ حظر إلحاق آلام غير ضرورية فالدول عندما تخوض حروبها فهي تعتمد على نوعين من الموارد ، موارد بشرية وموارد مادية ، ولإضعاف الموارد البشرية للعدو توجد ثلاث وسائل القتل ، الجرح ، الاعتداء ، وهي وسائل فعالة لشل قوة العدو فإذا كان بالإمكان إضعاف العدو عن طريق اعتقال أفراد قواته المسلحة وأسرهم ، فهنا يكون الأسر مفضلاً على الجرح والقتل ، وهكذا إذا كان الجرح يحقق هدف الدولة في شل قدرة العدو وإجباره على الاستسلام فسيكون الجرح مفضلاً على القتل( ). وهو بدوره سيقود إلي مبدأ آخر وهو أن حق أطراف النزاع المسلح في استخدام وسائل وأساليب القتال ليس بحق مطلق بل هو مقيد وهذا التقييد لحق أطراف النزاع المسلح في اختيار ما يريدونه من وسائل في القتال ينتج عنه مبدأ آخر هو مبدأ التناسب ويعني أن حدود الأعمال العسكرية التي يجوز لأية دولة أن تباشرها ضد العدو تتوقف على شدة وسعة الهجوم المسلح الذي يشنه العدو وخطورة التهديد الذي يمثله( ) فمثلاً إذا كان أحد أطراف النزاع يستخدم الأسلحة التقليدية في النزاع المسلح الدائر بينه وبين الخصم الآخر ، فوفقاً لمبدأ التناسب لا يمكن للأخير أن يقوم باستخدام الأسلحة الذرية أو النووية لما في ذلك أولاً من أخطار تتجاوز في أثارها الهدف المراد تحقيقه وهو إضعاف قوة العدو فاستخدامها يؤدي هنا إلي إبادة العدو ومحيه من الوجود هذا فضلاً عن الآثار الضارة الطويلة الأمد التي ستنتج عن استخدام هذه الأسلحة في القتال( ). لذلك يعد مبدأ التناسب جزءاً من استراتيجية حديثة تتركز على استعمال الحد الأدنى الممكن من الوسائل في القتال لأن إبادة المدنيين والعسكريين لا يساهم في تحقيق النصر العسكري( ).

رابعا: قرارات المنظمات الدولية:

يمكن أن نضيف أيضاً: قرارات المنظمات الدولية، كمصدر احتياطي من مصادر القانون الدولي الإنساني وإن كان هناك اختلاف في مدى إلزامية قرارات المنظمات الدولية.
حيث يرى البعض أن بعض المنظمات الدولية تملك إصدار قرارات ملزمة بهذا الشأن، باعتباره الجهاز الموكل إليه مهمة حفظ السلم والأمن الدوليين، وذلك في نطاق نظام الأمن الجماعي، بموجب أحكام الفصل السابع من الميثاق.
أما القرارات الصادرة عن المنظمات الأخرى فغالباً ما تكون لها صفة التوصيات، ولكن إذا تكررت هذه التوصيات في نفس الموضوع لأكثر من مرة، فإنه من الممكن أن تتحول إلى قاعدة عرفية ملزمة، ولكنها هنا تستمد إلزاميتها من كونها قاعدة عرفية وليست توصية صادرة عن منظمة دولية.

خامسا: الفقه:

يمكن أن تشكل آراء كبار فقهاء القانون الدولي الإنساني، وكتاباتهم، مصدراً احتياطياً من مصادر القانون الدولي الإنساني، وذلك عن طريق الكشف عن الثغرات والنواقص في الاتفاقيات ذات الصلة. ولفت أنظار الدول إليها، وحثها على تبنيها في اتفاقيات دولية.
فدراسة الفقهاء لنصوص الاتفاقيات، وتفسيرها، وانتقادها غالباً ما يؤثر على الرأي العام الوطني والدولي، ويحرض الحكومات على تبني آرائهم. وقد تعمل بهذا الاتجاه دول أخرى مما يؤدي إلى التكرار على تبني آرائهم. وقد تعمل بهذا الاتجاه دول أخرى مما يؤدي إلى تكرار، وهذا التكرار ينقلب إلى عرف والعرف إلى قاعدة قانونية.

المبحث الثاني: ماهية القانون الدولي لحقوق الإنسان

تعود مبادئ حقوق الإنسان إلى الوراء كثيراً، فهي ليست وليدة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948، فهي قديمة قدم الإنسان نفسه، كالحق في الحياة، حيث نشأ هذا الحق مع وجود الإنسان على هذه الأرض.
حيث نجد جذورها الأولى في الثقافات القديمة للشعوب، متمثلة بالتراث الأخلاقي والديني لهذه الشعوب، حيث تعتبر الديانات السماوية أهم مصدر من مصادر هذه الحقوق. فالشريعة الإسلامية ( منذ أكثر من 14 قرن ) وضعت نظاماً دقيقاً لحقوق الإنسان، سواء بصفته فرداً، كحقه في الحياة، والحرية الدينية وغير ذلك. أو في علاقته مع الدولة حيث نظمت علاقة الفرد المسلم بالدولة، كما نظمت علاقة غير المسلمين بالدولة الإسلامية ممن يكونون من مواطنيها ( الذميين ).
هذا النظام المتكامل الذي وضعه الإسلام واجب التنفيذ استناداً إلى الوازع الديني والأخلاقي لدى الفرد، وأيضاً وجود أولي الأمر اللذين يسهرون على تنفيذه.

ثم نجد أيضاً هذه الحقوق في الإعلانات الوطنية لحقوق الإنسان وكذلك في دساتير بعض الدول. لكن لم ترتقي هذه الحقوق وتأخذ طابعا قانونيا دوليا. يلقي على عاتق الدول، أعضاء المجتمع الدولي التزامات، ويحملها المسؤولية الدولية عند خرق هذه الالتزامات، إلا بعد الحرب العالمية الثانية، وخصوصاً بعد إنشاء هيئة الأمم المتحدة ( ).

ومن الجدير بالذكر حقوق الإنسان كما وصفه البعض واجب التطبيق من حيث المبدأ في جميع الأوقات أي في وقت السلم واثناء النزاعات المسلحة على السواء ، يرسي قواعد ملزمة للحكومات في علاقتها بالأفراد ، توجد قواعده في عدد من الصكوك العالمية والإقليمية التي تغطي نطاق واسع من القضايا مثل الحقوق المدنية والسياسية أو تركز على حقوق بعينها على سبيل المثال حضر التعذيب أو تركز على فئات معينة من المستفيدين كالأطفال والنساء كما وتوجد إلى جانب هذه المعاهدات مجموعة مهمة من القواعد العرفية يقوم عليها هــذا القانون( ).

المطلب الأول: تعريف القانون الدولي لحقوق الإنسان:

القانون الدولي لحقوق الإنسان هو أحد فروع القانون الدولي العام الحديثة نسبيا، حيث يرجعه البعض إلى ما بعد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
يعرفه الدكتور محمد نور فرحات بأنه: (مجموعة القواعد والمبادئ المنصوص عليها في عدد من الإعلانات والمعاهدات الدولية، والتي تؤمن حقوق وحريات الأفراد والشعوب في مواجهة الدولة أساسا. وهي حقوق لصيقة بالإنسان، وغير قابلة للتنازل عنها، وتلزم الدولة بحمايتها من الاعتداء أو الانتهاك ) ( ) .
في حين عرفه البعض بانه “مجموعة القواعد القانونية المتصفة بالعمومية والتجريد التي ارتضتها الجماعة الدولية أصدرتها في صورة معاهدات وبروتوكولات دولية ملزمة بقصد حماية حقوق الإنسان المحكوم بوصفه إنسانا وعضوا في المجتمع من عدوان سلطاته الحاكمة أو تقصيرها وتمثل الحد الأدنى من الحماية التي لا يجوز للدول الأعضاء فيها النزول عنه مطلقا أو التحلل من بعضها في غير الاستثناءات المقررة فيها”( ).

وباعتقادنا مما يؤخذ على هذاين التعريفين تضييق نطاق هذه الحقوق وقصرها على تلك المنصوص عليها في الإعلانات والمعاهدات الدولية فقط، دون المصادر الأخرى لحقوق الإنسان كالأعراف الدولية وحتى مبادئ القانون العامة
كما يعرفه سن لارج بأنه: (( ذلك القانون الذي يتكون من مجموعة القواعد القانونية الدولية المكتوبة أو العرفية، التي تؤكد احترام الإنسان الفرد وازدهاره )) ( ) .
وهكذا نجد أن هذا القانون يهدف إلى حماية حقوق وحريات الأفراد في مواجهة الدولة التي ينتمون إليها. أي يحدد حقوق الفرد بمواجهة الدولة التي ينتمي إليها. كما ان قانون حقوق الإنسان واجب التطبيق من حيث المبدأ في جميع الأوقات أي في وقت السلم واثناء النزاعات المسلحة على السواء ، يرسي قواعد ملزمة للحكومات في علاقتها بالأفراد ، توجد قواعده في عدد من الصكوك العالمية والإقليمية التي تغطي نطاق واسع من القضايا مثل الحقوق المدنية والسياسية أو تركز على حقوق بعينها على سبيل المثال حضر التعذيب أو تركز على فئات معينة من المستفيدين كالأطفال والنساء كما وتوجد إلى جانب هذه المعاهدات مجموعة مهمة من القواعد العرفية يقوم عليها هــذا القانون( ).

المطلب الثاني: تطور القانون الدولي لحقوق الإنسان:

إن جذور القانون الدولي لحقوق الإنسان عميقة في التاريخ، كما أشرنا قبل قليل، حيث تعود إلى الثقافات الشعبية القديمة والديانات السماوية، لكن لم تظهر هذه الحقوق بشكل قواعد قانونية ملزمة، إلا بعد الحرب العالمية الثانية. حيث أدرجت هذه الحقوق في ميثاق الأمم المتحدة. ومن بعدها سعت هذه المنظمة لتعزيز حقوق الإنسان على المستوى الدولي، وذلك بإبرام عدد من الاتفاقيات والمواثيق والعهود بدءاً باتفاقية منهضة جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها لعام 1948. وتبعها الكثير من الاتفاقيات والعهود.

أولاً: إدراج حقوق الإنسان في الميثاق الأممي:

جاء في ديباجة الأمم المتحدة أن شعوب الأمم المتحدة قد آلت على نفسها أن تنقذ الأجيال المقبلة من ويلات الحرب التي في خلال جيل واحد جلبت على الأساسية مرتين أحزاناً يعجز عنها الوصف، وأنها تؤكد من جديد، إيمانها بالحقوق الأساسية للإنسان وبكرامة الإنسان، وقدره، وبما للرجال والنساء والأمم صغيرها وكبيرها من حقوق متساوية، وأن تدفع بالرقي الاجتماعي قدماً وأن ترفع مستوى الحياة في جو من الحرية الفسيح.
وفي سبيل تحقيق هذه الغايات فإن شعوب الأمم المتحدة تأخذ نفسها بالتسامح وتعيش في سلام وحسن جوار.
ومن هذه الديباجة نجد مدى التصميم لدى الأمم المتحدة في تجنيب العالم ويلات الحروب والمحافظة على حقوق الإنسان وعدم انتهاكها.

أما بالنسبة للميثاق وما حواه من نصوص تتعلق بحقوق الإنسان، فإنها كثيرة حيث تعرَّض لهذه الحقوق في أكثر من موضع.
– ففي المادة الأولى: حدد الميثاق مقاصد الأمم المتحدة وعددها أربعة جعل من بينها تحقيق التعاون الدولي لحل المشكلات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإنسانية، ولتعزيز حقوق الإنسان والحريات الأساسية للناس جميعا وتشجيعها إطلاقا دون تمييز بسبب الجنس أو الدين ولا تفريق بين الرجال والنساء.
– وأيضا في الفصل التاسع المتعلق بالتعاون الدولي الاقتصادي والاجتماعي (المواد 55 -60 ) نجد المادة (55) تشير إلى الرغبة في تهيئة دواعي الاستقرار والرفاهية الضروريين لقيام علاقات سليمة وودية بين الأمم، مؤسسة على احترام مبدأ المساواة في الحقوق بين الشعوب، وان يكون لكل منها تقرير مصيرها.
ومن أجل ذلك تعمل الأمم المتحدة على أن يشيع احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للجميع بلا تمييز بسبب الجنس أو اللغة أو الدين ولا تفريق بين الرجال والنساء، ومراعاة تلك الحقوق والحريات فعلاً.
وجاءت المادة (55) التي تتعهد بموجبها الدول الأعضاء ليقوموا منفردين أو مشتركين بما عليهم من عمل وذلك بالتعاون مع الهيئة لتحقيق المقاصد التي جاءت في المادة (55) السابقة.

وأيضاً في الفصل العاشر المتعلق بالمجلس الاقتصادي والاجتماعي (المواد 61-72) نجد أن الفقرة الثانية من المادة (62) تنص على أن يقدم توصيات تتعلق بإشاعة احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية ومراعتها.
وأيضاً جعلت المادة (68) من الميثاق من بين اللجان التي ينشأها المجلس لتساعده في تأدية وظائفهه. لجنة لتعزيز حقوق الإنسان ( ) .

أيضاً في الفصل الثاني عشر المتعلق بالمجلس الاقتصادي والاجتماعي (المواد 61 – 72) نجد أن الفقرة الثانية من المادة (68) من الميثاق من بين اللجان التي ينشأها المجلس لتساعده في تأدية وظائفه. لجنة لتعزيز حقوق الإنسان ( ).
أيضاً في الفصل الثاني عشر والمتعلق بنظام الوصاية الدولي والذي لم يعد له وجود بعد تحرر جميع الدول فإننا نجد المادة (76) جعلت من الأهداف الأساسية لنظام الوصاية: التشجيع على احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية بدون تمييز بسبب الجنس أو اللغة أو الدين ولا تفريق بين الرجال والنساء ( ).

ثانياً: تشكيل لجنة حقوق الإنسان ومهمتها:

لجنة حقوق الإنسان، هي أحد الأجهزة الفرعية للأمم المتحدة، نص عليها في الميثاق في المادة (68) التي جاء فيها:((ينشىء المجلس الاقتصادي والاجتماعي لجاناً لشؤون الاقتصادية والاجتماعية ولتعزيز حقوق الإنسان، كما ينشىء غير ذلك من اللجان التي قد تحتاج إليها لتأدية وظائفه)) وتطبيقاً لهذا النص، فقد أنشأ المجلي الاقتصادي والاجتماعي لجنة حقوق الإنسان عام (1946) تتكون اللجنة من (53) عضو، يجري انتخابهم لمدة ثلاث سنوات، وذلك بصفتهم ممثلين لدولهم، مع مراعاة التمثيل الجغرافي في اختارهم، كما تتخذ اللجنة مقراً لها في جنيف( ) .
أما عن اجتماعاتها، فإنها تجتمع في مقرها مرة واحدة في العام، ويدوم اجتماعها لمدة ستة أسابيع، ويمكن أن تجتمع في حالات استثنائية، عند حصول انتهاكات لحقوق الإنسان.

من نص المادة (68) نجد أن مهمة اللجنة هي تعزيز احترام حقوق الإنسان، ومن هنا تكتسب هذه اللجنة أهميتها، خصوصاً إذا علمنا الصلة الوثيقة بين القضايا التي تعالجها وبين قضايا حفظ السلم والأمن الدوليين ( ) .
وقد عملت اللجنة منذ إنشائها على تعزيز احترام حقوق الإنسان وحمايتها، وذلك من خلال المشاركة في إعداد وصياغة العديد من المواثيق والعهود الدولية، ذات الصلة بحقوق الإنسان بدءاً بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام (1948) ومروراً بالعهدين الدوليين لعام 1966 وأيضاً اتفاقية حقوق الطفل لعام 1989، وغير ذلك من العهود والمواثيق الدولية.
كما عملت اللجنة على مد يد العون للحكومات الوطنية بشأن تعزيز احترام حقوق الإنسان لديها، وذلك من خلال تقديم الخبرات الفنية والمساعدة لها.

أمّا عن كيفية أداء اللجنة للمهام الملقاة على عاتقها، فإنها استحدثت العديد من الآليات التي تمكنها من أداء مهامها بشكل جيد. منها ما يعتمد على فرد واحد يسمى (المقرر الخاص) مثل ( المقرر الخاص بالتعذيب والمقرر الخاص بالعنف ضد المرأة ) ومنها ما يعتمد على مجموعة أو فريق عمل مثل ( مجموعة العمل الموكل إليها متابعة وضع حقوق الإنسان في جنوب أفريقيا المنشأة عام 1967).
حيث يقدم المقرر الخاص وفريق العمل، تقارير سنوية عن الأعمال التي يقومون بها وملاحظاتهم إلى لجنة حقوق الإنسان.
إضافة إلى هاتين الآلتين، درج العمل في اللجنة على تشكيل فرق من الخبراء، يوكل إلى كل فريق منها مهمة العمل على موضوع معين من مواضيع حقوق الإنسان، مثل ( فريق الخبراء الحكوميين المعني بالحق في التنمية المنشأ عام 1981 ).
إضافة إلى هذه الآليات السابقة، فإن لجنة حقوق الإنسان، قامت بإنشاء لجان فرعية دائمة، مهمة كل لجنة متابعة موضوع محدد من مواضيع حقوق الإنسان. مثل (اللجنة الفرعية الخاصة بمنع التمييز وحماية الأقليات) حيث تُعنى هذه اللجنة بحماية الأقليات العرقية والقومية والدينية واللغوية، وتقديم المقترحات بشأنها إلى لجنة حقوق الإنسان ( ) .
وفي بداية عام 2006 تم تشكيل مجلس حقوق الإنسان في إطار الأمم المتحدة والذي تم انتخابه لاول مره في (9) أيار 2006 رغم معارضة الولايات المتحدة الأمريكية.

المطلب الثالث : مصادر القانون الدولي لحقوق الإنسان:

يمكن تقسيم مصادر القانون الدولي لحقوق الانسان كما هو شان القانون الدولي الانساني الى عدة انواع .

أولاً : الاتفاقيات الدولية

لم يبدأ تقنين قواعد القانون الدولي لحقوق الإنسان، على شكل اتفاقيات ومواثيق دولية، إلا بعد منتصف القرن العشرين. حيث أبرم عدد من المواثيق الدولية منها ما هو ذو طابع أدبي ومنها ما هو إلزامي.

1- الإعلانات الدولية ذات الطابع الأدبي:

نبدأ بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948، تأتي أهمية هذا الإعلان من كونه أول وثيقة دولية تُعنى بحقوق الإنسان على المستوى العالمي، وإن كان له صفة أدبية فقط، حيث استمدت معظم الاتفاقيات والعهود اللاحقة قواعدها من هذا الإعلان، إضافة إلى عدد آخر من الإعلانات صدرت فيما بعد، يختص كل منها بحق معين أو بفئة معينة، وكلها ذات طابع أدبي، مثل إعلان حقوق الطفل لعام 1959 وإعلان منح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة لعام 1960 والإعلان الخاص بحماية جميع الأشخاص من التعرض للتعذيب والمعاملة القاسية أو غير الإنسانية أو المهينة والمعاقبة عليها لعام 1975 والإعلان الخاص بالحق في التنمية لعام 1983.

2- المواثيق والعهود الدولية:

تم إبرام عدد من العهود والاتفاقيات الدولية الملزمة، أهمها:

أ- اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها لعام 1948.
ب- الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري لعام 1965:
حيث أجازت الفقرة الأولى من المادة (14) من هذه الاتفاقية، للجنة القضاء على التمييز العنصري، التي أنشأتها الاتفاقية، استلام ودراسة الشكاوى المقدمة من قبل الأفراد ضد الدول الأطراف فيها، إذا كانوا ضحية انتهاك من جانب هذه الدول، لأي حق من الحقوق التي تقررها هذه الاتفاقية، بشرط موافقة (10) دول على هذه المادة (14) وقد دخلت هذه المادة حيز التنفيذ في في أواخر عام 1982( ).

جـ- العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لعام 1966:
يتضمن هذا العهد حقوق الإنسان الواردة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، إضافة إلى الكثير من الحقوق والحريات الأخرى، حيث يشكل هذا العهد ما يسمى بـِ ( الجيل الأول ) من حقوق الإنسان، ومن أهم الحقوق المنصوص عليها في هذا العهد ( الحق في الحياة والحق في المساواة وعدم التمييز والحرية الشخصية والسلامة البدنية والحق في حرمة الحياة الخاصة) ( ). وتسهر على تنفيذ هذا العهد لجنة حقوق الإنسان التي أنشاها العهد الدولي وفقاً للمادة (28) منه.
د- العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لعام 1966:
وقد أتى بمجموعة جديدة من الحقوق، وهي ما تسمى بـِ ( الجيل الثاني ) من حقوق الإنسان، ومن هذه الحقوق: (( الحق في الحصول على فرصة عمل والحق في تشكيل النقابات المهنية والانضمام إليها، والحق في اللجوء إلى الإضراب كوسيلة للضغط لتحصيل الحقوق، والحق في الضمان الاجتماعي والتأمين الاجتماعي والحق في الثقافة وتداول المعلومات )) ( ) .
هـ- البروتوكول الاختياري الملحق بالعهد الأول والذي يسمح بتقديم الشكاوى الفردية لعام 1966.
و- البروتوكول الثاني الملحق بالعهد الأول أيضاً والخاص بإلغاء عقوبة الإعدام لعام 1989.
ز- اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة لعام 1979 والبروتوكول الاختياري الملحق بها والذي يسمح بتقديم الشكاوى الفردية لعام 1999.
ح- اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهنية لعام 1983.
خ- اتفاقية حقوق الطفل لعام 1989.

3- المواثيق والصكوك الاقليمية
بالإضافة إلى هذه الاتفاقيات والعهود والمواثيق الدولية ، هناك الكثير من المواثيق والصكوك الإقليمية :

1- الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان لعام 1950:طبقت هذه الاتفاقية التي دخلت حيز النفاذ عام 1953 فيما يتعلق بحماية الفرد، على عدة مراحل، حيث كان حق رفع الشكاوى أمام اللجنة الأوربية لحقوق الإنسان مقتصراً في المرحلة الأولى على الدول الأطراف فيها، ولا يجوز للأفراد أو المنظمات غير الحكومية تقديم هذه الشكاوى إلا بموافقة الدول المشتكى منها، وذلك بإعلان تقدمه إلى الأمين العام لمنظمة مجلس أوروبا ( ) .
لكن بعد دخول البروتوكول التاسع المضاف إلى الاتفاقية حيز النفاذ في تشرين أول عام 1994، فإنه أصبح من الممكن، للأفراد والمنظمات غير الحكومية اللجوء إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، وبعد دخول البروتوكول الحادي عشر المضاف للاتفاقية حيز النفاذ عام 1998، تم إنهاء دور اللجنة الأوربية لحقوق الإنسان، وتكليف المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان، السهر على تطبيق نصوص الاتفاقية واحترامها، وأصبح للفرد ولمجموعة الأفراد وللمنظمات غير الحكومية الحق في تقديم الشكاوى للمحكمة ( ) ، تطبيقاً لنص المادة (34) من الاتفاقية التي تنص: ( يجوز اللجوء إلى المحكمة لأي شخص طبيعي، أو لأية منظمة غير حكومية، أو لأية مجموعة من الأفراد تدعى أنها ضحية انتهاك أحد الأطراف السامية المتعاقدة، للحقوق التي تعترف بها الاتفاقية وبروتوكولها. وتتعهد الأطراف المتعاقدة بأل تعرقل بأية وسيلة الممارسة الفعلية لهذا الحق )).

2-الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان لعام 1969 ارتكزت أيضا هذه الاتفاقية على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948 ، ولكنها جاءت مختلفة عن الاتفاقية الأوربية فجوهر هذه الاتفاقية يقتصر على الحقوق المدنية والسياسية ، بينما الاتفاقية الأمريكية كان نطاقها أوسع فلم تقتصر أحكامها على الحقوق المدنية والسياسية بل شملت الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. كما تتميز هذه الاتفاقيه بالمقارنة مع غيرها من الاتفاقيات والعهود السابقة، وخصوصاً الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان، هو حق الفرد أو مجموعة الأفراد أو المنظمات غير الحكومية بتقديم الشكاوى إلى اللجنة الأمريكية لحقوق الإنسان، دون حاجة لتقديم إعلان خاص أو التصديق على بروتوكول إضافي حيث يحق لهؤلاء تقديم الشكاوى دون حاجة لقبول أو موافقة الدولة المشتكى منها، بشرط أن تكون هذه الدولة قد صادقت على الاتفاقية.
كما أعلنت اللجنة الأمريكية لحقوق الإنسان، قدرتها على الاستعانة بقواعد القانون الدولي الإنساني للنظر في الشكاوى المعروضة عليها ( ) .

3- الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب لعام 1981 ، وقد تضمن هذا الميثاق الكثير من الحقوق المذكورة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ، إلا أنه أضاف أبعاداً جديدة لحقوق الإنسان لم يكن الإعلان العالمي قد نص عليها. فقد جاءت المادة (55) من الميثاق بالنص الآتي: (( يقوم أمين اللجنة قبل انعقاد كل دورة، بوضع قائمة المراسلات الواردة من غير الدول الأطراف في هذا الميثاق،
ويقدمها إلى أعضاء اللجنة الذين يجوز لهم الإطلاع عليها والنظر فيها )).
وقد فسر الفقهاء الأفارقة عبارة (( المراسلات الواردة من غير الدول الأطراف في هذا الميثاق )) بأنها تلك التي يقدمها الأفراد والمنظمات غير الحكومية تقديم الشكوى أثر انتهاك حقوقهم وذلك إلى اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان ( ) .

4-الميثاق العربي لحقوق الإنسان لعام 1994 ، الذي أعادت فيه الدول العربية تأكيد التزامها بما ورد من مبادئ في ميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان واحكام العهدين الدوليين للأمم المتحدة للحقوق المدنية والسياسية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية( ).

والى جانب هذه الاتفاقيات الإقليمية العامة وجدت مجموعة من الاتفاقيات الإقليمية الخاصة نذكر منها على سبيل المثال الاتفاقية الأمريكية لمنع ومعاقبة التعذيب المعتمد لعام 1985 والموضوعة في كولومبيا ، والاتفاقية الأمريكية المتعلقة بالاختفاء القسري للأشخاص المعتمدة في البرازيل عام 1994 ، والاتفاقية الأمريكية بشأن منع ومعاقبة القضاء على العنف ضد المرأة المعتمدة في البرازيل عام 1999.
ومن الاتفاقيات الأوربية الخاصة ، الاتفاق الأوربي بشأن التنظيم الذي يحكم تنقل الأشخاص بين الدول الأعضاء في المجلس الأوربي المعتمد 1957 ، والاتفاق الأوربي بشأن إلغاء سمة الدخول (الفيزا) للاجئين لعام 1959 الموضوع في ستراتسبورغ ، الاتفاقية الأوربية بشأن الوضع القانوني للعمال المهاجرين المعتمد في ستراتسبورغ عام 1977 ، والاتفاقية الأوربية لمنع التعذيب والمعاملة القاسية واللاإنسانية المعتمدة في ستراتسبورغ لعام 1987 والبروتوكولين الملحقين بها المعتمدين في ستراتسبورغ عام 1993.
ومن الاتفاقيات الإفريقية الخاصة ، اتفاقية منظمة الوحدة الإفريقية بشأن مظاهر محددة من مشاكل اللاجئين في أفريقيا لعام 1969 المعتمدة في أديس أبابا ، والميثاق الإفريقي لرعاية حق الطفل لعام 1990 المعتمدة في أديس أبابا( ).

أما بالنسبة إلى الاتفاقيات العربية الخاصة نذكر منها على سبيل المثال الميثاق الاقتصادي القومي الصادر عن مؤتمر القمة العربي 1980 عولجت فيه الحقوق الاقتصادية ، والميثاق الاجتماعي العربي الذي أصدره المؤتمر الأول لوزراء العرب للشؤون الاجتماعية 1980 ، والميثاق العربي للعمل لعام 1965 ، والمعاهدة الثقافية العربية لعام 1945 وميثاق الوحدة الثقافية العربية لعام 1961 عولجت فيها الحقوق الثقافية وميثاق حقوق الطفل العربي المعتمد من مجلس وزراء الشؤون الاجتماعية والعمل العرب لعام 1983( ).

ثانيا: العرف:

يعتبر العرف مصدراً هاماً من مصادر حقوق الإنسان على الصعيد الدولي، خصوصاً إذا علمنا أن هذا القانون حديث نسبياً، حيث لم يظهر كقانون دولي إلا بعد منتصف القرن العشرين فهو قانون غير مكتمل أيضاً، لذلك يلعب العرف دوراً هاماً في خلق قواعد هذا القانون والكشف عنها، وإعطائها صفة العمومية مستمداً إياها من الديانات السماوية، وخصوصاً الشريعة الإسلامية الغراء، التي تعد أقدم وأهم مصدر من مصادر حقوق الإنسان، إضافة إلى الفلاسفة والمفكرين، حتى مبادئ الثورات الكبرى كالثورة الفرنسية لعام 1789 التي وضعت الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمواطن، في وقت كانت فيه الشعوب ترزخ تحت نير الاستعمار والعبودية. فكل هذه العوامل مجتمعة شكلت قواعد عرفية، أقرت الكثير من حقوق الإنسان وما زالت.

ويعد العرف المصدر الرسمي الثاني من مصادر القانون الدولي العام ، وعلى الرغم من مزايا الاتفاقيات الدولية كمصدر للقانون الدولي ، الا ان العرف تبقى له الأهمية الكبيرة لتنظيم العلاقات الدولية ، وان الكثير من الفقهاء يرون ان للعرف اهمية على صعيد العلاقات الدولية تفوق أهمية الاتفاقيات وذلك نظرا إلى كونه ينظم العلاقات في مجتمع غير منظم بشكل تام إلى الان ، الا وهو المجتمع الدولي ، وتاتي اهمية العرف الدولي من ناحيتين الأولى لكونه أوجد معظم قواعد القانون الدولي العام والثانية لكونه يتفوق على المعاهدات بكون قواعده عامة وشاملة ، أي انها ملزمة لجميع الدول في حين ان القوة الالزامية في المعاهدات تقتصر على الدول المتعاقدة ويتكون العرف باطراد الدول على اتباع قواعد معينة في سلوكهم دون ان تكون ملزمة ، وبمرور الزمن والاستمرار في اتباع هذه القواعد يتولد شعور لدى الدول بالزاميتها وترتيب جزاء على مخالفتها وقد كان ولا يزال للعرف اهمية ودور كبير في ايجاد وتطبيق القانون سواء داخلياً او دولياً ( ) .

واذا كانت هذه الاهمية للعرف واضحة كمصدر مهم للقانون بشكل عام فانها قد تكون اكبر بالنسبة إلى حقوق الانسان سواء على الصعيد الداخلي او الدولي ، فإن من المعروف وكما تناولنا فيما تقدم انه قد كانت هناك اهمية ودور كبير للعرف في تكوين قواعد حقوق الانسان على الصعيد الداخلي وان اغلب قواعد هذا القانون فيما يتعلق بحقوق الانسان كانت في بداية الامر عبارة عن اعراف ، كما قد علمنا مما تقدم ان قواعد حقوق الانسان عندما انتقلت من النطاق الداخلي إلى النطاق الدولي كانت قد دخلت القانون الاخير على شكل قواعد دولية عرفية تطور الامر بها بعد ذلك واصبحت بأشكال وصيغ دولية اخرى .
ويعد العرف من ناحية اخرى المصدر الأكثر ملاءمة من مصادر القانون الدولي لتلبية متطلبات تكوين قانون دولي لحقوق الإنسان حيث انه من المعروف ان مبادئ حقوق الانسان تكونت بجهود ونضال واسهام كبير للبشرية كلها على اختلاف الامم والحضارات كما ان هذه المبادئ نابعة من اصول يرجع الكثير منها إلى تعاليم الاديان وقواعد الاخلاق العامة إذ ان العرف هو الوسيلة الفعالة التي تتيح لهكذا قانون ان يتكون ويتطور ويواكب كل الحاجات البشرية على اختلاف الاماكن والعصور ويضاف إلى ما تقدم ان اهمية العرف لحقوق الإنسان يكمن في كون انه اذا اصبحت قاعدة معينة من قواعد حقوق الانسان جزءا من قانون العرف الدولي، فان ذلك يعني انها سوف تكون ملزمة لجميع الدول الاعضاء في الاسرة الدولية عكس الحال فيما يتعلق باتفاقيات محدودة من اتفاقيات حقوق الانسان حيث انها لا تسري الا على الدول الاطراف فيها .

ومنذ انتقال قواعد حقوق الانسان من الصعيد الداخلي إلى الصعيد الدولي برزت العديد من القواعد العرفية لحقوق الانسان والتي كون مجموعها القانون الدولي العرفي لحقوق الانسان ، ومثال ذلك القواعد التي تحكم سلوك المحاربين والقواعد التي تحمي ضحايا الحرب وعادات الفرسان ( ) ونظرية التدخل الانساني والمساعدة الانسانية والحد الادنى في معاملة الاجانب ويضاف إلى ذلك العديد من القواعد التي ظهرت من خلال جهود المنظمات الدولية وخاصة الامم المتحدة وذلك من خلال نشاطاتها الانسانية.
وهناك رأي يذهب إلى ان الاعلان العالمي لحقوق الانسان الذي جاءت به الامم المتحدة عام 1948 اذا لم يكن يحضى بالقوة الالزامية للمعاهدات فان قبوله وعدم معارضته من قبل الدول سواء الاعضاء او غير الاعضاء في الامم المتحدة قد كون مجموعة من القواعد العرفية التي كان لها دور كبير في إعمال حقوق الانسان على الصعيد الدولي. ( )

ثالثا: المبادئ العامة للقانون:

وهي مجموعة من المبادئ والقواعد المشتركة بين معظم الأنظمة القانونية الرئيسية في العالم، ممثلة بالنظام الإسلامي والنظام اللاتيني والنظام الانكلوسكوني والنظام الجرماني ( ) .
حيث توجد في هذه النظم مجموعة من المبادئ والقواعد تعطي الإنسان حقوقاً متشابهة، خصوصاً ما تنص عليه في هذا المجال، الدساتير الوطنية للدول، باعتبارها القانون الأعلى للدولة والذي يحدد العلاقة الفرد بالدولة وجملة الحقوق الممنوحة له، حيث تنص معظم دستاتير الدول على مجموعة من الحقوق التي يتمتع بها الفرد، مثل حق المساواة وعدم التمييز والعدالة والحريات الفردية: الحرية الشخصية وحرية الرأي والتعبير والعقيدة وحرمة الحياة الخاصة وغير ذلك.
هذا و تتصف المبادئ التي يقوم عليها القانون الدولي لحقوق الإنسان ، بأنها تعبر عن المبادئ العامة للقانون التي أقرتها الشعوب والأمم المتمدنة على وفق ما أشارت إليه م/38 من نظام محكمة العدل الدولية في ف (ج) ، وبالتالي تعد مصدراً مستقلاً من مصادر القانون الدولي العام إذا خلا العرف أو الاتفاقيات من الأحكام اللازمة لحكم الموضوع محل الخلاف والسبب في أن المبادئ التي يقوم عليها القانون الدولي لحقوق الإنسان ، هي من المبادئ العامة للقانون ، يعود إلى إن ما يتردد من مفاهيم وأفكار حول حقوق الإنسان وحرياته ، ما هو إلا حقيقة قديمة ولدت مع الإنسان عبر تطور فلسفي وسياسي واجتماعي طويل ، والقيم التي تتضمنها حقوق الإنسان تجد أصولها في جميع المذاهب السياسية والاجتماعية والدينية ، فهي نتاج لكل الحضارات والديانات( )
فهذه القواعد والمبادئ نظراً لوجودها في معظم القوانين الوطنية للدول، وشيوعها لدى جميع الأفراد باختلاف جنسياتهم، أدى إلى الانتقال بها إلى نطاق القانون الدولي لحقوق الإنسان لتصبح مصدراً من مصادره.

رابعا: قرارات المنظمات الدولية:

بينا إن قرارات المنظمات الدولية ليست كلها إلزامية، وإنما بعضها تصدر قراراتها على شكل توصيات ذات صفة أدبية فقط وكما قلنا حينها، أن تكرار هذه التوصيات في نفس الموضوع والظروف، من الممكن أن يحوَّلها قاعدة عرفية ملزمة.
فبعض القرارات الصادرة عن المنظمات الدولية تتعلق بحماية حقوق الإنسان، كالقرارات الصادرة عن مجلس الأمن، خصوصاً عندما يكون من شأن انتهاكات حقوق الإنسان، تعريض السلم والأمن الدوليين للخطر، ومنها قراراته تجاه سياسة الفصل العنصري في جنوب أفريقيا. كالقرار رقم (282) لعام 1970 الذي اعترف بشرعية كفاح شعب جنوب أفريقيا من أجل الحصول على حقوقهم الإنسانية المقررة بميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان ( ).
ومن هنا يمكن اعتبار قرارات المنظمات الدولية مصدرا من مصادر حقوق الإنسان وان كان له صفة احتياطية.
ففي الفصل الرابع من ميثاق الأمم المتحدة، نجد أنه فيما يتعلق بوظائف وسلطات الجمعية العامة، أن من وظائفها إصدار التوصيات للإعانة على تحقيق حقوق الإنسان، حيث تنص المادة (13) الفقرة الأولى على أنه: أ- (( تنشى الجمعية العامة دراسات وتشير بتوصيات بقصد)):
ب- ((إنما التعاون الدولي في الميادين الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والصحية والإعانة على تحقيق حقوق الإنسان والحريات الأساسية للناس كافة بلا تمييز بينهم في الجنس أو اللغة أو الدين ولا تفريق بين الرجال والنساء )) ( ) .
ورغم أن ما تصدره الجمعية العامة في هذا الخصوص من توصيات، لها صفة أدبية فقط، إلا أن بأغلبية كبيرة، يمكن أن يحوَّلها إلى قاعدة عرفية ملزمة.

الفصل الثاني: نطاق تطبيق القانونيين

ويقصد بمجالات تطبيق القانونيين ، نطاق التطبيق المادي للقانونيين ، أي الفترات التي يسري خلالها القانونان ، والنطاق الشخصي لتطبيق القانونين اي المبحث في تحديد الأشخاص المستفيدين من أحكام كل من القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان الذي من خلاله سنبين الاختلاف القائم بين القانونين من ناحية الأشخاص المحميين بقواعدهما واخيرا الحقوق المشموله بحماية القانونين.

المبحث الاول: نطاق التطبيق المادي للقانونين

يلتقي القانون الدولي لحقوق الانسان مع القانون الدولي الانساني في العديد من نقاط الالتقاء والتي ياتي على راسها كون ان الهدف الاساسي لكل من القانونين يتمثل في حماية الانسان ، أي ان الشعور بالمسؤولية تجاه هذا الانسان لكونه إنساناً وليس لاي غرض اخر هو الذي دفع إلى وجود كل من القانونين ، اما من حيث نطاق وجود وعمل كل من القانونين فهو نطاق وحيز مشترك حيث يوجد كل من القانونين ويفعلان في نطاق دولي .
غير اننا اذا عدنا إلى تعريف القانون الدولي الإنساني، نجدهُ قانوناً لا يطبق إلاّ وقت النزاعات المسلحة الدولية أو غير الدولية، فهو يبقى في حالة سكون في وقت السلم، وبمجرد حصول نزاع مسلح، تدّب الحيوية في قواعده، لتطبق على هذا النزاع وتحكمة:
فهو يًعني بحماية حقوق الإنسان في ظرف النزاع المسلح، أي حماية الإنسان من ويلات الحروب.

من جهة ثانية، فإن القانون الدولي الإنساني، هو علاقة مواطني دولة في حالة نزاع مسلح مع القوات المسلحة للدولة الأخرى الطرف في هذا النزاع ( ). ومن ثم يعد القانون الدولي الإنساني قانونا خاصا بسبب انه يرتكز على قواعد خاصة وينطبق في فترة النزاعات المسلحة وليس بعدها ويتمحور في حماية الشخص في أثناء الحرب في حين حقوق الإنسان تسري على كل الأوضاع لاجل حماية الأفراد
، أمّا القانون الدولي لحقوق الإنسان فهو قانون شامل، يُعني بحمايةْ حقوق الإنسان سواء في وقت السلم أو الحرب ( ). وإن كان دوره الرئيسي حماية حقوق الإنسان وقت السلم، فكثيراً ما يعرقل. ظرف النزاع المسلح تطبيق هذا القانون في وقت الحرب . وتظهر بذلك شروط تطبيق كلا القانونين التي تكون مستقلة عن بعضها البعض فبالرغم من التشابه بين القانونين إلا انهما يعدان بنظامين قانونيين متميزين لا يمكن الدمج بينهما حتى إن كان هناك آثار متبادلة بينهما .

إلا إن لهذه الاستقلالية في التطبيق لها الكثير من الفائده من حيث ان الاستقلالية في تطبيق كلا القانونيين تسمح بالتدخل التلقائي للنظامين القانونيين في نفس الأوضاع ويترتب على ذلك تمتع الشخص بحماية مضاعفة ومزدوجة. مع ان الاتجاة اليوم يسير نحو مد نطاق تطبيق قواعد القانون الدولي لحقوق الانسان لتطبيقها في فترة الحرب والنزاعات المسلحة إلى جانب سريانها في فترة السلم . حيث يستمر العمل الدولي في هذا الاتجاه وذلك بقيام الامم المتحدة بالاهتمام بحقوق الانسان في وقت الحرب والنزاعات المسلحة بشكل عام في في الوقت الذي كانت في البداية تعنى بحقوق الانسان في زمن السلم فحسب واتضح ذلك في العديد من التقارير السنوية للامين العام وبيانات الجمعية العامة وقراراتها اضافة إلى قرارات مجلس الامن، وعلى سبيل المثال قرار الجمعية العامة ذي الرقم (2444) لعام 1968 والذي اكد فيه على احترام حقوق الانسان في وقت النزاعات المسلحة وكذلك التقرير السنوي للامين العام للامم المتحدة لعام 1968 وبالنسبة لقرارات مجلس الامن فقد تضمنت سلسلة القرارات التي اصدرها هذا المجلس عام 1992 بشان النزاع في يوغسلافيا الكثير من النصوص بشان احترام حقوق الانسان في النزاعات المسلحة . وجانب اخر للعمل الدولي في مجال حقوق الانسان يفيد بالتداخل بين القانونين والاتجاه نحو تعميم القانون الدولي لحقوق الانسان في زمن الحرب والسلم ، وقد اتضح ذلك في نصوص اتفاقية اوتاوا لسنة 1997 والتي تضم إلى سلسلة اتفاقيات حقوق الانسان والتي اختصت بحظر استعمال الألغام المضادة للاشخاص وتخزينها وانتاجها ونقلها وتدميرها ، حيث ان هذه الاتفاقية استندت في مبادئها ونصوصها على القواعد العرفية في القانون الدولي الانساني والتي تحرم استخدام الاسلحة التي لا تميز بطبيعتها بين المدنيين والمقاتلين والتي تسبب معاناة لا مبرر لها وانتهاكا للحقوق الانسانية في الحياة والسلامة والامان( ).
ونرى ان من المناسب التطرق الى المقصود بالنزاع المسلح الدولي والنزاع المسلح غير الدولي باعتبارهما المجال المادي لانطباق القانون الدولي الانساني.

المطلب الاول: تعريف النزاعات المسلحه الدوليه

يقصد بالنزاع الدولي المسلح الحرب التي تندلع بين دولتين مستقلتين وجيشيين نظاميين وتخضع الحرب الى قانون أو اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949.

ومن الجدير بالذكر انه قبل عام 1949 كان يسمى قانون الحرب ويسري فقط على حالات الحروب المعلنة والتي نظمتها وبينت أحكامها اتفاقية لاهاي لعام 1899 التي أعيد النص عليها عام 1907 في اتفاقية لاهاي الثالثة الخاصة ببدء العمليات العدائية حيث نصت م/1 منها على “تعترف جميع الدول المتعاقدة بعدم جواز بدء العمليات العدائية دون إنذار مسبق وصريح ، إما في شكل إعلان حرب مع بيان للأسباب ، أو إنذار أخير مع إعلان مشروط للحرب” وهو يعني أن سريان القانون الذي كان يهتم بتنظيم الأعمال العدائية كان مشروطا بقيام الدول الأطراف في هذه الاتفاقيات بان تسبق حربها بإنذار على شكل إعلان تبين فيه أسباب الحرب ، أو بشكل إنذار يتضمن إعطاء مهلة أخيرة للطرف الأخر مع إعلان مشروط للحرب ، وقد أظهرت التجارب السابقة واللاحقة لاتفاقية لاهاي لعام 1907 ، إن الدول باشرت العديد من الحروب دون أن تعلن عنها مسبقا إما مخالفة منها لاتفاقية لاهاي نفسها ، أو لأنها باشرت هذه الحروب مع دول ليست أطرافاً في اتفاقيات لاهاي ومن ضمنها اتفاقية لاهاي الثالثة ، التي كانت تنص على أن هذه الاتفاقية تسري فقط على حالات الحرب المعلنة بين أطرافها ، مما يعني إن الإعلان عن بدء الحرب بين الدول الأطراف في الاتفاقية وبين الدول غير الأطراف فيها ، لم يكن ملزما ، لذلك كانت أغلبية الحروب تبدأ دون إعلان مسبقا عنها ، نظراً إلى أن عدد الدول الأطراف فيها كان محددا وعليه خرج عدد من النزاعات المسلحة الدولية التي كانت تقوم بين الدول من نطاق قانون الحرب الذي كان نافذا قبل عام 1949 على الرغم من أن غالبيتها توافرت فيها سمات الحرب إلا إنها بوشرت دون إنذار مسبق ، كما أن بعض الدول لم تكن تعترف بوجود حالة حرب قائمة بينها وبين غيرها حتى تبعد تطبيق أحكام قانون الحـرب عليها ، ففي عام 1931–1932 في النزاع الصيني – الياباني على الرغم من أن القتال بينهما كان واسع النطاق ، إلا أن الجانبان أنكرا قيام حالة حرب بينهما ، ولم تعتبر كل من الصين واليابان إن اتفاقيات جنيف لعام 1925 ولاهاي لعام 1907 قابلة للتطبيق على حالة (اللاحرب) هذه ، ولذلك أظهرت الحاجة إلى إعادة النظر في نصوص الاتفاقيات التي كانت قائمة لتنظيم حالات الحروب ، وتم طرح الحاجة إلى ذلك عام 1938 خلال المؤتمر الخامس عشر الذي عقدته اللجنة الدولية للصليب الأحمر.

وتم بالفعل بعد الجهود التي بذلت لاعادة النظر في قوانين الحرب ، وضع نصوص جديدة توسع من نطاق الحروب التي تسري عليها قواعد لاهاي وقواعد جنيف لعام 1925 ، ففي عام 1949 بعد وضع اتفاقيات جنيف الأربع وضع نص فيها هو نص م/2 المشتركة لهذه الاتفاقيات ، ليشمل سريان هذه الاتفاقيات حالات الحروب المعلنة والاشتباكات المسلحة أيا كانت حتى إن كان أحد الأطراف فيها لا يعترف بقيام حالة الحرب وبذلك قطع نص هذه المادة الطريق على الدول للتمسك بالذرائع والادعاءات التي قد تضعها هذه الدول لاجل التملص من أداء التزاماتها فلم يعد هناك أية حاجة إلى أي إعلان رسمي للحرب أو الاعتراف بحالة الحرب حتى يبدأ سريان هذه الاتفاقيات بل إن حصول الأعمال العدائية أياً كانت كافية بذاتها لسريان قانون الحرب الذي سمي بعدها بالقانون الدولي الإنساني نظراً إلى أنه لم يعد قاصرا على الحروب بمعناها التقليدي الذي كان واردا في اتفاقيات لاهاي ، بل بات يشمل كل أنواع النزاعات المسلحة الدولية ، وسيسري على النزاعات المسلحة الدولية سواء كانت الأطراف المتحاربة كلها طرفا في الاتفاقيات أم لا فالالتزام يبقى قائما في مواجهة الدول الأطراف تجاه عددها أيا كان ، وبذلك تلاقت اتفاقيات جنيف الأربع الآثار التي كانت ترتبها اتفاقيات لاهاي لعام 1907 فلم يعد غياب بعض الشروط الشكلية سببا لعدم الالتزام وذريعة تتمسك بها الدول لعدم تنفيذ التزاماتها التي يفرضها عليها قانون تنظيم وادارة العمليات العدائية( ).

ولم يتوقف الأمر عند اتفاقيات 1949 التي غطت بأحكامها كل أنواع النزاعات المسلحة الدولية ، فقد تم إضافة نصوص جديدة إلى قواعد القانون الدولي الإنساني في عام 1977 تجعل من هذا القانون يسري بكامل قواعده على نوع جديد من النزاعات المسلحة وهي النزاعات المسلحة التي تقودها حركات التحرير الوطنية ضد الاستعمار والسيطرة الأجنبية وضد الاحتلال الأجنبي أو ضد الكيانات والأنظمة العنصرية فقد تضمن بروتوكول جنيف الأول لعام 1977 الملحق باتفاقيات جنيف الأربع نصا يدرج بموجبه هذا النوع من النزاعات ضمن فترة النزاعات المسلحة ، وهو نص م/1 ف (4)إلا انه يحدد بان النزاعات المقصودة بهذه المادة هي حصرا النزاعات التي يقودها الشعب بالحركات التي يشكلها ضد الاستعمار الاحتلال الأجنبي ، والأنظمة والكيانات التي تقوم على سياسة التمييز العنصري بحيث أن يشمل النزاعات المسلحة التي قد تقوم بها الشعوب ضد الأنظمة القمعية أو تلك التي تستهدف تقسيم دولة ما والتي تقوم على أسس اجتماعية أو سياسية فهذه الحالات لا تدخل ضمن نطاق م/1 ف (4) .

المطلب الثاني : النزاعات المسلحة الداخلية

ويقصد بها النزاعات المسلحة التي تدور في أراضي دولة بعينها ، دون أن تدخل ضمن المفهوم السابق الذي ذكرناه بصدد نزاعات حركات التحرير الوطنية.
وفيما يتعلق باهتمام القانون الدولي الإنساني لهذا النوع من النزاعات ، نجده قد مر بمرحلتين مهمتين ، الاولى قبل عام 1949 ، وتتميز بأن كل القواعد التي نظمت الحروب لم تكن قد نظمت أو تناولت مسألة النزاعات المسلحة الداخلية بمفهومها الواسع أو حتى الحروب الأهلية التي هي صورة من صورها ، بل بقيت هذه الحالات حتى عام 1949 ، شؤونا داخلية محظة تعالج وفقا للأنظمة والقوانين الداخلية ، فالنسبة إلى الحكومات القائمة فالقائمون ضدها أو المتمردون هم مجرمون يخرقون واجب الولاء والسلاح الذي تستخدمه ضدهم هو قانون الجزاء الداخلي ، وهو سلاح قديم فكل التشريعات الوطنية تعاقب على الجرائم التي ترتكب ضد أمن الدولة أو الدعوة إلى الحرب الأهلية ، ولتأكيد سلطتها تقوم بمواجهته بقوانينها الداخلية العادية (قوانين العقوبات العادية) وتطبيقها يسمح عادة بتدارك هذه الحروب ومكافحتها، في بعض الأحيان قد لا تكون هذه القوانين العادية كافية ، فتلجأ إلى استخدام قوانين وإجراءات استثنائية( ).

ولم تكن قواعد القانون الدولي تهتم بمسألة هذا النوع من النزعات المسلحة أو القائمين بها أو الآثار التي ترتب عليها ، إلا في حالة واحدة هي عندما كانت حكومات الدول التي تظهر على أراضيها ، تعترف بالمتمردين أو الثوار كمحاربين ، فكانوا يتمتعون بموجب هذا الاعتراف ببعض الحقوق في مواجهة حكومتهم ، وهي أن يتم معاملتهم في حال القبض عليهم أسرى وليس كخونة مجرمين ، وعادة ما كانت الدول تلجأ إلى الاعتراف من هذا النوع حتى تعفي نفسها من تحمل المسؤولية عن الأضرار التي تلحق بالأجانب المتواجدين على أراضيها أو التي تلحق بدول أخرى مجاورة ، من جراء الحرب الأهلية( ) وفيما عدا هذه الحالة كان وضع النزاع المسلح الداخلي يعالج استناداً إلى ما تتخذه الدولة من تدابير إجراءات داخلية والتي عبرت في الغالب عن قسوة بالغة وآثار سلبية في حقوق الإنسان ، فضلاً عن عدم وجود ضوابط على سلوك المتمردين أو الثوار الذين يقودون الصراع المسلح ضد حكوماتهم ، أو حتى بالنسبة النزاعات التي تقع بين أفراد الدولة ذاتها دون أن تكون موجهة إلى الحكومة.

فقد ظلت هذه المسائل بعيدة عن تنظيم قواعد القانون الدولي العام حتى عام 1949 ، عندما تم وضع اتفاقيات جنيف الأربع ، فقد وضع فيها نص مشترك هو نص المادة الثالثة المشتركة ، جعلت بالإمكان تطبيق الحد الأدنى من قواعد القانون الدولي الخاص بالنزاعات الدولية على النزاعات المسلحة الداخلية ، وقد أثارت هذه المادة قبل وبعد صياغتها جدلا كبيرا لأنها تتعلق بشأن داخلي مما ينبغي معه مراعاة مصالح الدول وذلك بجعل قواعد الإنساني تنطبق على حالات محددة ، حتى يقطع الطريق على المجرمين العاديين من الاستفادة من بنود هذه المادة الذين سيحاولون جعل جرائمهم على إنها أعمال الحرب كي يتخلصوا من العقاب ، ومنع بعض الأشخاص الذين لا يشكلون سوى مجموعة من المتمردين أو العصابات من الاستفادة منها والحصول على صفة طرف في نزاع ، بل اكثر من ذلك إذا دخلوا ضمن إطار هذه المادة يجب على الدولة الطرف أن تقوم بإخلاء سبيلهم بعد إعادة النظام إلى وضعه السابق ، كما تضعهم هذه المادة بنفس درجة الأسرى لذلك ينبغي التحديد ، فبغير هذا التحديد يعني أن يكون للمتمردين صفة قانونية تعرقل دور وعمل الحكومة في القيام بواجباتها عن طريق إجراءات القمع المشروعة( ).

ولكن قد يكون النزاع المسلح الداخلي بين فصائل مختلفة داخل الدولة وليس بالضرورة ضد قوات الدولة ، وفي ظل هكذا حالات قد تكون الدولة عاجزة عن إعادة الأمن ونظامها العام والسيطرة على الأوضاع ، أو قد تكون هناك حالة من التفكك الداخلي بانهيار أجهزة الدولة وفي معظم الحالات التي تنهار فيها هياكل الدولة فان المحافظة على النظام وكذلك الأشكال الأخرى للسلطة تقع بين أيدي فصائل مختلفة فالدول تظل قائمة ولا تختفي ولكن الذي يحصل فيها يؤدي بها إلى أن تفقد قدرتها على إنجاز وظائفها الاعتيادية وتفكك هياكل الدولة يكون على مستويات مختلفة ففي بعض الحالات تبقى الحكومة محتفظة بسيطرتها على فئة قليلة من السكان وجزء صغير من الأراضي وفي درجة متقدمة قد تبقى بحكومتها تمثل في الخارج لكن في حياتها الداخلية تتكون من فصائل عدة متفككة ، والصورة الأخيرة هي تفكك هياكل الدولة على المستوى الداخلي والخارجي بحيث لا يكون هناك وجود لهيئة معينة شرعية تمثلها أمام المجتمع الدولي أما من الداخل فالفوضى والجرائم واسعة النطاق ولم تعد الفصائل الموجودة فيها قادرة على السيطرة على أفرادها وليس هناك بالتالي قيادات على شكل متسلسل وممثلين حقيقيين يمكن أن تتحدث معهم المنظمات الإنسانية ولاجله تسمى هذه النزاعات المسلحة الداخلية بالنزاعات الفوضوية ويترتب عليها مجموعة من الآثار السلبية وهي خاصة وان هدف كل فئة أو طائفة يتركز في الحصول على مجال حي له يختص به مما يزيد معه تقسيم للأراضي بسبب القتال بين هذه الجماعات ويتبعه ذلك قلة التمييز بين المدنيين والمحاربين وخاصة إذا كان المدنيون يتبعون طائفة أخرى مما يدفعهم إلى اللجوء أو التشرد ويقل الضبط بين القطعات وتكثر معه أعمال العنف والجرائم .

ومن جهة يلاحظ على هذه المادة (م3 من اتفاقيت جنيف 1949) لا تحدد من هي الجهة التي تقرر توافر الشروط التي تتطلبها في الجماعات المسلحة من حيث أن تكون الجماعات المسلحة تحت قيادة شخص مسؤول ومسيطرة على جزء من إقليم الدولة ، أن العمليات التي تقوم بها مخططة ومستمرة ، وهذا كان وجه الاعتراض الذي تقدم به الوفد الكولومبي مشيراً إلى أن النقص أصاب هذه المادة في تحديد الجهة التي تختص بتقرير توافر هذه الشروط وعلى أساسها تقدم بمقترح وهو إن يعود إلى الدولة التي يجري على أرضها النزاع تحديد الشروط المذكورة آنفاً لأنها هي صاحبة السيادة على إقليمها( ).
والانتقاد الأخر الذي وجه إليها هو أن أحكامها تشكل تدخلا في الشؤون الداخلية للدول صاحبة السيادة ويجب أن تعالج وفقا لاحكام قانونها الداخلي وهو ما تقدمت به وفود كل من الهند ،كينيا ، الفلبين.

بل أكثر من ذلك إن اشتراط أن تكون الجماعات المسلحة المنشقة آو الفصائل المنظمة مسيطرة على جزء من إقليم الدولة يشكل تهديدا وخطرا كبيرا على حياة المدنيين إذ بمقتضى هذا الشرط سوف تعمل هذه الجماعات المسلحة لاجل الاستفادة من أحكام البروتوكول الثاني وحمايته على استخدام كل وسيلة ممكنة للوصول إلى سيطرة فعلية على جزء من إقليم الدولة ومثل هذا الشرط يؤدي إلى تفاقم الأخطار التي تهدد وتصيب السكان المدنيين ، وهو ما تقدم به وفد جمهورية الكاميرون( ) .

وهنا نكون أمام مجموعة كبيرة من المصاعب ولدها نص ف(1) من م(1) بل لأجله جاء تعليق وفد النرويج معارضاً للمادة الأولى ومشيراً إلى أن نص هذه المادة مقتضباً لا يضيف شيئا جديدا إلى ما هو موجود في الميثاق الدولي لحقوق الإنسان المدنية والسياسية بل وان ما ورد في البروتوكول الثاني هو وارد بمعظمه في هذا الميثاق الدولي الذي لا يرد عليه استثناء حتى في حالة الطوارئ ولاسيما النزاعات المسلحة الداخلية ، لذلك كان الأجدر بالمؤتمر الدبلوماسي أن يتخذ قراراً يطلب فيه من جميع الدول تصديق الميثاق الدولي لحقوق الإنسان المدنية والسياسية عوضا عن إقرار البروتوكول الثاني( ) .

ومن الملاحظات أيضا على هذه المادة هي إنها لم تستخدم تعبير (أطراف النزاع) الذي استخدمته م/3 المشتركة لاتفاقيات جنيف الأربع والسبب يعود إلى رغبة الدول في الحفاظ على سياداتها ، وهو ما أدى إلى رفض أيراد هذا المصطلح لكي لا يكون هناك اعتراف صرع من جانبها في ظل اتفاقية دولية بالمتمردين إذا نشب نزاع مسلح من النوع الوارد في ف (1) م(1) على أراضيها وثانيا لقطع الطريق على الثائرين ضدها في أن يقوموا باستغلال هذا المصطلح لتبرير الجرائم التي يرتكبونها على أنها كانت أعمال نضال ضد الحكومة القائمة( ) وبالرغم من المصاعب التي يولدها تطبيق البروتوكول الثاني وبخاصة في أن مداه ضيق إلا أن التزام الأطراف في النزاع المسلح الداخلي بالقواعد الواردة فيه ليس بأمر مستحيل فقد تقرر الدولة والطرف الأخر في النزاع تنفيذ بنود البروتوكول وهو ما فصل في النزاع المسلح الداخلي في السلفادور حيث برز فيه نوعان من التعهدات والالتزامات الصادرة بإرادة منفردة احدهما التزم به المتمردون والأخر التزمت به الحكومة وذلك من اجل الامتثال إلى م/3المشتركة لاتفاقيات جنيف الأربع وبروتوكولها الثاني لعام 1977 ، كما قد يبرم الطرفان الحكومة والطرف في النزاع اتفاقا من اجل تطبيق القواعد الإنسانية بما يزيد أو يخرج عن نطاق تلك القواعد المنصوص عليها في م/3 المشتركة والبروتوكول الثاني كما هو الحال بالنسبة إلى اتفاق عام 1994 الذي عقد بين غواتيمالا والمتمردين لتطبيق الملحق الثاني على الرغم من عدم إمكان تطبيقه قانونيا على النزاع المسلح الذي كان قائماً .
وفي مجال البحث في النزاعات المسلحة الداخلية يظهر سؤال مهم أخر هو ما هي القواعد التي ستنطبق على نزاع داخلي قد يتحول إلى نزاع مسلح دولي بسبب تدخل أطراف أجنبية فيه ، كأن تتدخل دولة ثالثة في النزاع المسلح إلى جانب المتمردين وهذا التدخل سيعمل على إثارة م/2 المشتركة لاتفاقيات جنيف الأربع بالنسبة إلى هذه القوات بينما يستمر سريان م/3 المشتركة لهذه الاتفاقيات على النزاع بين الحكومة والمتمردين( ) ، أو تطور النزاع المسلح الداخلي إلى دولي ، حيث يصبح المتحاربون يحملون جنسيات مختلفة واعمالهم تنسب إلى اكثر من دولة ، وهو ما حصل مع يوغسلافيا السابقة التي انقسمت عام 1991-1992 إلى خمس دول (كرواتيا ، سلوفينيا ، مقدونيا ، البوسنة والهرسك ، يوغسلافيا الاتحادية) فالنزاعات المسلحة الداخلية فيها وبخاصة في البوسنة والهرسك ، شهدت علاقات وثيقة ومستمرة بين الجيوش المنشقة وبين دول أخرى كالدعم الذي كانت تقدمه كرواتيا وصربيا إلى الأطراف المنشقة في البوسنة والهرسك ، إلى جانب النزاع المسلح الدولي الذي كان قائما من جهة بين صربيا والجبل الأسود من جهة والبوسنة والهرسك من جهة أخرى فعد نزاعاً مسلحاً دولياً على أساس أنه قائم بين دولتين ذات سيادة, أو يكون تدويل النزاع لا يعود إلى تدخل دولة أجنبية وانما إلى تدخل قوات منظمة دولية كالأمم المتحدة أو منظمة إقليمية قررت التدخل لاسباب إنسانية بإرسال قواتها الدولية لحل النزاع المسلح الداخلي مع وضع الحلول أو تسوية يتم التفاوض بشأنها كل النزاع كما حصل مع كمبوديا الذي انتهى النزاع المسلح فيها بوضع اتفاقية باريس( ).
ويترتب على ذلك سريان أحكام القانون الدولي الإنساني الخاصة بالنزاعات المسلحة الداخلية من جهة وخاصة أحكام م/3 المقررة لاتفاقيات جنيف وهي ذات طابع عرفي ، والقواعد الخاصة بالنزاعات المسلحة الدولية.

المبحث الثاني: النطاق الشخصي لتطبيق القانونين

ونقصد بهذا المبحث تحديد الأشخاص المستفيدين من أحكام كل من القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان الذي من خلاله سنبين الاختلاف القائم بين القانونين من ناحية الأشخاص المحميين بقواعدهما والآثار التي ستترتب على هذا الاختلاف ولأجل توضيح ذلك سوف نبحث الموضوع في مطلبين ، المطلب الأول سيكون عن أشخاص القانون الدولي الإنساني والمطلب الثاني سيكون عن أشخاص القانون الدولي لحقوق الإنسان.

المطلب الاول : اشخاص القانون الدولي الإنساني

يقوم القانون الدولي على تقسيم أساسي لأشخاصه المستفيدين من الحماية التي تقدمها قواعده وهو تقسيم إلى فئتين رئيستين المقاتلين وغير المقاتلين.
ويقصد بالمقاتلين : الأشخاص الذين يحق لهم وفقا لقواعد القانون الدولي مباشرة الأعمال القتالية وبالتالي هم وحدهم الذين يجوز توجيه الأعمال العدائية ضدهم مما يجعلهم الوحيدين المسموح قتلهم لو جرحهم أو أسرهم وذلك وفقا للقيود التي يضعها القانون الذي يحكم العمليات القتالية( ).
أما غير المقاتلين : فهم الأشخاص الذين لا يحق لهم مباشرة الأعمال القتالية ، ولاجله يحظر على العدو مباشرة الأعمال العدائية ضدهم ويلتزم باحترام حياتهم وممتلكاتهم ما داموا من جانبهم يقفون موقفا سلبيا ولا يأتون ضد قوات العدو عملا من الأعمال القتالية التي تضر بأفراد القوات المسلحة المعادية أو بمجهودها الحربي( ).

ولهذا التقسيم الذي يعتمده القانون الدولي الإنساني غرض أساسي وهو الفصل بين الأشخاص الذين يجوز قتالهم فلهؤلاء أحكام وشروط خاصة بهم وبين الأشخاص الذين لا يجوز قتالهم وهؤلاء هم المدنيون – وهم أشخاص لا يحملون السلاح في وجه العدو ولا يساهمون في الأعمال القتالية مما يمنحهم حماية خاصة تختلف عن الحماية الممنوحة للمقاتلين.

ويندرج تحت هذا التقسيم الرئيسي للأشخاص إلى مقاتلين ومدنيين مجموعة متنوعة من الأشخاص منهم من يدخل ضمن فئة الأشخاص الذين توجه ضدهم الأعمال القتالية مما يستتبعه وقوع ضحايا بين قوات الأطراف المتحاربة من جرحى ومرضى وغرقى ، أسرى ولهؤلاء شروط خاصة ينبغي أن تتوافر فيهم حتى يتمكنوا من التمتع بالحماية المقررة في القانون الدولي الإنساني ، ومن الأشخاص أيضا هناك القتلى والمفقودون الذين خصصت لهم أحكاماً خاصة بهم ينبغي مراعاتها من الطرفين ، والى جانبهم يوجد أيضا فئة الجواسيس والمرتزقة والخونة الذين لهم وضعهم الخاص مقارنة ببقية المقاتلين من ناحية الأحكام التي تنطبق عليهم الحماية المقدمة لهم.

أما من جانب الأشخاص غير المقاتلين (المدنيين) فان القانون الدولي الإنساني يتميز بالنظر إلى وضع هؤلاء بأنه من جهة وضع أحكاما عامة تطبق على المدنيين ، ومن جهة أخرى توجه باهتمامه إلى فئات خاصة من المدنيين وهم كل من النساء ، الأطفال ، المسنين أفراد الخدمات الإنسانية ، الصحفيين ، هذا ولم تكن أحكامه قاصرة على حماية الأشخاص من ضحايا النزاعات المسلحة الدولية بل وجدت فيه الأحكام التي تتوجه لحماية ضحايا النزاعات المسلحة الداخلية ، وبذلك سنبحث في هذا المطلب في أشخاص القانون الدولي الإنساني من ضحايا النزاعات المسلحة الدولية وفي أشخاصه من ضحايا النزاعات المسلحة الداخلية .

اولا : ضحايا النزاعات المسلحة الدولية

ويتضمن التطرق الى فئات المقاتلين الذين يقعون في قبضة الخصم والشروط التي ينبغي أن تتوافر فيهم ، كما يبين الأحكام العامة والخاصة للمدنيين المتأثرين بأوضاع النزعات المسلحة الدولية ، وهو ما سيقودنا إلى بحث النقطتين بشكل مستقل.

1 : المقاتلون من ضحايا النزاعات المسلحة

وهم كل من :الجرحى والمرضى والغرقى أسرى الحرب و القتلى والمفقودين.

أ- الجرحى والمرضى والغرقى وأسرى الحرب:

ذكرت اتفاقيات جنيف الثلاث لعام 1949 ، إن هناك أشخاصاً معنيين يجب أن يتم احترامهم وحمايتهم نظراً إلى الأوضاع والظروف الخاصة التي يعانون منها ، كما يقع على عاتق الأطراف في النزاع المسلح الدولي ، إذا وقع هؤلاء الأشخاص في قبضتهم أن يعاملونهم معاملة إنسانية ، وان يتم الاعتناء بهم دون أي تمييز ضار ولأي سبب كان ، والامتناع عن الاعتداء على حياتهم أو استعمال العنف ضدهم أو إهانتهم …) وهؤلاء الأشخاص هم جرحى ومرضى الحرب البرية( ) ، جرحى ومرضى وغرقى الحرب البحرية( ) وأسرى الحرب( ).
ويقصد بجرحى ومرضى الحرب ، وهو ينصرف إلى المقاتلين من ضحايا الحروب البرية والبحرية على حد سواء كل شخص يحتاج إلى مساعدة أو رعاية طبية بسبب الصدمة أو المرض أو أي اضطراب بدنيا كان أم عقليا ، والذي يحجم عن أي عمل عدائي( ).

أما الغرقى : فيقصد بهم الأشخاص الذين يتعرضون للخطر في البحار أو أية مياه أخرى نتيجة لما يصيبهم أو يصيب السفينة أو الطائرة التي تقلهم من نكبات ، أي ينصرف تعبير الغرقى إلى كل الأشخاص الذين يتعرضون للغرق أيا كانت أسبابه والظروف التي حصل فيها بما في ذلك حالات الهبوط الاضطراري للطائرات على الماء ، وحالات سقوطها في البحر( ).
أما الأسير : فهو كل شخص شارك في الأعمال العدائية ووقع نتيجة لذلك في قبضة الخصم( ).
وبهذا التعبير ينصرف وصف أسير الحرب إلى كل مقاتل شارك في الأعمال العدائية ووقع لأي سبب كان في قبضة الخصم ، سواء كان السبب هو تمكن العدو من دحر القطعات التي كان ينتمي إليها ، أو استسلامه ، أو وقع في قبضة الخصم بسبب مرضه أو الجروح التي أصيب بها ، أو غرق السفينة التي كان على متنها أو بسبب إصابة الطائرة التي كان على متنها بالعطب أو أصابتها بنيران العدو مما اجبرها ذلك على الهبوط أو السقوط في الماء وهو ما أوضحه وأكدته اتفاقية جنيف الاولى عندما نصت على إن الجرحى والمرضى التابعين لدولة محاربة الذين وقعوا في أيدي العدو ، يعدون أسرى الحرب تنطبق عليهم أحكام القانون الدولي المتعلقة بأسرى الحرب إلى جانب الأحكام المنصوص عليها في الاتفاقية وبخاصة م/12منها( ).
كما نصت اتفاقية جنيف الثانية المتعلقة بحماية جرحى ومرضى وغرقى المقاتلين في الحرب البحرية على ذات الحكم ، بان كل جريح أو مريض أو غريق تابع لدولة محاربة ، ووقع في أيدي الخصم يعد أسير حرب وتنطبق عليه أحكام القانون الدولي المتعلقة بأسرى الحرب ، إلى جانب أحكام م/12 من الاتفاقية( ).

وبثبوت هذه الحالات يصبح العدو مقيدا في مباشرته للأعمال العدائية ضدهم ، حيث حق العدو في مهاجمة مقاتلي الطرف الأخر في الحرب وقتلهم أو جرحهم يستمر قائما فقط ما داموا حاملين للسلاح وقادرين على القتال ، أما إذا القوا سلاحهم باستسلامهم أو وقوعهم في الأسر ، أو اصبحوا غير قادرين على الاستمرار في القتال بسبب سقوطهم جرحى أو مرضى، لم يعد للعدو أن يستمر في الاعتداء عليهم وانما تترتب قبلهم واجبات تقضي بها الإنسانية ويؤكدها العرف وتفرضها الاتفاقيات( ) ولكن مراعاة هذه الأحكام مرتبطة ومشروطة بان لا يقوم هذه الشخص الذي يوصف بأنه عاجز عن القتال وهو السبب الذي وصفت لاجله أحكام الحماية ، بأن لا يقوم بأي عمل عدائي وألا يحاول الفرار حتى يستفيد من عدم جواز الهجوم عليه وحمايته وتقديم المساعدة له إلا إن وقوع هذا الشخص جريحاً أو مريضاً أو غريقاً أو أسيراً يستلزمه لكي يستفيد( ) من أحكام اتفاقيات جنيف الثلاثة ، أن يكون متمتعا بوصف المقاتل النظامي وفي بعض الأحيان يطلق الكتاب عليه وصف المقاتل القانوني أي بمعنى أن يكون من بين الأشخاص من الذين حددهم القانون الدولي الإنساني وبين شروطهم، لذلك يجب أن يكون من بين الفئات الآتية:

الفئه الاولى: أفراد القوات المسلحة:

فلكي يتمتع الشخص بوصف المقاتل لابد له من أن يكون فردا في القوات المسلحة التابعة لاحد أطراف النزاع ، أو أن يكون أحد أفراد الميليشيا أو القوات المتطوعة التي تشكل جزءا من هذه القوات( ) وينصرف معنى القوات المسلحة إلى الجيوش التي تشكلها بقطعاتها المختلفة البرية والبحرية والجوية كما يدخل ضمنها أية تشكيلات أو قوات نظامية قد تقرر الدولة تشكيلها وتجعلها جزءاً من قواتها المسلحة إلى جانب جيشها فيكون الفرد المنتمي إلى هذه القوات مستحقا التمتع بوصف المقاتل وأيا كانت طبيعة عمل هذه القوات سواء كانت من القوات العاملة أم كانت من قوات الاحتياط التي قد تشكلها الدولة إلى جانب قواتها العاملة والتي قد تدعوها إلى القتال في أية لحظة تقرر فيها الدولة اشتراكها في القتال إلى جانب قواتها الاولىولا يقتصر انطباق وصف المقاتل النظامي على أفراد القوات المسلحة بل هو يشمل أيضاً أفراد قوات الميليشيا ووحدات المقاومة التي تشكل جزءاً من هذه القوات ، ففي بعض الحالات قد تعمل إلى جانب القوات المسلحة الرسمية للدولة وحدات وقطعات أخرى تساعد هذه القوات المسلحة في مهماتها مما يعرضها لان تقع في أيدي العدو ، فيكون لهذه القوات المتطوعة أو الميليشيات الحق في أن يتم معاملة أفرادها أسرى حرب إذا وقعوا في قبضة الخصم ، وهذا الحكم الذي جاءت فيه اتفاقية جنيف الثالثة في ف(1) من م(4) لم يكن بجديد ، بل كانت اتفاقية لاهاي الرابعة لعام 1907 قد نصت عليه ، وبينت في م/1 على أن قواعد الحرب لا تنطبق على الجيش فقط بل تشمل أيضا أفراد الميلشيا والقوات المتطوعة التي تتوافر فيها الشروط الآتية:

أن تكون تحت إمرة شخص مسؤول عن مروؤسيها.
أن تكون لها شارة مميزة ثابتة.
أن تحمل الاسلحة علناً.
أن تلتزم بقواعد الحرب وأعرافها ، ولكن الشرط في هذه الاتفاقية ، وفي الحكم الوارد في اتفاقية جنيف الثالثة في فقرتها السابعة المشار إليها هي أن تكون هذه الوحدات والقطعات التي تستوفي هذه الشروط تعمل مع أحد أطراف النزاع وتحديدا تشكل جزءا من قواته المسلحة أي تندرج في فئة الجيش ، أو كما بينت اتفاقية لاهاي الرابعة في عجز المادة الاولى أن تكون فيها هذه الوحدات المتطوعة أو الميليشيات قائمة مقام الجيش أي أن جيش الدولة هو في الأساس ليس إلا مجموعة من الميليشيات أو القوات المتطوعة تتبع حكومة هذه الدولة وسيميزها استناداً إلى عملها إلى جانب القوات المسلحة للدولة ، أو أنها تمثل أصلا القوات التي تعتمد عليها الدولة تشكيلات وحيدة للقتال ، بان قتالها يكون خارج الإقليم المحتل وبالتالي ستتميز عن الأفراد التابعين لقوات المقاومة التي تعمل داخل الإقليم المحتل الذي لم تكن بعد الدولة الموقعة على اتفاقية لاهاي الرابعة ، مستعدة للقبول به وقتها أي في عام 1907( ).

الفئه الثانيه: أفراد الميلشيا والقوات المتطوعة:

أما فيما يتعلق بالملشيات والمتطوعين من قوات التحرير فقد عالجت امرهم المادة الاولى من اللائحة الملحقة بالاتفاقية الرابعة للعام 1907 والتى تمنح افراد هذه الملشيات صفة المحارب النظامي ، اذا توافرت فية الشروط الاربعة التالية:

ا.ان يكونوا تحت أمرة شخص مسؤول .
ب.ان يحملوا علامه مميزة ثابتة يمكن تبينها عن بعد .
ج. ان يحملوا السلاح علنأ
د. ان يراعوا في عملياتهم قوانين الحرب واعرافها.

الفئه الثالثه : أفراد حركات المقاومة:

من الصعب وضع تعريف جامع لمفهوم المقاومه وحركات التحرر الوطني غير ان بعض الفقهاء سعى في هذا المجال فقد ذهب الدكتور صلاح الدين عامر الى القول بأن اعمال المقاومة الشعبية المسلحة (( عمليات القتال التى تقوم بها عناصر وطنية من غير افراد القوات المسلحة النظامية دفاعا عن المصالح الوطنية أو القومية ضد قوى اجنبية سواء كانت تلك العناصر تعمل في اطار تنظيم يخضع لاشراف وتوجيه سلطة قانونية أو واقعية أو كانت تعمل بناء”على مبادرتها الخاصة سواء باشرت هذا النشاط فوق الاقليم الوطني أو من قواعد خارج هذا الاقليم )) .
غير ان من الفقهاء من وضع عناصر معينة مميزة لحركات التحرر الوطني من غيرها من الحركات الانفصالية او الإرهابية ,ومن هذه العناصر:

1-ان الهدف من حركات التحرير الوطني هو تحقيق التحرر .
2- وجود الاراضي الداخلية او الخارجية التي تسمح للحركات ان تباشر عملياتها العسكرية بمعنى ان توجد مناطق محررة تقيم عليها مؤسساتها الادارية والتعليمية والعسكرية .
3- ان يتعاطف الشعب مع حركات التحرير والمقاومة وتلقى دعما وتأيدا واسعا من المواطنين .
4- يجب ان تتسم اهداف حركات التحرير بدافع وطني يتجاوب ويتلائم مع المصلحة الوطنية العليا وهوما يميز حركات التحرير عن الاعمال التي تستهدف مصلحة خاصة لبعض الفئات من المواطنين أو تنافس أو تناحر للسيطرة على السلطة أو فرض فلسفة معينة . أو الحرب من اجل انفصال اقليم معين أو جزء من الدولة ,ومن الجدير بالذكر ان القانون الدولي يبيح لرجال المقاومة اللجوء الى كل الوسائل الممكنه لانهاك قوات الاحتلال ومنها بطبيعة الحال الحق في استخدام العنف كما يمكن ان تكون المقاومة مدنية لاعسكرية .

ومن الجدير بالذكر أن المقاومة الشعبية للاحتلال ظاهرة حفل بها التاريخ وميزة تتباها بها الشعوب العريقة . وقد احترم المجتمع الدولي هذا الحق في اكثر من مناسبة . فقد اكدت اتفاقية لاهاي وجوب معاملة اعضاء حركات المقاومة المنظمة كأسرى حرب في حال اعتقالهم .

وفي الثلاثين من تشرين الثاني عام 1970 اصدرت الجمعية العامه للامم المتحدة قرارها المرقم 2672 والذي شجب انكار حق تقرير المصير ، ولاسيما على شعبي جنوب افريقيا وفلسطين )).

وقد تضمن هذا القرار لاول مرة احترم شرعية كفاح شعوب الرازحة تحت الهيمنة الكولونيالية والاجنبية ، والمعترف بحقها في تقرير لاسترداد هذا الحق باي وسيلة في حوزتها في التاسع من كانون الاول اكدت الجمعية العامة للامم المتحدة على وجوب معاملة المشاركين في حركات المقاومة كأسرى حرب عند القاء القبض عليهم ، وفقأ لمبادىء اتفاقية لاهاي لعام 1907 واتفاقية جنيف 1949 .

كما اكتسب هذا الاعتراف بعدا جديدا عندما دعت الجمعية العامة في قرارها المرقم 2787عام 1971 جميع الدول المخلصه لمثل الحرية والسلام ان تقدم الى هذه الشعوب جميع مساعداتها السياسية والمعنوية والمادية .
وفي الثامن عشر من كانون الاول عام 1983 اعتبرت الجمعية العامة النزاعات المسلحة التى تنطوي على كفاح تشنه الشعوب على الهيمنه الاستعمارية والانظمة العنصرية (( نزاعات مسلحة دولية )) ضمن الاطار الذي تحدده اتفاقيات جنيف ، وبالتالي ينطبق وصف المتحاربين وفقأ لهذه الاتفاقيات على الافراد المشاركين في النظال المسلح ضد الهيمنه .
ازاء ذلك ايد المجتمع الدولي هذا الاتجاه ولاقى ترحيبأ في مختلف الدول بحكم انه الواجب ومن الدول التي ايدته ببريطانيا واللولايات المتحدة الأمريكية قد نصت الأخيرة في تشريعاتها على ثورات الهروب أو انتفاضات الحروب WarRebellions فقد ورد في المادة العاشرة من قانون الحرب البرية الامريكية (( ليس لمحارب الحق في ان يعلن انه سيعامل كل من يقبض عليه ضمن القوات المسلحة لجماعات الشعب الثائر في وجه العدو معملة الشريك في عصابة لصوص أو معاملة اللص المسلح )) .

وقد نصت المادة الرابعة الفقرة الثانية من البروتكول الثاني لعام 1977 الملحق باتفاقية جنيف لعام 1949 والمتعلق بضحايا النزاعات غير الدولية الواقعة بين القوات المسلحة التابعة لدولة ما وقوات مسلحة منشقه عنها ، أو جماعات نضامية تحت قيادة مسؤولة عن جزء من لاقليم ,على منع اعمال الارهاب ضد الذين لايشركون مباشرة في العمليات العدائية.
وقد عد القانون الدولي المشتركين في مثل هذه النزاعات محاربين ينطبق عليهم وصف اسرى حرب غير انه اعتبر الاعمال التي يمارسها احد الطرفين ضد الاشخاص الذين لايشتركون مباشرة أو الذين يكفون عن الاشتراك في العمليات الحربية اعمالآ ارهابية .
ومن ثم تكون حركات التحرر والمقاومه تحت حماية وسلطات القانون الدولي ويسري عليها ما يسري على النزاعات المسلحة من احكام شريطة التقيد باحكام القانون الدولي والاتفاقيات الدولية 0وهنا لابد من القول بأن القواعد التقليدية لقانون الحرب كانت تميز بين فئتين من الناس المحاربين الذين تتكون منهم القوات المسلحة, وغير المحاربين الذين يمثلون السكان المدنين واثير النقاش حول السكان المدنيين وما اذا كان يمكن الاعتراف لهم بصفة المحاربين. عالج القانون الدولي هذه لمسألة من خلال تقسيم هؤلاء الى فئتين :

الأولى / تتعلق بهبة الشعب في وجه العدو بناءا على دعوة حكومتهم وانظمامهم الى التنظيمات العسكرية النظامية التي تنشبها الدولة للدفاع عن الوطن أو انظمامهم طوعأ بناءا على شعوره الوطني وحملهم للسلاح للتصدي للغازي.

والثانية / تتعلق بفصائل المتطوعين أو قوات التحرير وهي التي تتكون من افراد يشتركون طوعأ في العمليات الحربية دون ان يكونوا من وحدات الجيش النظامي وفيما يلي نبين وجة نظرالوثائق والاتفاقيات والمواثيق لهاتين الفئتين المقاومتين .

وقد اعترفت المادة الثانية من اللائحة الملحقة بأتفاقية لاهاي لعام 1907 بصفة المحاربين للسكان المدنين الذين يندفعون في مقاومة المعتدي دون ان يكون لهم الوقت في تنظيم صفوفهم . وعرفت الشعب القائم أو المنتفض في وجه العدو (( مجموعة المواطنين من سكان الاراضي المحتلة الذين يحملون السلاح ويتقدمون لقتال العدو ، سواء كان ذلك بأمر من حكومتهم أو بدافع من وطنيتهم أو واجبهم )) . ومن ثم اعترت هذه لاتفاقية هؤلاء المواطنين من قبيل القوات النظامية تنطبق عليهم صفة المحاربين شريطة ان يتوافر فيهم الشروط التاليه :

أن لا يكون الإقليم الذي يدافعون عنه محتلا.
2. حمل السلاح علنا”
3. التقيد بقوانين الحرب واعرافها

في حين اصرت الدول الاستعمارية عند وضع اتفاقيات جنيف على ايراد عبارة حركات المقاومة المنظمة بغية تضييق الخناق على الثورات المسلحة ضد سلطات الاحتلال وقد اكدت المادة 44 من البروتكول الاول لعام 1977 الملحق باتفاقيات جنيف 1949على ضرورة توافرشرطي وضع اشارة مميزة وحمل السلاح علنا”للاستفادة مما يقره القانون الدولي من حماية .
ولا يخفى ما فيى هذه الشروط من اجحاف بحق المقاومة والتي يتسم نشاطها غالبا بالسرية كما ان حمل السلاح علنا” لم يعد امرا”معقولا في عمليات الحروب الحديثة .

لذلك وجد الكثيرون ان الشرطين المتعلقين بالشارة المميز وحمل السلح علنا” لم يعد يشكلان قيدين واجبي الاحترام وقد تفهمت المحاكم المنشأة بعد الحرب العالمية الثانية هذه الصعوبات فأتخذت موقفأ لينأ تجاه حركات المقاومة التي لم تلتزم كليأ بهذه الشروط .

ومن ثم فقد شملت هذه الاتفاقيات بالحماية عناصر المقاومة المنظمة المنتمون إلى أحد أطراف النزاع سواء كانوا خارج أم داخل أرضهم وسواء كانت أرضهم محتلة أم لا( ) إلا أن ما يميزها أيضا هو أنها اشترطت أن يكون أفراد المقاومة تابعين لاحد أطراف النزاع ، مما يعني استبعاد عناصر المقاومة الفردية التي لا تتبع أحد وانما تباشر أعمالها بشكل مستقل داخل الإقليم المحتل ، كما أنها اشترطت أن تتوافر في الأشخاص المقاومين التابعين لاحد أطراف النزاع أن تتوافر فيهم الشروط السابقة مجتمعة ، والتقيد بهذه الشروط يعني الحكم بالفشل على أعمالهم ، فإذا كان القتال سيجري بشكل علني مع ارتداء زي مميز وفي قتال مفتوح مع العدو المتفوق من الناحيتين العددية والفنية ، فان ذلك حتما سيؤدي إلى القضاء على أفراد المقاومة ، وبذلك سيفضلون العمل في الخفاء مما سيجعلهم غير مستفيدين من الحماية التي تقررها اتفاقيات جنيف الثلاثة لعام 1949 والخاصة بالمقاتلين( )،

د. الأفراد المرافقون للقوات المسلحة:

وهؤلاء هم مجموعة الأشخاص الذين يرافقون القوات المسلحة عند قيامها بعملياتها الحربية ، دون أن يتدخلوا في القتال ، وهم المراسلون الحربيون ، ومتعهدوا التموين وأفراد وحدات العمال والخدمات المختصة بالترفيه من أفراد القوات المسلحة ، أطباء الجيش ، والممرضون ، والنقالون ، والمرشدون المدنيون ، ورجال الدين الملحقون بالوحـدات العسكرية ، والمستشارون القانونيون والقاعدة العامة المتعلقة بهم انهم لا يحق لهم مباشرة القتال إلا استثناءا في حالة الدفاع عن النفس ، وعدم اشتراكهم في القتال هو الذي يجعل الطرف الأخر في النزاع المسلح ملتزما بعدم توجيه الأعمال القتالية ضدهم ومعاملتهم معاملة إنسانية لان ليس في قتلهم أو الاعتداء عليهم أية فائدة أي ميزة عسكرية قد يحققها أحد الأطراف في النزاع المسلح( ) والشرط الوحيد الذي ينبغي توافره فيهم هو أن يكونوا حاصلين على تصريح من القوات المسلحة التي يرافقونها ، لكي يستطيع الطرف الأخر التثبت من هويتهم ودورهم في الأعمال القتالية عند وقوعهم في قبضته( ).

ر. فئات أخرى:

والى جانب هذه الفئات هناك فئات أخرى ، تم منحها الحماية المقررة في القانون الدولي الإنساني ، الذي أشار إليهم بأنهم أفراد الأطقم الملاحية بضمنهم القادة والملاحون ومساعدوهم في السفن التجارية وأطقم الطائرات المدنية التابعة لاحد أطراف النزاع().

كما وسعت اتفاقية جنيف الثالثة من نطاق الأشخاص المحميين ، بحيث شملت الأشخاص الذين يتبعون أو كانوا تابعين للقوات المسلحة للبلد المحتل إذا رأت دولة الاحتلال ضرورة اعتقالهم بسبب هذا الانتماء حتى لو كانت قد تركتهم أحرارا في بادئ الأمر في أثناء سير الأعمال القتالية خارج الأراضي التي تحتلها ، وعلى الأخص في الحالة التي يقوم فيها هؤلاء الأشخاص بمحاولة فاشلة في الانضمام إلى القوات التي يتبعونها والمشتركة في القتال ، أو في حال عدم امتثالهم لإنذار يوجه إليهم بقصد الاعتقال ، فهؤلاء سيستفيدون من المعاملة المقررة لأسرى الحرب في حال إذا تم اعتقالهم من جانب دولة الاحتلال( ).
كما قررت هذه الاتفاقية شمولها للأشخاص الذين ينتمون إلى كل الفئات السابقة المذكورة في أعمال التي يتم استقبالهم من قبل دولة محايدة أو غير محاربة وتلتزم باعتقالهم بمقتضى القانون الدولي( ).

ب- القتلى والمفقودون:
توجهت أحكام القانون الدولي الإنساني لحماية فئات أخرى من المقاتلين ، وهم كل من القتلى والمفقودين وكانت أحكامه الواردة لحماية القتلى منهم هي الأسبق في الظهور .

حيث جاء أول اهتمام بموضوع القتلى في ظل اتفاقية جنيف لعام 1906 ، ثم أعيد ذكر موضوع القتلى في ظل اتفاقية جنيف 1929 الخاصة بتحسين حال الجرحى والمرضى العسكريين في الميدان( ) ثم أكدت اتفاقيات جنيف الثلاث الاولى لعام 1949 على موضوع القتلى وأفردت لهم مجموعة من الأحكام وهي قيام أطراف النزاع بالبحث عن جثث القتلى ، وتسجيل هوياتهم ، واحترام جثثهم مع مراعاة الشعائر الدينية لهم عند دفنهم ، كما بينت انه لا يجوز لاحد أطراف النزاع أن يحرق جثث عدوه إلا إذا كانت طقوس ديانتهم تقضي بذلك، أو كانت هناك أسباب صحية وضرورية تستدعي الحرق ، وأوجبت الاتفاقيات على أطراف النزاع أن يقوموا بدفن الجثث أو رمادها في مقابر خاصة واضحة المعالم بحيث يمكن الاستدلال عليها ، ولذلك يتعين على كل طرف عند بدء الاعمال القتالية أن يقوم بتعيين إدارة تشرف على هذه الأمور وبخاصة التسجيل الرسمي للمقابر ، حتى يتسنى من معرفة مكان الدفن فيما بعد والتحقق من شخصية الجثث ثم نقل الجثث إلى بلد المنشأ ، وينبغي إلى جانب كل ذلك أن يتم وقبل إجراء عملية الدفن أو الحق ، القيام بإجراء فحص طبي للجثث ووضع تقرير بذلك مع الإبقاء على أحد نصفي لوحة تحقيق الهوية مع الجثة إذا كانت اللوحة مزدوجة أو نصفها إذا كانت مفردة( ).

أما في الحرب البحرية فيجب التأكد من إن إلقاء الجثث إلى البحر يجري لكل حالة على حدة بقدر ما تسمح الظروف ، وإذا نقلت الجثة إلى البر تطبق بشأنها الأحكام الخاصة بالدفن والمقابر التي تتبع مع قتلى القوات البرية ، وفي جميع الأحوال ينبغي التثبت من هوية المتوفى ووضع تقرير بذلك ، ووضع نصف لوحة التحقق من الهوية مع الجثة قبل دفنها( ) أما في الحالة التي يكون فيها المقاتل أسيرا وتوفي وهو في قبضة الخصم يلتزم هذا الطرف بان يقوم بإبلاغ مكتب استعلامات أسرى الحرب ببلد المنشأ ، بشهادات الوفاة ، أو قوائم معتمدة من ضابط مسؤول بأسماء جميع الأسرى الذين توفوا ، توضيح فيها هوية المتوفى ، ومكان الوفاة وتاريخها وسبب الوفاة ومكان الدفن وتاريخه وجميع المعلومات لتمييز المقابر ، ويجب كذلك أن يسبق الدفن أو الحرق أجراء فحص طبي بقصد إثبات حالة الوفاة واثبات هوية المتوفى عند اللزوم مع التزام السلطات الحاجزة باحترام جثث المتوفين ، والقيام بدفنهم وفقا لشعائرهم الدينية إذا امكن ذلك ، وان يتم دفنهم في مقابر يسهل تمييزها وكلما امكن أن يدفن المتوفون الذين يتبعون دولة واحدة في مكان واحد ، وان يدفن كل متوفٍ على حدة إلا إذا كانت هناك ظروف تستدعي الدفن في مقابر جماعية().

ثم جاء البروتوكول الأول لعام 1977 ليؤكد على تسهيل عودة رفاة الموتى وامتعتهم الشخصية إلى أوطانهم ومساعدة اسر الموتى وممثلي الدوائر الرسمية المعنية بتسجيل القبول في الوصول إلى المقابر ، وحظر على الطرف الذي تقع في أرضه المدافن أن يقوم بإخراج رفاة الموتى إلا إذا كانت هناك ضرورات تتعلق بالمصلحة العامة بما في ذلك مقتضيات الصحة أو مقتضيات التحقيق بشرط أن يتم إبلاغ دولة المتوفى بنيته في إخراج الجثة ، والمكان الذي سيعاد دفنها فيه( ).
أما بالنسبة إلى المفقودين فقد كان الاهتمام بوضعهم قد ظهر في أثناء وضع أحكام بروتوكولي جنيف لعام 1977 ، وقد تضمن البروتوكول الأول نصا خاصا يعالج موضوع المفقودين فاوجب على أطراف النزاع بقدر ما تسمح لهم الظروف أن يقوموا بالبحث عن المفقودين من ضحايا النزاعات المسلحة الدولية ، بمجرد تلقي إخطارٍ بفقدانهم من جانب الطرف الأخر في النزاع ، وان يتم إبلاغ الخصم بكل ما سيتوفر من معلومات ذات الصلة( ).

2: المدنيون ( غير المقاتلين )

وسنبحث فيه عن الأحكام العامة للمدنيين من جهة ، ومن جهة أخرى سنبين الأحكام الخاصة لبعض طوائف المدنيين وهم كل من النساء ، الأطفال ، المسنين ، أفراد الخدمات الإنسانية ، الصحفيين.

1- المدنيون :
يقصد بالمدنيين : الأشخاص الذين لا يشتركون في العمليات العدائية ، أي الذين لا ينتمون إلى الفئات التي تقوم بمباشرة الاعمال القتالية وهم كل من أفراد القوات المسلحة التابعة لاحد أطراف النزاع ، وأفراد الميليشيا والقوات المتطوعة ، وأفراد المقاومة المنظمة التابعة لاحد أطراف النزاع العاملة داخل الإقليم المحتل أو خارجه ، وكل الأراضي غير المحتلة القائمين في وجه العدو( ).
وبالنظر إلى وضع المدنيين خلال فترة النزاعات المسلحة ، يمكن ملاحظة قواعد الاتفاقيات التي كونت القانون الدولي الإنساني تميزت بأنها في الفترة السابقة على أحدا ث الحرب العالمية الثانية وبخاصة قواعد اتفاقيات جنيف لم تكن تستهدف سوى حماية العسكريين، وكان ذلك بتأثير من فكرة كانت سائدة آنذاك وهو إن الحرب تقتصر على القتال بين القوات المسلحة ، ومن ثم فإن أفرادها وحدهم هم المعرضون للخطر ، في حين يظل المدنيون بعيدين عن أي تهديد ، وبذلك لم تكن الاتفاقيات قد نظمت وضع المدنيين ، أما من جانب اتفاقيات لاهاي وبخاصة لائحة لاهاي لعام 1899 المنقحة في 1907 ، الخاصة بقواعد الحرب البرية ، فقد كانت هناك بعض الأحكام التي تناولت موضوع المدنيين لكنها كانت تتعلق بشكل موجز فقط بحالة المدنيين وهم تحت يد سلطة الاحتلال واستمر وضع المدنيين الذين يجدون أنفسهم تحت سلطة أحد الأطراف النزاع المسلح الذين هم ليسوا من رعاياه متروكا دون تنظيم من جانب قانون النزاعات المسلحة إلى عام 1949 ، حيث تم فيه وضع اتفاقية خاصة لحماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب ، وقد حددت هذه الاتفاقية الأشخاص المدنيين الذين مستفيدون من أحكامها وهم كما بينهم م /4 منها:
أولئك الذين يجدون أنفسهم في لحظة وبأي شكل كان في حال قيام نزاع أو احتلال تحت سلطة طرف في النزاع أنهم ليسوا من رعاياه أو دولة احتلال ليسوا من رعاياها ثم بينت هذه المادة فئات الأشخاص المدنيين المشمولين بحمايتها ، وغير المشمولين حيث ستحمي من جهة المدنيين الأجانب الذين هم من رعايا أحد أطراف النزاع المسلح ووجدوا أنفسهم في إقليم الدولة التي هي في حالة حرب مع دولتهم( ).

ثم بينت هذه المادة من اتفاقية جنيف الرابعة ولن تشمل بحمايتها الفئات الآتية ،رعايا أية دولة وجدوا على اقليم دولة طرف في نزاع مسلح ولم تكن دولتهم طرفا في هذه الاتفاقية ، ويتوجه هذا الحكم إلى رعايا دولة هي ليست طرفا في نزاع مسلح وليست في ذات الوقت طرفاً في هذه الاتفاقية ووجد رعاياها على ارض أحد أطراف النزاع المسلح.
وكذلك لن يشمل بحماية هذه الاتفاقية رعايا دولة محايدة موجودين في أراضي دولة محاربة ، وكذلك رعايا دولة تتعاون مع الدولة المحاربة فهؤلاء لا يعدون أشخاصا محميين ما دامت الدولة التي ينتمون إليها لديها تمثيل دبلوماسي عادي لدى الدولة التي يقعون تحت سلطتها( ) كما لا يشمل بحماية الاتفاقية الأشخاص المدنيون الذين يرافقون القوات المسلحة، وأفراد الأطقم الملاحية والسفن التجارية لان هؤلاء يكونون محميين باتفاقيات جنيف الاولى ، والثانية ، والثالثة لعام 1949( ).
ثم أضيفت إلى فئات المدنيين المشمولين بحماية اتفاقية جنيف الرابعة مجموعة أخرى من المدنيين ، وذلك عندما نص بروتوكول جنيف الأول لعام 1977 على “أن تكفل الحماية وفقا لمدلول الباب الأول والثالث من الاتفاقية الرابعة ، وذلك في جميع الظروف ودونما تمييز مجحف للأشخاص الذين يعدون – قبل بدء العمليات العدائية –ممن لا ينتمون إلى أية دولة، أو من اللاجئين بمفهوم المواثيق الدولية المتعلقة بالموضوع والتي قبلتها الأطراف المعنية أو بمفهوم التشريع الوطني للدولة المضيفة أو لدولة الإقامة”( ).
وكانت اتفاقية جنيف الرابعة قد سبقت البروتوكول في إشارتها إلى اللاجئين حين فرضت على الدولة التي تقوم في الحالات التي تقتضيها المحافظة على أمنها عجز المدنيين، أن لا تعامل اللاجئين الذين لا يتمتعون بحماية أية حكومة كأجانب أعداء لمجرد انهم يحملون جنسية الدولة المعادية( ) ، وفي حكم أخر فرضت على دولة الاحتلال واجب الامتناع من إلقاء القبض على رعايا دولة الاحتلال الذين كانوا قد لجأوا قبل بدء النزاع إلى الأراضي المحتلة ، أو محاكمتهم أو إدانتهم أو إبعادهم عن الأراضي المحتلة ، إلا إذا وجدت مخالفات اقترفوها بعد بدء العمليات العدائية ، أو كانوا قد ارتكبوا مخالفات للقانون العام قبل بدء الاعمال العدائية مما سيبرر تسليم هؤلاء المتهمين بارتكابها إلى حكوماتهم ، ولكن بشروط أيضا وهي أن تكون من المخالفات التي يجوز التسليم بسببها في وقت السلم وان لكون قانون الأراضي المحتلة يجيز التسليم عنها( ) وبعد إعادة النص في البروتوكول الأول لعام 1977 بات اللاجئون يستفيدون ليس فقط من هذين الحكمين الواردين في اتفاقية جنيف الرابعة بل من الحماية العامة التي تقررها هذه الاتفاقية والبروتوكول للمدنيين أيضاً.

2- النساء:

بالنظر إلى أحكام الحماية التي يقدمها القانون الدولي الإنساني يلاحظ أن هناك نوعين من الحماية يقدمها للمدنيين فهناك الحماية العامة ويقدمها للمدنيين بكل فئاتهم العمرية ، وعلى اختلاف أجناسهم سواء كانوا من الرجال أو النساء ، وسواء كانوا ينتمون إلى عرق واحد أم لا وسواء كان يتكلمون لغة واحدة أم عدة لغات ، وسواء كان يدينون بديانة واحدة ، أم لا ، إلا انه إلى جانب أحكام الحماية العامة التي قدمها للمدنيين بغض النظر عن الاختلافات القائمة بينهم وأياً كان منشؤها التي تفرض على أطراف النزاع المسلح معاملة ضحاياه من المدنيين معاملة إنسانية ، وحظر ارتكاب أعمال العنف ضدهم ، أو فرض عقوبات جماعية ضدهم ، أو قتلهم ، أو تعذيبهم ، أو معاقبتهم دون محاكمة مسبقة ، فان هناك حماية خاصة يقدمها لفئة أو جنس معين من المدنيين وهم النساء ، حيث يستفدن من نوعين من القواعد ، قواعد عامة تحمي جميع المدنيين وقواعد خاصة يستفدن منها وحدهن دون الرجال( ).

وميزة هذه القواعد الخاصة إنها يمكن أن تصنف إلى ثلاث فئات حسب الموضوع الذي تنظمه ، فهناك بعض القواعد التي تتعلق باحتجاز المعتقلات من النساء بغض النظر عن وضعهن الجسماني ، أي النساء والفتيات بشكل عام دون أن يكنّ من الأمهات أو اولات الأحمال أو في حالة في نفاس ، وهذه القواعد تفرض على القائم باحتجاز المعتقلات سواء كان أحد أطراف النزاع أو دولة احتلال ، أن تقوم باحتجاز النساء المعتقلات في أماكن منفصلة عن أماكن اعتقال الرجال ، كما يجب أن يوكل الإشراف المباشر عليهن إلى نساء ، ولا يجوز إيواء النساء في معتقلات الرجال إلا في إحدى الحالتين وهما إذا كان النساء والرجال ينتمون إلى عائلة واحدة ، أو كانت هناك ضرورة استثنائية ومؤقتة فرضت على الدولة الحاجزة أن تقوم باعتقال النساء في معتقلات الرجال ، وفي هذه الحالة يستلزم من هذه الدولة أن تخصص بشكل ملزم أماكن نوم ومرافق صحية منفصلة لهن وخاصة بهن( ) ولا يجوز أن يقوم بتفتيش النساء المعتقلات إلا النساء( ).

أما الفئة الثانية من القواعد فإنها ، موجهة لحماية نساء محددات وهن النساء الأمهات، والحوامل ، وأمهات الرضع ، والنفاس ، لذلك تميزت هذه الفئة بأن ليس كل النساء يمكن أن تستفيد من حمايتها إلا إذا كن أمهات أو حوامل ، أو نُفّساً ، فقد تقرر في نطاق الحماية العامة التي تقدمها اتفاقية جنيف الرابعة لكل من الجرحى والمرضى من المدنيين أن يكون هناك حماية واحترام خاصان بالحوامل على النساء وذلك مراعاة لوضعهن( ) وفي حكم أخر جاءت به اتفاقية جنيف الرابعة ، فرضت التزاماً على عاتق أطراف النزاع أن يرخصوا لمرور أي ارسالات من الأغذية والملابس والمقويات التي تكون مخصصة للحوامل والنساء في حالة النفاس( ).

وفي حالة الاحتلال ، فإن هناك التزاماً يقع على عاتق دولة الاحتلال وهو التزامها بعدم منع أية إجراءات تفضيلية متعلقة بالغذاء أو العناية الطبية والحماية من آثار الحرب ، مما تكون قد طبقت فعلا بالنسبة إلى أمهات الأطفال الذين تقل أعمارهم عن سبع سنوات والنساء الحوامل( ).

أما في حالة إذا كانت النساء المعتقلات من الأمهات المرضعات أو الحوامل ، فهناك التزام فرض على عاتق الدولة الحاجزة وهو أن تقوم بصرف كميات إضافية من الأغذية لهن بما يتناسب مع احتياجات أجسامهن( ).
كما أدرجت فئة النساء الحوامل وأمهات الرضع وأمهات الأطفال صغار السن اللواتي يعتمد عليهن أطفالهن ضمن الفئات التي يتعين على أطراف النزاع أن يقوموا بعقد اتفاقات بشأنهم في أثناء قيام العمليات العدائية ، واللواتي هن من المعتقلين ، وذلك إما للإفراج عنهن، أو إعادتهن إلى أوطانهن أو إيوائهن في بلد محايد( ).

والفئة الثالثة من القواعد كانت موجهة بشكل خاص لحماية النساء عامة من اعتداءات محددة ، وهو ما أشارت اليه اتفاقية جنيف الرابعة ، حيث أوجبت حماية النساء بصفة خاصة ضد أي اعتداء على شرفهن ولاسيما ضد الاغتصاب والإكراه على الدعارة ،أو أي هتك لحرمتهن( ) بل أصبح ذلك من الأمور التي ترافق النزاعات المسلحة ، بان يقوم أحد أطراف النزاع المسلح لأجل إذلال خصمه بالاعتداء على النساء اللاتي ينتمين إلى الخصم بصور مختلفة ، علما منه لما تمثله المرأة من شرف للمجتمع ، وما يشكله الاعتداء عليها من عار وفقا للمفاهيم الاجتماعية وما تشكله من مخالفة للقواعد الدينية ، وبخاصة إذا كان الطرف الأخر لا يدين بدين الخصم الأخر لذلك فهو يتخذ من الاعتداء على النساء وسيلة في الحرب ، شكلت وتشكل نظراً إلى ما سبق أداة تدميرية ووسيلة فعالة في الحرب وخاصة أنها لم تكن من الأمور التي عوقب عليها في أثناء النزاعات المسلحة والحروب ، لذلك كثيرا ما تعرضن النساء للاغتصاب ، والإكراه والدعارة والاستعباد الجنسي ، والتعقيم القسري ، والحمل القسري ، وغيره من صور العنف الجنسي كوسيلة للتأثير على تركيبة مجتمع الخصم بالتأثير في النسل ، وامتهان شرف وحرمات نسائه كما استخدمت هذه الوسائل شكلاً من أشكال التعذيب ، لجرح كبريائهن ، ولانتزاع المعلومات منهن وتخويفهن ، وعقاباً على أفعال حقيقية أو مزعومة كما استخدمت وسيلةً للتطهير العرقي أيضاً ، ولنشر الرعب في منطقة معينة الجبار الناس على الرحيل منها للقضاء على هوية جماعات اثنية من خلال الممارسات الواسعة والمطردة بخاصة للاغتصاب والحمل القسري( ) لذلك كان اهتمام القانون الدولي الإنساني لحماية المرأة من هذه الأفعال إلا انه لم يكن موفقا كثيرا في تأمين حماية فعالة وبشكل خاص من هذه الاعتداءات ، لانه إن كان قد أشار إلى حظر هذه الأفعال ضد النساء في فترات النزاعات المسلحة ، إلا انه لم يدرجها ضمن فئة الانتهاكات الجسمية التي ترتكب ضد أحكام القانون الدولي الإنساني بالرغم من فداحتها حتى بعد أن تم وضع البروتوكول الأول وبإضافة نصوص جديدة لحماية المرأة إلا انه لم يدرج هذه الأفعال ضمن فئة الانتهاكات الجسيمة التي تلزم الدول بمعاقبة مرتكبيها واتخاذ الإجراءات الجزائية ضدهم ، بل جاء بأحكام تتعلق فقط بحماية النساء الحوامل وأمهات الصغار اللواتي يعتمد عليهن أطفالهن من تنفيذ عقوبة الاعدام عليهن ، حيث ألزم أطراف النزاع بعدم تنفيذ عقوبة الاعدام عليهن فهذه كانت إضافته الجديدة ، مع التأكيد في حكم عام هو حكم م/76 بحظر ارتكاب الاغتصاب على وجه التحديد ضد النساء من دون إدراجه ضمن الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني ، إلا إن بحث مشكلة النساء لم تكن بقاصرة على قواعد القانون الدولي الإنساني ، بل كان هناك اتجاه من جانب منظمات حقوق والمعنية بقواعد حقوق الإنسان ، أي بحث مشكلة النساء في فترة النزاعات المسلحة ، وهو ما عكسه إعلان وبرنامج عمل فينا لعام 1993 ، الذي تم فيه بحث موضوع انتهاكات الحقوق الأساسية للنساء في حالات النزاع المسلح بما يخالف المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان والقانون الإنساني ، كما صدر في العام نفسه إعلان من جانب الجمعية العامة للأمم المتحدة موضوعة القضاء على اعمال العنف ضد المرأة ، ومن ضمنها اعمال العنف التي تتعرض لها النساء في حالات النزاع المسلح ، تبعها في عام 1994 تطور أخر وهو تعيين مقررة خاصة تشمل ولايتهما بعض جوانب أوضاع النساء في فترة النزاعات المسلحة هي رزيقا كومارسوامي كمقررة خاصة مكلفة مسألة العنف ضد النساء وتشمل ولايتها حالة النزاع المسلح ، وفي عام 1995 تم تعيين مقررة أخرى هي لندا شافيز وتشمل ولايتها حالات الاغتصاب النظامي والرق الجنسي والممارسات الشبيهة بالرق في فترة النزاعات المسلحة( ).

كل هذه التطورات كان لها الاثر في إدراج أفعال الاعتداء على النساء وضمن فئة الانتهاكات الجسيمة المرتكبة ضد النساء في فترة النزاعات المسلحة الدولية فقد جاء نظام محكمة روما الجنائية ليجعل من الاغتصاب والتعقيم القسري ، والحمل القسري والإكراه على الدعارة والاستعباد الجنسي وغيره من صور العنف الجنسي جرائم حرب يعاقب عليها نظام المحكمة الجنائية الدولية كجريمة مستقلة بذاتها( ).

3- الأطفال:

للأطفال كشخص متضرر من أوضاع النزاعات المسلحة، نصيب من الحماية ، وهي أيضا على نوعين حماية عامة للمدنيين تكفلها اتفاقية جنيف الرابعة بروتوكول جنيف الأول لعام 1977، فيستفيد منها الطفل لكونه من المدنيين ، وحماية خاصة أمنتها له الاتفاقية بروتوكول جنيف الأول ، له للطفل من وضع خاص يعود إلى ضعفه( ).

إلا إن تخصيص هذه الحماية للأطفال وردت عليها عدة ملاحظات منها إن اتفاقية جنيف الرابعة وكذلك بروتوكول جنيف الأول لعام 1977 ، لم يضعا تعريفاً للطفل المحمي بموجب الأحكام الخاصة الواردة فيها ، هذا من جهة ومن جهة أخرى اختلفت مديات العمر التي اخذ بها الاثنان في حالات متنوعة تتعلق بالاطفال ، فبعض الاحيان في نصوص معينة استخدم تعبير الأطفال الذين لاتقل أعمارهم عن 15 سنة ، وفي موضع أخر استخدم تعبير أطفال حديثي الولادة وفي حالات أخر تقرر عدم تنفيذ عقوبات محددة على الأطفال الذين لاتتجاوز أعمارهم 18 سنة ، وبذلك اختلفت المديات العمرية بحسب الحالات التي تولى علاجها ومن أمثلة الحماية التي قدمها القانون الدولي الإنساني ، أن تعمل أطراف النزاع على السماح بمرور ارسالات الأغذية الضرورية والملابس والعقوبات للأطفال الذين تقل أعمارهم عن 15 سنة( ) ، وكذلك أن تعمل أطراف النزاع على اتخاذ التدابير الضرورية لضمان عدم إهمال الأطفال دون الخامسة عشرة من العمر من الذين تيتموا أو تفرقوا عن عائلاتهم وتيسير أعالتهم وممارسة دينهم وتعليمهم في جميع الأحوال ، وتسهيل إيوائهم في بلد محايد طوال مدة النزاع مع التأكد من توافر الشروط المقررة أعلاه( ) وإذا كان الأطفال من الأجانب الذين يوجدون على أراضي أحد أطراف النزاع فقد اكد القانون الدولي الإنساني على وجوب انتفاع هؤلاء الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 15 سنة من أي معادلة تفضيلية يعامل بها رعايا الدولة المعنية( ) وإذا قررت الدول أطراف النزاع إنشاء مناطق ومواقع استشفاء وأمان منظمة في أثناء قيام الأعمال العدائية ، أو التي أنشأتها في وقت السلم فان من بين الأشخاص التي يستفاد من الحماية التي تؤمن لهذه المناطق هم الأطفال دون الخامسة عشرة من العمر ، حيث يمكن إدخالهم إلى هذه المناطق( ) وكذلك الحكم الذي يقضي بصرف أغذية إضافية للمعتقلين فئات محددة ومن بينهم الأطفال دون الخامسة عشرة من العمر( ) والى جانب هذه الأحكام ، كانت هناك نصوص تشير إلى منح الحماية للأطفال دون أن تشير إلى أعمارهم كما في النص الذي يفرض على عاتق سلطة الاحتلال أن تكفل بالاستعانة بالسلطات المحلية حسن تشغيل المنشآت المخصصة لرعاية الأطفال واتخاذ التدابير اللازمة لتسيير التحقق من هويتهم وتسجيل نسبهم ، وعدم جواز تغيير جنسيتهم أو أن تلحقهم بتشكيلات أو منظمات تابعة لها وان تقوم باتخاذ الإجراءات اللازمة لتأمين إعالة وتعليم الأطفال الذين تيتموا أو افترقوا عن عائلاتهم بسبب الحرب إذا كانت المؤسسات المحلية عاجزة عن ذلك( ) مهما كانت الإشارة إلى الطفل دون إشارة إلى عمره.

ثم جاء بروتوكول جنيف الأول ، ليضيف أحكام جديدة تؤمن حماية اكثر للأطفال الذين يعانون من ظروف النزاعات المسلحة ، فقد نص على “يجب أن يكون الأطفال موضع احترام خاص وان تكفل لهم الحماية ضد أية صورة من صور خدش الحياء ، ويجب أن تهيأ لهم أطراف النزاع العناية والعون اللذين يحتاجون إليها سواء بسبب سنهم أم لأي سبب أخر”( ) فهنا أيضا النص عام لا يعرف الأطفال ولا يقدم تحديد لعمر الطفل بل يلزم أطراف النزاع باحترام أشخاصهم وصيانة كرامتهم ، ثم عقبها نصوص أخرى تكفل الحماية للطفل من أفعال معينة ، وهي حظر تجنيد الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 15 سنة وبوجه خاص حظر إشراكهم في العمليات العدائية بصورة مباشرة حيث فرض على أطراف النزاع اتخاذ ما يلزم من تدابير تكفل ذلك ، وكذلك أن تمتنع هذه الأطراف عن تجنيد هؤلاء الأطفال في قواتها المسلحة( ) وفي موقع أخر ورد ذكر الأطفال دون أن يتم تحديد عمرهم ، وإذا قبض على الأطفال وتم احتجازهم أو اعتقالهم لاسباب تتعلق بالنزاع المسلح ، فينبغي على أطراف النزاع أن يقوموا بوضعهم في أماكن منفصلة عن تلك التي تخصص للبالغين ، باستثناء الحالات التي يتم فيها إعداد أماكن لاقامة وحدات عائلية( ) ثم صعد البروتوكول بعمر الطفل إلى أن وصل به إلى 18 سنة فقرر حظر تنفيذ عقوبة الاعدام على الأشخاص الذين لم يبلغوا بعد سن الثامنة عشرة من عمرهم وقت ارتكاب الجريمة( ) وفي حكم أخر جعل البروتوكول الأطفال حديثي الولادة يدخلون ضمن ما أورده من إيضاح حول مصطلح الجرحى والمرضى ، حيث نص على أن يشمل تعبير الجرحى والمرضى الذين يحتاجون إلى مساعدة ورعاية طبية لأطفال حديثي الولادة مما منحهم الحق في أن يستفادوا من الأحكام التي قررها بشأن تقديم العلاج والمساعدة والحماية المقررة للجرحى والمرضى( )وفي إطار حمايته للأطفال أيضا تقرر أن يمتنع الأطراف في النزاع من أن يقوموا بتنفيذ عقوبات الاعدام على أمهات صغار الأطفال اللواتي يعتمد عليهن صغارهن وذلك لاجل توفير العناية اللازمة لهؤلاء الأطفال غير القادرين على العناية بأنفسهم( ) كما نص البروتوكول على التدابير المحددة التي ينبغي التقيد بها عندما يتم إجلاء الأطفال الذين لا يكونوا من رعايا الدول أطراف النزاع أو دولة الاحتلال ، من دون أن تشير إلى عمر الطفل الذي سيستفيد من هذه الشروط المقررة لمصلحة الأطفال عند القيام بإجلاء الأطفال إلى بلد أجنبي( ) ومن ملاحظة كل هذه النصوص ، كانت الإشارة دائما إلى الأطفال دون أن تتولى هذه النصوص تعريف من هو الطفل ، كما إن النصوص هذه كانت عاجزة عن الإحاطة بحقوق كثيرة للطفل ينبغي تأمينها له أيا كان الظرف الذي يعيش فيه ومن بينها ظرف النزاع المسلح ، وعلى هذا الأساس استمرت الجهود الدولية في دراسة موضوع حقوق الطفل التي ينبغي حمايتها في كل الأوقات والتي انتهت إلى وضع اتفاقية حقوق الطفل التي تولت من جهة تعريف من هو الطفل ، ومن جهة بيان الأحكام الخاصة بموضوع الأطفال الذين قد يواجهون ظروف نزاعات مسلحة ولكنها هنا لم تأت بجديد وهو ما سنبينه فقد عرفت اتفاقية حقوق الطفل التي هي جزء من القانون الدولي لحقوق الإنسان الطفل “بأنه كل إنسان لم يتجاوز الثامنة عشرة ، مالم يبلغ سن الرشد قبل ذلك بموجب القانون المنطبق عليه”( ) وهذه الإشارة جاءت للإحاطة كذلك بالحالات التي تقرر فيها قوانين الدول وصول الإنسان سن الرشد حتى قبل بلوغه 18 من العمر ثم بينت في مواد لاحقة لضمان الحماية القانونية وتفاصيلها التي تتعلق بحقوق الطفل في زمن السلم ، أما في زمن النزاع المسلح فقد عادت وأكدت ما كان القانون الدولي الإنساني قد قرره بشأن الأطفال في فترة النزاعات المسلحة ، فقد بينت إن على الدول أن تتخذ كافة التدابير التي تضمن عدم اشتراك الأطفال الذين لم يبلغوا الخامسة عشرة من العمر في الاعمال العدائية ، وان تمتنع بوجه خاص من تجنيد الأطفال الذين لم يبلغوا الخامسة عشرة في قواتها المسلحة ، كما أكدت على واجب الدول الأطراف الالتزام بأحكام القانون الدولي الإنساني بكافة القواعد الخاصة بحماية الأطفال وباتخاذ كل التدابير الممكنة عمليا كحماية الأطفال المتأثرين بحالة النزاع المسلح().

ولكن بالنظر إلى هذا الحكم الذي يحيل بدوره التزام الدول الأطراف إلى ما سبق وتعهدت به من التزامات بموجب قواعد القانون الدولي الإنساني الخاصة بحماية الأطفال وتأكيد الحكم الذي يقرر عدم إشراك أو تجنيد الأطفال الذين تقل أعمارهم عن الخامسة عشرة، لوحظ عدم كفايتها ، مما دفع إلى وضع بروتوكول خاص بحقوق الطفل يعالج موضوع اشتراك الأطفال في النزاعات المسلحة ، الذي أعلنت فيه الدول عن ادراكها لمدى أهمية توفير حماية خاصة لحقوق الأطفال والاستمرار في تحسين حالهم ، في حالات النزاعات المسلحة وذلك لما تخلفه هذه الأخيرة من آثار ضارة على الأطفال والتي لها عواقب طويلة الأمد على السلم والأمن والتنمية ، لذلك أعلنت أدانتها لكل الهجمات التي تطال الأطفال وكذلك الهجمات المباشرة التي توجه إلى أماكن محمية بموجب قواعد القانون الدولي بما فيها من أماكن تقسم بتواجد الأطفال بأعداد كبيرة والمدارس والمستشفيات كما أكدت أن مواصلة إنفاذ حقوق الطفل المعترف بها يتطلب زيادة حماية الأطفال من الاشتراك في المنازعات المسلحة( ) وبسبب من ذلك قررت مجموعة من الأحكام في البروتوكول الاختياري الملحق باتفاقية حقوق الطفل 2000 النافذ عام 2002 هذه الأحكام هي :
أن تتخذ الدول جميع التدابير لضمان عدم اشتراك أطفال لم يبلغوا الثامنة عشرة وهم أفراد في قواتها المسلحة اشتراكا مباشرا في الاعمال الحربية( ).

تكفل الدول الأطراف عدم خضوع الأشخاص الذين لم يبلغوا الثامنة عشرة للتجنيد الإجباري( ).
ترفع الدول الأطراف الحد الأدنى لسن التطوع في قواتها المسلحة الوطنية عن السن المحددة في م/38 ف (3) من اتفاقية حقوق الطفل أخذة في الاعتبار المبادئ الواردة في تلك المادة ومعترفة بحق الأشخاص دون الثامنة عشرة في حماية خاصة بموجب الاتفاقية، وان تقوم كل دولة بإيداع إعلان تبين فيه الحد الأدنى الذي تسمح عنده بالتطوع في قواتها المسلحة ، على أن تقوم الدول التي تسمح بالتطوع لهؤلاء الأطفال الذين لم يبلغوا الثامنة عشرة في قواتها المسلحة الوطنية بالتأكد من أن يكون :

1- أن يكون التجنيد تطوعا حقيقيا.
2- بموافقة الأباء والأوصياء القانونيين.
3- أن يحصل هؤلاء على المعلومات الدالة على الواجبات التي تنطوي على الخدمة.
4- التأكد من إن عمر الطفل المتقدم للتطوع هو حقيقي ، إلى جانب أحكام أخرى( ).

وبذلك ينهض الاختلاف بين أحكام هذا البروتوكول واحكام القانون الدولي الإنساني ، وحقوق الإنسان المتعلقة بالطفل في حالة النزاعات المسلحة ، حيث إن أحكام القانون الدولي الإنساني وخاصة تلك تحدد عمر الطفل الذي يجوز أولا يجوز إشراكه في عمليات عدائية بصورة مباشرة والتي أحال إليها قانون حقوق الإنسان في اتفاقية حقوق الطفل لعام 1989 أشارت فقط إلى انه لا يجوز تجنيد الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 15 سنة تاركة بعدها الذين بلغوا هذا السن المكانية تجنيدهم من جانب أطراف النزاع المسلح دونما فرق بين ما اذا كانوا هم الذين أرادوا التطوع أم اجبروا على الخدمة في القوات المسلحة قسراً ، في حين جاء البروتوكول ليميز بين حالتين وهي حالة التطوع فهو الأمر الوحيد المسموح به وشرط أن لا يقل عمر المتطوع عن 15 سنة ، وحالة التجنيد القسري أو الإجباري الذي هو محظور على الدول الأطراف القيام به حتى وان كان الطفل قد بلغ 15 سنة فلا يجوزان يكون التجنيد إجباريا إلا اذا كان الإنسان قد بلغ 18سنة ، كما قررت أن تتخذ الدول الأطراف الإجراءات الكفيلة لمنع إشراك أطفال وهم أفراد قواتها المسلحة في الاعمال الحربية والذين لم يبلغوا 18 سنة ، بمعنى أنها رفعت سن الطفل إلى الحد الذي لم يبلغ الثامنة بعد أن كانت هذه المسألة متروكة لتقدير الدول في إشراكهم أو عدم إشراكهم كما طلبت من الدول أن ترفع من السن الذي يجوز عنده للأطفال التطوع دون أن تقوم بتحديده تاركة الأمر لتقدير الدول ، واشترطت في كل الأحوال أن يكون تجنيد الطفل أي بتطوعه قد تم بموافقة الأباء أو الأوصياء عليهم وان يكون تجنيدهم تطوعا حقيقياً ، أي وجود رغبة في التطوع وليس عن طريق الإكراه بأي صورة كانت ، ومن هنا كانت هذه الأحكام اكثر منها فاعلية في حماية الأطفال في إشراكهم فعلا في المنازعات كجنود يقاتلون أو يشاركون في العمليات العدائية ، وبهذا الاهتمام من جانب القانون الدولي لحقوق الإنسان بحقوق الطفل في أثناء النزاعات المسلحة يبرز التكامل بين القانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنساني الدولي ، الذي سيكمل بقواعده ما أصاب الأول من نقص وتصور في الحماية.

4- موظفوا الخدمات الإنسانية :

ويقصد بهم أولئك الأفراد الذين يقومون بتقديم المساعدة والعون إلى ضحايا النزاعات المسلحة ، ويتم تخصصيهم من جانب أطراف النزاع المسلح لتقديم المساعدة المادية ، أو لتسهيل تقديم هذه المساعدة إلى الأشخاص المتضررين من قيام النزاع المسلح ، كما يشمل وصف الأفراد الذين يقدمون الخدمات الإنسانية أفراد الهيئات الدينية الذين يقدمون الدعم المعنوي لضحايا النزاعات المسلحة( ).

فهؤلاء الأشخاص يعدون من فئة السكان المدنيين ، بالرغم من قيامهم بمباشرة مهام معينة في فترة النزاعات المسلحة الدولية إلا أنها تخرج عن إطار مباشرة اعمال قتالية وعلى هذا الأساس تقرر منح الحماية العامة لهم من أثار الاعمال القتالية ، وإدراجهم مع السكان المدنيين( ).

أما بالنسبة إلى هذه الفئة من الأشخاص فانه يمكن تقسيمها في إطار التمتع بالحماية التي تمنحها اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 إلى قسمين أو فئتين ، فئة غير مشمولة بحماية اتفاقية جنيف الرابعة وهم أفراد الخدمات والوحدات الطبية وأفراد الهيئات الدينية الملتحقين بالقوات المسلحة التابعة لاحد أطراف النزاع ، فهؤلاء عندما يقعون في قبضة الخصم فانهم سوف يستفاد ون من أحكام الأسر المنصوص عليها في اتفاقيات جنيف الثلاثة الاولى( ) والفئة الثانية هي الفئة التي لا ترتبط بالقوات المسلحة التي تقدم خدماتها الطبية أو خدمات الدفاع المدني أو تقديم الخدمات الروحية النصح والإرشاد الديني فهذه الفئة تستند من الأحكام المدرجة في اتفاقية جنيف الرابعة.
وقد منح البروتوكول الأول الحماية لهاتين الفئتين ، اذا كانوا من بين الأشخاص الآتية:

1. أفراد الخدمات الطبية : وهم الأشخاص الذين يخصصهم أحد أطراف النزاع أما لأغراض الطبية دون غيرها ، أو لادارة الوحدات الطبية أو لتشغيل أو إدارة وسائط النقل الطبي سواء كان هذا التخصيص دائما أم وقتيا وهؤلاء الأشخاص هم :
‌أ. أفراد الخدمات الطبية عسكريين كانوا أم مدنيين التابعين لاحد أطراف النزاع بمن فيهم الأشخاص المذكورين في اتفاقية جنيف الاولى والثانية والأفراد المخصصين لأجهزة الدفاع المدني.
‌ب. أفراد الخدمات الطبية التابعين لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر الوطنية وغيرها من جمعيات الإسعاف الوطنية التي يعترف بها ويرخص لها أحد أطراف النزاع.
‌ج. أفراد الخدمات الطبية التابعين للوحدات الطبية أو وسائط النقل الطبي التي توفرها ولأغراض إنسانية لإحدى الأطراف المتنازعة ، أما دولة محايدة أو أية دولة أخري ليست طرفا في ذلك النزاع المسلح ، أو جمعية إسعاف معترف بها ومرخص لها في تلك الدولة ، أو منظمة إنسانية دولية محايدة.
‌د. أفراد الهيئات الدينية : قصد بهم الأشخاص المكلفون بأداء شعائرهم الدينية ، كالوعاظ سواء كانوا من العسكريين أم المدنيين والملحقين بالقوات المسلحة لاحد أطراف النزاع أو بالوحدات الطبية وسائل النقل الطبي المذكورة أعلاه ، أو بأجهزة الدفاع المدني( ).
‌ه. أفراد أجهزة الدفاع المدني وهم الأشخاص الذين يخصصهم أحد أطراف النزاع لتأدية مهمات إنسانية ، كالقيام بالإنذار ، والإجلاء ، تهيئة المخابئ ، إجراءات التعتيم ، الإنقاذ تقديم الخدمات الطبية والإسعافات الأولية ، مكافحة الحرائق ، تحديد المناطق الخطرة ووضع العلامات الدالة عليها ، مكافحة الأوبئة ، المساعدة على إعادة النظام في حالات الطوارئ الإصلاح العاجل للمرافق العامة التي لا غنى عنها ،دفن الموتى في حالات الطوارئ ، توفير المأوى ، المؤن ، ومكافحة الأوبئة ، وغيرها من الأنشطة المكملة واللازمة للقيام بالمهام السابقة ، أو الذين يخصصون لادارة هذه الأجهزة ، وكذلك الأفراد الذين يستجيبون لنداء السلطات المختصة ويؤدون مهام الدفاع المدني تحت إشرافها( ).
‌و. وهؤلاء جميعهم سيستفيدون من أحكام الحماية التي تقررها اتفاقيات جنيف الأربع إلى جانب أحكام الحماية التي قررها بروتوكول جنيف الأول الذي نص على:

1. احترام وحماية أفراد الخدمات الطبية وتزويدهم بهويات .
2. إسداء كل مساعدة ممكنة لأفراد الخدمات الطبية العاملين في منطقة تعطلت فيها الخدمات الطبية المدنية بسبب القتال.
3. يحق لأفراد الخدمات الطبية التوجه إلى أي مكان لا يستغنى عن خدماتهم فيه مع مراعاة إجراءات الرقابة والأمن التي قد يقررها أطراف النزاع.
4. وفي الأراضي المحتلة تقوم دولة الاحتلال بتقديم كل مساعدة ممكنة لأفراد الخدمات الطبية المدنيين ، لتمكنهم القيام بمهامهم الإنسانية ، ولا يحق لدولة الاحتلال أن تطلب منهم في إطار أدائهم لمهامهم التمييز في تقديم المساعدة الطبية للأشخاص إلا اذا كانت اعتبارات العلاج تقتضي ذلك( ).
5. احترام وحماية الأجهزة المدنية للدفاع المدني وأفرادها( ).

5- الصحفيون:

من بين الأشخاص الذين يحميهم القانون الإنساني هم الصحفيون ، إلا إن هناك من الأمور ما ترافق وضع الصحفيين وكيفية حمايتهم بموجب قواعد ، وهي كيف ادرج القانون الإنساني القواعد الخاصة بحماية الصحفيين ، فبالنظر إلى قواعد هذا القانون يلاحظ إن قواعده وبخاصة اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949 لم تكن قد أشارت إلى وضع الصحفيين في النزاع المسلح ، إلا نص واحد هو الوارد في اتفاقيات جنيف الثلاث ويستفيد منه الصحفيون انطلاقا من عموميته وهو النص الذي يؤمن الحماية للمرافقين للقوات المسلحة من الأشخاص الذين لا يشتركون في العمليات العدائية وهم المدنيون الذين يقومون بتقديم خدمات معينة أو القيام بأعمال معينة دون أن تخرج عن مفهوم الاشتراك في العمليات العسكرية( ) وبذلك يستفيد الصحفيون المرافقون للقوات المسلحة الذين يقومون بنقل الأخبار ووقائع النزاع المسلح من خارج ارض المعركة ولكن بشرط نصت عليه هذه الفقرة وهو أن يكونوا قد حصلوا على تصريح بذلك من القوات المسلحة التي يرافقونها.

ولكن سيظل السؤال قائما فيما يتعلق بالصحفيين الذين يعملون بشكل مستقل في مناطق العمليات العسكرية دون أن يكونوا مرافقين للقوات المسلحة بل يعملون لحساب وكالات الإعلام المحلية أو العالمية من الذين لا يتبعون أحد أطراف النزاع ، حيث النص أعلاه هو خاص بمرافقي القوات المسلحة الحاصلين على ترخيص منها.

هذه المسألة وردت في أثناء المناقشات التي وضعت أحكام بروتوكولي جنيف لعام 1977 ، وبتوجيه من جانب الأمم المتحدة ، التي تولت بحث موضوع الصحفيين من قبل الجمعية العام للأمم المتحدة ، ولاحظت أن بعض فئات الصحفيين لا تشملهم الحماية المقررة في اتفاقيات جنيف لعام 1949 ، وفي ضوء ذلك أحالت إلى لجنة حقوق الإنسان مهمة وضع مشروع اتفاق دولي يكفل الحماية للصحفيين الذين يباشرون مهمات خطيرة الذين يباشرون مهمات خطيرة في مناطق النزاعات المسلحة ، وبعدما انتهت من وضع مشروع الاتفاق قامت بإحالته إلى المؤتمر الدبلوماسي للجنة الدولية للصليب الأحمر المنعقد في الأعوام 1974–1977 ، وتم فيه بالاعتماد على مشروع الاتفاق معالجة موضوع هؤلاء الصحفيين في م/79 من البروتوكول لعام 1977( ) التي لم تورد تعريفاً للصحفيين وإنما بينت :

1. إن الصحفيين الذين يباشرون مهمات مهنية خطيرة في مناطق النزاعات المسلحة يعدون أشخاصا مدنيين.
2. وانه انطلاقاً من هذه الصفة يستفيدون من الحماية المقررة بمقتضى أحكام اتفاقيات جنيف الأربع وهذا الملحق بشرط إن لا يقوموا بأي عمل يسيء إلى وضعهم كأشخاص مدنيين.
3. يجوز لهم الحصول على بطاقة هوية تثبت صفته كصحفي وتصدر هذه البطاقة من حكومة الدولة الطرف في النزاع التي يكون إما من رعاياها ، أو يقيم فيها ، أو يمثل جهاز الأنباء الموجود كادره في اراضي هذه الدولة ( ) وبذلك ينهض التمييز بين فئتين من الصحفيين الفئة الاولى هي المراسلون الحربيون وهم الصحفيون المرافقون للقوات المسلحة في حال وقوعهم في قبضة الخصم يعاملون معاملة أسرى الحرب المبينة في اتفاقية جنيف الثالثة أما الفئة الثانية فهم المراسلون الصحفيون ، وهؤلاء يعاملون معاملة المدنيين في حال القبض عليهم لأنهم يعدون أشخاصا مدنيين ، وهؤلاء لا يجوز التعرض لهم وفقا ، لاتفاقيات جنيف ولا يجوز أسرهم ، إلا اذا قاموا بأعمال مخالفة وفي هذه الحالة يسري عليهم نظام الاعتقال المبين في اتفاقية جنيف الرابعة.

6- المسنون:

للمسنين نصيب من الحماية التي يقدمها القانون الدولي الإنساني إلى المتأثرين بأوضاع النزاعات المسلحة الدولية ، فهم يستفيدون أولا من الحماية العامة التي يقدمها إلى المدنيين في الحال التي يكونون فيها غير مشتركين في الاعمال القتالية يحجبون عن القيام بأي عمل عدائي في مواجهة أطراف النزاع ، كما يستفيدون من بعض الأحكام الخاصة التي تقدم لهم حماية خاصة بقواعد اكثر تحديدا أشار فيها القانون الدولي الإنساني إلى المسنين من المدنيين وقرر لهم في ظروف معينة حماية خاصة فيها اتفاقية جنيف الرابعة في أربعة نصوص وهذه الأحكام الخاصة هي :

1. إذا قامت أطراف النزاع في وقت السلم أو بعد نشوب الاعمال العدائية بإنشاء مناطق ومواقع استشفاء أو أمان منظمة في أراضيها أو الأراضي المحتلة ، فان المسنين والعجزة سيكونون من بين الأشخاص الذين تستقبلهم هذه الأماكن وتقدم لهم الحماية( ).
2. يكون العجزة إلى جانب فئات أخرى حددتها الاتفاقية الرابعة وهم كل من الجرحى والمرضى والحوامل موضع حماية واحترام خاصين( ).
3. وإذا كان هناك مناطق محاصرة ومطوقة من قبل أطراف النزاع ، فإذا الاتفاقية الرابعة بينت أن من واجب أطراف النزاع العمل على إقرار ترتيبات محلية لنقل الجرحى والمرضى والعجزة والمسنين وغيرهم وإخراجهم من هذه المناطق ، فالأولوية عند القيام بالإخلاء مقررة لمصلحة هؤلاء( ).
4. أما اذا كان هناك معتقلون ويراد نقلهم من المعتقلات الموجودين فيها إلى معتقلات أخرى فيراعى في عملية النقل إن لايتم نقل كل من الجرحى أو المرضى أو العجزة أو … إذا كانت الرحلة ستعرض صحتهم للخطر إلا اذا كان النقل يحقق في الأصل الحفاظ عليهم وتأمين سلامتهم ( )ولكن ما يمكن ملاحظته على هذه المواد التي أشار فيها القانون الإنساني إلى المسنين هو انه لا يقدم تحديد للعمر الذي عنده يكون الشخص مسنا ويستفيد من الأحكام الواردة فيه ، بل حتى عندما دارت النقاشات في أثناء انعقاد مؤتمرات جنيف الخاصة بالاتفاقيات الأربع ، كان السؤال الوارد هو فيما اذا كان يقصد بالشخص المسن هو الشخص الذي تجاوز عمره الخامسة والستين كما قرر ذلك مشروع ستوكهولم ، إلا إن الاتجاه الذي غلب في أثناء النقاشات حول هذا الموضوع والذي يمثل الإجابة عن السؤال السابق ، هو الامتناع من تحديد سن معينة يكون عندها الشخص مسنا، بل أن تقدير هذه السن هو متروك لحكومات الدول فهي التي تقرره( ).

ثانيا :ضحايا النزاعات المسلحة غير الدولية

في القانون الدولي الإنساني نصوصا خاصة لحماية ضحايا النزاعات المسلحة الداخلية، وكانت الإشارة إلى منح حماية لضحايا هذه النزاعات وقد وردت أولا في اتفاقيات جنيف الأربع عندما نصت م /الثالثة المشتركة بينها على انه في حال نشوب نزاع ليس له صفة دولية على ارض أحد الأطراف فهناك حد أدنى من القواعد ينبغي مراعاتها التي تؤمن الحماية لكل الأشخاص الذين لا يشتركون مباشرة في العمليات العدائية وكذلك كل أفراد القوات المسلحة الذين القوا أسلحتهم أو من اصبحوا عاجزين عن القتال بسبب المرض أو الجرح أو الاحتجاز أو لأي سبب أخر ، ينبغي معاملتهم جميعهم معاملة إنسانية.

ثم جاء بروتوكول جنيف الثاني لعام 1977 الملحق باتفاقيات جنيف ليزيد من نطاق الحماية ، بوصعه مجموعة من النصوص التي تلزم أطراف النزاع مراعاة قواعد محددة عند مباشرة الاعمال القتالية هذا إلى جانب إعادته تأكيد معاملة جميع الأشخاص المتأثرين بالنزاع المسلح الداخلي معاملة إنسانية والامتناع عن ارتكاب أفعال معينة ضدهم سواء كانوا من الأشخاص الذين لم يشاركوا في الاعمال العدائية أم من الذين كفوا عن المشاركة فيها على وفق ما بينته م/3 المشتركة( )، ومن الجمع بين م/3 المشتركة لاتفاقيات جنيف الأربع ومواد بروتوكول جنيف الثاني التي توضح مضمون الحماية التي يقررها لضحايا هكذا نزاعات، تظهر فئات الأشخاص المحمية وهي :

1. المرضى والجرحى والغرقى والقتلى من المدنيين أم المقاتلين( ).
2. الأشخاص الذين فقدوا حريتهم نتيجة للنزاع المسلح( ).
3. السكان المدنيون من خارج الفئات السابقة ، حيث هناك التزام عام بضرورة التمييز بين من هو وما هو مدني وبين من هو وما هو عسكري( ) وحصر العمليات العسكرية على العسكريين والأهداف العسكرية دون المدنيين والاماكن المدنية.
4. الأطفال( ).
5. النساء( ).
6. أفراد الخدمات الطبية وأفراد الهيئات المدنية( ).

ثالثا: المشردين والاجئين

القانون الدولي الإنساني يقوم على حماية فئات معينة من الأشخاص الذين تكون دولهم طرف في نزاع مسلح ، وهم المشردين داخليا , والاجئين.

1 : المشردين داخلياً

ويقصد بهم الأشخاص الذين اكرهوا على الهرب أو على ترك منازلهم أو أماكن إقامتهم العادية أو اضطروا إلى ذلك ولا سيما نتيجة أو سعيا لتفادي أثار النزاعات المسلحة أو حالات العنف المعمم أو حالات انتهاك حقوق الإنسان أو الكوارث الطبيعية أو الكوارث التي هي من صنع الإنسان والذين لم يعبروا حداً دولياً معترفاً به من حدود دولة( ).
فان الحماية الدولية المقررة لهؤلاء بموجب قواعد القانون الدولي الإنساني تختلف بحسب الوضع الذي سبب تشردهم ، فإذا كان الوضع الذي شهدته الدولة هو عبارة توترات واضطرابات داخلية أو اعمال عنف معمم أو انتهاكات حقوق الإنسان فان القانون القابل للتطبيق الذي سيحمي حقوق الأفراد في ظل هذه الأوضاع هو القانون الوطني والقانون الدولي لحقوق الإنسان ، ذلك إن الأغلبية العظمى من النازحين هم من رعايا الدول التي وجدوا أنفسهم فيها وبذلك يتمتعون بالحماية الكاملة للقانون الوطني ، وبالحقوق المكفولة لمواطني هذه الدولة دون تمييز مجحف . أما قانون حقوق الإنسان فانه يوفر أيضا الحماية للنازحين داخل بلدهم وهو يسري في وقت السلم ووقت النزاعات المسلحة على حد سواء فهو من جهة يؤدي تطبيقه إلى منع النزوح والتشرد ، ومن جهة أخرى اذا حصل النزوح فانه يقوم على كفالة الحقوق الأساسية للنازحين ومنها حقهم في عدم التعرض للتعذيب بحظر ارتكابه ، وحظر المعاملة أو العقوبة القاسية والحق في التمتع بالممتلكات والتمتع بالسكن والحياة الأسرية ، والحق في السلامة الشخصية والحق في الغذاء والحق في وطن ، والحق في التعليم والعمل ، كلها تقدم حماية جوهرية للأفراد في أثناء النزوح ، كما إن للعديد من هذه الحقوق صلة قوية بمسألة الحق في العودة إلى الأماكن التي سبق أن نزحوا منها أما بالنسبة إلى القانون الدولي الإنساني فان قواعده في الأساس لا تسري في ظل هذه الأوضاع ، بل هو يسري في أوضاع النزاعات المسلحة وبالإمعان في أوضاع النزاعات المسلحة سوف يجد المرء إن هناك ثلاثة أنظمة قانونية تسري على هذه الأوضاع وتقدم الحماية وهي كل من القانون الوطني ، والقانون الدولي لحقوق الإنسان و القانون الدولي الإنساني.

2 : اللاجئين

عرفت اتفاقية الأمم المتحدة الخاصة باللاجئين لعام 1951 اللاجئ بأنه “كل شخص يوجد نتيجة أحداث وقعت قبل تاريخ 1/1/1951 وبسبب خوف له ما يبرره من التعرض للاضطهاد بسبب عرقه أو دينه أو جنسيته أو انتمائه إلى فئة اجتماعية أو أراءه السياسية ، خارج بلد جنسيته ولا يستطيع أو لا يريد بسبب ذلك الخوف أن يستظل بحماية ذلك البلد ، أو كل شخص لا يملك جنسية ويوجد خارج بلد إقامته المعتاد السابق نتيجة مثل تلك الأحداث ولا يستطيع أو لا يريد بسبب ذلك الخوف أن يعود إلى ذلك البلد”( ) وكانت هذه الاتفاقية قد قصرت أحكامها المتعلقة باللجوء على الأحداث الواقعة قبل عام 1951 وعلى رعايا الدول الأوربية وهو ما أدى إلى أن تكون هذه الاتفاقية التي هي في الأصل عالمية وصادرة عن منظمة عالمية ، قاصرة عن استيعاب حالات اللجوء الجديدة والكثيرة التي ظهرت بعد عام 1951 ، مما أفضى ذلك إلى وضع بروتوكول خاص باللاجئين ملحق بهذه الاتفاقية وسع من نطاق تطبيق هذه الاتفاقية لتشمل أحكامها حالات لجوء اخرى وشمول جميع الاشخاص خارج أي حصر جغرافي أو زمني وكانت الاتفاقية قد أخذت به قبل صدور بروتوكول عام 1967 الخاص بوضع اللاجئين الملحق بها( ) ومن هذا التعريف الذي جاءت به اتفاقية 1951 والذي أعاد ذكره بروتوكول 1967 مع توسيع نطاقه ، يتبين إن اللاجئين هم أشخاص فروا من بلادهم التي يحملون جنسيتها أو التي كانوا مقيمين فيها إلى دول أخرى أي عبروا الحدود الدولية لتلك الدولة وصولا إلى دولا أخرى وبهذا الوصف هم يختلفون عن المشردين أو النازحين داخليا الذين يكون نزوحهم ضمن اراضي الدولة الموجودين فيها.

كما يتضح من التعريف إن هناك ظروفا محددة تدفع بالأشخاص إلى الفرار من البلد الذي كانوا فيه إلى بلدان أخرى ليلجأوا إليها ويحصلوا على الأمان والحماية فيها ، وهنا سيثار البحث فيما اذا كان الأشخاص الذين يفرون من بلادهم سيفيدون من أحكام هذه الاتفاقية وكذلك من أحكام القانون الدولي الإنساني إذا كانت الدول التي كانوا موجودين فيها داخلة في نزاعات مسلحة.
تجدر الإشارة فيما يتعلق بالنقطة المذكورة ، إن البحث سيؤدي إلى وجود فئتين من اللاجئين ، فئة تتمتع بحماية كل من الأحكام الخاصة بحماية اللاجئين ، والقانون الدولي الإنساني ، وهذه الفئة تتمثل باللاجئين الذين سبق لهم أن هربوا من الدول التي كانوا فيها وبسبب ما لاقوه من اضطهاد ، ودخلوا إلى دولة أخرى وحصل أن دخلت هذه الدولة في نزاع مسلح دولي فهؤلاء سيفيدون من الأحكام المقررة للاجئين الذين توافرت معهم الظروف المقررة لقبولهم لاجئين وهي اعمال الاضطهاد ولاسباب دينية أو عرقية أو سياسية أو بسبب الجنسية ، إلى جانب تمتعهم بقواعد القانون الدولي الإنساني المقررة لمصلحة اللاجئين في فترة النزاعات المسلحة الدولية التي بينها اتفاقية جنيف الرابعة والبروتوكول الأول( ).

أما الفئة الثانية فهي فئة الأشخاص الذين هربوا إلى خارج البلد الذي كانوا فيه بسبب ظروف النزاع المسلح ومخاطر الاعمال القتالية ، فهنا لن نجد أي نص يحمي هؤلاء الأشخاص في نطاق القانون الدولي الإنساني ، بعد أن خرجوا من دولهم لأنهم اصبحوا بعيدين عن أوضاع النزاع المسلح الذي يظهر القانون الإنساني لينطبق عليه ، فإذا ما احلنا السؤال إلى القانون الدولي لحقوق الإنسان حول الوضع القانوني لهؤلاء النازحين خارج حدود الدولة التي كانوا فيها ، لتبين إن قواعد هذا القانون وبخاصة القواعد التي تبين المركز القانوني للاجئين ، قد حددت الظروف التي على أساسها اذا ما فر شخص من دولته إلى دولة أخرى ، يمكن منحه اللجوء ثم التمتع بالحقوق المقررة للاجئين وهذه الظروف التي يتعرض الشخص للاضطهاد للأسباب المذكورة سابقا ووفقا لهذا التحديد لن يستطيع الشخص الذي يهرب من ظروف النزاع ومخاطره أو الذي هرب من أوضاع الاحتلال أن يستفيد من الحماية المقررة للاجئين بموجب الأحكام الواردة في الوثيقتين 1951 ، 1967 ، لأنها لم تجعل من مخاطر النزاعات المسلحة وظروف الاحتلال سببا للجوء إلا إذا كان اللجوء سببه الاضطهاد والذي عاناه بعض الأفراد أو الجماعات داخل دولهم بسبب النزاعات المسلحة التي دخلت دولهم فيها، وبسبب انتمائهم لجنسية مختلفة أو عرق مجدد وتعرضوا للاضطهاد هنا يمكنهم فقط الاستفادة وتظهر هذه الحالات بشكل أكبر في النزاعات المسلحة الداخلية التي يتعرض فيها بعض الأشخاص للاضطهاد والاعتداء بسبب اختلاف دينهم أو عرقهم أو لغتهم أو آراءهم السياسية وعندها سيكون لهم الاحتجاج بأعمال الاضطهاد لطلب اللجوء وليس لاسباب تتعلق بمخاطر الاعمال القتالية ولكن اذا كان هذا حال الاتفاقيات العالمية ، قاصر عن الإحاطة بكل الظروف التي قد تدفع إلى اللجوء ، فان الحال مع الاتفاقيات الإقليمية التي تناولت موضوع اللجوء كان مختلفا حيث وسعت اتفاقية منظمة الوحدة الأفريقية لعام 1969 المتعلقة بدراسة جوانب خاصة بمشاكل اللاجئين من نطاق الأشخاص الذين سيفيدون من أحكامها الخاصة باللجوء ، عندما عرفت اللاجئ “بأنه كل شخص ، بسبب عدوان خارجي أو احتلال أجنبي أو سيطرة أجنبية أو أحداثاً تسبب اضطراباً للنظام العام لبلده الأصلي أو بلد جنسيته جزئياً أو كلياً ، يضطر إلى مغادرة مكان أقامته الاعتيادية من اجل البحث عن ملجأ في مكان أخر خارج بلده الأصلي أو بلد جنسيته” وبذلك لم يعد الاضطهاد هو السبب الوحيد لقيام اللجوء( ).

المطلب الثاني: أشخاص القانون الدولي لحقوق الإنسان

القاعدة الأساسية التي يستند إليها القانون الدولي لحقوق الإنسان هي إن جميع البشر في كل الأزمنة والاماكن يتمتعون على قدم المساواة بكافة الحقوق التي نظمها هذا القانون ولم يكن الموقع الذي يشغله الفرد حالياً في النظام القانوني الدولي قد حصل عليه دفعة واحدة، فالقانون التقليدي الذي ينظم العلاقات بين الدول لم يكن يسمح للفرد بأية مساحة ولو كانت محدودة في بنيانه إلا ان المسالة لم تعد كذلك مع بدايات القرن العشرين، وقد تجلت أولى ملامح هذا التغيير بعد انشاء عصبة الأمم التي لعبت دوراً في مجال التعامل مع الشخصية الإنسانية، ومن ثم سنتعرض في هذا المبحث للوضع القانوني الذي يتمتع به الفرد في ظل النظام القانوني الدولي التقليدي والتطورات التي حدثت في عهد عصبة الأمم.
كما اتجهت البشرية بعد الحرب العالمية الثانية إلى العمل على إقامة نظام دولي بهدف تحقيق السلام والرفاهية، وقد عمل ميثاق الأمم المتحدة على تحقيق هذه المبادئ والأهداف عن طريق خلق مناخ دولي مناسب وظروف ملائمة لعلاقات دولية مبنية على السلم، وهذا ما يمكن ان يتحقق من خلال احترام المساواة في الحقوق بين الشعوب، وان يكون لكل منها تقرير مصيرها، وتعزيز حقوق الإنسان وحرياته بدون تمييز بسبب الأصل أو الجنس أو اللغة أو الدين دون تفرقة بين الرجال والنساء، وقد عملت الأمم المتحدة بهذا الاتجاه وتكون نتيجة لهذه الجهود ما عاد يعرف اليوم بالقانون الدولي لحقوق الإنسان.

وعند المقارنة بين القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني بالنظر إلى مادة كلاهما من ناحية الأشخاص المحميين والمستفيدين من الحقوق الواردة فيها ، تظهر نقطة الاختلاف بين القانونين ، حيث تميز القانون الدولي لحقوق الإنسان بأنه وضع معايير عامة تنطبق على جميع البشر وفي كل زمان ومكان دونما إن يحدد أو يصنف الأشخاص الذين يستفيدون من أحكامه.
في حين كانت ميزة القانون الدولي الإنساني ، هي تعلقه بحماية حقوق مجاميع خاصة من البشر وبصورة أساسية المرضى والجرحى والغرقى وأسرى الحرب ، والمدنيين وفي ظروف خاصة أي في أثناء فترة النزاعات المسلحة .
ولكن لنقطة الاختلاف هذه فوائدها في بيان مدى الحماية التي يقدمها القانون الدولي لحقوق الإنسان للأشخاص الموجودين في دائرة النزاعات المسلحة ، وبخاصة في الحالات التي تظهر فيها بعض الإشكاليات المتعلقة بتطبيق القانون الدولي الإنساني وبصورة أساسية في الحماية التي يقدمها لضحايا النزاعات المسلحة ، حيث كنا بينا إن القانون الدولي الإنساني وفي فترة النزاعات المسلحة الدولية ، يختص بحماية أشخاص معينة ، أو بتحديدها وتحديد شروطها ظهرت مجموعة من الأشخاص لا تستفيد وبشكل كامل من الحماية التي يقدمها ، فمثلا اخرج من نطاق المدنيين المحميين بقواعده ، ثلاث فئات من الأجانب وهم الأجانب الذين يتبعون دولة ليست طرفاً في النزاع المسلح وليست طرفاً في الاتفاقية موجودين على أراضي أحد أطراف النزاع المسلح ، والأجانب الذين يتبعون دولة محايدة ، والأجانب الذين يتبعون دولة تتعاون مع أحد أطراف النزاع طالما كانت دولتهم ممثلة تمثيلا دبلوماسيا عاديا في الدولة التي يقعون تحت سلطتها هؤلاء الأجانب ، فهذه الفئات الثلاث لا يكون لها الاستفادة من القواعد الخاصة بالمدنيين إلا بالقدر الذي بينه القانون الدولي الإنساني وهو شمولهم بالحماية من بعض عواقب الحرب التي يقدمها إلى مجموع سكان الدول المتحاربة التي تم بيانها في المواد (13–26) من اتفاقية جنيف الرابعة، وخارج إطار هذه المواد يتوقف دور القانون الدولي الإنساني ليظهر القانون الدولي لحقوق الإنسان الذي يلقي بظل حمايته على جميع البشر البروتوكول الأول ، فهنا سيحرمون من حماية هذه المادة ، وعليه نعود بأوضاعهم إلى أحكام القانون الدولي لحقوق الإنسان لضمان حمايتهم واحترام حقوقهم على وفق الالتزامات التي ارتضتها الدول بدخولها طرفا في اتفاقيات حقوق الإنسان ووفقاً للأعراف الدولية التي استقرت بصدد بعض الحقوق التي هي أساسية ولايمكن للإنسان أن يعيش بدونها وهي الحق في الحياة، الحق في عدم التعرض للتعذيب ، والحق في عدم الاسترقاق والحماية من الرق ، والحق في حرية المعتقد والدين ، والحق في الاعتراف له بشخصيته القانونية ، وعدم إدانته عن فعل أو امتناعه لم يكن وقت ارتكابه يشكل جريمة .كما لم تجز نصوص ميثاق الامم المتحده التحلل من التزاماتها المتعلقة بهذه الحقوق بحجة ان ما تقوم به يعد من اختصاصها الداخلي.

فقدعالج ميثاق الأمم المتحدة حقوق الإنسان في الديباجة وفي المواد 1، 13، 55، 56، 62، 68، 76 هذا الموضوع فالمادة (1) تجعل من حقوق الإنسان احدى أهداف الأم المتحدة فضلاً عن ان الدول الأعضاء تلتزم بالتعاون مع المنظمة الدولية لتحقيق الهدف المشار إليه، واحترام الالتزامات الواردة في المادة (55) من الميثاق حول الاحترام العالمي لهذه الحقوق، وهكذا فان الميثاق يلزم الدول الأعضاء والمنظمة بالعمل على احترام حقوق الإنسان كافة، ولا تستطيع أية دولة ان تتحلل من التزاماتها المتعلقة بهذه الحقوق بحجة ان ما تقوم به يعد من مسائل الاختصاص الداخلي للدول التي تنظم على المستوى الوطني فقط من الناحية التشريعية والقضائية.

أي ان ميثاق الأمم المتحدة لم يعتبر المشاكل ذات الصلة بحقوق الإنسان من الأمور الداخلة في صميم الاختصاص الداخلي للدول الأعضاء في المنظمة بل على العكس من ذلك حيث يكفي ان يكون الأمر معروضاً عليها ليثير اهتماماً دولياً ليثبت اختصاصها، ولقد اعتبرت الأمم المتحدة جميع المسائل التي تعرض عليها ذات الصلة بحقوق الإنسان حتى ولو تعلق الأمر بمعاملة دولة لرعاياها من المسائل الدولية وتستطيع بحثها دون ان يمنعها ذلك قيد الاختصاص الداخلي المنصوص عليه في المادة (2) فقرة (7) من الميثاق التي نصت على (ليس في هذا الميثاق ما يسوغ للأمم المتحدة ان تتدخل في الشؤون التي تكون من صميم السلطان الداخلي لدولة ما، وليس فيه ما يقتضي الأعضاء ان يعرضوا مثل هذه المسائل لأن تحل بحكم هذا الميثاق، على ان هذا المبدأ لا يخل بتطبيق تدابير القمع الواردة في الفصل السابع).

أما في إطار النزاعات المسلحة الداخلية فان الشروط التي وضعها القانون الدولي الإنساني فيما يتعلق بالأشخاص المتأثرين بأوضاع النزاع المسلح من المدنيين والعسكريين ، لم تكن بذات التحديد عندما تعامل مع أوضاع أشخاص متأثرين بأوضاع النزاعات المسلحة الداخلية فقد كانت إشارته في م/3 المشتركة لاتفاقيات جنيف الأربع ، مقتصرة على ذكر حالة الأشخاص الذين لا يشتركون في الاعمال العدائية (وهم المدنيون) أو الذين كفوا عن المشاركة فيها لاسباب تتعلق بالعجز أو المرض أو الاستسلام (وهم المقاتلون) دون من أن يسرد شروط كل من الفئتين ، مما يجعل الجميع ممن ذكروا في هذه المادة مستفيدين من أحكامها التي تقرر مجموعة من الحقوق الأساسية التي هي في ذات الوقت حقوقا لا يستغنى عنها بموجب قواعد قانون حقوق الإنسان ، مما يظهر معه التداخل الكبير بين القانونيين عند تحديد نطاق التضييق الشخصي لهما .
ويبقى أن نذكر في النهاية إن جميع الفئات التي يحميها القانون الدولي الإنساني تدخل في المحصلة النهائية ضمن مفهوم الشخص الذي يحميه القانون الدولي لحقوق الإنسان بشكل عام ، ومن ذلك ان الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي تم إصداره يوم 10 كانون الأول 1948جاء في نصوصه ليؤكد عالمية حقوق الانسان فنصوصه موجهة إلى الإنسان أينما وجد بغض النظر عن ديانته ولونه وجنسه، وجنسيته أي انه إعلان لا يحمل السمة الوطنية لدولة معينة أو الخصائص المميزة لأمة معينة طالما انه يتجاوز نطاق الدولة الواحدة. إلا أن هناك ظروفا خاصة تتطلب تنظيما خاصا وهي ظروف النزاعات المسلحة وهنا يأتي دور القانون الدولي الإنساني ليتولاها والذي معه يظهر التكامل بين القانونين في معالجة أوضاع جميع الأشخاص وبدون تمييز كل في إطار ما حدده.

المبحث الثالث: الحقوق المشموله بحماية القانونين

يظهر الاختلاف الآخر بين كل من القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان من ناحية الحقوق التي يتولى القانونان حمايتها ، حيث تتسم حقوق الإنسان التي تكون نطاق كل منهما بالعديد من الميزات منها ما تمثل ميزات عامة للحقوق المحمية من قبل القانونين فتعطي الصورة العامة لنطاق هذه الحقوق ومنها ما تمثل ميزات خاصة تتعلق بشكل خاص بالحقوق المشتركة بين القانونين أي تلك التي يتولى كلا القانونين حمايتها في ذات الوقت ولبيان هذا الاختلاف بالاعتماد على البحث في هذين النوعين من الميزات

المطلب الأول :انواع الحقوق التي يحميها القانونين

يتصف القانون الدولي الإنساني بميزة أساسية ، وهي انه قانون خاص واستثنائي لا يسري إلا في فترة النزاعات المسلحة وهدفه التخفيف من معاناة البشر بتخفيف ويلات الحروب وإضفاء شيء من الإنسانية على سلوك المتحاربين في تعاملهم مع رعايا العدو في حين يكمن جوهر قانون حقوق الإنسان في كفالة ازدهار الفرد وتحسين مستواه في إطار المجتمع الذي يعيش فيه لضمان حكومة جيدة ترعى حقوقه في مختلف الظروف ، وهو الأمر الذي يؤدي إلى قيام فوارق أساسية بين القانونين من ناحية سعة نطاق الحقوق التي يحميانها ومن ثم يهدف القانون الدولي الإنساني إلى حماية فئة معيّنة، في ظرف معين، فهو يحمي اولئك الذين لا يشاركون في القتال كالمدنيين وافراد الخدمات الطبية والدينية ويحمي كذلك الاشخاص الذين كفو عن المشاركة في القتال كالمقاتلين الجرحى أو المرضى أو الغرقى فضلاً عن اسرى الحرب.

فلهؤلاء الحق احترام حياتهم وسلامتهم البدنية والمعنوية وبالضمانات القضائية، وتجب حمايتهم ومعاملتهم معاملة انسانية في جميع الاحوال دون أي تمييز مجحف.
أما القانون الدولي لحقوق الإنسان، فإنه يحمي حقوق الإنسان بصفة عامة، فهو يشمل بحمايته الناس جميعاً، وليس خاص بفئة معينة.
وإذا ما استعرضنا بعض الحقوق التي يحميها كل من القانونيين، نستطيع أن نتلمس الفرق بينهما.
فالقانون الدولي لحقوق الإنسان يحمي على سبيل المثال لا الحصر الحقوق التالية:

أولاً: الحق في الحياة والحرية وفي أمان الفرد على نفسه
يعد الحق في الحياة أحد الحقوق الطبيعية التي يجب ان تضمن لكل إنسان، وحماية هذا الحق لا يقتصر على عدم المساس به من قبل الدولة وسلطاتها العامة، بل هو حق يتطلب ضمانهُ التزام الدولة بمنع حدوث الاعتداء عليه من جانب الأفراد، والهيئات، والجماعات، ووضع القوانين التي تحقق هذه الحماية بصورة فعلية، وتوقع الجزاء على من يعتدي على هذا الحق بأي شكل من الأشكال.
فقد نصت المادة السادسة من اتفاقية الحقوق المدنية والسياسية على تفاصيل تتضمن مجموعة من الضمانات لهذا الحق إذ تشير هذه المادة إلى ((1- لكل إنسان الحق الطبيعي في الحياة، ويحمي القانون هذا الحق، ولا يجوز حرمان أي فرد من حياته بشكل تعسفي)

ثانياً: حرية التنقل (الغدو والرواح)

بموجب هذا الحق يصبح لكل انسان مقيم بصفة قانونية داخل اقليم دولة معينة الحق في حرية الانتقال من مكان إلى آخر، وفي اختيار مكان اقامته ضمن ذلك الاقليم وله الحرية في مغادرة أي بلد بما في ذلك بلده، ولا يجوز حرمان أحد من حق الدخول إلى بلاده، ويذكر هنا ان الحقوق المشار إليها أعلاه يمكن ان تخضع لقيود ينص عليها القانون إذا كانت هذه القيود القانونية ضرورية لحماية الأمن الوطني أو النظام العام أو الصحة العامة أو الأخلاق أو حقوق وحريات الآخرين، .

ثالثا: الحقوق الأسرية

تعد العائلة الوحدة الاجتماعية الطبيعية والأساسية لكل مجتمع وبهذه الصفة يقع على كاهل الدولة والمجتمع حمايتها، وإذا كانت النصوص القانونية تقر بهذه الحقيقة فقد تم الاعتراف كذلك للرجال والنساء الذين هم في سن الزواج بتكوين الأسرة باعتبارها الخلية الاجتماعية الأساسية في جميع المجتمعات البشرية وهي تتشكل نتيجة الرضا الكامل لأطراف العلاقة ويقع على كاهل الدولة اتخاذ الاجراءات اللازمة لتأمين المساواة في كافة الحقوق والمسؤوليات في المراحل المختلفة للزواج كما يجب حماية الأطفال باعتبارهم قاصرين ويقع الالتزام الأخير على الأسرة والدولة والمجتمع ويجب تسجيل كل طفل فور ولادته ويكون له اسم.

رابعاً: مبدأ المساواة المدنية

يطغى على نظريات الحريات مبدأ أساسي في كل ما تقرره من حقوق وحريات لمصلحة الأفراد وهو مبدأ المساواة ويعني ان جميع الأفراد متساوين في التمتع بالحريات الفردية دون أي تفرقة أو تمييز بسبب الجنس أو اللون أو الدين، ولذلك فان الديمقراطيات التقليدية ترى في اقرار هذا المبدأ ضمانة أساسية من ضمانات الحريات الفردية وهو يتضمن:

أ- المساواة أمام القانون.
ب- المساواة أمام القضاء.
ج- المساواة أمام الوظائف العامة.
د. المساواة أمام التكاليف العامة، كأداء الضرائب أو أداء الخدمة العسكرية.

خامسا: الحقوق السياسية

يقع تحت هذا العنوان مجموعة من الحقوق والحريات التي توصف بانها ذات مضمون سياسي بشكل أو بآخر، منها حق المواطنة (الجنسية) وحق المشاركة في الشؤون العامة وحق الاجتماع وتشكيل الجمعيات والعضوية فيها والحق في حرية الرأي والعقيدة والدين .

سادسا :الحقوق والحريات ذات المضمون الاقتصادي والاجتماعي والثقافي (الجيل الثاني)

وتتضمن الحقوق والحريات ذات المضمون الاقتصادي والاجتماعي والثقافي قائمة من المضامين التي تعد الجيل الثاني من الحقوق والحريات، فمع مطلع القرن العشرين اهتزت أركان المذهب الفردي نتيجة للتأثير المتزايد الناتج عن توسع دور الطبقة العاملة على المستوى السياسي، فضلاً عن انتشار المذاهب الاشتراكية التي نادت بالعدالة الاجتماعية مما قاد إلى اعتناق فكرة التدخل من جانب الدول على درجات مختلفة ترتبط بالظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في كل دولة ون هذه الحقوق الحق في العمل والضمان الاجتماعي وحق الملكيه.

سابعا: الجيل الثالث من الحقوق

اتسعت مجالات حقوق الإنسان مع مرور الزمن وتطورت فأصبحت هناك مجموعة من الحقوق التي تحتاج إلى تعاون الجميع سواء على المستويين الداخلي أو الدولي لكون هذه الحقوق ذات بعد انساني عام كالحق في التنمية، والحق في السلام، والحق في التضامن، والحق في بيئة نظيفة، والحق في الثروة الموجودة في قاع البحار، والحق في الإغاثة عند الكوارث الكبرى.

تلك هي جملة من الحقوق التي يحميها القانون الدولي لحقوق الإنسان، إضافة إلى حقوق خاصة، مثل حقوق الطفل، وحقوق المرأة وغير ذلك.

أما الحقوق التي يحميها القانون الدولي الإنساني، فنجدها في الاتفاقيات جنيف لعام 1949 والبروتوكولين الإضافيين للعام 1977.

  • فالاتفاقية الأولى المتعلقة بتحسين حال الجرحى والمرضى في الميدان، نجدها توجب معاملتهم معاملة إنسانية دون تمييز بسبب الجنس أو العنصر أو المعتقد أو اللون أو أية معايير أخرى مماثلة.
    وتحظر بشدة أي اعتداء على حياتهم، أو استعمال العنف ضدهم، يجب على الأخص عدم قتلهم أو إبادتهم، أو تعريضهم للتعذيب أو تجارب خاصة بعلم الحياة، أو تركهم عمداً دون علاج، او رعاية طبية، أو خلق ظروف تعرضهم للمخاطر العدوى بالأمراض أو تلويث الجروح. ( م/12).
  • أما الاتفاقية الثانية لتحسين الجرحى أو الغرقى في البحار، فتوجب نفس الحماية المقررة في الاتفاقية الأولى، لهذه الفئة التي تحميها.
  • أما الاتفاقية الثالثة المتعلقة بحماية أسرى الحرب: فتوجب معاملتهم معاملة إنسانية، بحيث لا يجوز تعريض أسير الحرب للتشويه البدني، أو التجارب الطبية أو العلمية ما لم تبّرير حالته الصحية ذلك، ويجب حمايتهم ضد جميع أشكال العنق أو تعذيب، وتحظّر تدابير الاقتصاص من أسرى الحرب، ولهم الحق في احترام أشخاصهم وشرفهم في جميع الأحوال، والاحتفاظ بأهليتهم المدنية، ولا يجوز استخلاص المعلومات منهم بالتعذيب البدني أو المعنوي. وغير ذلك الكثير من الحقوق المتعلقة بالتعامل معهم ورعايتهم ونقلهم، والحريات الممنوحة لهم، وإطلاق سراحهم وإعادتهم إلى أوطانهم.
  • أما الاتفاقية الرابعة المتعلقة بحقوق المدنيين: فهي الأقرب من حيث موضوع الحماية، إلى القانون الدولي لحقوق الإنسان، غهي تتولى الأقرب من حيث موضوع الحماية حقوق السكان المدنيين وقت النزاع المسلح.
    فهي توجب حماية السكان المدنيين من كلا طرفي النزاع دون تمييز بسبب الجنس أو اللون أو العنصر أو الدين أو أية معايير أخرى مماثلة.

وكذلك عدم جعل المدنيين هدفاً للهجمات العسكرية، وعدم الهجوم على المستشفيات المدنية التي تقدم الرعاية والمرضى والعجزة والأطفال والمسنين. والعناية بالأطفال دون سن الخامسة عشرة الذين تيتموا أو افترقوا عن عائلاتهم وإعالتهم وتعليمهم، والسماح بتبادل المراسلات العائلية وغير ذلك الكثير من الأحكام الهامة.
وقد جاء البروتوكول الأول لتطوير هذه الحقوق وتنقيحها، واستكمال النقص الموجود في اتفاقيات جنيف السابقة.
هذا كله فيما يتعلق بالنزاع المسلح الدولي. أما النزاع المسلح غير الدولي فتحكمه المادة الثالثة المشتركة من اتفاقيات جنيف. التي توجب معاملة أفراد القوات المسلحة الذين ألقوا السلاح أو العاجزين عن المشاركة في القتال كالمرضى والجرحى والغرقى وكذلك المدنيين، معاملة إنسانية دون تمييز بسبب الجنس أو العنصر أو اللون أو الدين أو غير ذلك من المعايير الأخرى، وتحظر الأفعال التالية:

– الاعتداء على الحياة والسلامة البدنية وبخاصة القتل بجميع أشكاله والتشويه والمعاملة القاسية والتعذيب.
– أخذ الرهائن – الاعتداء على الكرامة الشخصية – إصدار الأحكام وتنفيذ العقوبات دون محاكمة سابقة. وقد أضاف البروتوكول الثاني المتعلق بالنزاعات الداخلية أو غير الدولية.

أعمال الإرهاب والرق وتجارة الرقيق بكافة صورها والسلب والنهب، والتهديد بارتكاب أي من الأفعال المذكورة. وتوفير الحماية للأطفال وغير ذلك من الأحكام التي جاء بها هذا البروتوكول.

وهكذا، من خلال هذا العرض لبعض الحقوق المحمية من جانب القانونين، نجد أنه، وإن كان الهدف من القانونين، تأمين احترام حقوق الإنسان، إلاّ أن تطبيق القانون الدولي الإنساني في ظرف النزاع المسلح فقط. أدَّى إلى تخصصه بحماية فئات محددة، كالجرحى والغرقى والأسرى، لا تشملهم حماية القانون الدولي لحقوق الإنسان.
فقرر لهذه الفئات حقوق خاصة لا تدخل بطبيعتها في نطاق الحقوق التي يتضمنها القانون الدولي لحقوق الإنسان ( ) . مما يجعل لكل منهما نطاقه الخاص.

من جهة أخرى نجد هنالك اختلافاً حتى في التعامل مع الحقوق المتشابهة المحمية بموجب القانونين، فلو أخذنا، على سبيل المثال – الحق في الحياة فنجدة في القانون الدولي لحقوق الإنسان، مصان في مختلف الظروف، ولا يجوز التفريط به، أو التنازل عنه، باستثناء عقوبة ” الإعدام “.

وهناك توجهاً عالمياً من قبل المنظمات الدولية المهتمة بحقوق الإنسان، لإلغاء هذه العقوبة ( ) ، أو حظر اللجوء إليها إلاّ في أضيق الحدود.
وبالفعل، فقد تم إبرام بروتوكول اختياري ملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لعام 1966 خاص بإلغاء عقوبة الإعدام 1989.
في حين أن حماية الحق في الحياة، في القانون الدولي الإنساني، هي محل نظر ( ) ، فنجد أن حياة المرضى والجرحى والغرقى والأسرى، أي الذين توقفوا عن المشاركة في العمليات الحربية، وكذلك الذين لا يشاركون في أعمال القتال أي المدنيين كالنساء وأطفال والمسنين. حياتهم مصانة ولا يجوز إهدارها.
في حين أن حياة المقاتل في الميدان، نجد أن القانون الدولي الإنساني، لم يتعرض لها، فقتله مشروع وجائز، وإن لم يصرح القانون بذلك بشكل صريح ( ) .
ومن ذلك نجد، أنه وإن كان هناك تشابهاً في بعض الحقوق التي يحميها كل من القانونين، بسبب وحدة الهدف منهما، وهو حماية حقوق الإنسان. إلاَّ أنّ هناك اختلافاً في مضمون هذين القانونين، بسبب اختلاف الظروف التي يطبق فيها كل منهما.
فكون القانون الدولي الإنساني. شرّع أصلاّ ليطبق في ظرف النزاع المسلح، فهو قانون خاص بظرف خاص، ويتضمن حقوق خاصة بفئة معينة.
أما القانون الدولي لحقوق الإنسان، فهو قانون عام يُعنى بحقوق الإنسان في الظروف العادية، ومن هنا، جاء الاختلاف بين القانونيين، حتى في مجال الحقوق المتشابهة التي يحميانها.

المطلب الثاني: نطاق الحماية ومداها

يختلف نطاق الحماية في القانون الدولي الإنساني عنه في القانون الدولي لحقوق الإنسان، فإذا ما عدنا إلى العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية وكذلك العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، لوجدنا المادة الرابعة في كل منهما، تعطي الدول الحق في التحلُّل من الالتزامات المفروضة عليها، باحترام حقوق الإنسان المقرَّرة في هذين العهدين، أوقات الطوارئ العامة، التي تهدَّد حياة الأمة، وذلك ضمن شروط وأوضاع محددة.

مع أنَّ هذه المادة لم تذكر صراحة أنَّ الحرب تعتبر من حالات الطوارئ العامة. كما فعلت الاتفاقية الأوروبية للحقوق الإنسان (م 5/1) والاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان (م/27/1) التي ذكرت زمن الحرب، أو الخطر العام، أو أي طوارئ أخرى.
إلاّ أن حالة الحرب تعتبر ظرفاً استثنائياً يجيز للدول التحلُّل من التزاماتها المقرَّرة في العهدين الدوليين، وهذا يستفاد من مراجعة الأعمال التحضيرية للمادة الرابعة ( ). حيث كان هناك نص على حالة الحرب، كظرف استثنائي في المشرع المقترح لها في إعداد الاتفاقية، لكن عند صياغة هذه المادة بشكلها النهائي، حُذفت الإشارة الصريحة للحّرب من هذه المادة، على اعتبار أنّ حالة الحرب – من جهة أولى – هي من حالات الطوارئ العامة وذلك بحكم الواقع، ومن جهة أخرى، أنّه من غير المستحسن الإشارة صراحة إلى حالة الحرب، خاصةً وأنَّ ميثاق الأمم المتحدة، يحظر اللجوء إلى القوة أو التهديد باستخدامها (م/2/4).
لكن، مما يجدر الإشارة إليه، أنّ هذه المادة لا تجيز للدول التحلُّل من التزاماتها بموجب هذين العهدين بشكل مطلق ودون قيود. فهي تضع بعض الشروط والقيود على حق التحلُّل. ومن بينها شرطين هامين،هما عدم جواز التحلُّل من طائفة معينة من الحقوق، حيث تلتزم الدولة بعدم إهدارها حتى في حالات الطوارئ العامة.

والثاني هو عدم جواز الإخلال بالالتزامات الدولية الأخرى التي ترتبط بها الدولة .

– القيد الأول: إن حق الدول في تعليق الحقوق لا يمتد إلى جميع الحقوق الواردة في هذه الاتفاقيات ، حيث أن هناك مجموعة من الحقوق لا يجوز المساس بها بل يقع واجب على الدول هو الالتزام بها واحترامها في فترات السلم والحرب على حد سواء ومن هذه الحقوق:
ما نص عليه العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية من عدم المساس بسبع حقوق أساسية وهي “حق الإنسان في الحياة ، في عدم التعرض للتعذيب أو المعاملة القاسية أو المهينة أو الحاطة بالكرامة أو إجراء تجارب طبية أو علمية عليه دون رضاه ، حقه في عدم الاسترقاق ، أو الإخضاع للعبودية ، حقه عدم سجنه لعدم قدرته على الوفاء بالتزاماته العقدية ، حقه في عدم سريان القانون الجنائي عليه بأثر رجعي حقه في الاعتراف له بشخصيته القانونية ، حقه في حرية فكره ووجدانه ودينه”( ) أما الاتفاقية الأوربية فقد نصت على أربعة حقوق لا يجوز المساس بها هي “الحق في الحياة ، في عدم التعرض للتعذيب والمعاملة القاسية أو المهينة ، الحق في عدم الاسترقاق ، في عدم سريان القانون الجنائي بأثر رجعي”( ) في حين اضافت الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان إلى هذه المجموعة من الحقوق، الحق في الاسم، وحقوق الأسر، وحقوق الطفل، والحق في الجنسية، والحقوق السياسية ( ).
– القيد الثاني: هو عدم جواز الإخلال بالإلتزامات الدولية الأخرى التي ترتبط بها الدولة. فإذا الدولة مرتبطة بمعاهدات واتفاقيات دولية أخرى، كاتفاقيات جنيف وبروتوكوليها الإضافيين فإنها هنا لا تستطيع التحلُّل من التزاماتها باحترام حقوق الإنسان المقررة في العهدين الدوليين، استناداً إلى رخصة التحلًّل بموجب المادة الرابعة منهما، إذا ما كانت هذه الحقوق التي يجوز التحلُّل منها، منصوص عليها في الاتفاقيات الأخرى المرتبطة بها هذه الدولة إذا كانت في حالة من حالات الطوارئ العامة.
أي بتعبير آخر: إذا كان للدولة التحلُّل من بعض التزاماتها المقررة في العهدين الدوليين، بموجب المادة الرابعة منهما، فليس لها في جميع الأحوال، التحُّلل من التزاماتها بموجب أحكام القانوني الدولي الإنساني . ، وبموجب هذا القيد سيكون على الدول إن تحترم من جهة التزاماتها بموجب اتفاقيات حقوق الإنسان أي أن تلتزم بعدم المساس بالحقوق ذات الحصانة من إمكانية التعليق ، من جهة أن تحترم قواعد القانون الدولي وتلتزم بها ومن بينها قواعد القانون الدولي الإنساني التي تمنح مجموعة من الحماية لمجموعة من حقوق الإنسان من خلال النص على عدم جواز المساس بها وضمان تمتع الأفراد بها خلال فترة النزاعات المسلحة ، التي من ميزاتها الأساسية إنها غير قابلة للتعليق ، وإنها اكثر من تلك التي أشير إليها في قانون حقوق الإنسان بأنها لا تقبل التعليق ، فقد منح القانون الدولي الإنساني حقوقا أخرى للأفراد في فترات النزاعات المسلحة لا تقبل التعليق وهي حق الإنسان في ملكيته حقه في الضمانات القضائية في أحوال القبض عليه أو اعتقاله أو محاكمته ولهذا الاختلاف فوائده في انه يجعل الدول تلتزم باحترام كل حقوق الإنسان الواردة في القانون الدولي الإنساني حتى إن كان بعضها يقبل التعليق بموجب اتفاقيات حقوق الإنسان التي هي اشمل وأوسع في تعدادها للحقوق المحمية ، وبذلك يكون القانون الدولي الإنساني اكثر شمولاً واطراداً في التطبيق وتوفيرا للحماية من قانون حقـوق الإنسان ، لأن الحماية المقررة فيه لم يرد بشأنها رخصة للتحلل منها في فترات وظروف استثنائية لأنها بالأصل أي قواعده وقد شرعت لتأمين حقوق الإنسان خلال أقسى الظروف الممثلة بفترات النزاعات المسلحة .

وهنا يمكن القول، أنَّ الحقوق المحمية بموجب اتفاقيات جنيف الأربع وبروتوكوليها الإضافيين، تتجاور بكثير الحقوق التي لا يجوز المساس بها، إستناداً إلى المادة الرابعة من العهدين الدوليين ” النواة الصلبة ”
فهي تقرر مجموعة كبيرة من الحقوق، إضافة إلى هذه الحقوق التي لا يجوز المساس بها، إذ تحمي الجرحى والغرقى والمرضى والأسرى والمعتقلين والمدنيين تؤمَّن لهم الكثير من الحقوق، مما أشرنا إليه في الفقرة السابقة.
لذلك نرى هنا، أنَّ الحماية المقررة في القانون الدولي الإنساني، ممثلاً باتفاقيات جنيف وبروتوكوليها، لا تتضمّن أي استثناء، كما ورد في المادة الرابعة من العهدين الدوليين، وغيرها من المواثيق المتعلقة بحقوق الإنسان، وذلك بجوار التحلُّل من الالتزامات في أوقات الطوارئ العامة.
فالحماية المقرَّرة بموجب أحكام القانون الدولي الإنساني، هي حماية عامة شاملة لأحكام القانون الدولي الإنساني، لأنه شًرّع أصلاً لحماية حقوق الإنسان، في أشد الظروف قساوة، وهو ظرف النزاع المسلح، وبالتالي، كان من الطبيعي ألاّ يشكَّل هذا الظرف، قيداً على تطبيق وتنفيذ أحكام هذا القانون ( )، في الوقت الذي تُعلَّق فيه الحقوق التي جاء بها القانون الدولي الإنسان، في ظرف النزاع المسلح، استناداً إلى رخصة التحلُّل التي جاءت بها المادة الرابعة من العهدين الدوليين مما يجعل الحماية المقرَّرة بموجب القانون الدولي الإنساني، هي أكثر شمولاً من تلك التي جاء بها القانون الدولي لحقوق الإنسان ( ).

المطلب الثالث: التداخل في الحمايه التي يوفرها القانونين

فالبرغم من وجود بعض وجوه الاختلاف والتمايز بين القانونين، كما أشرنا إلى ذلك سابقاً، إلا أن هنالك أيضاً بعض جوانب التقارب والتداخل بينهما، حتى يترائى من البحث في الحقوق التي يحميها القانونين ان ما يجمعهما أكثر مما يفرقهما ، وفي ذلك يقول جان بكتية. : ان قانون الحرب ( القانون الدولي الإنساني )) وحقوق الإنسان، يشكلان قانوناً واحداً يطلق عليه (( القانون الإنساني )) بالمعنى الواسع لهذه التسمية، ويؤكد ((بكتية )) أن هذين القانونيين متداخلان رغم أنهما متمايزان، ويجب أن يظلا كذلك ( ).
كما يظهر التأثير الواضح لحقوق الإنسان على القانون الدولي الإنساني ، خاصة بعد إنشاء هيئة الأمم المتحدة، ففي الوقت الذي تم فيه وضع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، من قبل الجمعية العامة عام 1948، كانت اللجنة الدولية للصليب الأحمر، تضع اللمسات الأخيرة على مسودات اتفاقيات جنيف، التي تم تبنيها في العام التالي ( 1949 )، حيث جاءت متضمنة الكثير من الحقوق التي جاءت في الإعلان ( ) كما عملت الأمم المتحدة،على تعزيز حماية حقوق الإنسان أثناء النزاعات المسلحة، حيث اتخذت اللجنة الفرعية لمنع التمييز وحماية الأقليات، قرارها رقم ( 1989/24 ) الذي أدانت فيه افتقاد احترام القانون الدولي الإنساني، وقانون حقوق الإنسان أثناء النزاعات المسلحة، وأيضاً اتخذ مجلس الأمن قراره رقم ( 237 ) لعام 1997 الذي أكد فيه ضرورة احترام حقوق الإنسان، من قبل كافة أطراف النزاع المسلح، وضرورة التزامها بأحكام اتفاقيات جنيف ( ).

ثم جاء بعد ذلك المؤتمر الدولي لحقوق الانسان في طهران عام 1968 تحت عنوان (( احترام حقوق الإنسان في النزاعات المسلحة )) حيث اتخذ المؤتمر القرار رقم ( 23 ) الذي طالب فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة، بدعوة الأمين العام لدراسة:
(أ) – الخطوات التي يمكن أن تتخذ لضمان تطبيق أفضل لاتفاقيات القانون الدولي الإنساني، وقواعده في كل النزاعات المسلحة.
(ب)- الحاجة إلى اتفاقيات إنسانية دولية، او إلى مراجعة للاتفاقيات الموجودة لضمان حماية أفضل للمدنيين والأسرى والمحاربين في كل النزاعات المسلحة والحد من وحظر استعمال وسائل حربية معينة )) ( ) .

ومن هنا بدأ اهتمام الأمين العام للأمم المتحدة، بحقوق الإنسان في النزاعات المسلحة، وذكرها في تقاريره السنوية، حيث نجد في تقريره لعام 1970 تعرُّض لمسألة تطبيق اتفاقيات حقوق الإنسان وخاصة العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية في النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية ( ) .

وقد اتخذت الجمعية العامة في عام 1970 عدداً من القرارات ذات الصلة بالقانون الدولي الإنساني منها ( ) :

– إن حقوق الإنسان كما وردت في القانون الدولي، والمواثيق الدولية واجبة النفاذ في النزاعات المسلحة.
– إن المناضلين في حركات التحرر، والمقاتلين من أجل الحرية يجب أن يعاملوا كأسرى حرب عند القبض عليهم.
– حظر قصف السكان المدنيين أو استخدام الأسلحة الكيماوية والبكتربولوجية.
– إن المرضى وذوي الإصابات الخطرة، من أسرى الحرب، يجب إعادتهم إلى أوطانهم أو تسليمهم إلى دولة محايدة، وكذلك من قضوا في الأسر مدداً طويلة.
– ضرورة المعاملة الإنسانية للأسرى المتمتعين بحماية اتفاقية جنيف الثالثة، وأهمية التفتيش الدولي على أماكن احتجازهم، بواسطة المنظمات الإنسانية، كاللجنة الدولية للصليب الأحمر.
– يجب ألاّ تكون أماكن الإيواء واللجوء والمستشفيات، وغيرها هدفاً لأية عمليات عسكرية.
وبعد ذلك عقد المؤتمر الدبلوماسي حول تأكيد وتطوير القانون الدولي الإنساني، المطبق في النزاع المسلح من عام 1974 إلى 1977، وانتهى بعقد البروتوكولين الإضافيين لاتفاقيات جنيف وذلك في عام 1977، واللذين احتويا الكثير من حقوق الإنسان، خصوصاً الحقوق المدنية والسياسية، مثل حظر التعذيب والمعاملات اللاإنسانية والقاسية وغيرها.
حتى في مجال النزاعات المسلحة الداخلية، والتي نظمها البروتوكول الثاني، نجد تشابهاً في الحقوق التي يتضمنها كل من البروتوكول والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية.

فهذا البرتوكول يسري على جميع الأشخاص دون تمييز مجحف بسبب اللون أو العنصر أو الجنس أو اللغة أو الدين أو أية معايير أخرى، ( م 2/1 البروتوكول ). وهذا ما جاء به العهد الدولي في المادة الثانية، الفقرة الأولى، التي تعبر عن مبدأ عدم التمييز، والمعاملة المتساوية للأفراد.

وهناك مواد أخرى متشابهة بين البروتوكول الثاني، والعهد الدولي الأول، مثل المادة الرابعة من البروتوكول التي تحظر انتهاك الحياة والصحة والسلامة العقلية والجسدية، فهي مشابهة لما جاء في العهد الدولي الأول وأيضاً المادة السادسة من البروتوكول التي تتكلم عن عدم جواز تنفيذ الأحكام وفرض العقوبات دون محاكمة سابقة، وعدم رجعية القوانين الجنائية، وغيرها مما يتعلق بالمحاكمة. أيضاً جاءت مشابهة لما ورد في العهد الدولي الأول، خصوصاً المادة ( 15 ) منه ( ).
ومن هنا تتبين تأثير العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية على البروتوكولين الإضافيين، وبالتالي تأثير حقوق الإنسان على القانون الدولي الإنساني.

وقد تتابع دور الأمم المتحدة لحماية المدنيين أثناء النزاعات المسلحة، وخاصة الفئات الضعيفة، كالأطفال والنساء. ففي عام 1999 انعقد مجلس الأمن آنذاك بمبادرة من رئيس المجلس عندها وهو وزير خارجية كندا، تحت عنوان (( حماية المدنيين في النزاعات المسلحة )) وعندما انتهى المجلس من المداولات، أصدر رئيس المجلس بيناً نيابة عن المجلس، عبّر فيه القلق الكبير حيال ارتفاع عدد الضحايا من المدنيين في النزاعات المسلحة، وأنهم أصبحوا يشكلون الغالبية من الضحايا، وقد عبَّر عن قلق خاص، فيما يتعلق بالأثر الضار للنزاعات المسلحة على الأطفال.

وقد دعا المجلس جميع الأطراف، للتنفيذ الصارم لالتزاماتها بموجب اتفاقيات جنيف لعام 1949 وبروتوكوليها الإضافيين لعام 1977، وأدان المجلس الاستهداف المتعمد من قبل المتحاربين للمدنيين في أثناء النزاعات المسلحة، وأيضاً بأن يضع جميع الأطراف حداً للانتهاكات التي تقع على القانون الدولي الإنساني، وقانون حقوق الإنسان. حتى في مجال المحاكمات التي أجريت بعد انتهاء الحروب، كما كان للقانون الدولي لحقوق الإنسان – تأثيره، ففي حين كانت محاكمات (( نورمبرغ )) و(( طوكيو )) عبارة عن عدالة المنتصر، والتي كانت بنودها قوانين حرب بشكل أساسي، ولا يجوز استئناف الحكم بعد صدوره، حيث كان قطعياً، نجد أن محاكم (( يوغسلافيا )) السابقة لعام 1993 و (( راوندا )) لعام 1994، وكذلك المحكمة الجنائية الدولية، تقر (( حق الاستئناف )) وبذلك تأتي منسجمة مع الفقرة (5) من المادة ) ( 14) من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، والتي تنص على أنّ (( كل شخص يدان بجريمة له الحق بأن ينظر في حكمه من قبل محكمة أعلى طبقاً للقانون )) وهنا يتبين لنا تأثير القانون الدولي لحقوق الإنسان ومدى الإنجاز الذي حققه في هذا المجال .

من خلال هذا العرض، نلاحظ اتساع نطاق القانون الدولي لحقوق الإنسان، ليشمل المنازعات المسلحة، وإنَّ كل من القانونين يسيران بشكلٍ جدي وسريع نحو الانصهار في قانون واحد، مع وجود بعض جوانب التميز بينهما.

الفصل الثالث: آليات تنفيذ القانونين

للوقوف على نقاط الاختلافات بين آليات تنفيذ كل من القانونين، لابُّد من استعراض هذه الآليات بشيء من الإيجاز. وهذا ما سأعرض له هنا. مبتدءاً بآليات تنفيذ القانون الدولي الإنساني.

المبحث الاول: آليات تنفيذ القانون الدولي الإنساني

يتعين اتخاذ تدابير عده لكفالة احترام القانون الدولي الإنساني. ويمكن أن نقسم هذه الآليات بحسب وظيفتها، ووقت اتخاذها إلى ثلاثة وسائل :الأولى يمكن أن نسميها آليات الوقاية، وتكون قبل وقوع النزاع المسلح. والثانية آليات الإشراف والرقابة، وتكون أثناء النزاع المسلح. اما الثالثة فيمكن ان نطلق عليها آليات القمع وترتيب المسؤولية على خرق أحكام القانون الدولي الإنساني، وتكون أثناء وبعد وقوع النزاع المسلح.

المطلب الاول: آليات الوقاية

وهي تشمل عدة آليات تباشر مهمتها وقت السلم وقبل حدوث النزاع المسلح، أهمها:
أ- التزام الدول جميعاً باحترام القانون الدولي الإنساني: فهذا الواجب، هو من أهم الإلتزامات المفروضة على عاتق الدول الأطراف، حيث تنص المادة الأولى المشتركة من اتفاقيات جنيف والفقرة الأولى من المادة الأولى من البروتوكول الأول على أن ” تتعهد الأطراف السامية المتعاقدة.، بأن تحترم هذه الاتفاقية، وتكفل احترامها في جميع الأحوال “.
فهناك التزام عام على عاتق جميع الدول باتخاذ جميع التدابير والإجراءات اللازمة لتأمين احترام أحكام هذه الاتفاقيات. ، كما أكد هذا الاتجاه البروتوكول ( اللحق ) الإضافي الأول لعام 1977 ، فنجد أن المادة 80 من هذا البروتوكول تنص بوجه عام على ما يلي :
إجراءات التنفيذ
1- تتخذ الأطراف السامية المتعاقدة وأطراف النزاع دون إبطاء، كافة الإجراءات اللازمة لتنفيذ التزامها بمقتضى الاتفاقيات وهذا اللحق ” البروتوكول “،
2- تصدر الأطراف السامية المتعاقدة وأطراف النزاع الأوامر والتعليمات الكفيلة بتأمين احترام الاتفاقيات وهذا اللحق ” البروتوكول، كما تًشرف على تنفيذها “.

ب- التعريف بأحكام القانون الدولي الإنساني: ويتم ذلك من خلال نشر أحكام هذا القانون، حيث توجد مادة متطابقة بصفة أساسية في كل من الاتفاقيات الأربع ( المواد 47 و 48 و 127 و 144 ) تنص على أن تتعهد الأطراف السامية المتعاقدة ” بأن تنشر نص هذه الاتفاقية على أوسع نطاق ممكن في بلدانها، في وقت السلم كما في وقت الحرب، وتتعهد بصفة خاصة بإدراج دراستها ضمن برامج التعليم العسكري، والمدني إذا أمكن، بحيث تصبح المبادئ التي تتضمنها معروفة لجميع السكان، وعلى الأخص للقوات المقاتلة المسلحة، وأفراد الخدمات الطبية والدينية “.

ويتناول البروتوكول الأول نفس الفكرة 1 من المادة 83 التي تنص على أن :
1- ” تتعهد الأطراف السامية المتعاقدة بالقيام في زمن السلم وكذا أثناء النزاع المسلح بنشر نصوص الاتفاقيات ونص هذا اللحق ” البروتوكول “، على أوسع نطاق ممكن في بلادها، وبإدراج دراستها بصفة خاصة ضمن التعليم العسكري، وتشجع السكان المدنيين على دراستها حتى تصبح هذه المواثيق معروفة للقوات المسلحة وللسكان المدنيين “.
ومن الواضح بجلاء أن هذا الالتزام بالنشر على نطاق العام التزام أساسي. ويفرض القانون الدولي الإنساني التزامات على كل فرد ينتمي إلى طرف من أطراف النزاع، ومع ذلك لابد لكل فرد من ان يكون مدرباً على العمل بما يتفق وأحكام هذا القانون إذا هو واجه أحداثاً تستدعي تطبيقه. إن المقاتلين والجمهور العام لا يحتاجون أكثر من أن يعرفوا النصوص الخاصة التي يمكن أن تعنيهم بشكل مباشر، لا أن يلموا بمجموعة الأحكام والقواعد التي يتأبف منها القانون. كما يتوجب التركيز على أن الاتفاقيات الأربع والبروتوكولين ( اللحقين ) الإضافيين ينصون على ضرروة أداء مهمة النشر في وقت السلم أيضاً. فلابد أن يشكل أداء هذه المهمة جزءاً من استعداد كل فرد لمواجهة نشوب الحرب. إذ لا يتعين الانتظار إلى أن يشتعل النزاع المسلح للشروع في تنظيم تدريب عسكري أو بناء مراكز للإيواء. ويجب أن ينطبق نفس الشيء على نشر القانون الإنساني، الأمر الذي لا يمكن تحقيقه بصورة كاملة إلا في وقت السلم. ولا يزال أمام غالبية الدول طريق طويل عليها أن تجتازه في هذا الاتجاه.
وهناك إلتزام متبادل يقع على عاتق الدول، وذلك بتبادل التشريعات الوطنية، التي سنَّتها لاحتواء القانون الدولي الإنساني في نظامها القانون الوطني. ( م/48/49/128/145، من الاتفاقيات / م 84 من البروتوكول ) وأيضاً عليها إلتزام بتبادل التراجم للإتفاقيات والبروتوكول الأول.

ج- واجبات القادة: القادة أو المسؤولون ملزمون بالتعريف بالقانون الدولي الإنساني، ونشر قواعده بين أفراد القوات المسلحة. لذلك يجب عدم تجاوز أية حدود لا يقرها أو يحظرها القانون الدولي الإنساني وعلى كل قائد عسكرى أن يتخذ الاحتياطات الازمة المنصوص عليها في المادة 57 من الملحق (البروتوكول ) الأول لاتفاقيات جنيف .
إن من أبجديات العسكرية أن أية معركة لاتبدأ إلا إذا توافرت التقارير الاستخبارتية وهى جمع المعلومات عن قوة العدو العسكرية والاقتصادية ومراكز تجمعاته كما أن الخرائط تلعب دورا أساسيا في المعركة لذلك على جميع العاملين العسكريين في مراكز العمليات بذل رعاية متواصلة من أجل تفادى السكان المدنيين والأشخاص والأعيان المدنية وفقا للمعلومات المتوفرة . ( )
لذلك يجب على القائد في الميدان ليس فقط الامتناع عن ارتكاب الانتهاكات الجسيمة بل عليه الواجبات التالية وفقا للمادة 87 من الملحق ( البروتوكول الأول ) .

أ‌- منع الانتهاكات الواردة في اتفاقيات جنيف الأربع ولهذا الملحق ( البروتوكول ) .
ب -قمع هذه الانتهاكات وإبلاغها إلى السلطات المختصة وهي الشرطة العسكرية والقضاء العسكري فيما يتعلق بأفراد القوات المسلحة الذين يعملون تحت إمرته وغيرهم ممن يعملون تحت إشرافه .
ج- التأكد من أن أفراد القوات الذين يعملون تحت إمرته على بينة من التزاماتهم كما تنص عليها الاتفاقيات وهذا الملحق ( البروتوكول) وذلك بغية منع وقمع الانتهاكات .
د- أن يكون على بينة أن بعض مرءوسيه أو أي أشخاص آخرين خاضعين لسلطته على وشك أن يقترفوا انتهاكات للاتفاقيات أو لهذا الملحق ( البروتوكول ) وأن يطبق الإجراءات اللازمة ليمنع مثل هذا الخرق للاتفاقيات أو لهذا الملحق ( البروتوكول ) .
هـ- أن يتخذ عندما يكون ذلك مناسبا إجراءات تأديبية أو جنائية ضد هذه الانتهاكات . إن اخذ الاحتياطات اللازمة أثناء الهجوم واتخاذ الإجراء اللازم وفقا لواجبات القادة في الميدان نابع من كون أن الاتفاقيات تصبح قانوناً بعد التصديق عليها وفقا للإجراءات الدستورية وإصدارها من قبل رئيس الدولة، وإن رئيس الدولة في جميع الأنظمة السياسية يعتبر القائد الأعلى للقوات المسلحة لذلك يجب تضمين هذه الواجبات في أوامر العمليات العسكرية وتكون طاعتها ملزمة ومخالفتها جريمة تستوجب العقاب، وإن المسؤولية الجنائية لا تقع فقط على المرؤوسين بل على الرؤساء أيضا( ) , ووفقا لما نصت عليه المادة 86 من الملحق ( البروتوكول ) الأول وهي :

أ- تعمل الأطراف السامية المتعاقدة أطراف النزاع على قمع الانتهاكات الجسيمة واتخاذ الإجراءات اللزمة لمنع كافة الانتهاكات الأخرى للاتفاقيات ولهذا الملحق ( البروتوكول ) التى تنم عن التقصير .
ب- لا يعفى أى مرؤوس بانتهاك الاتفاقيات أو هذا الملحق ( البروتوكول ) رؤساءه من المسؤولية الجنائية أو التأديبية حسب الأحوال إذا علموا أو كانت لديهم معلومات تتيح لهم في تلك الظروف أو يخلصوا إلى أنه كان يرتكب أو أنه فى سبيله لارتكاب مثل هذا الانتهاك ولم يتخذوا كل ما فى وسعهم من إجراءات مستطاعة لمنع أو قمع هذا الانتهاك.

د- تدريب عاملين مؤهلين: يدعو البروتوكول الأول في الفقرة 1 من المادة 6 الأطراف السامية المتعاقدة إلى أن تسعى في زمن السلم أيضاً ” لإعداد عاملين مؤهلين بغية تسهيل تطبيق الاتفاقيات وهذا اللحق ( البروتوكول ) وخاصة فيما يتعلق بنشاط الدول الحامية “.
حيث تستعين الدول بالجمعيات الوطنية للهلال والصليب الأحمر، لمساعدتها في إعداد هؤلاء الأشخاص المؤهلين، القادرين على إعطاء المشورة للسلطات في بلادهم ( ).وإفادة الدول الحامية من خبراتهم.
هـ- المستشارون القانونيون في القوات المسلحة: نظراً لتشعب أحكام القانون الدولي الإنساني وتطورها فإن ذلك يستوجب الكثير من الخبرة والتخصص لدى فئات معينة. وهذا ما يُلزَّم القوات المسلحة باللجوء إلى استشارة الخبراء وطلب معونتهم ( ).
حيث نصت المادة (82) من البروتوكول الإضافي الأول على أن: (( تعمل الأطراف السامية المتعاقدة دوماً، وتعمل أطراف النزاع أثناء النزاع المسلح، على تأمين توفر المستشارين القانونيين، عند الأقتضاء، لتقديم المشورة للقادة العسكريين على المستوى المناسب، بشأن تطبيق الاتفاقيات وهذا اللحق ( البروتوكول ) وبِشأن التعليمات المناسبة التي تُعطى للقوات المسلحة فيما يتعلق بهذا الموضوع “. بغية عرض كل خطة عسكرية تتطلب الهجوم على مواقع العدو على المستشار القانونى العسكرى وبيان الهدف من الهجوم والمواقع المراد مهاجمهتها أو قصفها ونوع السلاح المستخدم وكذلك الذخيرة لبيان فيما إذا كانت تلك الإجراءات المتخذة للهجوم متوافقة وغير مخالفة لقانون الحرب، كما أن للقادة واجبات بمنع الانتهاكات الجسيمة ومنها .

المطلب الثاني :آليات الإشراف والرقابة

بما أن الأطراف السامية تلتزم التزاماً دائماً باحترام الاتفاقيات التي وافقت عليها ووقعتها، فإن الضرورة الواضحة بجلاء تقتضى أن تتخذ تلك الأطراف التدابير اللازمة لتأمين احترام القانون. لاسيما في حالة النزاع. وإزاء النظام العالمي الراهن، لابد لأي نظام من آليات للرقابة أو إشراف لوضع حدلاي انتهاك لهذه الاتفاقيات .
لكن عند حصول انتهاكات لإحدى قواعد هذه الاتفاقيات فمن واجب الدول عندئذٍ، وضع حد لهذه الانتهاكات، وهذا ما نصت عليه الاتفاقيات الأربع البروتوكول الأول: ( م: 49 / 3، 50 / 3، 129 / 3، 146 / 3 من الاتفاقيات الأربع والبروتوكول الأول ).

أ-إلتزامات القادة العسكريين:

تنص الفقرتين 1 و 3 من المادة ( 87 ) من البروتوكول الإضافي الأول على إلتزامات القادة العسكريين بصورة واضحة وعلى النحو التالي :
1- ” يتعين على الأطراف السامية المتعاقدة وعلى أطراف النزاع أن تكلف القادة العسكريين بمنع الانتهاكات للاتفاقيات ولهذا اللحق ( البروتوكول )، وإذا لزم الأمر بقمع هذه الانتهاكات وإبلاغها إلى السلطات المختصة، وذلك فيما يتعلق بأفراد القوات المسلحة الذين يعملون تحت أمرتهم وغيرهم ممن يعملون تحت إشرافهم “.
2- ” يجب على الأطراف السامية المتعاقدة وأفراد النزاع أن يطلبوا من كل قائد يكون على بينة من أن بعض مرؤوسيه، أو أي أشخاص آخرين خاضعين لسلطته، على وشك أن يقترفوا انتهاكات للاتفاقيات أو لهذا اللحق ( البروتوكول ). وأن يتخذ، عندما يكون ذلك مناسباً، إجراءات تأديبية أو جنائية ضد مرتكبى هذه الانتهاكات “.
فالبروتوكول يضع على عاتق القادة العسكريين مسؤوليات كبيرة، بمنع وقوع الانتهاكات، وقمعها عند وقوعها، وذلك باعتبارهم على إطلاع لما يجري على أرض الواقع، بحسب موقعهم ومناصبهم التي يشغلونها.
ب‌- الدول الحامية:
” الدولة الحامية ” هي ” دولة تكفلها دول أخرى ( تعرف باسم دولة المنشأ ) برعاية مصالحها ومصالح مواطنيها حيال دولة ثالثة ( تعرف باسم دولة المقر ) ” ( ).

بحيث تعيّن الدولة الحامية من غير موظفيها الدبلوماسيين، لدى الدولة الطرف في النزاع، مبعوثين من رعاياها أو من رعايا دولة محايدة أخرى، بشرط موافقة الدولة التي سيؤدون واجباتهم لديها، وتلتزم أطراف النزاع بتسهيل مهمتهم إلى أقصى حد ممكن، بشرط ألاّ يتجاوزوا حدود مهمتهم، وعليهم مراعاة أمن الدولة التي يقومون بواجباتهم لديها، وليس لهذه الدولة تقييد نشاطهم، إلاَّ إذا استدعت ذلك الضرورة الحربية، ولفترة مؤقتة واستثنائية. ( م: 8، 8، 8، 9 من الاتفاقيات و م 5/1 من البروتوكول الأول ) فالدول الحامية تسهر على تطبيق أحكام القانون الدولي الإنساني، فيما يتعلق برعايا الدولة التي انتدبتها لهذه المهمة، وخاصة فيما يتعلق بالأسرى، والمعتقلين والمدنيين الموجودين على أرض الدولة المعادية.
أيضاً يشمل نظام الدول الحامية، البديل في حال عدم توافق أطراف النزاع على دولة حامية، ففي هذه الحالة، يمكن لأطراف النزاع أن يتعهدوا إلى دولة محايدة، أو هيئة محايدة، القيام بمهام الدولة الحامية، وإذا لم يتوفر ذلك، فعلى أطراف النزاع أن يطلبوا إلى هيئة إنسانية كاللجنة الدولية للصليب الأحمر القيام بالمهام الإنسانية التي تؤديها الدول الحامية، أو أن تقبل الدول أطراف النزاع بهذه الهيئة إذا هي عرضت خدماتها. ( /: 10، 10، 10، 11 ) من الاتفاقيات و م 5/4 من البرتوكول الأول ).
ج) اللجنة الدولية للصليب الأحمر:
باعتبار اللجنة الدولية للصليب الأحمر، أُنشئت أساساً لمساعدة ضحايا المسلحة، فإنها وثيقة الصلة بالقانون الدولي الإنساني، تعمل على تأمين تطبيق أحكامه، في ظرف النزاع المسلح الدولي أو غير الدولي، وقد اعترفت لها بذلك اتفاقيات جنيف وبروتوكوليها: ( م 9، 9، 9، 10 من الاتفاقيات و م 3 المشتركة من الاتفاقيات و م / 8 من البرتوكول الأول و م 18 من البروتوكول الثاني ).
وتقوم اللجنة الدولية للصليب الأحمر بلفت انتباه أطراف النزاع، إلى أي انتهاك لقواعد القانون الدولي الإنساني، خصصواً إذا علمنا، أنها تستطيع مباشرة مهامها لدى كل طرف واحد، وتكون أيضاً على اتصال بالضحايا والأسرى المعتقلين والمدنيين الواقعين تحت الاحتلال.
ولا يقتصر عمل اللجنة على وقت الحرب، وإنما تعمل على نشر أحكام هذا القانون في وقت السلم والحرب معاً، سواء من خلال المنشورات المتخصصة التي تصدرها أو الندوات التي تعقدها أو الدورات التدريبية التي تجريها أو المؤتمرات التي تدعو لعقدها بالتعاون مع جميعات الهلال والصليب الأحمر ( ) .
يمكن للجنة الدولية للصليب الأحمر أن تعمل بموجب نظام الدول الحامية، بصفتها البديل أو ” شبه البديل “، أو ان تعمل بصفتها الشخصية خارج حدود هذا النظام.
والواقع أنه منذ اعتماد اتفاقيات جنيف، لم يحدث أن تم تعيين أية منظمة لكي تعمل كبديل ؛ وأن اللجنة الدولية للصليب الأحمر قد برهنت فيه الكفاية على عدم تحيزها وفعاليتها وكفاءتها؛ وأنه في عام 1977، ساقها الذين صاغوا البروتوكول (اللحق) الإضافي الأول كمثال لمنظمة ” تتوفر فيها كل ضمانات الحياد والفعالية ” ( الفقرة 4 من المادة 5)، الأمر الذي يبين بوضوح أنه بمقدور اللجنة الدولية للصليب الأحمر أن تعرض خدماتها لكي تضطلع بمثل هذا الدور ( ).
ومن المهم القول انه طُرحت في مناسبات مختلفة فكرة إنشاء جهاز لغرض واحد فقط هو المراقبة ومتابعة تطبيق القانون الدولي الإنساني في زمن النزاعات المسلحة ، أو أن يُعهد بهذه المهمة إلى جهاز موجود بالفعل. ولكن لم يحدث قط أن خلص هذا التناول إلى شيء حتى انتهى المؤتمر الدبلوماسي للفترة من 1974 إلى 1977 إلى رفض الفكرة تماماً. ( )

المطلب الثالث : قمع انتهاكات القانون الدولي الانساني

إذا لم تكن الدول الأطراف في اتفاقيات جنيف ملزمة بوضع حد لانتهاكات الاتفاقية، فإنها ملزمة بالرد على تلك الانتهاكات التي تعرف بأنها مخالفات جسيمة وتدرج ضمن جرائم الحرب.
وبعبارة أدق، فإنه في حالة وقوع مخالفة جسيمة يكون من المطلوب تطبيق ذلك القول المأثور الذي يدعو إلى ” التسايم أو المحاكمة “، على أن يختار الطرف المتعاقد بين ملاحقة مقترفى هذه المخالفات الجسيمة إلى محاكمهم أو تسليمهم ” لكي يتولى محاكمتهم طرف سام متعاقد آخر يكون معنياً بالأمر، شريطة أن تتوفر لدى الطرف المذكور أدلة تهام كافية ضد هؤلاء الأشخاص ” (المادة المشتركة 49و50و129و146، على الترتيب، من اتفاقيات جنيف الأربع ).
وتورد كل اتفاقية من اتفاقيات جنيف الأربع قائمة بالمخالفات الجسيمة (في المواد 50و51و130و147، على الترتيب، من اتفاقيات جنيف الأربع. وتكمل هذه القائمة الفقرة 4 من المادة 11، والفقرتان 3و4 من المادة 85، من البروتوكول ( اللحق) الإضافي الأول.
كما يرد نص صريح بأن صريح التقصير في أداء عمل واجب الأداء يمكن أن يشكل مخالفة جسيمة ( المادة 86 من البروتوكول ). وتتحمل الأطراف المتعاقدة مسؤولية إدراج تلك الأحكام السارية المفعول في الوقت الراهن ضمن تشريعها الوطني، سواء عن طريق سن قوانين بها، أو بإدراجها كما هي.
ويعد الالتزام بقمع الانتهاكات والمخالفات الجسيمة التزاماً مطلقاً ينبغي ألا يؤثر عليها شيء، ولا حتى اتفاق يبرم بين الأطراف المعنية ( انظر المادة المشتركة 51و52و131و148، على الترتيب، من اتفاقيات جنيف الأربع ).

اولا: الآليات الدوليه في قمع انتهاكات القانون الدولي الانساني :

نبحث في هذا الجزء من الدراسه قمع انتهاكات القانون الدولي الانساني في ظل اتفاقيات جنيف والبروتوكولات الملحقه بها وقمع هذه الانتهاكات في ظل القانون الدولي الجنائي.

1- في ظل اتفاقيات جنيف والروتوكولات الملحقه به

اعتبرت اتفاقيات جنيف لعام 1949م الرؤساء والقاده مسؤولين بوصفهم فاعلين اصليينً اذا كانوا قد اصدروا امراً بارتكاب احدى الجرائم الجسيمة، خلافاً لما تقضي به القواعد العامة، التي تقضي باعتبار الرئيس شريكاً في الجريمة التي يرتكبها المرؤوس كما تنص الفقرة 2 من المادة 86 من البروتوكول الأول على ما يلي :

” لا يعفى قيام أي مرؤوس بانتهاك الاتفاقيات أو هذا اللحق ” البروتوكول ” رؤساءه من المسئولية الجنائية أو التأديبية، حسب الأحوال، إذا علموا، أو كانت لديهم معلومات تتيح لهم في تلك الظروف، أن يخلصوا إلى أنه كان يرتكب، أو أنه في سبيله لارتكاب مثل هذا الانتهاك، ولن يتخذوا كل ما في وسعهم من إجراءات مستطاعة لمنع أو قمع هذا الانتهاك.

وهذه المادة لها أهميتها حيث تطرح موضوع المسؤولية الجنائية الفردية. ومع ذلك، فلا يمكنها أن تفرض عقوبات في مجال تكون فيه الأطراف المتعاقدة هي وحدها صاحبة الاختصاص في أن تفعل ذلك، وهو حالات الانتهاكات والمخالفات غير الجسيمة، للاتفاقيات أو للبرتوكول الأول. أما في حالات الانتهاكات والمخالفات الجسيمة، فإن تلك التي تشكل فيها النية أو الغرض عاملاَ مكوناً ينبغي تناولها بالفحص الدقيق، ولا يمكن اعتبار المسؤول الكبير مذنباً في هذا السياق ما لم يتوفر دليل إثبات على ذلك.
وأخيراً، تطالب الفقرتان 1و3 من المادة 87 من البروتوكول الأول بأن يُكلف القادة العسكريون بمنع الانتهاكات، وإذا لزم الأمر، بقمع هذه الانتهاكات وإبلاغ السلطات المختصة بأنهم لم يتمكنوا من منع مرؤوسهم من اقتراب هذه الانتهاكات.
كما تم التركيز على الدور الأساسي للقادة العسكريين. ومع ذلك، لابد أن يكون من الواضح أن دور القادة العسكريين في مواجهة الانتهاكات لا يمكن أن يتجاوز حدود الدور التأديبي، أو دور المنع، وأن فرض العقوبات الجزائية مسألة من اختصاص السلطات وفقاً لما يقضي به التشريع الوطني.

وفضلاً عن ذلك، وفيما يتصل بأسرى الحرب، والمعتقلين المدنيين أو سكان الأراضي المحتلة، لا يركز القانون الإنساني بطبيعة الحال على العقاب، لكنه يركز بالأحرى على الضمانات القانونية وغيرها من الضمانات التي يتعين تقديمها ؛ والخطر الواجب الواجب تفاديه في مثل هذه الحالات، هو التجاوزات ضد الأشخاص غير المحميين وليس التساهل مع مرتكبى الانتهاكات والمخالفات.
ويشترط لمسؤولية الرئيس او القائد عن افعال مرؤوسه ان يكون الاخيرين خاضعين لسلطة الرئيس أو سيطرته الفعلية، وان تقع الجريمة الدولية بسبب عدم ممارسة الرئيس سلطته وسيطرته على هؤلاء المرؤوسين.
ومسؤولية القاده والرؤساء عن هذه الانتهاكات انما تتقرر من خلال وسائل متعدده منها:

أ- التحقيق: ويتم بناءً على طلب أحد أطراف النزاع، فإنه يتعين فتح تحقيق حول أي انتهاك للاتفاقيات، وفي حال عدم التوصل إلى اتفاق حول إجراءات التحقيق، فإنه يتعين على الأطراف الاتفاق على تعيين محكم، تكون مهمته وضع الإجراءات التي يجب أن تتبع من قبل أطراف النزاع فقط.
وإذا ما تبيَّن أنَّ هنالك خرق الاتفاقيات، فإنه يتعين على أطراف النزاع وضع حد لهذا الانتهاك وقمعه بأسرع وقت ممكن. ( م: 52، 53، 132، 149 من الاتفاقيات ).

ب- لجنة تقصي الحقائق: تقضي المادة ( 90 ) من البروتوكول الأول، بتشكيل لجنة تقصي حقائق تكون مهمتها:
– التحقيق في أي عمل يوصف بأنه خرق أو انتهاك جسيم حسب ما ورد في الاتفاقيات والبرتوكول.
– تسهيل العودة إلى الالتزام بأحكام الاتفاقيات والبرتوكول بفضل ما تبذله من مساعٍ حميدة.
وهي تتألف من خمسة عشر عضواً، يكونون من أصحاب الاختصاص والخبرة، ويكون مشهوداً لهم بالحياد، يجري انتخابهم بالاقتراع السري لمدة خمس سنوات مع مراعاة التمثيل الجغرافي:

تُشكَّل اللجنة غرفة تحقيق مؤلفة من سبعة أعضاء، حيث تطلب الغرفة من الأطراف تقديم المساعدة لها، وتقديم الأدلة، ولها أن تبحث عن الأدلَّة من تلقاء ذاتها، ثم تعرض اللجنة تقريراً بالنتائج التي توصلت إليها غرفة التحقيق، مع التوصيات التي تراها مناسبة، ويكون التقرير سريَّاً إلا إذا طلب أطراف النزاع نشرة، وتموَّل اللجنة من اشتراكات الأطراف المتعاقدة، أما النفقات اللازمة لتغطية التحقيق فتتحملها أطراف النزاع.

وقد شُكلت اللجنة فعلاً، بعد موافقة عشرين دولة على قبول اختصاصها، وأقرت النظام الداخلي عام 1992 وفقاً لأحكام المادة ( 90 ) من البرتوكول الأول ( ) .
لذلك يجب عدم تجاوز أية حدود لا يقرها أو يحظرها القانون الدولي الإنساني وعلى كل قائد عسكرى أن يتخذ الاحتياطات الازمة المنصوص عليها في المادة 57 من الملحق (البروتوكول ) الأول لاتفاقيات جنيف . واخيرا فانه في حال انتهاك أحكام القانون الدولي الإنساني من قبل أحد أطراف النزاع، فإن ذلك لا يسوَّغ للطرف الآخر، المعاملة بالمثل، والقيام بأعمال انتقامية ( ). ( م: 46، 47، 13، 33 المشتركة والمواد 20 و 51 إلى 56 من البروتوكول الأول والمواد 4 إلى 17 من البرتوكول الثاني ) وقد فرقت اتفاقيات جنيف بين ” المخالفات البسيطة ” و ” المخالفات الجسيمة ” فالمخالفات البسيطة تتخذ بشأنها الدول الأطراف الإجراءات الإدارية أو التأديبية أو الجزائية ( ).
أما المخالفات الخطيرة، فقد عدّدتها اتفاقيات جنيف بشكل حصري، ويجب على كل طرف في النزاع ملاحقة المتهمين باقتراب مثل هذه المخالفات الجسيمة، وتقديمهم للمحاكمة، أو تسليمهم إلى طرف متعاقد آخر معني لمحاكمتهم، إذا توفرت لديه اتهامات كافية ضدهم. ( م: 49، 50، 129، 146 من الاتفاقيات و م 88 من البرتوكول ).

2- في ظل المحكمه الدوليه الجنائيه

اما في القانون الدولي الجنائي فقد تشكلت بعد الحرب العالمية الثانية محكمتي ” نورمبرغ و” طوكيو ” لمحاكمة مجرمي الحرب، وفي التسعينات من القرن الماضي شُكَّلت أيضاً محكمتي ” يوغسلافيا السابقة ” لعام 1993، و ” راوندا ” لعام 1994 بناء على قرارات مجلس الأمن، لمحاكة مرتكبي جرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية أثناء النزاعات المسلحة التي شهدها البلدان. الذان مهدتا لظهور المحكمه الدوليه الجنائيه لعام 1998 وقد افترض المشرع الدولي في المحكمه الدوليه الجنائيه المسؤولية الجنائية للرؤساء والقادة في عدة حالات ورد النص عليها في المادة (28) من النظام الاساسي للمحكمة الدولية الجنائية حيث ورد في النص (( بالاضافة الى ما هو منصوص عليه في هذا النظام الاساسي من اسباب أخرى للمسؤولية عن الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة:

1- يكون القائد العسكري أو الشخص القائم فعلاً بأعمال القائد العسكري مسؤولاً مسؤولية جنائية عن الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة والمرتكبة من جانب قوات تخضع لامرته وسيطرته الفعليتين، أو تخضع لسلطته وسيطرته على هذه القوات ممارسة سليمة.
أ- اذا كان القائد العسكري أو الشخص قد علم، او يفترض ان يكون قد علم، بسبب الظروف السائدة في ذلك الحين، بان القوات ترتكب أو تكون على وشك ارتكاب هذه الجرائم.
ب- اذا لم يتخذ ذلك القائد العسكري أو الشخص جميع التدابير اللازمة والمعقولة في حدود سلطته لمنع او قمع ارتكاب هذه الجرائم أو لعرض المسألة على السلطات المختصة للتحقيق والمقاضاة.
2- فيما يتصل بعلاقة الرئيس والمرؤوس غير الوارد وصفها في الفقرة 1، يسأل الرئيس جنائياً عن الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة والمرتكبة من جانب مرؤوسين يخضعون لسلطته وسيطرته الفعليتين نتيجة لعدم ممارسته على هؤلاء المرؤوسين ممارسة سليمة.
أ- اذا كان الرئيس قد علم أو تجاهل عن وعي أي معلومات تبين بوضوح ان مرؤوسية يرتكبون أو على وشك ان يرتكبوا هذه الجرائم.
ب- إذا تعلقت الجرائم بأنشطة تندرج في اطار المسؤولية والسيطرة الفعليتين للرئيس.
ج- اذا لم يتخذ الرئيس جميع التدابير اللازمة والمعقولة في حدود سلطته لمنع أو قمع ارتكاب هذه الجرائم أو لعرض المسألة على السلطات المختصة للتحقيق والمقاضاة.
وعلى ذلك فانه والى جانب مسؤولية المرؤوس أو الشخص الذي ارتكب الجريمة الدولية، فأن رئيس الدولة، أو القائد العسكري أو القائم باعمالهم يكون مسؤولاً جنائياً عن الجرائم التي تدخل في نطاق اختصاص المحكمة الدولية الجنائية، والمرتكبة من جانب القوات التي تخضع لامرة هؤلاء وسيطرتهم في حالتين.

الحالة الاولى: تتعلق بمسائله الرؤساء أو القادة عن افعال مرؤوسيهم الخاضعين لامرتهم وسيطرتهم الفعليتين عن الاعمال المرتكبة نتيجة تنفيذهم أوامر هؤلاء الرؤساء أو القادة. والتي تشكل جرائم دولية تدخل في اختصاص المحكمة الدولية الجنائية وكان الرئيس قد علم بالفعل أو يفترض علمه أو تجاهل بارادته معلومات تؤكد ان مرؤوسية ارتكبوا أو على وشك ان يرتكبو هذه الجرائم. ولم يتخذ الاجراءات المناسبة لمنع وقوع هذه الجرائم.
وهنا تنهض مسؤولية الرئيس حتى قبل ارتكاب مرؤوسية الجرائم الدولية، فالنص يفترض مسؤولية عندما توشك قواته على ارتكاب هذه الجرائم ولا يتخذ من الاجراءات ما يمنعها من ذلك.

الحالة الثانية: هنا يسأل الرئيس جنائياً عن افعال مرؤوسية على اساس الاشراف والسيطرة السليمتين على اعمال المرؤوسين.
حيث تتضمن هذه الحالة مسؤولية القادة أو الرؤساء جنائياً عن الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة والمرتكبة من مرؤوسين يخضعون لسلطة وسيطرة الرؤساء الفعليتين، نتيجة لعدم ممارسة هذه السيطرة ممارسة سليمة.
ومن المهم القول ان النظام الاساسي للمحكمة لم يعتد بالصفة الرسمية لمرتكب الجرائم الدولية كما ان الحصانة التي يتمتع بها بعض الاشخاص في الدولة لا تقف حائلاً دون اتخاذ الاجراءات ضدهم كما لا تعفيهم من المسؤولية.
وقد بينت ذلك بصراحة المادة 27 من النظام الاساسي للمحكمة التي نصت على (( 1- يطبق هذا النظام الاساسي على جميع الاشخاص بصورة متساوية دون أي تمييز بسبب الصفة الرسمية، وبوجه خاص، فان الصفة الرسمية للشخص، سواء كان رئيساً لدولة أو حكومة أو عضواً في حكومة أو برلمان أو ممثلاً منتخباً أو موظفاً حكومياً، لا تعفيه باي حال من الاحوال من المسؤولية الجنائية بموجب هذا النظام الاساسي، كما انه لا يشكل في حد ذاته سبباً لتخفيف العقوبة.

2- لا تحول الحصانات أو القواعد الاجرائية الخاصة التي قد ترتبط بالصفة الرسمية للشخص سواء كان في اطار القانون الوطني أو الدولي دون ممارسه المحكمة اختصاصها على هذا الشخص )).
ومن الجدير بالذكر انه يؤخذ على المادة (28) من النظام الأساسي ان هؤلاء القادة والرؤساء يمكنهم التهرب من المسؤولية بإتخاذ جميع الوسائل التي تمكنهم من نفي
العلم أو التجاهل أو بتقديمهم مايفيد إتخاذ الإجراءات اللازمة والمعقولة فضلاََ عن عدم تحديد الكيفية التي تكون الإجراءات فيها لازمة والمعقولة . إضافةََ لذلك فإن النظام الأساسي لم يحدد لنا الجهة التي تقرر هذا الأمر .أهي الدول والحكومات أم المحكمة الدولية الجنائية ؟ فهذا خلل في نظام روما الأساسي يثير إشكاليةََ تعيق تطبيق مبدا عدم الاعتدادبحصانةالرؤساءامام المحكمة.
ونقترح بهذا الشان تعديل المادة (28) من نظام روما الأساسي التي قررت مسؤولية القادة والرؤساء بإيراد نص يقضي بأن المحكمة الجنائية الدولية هي المختصة في تحديد ان الإجراءات كانت لازمة ومعقولة ، في ضوء الاحتياطات المنصوص عليها في الملحق (البروتكول) الاول لاتفاقيات جنيف .فإذا ترك الأمر للدول والحكومات فلا نضمن عدم إنحيازها لاسيما وأن هؤلاء المسؤولين قد يكونوا في مواقع قيادية عالية المستوى ، ومن ثم فمن الممكن أن يؤثروا في دولهم وحكوماتهم في إتخاذ القرارات والمواقف بهذا الشأن .

ثانيا: دور القضاء الجنائي الوطني في قمع انتهاكات القانون الدولي الانساني:

على المستوى الوطني يجب على كل طرف متعاقد، ملاحقة مجرمي الحرب لمحاكمتهم أمام القضاء، أو تسليمهم إلى دولة معنية لمحاكمتهم. ونرى ان من الضروري ان يتضمين القانون الوطني العراقي ( قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969) النص على الجرائم المنصوص عليها في نظام روما الأساسي ، ذلك ان هذا النظام نقَّح القانون الجنائي الدولي خاصه فيما يتعلق بتعريف جريمة الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الأنسانية ، فقد تبنت هذه التعريفات ((120)) دولة شاركت في مؤتمر روما .
لذلك فأنها تمثل وجهات نظر غالبية الدول فيما يتصل بالحالة الراهنة للقانون الجنائي الدولي ، كما ان الدول التي تُضمِّن قوانينها العقابية تعريف الجرائم الدولية كما نص عليها نظام روما تظهر دعمها وتمسكها بالأعراف والمعايير الدولية وفضلاََعن ذلك كله فإنه يشكل ضماناََ لأنعقاد الأختصاص القضائي للدولة على ما يرتكب فوق اقليمها من جرائم دولية وذلك سواء أَصدقت تلك الدولة على اتفاقية انشاء المحكمة الدولية الجنائية أم لم تصدق .

المبحث الثاني: آليات تنفيذ القانون الدولي لحقوق الإنسان

إذا كانت القوانين الداخلية قد اهتمت بحقوق الإنسان بقصد توفير وسائل حماية فعالة لها، فان النظام القانوني الدولي قد فعل الشيء نفسه بعد ان تكونت القناعة لدى دول العالم المختلفة ونظراً لما عاناه الإنسان في القرن العشرين تحديداً من ويلات وآلام نتجت عن حربين عالميتين فقد بدء اهتمام القانون الدولي بالفرد من خلال صيغ وأشكال مختلفة منها الاهتمام بتفاصيل الحقوق والحريات التي نادى بها المفكرون والفلاسفة وتبنتها الدساتير واعلانات الحقوق فضلاً عن خلق آليات للحماية مقررة لمصلحة الفرد في مواجهة الدولة، والحقيقة ان كل هذا العمل قديم طبقاً للوسائل الدولية، أي الأساليب التي يعبر بها النظام القانوني الدولي عن أفكار واتجاهات أشخاصه وهم الدول والمنظمات الدولية فكانت المعاهدات والأعراف والمبادئ العامة للقانون التي أقرتها الأمم المتمدنة.يمكن أن نقسم هذه الآليات إلى صور عده.

المطلب الاول:الآليات الوطنية

تلتزم جميع الدول باحترام حقوق الإنسان حيث يجب على الدولة الالتزام بعدم انتهاك حقوق الإنسان ومعاقبة من يقوم بانتهاك هذه الحقوق من مواطنيها، بتقديمه للقضاء أو تسليمه لإحدى الدول التي قام بانتهاك حقوق الإنسان على أراضيها إذا كانت مختصة بذلك. فمن المبادئ المسلم بها في النظم الديمقراطية إن يمثل الدستور الوثيقة القانونية العليا واجبة الاحترام من السلطات الأساسية الثلاث في الدولة. بحكم إن الدستور يتضمن المبادئ القانونية التي تتعلق بشكل الدولة ونظام الحكم فيها وعلاقته بالمواطنين وينظم السلطات العامة في الدولة وحقوق وحريات الأفراد ويعد الدستور أعلى التشريعات في الدولة ويقع في قمة الهرم القانوني ويسمو على القواعد القانونية الأخرى جميعا. مما ينبغي إن تلتزم سلطات الدولة جميعها بالتقيد بأحكامه وإلا عدت تصرفاتها غير مشروعة.

ومن الجدير بالذكر في هذا المجال إن نؤكد انه ليس المهم إن يسجل الدستور المبادئ العامة التي تحكم السلطات الأساسية في الدولة. إنما يجب العمل على كفالة احترام الدستور وتقدير الضمانات التي إلى تعزيز هذا الاحترام.
ومن هنا يجب على الدول الأطراف في اتفاقيات القانون الدولي لحقوق الإنسان، العمل بها و نشر هذه الاتفاقيات في دساتيرها والتعريف بها، وخصوصاً من خلال تبنيها على شكل قوانين وتشريعات داخلية للدول. فالمادة الأولى من اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية، توجب على الدول الأطراف المصادقة على الاتفاقية، وأن تتعهد بمنع هذه الجريمة والمعاقبة عليها.

فالمادة الخامسة من اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية تنص على أنه ” يتعهد الأطراف المتعاقدون بأن يتخذوا، كلّ طبقاً لدستور، التدابير التشريعية اللازمة لضمان نفاذ أحكام هذه الاتفاقية، وعلى وجه الخصوص النص على عقوبات جنائية ناجعة تنزل بمرتكبي الإبادة الجماعية أو أي من الأفعال الأخرى المذكورة في المادة الثالثة ).
ومن التزامات الدول ايضا انشاء أجهزة متخصصة، للاضطلاع بمهام المراقبة والإشراف على تطبيق حقوق الإنسان، كإنشاء وزارة خاصة مستقلة لهذا الغرض، كما في العراق و المغرب، أو إنشاء إدارة خاصة بحقوق الإنسان تابعة لإحدى الوزارات، كوزارة الخارجية، كما في مصر ( ).

يمكن أيضاً أن تلعب الحماية الدبلوماسية دوراً في تنفيذ أحكام القانون الدولي لحقوق الإنسان واحترام قواعده، وذلك بأن تحرَّك الدولة دعوى المسؤولية في مواجهة دولة أخرى، قامت هي أو رعاياها بانتهاك حقوق مواطني الدولة الأولى، ولم يستطيعوا إصلاح الضرر الواقع عليهم، وفق قواعد القانون الداخلي للدولة الصادر عنها الفعل الضار، سواء أكان الضرر مادياً أو معنوياً، وذلك بتوافر ثلاثة شروط: أولاً شرط الجنسية وثانياً استنفاذ طرق التقاضي الداخلية وثالثاً شرط الأيدي النظيفة ( ).
فالمادة الثامنة من الإعلان العالمي تنص على أنه: ” لكل شخص حق اللجوء إلى المحاكم الوطنية المختصة لإنصافه الفعلي من أية أعمال تنتهك الحقوق الأساسية للإنسان، التي يمنحها إياه الدستور أو القانون “.

المطلب الثاني:الآليات الدولية على المستوى الإقليمي

ان البوادر الأولى لوجود نوع من الحماية لحقوق الإنسان دولياً محددة الأهداف وذات فكرة واضحة قد ظهرت بعد الحرب العالمية الأولى، وهذا أمر ارتبط حتى قبل هذا التاريخ بتحديد مركز الفرد في القانون الدولي. الحماية الإقليمية لحقوق الإنسان
لا تقتصر الحماية الدولية لحقوق الإنسان على الوثائق العالمية المشار إليها آنفاً إذ توجد وثائق إقليمية سعت طبقاً لها مجموعة من الدول إلى تكريس تنظيم دولي إقليمي لحقوق الإنسان مما يعني وجود نصوص وقواعد قانونية إقليمية تتناول هذا الجانب، وهي على وجه العموم تستهدف الاستجابة للثقافات التي تتميز بها هذه المجموعة الإقليمية عن طريق إضافة لمسات تميزها عن الوثائق العالمية.

ومن الجدير بالذكر ان هناك أساس قانوني لهذا التنظيم الإقليمي لحقوق الإنسان الذي قامت ولازالت تقوم به منظمات دولية إقليمية إذ تنص المادة (52) من الميثاق على (ليس في هذا الميثاق ما يحول دون قيام تنظيمات أو وكالات إقليمية تعالج من الأمور المتعلقة بحفظ الأمن والسلم الدولي ما يكون العمل الإقليمي صالحاً فيها ومناسباً مادامت هذه التنظيمات أو الوكالات الإقليمية ونشاطها متلائمة مع مقاصد الأمم المتحدة ومبادئها)، كما دعت الجمعية العامة إلى انشاء أنظمة إقليمية لحقوق الإنسان تساعد على توفير الحماية لها، ومن أهم الوثائق الإقليمية أو مظاهر الحماية الإقليمية لحقوق الإنسان يمكن الإشارة إلى:

اولا-الحماية الأوربية لحقوق الإنسان

أنشأت منظمة مجلس أوربا عام 1949 من قبل مجموعة من الدول الأوربية بهدف تحقيق وحدة هذه الدول بصورة أوثق والعمل على توفير حماية للمبادئ والقيم المشتركة، ودفع التقدم الاقتصادي والاجتماعي إلى الأمام، وهو ما يمكن أن يتحقق عن طريق تطوير مفاهيم حقوق الإنسان وحمايتها.
وتم التوقيع على الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان وحرياته الأساسية نتيجة لجهود منظمة مجلس أوربا في مدينة روما بتاريخ 4 أيلول 1950 ودخلت حيز النفاذ يوم 3 أيلول 1953، وتحتوي الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان على ديباجة، وخمسة أبواب، موزعة على (66) مادة.

تؤكد الديباجة على (ان حكومات الدول الأوربية، التي تتماثل في التفكير، وذات ميراث مشترك من التقاليد السياسية، والمثل العليا، والحرية وسيادة القانون …… قررت ان تتخذ الخطوات الأولى للتنفيذ الجماعي لحقوق معينة مقررة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان) واشتملت الاتفاقية على أهم الحقوق والحريات التي وردت في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، فهي لم تتضمن قائمة متكاملة للحقوق لكن هذا النقص تم تفاديه بموجب مجموعة من البروتوكولات التي أُلحقت بالاتفاقية في مراحل لاحقة ابتداءا ًمن البروتوكول الأول لاتفاقية حماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية لسنة 1952 وانتهاءاً بالبروتوكول رقم (12) للاتفاقية ذاتها لعام 2000.

ومع ان الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان تركز بشكل أكبر على الحقوق المدنية والسياسية إلا ان هناك مجالاً كذلك للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية إذ تؤكد المواد (2-10) منها على ضرورة تمتع كل إنسان بالحقوق والحريات الشخصية كالحق في الحياة، والحق في محاكمة عادلة فضلاً عن حرية الفكر والعقيدة والدين، وحرية الرأي، وحرية الاجتماع، وحقوقاً أخرى كحظر التعذيب والعقوبات والمعاملات الوحشية أو الحاطة بالكرامة، وحظر الرق والعمل الجبري، والحق في الحرية والأمان، والحق في الحياة الخاصة والحياة العائلية وحرمة مسكن الشخص ومراسلاته، والحق في تكوين الجمعيات بما فيها الاشتراك في النقابات، والحق في الزواج وتأسيس أسرة وعدم التمييز، وقد أضافت البروتوكولات الإضافية عدداً من الحقوق الأخرى، كالحق في احترام الملكية، والحق في التعليم، والحق في انتخابات حرة، وحظر الحبس بسبب العجز عن الوفاء بالتزام تعاقدي، وحرية الانتقال، وحظر ابعاد رعايا الدولة، وحظر الابعاد الجماعي للأجانب، وتحريم عقوبة الإعدام.

كذلك تضمنت الاتفاقية إنشاء جهازين لضمان احترام التعهدات هما اللجنة الأوربية لحقوق الإنسان، والمحكمة الأوربية لحقوق الإنسان، ويبدو واضحاً ان هذه الاتفاقية قد تولت الكشف عن حقوق موجودة سبق الاعتراف بها على مستوى القوانين الداخلية والإعلان العالمي لحقوق الإنسان فضلاً عن ان واضعي هذه الاتفاقية قد فضلوا تخصيص وثيقة منفصلة للحقوق الاجتماعية هي الميثاق الاجتماعي الأوربي الموقع عام 1961 ودخل حيز النفاذ يوم 26 شباط عام 1965 ولا تقتصر الحقوق المثبتة في الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان على الإنسان الأوربي وإنما هي مقررة لمصلحة كل البشر، وهو ما تشير إليه المادة الأولى من الاتفاقية كما ان لكل دولة طرف في الاتفاقية الحق بمطالبة الدول الأطراف الأخرى أو احداها باحترام الحقوق الواردة فيها سواء أكان ذلك لمصلحة مواطنيها أو غيرهم حتى وان كان لا يحمل جنسية أية دولة، وهذا يشمل الزائرين للدول الأطراف في المعاهدة في حالة انتهاك حقوقهم طبقاً لما تقرره المعاهدة والاتفاقية تسمح للدول الأعضاء باتخاذ تدابير مخالفة للالتزامات التي تطبقها داخل اقليمها في حالة الطوارئ وحالة الحرب أو أي ظرف آخر يهدد حياة الأمة بالخطر كما سمحت المادة (11) منها بالحد من حرية التجمع والاجتماع، وعندما اعتبرت ممارسة هذه الحرية مضرة بالنظام العام واجازت المادة (15) لكل دولة طرف في الاتفاقية باتخاذ تدابير مخالفة للميثاق الأوربي في حالات الحرب أو الأخطار الأخرى المهددة لحياة الأمة مع عدم المساس بالحق في الحياة، والحق في عدم التعرض للتعذيب، والحق في عدم الاسترقاق والعبودية، والحق في محاكمة عادلة.

ان النظام القانوني الأوربي يشتمل في حقيقة الأمر على عدة وثائق أو اتفاقيات أولها الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان لعام 1950 التي أُلحق بها حتى عام 2000 اثنا عشر بروتوكولاً، والاتفاقية الأوربية لمنع التعذيب والمعاملة أو العقوبة غير الإنسانية أو المهينة لعام 1989 التي أُلحق بها بروتوكولان عام 1993 والاتفاقية الأوربية بشأن ممارسة حقوق الأطفال 1996 والاتفاق الأوربي المتعلق بالأشخاص المشاركين في إجراءات المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان لعام 1996 والمعاهدة المنشئة للمجتمع الأوربي (المعدلة) 1997 والميثاق الاجتماعي الأوربي (المعدل) 1996 وميثاق الحقوق الأساسية للاتحاد الأوربي لسنة 2000.( )

ثانيا-حماية حقوق الإنسان في القارة الآسيوية

ان تطور التنظيم القانوني الاقليمي لفكرة حقوق الإنسان في أوربا وأمريكا خاصة في أقسامها الشمالية لا يعني ان كل أجزاء العالم تتمتع بنفس القدر من الحماية فيما يخص حقوق الإنسان فيها، ومع وجود بدايات تنظيم دولي للحقوق والحريات في القارة الأفريقية فان القارة الآسيوية تعد من أكثر قارات العالم افتقاداً لمثل هذا التنظيم وربما كان ذلك بسبب سعة القارة الآسيوية جغرافياً وكثافة عدد السكان فيها مما قاد إلى اختلاف الثقافات والنظم القانونية بين بلدانها الكثيرة حيث هناك شعوب وأجناس ولغات وقوميات وأديان وعادات وتقاليد وأعراق متباينة إلى حدٍ كبير، كما يوجد رفض نسبي للعمل على تطوير أفكار حول حقوق الإنسان بين حكومات الدول الآسيوية، ومع ذلك فقد اتخذت خطوات محدودة باتجاه تكوين لجنة فرعية تغطي منطقة جنوب الباسفيك عندما عقد اجتماع في هاواي عام 1985 نظم من جانب لجنة Law Asia لحقوق الإنسان، فضلاً عن وجود محاولات باتجاه عقد معاهدة تشمل منطقة جنوب الباسفيك.

كما توجد منظمات وطنية تعمل في مجال حماية حقوق الإنسان في القارة الآسيوية، وهي تركز عملها على مجموعات محددة من المواضيع كتلك المتعلقة بصائدي الأسماك والفلاحين وعمال الريف والسكان الاصليين منها منظمة Law Asia والاتحاد الآسيوي لحقوق الإنسان، والمجلس الإقليمي لحقوق الإنسان في آسيا، ولجنة حقوق الإنسان الآٍسيوية ومنظمة Asiawatch.
ويذهب جانب من الفقه القانوني في آسيا إلى القول ان فكرة حقوق الإنسان لا تعد اكتشافاً غربياً فهي ترجع في جذورها إلى تاريخ وجود الجنس البشري فكل المجتمعات لديها أفكار حول حقوق الإنسان، وان كل الفلسفات البشرية مع تنوعها عمقت فكرة الإيمان بحقوق الإنسان لكن الاختلاف بين هذه الفلسفات أو الأفكار قاد إلى تنوع التفسير المقدم للحقوق الأساسية.( )

ثالثا- الحماية العربية لحقوق الإنسان على المستوى الإقليمي

لم يتضمن ميثاق جامعة الدول العربية التي تأسست عام 1945 إشارة إلى حقوق الإنسان وحرياته الأساسية واستمر الموقف هكذا حتى وافقت جامعة الدول العربية على إنشاء لجنة سميت (باللجنة الإقليمية العربية الدائمة لحقوق الإنسان) وهي في حقيقتها لجنة مداولة تركز في عملها على حقوق الإنسان في الأراضي العربية المحتلة ولم تهتم بموضوع حقوق الإنسان في البلدان العربية كما ان هذه اللجنة هي هيئة سياسية تتكون من ممثلي الدول الأعضاء في الجامعة. وفي عام 1977 وافق مجلس جامعة الدول العربية على مشروع إعلان سمي بإعلان حقوق المواطن في الدول والبلاد العربية ويتكون الإعلان من مقدمة و (31) مادة تكلمت عن مجموعة من الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

والحقيقة ان جامعة الدول العربية هي المنظمة الاقليمية الوحيدة التي تأخرت في الوصول إلى إقرار صيغة لحماية حقوق الإنسان حتى عام 1997 عندما صدر الميثاق العربي لحقوق الإنسان الذي اعتمده مجلس الجامعة بموجب قراره المرقم 5427 عام 1997 وهو يقع في ديباجة وأربع أقسام إذ تشير الديباجة إلى إيمان الأمة العربية بكرامة الإنسان من خلال تاريخها الطويل وتأكيداً لمبادئ ميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان وأحكام العهدين الدوليين وإعلان القاهرة حول حقوق الإنسان في الإسلام فقد تم إقرار هذا الميثاق.

وتشير المادة (1) من الميثاق إلى حق الشعوب في تقرير المصير والسيطرة على ثرواتها ومواردها الطبيعية، فضلاً عن حقها في ان تقرر نمط كيانها السياسي وان تواصل بحرية تنميتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتؤكد الفقرة (2) على رفض العنصرية والصهيونية والاحتلال ويفرض الميثاق التزاماً على الدول الأطراف فيه ان تكفل لكل إنسان موجود على أراضيها وخاضع لسلطتها حق التمتع بكافة الحقوق والحريات الواردة فيه دون تمييز (م 2).

ولا يجيز الميثاق العربي فرض قيود على الحقوق والحريات المكفولة بموجبه إلا ما ينص عليه القانون ويعتبر ضرورياً لحماية الأمن والاقتصاد الوطنيين أو النظام العام أو الصحة العامة أو الاخلاق أو حقوق وحريات الآخرين، ويجوز للدول الأطراف في أوقات الطوارئ ان تتخذ الإجراءات التي تقيد فيها من هذه الحقوق مع مراعاة التناسب على ان لا تمس في كل الأحوال الضمانات والحقوق الخاصة بحظر التعذيب والإهانة والعودة إلى الوطن واللجوء السياسي وشرعية الجرائم والعقوبات والمحاكمة (م 4)، ثم تتولى بقية المواد الواردة في الميثاق ذكر مجموعة من الحقوق المختلفة منها ما أكدت عليه المادة (10) ومضمونها (لا تكون عقوبة الإعدام إلا في الجنايات البالغة الخطورة ولكل محكوم عليه بالإعدام الحق في طلب العفو أو تخفيض العقوبة)، والمادة (11) التي نصت على (لا يجوز في جميع الأحوال الحكم بعقوبة الإعدام في جريمة سياسية).

أما المادة (19) فهي تشير إلى ان (الشعب مصدر السلطات والأهلية السياسية حق لكل مواطن رشيد يمارسه طبقاً للقانون).
بينما تشير (35) إلى ان (للمواطن الحق في الحياة في مناخ فكري وثقافي يعتز بالقومية العربية، ويقدس حق الإنسان ويرفض العنصرية والدينية وغير ذلك من أنواع التفرقة ويدعم التعاون وقضية السلام العالمي).
وتنص المادة (37) على (لا يجوز حرمان الاقليات من حقها في التمتع بثقافتها أو اتباع تعاليم دياناتها).
وإذا أردنا تقييم واقع حقوق الإنسان في البلدان العربية فان الحقيقة تفرض علينا ان نقول انه واقع مرير على المستوى العملي، أما على المستوى القانوني الداخلي فهو وان كان لم يبلغ ما بلغته الدول الأوربية في هذا المجال إلا ان الأسس القانونية والفكرية لاحترام هذه الحقوق موجودة لكنها تصطدم بواقع غياب الديمقراطية وسيطرة الحزب الواحد أو الأنظمة الشمولية على معظم البلدان العربية مما يفرغ النصوص الدستورية المنظمة لحقوق الإنسان من أية قيمة فعلية.

المطلب الثالث :آليات تنفيذ القانون الدولي لحقوق الانسان في إطار الأمم المتحدة

ان ديباجة الميثاق قد تطرقت لحقوق الإنسان متضمنة العبارات الآتية (نحن شعوب الأمم المتحدة وقد آلينا على أنفسنا ان ننقذ الأجيال المقبلة من ويلات الحرب التي في خلال جيل واحد جلبت على الإنسانية مرتين أحزاناً يعجز عنها الوصف، وان نؤكد من جديد ايماننا بالحقوق الأساسية للإنسان وبكرامة الفرد وقدره وبما للرجال والنساء والأمم كبيرها وصغيرها من حقوق متساوية …… وان ندفع بالرقي الاجتماعي قدماً، وان نرفع مستوى الحياة في جو من الحرية أفسح …. وان نستخدم الأداة الدولية في ترقية الشؤون الاقتصادية والاجتماعية للشعوب جميعها….).

اولا- الاليات المنشاة وفقا للميثاق (أجهزة الأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان)

عالج ميثاق الأمم المتحدة حقوق الإنسان في الديباجة وفي المواد 1، 13، 55، 56، 62، 68، 76 ولعل أهم هذه المواد هي 1، 55، 56.
فالمادة (1) تجعل من حقوق الإنسان احدى أهداف الأمم المتحدة فضلاً عن ان الدول الأعضاء تلتزم بالتعاون مع المنظمة الدولية لتحقيق الهدف المشار إليه، واحترام الالتزامات الواردة في المادة (55) من الميثاق حول الاحترام العالمي لهذه الحقوق، وهكذا فان الميثاق يلزم الدول الأعضاء والمنظمة بالعمل على احترام حقوق الإنسان كافة، ولا تستطيع أية دولة ان تتحلل من التزاماتها المتعلقة بهذه الحقوق بحجة ان ما تقوم به يعد من مسائل الاختصاص الداخلي للدول التي تنظم على المستوى الوطني فقط من الناحية التشريعية والقضائية.

أناط الميثاق الجزء الأكبر من المسائل المتعلقة بحقوق الإنسان إلى الجمعية العامة والمجلس الاقتصادي والاجتماعي إلا ان ذلك لم يلغِ دور الأجهزة الأخرى، وهو ما سيتوضح طبقاً للتفصيل الآتي:

1- الجمعية العامة والمجلس الاقتصادي والاجتماعي

تعد الجمعية العامة ثاني أهم جهاز بعد مجلس الأمن الدولي وهي بالدرجة الأساس جهاز للمداولة والإشراف والاستعراض لأعمال الأجهزة الأخرى، وبقدر تعلق الأمر بحقوق الإنسان فان المادة الثالثة عشرة من الميثاق تنص على قيام الأمم المتحدة بإنشاء دراسات وعمل توصيات بقصد (إنماء التعاون الدولي في الميادين الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتعليمية والصحية، والإعانة على تحقيق حقوق الإنسان والحريات الأساسية للناس كافة بلا تمييز بينهم في الجنس أو اللغة أو الدين ولا تفريق بين الرجال والنساء) وتنشأ الجمعية العامة طبقاً للمادة (22) من الميثاق ما تراه ضرورياً من الأجهزة الفرعية للقيام بوظائفها، ومن هذه الأجهزة لجنة القانون الدولي، واللجنة الخاصة لمناهضة التمييز العنصري، واللجنة المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه غير القابلة للتصرف وغيرها .

أما المجلس الاقتصادي والاجتماعي وهو جهاز متخصص في المسائل الاقتصادية والاجتماعية، فهو طبقاً للمادة الستون يعمل تحت إشراف الجمعية العامة، وهي جهاز سياسي بالدرجة الأساس، وطبقاً للمادة (62/2) من الميثاق فان للمجلس ان يقدم توصيات فيما يتعلق بإشاعة ونشر واحترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية ومراعاتها فضلاً عن تقديم دراسات في مجالات الاقتصاد والاجتماع والثقافة والتعليم والصحة وتقديم توصيات إلى الجمعية العامة وأعضاء الأمم المتحدة وإلى الوكالات ذات الشأن وإعداد مشاريع القوانين في المواضيع التي تدخل تحت اختصاصه ومنحت المادة (68) من الميثاق المجلس الاقتصادي والاجتماعي الحق بإنشاء لجان تعنى بالمسائل الاقتصادية والاجتماعية وتعزيز حقوق الإنسان وغيرها من اللجان التي قد يحتاج إليها لتأدية وظائفه، وهو ما قام به المجلس بصورة فعلية فأنشأ عدداً كبيراً من الأجهزة الفرعية التابعة له لتعمل ضمن وظائفه، وهذا ما دعا الجمعية العامة لإنشاء لجنة خاصة لتنسيق العمل بين هذه الأجهزة الفرعية. ومن أهم اللجان التي أنشأت من قبل المجلس الاقتصادي والاجتماعي التي تهتم بهذا الموضوع هي لجنة حقوق الإنسان التي تتمتع بنظام قانوني خاص بها إذ انها الوحيدة التي خصها الميثاق بحكم تضمنته المادة (68) (ينشئ المجلس الاقتصادي لجاناً للشؤون الاقتصادية والاجتماعية ولتقرير حقوق الإنسان كما ينشئ غير ذلك من اللجان التي قد يحتاج إليها لتأدية وظائفه) والحقيقة ان هذه اللجنة قد تم إنشائها طبقاً لقرارين أصدرهما المجلس الاقتصادي والاجتماعي أولهما القرار رقم 5/1 الصادر في نيسان 1946 وبموجبه تم إنشاء لجنة حقوق الإنسان من تسعة أعضاء لتقوم بتقديم التقارير إلى المجلس المذكور كما تقدم له المقترحات والتوصيات في مسائل حقوق الإنسان وحماية الحريات الأساسية في صورة إعلانات أو مشروعات معاهدات، أما ثانيهما فهو الصادر في 12 يونيو 1946 والذي يحمل الرقم (9) وبموجبه حدد كيفية تشكيل هذه اللجنة واختصاصاتها التي لم تكن شاملة في جميع مسائل حقوق الإنسان، وفي مواجهة كافة أجهزة الأمم المتحدة وإنما تحدد اختصاصها على تقديم مقترحات وتوصيات إلى المجلس الاقتصادي والاجتماعي، وتتكون حالياً من (43) عضواً ينتخبون لمدة 3 سنوات على أساس التوزيع الجغرافي العادل، وتستطيع اللجنة ان تنشئ أجهزة فرعية تابعة لها إذا كان ذلك ضرورياً لأداء وظائفها، وقامت بذلك فعلاً وأنشأت ثلاثة أجهزة فرعية لها عام 1946 هي اللجنة الفرعية لحرية الإعلام، واللجنة الفرعية لحماية الأقليات، واللجنة الفرعية للقضاء على التمييز العنصري، واختصرت هذه من (26) عضواً.
وقد ساهمت لجنة حقوق الانسان خلال الستين عاما الماضيه من عمرها بانجازات كبيره في مجال احترام حقوق الانسان الا ان الكثير من السلبيات رافقت عملها, مما استدعى الى تاسيس جهاز اخر ليحل محلها هو مجلس حقوق الانسان .

2- مجلس حقوق الانسان

لتجاوز السلبيات التي رافقت عمل لجنة حقوق الانسان بسبب تسييسها والانتقائيه والازدواجيه في تقاريرها وطريقة اختيار اعضائها , وفي ضوء السعي المتزايد لاصلاح الامم المتحده ومؤسساتها ولتفعيل احترام مبادئ حقوق الانسان , اقرت الجمعيه العامه للامم المتحده في 15/3/2006 تاسيس مجلس حقوق الانسان ليحل محل لجنة حقوق الانسان , وقد صوتت 170 دوله لصالح القرار من مجموع 191 دوله بينما عارضته اربعة دول هي الولايات المتحده الامريكيه واسرائيل وجزر مارشال وبالاو , وامتنعت ثلاثة دول اخرى عن التصويت هي ايران وبيلوروسيا وفنزويلا .

ومن المقرر ان يتبع هذا المجلس الجمعيه العامه مباشره مما يعطيه منزله رفيعه تتناسب مع اهمية الوظيفه الموكله به ويتجاوز مشكلة الارتباط بالمجلس الاقتصادي والاجتماعي التي طالما عانت منها اللجنه سابقا .
وقد نص القرار على ان يتم اختيار اعضاء المجلس البالغ عددهم 47 عضوا بالاقتراع الفردي السري وبالاغلبيه المطلقه لاعضاء الجمعيه العامه , اي حوالي 96 صوتا . ويشترط في اختيار الاعضاء ان يلتزمو ا باحترام المعايير الدوليه لحقوق الانسان ,مع امكانية اسقاط العضويه باغلبية ثلثي عدد اعضاء الجمعيه العامه في حالة انتهاك هذه المعايير .
ومن الجدير بالذكر ان مدة عضوية المجلس هي ثلاثة سنوات قابله للتجديد مره واحده فقط , ويتم اختيار الاعضاء على اساس التوزيع الجغرافي العادل بواقع 13 مقعدا لافريفيا و13 مقعدا لآسيا وستة مقاعد لاوربا الشرقيه وسبعة مقاعد لدول اوربا الغربيه بما فيها الولايات المتحده الامريكيه وكندا ونيوزلندا و استراليا وثمانية مقاعد لدول امريكا الاتينيه والكاريبي .
ويعقد المجلس اجتماعاته في مقره الدائم في جنيف ومن المقرر ان يعقد ثلاثة اجتماعات في السنه على الاقل ولمدة عشرة اسابيع وليس ستة اسابيع كما كان عليه الامر في عهد اللجنه, كما يملك المجلس الاجتماع في اي وقت آخر للنصدي للازمات الطارئه في مجال حقوق الانسان .
ومن المنتظر ان يساهم المجلس في تعزيز الاحترام الدولي لحقوق الانسان ويساهم في تجاوز الانتقائيه في التعامل مع انتهاكات بعض الدول لمعايير حقوق الانسان التي كانت سائده في ظل لجنة حقوق الانسان .
كما سيساهم في تقديم التوصيات الى الجمعيه العامه بما يؤدي الى مواصلة تطوير القانون الدولي في مجال حقوق الانسان, وسيستعرض بشكل دوري شامل وموثق مدى وفاء كل من الدول الاعضاء بالتزاماته وتعهداته في مجال حقوق الانسان على نحو من المساواة والعداله .

3- الأجهزة الأخرى

يعد مجلس الأمن الدولي الجهاز الرئيسي في المنظمة الدولية الذي عهد إليه بمهمة حفظ الأمن والسلم الدوليين طبقاً لما ورد في المادة (24) من الميثاق، ومجلس الأمن الدولي مطالب في المادة المذكورة ان يعمل بالانسجام مع مبادئ الأمم المتحدة وواحداً منها (م1/3) هو (تحقيق التعاون الدولي على حل المسائل الدولية ذات الصبغة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإنسانية، وعلى تعزيز احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للناس جميعاً، والتشجيع على ذلك إطلاقاً بلا تمييز بينهم بسبب العنصر أو الجنس أو اللغة أو الدين) وقد بحث المجلس الكثير من المشاكل ذات المساس بحقوق الإنسان منها تقارير عن تعذيب المسجونين السياسين ووفاة عدد من المحتجزين وتصاعد موجات القمع ضد الأفراد والمنظمات ووسائل الإعلام في جنوب أفريقيا (القرار 417 لسنة 1977) وعدم توفير إسرائيل الحماية الملائمة للسكان المدنيين في الأراضي المحتلة (القرار 471 لسنة 1980).

كما أصدر مجلس الأمن قراره المرقم 808 بتاريخ 22/2/1993 القاضي بتشكيل محكمة جنائية دولية لمحاكمة المتهمين المسؤولين عن الانتهاكات الخطيرة للقانون الدولي الإنساني المرتكبة في أراضي يوغسلافيا السابقة منذ عام 1991 ومن أخطر هذه الجرائم جرائم التطهير العرقي التي تعد شكلاً من أشكال الإبادة الجماعية ثم أصدر المجلس قراره المرقم 955 في 8/11/1994 القاضي بتشكيل محكمة جنائية دولية لمحاكمة المتهمين بارتكاب جرائم الإبادة في رواندا.( )
أما الأمانة العامة فلها مركز يسمى مركز حقوق الإنسان يشكل حلقة الوصل بين أعمال الأمم المتحدة في ميدان حقوق الإنسان وفّر هذا المركز مجموعة من الخدمات التي تقدمها الأمانة العامة لأجهزة الأمم المتحدة المهتمة بحقوق الإنسان.
كذلك تلعب محكمة العدل الدولية دوراً في هذا المجال فضلاً عن الوكالات المتخصصة التابعة للأمم المتحدة كمنظمة اليونسكو (1945) التي تستهدف بصورة أساسية ضمان حق الإنسان في التربية والتعليم والثقافة، ومنظمة الصحة العالمية (1946) التي تسعى إلى ضمان حق كل إنسان في الصحة، ومنظمة التغذية والزراعة التي تستهدف تحرير الإنسان من الجوع، والاتحاد الدولي للمواصلات السلكية واللاسلكية الذي يعمل على تنظيم حرية المراسلة بجميع أشكالها، والمنظمة العالمية للملكية الفكرية التي تسعى إلى ضمان الحق في الملكية الفكرية.
مما تقدم يبدو واضحاً ان هناك دور معين تلعبه منظمة الأمم المتحدة في مجال حماية حقوق الإنسان وبأشكال مختلفة من خلال أجهزة المنظمة وبالتعاون مع الدول الأعضاء فيها إلا ان هذا الدور يبقى في إطار تشجيع وتطوير قضية حقوق الإنسان فهي لا تتدخل لحماية هذه الحقوق إلا في حالة وجود انتهاك لها من شأنه تعريض السلم والأمن الدوليين للخطر.

ثانيا- الآليات المنشأة بموجب اتفاقيات دولية خاصة:

وهي تشمل اللجان والهيئات التي أنشأتها الاتفاقيات والعهود الدولية، لمتابعة تنفيذ أحكام هذه الاتفاقيات، والإشراف على حسن تطبيقها، ومنها:

1- اللجنة الخاصة بإلغاء التمييز العنصري وانشأت استنادا الى الماده (8) من الاتفاقيه الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري وافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة على هذه الاتفاقية عام 1965 وبدأت في السريان عام 1969 وهي تهدف إلى تقنين فكرة المساواة بين الأجناس البشرية المتنوعة.
وتعرف المادة 1/1 منها التمييز العنصري بانه (عبارة تمييز عنصري تعني كل شكل من أشكال التفرقة أو الاستثناء أو التقييد أو التفضيل بسبب الجنس أو اللون أو النسب أو الأصل الوطني أو العرقي، يكون من أغراضه أو آثاره تقويض أو تهديد الاعتراف أو التمتع بحقوق الإنسان والحريات الأساسية أو ممارستها في ظروف قوامها المساواة في المجالات السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية أو الثقافية أو في أي مجال آخر من مجالات الحياة العامة).

2- اللجنة الخاصة بإلغاء التمييز ضد المرأة ( م 7 من الاتفاقية الدولية بشأن إلغاء كافة أشكال التمييز ضد المرأة لعام 1979 ). التي اعتمدتها الجمعية العامة في 18 كانون الأول 1979 والتي دخلت حيز التنفيذ بتاريخ 3 أيلول 1981 حيث تم انشاء لجنة القضاء على التمييز ضد المرأة طبقاً للمادة (17) من الاتفاقية عام 1982 وهي تختص بالنظر في تقارير الدول الأطراف عن التدابير التي قامت بها لتنفيذ أحكام الاتفاقية فضلاً عن إعداد مقترحات وتوصيات ورفع تقرير سنوي إلى الجمعية العامة، وهي تتألف من (23) عضواً تنتخبهم الدول الأطراف لمدة أربع سنوات، وتجتمع في فيينا لمدة أسبوعين مرة واحدة في السنة.
وتنص هذه الاتفاقية في المادة (7) على ان الدول الأطراف تتعهد بكفالة المساواة مع الرجل في مجالات متعددة منها التصويت في جميع الانتخابات والاستفتاءات العامة والأهلية للانتخاب لجميع الهيئات التي ينتخب أعضاؤها بالاقتراع العام فضلاً عن المشاركة في صنع سياسة الحكومة وتنفيذها، وفي شغل الوظائف العامة، وتأدية المهام العامة على المستويات الحكومية كافة كما تلتزم الدول طبقاً للاتفاقية بمشاركة النساء على قدم المساواة مع الرجال في أية منظمات وجمعيات غير حكومية تعنى بالحياة العامة السياسية للبلد، وتكفل الحكومة مشاركة المرأة في عملية اتخاذ القرارات على الصعيد الوطني والحكومي والمحلي بواسطة تدابير تشريعية وإدارية كما ينبغي القيام بأنشطة خاصة لزيادة توظيف وتعيين وترقية المرأة وعلى وجه الخصوص في مناصب اتخاذ القرارات وتقرير السياسات.

3- اللجنة الخاصة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وهذه اللجنة ليست تطبيقاً انص خاص بالعهد الدولي، لكن جاء إنشاؤها بقرار من المجلس الاقتصادي والاجتماعي عام 1985 وذلك بهدف تعزيز آليات تنفيذ ومتابعة العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

4- اللجنة الخاصة بحقوق الطفل ( المادة 43 وما بعدها من اتفاقية حقوق الطفل لعام 1989).
والتي فصلت الحقوق التي جاء بها إعلان حقوق الطفل وصدر لهذه الاتفاقية ملحقان عام 2000 الأول يخص القيود التي يجب أن تفرض على اشتراك الأطفال في الأعمال المسلحة، والثاني يخص قمع الممارسات التي تستهدف استغلال الأطفال في أعمال غير أخلاقية أو في أعمال اباحية والحقيقة ان اتفاقية حقوق الطفل صدقت عليها جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة أي 191 دولة.

المطلب الرابع : نظام المسؤولية الجنائية كآلية لتنفيذ القانون الدولي لحقوق الإنسان

من المعلوم أن المسؤولية لم تعد علاقة بين الدول وحدها، أي مسؤولية دولة تجاه دولة أخرى، وإنما ظهرت هناك صور أخرى للمسؤولية، منها المسؤولية الجنائية الفردية على المستوى الدولي عن الجرائم الدولية المرتبطة بحقوق الإنسان ومن هنا يساهم نظام المسؤولية الجنائية الدولية في تعزيز احترام حقوق الإنسان، وتنفيذ أحكام القانون الدولي لحقوق الإنسان، من خلال قمع ومنع الانتهاكات الخطيرة الموجهة ضد هذه الحقوق.

وقد ساهم الترابط بين الجهود الساعية إلى تدويل المسؤولية الجزائية، وإيجاد نوع من الحماية لحقوق الإنسان على المستوى الدولي، وعدم إفلات المسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان من العقاب إلى إيجاد جرائم ذات طابع دولي نظمت بموجب اتفاقيات دولية فقد ذكرت حقوق الإنسان في الميثاق أو الديباجة ثماني مرات والسعي إلى حماية حقوق الإنسان من مقاصد الأمم المتحدة، ومن ثم ظهرت جرائم دولية مرتبطة بهذا الموضوع تعمل المحاكم الجنائية الدولية على قمع ومنع ارتكابها ، حيث تعاقب كل من ينتهك حقوق الإنسان، وبالتالي عدم تركهم دون عقاب، وكذلك ردع من تسول له نفسه حقوق الإنسان، وبذلك يتحقق الأثر المانع للاعتداء على تلك الحقوق ( ) . ومن اهم اتفاقيات تجريم هذه الانتهاكات او الجرائم:

أولاً: اتفاقية منع جريمة إبادة الجنس البشري

أقرت هذه الاتفاقية من جانب الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1948 ودخلت حيز النفاذ سنة 1951 وكان سبب إيجاد هذه الاتفاقية سياسة الإبادة التي اتبعتها بعض الدول قبل الحرب العالمية الثانية وأثنائها وأكدت محكمة العدل الدولية المعنى المتقدم في الرأي الاستشاري الصادر عنها والمتعلق بالتحفظات الخاصة باتفاقية منع إبادة الجنس البشري إذ ذكرت (من الواضح ان الاتفاقية اعتمدت على غرض إنساني وحضاري بحت، بل لا يمكن تصور اتفاقية لها هذا الطابع المزدوج بدرجة أعلى من هذه الاتفاقية إذ ترمي من ناحية إلى ضمان الوجود ذاته لبعض الجماعات البشرية، ومن ناحية أخرى إلى تأكيد وتوثيق مبادئ الأخلاق الأولية. وليس للدول المتعاقدة في مثل هذه الاتفاقية مآرب خاصة، وإنما لها ولكل منها مصلحة مشتركة وهي الحفاظ على المقاصد العليا التي من أجلها خرجت هذه الاتفاقية إلى عالم الوجود). ويشمل مفهوم الإبادة الجماعية: أ- قتل أفراد الجماعة. ب- الاعتداء الخطير على السلامة الجسدية أو النفسية لأعضاء الجماعة. ج- إخضاع الجماعة عمداً إلى ظروف معيشية من شأنها أن تؤدي إلى هلاكها الجسدي (العقلي) كلياً أو جزئياً. د- عرقلة أو منع الولادات الجماعية (التعقيم القسري) أي فرض تدابير تستهدف منع الانجاب داخل الجماعة. هـ- نقل الأطفال بالإكراه من جماعة إلى أخرى.
وقد نص نظام روما الأساسي الخاص بالمحكمة الجنائية الدولية كذلك على هذه الجريمة واورد الأشكال المذكورة في اتفاقية 1948 الخاصة بجريمة الإبادة الجماعية للجنس البشري في المادة السادسة منه.

ثانياً: الجرائم ضد الإنسانية

عرفت الأشكال الخاصة بهذه الجريمة في ميثاق نورمبرغ، ونظام محكمة طوكيو، وأن كان هناك من يقول انه قد عرفت قبل هذا التاريخ وردوها إلى جروشيوس الذي فرق بين الحرب العادلة والحرب غير العادلة وبخصوصها ثبتت محكمتي نورمبرغ وطوكيو مبدئيين أساسيين هما:

1)عدم الاعتداد بالحصانة المقررة لأعضاء الحكومة فيما يتعلق بأعمال السيادة.
2) عدم جواز الدفع الذي يتقدم به الموظف العام ومضمونه انه كان ينفذ الأوامر الصادرة عن رئيسه الأعلى في حالة قيامه بتنفيذ أعمال غير مشروعة طبقاً للقانون الدولي العام.( )

ونصت المادة (7) من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لعام 1998 على الأشكال المكونة لهذه الجريمة إذا ما أرتكب أحد هذه الأشكال في إطار هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد أية مجموعة من السكان المدنيين وعن علم بالهجوم.( )
وبعد انتهاء الفترة الزمنية التي استغرقتها محاكمات نورمبرغ وطوكيو بقيت الملامح العامة للاتجاهات القانونية الدولية تدين الجرائم ضد الإنسانية دون ان نشهد تطبيقات عملية حتى صدر قرار مجلس الأمن الدولي المرقم 808 بتاريخ 25/9/1991 القاضي بتشكيل محكمة جنائية لمحاكمة المسؤولين اليوغسلاف عن انتهاكات وجرائم مختلفة، والقرار رقم 955 الصادر بتاريخ 8/11/1994 حيث شهدت هذه المحاكم إضافة صور جرمية جديدة للجرائم ضد الإنسانية، كالاختفاء القسري، والعنف الجنسي، والاستعباد الجنسي، والحمل القسري، والبغاء، وقد شهد نظام روما الأساسي تطوراً آخر فيما يتعلق بموقفه من الجرائم ضد الإنسانية حيث أخرجت هذه الجرائم تماماً من نطاق جرائم الحرب إذ كان يشترط لتحقيقها ارتكابها أثناء الحرب أو تكون مرتبطة بجريمة من الجرائم ضد السلام إلى صيغة وشكل جديد حيث لا يشترط ارتكابها أثناء الحرب.

وتعد جريمة الفصل العنصري احدى الأشكال المكونة للجرائم ضد الإنسانية، والحقيقة ان الفصل العنصري يعد جريمة بموجب الاتفاقية الدولية لقمع جريمة الفصل العنصري والمعاقبة عليها المعتمدة عام 1973 والتي دخلت حيز النفاذ عام 1976.

ثالثاً: جرائم الحرب

اهتمت الجمعية العامة لعصبة الأمم بهذه الجريمة وأصدرت قراراً عام 1937 وصفت فيه حرب الاعتداء بأنها جريمة دولية وهي جريمة تنتهك حق الإنسان في الحياة ونص عليها نظام روما الأساسي كذلك في المادة (8) منه إذ أكدت الفقرة الأولى منها على (يكون للمحكمة اختصاص فيما يتعلق بجرائم الحرب، ولاسيما عندما ترتكب في إطار خطة سياسية عامة أو في إطار عملية ارتكاب واسعة النطاق لهذه الجرائم)، بينما تولت الفقرة (2) من المادة ذاتها إيراد الصور المكونة لها، ومن أبرزها الانتهاكات الجسيمة لاتفاقيات جنيف المؤرخة في 12/8/1949 والتي ترتكب ضد الأشخاص أو الممتلكات موضوع الحماية لأحكام اتفاقية جنيف ذات الصلة.
أخيراً نشير إلى أن الجمعية العامة للأمم المتحدة اعتمدت عام 1968 اتفاقية دولية تقضي بعدم تقادم جرائم الحرب، والجرائم المرتكبة ضد الإنسانية، والتي دخلت حيز النفاذ بتاريخ 11 تشرين الثاني 1970.

رابعاً: جريمة العدوان

كانت الحروب تشن تحت مختلف الذرائع حتى بدأت وثائق دولية معينة تشير إلى عدم جواز اللجوء إلى الحرب لفحص المنازعات كاتفاقية لاهاي الثانية 1907 ومعاهدة فرساي (م227) وميثاق عصبة الأمم 1920 وبروتوكول جنيف 1924 واتفاق لوكارنو 1925 وميثاق بريان كيلوج 1928 ، والحقيقة ان أولى الخطوات الجادة التي بدأت لمحاسبة ومعاقبة مجرمي الحرب العدوانية قد نظمت بموجب وثائق دولية منها الاتفاق المتعلق بمحاكمة ومعاقبة مجرمي الحرب الرئيسيين في جانب المحور، وهو ميثاق نورمبرغ الموقع في لندن بتاريخ 8 آب 1945 وميثاق طوكيو لسنة 1946، فضلاً عن قرارات الجمعية العامة المرقمة (65) لسنة 1946 و (2625) لسنة 1970 و (3314) لسنة 1974 وهذا الأخير صدر تحت عنوان تعريف العدوان.
أخيراً من المفيد الإشارة إلى ان اتفاقيات دولية مختلفة، قد نصت على جرائم ذات طابع دولي تضمن بعض أشكالها نظام روما الأساسي منها جريمتا القرصنة، والاتجار بالرقيق.( )

الخـاتمـة

بعد ان انتهينا من رسالتنا المتواضعه هذه خلصنا الى بعض النتائج والمقترحات نوجزها بما يلي:

اولا: النتائج

1- إذا كان القانون الدولي الإنساني، يطبق على النزاعات المسلحة، لحماية ضحاياها، والقانون الدولي لحقوق الإنسان، يطبق في زمني السلم والحرب على السواء، لحماية حقوق الإنسان عموماً، فإن القاسم المشترك بينهما هو صيانة حرمة حقوق الإنسان في جميع الظروف.
2- ان نطاق الاختلاف في مجال تطبيق القانونين والخصائص التي تميز احدهما عن الاخر انما تساهم في سند النقص الذي يتركه تطبيق احد القانونين دون الاخر , وبالتالي فان احدهما يكمل الاخر في مجال احترام حقوق الانسان . فالإنسان، هو محور الحماية، ومحلها في كلا القانونين، فكلاهما مكرَّس لحماية الإنسان.
3- وإن كان القانون الدولي الإنساني، لا يقتصر فقط على حماية الإنسان في ظرف النزاع المسلح، وإنما يدعو أيضاً إلى حماية الأعيان المدنية، حيث يحظر الهجوم على الأعيان الثقافية، وأماكن العبادة، والبيئة الطبيعية، والأماكن التي لا غنى عنها لبقاء السكان المدنيين، والأشغال الهندسية، والمنشآت المحتوية على قوى خطرة ( م 52 إلى 56 من البرتوكول الأول ) وأيضاً اتفاقية لاهاي لعام 1954 لحماية الممتلكات الثقافية ).
وأيضاً القانون الدولي لحقوق الإنسان، لا يقتصر حمايته على الإنسان بصفته الشخصية الفردية، وإنما يوفر له مجموعة من الحقوق التي تهمه كجماعة، وهي ما تسمى بـ ” الحقوق الجماعية ” وهي تمثل ” الجيل الثالث ” من حقوق الإنسان، والتي أشرنا إليها سابقاً.

4- أن القانون الدولي لحقوق الإنسان، يجيز للدول الأطراف التحلّل من بعض التزاماتها بمقتضى هذا القانون، في حالات الطوارئ العامة ومن بينها النزاع المسلح. ( م 4 من العهد الدولي الأول والثاني ) لكن بالمقابل، هنالك قيود على هذا التجلُّل، ومن بينها أنه لا يجوز التحلُّل من بعض الحقوق التي تشكل ( النواة الصلبة ) للقانون الدولي لحقوق الإنسان، وتشمل هذه الحقوق بصفة خاصة: الحق في الحياة، وحظر التعذيب، والعقوبات اللاإنسانية أو المهينة، وحظر العبودية والاسترقاق، ومبدأ الشرعية وعدم رجعية القانون.
فهذه الحقوق تلتزم الدول الأطراف باحترامها في جميع الظروف، حتى في ظرف النزاع المسلح الدولي أو غير الدولي.
ولمّا كان القانون الدولي ألإنساني، يطبَّق وقت النزاع المسلح، فإن هذه المجموعة من الحقوق التي يتعين على الدول الأطراف الالتزام بها في جميع الظروف ( النواة الصلبة )، تتفق إلى حدٍ بعيد مع بعض الحقوق التي يكلفها القانون الدولي الإنساني، مثل الحق في الحياة وحظر التعذيب، والعقوبات أو المعاملة اللاإنسانية أو الحاطة بالكرامة، ومبدأ الشرعية، وحظر الإعدام دون محاكمة وغير ذلك من الحقوق المشتركة. ( م 75 بروتوكول أول و م 95 بروتوكول ثاني ) يكفلها.

5- باعتبار القانون الدولي لحقوق الإنسان، يُعنى بحقوق الإنسان زمني السلم والحرب، وإن كان تطبيقه في وقت السلم بشكل أشمل، فهو قانون عام شامل، أي أنه صاحب الاختصاص الأصيل بحماية حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، على عكس القانون الدولي الإنساني، الذي يُعنى بحقوق الإنسان زمن النزاع المسلح فقط، مما يجعله قانون خاص بظرفً خاص، وهو ظرف النزاع المسلح، لذلك يمكن القول أنه قانون احتياطي أو بديل بالنسبة لحقوق الإنسان، لا يطبق إلاّ في حالة النزاعات المسلحة، عندها فقط، تدب الحيوية في قواعد هذا القانون، ليحكم النزاع المسلح، ويقوم بمهمته في حماية حقوق الإنسان، إلى جانب القانون الدولي لحقوق الإنسان ( النواة الصلبة ) صاحب الاختصاص الأصيل والذي ازداد دورة في الآونة الأخيرة في حماية حقوق الإنسان في النزاع المسلح بشكل ملحوظ.

6- بالرغم من التكامل بين القانونين، إلا أن هناك اتجاهاً متنامياً في الفقه ينظر إليهما على أنهما يسيران بخطى حثيثة نحو الاندماج والانصهار في قانون واحد، تحت مسمى (( القانون الإنساني )) كما يذهب إلى ذلك جان بكتية. حيث يقول، بأن قانون الحرب ( القانون الدولي الإنساني )) وحقوق الإنسان، يشكلان قانوناً واحداً يطلق عليه (( القانون الإنساني )) بالمعنى الواسع لهذه التسمية، ويؤكد ((بكتية )) أن هذين القانونيين متداخلان رغم أنهما متمايزان، ويجب أن يظلا كذلك .

ثانياً : المقترحات

1- نقترح إدخال الأفعال التي تشكل اعتداءً على الشرف وبالأخص الاغتصاب والحمل القسري والإجهاض القسري والتعقيم القسري والإكراه على الدعارة والاستعباد الجنسي ضمن الانتهاكات الجسيمة المنصوص عليها في اتفاقيات جنيف الأربع التي تمثل جرائم حرب تحمل مرتكبيها المسؤولية الجنائية وتستوجب فرض العقاب عليه ، وذلك تماشياً مع التطورات التي لحقت نطاق الجرائم المصنفة كجرائم حرب ترتكب خلال فترة النزاعات المسلحة الدولية والوارد تعدادها في نظام محكمة روما الجنائية لعام 1998.
2-نقترح إدخال تدريس مادة القانون الدولي الإنساني باتفاقياته الأربع(اتفاقيات جنيف الأربع) ضمن مناهج الكليات العسكرية العراقية وبرامج التدريب العسكر وعدم الاكتفاء بتدريس اتفاقية جنيف الثالثة فقط كما كان معمول به سابقا في الكليات والمدارس العسكرية العراقية .
3-نقترح توسيع نطاق بروتوكول 1967 الملحق باتفاقية الأمم المتحدة الخاصة باللاجئين لعام 1951 ، بحيث يشمل كل شخص يفر من بلاده إما خوفاً من الاضطهاد الذي يتعرض له بسبب دينه أو عرقه أو جنسيته أو انتمائه إلى فئة اجتماعية أو آرائه السياسية ، أو يفر من بلاده بسبب عدوان خارجي أو سيطرة أجنبية أو أحداث تسبب اضطراباً للنظام العام لبلده الأصلي أو بلد جنسيته أو للبلد المقيم فيه جزئياً أو كلياً ، ليستوعب حالات اللجوء التي تظهر مع قيام حالات النزاعات المسلحة الدولية.
4- نقترح تعديل المادة (28) من نظام روما الأساسي التي قررت مسؤولية القادة والرؤساء عن انتهاكات القانون الدولي الانساني والقانون الدولي لحقوق الانسان بإيراد نص يقضي بأن المحكمة الجنائية الدولية هي المختصة في تحديد ان الإجراءات كانت لازمة ومعقولة ، التي يلزم انخاذها لمنع ارتكاب جرائم او انتهاكات في ضوء الاحتياطات المنصوص عليها في الملحق (البروتكول) الاول لاتفاقيات جنيف .فإذا ترك الأمر للدول والحكومات فلا نضمن عدم إنحيازها لاسيما وأن هؤلاء المسؤولين قد يكونوا في مواقع قيادية عالية المستوى ، ومن ثم فمن الممكن أن يؤثروا في دولهم وحكوماتهم في إتخاذ القرارات والمواقف بهذا الشأن .
– ونرى ان من الضروري ان يتضمين قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 النص على الجرائم المنصوص عليها في نظام روما الأساسي ، ذلك ان هذا النظام نقَّح القانون الجنائي الدولي خاصه فيما يتعلق بتعريف جريمة الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الأنسانية .

المصـــادر

* المصادر العربية :
أولاً : الكتب:
1. إبراهيم علي بدوي الشيخ “حقوق الإنسان بين المجتمع الدولي والمجتمعات القومية” بحث منشور في المجلة المصرية للقانون الدولي ، المجلد 34 ، 1978
2. د. أحمد عبد اله علي أبو العلا – تطور دور مجلس الأمن في حفظ السلام والأمن الدوليين – دار الكتب القانونية مصر 2005
3. د. أحمد الرشيدي – حقوق الإنسان – دراسة مقارنة في النظرية والتطبيق – مكتبة الشروق الدولية – ط – أولى – 2003
4. د.أحمد أبو الوفاء – الملامح الأساسية للمحكمة الجنائية الدولية – من كتاب المحكمة الجنائية الدولية – المواءمات الدستورية والتشريعية – إعداد المستشار شريف عتلم – اللجنة الدولية للصليب الأحمر – ط 3 – 2005
5. د. إسماعيل عبد الرحمن – الأسس الأولية للقانون الإنساني الدولي من كتاب القانون الدولي الإنساني تقديم الدكتور : احمد فتحي سرور – دار المستقل العربي – القاهرة – الطبعة الأولى – 2003
6. د. الشافعي محمد بشير ، القانون الدولي العام في السلم والحرب ، دار الفكر الجامعي ، القاهرة ، ط4 ، 1979 .
7. أيريك موريز ، مدخل إلى التاريخ العسكري ، تعريب اكرم ديري وهيثم الأيوبي ، المؤسسة العربية للدراسات والنشر ، ط2 ، 1979
8. القانون الدولي الإنساني : الواقع والطموح ، ندوة علمية برعاية د. حسان ريشة وزير التعليم العالي ، المعقودة في دمشق ، سوريا ، 4/5 تشرين الثاني ، 2000 ، الناشر مطبعة الداؤدي ، دمشق ، 2001 .
9. د. أمير موسى ، حقوق الإنسان مدخل إلى وعي حقوقي ، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت ، ط1 ، 1994 .
10. المحامي باسيل يوسف ، دبلوماسية حقوق الإنسان المرجعية القانونية والآليات ، بيت الحكمة ، بغداد ، 2002 .
11. المحامي باسيل يوسف ، سيادة الدول في ضوء الحماية الدولية لحقوق الإنسان ، مركز الإمارات للبحوث والدراسات الاستراتيجية ، أبو ظبي ، ط1 ، 2001 .
12. ثامر ابراهيم الجهماني – مفهوم الارهاب في القانون الدولي – دمشق – 1998
13. د. جون. اس. جيبسون ، معجم قانون حقوق الإنسان العالمي ، ترجمة سمير عزت نصار ، دار النسر للنشر والتوزيع ، عمان ، 1999
14. د. جان بكتيه ، القانون الدولي الإنساني تطوره ومبادئه ، الناشر معهد هنري دونان ، جنيف ، 1984 .
15. د. جان بكتيه ، مبادئ القانون الدولي الإنساني ، الناشر اللجنة الدولية للصليب الأحمر ، جنيف ، 1975 .
16. د. جعفر عبد السلام ، القانون الدولي لحقوق الإنسان : دراسات في القانون والشريعة الإسلامية ، دار الكتاب اللبناني ، بيروت ، 1998 .
17. د. جيرهارد فان غلان ، القانون بين الأمم ، تعريب إيلي وريل ، دار الآفاق الجديدة ، بيروت ، ج3 ، 1970 .
18. د. خيري احمد الكباش ، “الحماية الجنائية لحقوق الإنسان دراسة مقارنة في ضوء أحكام الشريعة الإسلامية والمبادئ الدستورية والمواثيق الدولية” ، دار الجامعيين ، القاهرة ، 2002.
19. دراسات في القانون الدولي الإنساني ، إعداد نخبة من المتخصصين والخبراء ، تقديم د. مفيد شهاب ، دار المستقبل العربي ، بيروت ، ط1 ، 2000 .
20. د. زيدان مريبوط ، مدخل إلى القانون الدولي الانساني ، المجلد الثاني لحقوق الانساني ، دار العلم للملايين ، بيروت 1988.
21. د. سهيل حسين الفتلاوي ، الوسيط في القانون الدولي العام ، دار الفكر العربـي ، بيروت ، 2002 .
22. د. سهيل حسين الفتلاوي ، مبادئ القانون الدولي الإنساني في حماية المدن والمدنيين والأهداف المدنية ، مطبعة عصام ، بغداد ، 1990 .
23. شريف عتلم – محمد ماهر عبد الواحد – موسوعة اتفاقيات القانون الدولي الإنساني – إصدار اللجنة الدولية للصليب الأحمر بالقاهرة – الطبعة السادسة 2005.
24. شارل زور غبيب ، الحرب الأهلية ، تعريب احمد برو ، منشورات عويدات ، بيروت ، 1981 .
25. د. شارل روسو ، القانون الدولي العام ، تعريب شكر الله خليفة وعبد المحسن سعد ، الأهلية للنشر والتوزيع ، بيروت ، 1982.

26. شارلوت ليندسي ، نساء يواجهن الحرب ، الناشر اللجنة الدولية للصليب الأحمـر ، جنيف ، 2002 .

27. د. صلاح الدين عامر ، المقاومة الشعبية المسلحة في القانون الدولي العام ، دار الفكر العربي ، القاهرة
28. د. ضاري خليل محمود والمحامي باسيل يوسف ، المحكمة الجنائية الدولية هيمنة القانون أم قانون الهيمنة ، بيت الحكمة ، بغداد ، 2002 .
29. د. عامر الزمالي ، مدخل إلى القانون الدولي الإنساني ، الناشر وحدة الطباعة والإنتاج الفني في المعهد العربي لحقوق الإنسان ، تونس ، 1997 .
30. د. عبد الكريم علوان ، الوسيط في القانون الدولي العام ، الكتاب الثالث ، حقـوق الإنسان ، مكتبة دار الثقافة للنشر والتوزيع ، عمان ، ط1 ، 1997 .
31. د. عبد الغني عبد الحميد محمود ، “حماية ضحايا النزاعات المسلحة في القانون الدولي الإنساني والشريعة الإسلامية” ضمن كتاب دراسات في القانون الدولي الإنساني إعداد نخبة من المتخصصين والخبراء تقديم د. مفيد شهاب.
32. د. عبد الواحد محمد يوسف الفار ، أسرى الحرب ، عالم الكتب ، القاهرة ، 1975.
33. د. عزت سعد السيد البرعي ، حماية حقوق الإنسان في ظل التنظيم الإقليمي ، مطبعة العاصمة ، القاهرة ، 1985
34. د. علي صادق أبو هيف ، القانون الدولي العام ، منشأة المعارف ، الإسكندرية ، ط1 ، 1993 .
35. د. فيصل شطناوي ، حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني ، دار الحامد ، عمان ، ط2 ، 2001 .
36. د. ليدل هارت ، نظرة جديدة إلى الحرب ، تعريب اكرم ديري ، الدار القومية للطباعة ، مصر ، 1965
37. د. محمد أمين الميداني – مكانة الفرد ومستقبل القانون الدولي الإنساني – من كتاب القانون الدولي الإنساني والعلاقات الدولية – مطبعة الداوودي- اللجنة الدولية للصليب الأحمر – 2003
38. د. محمد سعيد المجذوب ، القانون الدولي العام ، منشورات الحلبي ، الحقوقية ، بيروت، 2002 .
39. . د. محمد طلعت الغنيمي – المسؤليه الدوليه من منظور عصري 1997.
40. اللواء محمد عبد الجواد الشريف ، قانون الحرب : القانون الدولي الإنساني ، المكتب المصـري الحديث ، القاهرة ، ط1 ، 2003
41. د. محمد عزيز شكري – تاريخ القانون الدولي الانساني وطبيعته ضمن كتاب ، دراسات في القانون الدولي الانساني ، تقديم : د. مفيد شهاب ، دار المستقبل العربي ، ط1 ، بيروت ، 2000
42. د. محمد نور فرحات – تاريخ القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان من كتاب دراسات في القانون الدولي الإنساني تقديم الدكتور مفيد شهاب – دار المستقبل العربي – القاهرة – الطبعة الأولى – 2000.
43. د. محمد يوسف علوان ، حقوق الإنسان ، منشورات جامعة اليرموك ، عمان ، 1997
44. د. محمد سليم الطراونة ، حقوق الإنسان وضماناتها ، مركز جعفر للطباعة والنشر ، عمان ، 1994
45. د. محمود سامي جنينة ، قانون الحرب والحياد ، مطبعة لجنة التأليف والنشر والترجمة، القاهرة ، 1944
46. د. محمود شريف بسيوني ، المحكمة الجنائية الدولية ، مطابع روز اليوسف الجديدة ، القاهرة ، 2001 .
47. د. محمود شريف بسيوني ود. محمد السعيد الدقاق ود. عبد العظيم الوزير ، حقوق الإنسان ، دراسات حول الوثائق العالمية والإقليمية ، دار العلم للملايين ، بيروت ، المجلد (2) ، ط2 ، 1998 .
48. . د. مازن ليلو راضي و الدكتور حيدر ادهم عبد الهادي – المدخل لدراسة حقوق الانسان –دار قنديل الاردن 2006
49. د. مسعد عبد الرحمن زيدان – تدخل الأمم المتحدة في النزاعات المسلحة غير ذات الطابع الدولي – دار الكتب القانونية ، مصر – 2008
50. د. نعيم عطية ، النظرية العامة للحريات الفردية ، الدار القومية للطباعة والنشر ، القاهرة ، 1965 .

ثانياً : البحوث:
1. أ. إبراهيم علي بدوي الشيخ ، حقوق الإنسان بين المجتمع الدولي والمجتمعـات القومية ، المجلة المصرية للقانون الدولي ،المجلد (34) ، 1978 .
2. ايف ساندو – نحو انفاذ القانون الدولي الإنساني – من كتاب دراسات في القانون الدولي الإنساني – تقديم مفيد شهاب.
3. د . عامر الزمّالي – آليات القانون الدولي الإنساني – من كتاب القانون الدولي الإنساني – تقديم أحمد فتحي سرور.
4. إجراءات اللجنة الدولية للصليب الأحمر في حالات انتهاك القانون الدولي الإنساني ، المجلة الدولية للصليب الأحمر ، الناشر اللجنة الدولية للصليب الأحمر ، جنيف ، عدد آذار-حزيران ، 1981 .
5. العميد حسين عيسى مال الله- حسين عيسى مال الله -مسئولية القادة والرؤساء والدفع باطاعة الاوامر العليا – بحث منشورفي كتاب القانون الدولى الانساني منشورات اللجنة الدولية للصليب الاحمر 2006

6. المسنين في حالات النزاعات المسلحة ، بحث منشور على الموقع :
o.nsf/iwp list 246.
7. محمد المجذوب ، المقاومة الشعبية المسلحة في القانون الدولي العام على الموقع :
www.almoqawama.org/arabic/rt-resis

ثالثاً : الرسائل الجامعية:
1. د. سلون رشيد السنجاري-القانون الدولي لحقوق الانسان ودساتير الدول-اطروحة دكنوراة مقدمة الى كلية القانون -جامعة الموصل -2004
2. ناجي القطاعنة – العلاقة بين القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان – جامعة دمشق – كلية الحقوق – 2005 -2006
3. د.نغم اسحق زيا, دراسة في القانون الدولي الانساني والقانون الدولي لحقوق الانسان, اطروحة دكتوراة مقدمة الى كلية القانون –جامعة الموصل 2004

رابعا: الاتفاقيات الدولية:
1.ميثاق الأمم المتحدة .
2.اتفاقية الأمم المتحدة الخاصة بوضع اللاجئين لعام 1951 .
3.العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لعام 1966 .
4.العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية لعام 1966 .
5.اتفاقية جنيف الأولى لتحسين حال الجرحى والمرضى بالقوات المسلحة في الميدان لعام 1949 .
6.اتفاقية جنيف الثالثة المتعلقة بمعاملة أسرى الحرب لعام 1949 .
7.اتفاقية جنيف الثانية لتحسين حال جرحى ومرضى وغرقى القوات المسلحة في البحار لعام 1949
8.اتفاقية جنيف الرابعة المتعلقة بحماية المدنيين في الحرب لعام 1949
9.اتفاقية لاهاي الرابعة الخاصة باحترام قوانين وأعراف الحرب البرية لعام 1907 .
10.الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان الصادرة عن منظمة الدول الأمريكية لعام 1969 .
11.الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان الصادرة عن المجلس الأوربي لعام 1950 .
12.الاتفاقية العربية لحقوق الإنسان المعتمد في مجلس جامعة الدول العربية لعام 1994 .
13.البروتوكول الإضافي الأول الملحق باتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949 والمتعلق بحماية ضحايا النزاعات المسلحة الدولية والمعتمد في 1977 .
14.البروتوكول الإضافي الثاني الملحق باتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949 والمتعلق بحماية ضحايا النزاعات المسلحة الداخلية والمعتمد في 1977 .
15.البروتوكول الاختياري الملحق باتفاقية الحقوق المدنية والسياسية والمعتمد في 1966 .
16.نظام محكمة روما الجنائية لعام 1998 .

خامسا: المصادر الأجنبية :
1. Draper ,G. I. A. D., 1971. The relationship between the human rights
regime and the law of armed conflict, icrc, Geneva.

2. Marco Sassoli, Antoine A. Bouvier and et al, 1999. “How Does law
Protect in War”, int. committee of red cross, Geneva.

3. Philippe Breton, 1998. ”Actualite du droit int. humanitaire applicable
dans les conflect armes”, hubert thierry “ Levolution du droit, Melangs
offerts,A. Pedone, Paris.

4. Ramesh Thakur,2000. ”Global norms and int. humanitarian law” int.
review of red cross, icrc , Vol. 83, No. 841, Geneva.

5. Sane as bard , 1970 . The Interrelationship Between Human Tarian
– Laws and the Law of Human Rights , Revuedre Droits Penel
Iditaire et de Droit de la Guerre Sumer.

6. Shigeki Miyazaki,1984. “The Martens clause and int. humanitarian
law”, Jean Pectit and Christophe Swinarski, studies and essays on int.
humanitarian law, Martinus Nijhoff, Geneva .

7. Strake,J. G.,1977. An introduction to international law, Butt Erworths,
London,UK.

1- G. I. A. D. Draper, The relationship between the human rights regime and the law of armed conflict, icrc, Geneva,1971.

J. G. Strake, An introduction to international law, Butt Erworths, London,1977, 2-
– 3- Marco Sassoli, Antoine A. Bouvier, and others, “How Does law Protect in War”, int. committee of red cross, Geneva, 1999.

4- Philippe Breton,”Actualite du droit int. humanitaire applicable dans les conflect armes”, hubert thierry “ Levolution du droit, Melangs offerts,A. Pedone, Paris1998.

5-. Ramesh Thakur, ”Global norms and int. humanitarian law” int. review of red cross, icrc, Geneva, Vol. 83, No. 841, 2000

6-Shigeki Miyazaki, “The Martens clause and int. humanitarian law”, Jean Pectit and Christophe Swinarski, studies and essays on int. humanitarian law, Martinus Nijhoff, Geneva, 1984,

7 – Sane as bard , The Interrelation Ship Between Human Tarian – Laws and the Law of Human Rights , Revuedre Droits Penel Iditaire et de Droit de la Guerre Sumer 1970.

———————————————————–
تمت إعادة النشر بواسطة محاماة نت.