الطرق الشكلية للكتابة في الدراسات القانونية

عالي طوير

دكتور في القانون الخاص

عضو هيئة تحرير مجلة القانون و الأعمال

تــمــهيــد:

من علامات قوة و جدية أي كتابة أكاديمية أو بحثية في مجال العلوم القانونية، مدى التزام الباحث بالقواعد و الأسس الشكلية المتعارف عليها في مختلف مناهج البحث العلمي الخاصة بمجال القانون، ابتداء من طريقة صياغة العنوان وتحديد الإشكالية،مرورا بكيفية كتابة الهوامش وتصفيف المراجع المتعلقة بموضوع البحث وترتيبها، وصولا إلى التدليل على مختلف وجهات النظر و استنباط النتائج منها إلى غاية وضع الإستناجات المناسبة في الخاتمة.

ففي زمن التطور التكنولوجي الكبير،أصبحت المعلومة في شتى المعارف و العلوم متوفرة بشكل كبير عبر فضاءات للبحث في شبكة الانترنت، ولم تعد المكتبات المتخصصة تجد عناء في تصفيف الكتب و المصادر المختلفة في الرفوف التقليدية،بل أصبحت هنالك منصات إلكترونية توفر خدمة التعلم و النهل من معين كل العلوم للراغبين فيها بكبسة زر واحدة،وهنا يبقى الفيصل الوحيد في تمييز الباحث المتميز عن غيره – أمام هذا التوفر – هو طريقة استغلال هذه المراجع خصوصا على المستوى الشكلي الذي يعد حجر الزاوية في الحفاظ على مصداقية المعلومات المدونة و الرقي بجودة البحث العلمي.

سنحاول من خلال هذا المقال تبسيط بعض الأبجديات والقواعد الشكلية للكتابة السليمة في حقل العلوم القانونية من خلال ما جاد به أساتذة المنهجية القانونية المتخصصين في المجال.

أولا: العنوان

عموما،يعتبر العنوان أول عنصر يفكر فيه الباحث لتحديد مجال كتابته،و أول عنصر أيضا يتلقاه القارئ المتخصص أو العادي قبل الخوض في متن أي بحث ما،لهذا يحبذ في العنوان أن يكون مركزا وموجزا بصياغة جيدة، ويعبر عن ما سيتم تناوله في تفاصيل البحث.

فالعنوان في مجال الدراسات القانونية يراد منه إرشاد القارئ عن ما سيتم تناوله في صلب الموضوع بطريقة علمية وأكاديمية صرفة،بعيدا عن لغة الإثارة أو الجذب – كما هي عناوين الصحف-،وهنا يجب على الباحث أن يتحرى قدر الإمكان التقيد بما ضمنه في العنوان و الإجابة عنه في مختلف صفحات البحث و ألا يتجاوزه أو يغفل عنصرا منه.

مثال : ” المسؤولية المدنية للمحافظ في التشريع العقاري المغربي”
هذا العنوان يفترض أن يقوم الباحث بتناول المسؤولية المدنية للمحافظ وتحديد ما إذا كانت مسؤولية عقدية أو تقصيرية أو حتى مهنية إن وجدت،فلا يصح مثلا أن يتصفح القارئ المتن المدون، ويجد الباحث يتحدث عن المسؤولية الجنائية للمحافظ في حين أن العنوان يحيل على المسؤولية المدنية فقط.

ثانيا:المقدمة

تشكل المقدمة الإطار العام و المدخل الأساسي للموضوع المراد تناوله،وتقوم بمهمة تكوين صورة أولية لدى المتلقي حول البحث ومستوى تشكله النظري و الحقول المعرفية المرتبطة به بشكل مركز و موجز دون الدخول في التفاصيل الدقيقة – التي تترك للمتن-.

ويعتبر المتخصصون في مناهج العلوم القانونية أن المقدمة ” آخر ما يكتب”، على اعتبار أن الباحث عندما ينهي بحثه تكون قد تولدت لديه صورة واضحة حول ما تم تدوينه وبالتالي يفرغ هذه التصورات و إشكالية البحث في المقدمة بشكل سلس ودقيق يعبر عن المجهود المبذول في التدوين.

هكذا، يجب أن تتضمن المقدمة العناصر التالية:

التعريف بموضوع البحث وأهميته.
الإطار التاريخي للبحث- إن وجد -.
إيراد نطاق البحث و ارتباطه المعرفي ( قانون العقود، المسطرة المدنية، قانون التجارة الدولية الخ..).
تحديد إشكالية البحث الرئيسة، و الإشكاليات الفرعية.
أما بالنسبة لآخر عنصر يكتب في المقدمة فهو التقسيم المعتمد في البحث،حيث جرى العرف الأكاديمي على الاقتصار على إيراد عناوين البابين – أو القسمين – فقط ،وترك التقسيمات الأخرى للأجزاء القادمة في البحث لذكرها ( مثلا في تقديم الباب الأول يذكر الباحث عناوين الفصلين الأول و الثاني فقط،وفي تقديم الفصل الأول يتم إيراد عناوين المبحثين فقط،وهكذا دواليك…).

بقي أن نشير إلى مسألة في غاية الأهمية تتعلق بحجم المقدمة مقارنة مع الحجم الإجمالي للبحث،ونذكر هنا بأن هناك شبه إجماع من المتخصصين في المنهجية القانونية على أن الأمر يبقى محط السلطة التقديرية للباحث، ويراعى فيها فقط أن تكون في مستوى كمي يعكس عدم التكافؤ بينها وبين خاتمة الموضوع.

ثالثا: منهجية البحث

إن مسألة تقسيم البحث تعتبر في غاية الأهمية، على اعتبار أن العديد من البحوث القانونية تكاد تفقد جودتها لعلة التقسيم المتبع فيها، الذي لا يكون في أحايين كثيرة محترما للترتيب الجيد والمنطقي للأفكار.

رابعا: الإحالة في الهوامش

تعتبر الهوامش من أهم أجزاء البحث،حيث تلعب أدوارا متعددة بحسب توظيف الباحث لها،فقد تكون وسيلة لإسناد الرأي إلى صاحبه الأصلي حفاظا على الأمانة العلمية،أو للتعمق في نقطة ما لا يتسع متن البحث لإيرادها عبر إضافة شروح إضافية،أو لاستحضار نصوص قانونية تهم الموضوع المتناول،قد تكون أيضا موضوعا لإيراد النصوص أو الاقتباسات المترجمة في المتن بلغتها الأصلية.

على مستوى مناقشات الأطاريح و الرسائل الجامعية،يجمع أغلب الأساتذة على أن من أهم المؤشرات على جودة البحث هو غزارة الهوامش الموظفة فيه.

تبقى الإشارة أنه عند الإحالة على المراجع في الهامش تراعى مجموعة من الضوابط الشكلية بحسب نوع المراجع كالتالي:

ضوابط الإحالة على الكتب:
اسم المؤلف، اسم الكتاب، الطبعة، الجزء، الناشر، مكان النشر، السنة، الصفحة.

مثال:

الصادق محمد المهدي: الالتزام قبل التعاقدي بالإدلاء بالبيانات المتعلقة بالعقد و تطبيقاته على بعض أنواع العقود- دراسة فقهية قضائية مقارنة- ،دار النهضة العربية القاهرة،الطبعة الثانية 1985.

ضوابط الإحالة على الأطاريح و الرسائل الجامعية:
إسم الباحث،موضوع البحث،نوع البحث–أطروحة أو رسالة- ،الكلية،الجامعة،السنة الجامعية،الصفحة.

مثال:

عبد الكريم الطالب: العرف في التشريع المغربي،أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص،كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية،جامعة القاضي عياض مراكش،السنة الجامعية 2000-2001.

ج- ضوابط الإحالة على المقالات:

اسم صاحب المقال،عنوان المقال،المجلة المصدرة للمقال،رقم العدد،السنة،الصفحة.

مثال:

فؤاد معلال:بعض مظاهر حماية الطرف الضعيف في عقد التأمين بمدونة التأمينات الجديدة، مجلة الإشعاع، العدد التاسع والعشرون،غشت 2004،ص..

د- ضوابط الإحالة على القرارات أو الأحكام القضائية:

نوع العمل القضائي – حكم أو قرار-، الجهة المصدرة،تاريخ الصدور،رقم الملف وعدده،الجهة الناشرة – إذا كان منشور،أما إذا لم يكن كذلك فتتم الإشارة إلى أنه غير منشور-.

مثال:

قرار المجلس الأعلى صادر بتاريخ 8 مايو 1986،عدد 18736 في الملف الجنائي رقم 84/11874،منشور في المجلة المغربية لقانون و اقتصاد التنمية،عدد 25،1990،ص 159 وما بعدها.

ه-ضوابط الإحالة على المصادر الإلكترونية:

بيانات المرجع كاملة- اسم المؤلف، وعنوان المرجع، ومكان النشر، ودار النشر، وتاريخ النشر-، والرابط الإلكتروني الكامل URL، وتاريخ زيارة الموقع.

مثال :

محمد خلوقي:الحق في التراجع عن العقود الاستهلاكية – دراسة في ضوء نظرية التعسف في استعمال الحق-،مقال منشور في موقع مجلة القانون والأعمال الإلكترونية،تاريخ الزيارة 09 يناير 2018 على الساعة 17H08 .

http://www.droitetentreprise.com/%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%82-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D8%AC%D8%B9-%D8%B9%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%82%D9%88%D8%AF%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D9%87%D9%84%D8%A7%D9%83%D9%8A%D8%A9-2./

الخاتمة:

تشكل الخاتمة نتاجا لمختلف الأفكار والنتائج التي توصل إليها الباحث من خلال بحثه، وثمرة للجهود التي قام بها عبر امتداد صفحات البحث.

ويبقى المؤشر الأكبر حول جودة الخاتمة،مدى قدرة الباحث على عرض الاستنتاجات والخلاصات والإجابات المختزلة عن الأسئلة التي طرحت في المقدمة،والاقتراحات التي من شأنها أن تجد حلولا للإشكاليات التي أثارها البحث.

لائحة المراجع المعتمدة:

شلبي أحمد: كيف تكتب بحثا أو رسالة,الطبعة السادسة, مكتبة النهضة المصرية القاهرة,, 1968.
عبد الكريم عبد الغريب: البحث العلمي-التصميم المنهج والإجراءات- الطبعة الثانية,المكتب الجامعي الحديث الإسكندرية, 1982.
كامل محمد: أساليب البحث العلمي, الطبعة الأولى, الدار العلمية للنشر والتوزيع عمان, 2002.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت