بحث على هامش قانون الإجراءات الجنائية

بحث على هامش قانون الإجراءات الجنائية
مجلة المحاماة – العدد الخامس – السنة الثانية والثلاثون
بحث على هامش قانون الإجراءات الجنائية
لحضرة الأستاذ محمود عز الدين سالم قاضي التحقيق
(1)

في 15 من أكتوبر سنة 1951 نشر القانون رقم (150) لسنة 1950 بإصدار قانون الإجراءات الجنائية ونص في مادته الأولى على إلغاء قانون تحقيق الجنايات المعمول به أمام المحاكم الوطنية، والقانون رقم (4) لسنة 1905 بتشكيل محاكم الجنايات، والقانون رقم (19) لسنة 1941 الخاص بالأوامر الجنائية، والمرسوم بقانون (41) لسنة 1931 بشأن إعادة الاعتبار والمرسوم بقانون الصادر في 9 فبراير سنة 1926 يجعل بعض الجنايات جنحًا إذا اقترنت بأعذار قانونية أو ظروف مخففة على أن يُستعاض عن هذه القوانين جميعًا بقانون الإجراءات الجنائية المرافق ونص في مادته الثانية على أنه يعمل به بعد ثلاثين يومًا من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية أي اعتبارًا من يوم 15 نوفمبر 1951، ولم يتضمن قانون الإصدار ولا قانون الإجراءات الجنائية أية أحكام وقتية تنظم كيفيه العمل بالقانون الجديد ولا وسيلة الانتقال من عهد كانت القوانين الملغاة هي التي تنظم أحكامه بمعنى أن كل ما تم في ظلها تم صحيحًا مطابقًا للأوضاع القانونية السليمة إلى العهد الجديد الذي يجب أن يعمل فيه بقانون جديد استحدث بعض الأحكام وعدل أو غير في الأحكام الأخرى ففصل بين سلطتي التحقيق والاتهام في الجنايات وجعل الأولى في يد قاضي التحقيق وحده وخص النيابة العامة بالثانية إلى غير ذلك من نظم وأحكام قصد بها استكمال النقص الذي بان في القوانين الملغاة ومسايرة التشريعات الحديثة بما يحقق ضمان احترام الحريات وحقوق الإنسان ويوجب العمل على ألا يفلت الأثيم من العقاب وأن ينال العابث بأمن المجتمع وطمأنينيته الجزاء الحق على ما قارف من جرائم وما ارتكب من آثام وكان الأوفق بالمشروع المصري أن يضمن قانون الإصدار أو قانون الإجراءات الجنائية بعض الأحكام الوقتية التي تنظم وسيلة الانتقال أخذًا بما أتبعه في القانون رقم (77) لسنة 1949 بإصدار قانون المرافعات المدنية والتجارية وقانون المرافعات المدنية والتجارية ذاته في باب الأحكام العامة حيث وردت في هذين القانونين أحكام وقتية دقيقة نظمت وسيلة سريان قانون المرافعات المدنية والتجارية على الدعاوى أو الإجراءات التي لم تكن قد تمت قبل العمل به أما وقد أغفل المشرع بيان هذه الأحكام فقد ترتب على ذلك اختلاف وجهات النظر في كيفية التصرف في القضايا الباقية أو كيفية الأخذ بالأحكام المستحدثة أو المعدلة أو المغيرة بالنسبة لمختلف الأوضاع والإجراءات التي سارت في طريقها ولم تصل إلى النهاية بعد وهو خلاف لا شك جوهري ينشأ عنه في غالب الأحيان البطلان المطلق أو النسي وخاصةً إذا روعي أن غالبية الجنايات الواقعة في خلال سنة 1951 لم يتم التصرف فيها وأن في بعضها متهمون محبوسون في ظل أحكام القانون الملغى ومن الضروري أني يتم التصرف فيها وأن يمتد حبس المتهمين أو يخلى سبيلهم إلى غير ذلك من أمور خطيرة يتعين الفصل فيها سريعًا وكان النائب العام أسبق من فكر في وضع تعليمات وإصدار منشورات أو كتب دورية لوكلائه لتنظيم العمل بالقانون الجديد والذي استبان لنا من مراجعتها أنها لم تحسم الجدل الفقهي الذي يمكن أن ينشأ عن تنفيذ هذا القانون ولم تجلِ ما غمض في نصوصه فاكتفت بسرد مواد القانون المتصلة بالنيابة مع قليل من التعليقات المشوبة بالكثير من المجافاة لروح القانون ونصوصه والرغبة في بسط سلطان النيابة العامة بما لا يتفق وهذه الروح فأحدث هذا تباعدًا بين وجهات النظر المختلفة حملنا وقد حملنا أمانة التحقيق وسهت الهيئة القضائية بوزارة العدل عن سن تعليمات تنير الطريق أمام عملائها من رجال القضاء والنيابة والمحاماة أن تبحث الأمر في تعمق، وأن تنشر على الملأ نتيجة ما وصل إليه بحثنا خاصًا بكيفية تنظيم فترة الانتقال وبشرح طريقة تنفيذ الأحكام الغامضة بالقانون على أن يقتصر بحثنا على التطبيقات العملية دون غيرها وخاصة الحالات التي غفل عنها من سبقنا من المؤلفين في شرح قانون الإجراءات الجنائية ولكي يكون بحثنا منتجًا رأينا أن نبدأ بوضع القواعد العامة ثم نرتب عليها ما يمكن استنتاجه منها.

والقاعدة الأساسية التي تنظم كيفية تنفيذ القوانين الجديدة هي معرفة مدى سريان هذه القوانين على الماضي وهل تسري على الوقائع والإجراءات التي حدثت قبل تنفيذها من عدمه والإجماع أن القوانين الموضوعية

– كقانون العقوبات – لا تسري على الماضي وأنها تنفذ فقط بالنسبة للوقائع التي تحدث بعد العمل بها إلا في بعض حالات نادرة نص عليها كما جاء في المادة الخامسة من قانون العقوبات المصري، أما بالنسبة لقوانين الإجراءات والتنظيم القضائي والقوانين الشكلية فالأصل الذي أجمع عليه الفقهاء والشراح أنها تسري على الماضي بمعنى أنها تطبق مباشرةً من يوم نفاذها على جميع التحقيقات أو الدعاوى التي لم يفصل فيها بعد والتي تتعلق بوقائع سابقة على تاريخ صدور هذه القوانين، وقد أخذ المشروع المصري بمقتضيات هذه القاعدة في الأمر العالي الصادر بتنفيذ أحكام قانون تحقيق الجنايات الملغى حيث جاء في المادة الثانية من هذا الأمر أنه (يعمل بالقواعد المختصة بالإجراءات المنصوص عليها في القانون الجديد في جميع التحقيقات التي لم تكن تمت إلى يوم وجوب العمل بهذا القانون وفي كل دعوى تكون منظورة أمام أي محكمة بعد هذا التاريخ ابتدائية أو استئنافية وكل حكم يصدر بعد التاريخ المذكور من أية محكمة ينفذ طبقًا لأحكام القانون الجديد….)، ويبدو أن المشرع المصري لم يرَ أخيرًا ما يدعو للنص على هذه القاعدة في قانون الإجراءات الجنائية الجديد باعتبار أنها قاعدة أساسية مسلم بها ولا حاجة للنص عليها وعلة هذه القاعدة هي أن قوانين الإجراءات الجنائية إنما يقصد بها تنظيم التقاضي بطريقة تكفل إظهار الحقيقة وتحقيق العدالة وأنها والحالة هكذا لا تقرر كقاعدة عامة حقوق مكتسبة للأفراد حتى يمكن أن يقال بأن إلغاء مثل هذه القوانين أو تعديلها قد يترتب عليه إخلال بهذه الحقوق فليس المتهم إذن أن يدعي أن له حقًا مكتسبًا في التمسك بالإجراءات المقررة لمصلحته في التشريع المعاصر لموضوع الجريمة لأن حقه ينحصر في تمكينه من الدفاع عن نفسه وإثبات براءته وللمشرع وحده الحق في تعيين السلطات التي يبدي أمامها وسائل دفاعه وبيان الوسيلة التي تتبع للوصول إلى هذا الغرض.