دراسة وبحث قانوني واسع عن منازعات الوعاء الضريبي أمام القضاء الإداري المغربي

مقدمــــــــــــــــة

تشكل الضرائب والرسوم التي في حكمها أهم مورد مالي لميزانية الدولة والجماعات المحلية، وتساهم بشكل فعال في تمويل النفقات العمومية، وإنعاش الحياة الاقتصادية والاجتماعية بالبلاد.

وقد عهد المشرع لإدارة الضرائب والخزينة العامة، أمر فرضها وتحصيلها وزودها من السلطات والامتيازات العامة بما يكفي لأداء وظيفتها تلك، وفي المقابل سن ضمانات واسعة للخاضعين للضريبة لحمايتهم من كل تعسف أو شطط قد يرتكب في حقهم من طرف الإدارة الضريبية ضد حقوقهم المالية.

ويستمد الإلزام الضريبي مصدره من مضمون الدستور كقانون أسمى، حيث نص الدستور المغربي المعدل سنة 1996 في المادة 17 بأن ” على الجميع أن يتحمل كل قدر استطاعته التكاليف العمومية التي للقانون وحده الصلاحية لإحداثها وتوزيعها حسب الإجراءات المنصوص عليها في الدستور” .

و يقوم النظام الضريبي بالمغرب على الثلاثية الجبائية المعروفة لدى أغلب الدول، في إطار عولمة الأنظمة الضريبية أي إخضاع الشركات لضريبة خاصة، والأشخاص الذاتيين وشركات الأشخاص لضريبة عامة على الدخل بالنسبة لمجموع دخولهم، ثم ضريبة عامة على الإنفاق وبعض الضرائب النوعية كالضريبة المهنية أو الحضرية إلى جانب النظام الجبائي المحلي.

غير أن الإدارة الضريبية التي منحها المشرع عدة صلاحيات تتعلق بتأسيس الوعاء الضريبي، قد تخل ببعض الضمانات القانونية المخولة للملزمين من مثل : التبليغ بفرض الضريبة، احترام الإجراءات المسطرية المتعلقة بتصحيح أسس الضريبة أو الفرض التلقائي لها، الإعفاءات الجبائية …

مما يؤدي إلى نشوء نزاع بين الإدارة والملزم.

والنزاع الضريبي في مفهومه الضيق، كخلاف بين طرفين، هما الإدارة والملزم، يدفع فيه كل طرف بموقف متعارض مع موقف الطرف الآخر أمام جهاز قضائي يفصل بينهما بإصدار حكم تنفيذي وملزم.

وفي مفهوم أوسع يعرف النزاع الجبائي بأنه ” مجموعة الأساليب القانونية التي يتم بمقتضاها فض النزاعات التي تنشأ عن تطبيق قانون الضريبة من طرف الإدارة الجبائية على الملزم”.(1)

وينحصر النزاع الجبائي في صنفين هامين هما المنازعات في الوعاءcontentieux de l’assiette والمنازعات في التحصيلcontentieux de recouvrement.

وسنقتصر على تعريف منازعات الوعاء الضريبي لأن بحثنا سيتناولها فقط، ” فالنزاع في الوعاء هو نزاع في أساس الضريبة، أي النزاع الذي يخول للجهة التي تبث فيه صلاحية البحث فيما إذا كانت الضريبة قد تأسست مطابقة للمقتضيات التشريعية والتنظيمية، وفي حالة ما إذا تبين لها العكس فمن سلطتها أن تقرر إسقاطا جزئيا أو كليا لهذه الضريبة.

فالنزاع في الوعاء لا يخلو من احتمالين اثنين :

عبد القادر ثيعلاتي ، النزاع الضريبي في التشريع المغربي، دار النشر المغربية ، طبعة 2002 ص 12.
· إما أن الملزم لا ينازع مبدأ خضوعه للضريبة، وإنما ينازع في العناصر الواقعية التي اعتمدتها الإدارة أو اللجنة الضريبية كأساس لتحديد الضريبة وهنا يطالب بإسقاط جزئي لمبلغها ونكون هنا أمام نزاع في الوقائع.

· وإما أن الملزم ينازع مبدأ خضوعه للضريبة، أي يعتبر وضعه غير مشمول بنطاق تطبيقها، وهنا يطلب بإسقاطها كليا ونكون أمام نزاع قانوني.

وتجدر الإشارة، إلى أن الملزم لا يحق له أن يرفع نزاعه في الوعاء الضريبي مباشرة إلى القضاء الإداري، بل إن القانون اشترط صراحة لصحة الدعوى القضائية في المجال الجبائي أن يستنفذ الملزم طعنا سابقا أمام الإدارة الجبائية، أو أمام اللجان الضريبية حسب الحالات، فتقديم المطالبة النزاعية أمام الإدارة الجبائية في مجال منازعات الوعاء الضريبي إجراء إلزامي قبل نشر الخلاف أمام أنظار القضاء.

لكن إذا باشرت الإدارة الجبائية فحصا جبائيا في حق الملزم، أو أعادت النظر في العناصر التي صرح بها، فيحق للملزم التقدم بالطعن مباشرة أمام اللجن الضريبية المختصة.

وبعد استنفاد الطعن خلال المرحلة الإدارية يحق له التقدم بالمنازعة الضريبية أمام القضاء الإداري طبقا للمادة الثامنة من القانون رقم 90/41 المحدث للمحاكم الإدارية(1)التي نصتعلى ما يلي : ” تختص المحاكم الإدارية … تطبيق النصوص التشريعية والتنظيمية المتعلقة بالانتخابات والضرائب ونزع الملكية لأجل المنفعة العامة، وبالبثفي الدعاوى المتعلقة بتحصيل الديون المستحقة للخزينة العامة”.
وقد نظم الباب الخامس من نفس القانون من المادة 28 إلى المادة 36 اختصاص المحاكم الإدارية فيما يتعلق بالضرائب وتحصيل الديون المستحقة للخزينة والديون التي في حكمها.

وقد عرفت منازعات الوعاء أمام القضاء بالمغرب تطورات متلاحقة، فقبل الحماية كان “القضاء الجبائي” يقوم به والي المظالم، فقد كان بإمكان من أصابه ضرر من أحد عمال المملكة أن يتقدم بتظلم إلى وزير الشكايات الذي يسجله ويلخصه ويعرضه على السلطان، وبالفعل تقدم العديد من المواطنين بتظلماتهم إلى والي المظالم بخصوص الحيف والظلم الذي كان يمارس عليهم من طرف بعض جباة الضرائب.

و السلطان بنفسه كان ينظر في بعضها.

أما خلال فترة الحماية، فقد أدخلت فرنسا بمقتضى بنود الحماية لسنة 1912 عدة إصلاحات همت النظام القضائي المغربي وذلك بإنشاء محاكم صلحية، محاكم ابتدائية، ومحاكم استئنافية.

و صدرت خلال هذه الفترة عدة نصوص ذات طبيعة جبائية مثل ظهير 9 أكتوبر 1920 بإحداث ضريبة على البحار وظهير 9 نونبر 1926 الذي يتعلق باستخلاص الديون للبلدية… (2)

1. قانون رقم 90-41 الصادر بالجريدة الرسمية عدد 4227 بتاريخ 03/11/1993.

2.العربي الكزداح ” الطعون الجبائية في ظل المحاكم الإدارية بالمغرب” أطروحة لنيل الدكتورة في الحقوق ، الموسم الجامعي 2003-2004، جامعة محمد الخامس أكدال، كلية الحقوق، من ص 15 إلى ص 46.

و حددت هذه النصوص المحاكم المختصة في النزاع الجبائي والإجراءات التي يلزم القيام بها لرفع النزاع أمامها – أي المحكمة الابتدائية- .

أما بعد استقلال المغرب فقد تم إنشاء المجلس الأعلى بمقتضى الظهير الشريف الصادر في 27 شتنبر 1957.

وخلال هذه الفترة وبالرغم من الإصلاحات المتوالية التي عرفها الجهاز القضائي، فإن المحاكم الابتدائية كانت هي المختصة في منازعات الوعاء الضريبي بالنظر للولاية العامة التي تتمتع بها في جميع أنواع القضايا طبقا للفصل 18 من قانون المسطرة المدنية(1)، ويمكن استئناف الأحكام الصادرة عنها أمام محاكم الاستئناف.

في حين أن المجلس الأعلى يختص بالطعن بالنقض، والطعون الرامية إلى إلغاء القرارت الإدارية بسبب تجاوز السلطة.

وفي سنة 1993 سيتم إنشاء المحاكم الإدارية كمحاكم متخصصة بالنظر في المنازعات الإدارية ومنها منازعات الوعاء الضريبي وذلك مواكبة للتحولات الكبرى التي عرفها المغرب.(2)

وأخيرا تم إصدار القانون رقم 03-80 المحدث لمحاكم الاستئناف الإدارية تأكيدا لرغبة المغرب في بناء دولة الحق والقانون القائمة على احترام المشروعية ومبادئ حقوق الإنسان، وبالتالي ستصبح الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى تقوم بدورها الأصيل كمحكمة قانون بعد أن كانت ولمدة 13 سنة تنظر كمحكمة موضوع في استئناف الأحكام الصادرة عن المحاكم الإدارية .(3)

ويحتل هذا الموضوع أهمية بالغة في الظروف الراهنة اعتبارا لما يلي :

– راهنية البحث بالنظر للإصلاحات التي يعرفها المغرب من أجل جلب الاستثمارات وتمتيع المقاولات بكافة الضمانات القانونية ،ومن بينها الضمانات التي يوفرها القضاء الإداري بخصوص المنازعات الضريبية.

– القانون الضريبي يحتل أهمية قصوى في حياة المجتمعات لارتباطه بالاقتصاد الذي هو عصب المجتمع، ومصدر العديد من النزاعات الدولية خاصة مسائل الإزدواج الضريبي الدولي، والوطنية، وكدا عنصر أساسي في التنمية.

– موضوع منازعات الوعاء الضريبي أمام القضاء الإداري لازال يتميز بقلة الدراسات القانونية

والبحوث العلمية داخل فضاء الجامعة المغربية ومن ثمة فإن المجال لازال خصبا للبحث والتنقيب.
1.قانون رقم 447-47 المتعلق بالمسطرة المدنية، منشورات إيديسوفت للطباعة والنشر ، الطبعة الأولى 2003-2004 مطبعة النجاح الجديدة.

2. العربي الكزداح ” م.سابق من ص 15 إلى ص 46.

3. كلمة وزير العدل السباق بأشغال اليوم الدراسي الذي نظمته المدرسة الوطنية للإدارة حول موضوع ” تطور القضاء الإداري بالمغرب في ضوء أحداث محاكم استئناف الإدارية ” يوم 22 نونبر 2006.

كما أنا أغلب المنازعات المطروحة أمام القضاء الإداري المتعلقة بالضريبة هي منازعات الوعاء، وأن سلطات القاضي ودوره خلالها دور واسع تفتح أمامه باب الاجتهاد والإبداع وتجاوز ثغرات النصوص الضريبية التي تتميز بالتشتت والغموض، خلافا لمنازعات التحصيل التي للقاضي دور محدود فيها.

وموضوع المنازعات الضريبية يطرح عدة أسئلة في سياق التحولات الديمقراطية التي يعرفها المغرب، وتنامي ثقافة حقوق الإنسان وحقوق الملزم الضريبي.

فإلى أي حد سن المشرع الضريبي نصوص قانونية تتضمن وتحتوي ضمانات لصالح الملزم الطرف الضعيف في المعادلة الضريبية، أمام إدارة قوية هي إدارة الضرائب؟ وما دور القضاء الإداري في حماية هاثه الضمانات التشريعية؟ وهل عمل على خلق قواعد ومبادئ جديدة لصالح الملزم؟

وترتيبا على ما سبق فإنإشكالية البحث التي تتفرع إلى مجموعة من الإشكاليات، تتلخص في البحث عن التوازن بين طرفي العلاقة في منازعات الوعاء الضريبي، وعن الضمانات التي خولها التشريع الجبائي للملزم، وكيف عمل القاضي الجبائي على حمايتها، أو سن ضمانات جديدة من خلال اجتهاداته في مجال الوعاء الضريبي، وذلك عبر دراسة بعض أهم المنازعات التي عرضت أمامه في المجال.

وسنعتمد في معالجة ودراسة هذه الإشكالية على الدارسات التحليلية والنقدية للعمل القضائي الصادرة في مجال الوعاء الضريبي وفقا للمناهج التالية :

– المنهج التاريخي : لمعرفة مدى التطور الحاصل في تناول الإجتهادات القضائية لبعض الإشكالات التي كانت مثيرة للجدل الفقهي والقانوني.

– المنهج المقارن : لإبراز نقط التقاطع والاختلاف مع بعض النماذج القضائية وخاصة الفرنسية والمصرية.

– المنهج التحليلي : لإبراز خصائص و مميزات العمل القضائي ومن خلال تحليل مضمون الأحكام والقرارات الصادرة في مادة تنازع الوعاء الضريبي.

وقد واجهتنا عدة صعوبات خلال إعداد هذا البحث يمكن إجمالها في :

– أن البحث العلمي والجامعي في هذا المجال لا زال في بدايته، كما أن الدراسات والمقالات والكتب قليلة جدا ومشتتة عبر رفوف المكتبات بالمغرب.

– نذرة الأحكام والقرارات القضائية المنشورة في مادة الوعاء الضريبي ناهيك عن تحليلها ودراستها أو التعليق عليها، مما اضطرنا إلى التنقل إلى المحكمة الإدارية بالدار البيضاء لمرات عديدة قصد جمع البعض منها.

وسنتناول موضوع منازعات الوعاء الضريبي أمام القضاء الإداري بالتعرض لمحورين أساسيين هما:
· الفصل الأول : العمل القضائي في مجال منازعات الوعاء الضريبي .

· الفصل الثاني : تقييم العمل القضائي في مادة الوعاء الجبائي .

وسنختم البحث ببعض الخلاصات والتوصيات لتجاوز بعض الثغرات التي وقفنا عليها خلال البحث.

الفصل الأول: العمل القضائي في مجال منازعات الوعاء الضريبي

يقصد بالعمل القضائي مختلف الأحكام التي تصدرها محاكم الموضوع والقرارات التي يصدرها المجلس الأعلى في مختلف المنازعات المعروضة عليه ويكتفي القاضي هنا بتطبيق القاعدة القانونية التطبيق السليم فقط.

في حين أن الاجتهاد القضائي يقصد به الأحكام والقرارات التي صدرت في نوازل لا نص فيها، أو يثير هذا النص بعض الغموض والإشكالات يكون للقاضي دور إبداع قواعد وإيجاد حلول لهذا الفراغ التشريعي، أو تدعيما لقواعد ثابتة ، مستلهما تلك الحلول من المبادئ العامة للمجال المتخذ فيه الاجتهاد ومن المبادئ العامة لتفسير القواعد القانونية، ويلعب القاضي مهمة استكمال أو توضيح أو تفصيل القواعد بحثا عن روح المشرع وعمق مقصده.

ومن ثمة فإن اختيارنا لعنوان العمل القضائي إيمانا منا، بأنه أعم وأشمل من الاجتهاد القضائي، كما أنه يحوي الاجتهاد القضائي، لكن هذا لا يمنعنا من مدارسة وتحليل العديد من الأحكام التي تعتبر اجتهادا قضائيا حقيقيا.

وقد خضع العمل القضائي، في مجال منازعات الوعاء الضريبي لتطورات متلاحقة و مهمة فقبل إنشاء المحاكم الإدارية كانت المحاكم الابتدائية هي التي تبت في منازعات الوعاء الضريبي، وخلال هذه المرحلة لم يتمكن القضاء العادي من المساهمة في تطوير هذا المجال وظلت الأحكام الصادرة عنه ذات طبيعة مدنية أكثر منها ذا طبيعة إدارية، وكان الملزمون يفضلون اللجوء إلى مساطر الصلح مع الإدارة الضريبية بدل التوجه إلى القضاء للطعن في القرارات الصادرة عنها.

لكن بعد إنشاء المحاكم الإدارية كمحاكم متخصصة اختلف الأمر عن السابق، إذ تصدى لمنازعات الوعاء الضريبي قضاة لهم دراية كبيرة بالمجال وعلى اطلاع جيد بالسياسة الاقتصادية والاجتماعية والضريبية للدولة، مما ساهم في تطور العمل القضائي، وارتفع عدد القضايا بشكل مهم بعد إنشاء المحاكم الإدارية.

وسيتم التركيز في هذا الفصل، على بعض القضايا والإشكالات ذات الأهمية البالغة، التي بث فيها القاضي الجبائي وعرفت نقاشا واسعا بين القضاء والفقه .

فكيف تناول العمل القضائي الإشكالات المرتبطة بالمساطر الجبائية والإعفاءات الضريبية ( المبحث الأول) وهل استطاع إيجاد بعض الحلول للإشكالات المرتبطة بالتحقيق والإثبات؟

تم ما هو أثر الحكم ببطلان المسطرة الضريبية على الالتزام الجبائي؟( المبحث الثاني)

المبحث الأول :المساطر الجبائية والإعفاء الضريبي

المساطر الجبائية والإعفاء الضريبي من المجالات التي أثارت الكثير من المنازعات أمام القضاء الإداري وساهمت في ظهور العديد من الاجتهادات القضائية ذات الأهمية البالغة، في مسار تطور العمل القضائي للمحاكم الإدارية، وسنتناول أولا المساطر الجبائية ( الفرع الأول) ثم الإعفاءات الضريبية( الفرع الثاني).

الفرع الأول : المساطر الجبائية

قواعد المساطر الجبائية هي قواعد جوهرية وملزمة يترتب عن خرقها اكتساب حق أو ضياعه، فهي بذلك ترتبط أشد الارتباط بالإلزام الضريبي.

ويقصد بالمسطرة الجبائية ” مجموعة القواعد والشكليات المتبعة لإنجاز العمل الإداري”(1)أ.

وتحتل هذه المساطر مكانة مهمة بالنسبة لسير نشاط الإدارة الضريبية من جهة، وبالنسبة للملزم الضريبي من جهة ثانية.

وترافق المسطرة الجبائية الضريبة من تأسيسها إلى غاية المنازعة فيها وذلك عبر مساطر الإنشاء الضريبي( التصريح أو التقدير) أو تصحيح الربط الضريبي، ومسطرة المنازعة في الضريبة سواء أمام الإدارة، اللجان الضريبية، أو أمام القضاء الإداري.

وبالنظر لأهمية المنازعات المرتبطة بالتبليغ ( المطلب الأول) وكذا مسطرتي تصحيح أسس الضريبة والفرض التلقائي ( المطلب الثاني) سنقتصر على دراستهما فقط في هذا الفرع.

المطلب الأول : مسطرة التبليغ

التبليغ في اللغة يعني الإيصال حسب المعجم العربي الأساسي الذي أصدرته المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم سنة 1989. لكنه في المعجم الضريبي يعتبر كل وثيقة تستعملها الإدارة من اجل إعلام الملزم بالمسطرة الضريبية التي تمارسها في حقه، والغاية من إيصال هذه الوثيقة هي قطع التقادم بالنسبة للإدارة وفتح آجال جديدة للتقادم بالنسبة للملزم سواء للجواب أو التظلم.

1- . عبد الغني خالد ” المسطرة في القانون الضريبي المغربي” طبعة 2002، مطبعة دار النشر المغربية ص 150 .

ويحتل موضوع التبليغ أهمية قصوى بالنظر للاعتبارات التالية :

· التبليغ يحفظ حق الملزم في الإعلام حتى لا تأخده الإدارة على حين غرة.

· التبليغ يمكن الملزم والإدارة من احتساب اجل التقادم بصورة صحيحة تنظيما للمعاملات بينهما.(1)

· التبيلغ هو الآلية الأساسية لتجسيد المسطرة التواجهية التي تمكن كل طرف من عرض مواقفه وملاحظاته بغية التوصل إلى آتفاق بالتراضي حول الأساس الضريبي الجديد.

وقد عرفت مسطرة التبليغ عدة تطورات ومرت بمراحل متعددة ( الفقرة الأولى ) وبالرغم من التحولات المتسارعة التي عرفتها هذه المسطرة فقد أثارت العديد من النزاعات أمام القضاء الإداري وتعددت توجهاته من محكمة لأخرى ( الفقرة الثانية ).

الفقرة الأولى : طرق التبليغ وتطورها عبر القوانين المالية :

عرف القانون الجبائي المغربي ثلاثة مراحل أساسية فيما يتعلق بكيفية تبليغ المراسلات إلى الملزمين. وهي مرحلة ما قبل 1995 ومرحلة قانون المالية لسنة 1995 ، وأخيرا قانون المالية 2005 الذي احتوى في جنباته كتاب المساطر الجبائية، وقد تم تجميع هذه النصوص في إطار المدونة العامة للضرائب بقانون المالية لسنة 2007 .

أ- التبليغ قبل سنة 1995:

تتميز هذه المرحلة بتنوع وسائل التبليغ المنصوص عليها في القانون الضريبي المغربي، بحيث نلاحظ وجود عدة أساليب للتبليغ حسب تنوع الضرائب، وهكذا نجد التبليغ عن طريق الأعوان القضائيين، وكان هو السائد في رسوم التسجيل والتمبر، بينما كان أسلوب التبليغ بالبريد المضمون هو المعمول به في الضرائب المباشرة، غير أن لا شيء كان يمنع الإدارة من اللجوء إلى السلطات الإدارية لهذا الغرض خاصة في المناطق النائية.

ورغم ذلك، فإن الممارسة الإدارية في هذا المجال كانت تعتمد التبليغ بالبريد المضمون، إلى أن أصبحت هذه الوسيلة هي القاعدة، وتتم عن طريق وضع المراسلة المراد إبلاغها للملزم داخل ظرف يحمل عنوان هذا الأخير، أو تبعث إليه عارية من أي ظرف لكنها مصحوبة بشهادة التسلم ذات اللون الأحمر.(2)

بل إن الإدارة ولقطعها مدة تقادم التحصيل كانت تعمد إلى إرسال عدة إنذارات، وهي تعلم مسبقا أنها سترجع بنفس الملاحظة، وتتمسك في مواجهة الملزم بناء عليها بقطع التقادم، الشيء الذي كان يفرز أوضاعا مأساوية بالنسبة لبعض الملزمين الذين يفاجؤن بمديونيتهم للخزينة العامة بمبالغ تكاد تعادل قيمة المعاملة.(3)

1. عبد الغني خالد ” مسطرة التبليغ في القانون الضريبي المغربي ” مجلة دفاتر المجلس الأعلى تحت عنوان ” العمل القضائي والمنازعات الضريبية ” عدد 8/2005، ص 57 و58.

2. .عبد الغني خالد، الكتاب ، مرجع سابق ص 59.

3. سميرة شقشاق ” طرق التبليغ وتطورها عبر القوانين المالية والاجتهادات القضائية” المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية ، عدد مزدوج 62-63 ماي – غشت 2005 ، ص 89.

ب- التبليغ في قانون مالية 1995

أمام هذه المشاكل التي أثيرت بسبب ما اعتبر عدم التبليغ، تدارك المشرع الأمر وأدخل تعديلات مهمة على هذه المسطرة خلال قانون المالية لسنة 1995، حيث نظم عملية التبليغ بطرق أخرى أضيفت إلى المراسلة بالبريد المضمون.(1)

وحيث نصت المادة 15 منه : ” إذا تعذر تسليم التبليغ المقرر بالعنوان الذي حدده الخاضع للضريبة في إقراراته، أوعقوده، أو مراسلاته المدلى بها إلى المفتش التابع له، مكان فرض الضريبة عليه لأي سبب من الأسباب غير الامتناع من تسلمه، بوشر التبليغ المذكور بواسطة المأمورين المحلفين التابعين لإدارة الضرائب، أو أعوان كتابة الضبط، أو الأعوان القضائيين، أو بالطريقة الإدارية، ويجب أن يقوم العون المبلغ بتقديم الوثيقة المراد تبليغها على المعني بالأمر في ظرف مغلق ويثبت التسليم بشهادة تحرر في نسختين وفق مطبوع تقدمه الإدارة، وتسلم نسخة من هذه الشهادة إلى المعني بالأمر”(2).

إلا أن هذه المادة خضعت بدورها لتعديلات إذ استبدلت بالمادة 13 من قانون المالية لسنة 1996، وكذا بالمادة 10 من قانون المالية رقم 00-55 للسنة المالية 2001.

وباستقراء هذه المادة يتبين بأنها جاءت بمقتضيات جديدة، كل ما يمكن القول عنها أنها خولت الإدارة الجبائية إمكانيات وصلاحيات واسعة ومبسطة تمكنها من إجراء عملية التبليغ دون التقيد بأي مسطرة، إذ يكفيها تبليغ الخاضع للضريبة بعنوانه المصرح به لدى مفتش الضرائب، بالطرق المشار إليها بالمادة 10 ليعتبر التبليغ سليما من الناحية القانونية بعد انصرام 10 أيام لتاريخ إثبات تعذر ذلك التسليم ، وهو ما يخالف المقتضيات التشريعية التي كان معمولا بها في هذا الإطار.(3)

ج- التبليغ من خلال كتاب المساطر الجبائية :

عمل المشرع المغربي على جمع المقتضيات المتعلقة بالمراقبة والمنازعات في وعاء الضريبة داخل كتاب المساطر الجبائية الذي تضمنته المادة 22 من قانون مالية 2005.(4)

وهكذا أصبحت المادة 10 من الكتاب المذكور المرجع الوحيد فيما يتعلق بمسطرة التبليغ في القانون الضريبي

1. عبد الغني خالد ، مرجع سابق، ص 59.

2. عبد الرحيم برحيلي ” تعذر احترام مسطرة التبليغ ومدى تأثيره على سلامة إجراءات الفرض الضريبي”. دفاتر المجلس الأعلى عدد 8/2005 ص 68/69.

3. عبد الرحيم برحيلي، م س، ص 69.

4-الجريدة الرسمية عدد5278 ص 4162.

المغربي، حيث تضمنت هذه المادة الصيغة النهائية التي جاء بها تعديل قانون المالية لسنة 2001 بالإضافة إلى مستجد تمثل في تحميل مسؤولية عدم توصل الملزم في الحالة التي تقوم فيها الإدارة بالتبليغ فيتعذر عليها بسبب ما ذكره القانون كالتالي :

· إذا وقع تسليمها.

· بالنسبة للأشخاص الطبيعيين إما للشخص المعني إما بموطنه لأقاربه أو مستخدمين عنده أو لكل شخص آخر يسكن أو يعمل مع من وجهت إليه الوثيقة أو في حالة رفض تسلم الوثيقة المذكورة، بعد انصرام أجل العشرة أيام التالية لرفض التسلم.

· فيما يخص الشركات و الهيئات الأخرى المشار إليها في المادة 8 من القانون رقم 17.89 المتعلق بالضريبة العامة على الدخل، إلى الشريك الرئيسي أو الممثل القانوني للشركة أو مستخدميها أو أي شخص آخر يعمل مع الخاضع للضريبة الموجهة إليه.

· إذا تعذر تسليمها إلى الخاضع للضريبة بالعنوان المدلى به إلى مفتش الضرائب عندما يتم توجيه الوثيقة في رسالة مضمونة الوصول مع إشعار بالتسلم أو بواسطة أعوان كتابة الضبط أو الأعوان القضائيين أو بالطريقة الإدارية ويتم إرجاع الوثيقة مذيلة ببيان غير مطالب به، أو انتقل من عنوانه، أو عنوان غير معروف، أو غير تام، أو أماكن مغلقة أو أن الخاضع للضريبة غير معروف بالعنوان، في هذه الحالات يعتبر الظرف مسلما بعد انصرام أجل العشرة أيام التالية لتاريخ إثبات تعذر تسليم الظرف المذكور.

و قد حافظت المدونة العامة للضرائب الصادرة في قانون مالية 2007 على نفس المقتضيات، التي اعتبرها بعض الباحثين على أن أقل ما يقال عنها أنها أجهضت جميع الضمانات التي نص عليها قانون المالية لسنة 1995.(1)

الفقرة الثانية : بعض الإشكالات التي طرحتها مسطرة التبليغ

تثير مسطرة التبليغ عدة نزاعات قانونية وواقعية أمام القضاء الجبائي باعتبار التبليغ كما سبق الذكر أساس المسطرة التواجهية، وأساس الإعلام الذي هو حق من حقوق الملزم الأساسية إبان تصحيح مسطرة الوعاء أو الفرض التلقائي للضريبة، إذا لم يلتزم المكلف الضريبي بالتصريح التلقائي للضرائب المفروضة عليه وفي أجاله القانونية.
سميرة شقشاق، مرجع سابق ص 92.
وفي هذا السياق ذهبت المحكمة الإدارية بمكناس في احد قراراتها إلى أن الاتفاقيات التي تبرمها الإدارة الضريبية مع بعض الهيئات المهنية قصد تبسيط المساطر، والتقنيات المحاسبية لا تؤدي إلى استبعاد قواعد المسطرة التواجهية، ذلك أن الإدارة إذ ا كان لها حق مراجعة الأساس الضريبي فإن الملزم بالمقابل يملك حق الاستفادة من الضمانات المخولة له تشريعيا، كما أن نفس الجهة القضائية ذهبت في أحد أحكامها إلى أن عدم احترام الإدارة لأجل توجيه الإشعار بالفحص يترتب عنه بطلان مسطرة التصحيح.(1)

وقد عرفت مواقف القضاء الإداري في هذا المجال تطورا لمواكبة التحولات التي عرفها التشريع الضريبي المشار إليه في مجال التبليغ، فقبل صدور قانون المالية 1995 كانت الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى لا تعتبر أن طي التبيلغ مسلما تسليما صحيحا لصاحبه إلا إذا توصل به شخصيا أو في موطنه، بواسطة الأشخاص الذين يفوضهم القانون تسلم الطي نيابة عنه، وان رفض التسلم : ” إما برجوع طي التبليغ الموجه بالبريد المضمون بعبارة غير مطلوب، كما هو الشأن في النازلة، فلا يشكل تسلما ولا رفضا للتسلم الذي يجعل منهما حالة تسلم صحيح لطي التبليغ”.(2)

وقد خالفت الغرفة الإدارية المغربية موقف القضاء الفرنسي الذي يعتبر رجوع الرسالة إلى المرسل بعبارة غير مطالب تعتبر بمثابة التوصل القانوني بعد إرسال إشعار إلى المعني بالأمر بوجود الرسالة رهن إشارته.(3)

أما بعد قانون مالية سنة 1995 الذي أتى بمستجدات مهمة، واكب القضاء الإداري هذا التحول من خلال قرارات الغرفة الإدارية وأحكام محاكم الموضوع، حيث جاء في قرار صادر عن المجلس الأعلى صادر بتاريخ 2002/03/07(4) :”على الإدارة أن تثبت لجوءها إلى البريد المضمون، وتثبت تعذر تحقق التبليغ في هاته الوسيلة حتى تبرر استعمالها لباقي الوسائل الأخرى تحت طائلة بطلان مسطرة فرض الضريبة والتبليغ الذي يتم عن طريق البريد المضمون المرسل إلى الملزم بعنوانه المبين في إقراراته، أو عقوده، أو مراسلاته مع المصالح الضريبية”.

كما أنا العمل القضائي خلال هذه الفترة عمل على تطبيق المقتضى الجديد الذي أتى به قانون المالية لسنة 1995 القاضي باعتبار رفض التبليغ هو بمثابة تبليغ بعد عشرة أيام من تاريخ الرفض مكرسا بذلك نفس

1. عبد الغني يفوت ” المسطرة التواجهية وإجراءات التبليغ في الضريبة العامة على الدخل” مرجع سابق ص 47.

2. قرار عدد 1 بتاريخ 1978/12/27 في الملف رقم 67701 قرار عدد 270 بالملف عدد 54963، “المرجع العملي لاجتهاد القضاء الإدراي” ذكره عبد الغني يفوت، مرجع سابق ص 48.

3. محمد قصري ” المنازعات الجبائية المتعلقة بربط وتحصيل الضريبة أمام القضاء الإداري، الطبعة الأولى 2005، منشوراتم.م.إ.م.ت سلسة ” مؤلفات وأعمال جامعية”. ص 26 و 27.

4. محمد قصري ، م س ص 27.

القـــــــاعدة المنصوص عليها في ق.م.م(1) الفصل 39، ومن ثمة أصدرت المحكمة الإدارية بفاس حكما قاضيا “بأن رفض الإشعار لا يقطع التقادم إلا من تاريخ التبليغ القانوني الذي هو 10 أيام بعد رفض تسلم الإشعار، وأنه باحتساب هذا الأجل يكون قد مرت أكثر من تلاث سنوات وهو الأمد القانوني المخول للإدارة في تصحيح الوعاء الضريبي وفرض رسوم تكميلية”.(2)

خلال هذه المرحلة يلاحظ أن الاجتهاد القضائي كان حريصا على ضرورة التطبيق السليم للمساطر

الجبائية .(3)

أما بعد صدور قانون مالية 2005 الذي نظم التبليغ بطريقة مغايرة للقواعد العامة المتعارف عليها في صحة التبليغ حسب ق.م.م كرد فعل على أحكام المحاكم الإدارية القاضية ببطلان مسطرة فرض الضريبة أو تصحيح وعائها لعدم سلامة التبليغ، وبالتالي سيزيد من حدة المنازعات بين الملزم والإدارة الضريبية.

وقد عدد عبد الغني خالد بعض مشاكل التبليغ التي تثار عند التطبيق :

· مشكل التوصل بعنوان الملزم.

· العنوان الناقص.

· مشكلة تعدد الأطراف.

· التسليم يدا بيد في المكتب.

· مشكلة المحل المغلق.

· مشكلة التبليغ إلى الخدم.(4)

(4)

في حين حافظت المدونة العامة للضرائب الصادرة بقانون مالية 2007 على نفس المقتضيات في بالمادة 219 التي تقول :” يتم التبليغ بالعنوان المحدد من قبل الخاضع للضريبة في إقراراته أو عقوده أو مراسلاته المدلى بها، إلى مفتش الضرائب التابع له مكان فرض الضريبة عليه إما برسالة مضمونة مع إشعار بالتسلم أو بالتسليم إليه، بواسطة المأمورين المحلفين التابعين لإدارة الضرائب أو أعوان كتابة الضبط أو المفوضين القضائيين أو بالطريقة الإدارية….” (5)

1. قانون رقم 447-47 المتعلق بالمسطرة المدنية، منشورات إيديسوفت للطباعة والنشر ، الطبعة الأولى 2003-2004 مطبعة النجاح الجديدة ص 35.

2. حكم إداري فاس بالملف 197/2000 في قضية بناني إدارة الضرائب غير منشور.

3. محمد قصري، مرجع سابق، ص31.

4. عبد الغاني خالد : مرجع سابق الصفحات من 63 إلى 66.

5. المدونة العامة للضرائب الصادرة بقانون المالية 2007 الصادر بمقتضى الظهير الشريف رقم 1.06.232 في 31 ديسمبر 2006 يتنفيذ قانون المالية رقم 43.06 .

المطلب الثاني : مسطرتا تصحيح أسس الضريبة والفرض التلقائي :

الأصل في الالتزام الضريبي أن يتم ربطه إما عن طريق التصريح الذي يتقدم به الملزم، أو عن طريق الإدارة بواسطة أعوانها واللجن المتخصصة في ذلك، حسب نوعية الضريبة والآليات التشريعية والقانونية المعمول بها في هذا المجال.

ويفرض القانون على الملزم التصريح ببداية النشاط الخاضع للضريبة لتمكين الإدارة من التعرف على نشاطه : التصريح بالحصيلة الخاضعة للضريبة بالنسبة للضريبة العامة على الدخل والضريبة على الشركات، التصريح برقم الأعمال الخاضع للضريبة على القيمة المضافة، ثم التصريح بانتهاء النشاط الخاضع للضريبة .

لكن هذه المرحلة ليست نهائية لكون المشرع منح للإدارة كما للملزم فرصة تدارك الأخطاء والاغفالات التي يمكن أن تقع في مرحلة الربط، سواء كان السبب في ذلك هو عدم التصريح أو السهو من طرف الإدارة.

كما أن لا شيء يمنع الملزم من أن يعمل على تصحيح الربط الضريبي الذي يراه غير مناسب.

وتتميز هذه المسطرة بوجود وسيلتين للتصحيح، تؤديان إلى نتائج مسطرية مختلفة وهما : تصحيح الضريبة عن طريق تقويم التصريح المدلى به من طرف الملزم، وهي مسطرة تواجهية بين هذا الأخير والإدارة، توفر للطرفين إمكانية الحوار وتبادل الحجج من أجل الوصول إلى تقدير مناسب للوعاء الضريبي( الفقرة الأولى).

والوسيلة الثانية هي الفرض التلقائي الذي تقوم به الإدارة بشكل انفرادي إما بناء على مقتضيات قانونية عند عدم تقديم الملزم للإقرار الضريبي، أوعدم إرفاق التصريح بالوثائق اللازمة لفرض الضريبة، أوعند عدم مسك المحاسبة بشكل منتظم، أو بناء على توقف المسطرة التواجهية في مرحلة من المراحل.( 1)( الفقرة الثانية)

الفقرة الأولى: مسطرة تصحيح أسس الضريبة

الأصل في الالتزام الضريبي هو التصريح بالنتيجة الضريبية من طرف الملزم أمام الإدارة الضريبية بشكل تلقائي، خاصة بعد التعديلات الأخيرة بجميع دول العالم التي منحت الأسبقية للتصريح بالضريبة على التحديد التلقائي للإدارة، بناء على الإحصاءات التي تقوم بها وذلك لإشراك الملزم في عملية الفرض الضريبي ولتقوية الثقة بين الإدارة والملزم، خاصة باعتبار المكلف أنه الوحيد القادر على تقدير فعلي صحيح للمادة الضريبية .

1. عبد الغني خالد، م.س، ص 115.

لكن الملزم قد يحاول إخفاء بعض أسس فرض الضريبة، أو بعض المبالغ المحجوزة برسم الدخول المتكونة من الأجور، أو الأثمنة أو التصاريح التقديرية المعبر عنها في العقود والاتفاقات.(1)

هنا يحق لمفتش الضرائب الدعوة إلى تصحيح وتقويم أسس الضريبة ، وهذه الأسس والمبالغ والأتمان المشار إليها أعلاه ناتجة عن إقرار الخاضع للضريبة أو رب العمل أو المدين بالإيراد أو ناتجة على فرض الضريبة بصورة تلقائية. وفي هذه الحالة يبلغ المفتش إلى الخاضعين للضريبة وفقا للإجراءات المنصوص عليها في المادة 219 من المدونة العامة للضرائب رسالة التبليغ الأولى والرسالة الثانية يدعوهم فيها للإدلاء بملاحظاتهم داخل الأجل المضروب لذلك .

بيد أنه توجد مسطرتان لتصحيح التصريح بالضريبة: المسطرة العادية لتصحيح الضرائب والمسطرة السريعة لتصحيح الضرائب ويقصد بهذه الأخيرة : المسطرة المتعلقة بتصحيح الربط الضريبي التي تتطلب نوعا من السرعة في حفظ حقوق الخزينة من الضياع، وتهم بعض الحالات المنصوص عليها في المادة 221 من المدونة العامة للضرائب الجديدة وتتميز هذه المسطرة بضرورة إجبار الملزم على أداءه للضرائب قبل المنازعة فيها.

وقد أثارت هذه المسطرة عدة منازعات بين الملزم والإدارة أمام القضاء الجبائي، وإن كان الغالب منها مرتبط بمسطرة التبليغ السابق مناقشتها، إلا أنه هناك إشكالات ذات أهمية لا تقل شأنا عن مسطرة التبليغ.

وفي هذا السياق فإن المحاكم الإدارية المغربية ألزمت القابض بأن يدلي بوسائله التقديرية للتأكد من صحتها عند تصحيح الضريبة وفق أسس جديدة خلافا لما تقدم به الملزم، وهو موقف شجاع من شأنه أن يدفع القابض إلى إعادة تقدير المادة الضريبية، و القيام بالتحريات الدقيقة ما دام أنه خاضع لمراقبة القضاء، كما جاء في حكم للمحكمة الإدارية بأكادير ” حيث يكون بذلك المشرع قد افترض أن الأصل هو الثمن المصرح به ضمن العقد، وأن لإدارة التسجيل أن تلجأ لمسطرة تقويم نقصان الأثمنة المعبر عنها في العقود، والتي يثبت لها من قيامها بقياس معدل الأثمنة الرائجة في السوق العقارية، بمكان وزمان معينين بالمقارنة مع ما تستخلصه من عقود البيع التي تقدم لها بقصد تسجيلها وأن بيان الأسس التي اعتمدتها لاتبات ما تدعيه …

وحيث يكون بذلك الدفع المثار من قبل الإدارة من كونها غير ملزمة بالإثبات بمقتضى ما يمنحه لها الفصل 12 من سلطة تقديرية، يخالف النصوص والقواعد المشار إليها أعلاه، ويحجب تصرفاتها عن رقابة القضاء ويتعين رده “(2)

1. المادة 220 من المدونة العامة للضرائب الصادرة بالجريدة الرسمية عدد 5487 بتاريخ 1 يناير 2007-09-25 .

2. حكم عدد 19 صادر بتاريخ 1994/12/01 من الملف عدد 16/14 غ، ذكره ذ.عبد الغني خالد – مرجع سابق ص 139

وفيما يتعلق بالتصحيح المرتبط بمخالفة القانون الجبائي فإن المحكمة الإدارية بالدار البيضاء أصدرت حكما اعتبرت فيه أن عمل الإدارة في تصحيح ضريبة محجوزة في المنبع يندرج ضمن الفصل49 من قانون الضريبة على الشركات المتعلق بالجزاءات المرتبطة بمخالفة هذه القاعدة ولا يندرج ضمن الفصل 39 المتعلق بإجراءات تصحيح الضريبة.(1)

وهكذا أعطت للإدارة حق تصحيح وضع قانوني مختل احتفظت الشركة بموجبه بأموال اقتطعتها في المنبع من أجور العمال، دون أن تدلي بها لخزينة الدولة صاحبة هذا المال، وهو موقف يستدعي معاقبة الشركة المعنية دون استشارتها.

لذلك فإنه عندما يتعلق الأمر بضبط سرقة ومخالفة مقصودة، فإن استرجاع مبلغ الضريبة الذي حرمت منه إدارة الضرائب، لا يستدعي استعمال مسطرة التصحيح، وأنه في جميع الأحوال يظل للملزم الحق في المنازعة أمام إدارة الضرائب وأمام المحاكم، وهو موقف معروف لدى القضاء الإداري الفرنسي.(2)

وحول إبرام الصلح حول أساس الضريبة بين الإدارة الجبائية والملزم لاحظت المحكمة الإدارية بالدار البيضاء : ” حيث أن الطلب يهدف إلى إلغاء مبلغ 78866.00 درهم، المترتب عن الضريبة العامة على الدخل… والقول إن الواجب أداؤه هو 8158.00 درهم مع النفاد وتحميل الخزينة العامة المصاريف.

وحيث أنه من خلال دراسة وثائق الملف، تبت للمحكمة أنه خلال مسطرة تصحيح الضريبة وفقا لمقتضيات المادة 105 من ق.ض.ع.د، فإن الطاعن أبدى موافقة على التعديلات المقترحة من طرف مفتش الضرائب، حسبما يستشف من وثيقة الاتفاق المدلى بها من طرف وزير المالية، والحاملة لتوقيع الطاعن والتي يلتمس فيها من الإدارة الموافقة على تجزئة المبالغ المستحقة عليه إلى ستة أجزاء.

وحيث بناء على ما ذكر يكون الدفع بالمغالاة في الضريبة، ووجود نزاع بشأنها غير مؤسس واقعا وقانونا” .(3)

لكن ما يثير الكثير من اللبس هو الصلح المنصب على الغرامات وفوائد التأخير، ومن ثمة نشأت العديد من النزاعات بهذا الخصوص وقد كان موقف القضاء صريحا حيث وصف هذه الطلبات بصفة الاستعطاف بدل الحق، ” وحيث أن الطلب يرمي إلى الإشهاد بان الإشعار بالأداء المؤرخ في 1995/11/23 جاء مخالفا للمصالحة المؤرخة في 1995/12/10،والتي تمت على أساس أداء مبلغ إجمالي ونهائي.

1. المحكمة الإدارية الدار البيضاء، حكم عدد 5 بتاريخ 1995/01/ 18 غير منشور.

2. عبد الغني خالد، مرجع سابق ص 161.

3. المحكمة الإدارية بالدار البيضاء حكم عدد 59 بتاريخ 1977/02/19غير منشور.

وحيث أنه من خلال دراسة وثيقة المصالحة المرفقة بمقال الطاعن، والمودعة بمصلحة المراقبة بمندوبية الضرائب بأنفا بتاريخ 1995/10/12 فإن المحكمة عاينت أن المصالحة المذكورة انصبت على الزيادة في التأخير المحددة في 25% فقط وحدد مبلغ الضريبة في 428967.00 درهم قد تنجم عن تطبيق مقتضيات الفصل 48 من قانون الضريبة على القيمة المضافة.

وحيث وبناء على ما ذكر تمسك الطاعن يكون المصالحة انصبت على إنهاء النزاع بصفة قطعية غير مبني على أساس واقعي سليم ويتعين رده “(1)

بيد أن الأستاذ محمد قصري(2) استعرض بعض الحالات التي اتخذ القضاء الإداري مواقف رامية إلى بطلان مسطرة تصحيح أسس الضريبة :

· بطلان مسطرة تصحيح أسس الضريبة على الأرباح العقارية التكميلية، التي تم ربطها حيادا على اللجنة الإدارية الاستشارية، التي يجب أن تبدي رأيها في الأساس الذي ترى من اللازم اعتماده بخصوص تصحيح ضريبة التسجيل.*

· بطلان مسطرة تصحيح أسس الضريبة في إطار نظام التقدير الجزافي، لعدم إثبات مبررات الزيادة في العنصر المتغير تارة وعدم سلوك مسطرة المراجعة كما هو منصوص عليه بالفصل 107 من القانون 89-17 تارة أخرى.*

من خلال هذه الأحكام والقرارات يتضح أن القاضي الجبائي فعل سلطته في مراقبة مدى احترام الإدارة لمسطرة التصحيح وأكد مواقف مهمة حماية لمصالح الملزم، لكن دون المساس بمصالح الخزينة العامة للدولة إذا تبين له أن مسطرة تصحيح الضريبة احترمت الإجراءات والشكليات المنصوص عليها في القانون الضريبي.

وللقضاء الفرنسي مواقف متقدمة بهذا الخصوص، حيث أنه يمكن أن يقوم تلقائيا هو باستبدال الأساس القانوني للضريبة بشرط :

أن تطلب الإدارة ذلك صراحة، وأن يتم احترام المجال القانوني الذي يراد به إعطاء أساس للقرار المعيب.(3)
1. المحكمة الإدارية بالدار البيضاء ، حكم عدد 24 بتاريخ 1997/01/15 غير منشور.

2. محمد قصري م س ، ص 43و 45.

* حكم إدارية فاس بتاريخ 2005/5/13 بالملف رقم 205/20023.

* قرار المجلس الأعلى عدد 252 بالملف الإداري 1481/4/2000 قضية القرشي ضد إدارة الضرائب.

3. الصابري رشيدة، ” مجال البطلان في الميدان الضريبي والأثر النسبي المترتب عليه”، دفاتر المجلس الأعلى عدد 8/2005 ، طبعة إليت ، ص 110.

الفقرة التانية: مسطرة الفرض التلقائي

لقد نصت المدونة العامة للضرائب في الباب الثالث من كتاب المساطر الجبائية الصادرة بقانون مالية 2007 على الحالات التي يحق للإدارة فرض الضريبة بصورة تلقائية( أو ما يسمى بالتقدير المباشر من طرف الإدارة ) بالمادتين 228، 229 وهي كالتالي :

ــــ فرض الضريبة بصورة تلقائية عن عدم تقدير الإقرار بالحصيلة الخاضعة للضريبة أو مجموع الدخل أو الأرباح أو رقم الأعمال أو عدد العقود أو الاتفاقيات.

ــــ فرض الضريبة بصورة تلقائية على مخالفة الأحكام المتعلقة بتقديم الوثائق المحاسبية وفق المراقبة.

ويقصد بمسطرة التحديد التلقائي للوعاء الضريبي قيام الإدارة الضريبية بصورة انفرادية بتقدير وعاء ضريبة معينة، وقد تستعين في بعض الحالات بآراء لجن استشارية، وبالتالي فإن مساهمة الملزم في هذه الحالات تكون شبه منعدمة.(1)

ومن ثمة فإن المحاكم المغربية اعتبرت أنه إذا لم يحترم الملزم المسطرة المتعلقة بالمراقبة، ولم يدل بالوثائق المحاسبية فإن تقدير الوعاء الضريبي تلقائيا من طرف الإدارة الضريبية، ما لم يثبت الملزم أن الإدارة خرقت المسطرة.

في هذا السياق أصدرت المحكمة الإدارية بالبيضاء حكما جاء فيه ” وحيث تقضي المراقبة بداية على الخاضع للضريبة، أن يدلي بجميع الإثباتات اللازمة ويقدم إلى المأمورين المحلفين جميع الوثائق المحاسبية المطلوب الإطلاع عليها حتى يمكن له التمسك بالإجراءات المتصلة بالمراقبة.

وحيث أن المدعية فوتت على نفسها فرصة فض خلافها رضائيا مع إدارة الضرائب، وذلك بعد تقديم الوثائق الضرورية لمفتش الضريبة، ولم تثبت للمحكمة إدعاءاتها في شأن خرق مسطرة المراقبة، مما يكون معه الدفع في غير محله”.(2)

وهذا الحكم يبين أن الملزم عندما لا يحترم الإجراءات اللازمة إبان مسطرة الفرض الضريبي من ضرورة الإدلاء بجميع الوثائق المحاسبية للإدارة الضريبية فإن أي دفع بخرق مسطرة التقدير المباشر يعتبر باطلا ويبقى دون جدوى.

كما أن المحكمة الإدارية بالبيضاء اتخذت موقفا مؤيدا لإدارة الضرائب اعتبرت فيه أن عدم تقديم الوثائق المحاسبية للمفتش قرينة على عدم مسك المحاسبة، مما يعطي للإدارة حق فرض الضريبة بصورة تلقائية، حيث جاء في حكم لها “حيث عللت المدعية عدم تزويد إدارة الضرائب بالوثائق المحاسبية من أجل المراقبة يكون الطلب أصبح مستحيلا لوقوع قوة قاهرة تتمثل في الحريق المذكور، وإتلاف تلك الوثائق … وحيث إن واقعة الحريق كانت بفاتح شهر أكتوبر 1994، ولم تقم المدعية بإخبار الجهة المختصة لما تعرض له مقرها من ضياع الوثائق المحاسبية وفق المقتضيات القانونية.

1. محمد شكيري – م.س. ص 400. 2- حكم المحكمة الإدارية بالبيضاء رقم 434 بتاريخ 11/11/98 ملف 1976-97.

وحيث بذلك تبقى مقترحات المفتش، والضرائب المترتبة عليها سليمة وغير مشوبة بأي خلل مسطري أو قانوني مما يتعين معه التصريح برفض الطلب”.(1)

وفي مقابل هذه المواقف التي أكدت فيها المحاكم الإدارية على ضرورة احترام الملزم للإلتزامات القانونية المتعلقة بتقديم الوثائق المحاسبية عند المراقبة وضرورة تقديم الإقرارات المتعلقة بالحصيلة الخاضعة للضريبة أو مجموع الدخل أو الأرباح أو رقم الأعمال أو العقود أو الاتفاقات.

أكدت على ضرورة احترام حقوق الملزم، خاصة المسطرة التواجهية، حيث جاء في حكم لإدارية االبيضاء ” اعتبارا بما ذكر، يتبين أن إجراءات التصحيح المنجزة في حق المدعي، بخصوص الضريبة على القيمة المضافة والضريبة العامة على الدخل، لم تحترم فيها الإجراءات القانونية مما يتعين التصريح ببطلانها مع ما يترتب على ذلك قانونيا”.( 2)

وبعد عرض هذه الإشكالات المتعلقة بالمساطر الجبائية سواء مسطرة التبليغ التي احتلت النصيب الأكبر أمام القضاء الإداري من حيث عدد الملفات المطروحة أمامه، والتي كان القضاء الجبائي قبل قانون مالية 2005 قد اتخذ مواقف واجتهادات كرست ضمانات المسطرة التواجهية، لكن للأسف جاء هذا القانون ليجهض هذه الضمانات وخاصة حين اعتبر رجوع طي التبليغ بالبريد المضمون بعبارة غير مطلوب تبليغا قانونيا، وقد أصبح القاضي الآن ملزما بتطبيق القانون.

كما أن العمل القضائي المتعلق بمسطرتي التصحيح والفرض التلقائي تميز بالعمل على إحداث التوازن بين سلطات الإدارة والحفاظ على حقوق المكلف، خاصة على مستوى الإجراءات المسطرية .

فما هي مواقف القضاء الجبائي فيما يخص تفسير بعض مجالات الإعفاء الضريبي التي أتارت ولا شك نقاشات وجدالا فقهيا وقضائيا وحتى تشريعيا أمام قبة البرلمان ؟

الفرع الثاني: تفسير بعض مجالات الإعفاء الضريبي

إن تحديد مضمون النص القانوني يشكل صميم العمل القضائي، والقاضي لا يجد عناءا كبيرا في إعمال مقتضى النص كلما كان واضحا وغير قابل للتأويل.

أما في الحالة المعاكسة فإن الأمر يتطلب منه مجهودا ذهنيا اجتهاديا لاستخلاص مضمونه الحقيقي انطلاقا من روح وفلسفة كل تشريع(3).

وحيث أن النصوص الجبائية تتميز بالتعدد والتشتت والغموض والتغير المستمر مما يتطلب من القاضي الجبائي عند تطبيقه للنصوص أن يفعل آليات التفسير والخصوصيات التي

1. المحكمة الإدارية البيضاء، حكم 357 بتاريخ 1/7/98 ملف 1805/97 ذكره ذ عبد الغني خالد – م.س ، ص 193.

2. حكم المحكمة الإدارية عدد 473 ، بتاريخ 2/12/1998 في ملف عدد 102/98.

.3- عبد العزيز يعكوبي ” القضاء الجبائي وحماية الاستثمار من خلال قرارات المجلس الأعلى ” مداخلة بندوة منظمة من طرف المجلس الأعلى بمناسبة الذكرى الخمسين لتأسيسه بالدار البيضاء يومي 18 و 19 أبريل 2007 . ص : 17.

تميزها ، كما أن تفسير النص الجبائي يعد أحد الآليات الأساسية لتحقيق العدالة الضريبية.

ويخضع تفسير النص الجبائي لمجموعة من القواعد والحدود حسب ما استقر عليه الفقه والإجتهاد القضائي :

· التفسير الضيق للقانون الجبائي.

· الشك يفسر لصالح الملزم.

· عدم جواز اللجوء إلى القياس.

بيد أن قاضي الضريبة يتعين عليه ضبط مناهج التفسير العامة سواء التفسير الداخلي للنص أو الخارجي.

ويحتل الإعفاء الضريبي وحدوده أهمية قصوى في هذا المجال ويطرح إشكالات كبرى سواء في المجال العقاري ( المطلب الأول) أو في المجال الفلاحي ( المطلب الثاني ) وهذا الإختيار تم بناء على أهمية المجالين العقاري وكذا الفلاحي في الإقتصاد الوطني من جهة أولى، ولأهمية الاجتهادات القضائية في المجالين المذكورين من جهة ثانية.

المطلب الأول: الإعفاءات الضريبية في المجال العقاري

بالنظر لأهمية المجال العقاري ودوره المهم في تنمية المغرب وحل أزمة السكن المتفاقمة ة، وبالنظر لما لسياسة الضريبية من دور محوري في العملية التنموية ورفع معدل الاستثمار وجلب المستثمر الأجنبي، فقد أولى المشرع المغربي أهمية قصوى لهذا القطاع ومنح عدة إعفاءات لا زالت مستمرة لحد الآن، وفي جميع انواع الضرائب: الضريبة على الشركات، الضريبة العامة على الدخل و الضريبة على القيمة المضافة …

وقد أثارت هذه الإعفاءات عدة إشكالات ذات أهمية بالغة بين الملزمين والإدارة الضريبية كان للقضاء الإداري الفضل في حل بعضها، خاصة المرتبطة بتفسير النصوص الجبائية.

حيث أن جانب الموضوع في المنازعة الجبائية يشكل المجال الأساسي الذي يتحقق فيه الدور الحمائي للقاضي الجبائي، ذلك أن هاجس المستثمر ينصرف بالدرجة الأولى إلى كيفية إعمال المقتضيات المتعلقة بحدود الإعفاء الواردة في القوانين الخاصة بتشجيع الاستثمار.”(1)

وسنقتصر على مناقشة الإعفاء من الضريبة على القيمة المضافة بخصوص ما يسلمه الشخص لنفسه من مبنى ( الفقرة الأولى ) وإشكالية الخضوع للمساهمة الدنيا على ضريبة الأرباح العقارية ( الفقرة الثانية) وذلك بالنظر لأهميتهما البالغة، ولكثرة النزاعات المتعلقة بهما أمام القضاء الجبائي.
1. عبد العزيز يعكوبي م.س ص 18.

الفقرة الأولى: الإعفاء من الضريبة على القيمة المضافة بخصوص ما يسلمه الشخص لنفسه من مبنى

نصت المادتين 91 و 92 من المدونة العامة للضرائب الجديدة الصادرة بقانون مالية 2007 في الكتاب المتعلق بالضريبة على القيمة المضافة على عدة إعفاءات، فالمادة 91 ضمت الإعفاءات دون الحق في الخصم والمادة 92 ضمت الإعفاءات مع الحق في الخصم.

وقد جاء في المادة 91 الفقرة الثالثة، رقم 1 ” ما يقوم به أي شخص طبيعي من تسليمه لنفسه من مبنى لا تزيد مساحته المغطاة عن300 متر مربع، بشرط أن يتعلق المبنى بوحدة سكنية غير قابلة للقسمة مسلمة رخصة بناء في شأنها، وأن يكون المبنى معدا للسكنى الرئيسية للمعني بالأمر طوال أربع سنوات تبتدئ من تاريخ رخصة السكن أو أي وثيقة أخرى تقوم مقامها، يطبق الإعفاء المذكور كذلك على :

· الشركات المدنية العقارية التي يؤسسها أفراد أسرة واحدة من أجل بناء وحدة سكنية معدة لسكناهم الشخصية الرئيسية.

· الأشخاص الطبيعيون أو المعنويين الذين يقومون بتشييد مبان معدة لسكن مستخدميهم في إطار برنامج معتمد.

تطبق الأحكام السابقة على المباني التي سلمت رخص بنائها بعد فاتح 1992 ”

ومما تجدر الإشارة إليه أن الفقرة الثالثة من المادة 91 قد رفعت من حجم المساحة المغطاة بمقارنة من الفقرة 21-أ من البند الرابع من المادة السابعة من قانون 85-30 المنظم للضريبة على القيمة المضافة سابقا، حيث أن المساحة المعفية سابقا كانت هي 240 مثر مربع.

وقد عرف ذ فرنسيس لوفيير(1) في موسوعته الضريبية تعريفا لمفهوم التسليم لذات المسلم باعتباره العملية التي يحصل من خلالها الشخص على منتوج في ملكيته أو خدمة باستخدام عناصر وأدوات في ملكيته، بيد أن التعريف التشريعي في المادة 256 من المدونة العامة للضرائب الفرنسية أكثر توكيدا للدقة بحيث يعتبر أن هناك تسليما لذات الشخص المسلم كلما عمد الخاضع إلى اقتطاع جزء من المنتوج أو البضائع أو الخدمات لحاجياته الخاصة، أو لحاجيات مستخدميه، أو نقله أو تحويله لغاية ترتبط بحاجيات المقاولة ،أو حين تكون هذه المنتوجات أو البضائع أو الخدمات أو العناصر المكونة لها، مخولة لخصم جزئي،أو كلي، للرسم المدفوع مسبقا عند اقتنائها.(2)

1. مذكور بمقال جعفر حسون: مفهوم التسليم لذات الشخص المسلم في مادة الضريبة على القيمة المضافة

la livraison à soi même en matière de TVA » « مداخلة باليومين الدراسيين حول ” العمل القضائي والمنازعات الضريبية ” منشورة بدفاتر المجلس الأعلى عدد 8/2005 مطبعة إليت ص158.

2-. جعفر حسون م.س ص 158.

أما بخصوص بعض الإشكالات المتعلقة بإعفاء المساحة التي لا تتجاوز240 متر مربع من الضريبة على القيمة المضافة فمحاكم الموضوع نظرت في ملفات عديدة متعلقة بهذه الإشكالية مثلا :

المحكمة الإدارية بأكادير أصدرت حكما بتاريخ 14/11/2002 في الملف الإداري رقم 66/2002 ش والذي تتلخص وقائعه في كون الطاعن الذي يعتبر عاملا بالخارج قام ببناء منزل شخصي من أجل السكن بسبت الكردان إقليم تارودانت فقامت الإدارة الجبائية تلقائيا بفرض الضريبة على القيمة المضافة على ما سلمه لنفسه من مسكن، وقام بالطعن فيه بعد سلوك مسطرة التظلم لعدة أسباب من بينها أنه غير ملزم بأداء الضريبة على القيمة المضافة لكونه عاملا بالخارج ولا يتوفر على سكن بالمغرب فاشترى بقعة أرضية شيد عليها مسكنه الشخصي وأنه لا يعتبر مقاولا ولا يقوم بعمليات التجزئة أو الاستثمار العقاري المنصوص عليها بالمادة 4 من القانون 30/85 وبالتالي تبقى عملية تشيد منزل خصصه لسكناه الشخصي عملية

مدنية.( 1)

غير خاضعة لتطبيق الضريبة على القيمة المضافة، وان ما سلمه لنفسه من سكن لا يدخل ضمن تلك العمليات ولا يدخل ضمن نطاق العمليات الخاضعة للضريبة على القيمة المضافة المنصوص عليها في البند 7 من المادة الرابعة المذكورة وتكون الضريبة المفروضة عليها وفي هذه الحالة غير قانونية وقررت إبطالها.(2)

1. .وخلافا لهذا الموقف فإن ذ.مولاي أحمد أبو عسيس رئيس مصلحة الشؤون القانونية للأشخاص الطبيعيين بالمديرية العامة للضرائب يعتبر أن اي اجتهاد يسعى إلى وضع معايير بهدف التمييز بين الأعمال التجارية و المدنية بغية تحديد الطبيعة الجبائية لهذه العمليات يشكل خروجا صريحا عن مقتضيات القانون الضريبي الذي يتسم بخصوصيات تميزه عن باقي فروع القانون الأخرى من القانون المدني أو التجاري في تعامله مع بعض العمليات التي قد تكتسي طابعا غير ما تكتسيه من وجهة نظر النصوص القانونية الأخرى.

ويضيف على أن الجميع يتفق على تعريف الضريبة على القيمة المضافة بأنها ضريبة على الاستهلاك وتطبق على المنتوجات والخدمات المنجزة داخل المغرب، يعني ان تطبيقها يرتبط بطبيعة المنتوج أو الخدمة وبغض النظر عن المستهلك، ولا للطبيعة القانونية للشخص أو المقاولة التي تتولى عملية الانتاج أو إنجاز الخدمة.

مداخلة بعنوان ” نظام الضريبة على القيمة المضافة المطبقة على عمليات “ما يسلمه الشخص لنفسه من مبنى” باليومين الدراسيين . دفاتر المجلس الأعلى عدد 8/2005 ــ ص 152 ، مطبعة إليت .

2. عبد الرحمان مزوز وعبد الله العلج ” حدود الاعفاء من الضريبة على القيمة المضافة بخصوص ما يسلمه الشخص لنفسه من سكن ” دفاتر المجلس الأعلى . م.س ـ ص 150ـ
وقد وسع المجلس الأعلى من مفهوم الاستعمال الشخصي للسكن، باعتبار إسكان الأخ يدخل ضمنه، فقد جاء في قرار صادر عن المجلس الأعلى بتاريخ 13/02/1997 ، وخلافا لما ذهبت إليه إدارة الضرائب في دورية صادرة عنها في هذا الشأن تحت رقم 305 بتاريخ 04/03/1996 بأن مفهوم الاستعمال الشخصي للسكن يقتصر على الأصول والفروع، أما إسكان الأخ في جزء من المبنى في ظروف النازلة فلا يدخل ضمن الأصول ولا الفروع ” حيث أن المشرع لم يحدد في المادة 71 المحتج بها مفهوم الاستعمال الشخصي للسكن وأن الدورية رقم 305 المحتج بها إنما تتضمن وجهة نظر الإدارة في نزاع هي طرف فيه، وليس من شأن تلك الدورية أن تمنع القضاء من البحث عما قصده المشرع من الاستعمال الشخصي للسكنى التي تبنى لهذا الغرض، وحيث أن إسكان الأخ في ظروف النازلة المعروضة، ليس فيه ما يخرجها عن نطاق الاستعمال الشخصي للسكن بالمفهوم المنصوص عليه في الفقرة 2 من المادة 71 من القانون رقم 30/85 المحتج به ولم يكن هناك ما يبرر فرض الضريبة موضوع الدعوى ويكون ما قضى به الحكم المستأنف في محله” .( 1)

هذا وقد استقر عمل الغرفة الإدارية بخصوص هذا الموضوع على الأخد بالتفسير الضيق للنصوص الجبائية مع تفسير الغموض في كل نص ضريبي لفائدة الملزم، حيث ذهبت في نازلة أخرى إلى إضفاء الطابع الشخصي للضريبة على القيمة المضافة دون العيني، حيث جاء في قرار الغرفة الإدارية وهي تحكم بإرجاع مبلغ الضريبة على القيمة المضافة المؤدى بغير وجه حق لفائدة الخزينة على أساس الإعفاء المقرر للملزم ما يلي : ” حيث إن النصوص القانونية الضريبية الغامضة تعتبر لمصلحة الملزم بالضريبة وأن المادة 7 المذكورة، وهي تحدد الأصناف المعفاة من الضريبة ينص على إعفاء الشخص الطبيعي دون تحديد ما إذا كان واحدا أو متعددا يملك المساحة التي يبنيها لنفسه، ومراعاة للقاعدة المشار إليها ولأن الضريبة على القيمة المضافة هي ضريبة على الإستهلاك، والإعفاء منها ذو طابع شخصي بالنسبة للشخص الطبيعي فلا محل لإلزام المستهلك بها إلا بقدر ما يشتريه وقد كان من حق المستأنفين أن يتمسكا بانهما مستفيدان من الإعفاء على اساس حصة كل واحد منهما والمساحة المبنية، وليس على أساس مجموع تلك المساحة وأن الحكم المستأنف عندما رخص طلبهما يكون قد أول المادة 7 المشار إليها أعلاه تأويلا غير صحيح”.(2)

وقد تعرض موقف القضاء الجبائي بهذا الخصوص للنقد، فهناك من اعتبر أن الاجتهاد القضائي انساق مع الاستعمال الشائع والموسع للمفهوم وانشغل بأحكام الإعفاء الواردة في المادة 7 في بندها الرابع، وشروط

1. العربي الكزداح ” الطعون الجبائية في ظل المحاكم الإدارية بالمغرب ” أطروحة لنيل الدكتورة في الحقوق ، جامعة محمد الخامس أكدال ، الموسم الجامعي 2003/2004، ص 299.

2. قرار الغرفة الإدارية عدد 97 بتاريخ 28/01/2004 بالملف عدد 647 /4/1/2002 . ذكره محمد قصري م.س. ص 106.

إعماله، دون أي التفات للسياق العام للضريبة على القيمة المضافة أولا كرسم له خصوصياته، الذي ينصرف في الأصل إلى التسليم للغير بمقابل واقعة منشئة للضريبة.(1)

كما أن البعض اعتبر أن ما ذهب إليه المجلس الأعلى لا يندرج تحت أي من المذاهب التفسيرية المعروفة.(2)

الفقرة الثانية : إشكالية الخضوع للمساهمة الدنيا على ضريبة الأرباح العقارية

تم إحداث الضريبة على الأرباح العقارية بمقتضى الفصل الخامس من قانون المالية لسنة 1978، وهي ضريبة تفرض على الأرباح التي يحققها الأشخاص الذاتيين، من عمليات بيع الأموال العقارية والحقوق العينية العقارية.

وتتكون فئة الملزمين بهذه الضريبة من الأشخاص الذاتيين الذين يقومون بعمليات التصرف في العقار بصفة عرضية خارج نشاطهم المهني.

ذلك أنه بالنسبة للأشخاص المعنويين وكذلك الأشخاص الذاتيين العاملين في إطار نشاطهم المهني فإن الأرباح أو فوائض القيمة التي يحققونها أو يكسبونها حين بيعهم العقارات المرصدة لنشاطهم المهني أو سحبها من اصل منشآتهم أو يتخلون عنها للغير، تعتبر محصولات تدخل في تكوين أساس الضريبة على الشركات أو الضريبة العامة على الدخل برسم الدخول المهنية حسب الحالة.

وعرف القانون المنظم للضريبة على الأرباح العقارية تعديلات متلاحقة مست العديد من المبادئ المرتبطة به، وأفضت في النهاية إلى إدماج تلك الضريبة في الضريبة العامة على الدخل بمقتضى المادة 10 من قانون المالية رقم 00-55 للسنة المالية 2001، وذلك في إطار سياسة تحديث النظام الجبائي الوطني وتبسيطه.

وقد نشأت عن تطبيق هذه الضريبة نزاعات بين الإدارة الجبائية والملزمين بها تتعلق بمختلف الجوانب، سواء من حيث تحديد الوعاء المعتمد لتأسيس الضريبة أو مبادئ أخرى تتعلق بتأويل المقتضيات القانونية المرتبطة بالموضوع والتي غالبا ما يتم بشأنها الرجوع إلى القضاء ليقول كلمة الفصل فيها.
1. جعفر حسون، م.س ص 170.

2. العربي الكزداح . م.س ص 320.

و فيما يخص استحقاق الحد الأدنى للضريبة على ثمن التفويت فقد نصت المادة 94 من القانون 89-17 على أن سعر الضريبة يحدد في 20% فيما يخص الأرباح المحصل عليها أو المثبتة المنصوص عليها في المادة 21 أعلاه، غير أن مبلغ الضريبة لا يمكن ان يقل على 3% من ثمن البيع كما هو محدد في المادة 86.

وإقرار هذا الحد الأدنى يرمي إلى الحد من أثار الغش الضريبي الشائع والمتمثل في عدم الإفصاح في العقود عن مجموع الثمن المتعاقد به، كما هو الشأن بالنسبة لظاهرة الشركات والمقاولات التي تصرح باستمرار بالخسارة في الإستغلال.

ولقد أثيرت عدة قضايا ترتبط بتحديد أساس فرض الضريبة وسعرها، وخاصة فرض الحد الأدنى.

والإشكالية المطروحة تتمتل في منازعة الملزمين في تطبيق الحد الأدنى للضريبة في حالة حصول ربح ضئيل أو خسارة من تفويت عقار .(1)

وقد صدرت قرارات قضائية متناقضة في الموضوع نورد منها :

حكم المحكمة الإدارية بأكادير تتلخص وقائعه في كون الطاعن اشترى عقارات بمقتضى عقد توثيقي بمبلغ أجمالي قدره 55000000.00 درهم فقامت إدارة الضرائب بالفرض التلقائي للضريبة على الأرباح العقارية على الطاعن على أساس تمن البيع وطبقت في حقه مبلغ المساهمة الدنيا التي هي آنذاك وقبل التعديل 2% ( قبل تعديل ق.م لسنة 2001) من ثمن البيع، فطعن في الضريبة المذكورة بعلة أن الضريبة المفروضة غير مستحقة باعتبار أنه غير ملزم أصلا بهذه الضريبة لأنه لم يحقق أي ربح، فتم إلغاء الضريبة على الأرباح العقارية على أساس انها لا تستحق إلا على أساس ربح محقق على أن لا يقل مبلغ هذه الضريبة عن 2% من تمن البيع، وأنه أمام عدم تحقق ربح مستحق، فإنه لا مبرر لتطبيق المساهمة الدنيا للضريبة لعدم وجود اي ضريبة أصلا.(2)

1. بلعيد حفيظ ، ” الإشكاليات المرتبطة بالاعفاء وتطبيق الحد الأدنى للضريبة على الأرباح العقارية” مقال بمجلة دفاتر المجلس الأعلى ــ عدد 8/2005 مطبعة أليت، صفحة : 125،126،137،138.

2. حكم عدد 240/99 بتاريخ 21/10/1999 في الملف عدد 361/98 ش ذكره الأستاذان عبد الرحمان مزوز وعبد الله العلج بمقال : ” إشكالية الخضوع للمساهمة الدنيا على ضريبة الأرباح العقارية” مقال بمجلة دفاتر المجلس الأعلى المرجع نفسه ص 143.

وقد أيد المجلس الأعلى هذا الحكم بالقرار عدد 449 المؤرخ في 29/3/2001 بالملف الإداري عدد 517 4/1/2000، حيث علل قراره بما يلي :

حيث أن مقتضات الفصل الخامس من قانون المالية لسنة 1978 تنص في بندها الأول على أنه تفرض ضريبة الأرباح العقارية التي يحققها أشخاص وبالتالي تكون المحكمة قد ركزت قضاءها على أساس عندما ألغت الضريبة موضوع النزاع، علما أن مقتضيات هذا البند من الفصل المذكور لا تحمل أي تأويل أو تعيين أخر باعتبار أنها لم تنص على أي استثناء لأحكامها وإن ما اعتمده المستأنف فلا علاقة له بتاتا بالبند المذكور، إذ الأمر يكون منحصرا حول مسألة شرط فرض هذا النوع من الضرائب لا غير.

وحيث يستخلص مما سبق وجوب تأييد الحكم المستأنف”

وترى إدارة الضرائب خلاف ذلك وتدفع بأن المجلس الأعلى تبنى قراءة جزئية للبند السالف الذكر، في حين أن هذا البند يتضمن فقرتين تمثل الأولى المبدأ في تطبيق سعر الضريبة، والثانية جاءت في صيغة الاستثناء تحدد سعر الحد الأدنى وأساس تطبيقه، وهكذا فإن المشرع لم يربط تطبيق هذا السعر بتحقيق أي ربح، بل أسس الضريبة محسوبة بحدها الأدنى بثمن التفويت.(1)

وهكذا نجد المحاكم الإدارية وكذا المجلس الأعلى قد فسر هذه المادة لصالح الملزم باعتبار الشك يفسر لصالحه ودافع بذلك عن حقوق الملزم وخالف بذلك تأويل الإدارة وخبراؤها .

ومن ثمة فإن القضاء الإداري عمل على تفسير مجالات الإعفاء في المجال العقاري في جزء كبير منها لصالح الملزم وحد من رغبة الإدارة في توسيع مجالات الوعاء الضريبي والتي يهمها بشكل كبير جمع الضرائب حتى ولو وصل بها الأمر في بعض الحالات حد الاعتداء على حقوق الملزمين، وهو ما تصدى له القضاء الجبائي في الإشكالات السابق مناقشتها وتحليلها.

1. بلعيد حفيظ . م.س ص 139.

2. حكم بتاريخ 21/3/2001 ملف 51/2000 مؤيد بقرار المجلس الأعلى عدد 254 بتاريخ 11/04/2002 غير منشور .

3. ملف 82ع/2003 حكم 1794 بتاريخ 16/6/2004 غير منشور.

المطلب الثاني : الإعفاءات الضريبية المتعلقة بالمجال الفلاحي

يعتبر القطاع الفلاحي القطاع الأساس في الإقتصاد المغربي قبل وبعد الاستقلال، ويشغل فئات واسعة من أبناء الشعب المغربي خاصة في العالم القروي، ومن ثمة فقد منح المشرع المغربي امتيازات خاصة لهذا القطاع همت عدة مجالات لكي يلعب الدور المنوط به في التنمية الشاملة للبلاد، وفي هذا السياق تم إعفاءه من الضرائب إلى غاية سنة 2000، وتم تمديدها إلى سنة 2010.

وبالنظر إلى التطورات التي عرفها القطاعو المتجلية في دخول واستعمال الآليات الحديثة والعصرية ، فقد طرح هذا الوضع عدة نزاعات بين الفلاحين والإدارة الضريبية حول حدود الإعفاء من الضرائب، علما أن دخول الآلات حول طبيعة النشاط من فلاحي إلى تجاري أو صناعي كما سنوضح ، فما هو السند القانوني لإعفاء القطاع الفلاحي من الضريبة بجميع أنواعها ؟ وما هي أهم التطورات التي عرفها الإطار القانوني ؟ ( الفقرة الأولى) وما هو موقف القضاء الجبائي من هذه الإشكالات ؟(الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى : إعفاء القطاع الفلاحي : السند القانوني والتطور الذي عرفه

إن الهدف من تشريع مبدأ الإعفاء الضريبي بصفة عامة هو تمتيع المخاطب به بامتيازات مالية تساعد على تخفيف العبء الضريبي عنه، حتى يتسنى له المشاركة بشكل إيجابي في تطور المجال الذي ينتمي إليه، والمغرب يعتبر من الدول التي تعتمد في اقتصادها على الفلاحة، ولهذا فقد أقر ظهير 21-03-1984 إعفاء الدخول الفلاحية من جميع الضرائب المباشرة مؤقتا إلى غاية 2010.

وقد عرف تضريب القطاع الفلاحي بالمغرب عدة تطورات قبل هذا التاريخ، ففي أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين عرف المغرب ضريبتين هما:

الأولى: ضريبة العشر وتفرض على الزراعات على أساس الدخل الذي يتم تقديره طبقا للمردودية المتوقعة لحصيلة السنة الزراعية.

الثانية : الزكاة وتطبق على الحيوانات الأليفة والمرباة.

وفي سنة 1915 تمت صياغة قانون تنظيمي لكل من هاتين الضريبتين وذلك في إطار ما عرف بالترتيب الذي ظل قائما إلى غاية 1961 حيث تم إحداث الضريبة الزراعية بمقتضى ظهير رقم 438-61-1 بتاريخ 30 دجنبر 1962 وتؤسس هذه الضريبة على :

– مقدار ما تنتجه الأراضي عن كل هكتار من مزروعات أو أشجار.

– مقدار ما تنتجه أشجار الفواكه المتفرقة أو المغروسة بانتظام.

– محصول الماشية.

و بقي الحال على ذلك إلى أن تم إصدار الظهير الشريف بمثابة قانون رقم 46-84 الصادر في 21 مارس 1984.

و بمقتضى الفصل الأول من هذا الظهير يتم إعفاء كل أنواع الدخول الفلاحية المفروضة عليها الضريبة الزراعية المشار إليها أعلاه، من جميع الضرائب المباشرة المفروضة حالا ومستقبلا وذلك إلى غاية 2010.

وجدير بالذكر أن القانون الإطار لسنة 1984 نص في فصله الثاني على استحداث ضريبة عامة على دخول الأشخاص الطبيعيين تسمى الضريبة العامة على الدخل وضريبة دخول الأشخاص المعنويين و تدعى الضريبة على الشركات.(1)

بيد أن مفهوم الدخل الفلاحي المعفى من الضرائب عرف بعض الإختلافات خاصة مع التطورات السابق ذكرها، وفي هذا الإطار :

– حسب خبرة أمرت بها محكمة إدارية اعتبرت أن تربية النحل في صناديق خشبية وفقا للشكل التقليدي المعمول به في ميدان الفلاحة يعتبر عملا فلاحيا صرفا، و قد أيد المجلس الأعلى هذا التعريف.

– وفي تعريف لمحكمة إدارية أخرى، اعتبرت أن النشاط الذي يتطلب أساسا تدخل الإنسان بواسطة المكننة والآليات العصرية فضلا عن عملية الشراء والبيع والمضاربة لتحقيق الربح يندرج ضمن الأنشطة التجارية.

إذن المعيار السائد في هذين التصنيفين هو معيار التقنيات المستعملة في النشاط الفلاحي.

وخلافا لهذا التوجه، نجد أن النشاط الفلاحي له تعريف آخر في النظام الفرنسي، فالمادة الثانية من القانون الفرنسي رقم 88-120 بتاريخ 30 دجنبر 1988 والمتعلق بملائمة الاستغلال الفلاحي لبيئته الاقتصادية.

والاجتماعية، تحدد الأنشطة الفلاحية كالتالي :

· تلك الأنشطة التي تتناسب والتحكم والاستغلال في الدورة البيولوجية لكل صنف نباتي أو حيواني والمؤسسة للمراحل الضرورية لتسلسل هذه الدورة.

· تلك الأنشطة المزاولة من طرف مشغل فلاحي سواء تعلق بالامتداد العادي لعملية الانتاج أو المعتمدة فقط على الاستغلال.

1. المصطفى الأخضر : ” تحديد مفهوم الدخول والأنشطة الفلاحية المعنية بالإعفاء من الضرائب المباشرة” مجلة دفاتر المجلس الأعلى . م.س ص 183و185.

و تعتبر تربية الحيوانات نشاطا فلاحيا بغض النظر عن أصناف الحيوانات المرباة أو التقنيات المستعملة أو حجم الاستغلال أو مالك الحيوانات.(1)

فما موقف القاضي الجبائي المغربي من هذه الإشكالات التي طرحت بخصوص إعفاء القطاع الفلاحي والتقنيات الحديثة التي أصبحت تستعمل في هذا القطاع ؟

الفقرة الثانية : موقف القضاء الجبائي من بعض إشكالات إعفاء القطاع الفلاحي

منذ إنشاء المحاكم الإدارية عرضت عليها مجموعة من القضايا تتعلق بإعفاء بعض الأنشطة ذات الطبيعة الفلاحية، منها مدى إخضاع مربي الماشية للضريبة المهنية على بيع منتوج الحليب الذي تدره أبقاره وعن مدى خضوعه للضريبة باعتباره يمارس نشاطا فلاحيا، وخلال هاته المنازعات كانت إدارة الضرائب تعتبر نشاط المدعي المتمثل في تربية الأبقار من أجل إنتاج الحليب وتسويقه عملا تجاريا يخضع للضريبة المهنية وبالتالي للضريبة العامة على الدخل.

وكانت تعمل على إصدار كل من ضريبة “البتانتا” والضريبة العامة على الدخل في مواجهة مربي الماشية، بينما يتمسك هذا الأخير بكونه يمارس نشاطا فلاحيا معفى من الخضوع لمثل هاته الضرائب.

إلا أن القضاء الإداري حسم هذا الموضوع سواء على مستوى محاكم الموضوع(2) أو على مستوى الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى(3) معتبرا أن مربي الماشية يمارس نشاطا فلاحيا معفى من جميع أنواع الضرائب بمدلول الفصل الأول من ظهير 1984 حيث جاء في حكم إدارية فاس :

” حيث إن مهنة الفلاحة داخلة بحكم طبيعتها وحسب مدلول الفصل الأول من الظهير الشريف الصادر بتاريخ 31/3/1984 ضمن الإعفاء من جميع أنواع الضرائب وبذاك فإن ضريبة البتانتا على مهنة الفلاحة تعتبر من المجالات المحددة بمقتضى الظهير الشريف المشار إليه أعلاه ومشمولة بالإعفاء إلى غاية 31/12/2000 مما يبقى معه إخضاع المدعى لها مفتقدا للسند القانوني، والطلب الرامي إلى الحكم بإلغائها مؤسس “.

وجاء في قرار الغرفة الإدارية وهي تؤكد نفس المنحى فيما يلي ” ظهير 61/9/1984 يشمل جميع الضرائب المتعلقـــة بالفلاحة بما فيها الضريبة المهنية ما دامت لها علاقة بالنشــــاط الفلاحـــي لأنه لم يــرد

1. ذ.المصطفى الأخضر ، م.س ص 187و188.

2. حكم إدارية فاس بالملف الإداري 103/ 2000 ، والمحكمة الإدارية مكناس في الملف 500/95 بتاريخ 16/11/ 05 غير منشور .

3. قرار عدد 215 بالملف الإداري عدد 1640/ 4/1/2000 غير منشور.

أي استثناء صريح بذلك، ومن ثم يكون إخضاع المستأنف عليه لضريبة أعفى المشرع بنص صريح التكليف بها غير قائم على أساس صحيح “.(1)

هذا وفي إطار القراءة القانونية للإعفاء الضريبي المتعلق بالمجال الفلاحي، يجب التمييز بين النشاط الفلاحي الناتج عما تدره الأرض من عطاء وما تقدمه الماشية من كسب معفى من الخضوع للضريبة ودخول النشاط الفلاحي الذي تلعب المكننة الدور الرئيسي فيه، ( كما سبق الذكر) والذي ينتهي فيه النشاط الفلاحي الطبيعي، إذ يصبح تدخل عامل خارجي في تحويل النشاط الفلاحي إلى نشاط صناعي كما هو الشأن بالنسبة لتربية الدواجن بطريقة عصرية.

فقد ذهبت إدارية فاس إلى اعتبار الممارسة الطاغية لنشاط تربية الدواجن لا يعتبر عملا فلاحيا بطبيعته، وبالتالي لا يستفيد من مقتضيات ظهير 1984.

وهو نفس توجه الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى عندما رفضت دفوع الملزم المتعلقة بإعفائه من الضريبة باعتباره يمارس نشاطا فلاحيا متمثلا في توفره على جهاز خاص لتبريد المنتوج الفلاحي.(2)

وقد جاء في قرار الغرفة ما يلي : ” حيث إنه مما لا نزاع فيه أن الدخول موضوع الإخضاع الضريبي ليس مصدرها عملا فلاحيا محضا، أي ناتجا عما تدره الأرض من عطاء أو تقدمه الماشية من كسب، دون تدخل الآلة في الصنع، مما لا يعد عملا فلاحيا صرفا، وإنما هو جهاز خاص بالتبريد والحفاظ على المنتوج الفلاحي من التعفن وضمان بيع الغلل الفلاحية على مدار السنة، فما أثير من كونه يستفيد من الإعفاء الضريبي غير منتج وكان ما قضى به الحكم المستأنف مؤسسا”.(3)

فانطلاقا من هاته المواقف المميزة للعمل القضائي سواء على مستوى المحاكم الإدارية أو الغرفة الإدارية، يلاحظ أن القاضي الإداري قد فسر المقتضيات القانونية المتعلقة بالإعفاء المقرر للنشاط الفلاحي تفسيرا يتلاءم والظرفية الاقتصادية.

لذا ذهب القضاء إلى شمول الضيعة الفلاحية من الإعفاء من الضريبة الحضرية في إطار ظهير 1984، مع تفعيل مقتضيات قانون التعمير، وذلك تشجيعا للاستثمارات الفلاحية وإحداث هاته الضيعات في المجالات القروية.

1. محمد قصري : م.س ص 106و107.

2.أنس السبتي ” قراءة في الإعفاءات الضريبية المتعلقة بالمجال الفلاحي والإشكاليات التي تطرحها المادة 7 من قانون 30-85 المتعلق بالضريبة على القيمة المضافة” دفاتر المجلس الأعلى . م.س ص 177.

3. قرار الغرفة الإدارية المؤرخ في 8/5/2000 بالملف 688 /4/1/2000 ذكره ذ.محمد قصري م.س ص 107.

والغاية هي إعفاء الضيعات الفلاحية من الضريبة الحضرية، فقد ورد في قرار الغرفة الإدارية ” أن الدوائر والجماعات الحضرية والمراكز المحددة والمنصوص عليها بالمادة الثانية من القانون 37-89 المتعلق بالضريبة الحضرية هي وحدات إدارية قائمة بذاتها ومستقلة كل واحدة عن الأخرى، وأن المسافة الفاصلة بين الضيعة والجماعة لا تخرج عن نطاقها ولا تتعداها إلى غيرها من الجماعات الحضرية والمراكز المحددة.

وحيث إنه تبعا لما ذكر فإن ضيعة المستأنف تقع بالجماعة القروية لعين الشقف وخارج المدار الحضري لمركز راس الماء التابع لهذه الجماعة ولا تقع بمناطق امتداد الجماعة الحضرية لفاس أكدال، لذا فإن الفقرة الثانية من القانون 12-90 غير قابلة للتطبيق عليها ويكون الفرض الضريبي المطعون فيه غير مشروع ويتعين إلغاءه.”(1)

ونفس الشيء طبقته المحاكم عند نظرها للطعون المتعلقة بالضريبة العامة على الدخل المتعلقة بالدخول الفلاحية عندما اعتبرت أن هاته الدخول المفروضة عليها الضريبة دخول فلاحية صرفة فهي معفاة.

وقد أثارت هذه الوضعية إشكالات مسطرية وذلك عندما يتعلق الأمر بدخول فلاحية ودخول أخرى وعزم الملزم على المنازعة في أساس فرض الضريبة، فطرحت إشكالية إلزامية المسطرة من عدمها.

فإذا كان الرأي الراجح قد ذهب إلى أن إقرار مبدأ الإعفاء بشكل كلي يعفي الملزم من سلوك المسطرة الإدارية لعدم مخاطبته بنصوص القانون التي تمتعه بنظام الإعفاء، فإن الأمر يختلف كثيرا بالنسبة للإعفاء المشفوع بدخول مستثناة من هذا الإعفاء.

لذا اختلفت مواقف المحاكم الإدارية حول إمكانية اعتبار وجود دخول فلاحية ضمن الضريبة العامة على الدخل وصعوبة فصلها عن باقي الدخول الأخرى، مبررا يحلل الملزم من المسطرة الإدارية والبث في الطلب برمته. وهذا ما يفسر تدخل القاضي الإداري وتطبيق قاعدة التفسير للنص الغامض بالأصلح للملزم.(2)

انطلاقا من القراءة التحليلية لموقف القضاء الإداري من مبدأ الإعفاء والتفسيرات الواردة بالقرارات والأحكام المشار إليها سابقا سواء المتعلقة بالإعفاء في المجال العقاري أو الفلاحي، يتبين الدور الإيجابي للإجتهاد القضائي في تفعيل النصوص الضريبية والتعبير عن الغاية التشريعية من سنها، وكذلك إظهار الدور الذي تضطلع به المحاكم الإدارية ومعها الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى لتفسير النصوص الغامضة انطلاقا من مفهوم أن الإجتهاد القضائي يعتبر أداة من أداوات التنمية، إن لم نقل قاطرة التنمية ووسيلة من وسائل تشجيع الإستثمار لكونه هو الذي يوفر الحماية القانونية ويحقق الطمأنينة والثقة في العدالة.
1. قرار الغرفة الإدارية عدد 484 المؤرخ في 16/6/2004 ملف عدد 1553/4/2000 غير منشور.

2. ذ . أنس السبتي . م.س، ص 177 و178.

المبحث الثاني : التحقيق والإثبات وأثر الحكم ببطلان المسطرة الضريبية على الالتزام الضريبي :

يحتل الإثبات أهمية قصوى لدى القاضي بل أساس ومحور تشكل قناعة القاضي، لأنه لا يوجد حق بدون إثبات، والتحقيق باعتباره آلية تسهل وتساهم في إثبات الحقوق أو تقييدها ذا أهمية بالغة في جميع الدعاوى وخاصة في المجال الضريبي.

وقد نظم ق.ل.ع في فصوله 399 إلى 460 قواعد الإثبات، و قانون المسطرة المدنية قواعد التحقيق في فصوله من55 إلى 102. وهكذا فبالرغم من أن النزاعات الضريبية تنتمي إلى القانون الإداري فإن القواعد المسطرية هي نفسها المنصوص عليها في القانون الخاص وخاصة قواعد المسطرة.

بيد أن هناك بعض الاختلافات والخصوصيات من مثل استبعاد اليمين والشهود كوسيلتي إثبات كما هو ثابت قانونا وقضاء ( الفرع الأول )، وبما أن الدعوى الضريبية تندرج في أغلبها في إطار القضاء الشامل، وبما أن القاضي الإداري المغربي مدعو لأن يلعب دور المفتش السلمي للضريبة، فإن مرحلة التحقيق في الدعوى التي يقوم بها القاضي المقرر تبدو مرحلة حاسمة في تكييف هذه الأخيرة وتوجيهها، بحيث يجب عليه استعمال جميع الوسائل القانونية والمسطرية المتوفرة لديه لكي يظهر حقيقة الإلزام الضريبي ويطبقها على الأطراف.(1)

كما سنتناول في هذا المبحث موضوعا ذا أهمية بالغة وهو أثر الحكم ببطلان مسطرة فرض الضريبة أو تصحيح وعائها على الإلتزام الضريبي، فإذا كان الإخلال بالقواعد المسطرية التي تنظمه مسطرة فرض الضريبة وتصحيح وعائها كما سلف الذكر، يرتب بطلانها لتعلقها بإجراءات جوهرية من قبل النظام.

فهل يترتب على الحكم ببطلان تلك المسطرة المتعلقة بفرض الضريبة انقضاء الإلزام الضريبي، أم بمعنى آخر هل يحق لإدارة الضرائب أن تصحح الخلل المسطري المذكور لتعيد فرض الضريبة أو تصحيح وعائها في إطار مسطرة أخرى سليمة؟.

إذن فما هي الآثار القانونية المترتبة عن الإجراءات الباطلة خلال مسطرة فرض الضريبة أو أثارها على الإلزام الضريبي ؟. ( الفرع الثاني)
1. د. عبد الغني خالد م.س ، ص 367.

الفرع الأول : الإثبات والتحقيق في الدعوى الضريبية

سنتناول في هذا الفرع وسائل التحقيق والإثبات في القانون الضريبي والخصوصيات المميزة لها عن قواعد القانون الخاص في المجال المسطري، كما سنتناول بالتحليل بعض الإشكالات المطروحة أمام القضاء الإداري بهذا الخصوص.

المطلب الأول : وسائل التحقيق والإثبات

تتوقف مصداقية الحقوق المدعى بها على قوة الحجج المثبتة لها، لذلك فالحق يكون عديم الفائدة إذا عجز عن إثبات وجوده، لكن القاضي قد لا يقتنع بالوسائل المثارة أمامه أو أن وسائل الإثبات هذه تكون ناقصة أو غامضة فيلجأ إلى إجراءات التحقيق من بحث وخبرة لتشكيل قناعاته.(1)

الفقرة الأولى : وسائل التحقيق

إذا تبين للقاضي أن عناصر الإثبات المقدمة من الطرفين لا تمكن من تكوين نظرة وافية عن النزاع أو لا تكفي لتكوين قناعة واضحة، يجوز له بناء على طلب الأطراف أو أحدهم أو تلقائيا أن يأمر باتخاذ إجراءات التحقيق وهي : الخبرة ، البحث ، المعاينة كما ينص على ذلك الفصل 55 من ق.م.م .(2)

· أ- الخبرة :

الخبرة من بين أهم إجراءات التحقيق وأكثرها تطبيقا في العمل القضائي، والخبرة بمعناها الواسع لها عدة معاني ومفاهيم، غير أن الخبرة المقصودة في بحثنا هذا هي الخبرة القضائية l’expertise judicaire،(3) وقد عرفها الأستاذ عبد العزيز توفيق بأنها ” العمليات والتقارير التي يقوم بها الخبير المعين من طرف المحكمة في مسالة فنية يأنس القاضي من نفسه الكفاية العلمية أو الفنية للقيام بها “.(4)

1. محمد شكيري . م.س ص 615.

2. عبد القادر التيعلاتي : م.س ص 150.

3. خالد الشرقاوي السموني، الخبرة القضائية في ضوء قانون المسطرة المدنية والإجتهاد القضائي، دار النشر المغربية، منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية ، سلسلة ” مؤلفات وأعمال جامعية العدد 7، سنة 1998 . ص 15.

4. عبد العزيز توفيق، ” شرح قانون المسطرة المدنية والتنظيم القضائي”، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء سنة 1995 ص 183.

وتخضع الخبرة لمجموعة من المبادئ هي: أن لا يتعلق موضوعها بمسألة قانونية أو إجراء معاينة أو سماع شهود، كما لا يجوز أن تكون الخبرة لمطلب أصلي في الدعوى.(

ويتم اختيار الخبير استنادا إلى قدراته أو علمه أو فنه، ومهمته إبداء رأيه للمحكمة في المسائل الفنية المحددة له من طرف القاضي والتي لا علاقة لها بالقانون، ويتمتع باستقلال فني في إنجاز تقريره، غير أن الخبير رغم استقلاله يتوجب عليه عدم الإدلاء برأي أو بيان في مسألة لم ترد في النقط التي حددها القاضي.

كما انتداب الخبير أمر موكول لسلطة القاضي التقديرية، فهو وحده الذي يملك حق الاستجابة لطلب إجراء الخبرة أو عدم إجرائها.(1)

وقد خول المشرع المغربي للخصوم حق تجريح الخبراء كما هو مبين في الفصل 6 من قانون المسطرة المدنية، كما يمكن للقاضي استبدال الخبير المعين من طرفه تلقائيا أو بناء على طلب الخصوم و يعين خبيرا آخر محله.

وينجز الخبير المأمورية بعد استدعاء الأطراف تحت طائلة بطلان الخبرة، وبعد محاولة إجراء التصالح بين الأطراف والاستماع إلى أقوالهم والحجج التي يتقدمون بها، تم يضع تقريره داخل الأجل المحدد له.

ومن المسلم به أن مضمون تقرير الخبير وأرائه غير ملزمة للقاضي، فهي على سبيل الاستئناس فقط، وإذا اتضح له أنها ناقصة أو لم تف بالغرض، جاز له أن يأمر بإجراء خبرة إضافية، أو خبرة مضادة يجريها خبير أو خبراء آخرون حسب أهمية المنازعة، والذين يقدمون بدورهم تقارير أخرى.

ما يلاحظ من خلال تفحصنا لجل الأحكام الصادرة عن المحكمة الإدارية بالدار البيضاء المبنية على الخبرة، أن القضاة بهذه المحكمة لا يأخذون مضمون الخبرة على سبيل الاستئناس في إصدار أحكامهم ولكنهم يبنون تلك الأحكام على مضمون الخبرة لتصبح هذه الأخيرة تقريرية بكل ما للكلمة من معنى.(2)
1. عبد الغني خالد . م.س ص 372،373.

2.و الأمثلة على ذلك كثيرة حيث جاء في حكم عدد 755 بتاريخ 13/11/96 ملف رقم 166/95 ” وحيث أن الخبرة التي أمرت بها المحكمة تمهيديا حددت القيمة التجارية للعقار موضوع الخبرة في مبلغ أربعة وأربعين ألف درهم وذلك بتاريخ التفويت. وحيث ارتأت المحكمة المصادقة على تقرير الخبرة والحكم تبعا لذلك بإلغاء بيان التصفية المطعون فيه جزئيا فيما تضمنه من رسوم تكميلية، واعتبار أن الثمن الحقيقي للعقار هو أربع وأربعين ألف درهم …) حكم غير منشور.

ب- الوسائل الأخرى:

إلى جانب الخبرة كوسيلة تحقيق، يمكن للقاضي الجبائي أن يلجأ إلى البحث أو المعاينة .

فإجراءات البحث التي تتبعها المحاكم الإدارية بالمغرب تختلف من حيث المضمون عن محتوى إجراءات البحث المنصوص عليها في قانون المسطرة المدنية ، لكون هذه المسطرة تستعمل عادة أمام المحاكم العادية من أجل الاستماع إلى الشهود قصد استكمال التحقيق وجمع أكبر قدر من المعلومات المفيدة في سبر أغوار القضايا المعقدة، بينما لا تعتبر أقوال الشهود واليمين في المادة والجبائية كوسيلتي تحقيق .

وعمليا، فإن القاضي يأمر بمقتضى حكم تمهيدي بإجراء بحث لشرح المقتضيات الضريبية التقنية والاطلاع على الملف الجبائي الملزم والنقط التي يجب على الخبير الإجابة عنها.

وخلال البحث يقوم القاضي المقرر بإعطاء الكلمة للخصوم لشرح إدعاءاتهم والإدلاء بالوثائق المفيدة في الإثبات إذا اقتضى الأمر ذلك، ويطرح الأسئلة عليهم لفك الإشكالات التي واجهته أثناء دراسة القضية.(1)

ويمنح القاضي المقرر مهلة بعد البحث للتعقيب على الإدعاءات التي تقدم بها كل طرف والحجج المتقدم بها.

وللإشارة فالملزم يحضر بجانبه محاميه، ويحضر عن الإدارة الضريبية أحد المفتشين التابعين لمصلحة المنازعات القضائية وقد يساعده في ذلك المفتش المحقق الذي أجرى الفحص أو قام بربط الضريبة موضوع النزاع، أما إذا تخلف أحد طرفي الدعوى عن الحضور لجلسة البحث رغم التوصل القانوني : فقد جاء في حكم صادر عن المحكمة الإدارية بالبيضاء ” وحيث أنه بالإضافة إلى كون الملف يتضمن وثيقة صادرة عن السلطة المحلية بتاريخ 08/09/94 والتي تفيد بأن المدعي كان متوقفا عن عمله كمقاول سنة 1988 فإن ما تدعيه الإدارة من كون تحرياتها قد أفادت باشتغاله سنة 1988 يخالف وقائع النازلة. وهو ما حدا بالمحكمة إلى إجراء بحث لمعرفة هذه التحريات، إلا أن الإدارة تخلفت عن الحضور لجلسة البحث رغم توصلها، الشيء الذي يتعين معه إلغاء الأمر المطعون فيه.”(2)

كما يمكن للقاضي أن يلجأ إلى باقي إجراءات التحقيق العادية الأخرى: من إجراء معاينة، طبقا للفصل68 المسطرة المدنية و تحقيق الخطوط و الزور الفرعي طبقا للفصل 69 من نفس القانون، إلا أن القاضي الجبائي من النادر أن يلجأ إلى هذه الإجراءات بالنظر لخصوصيات وطبيعة الدعوى الجبائية.

1. عبد الغني خالد . م.س ص 367،368،369 .

2. حكم رقم 73، بتاريخ 06/03/96 من الملف 106/ 94 حكم غير منشور.

الفقرة الثانية : نظام الإثبــــــات

غاية الإثبات في المادة الضريبة بالنسبة للإدارة تكمن في إعطائها صلاحيات وإمكانية إثبات توفر شروط إعمال النص الجبائي خاصة ما يتعلق بإثبات الواقعة المنشئة للضريبة، أو إثبات المادة الضريبية بصفة عامة، والإجراءات المرتبطة بفرضها أو تصحيحها، وأيضا إثبات المخالفة للنظام الجبائي، وذلك بهدف تطبيق النصوص القانونية الضريبية وخلق نوع من المساواة في تحمل الأعباء العامة.

أما بالنسبة للملزم فالهدف من الإثبات هو تمكينه من إثبات دخله أو رقم أعماله الحقيقي أو عدم توفر الواقعة المنشئة للضريبة، أو تحقيق دخل أو ربح أقل، أو استفادته من ربح ضريبي .(1)

وقد نظم المشرع نظام الإثبات في المادة الضريبية بالرجوع للقواعد العامة،حيث نجد أن المادة 399 من قانون الالتزامات والعقود تؤكد على أن إثبات الالتزام على مدعيه، والتي يصعب تطبيقها في المجال الجبائي، بالنظر لانعدام التوازن بين الإدارة والإمكانيات التي تتوفر عليها والملزم الطرف الضعيف في العلاقة .(2)

ويقوم الإثبات في المجال الجبائي على عدة مبادئ يمكن إجمالها في ما يلي :

1. يتحمل عبء الإثبات من يدعي خلاف الأصل .

2. يتحمل عبء الإثبات من كلفه المشرع باحترام إلتزام إجرائي :

· الإدارة في مسطرة الفرض التلقائي

· الإدارة أو الملزم في مسطرة التبليغ حسب من يباشر المسطرة.

· الملزم في مسطرة المنازعة في الضريبة .

· الإدارة في مسطرتي الفحص والتصحيح باعتبارها الجهة التي بادرت إلى مباشرة المسطرة.

3. يعفى من عبء الإثبات من كانت القرينة لصالحه، سواء كانت قرينة قانونية بسيطة أو قرينة واقعية أو قرينة قضائية.

4. يتحمل عبء الإثبات من يدعي خلاف تقدير اللجن: سواء اللجنة الوطنية للنظر في الطعون الجبائية أو اللجة المحلية لتقدير الضريبة.

5. لا يجب تحميل المتقاضي أكثر مما في وسعه.(3)
1. عبد الرحمان أبليلا، ” بعض جوانب نظام الإثبات في المادة الجبائية” مقال ب دفاتر المجلس الأعلى عدد 8/2005 مطبعة إليت ، ص 245 الدار البيضاء.

2. محمد شكيري ، م.س ص 616.

3. عبد الرحمان أبليلا ، مرجع سابق ص 256،249،248،247.

أما وسائل الإثبات في المادة الجبائية :

فإن المبدأ العام مفاده أن المكلف بالضريبة ملزم بالإثبات بالوسيلة التي حددها المشرع في حين أن الإدارة حرة في اللجوء إلى أي وسيلة، خاصة لإثبات وجود المادة الضريبية بصفة عامة، ولم يتم تقييد وسائل لإثبات بالنسبة للإدارة إلا بالنسبة لإثبات بعض المخالفات.

ويمكن إجمال وسائل الإثبات في :(1)

· التصريح بالضريبة.

· الإثبات بواسطة الوثائق المحاسبية.

· الحجة الكتابية.

· الإقرار والاعتراف.

· القرائن.

وسنتناول كل نقطة على حدة:

أ ـــ التصريح بالضريبة :

التصريح أو الإقرار هو مبادرة إجبارية وضرورة من قبل الملزم في العملية الضريبية تستهدف الإخبار بواقعة معينة لها أثار جبائية ، وعليه فالمكلف بالضريبة ملزم بالبيانات والمعلومات التي يتضمنها تصريحه طبقا للفصول: 148 المتعلق بالتصريح بالتأسيس والفصل 149 المتعلق بتحويل المقر الإجتماعي والفصل 150 المتعلق بتوقف المنشأة عن مزاولة نشاطها و الفصول 152، 153، 154، المتعلقين بالإقرار بالحصيلة الخاضعة للضريبة من المدونة العامة للضرائب.

كما أن التصريح يفترض فيه أنه صادق إذا قدم مستوفيا للبيانات القانونية وداخل الأجل القانوني وبالتالي على الإدارة إثبات العكس.

ب ـــ الوثائق المحاسبية :

تعتبر الوثائق المحاسبية أيضا من الإثبات الجاهز إذا كانت ممسوكة بانتظام أي وفق القانون المحاسبي.

وهكذا ورد في قانون الضريبة على الشركات بأن الإدارة الضريبية لا يمكن أن تشك في محاسبة المقاولة الممسوكة بانتظام والتي لا تشوبها إخلالات جسيمة إذا أثبتت نقصان الأرقام المصرح بها، بمعنى أن المحاسبة الممسوكة من طرف الملزم بصورة منتظمة وفقا للقانون المحاسبي تعتبر وسيلة إثبات لفائدة الملزم وإذا قامت الإدارة برفضها يقع عليها عبء إثبات عدم صحتها أو قيمتها الثبوتية.(2)

1. عبد الرحمان أبليلا ، م نفسه ص 252 إلى 263.

2. محمد شكيري ، م.س ص 616.

ج-الحجة الكتابية :

ونقصد بها الإثبات بالمحاضر والشواهد الإدارية.

فالمحاضر المحررة بمناسبة المخالفات المنصوص عليها في المدونة العامة للضرائب تعتبر وسيلة إثبات متى استجمعت الشروط القانونية وهي أن تكون مكتوبة، محررة من طرف مفتش على الأقل، متضمنة للواقعة محل المعاينة وأن يكون مؤرخا من طرف المحرر.

أما الشواهد الإدارية، فالمحكمة الإدارية بالبيضاء اعتبرت الشواهد المسلمة من طرف السلطة المحلية مرجحة على باقي الوثائق الأخرى وخاصة محضر التحري المنجز من طرف المفتشين.(1)

د-الإقرار:

ونقصد به الإقرار القضائي والقبول الضمني.

فالإقرار القضائي نصت عليه المادة 406 من ق.ل.ع ، والذي بموجبه تقرر بعض الأحكام أن عدم جواب الإدارة على مقال أو مذكرة الملزم هو إقرار من قبل الإدارة بما ورد فيها.(2)

في حين أن القبول الضمني المتمثل في عدم جواب أحد الطرفين على ملاحظات الطرف الآخر داخل الأجل الذي يحدده المشرع، يعد قبولا ضمنيا بهذه الملاحظات.

وأكثر الحالات إثارة في هذا الصدد تتعلق بعدم جواب الملزم على جميع ملاحظات الإدارة في إطار المسطرة التواجهية.

ه- القرائن :

وهناك عدة أنواع من القرائن في المادة الضريبية :

أ‌. القرينة القانونية القاطعة : هي التي تعفي من تقررت لمصلحته من كل إثبات، ولا يقبل أي إثبات يخالفها.

ب‌. القرينة القانونية البسيطة : تعفي الإدارة من عبء الإثبات لكن في إمكان الملزم أن يثبت العكس مثل: أن التقييد بالسجل التجاري وفي قوائم الضريبة المهنية قرينة على بداية مزاولة النشاط المهني، وبالتالي بداية الخضوع للضريبة.

1. حكم صدر بتاريخ 22/09/ 2004 غير منشور.

2. حكم المحكمة الإدارية بوجدة صادر بتاريخ 20/10/1999 في الملف رقم 98/99 : ” وحيث أنه من المعلوم أن الفصل 406 من ق.ل.ع ينص على أن الإقرار القضائي يمكن أن ينبع من سكوت الخصم عندما يدعوه القاضي صراحة للإجابة عن الدعوى الموجهة إليه فيلوذ بالصمت ولا يطلب أجلا لإجابة عنها ” نقلا عن ذ.عبد الرحمان أبليلا . م.س ص 259.

ج. القرينة القضائية : وهي القرينة التي يستمدها القاضي من واقع الحال أو من واقعة معلومة ليصل إلى واقعة غير معروفة، وقد أقر الاجتهاد القضائي بعض القرائن مثل :

· دخول الملزم في حوار مع إدارة الضرائب ومباشرته لإجراءات لاحقة قرينة على علمه اليقيني بالإجراءات السابقة.

· قرينة وجود إخفاء الأسس الضريبية ناجم عن التصرف غير العادي في التسيير مثل :

– التخلي عن قروض أو عن فوائد .

– منح قرض بدون فائدة.

– وجود مصاريف مبالغ فيها.

– منح تعويضات تفوق قيمة العمل المنجز.

وفي هذه الحالات من حق الملزم إثبات عكس القرينة سواء على مستوى المبدأ أو المبلغ.(1)

مما سبق يتضح أن الخبرة تبقى الوسيلة ذات الأهمية البالغة على مستوى إجراءات التحقيق التي يلجأ إليها القاضي الجبائي ، كما أن وسائل الإثبات في المادة الضريبية متعددة ومتنوعة كما سبق الذكر لكن تبقى الوثائق المحاسبية الوسيلة الأكثر استعمالا في الإثبات سواء من طرف الإدارة أو الملزم.

فكيف تعامل القضاء مع بعض الإشكالات التي طرحتها وسائل التحقيق والإثبات هاته ؟ .

المطلب الثاني : الإشكالات المتعلقة بالتحقيق والإثبات :

بالنظر لأن الدعوى الضريبية تحسم على مستوى وسائل التحقيق وآليات الإثبات، وبالنظر لقصور التشريع الضريبي في تنظيم وتقنين هذا المجال بشكل مستقل عن المسطرة المدنية والقانون الخاص ( خاصة ق.ل.ع)، فقد أثيرت عدة إشكالات أمام القاضي الجبائي والتي سنحاول تناولها في هذا المطلب.

و من ثمة، سنقتصر على الإشكالات المتعلقة بالخبرة باعتبارها الوسيلة الأكثر من طرف القضاء لجوءا إليها في المنازعات الجبائية، وكذا إنفراد الخبراء بحسم هذه المنازعات من حيث الاعتداد بآرائهم يشكل كامل من طرف القضاء ( الفقرة الأولى)، كما سنتناول مواقف القضاء من عبء الإثبات، والتوجه الذي سارت عليه محاكم الموضوع والغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى.( الفقرة الثانية)

الفقرة الأولى : إشكالية الخبرة في المادة الجبائية :

كما سبق الذكر فإن الخبرة يخضع تنظيمها للقواعد المنصوص عليها ما بينالمادة 55 إلى 66 من ق.م.م ، وبالتالي فليس هناك أي تميز يخص المنازعات الجبائية.

إذن كيف تعامل القاضي الجبائي مع هذه الوسيلة كآلية للتحقيق ؟

1.عبد الرحمان أبليلا . م.س. ص 257-258-259-260-261-262-263.

بعد انتداب الخبير من طرف المحكمة يقوم هذا الأخير باستدعاء الأطراف باليوم والساعة التي ستجري فيها الخبرة، ويدعوهم فيها للحضور قبل الميعاد بخمسة أيام على الأقل برسالة مضمونة مع الإشعار بالتوصل،

( ف 63 من ق.م.م) ويعتبر هذا الإجراء ذا طبيعة جوهرية تحت طائلة بطلان تقرير الخبير لمساسه بحق الدفاع.

وفي هذا الإطار ألغى المجلس الأعلى لهذا السبب حكما صادرا عن محكمة دنيا، ومما جاء فيه ” حيث أن الطالب تمسك أنه لم يستدع الخبرة التي اعتمدت عليها المحكمة واكتفى الحكم المطعون فيه على الجواب على ذلك، فإن الخبير استدعى الأطراف برسائل مضمونة مع الإشعار بالتوصل، والحالة أن تقرير الخبير ليس مرفقا بما يثبت إتمام الاستدعاء المشار إليه وأن المحكمة عندما اعتمدت على الخبرة من هذا القبيل لم تمكن المجلس الأعلى من مراقبة مدى سلامة تطبيقها لمقتضيات الفصل 63 من ق.م.م، مما يجعل حكمها منعدم الأساس القانوني” .(1)

كما أنه يجب على المحكمة التأكد من سلامة كافة إجراءات الخبرة، فإذا ما تبين لها أن إجراءها قد طبق بشكل غير سليم، وكان هذا الإجراء يتعلق بالنظام العام، جاز لها الحكم ببطلان الخبرة من تلقاء نفسها، أما إذا لم يكن كذلك فليس لها الحكم بذلك إلا بناء على طلب الخصوم.(2)

وبالرغم من أن القانون يمنح القاضي سلطة تقديرية واسعة في الأخد بنتائج الخبرة أو لا، فإن أغلب المهتمين بالقطاع الضريبي لاحظوا أن أغلبية الأحكام التي أجريت بشأنها خبرة يتم فيها الحكم بناءا على ما جاء في تقرير الخبراء لا مجرد الاستئناس بها فقط.(3)

والأمثلة في هذا الباب كثيرة ولعل ذلك راجع إلى الدقة العلمية التي تتميز بها هذه التقارير، والتي غالبا ما تتضمن مفاهيم ذات محتوى تقني و محاسبي دقيق، وليس مجرد النظر في المسائل الإجرائية للعمليات الجبائية و من بينها الحكم الصادر عن المحكمة الإدارية بالرباط، حيث ذهبت فيه إلى تبني رأي الخبير جملة وتفصيلا، ومما جاء فيه : ” وحيث أنه بعد تفحص المحكمة لتقرير الخبرة المنجزة من طرف الخبير… تبين لها أنه جاء مستوفيا لكل الشروط الشكلية والموضوعية إذ قام بتقديم رقم المعاملات في غياب محاسبة مضبوطة بشكل دقيق معتمدا على كل المعطيات المتطلبة، كما برر تقديراته على حجج ثابتة، أما الإدارة الجبائية فم تدل بما يخالف ذلك لذا ارتأت المصادقة على هذا التقرير والحكم ببطلان الضريبة المتنازع بشأنها في ما زاد على تقرير الخبير …”.(4)

1. قرار 527 بتاريخ 4/7/1996 ملف إداري عدد 110/5/1/95 غير منشور.

2. أنظر القرار السابق رقم 527.

3.أنظر عبد الغني خالد م.س ص 373، عبد القادر التيعلاتي م.س ص 151، محمد شكري، م.س ص 619و637.

4. حكم عدد 893 بتاريخ 15/11/2001 منشور ب م م إ د ت عدد 43 مارس أبريل 2002. نقلا عن أطروحة العربي الكرداع م.س ص 274.

و في حكم صادر عن المحكمة الإدارية بالبيضاء اعتد القاضي كلية على تقرير الخبير كما جاء في منطوق الحكم: ” وحيث إن الخبرة المأمور بها جاءت مطابقة للواقع والقانون ولم تكن موضوع طعن أو معارضة من الطرف الآخر، الأمر الذي ارتأت معه المحكمة الاستئناس بها واعتماد ما جاء فيها كأساس لتصحيح وربط الضريبة.

وعلى ذلك يمكن القول بأن رأي الخبير يعتبر حاسما في النزاع الجبائي، نظرا لامتلاكه المعرفة العلمية والتقنية الدقيقة بالحقل الضريبي ، و غياب قاض جبائي متخصص في الوقت الحالي، وتحول الخبير إلى قاض في الظل، لا يملك القاضي الحقيقي إلا مسايرته وإصدار ما اتخذه قاض الظل من قرار.(1)

ويزداد الأمر أهمية إذا علمنا أن واقع عمل الخبراء بالمغرب يعرف اختلالات كبيرة من انتشار الرشوة في صفوف بعضهم، وخضوعهم للضغوطات وضعف تكوين البعض الأخر، مما يؤثر بشكل سلبي على طبيعة التوازن الذي يجب أن يكون سائدا بين الملزم والإدارة الضريبية مما يمس بالعدالة الضريبية.

الفقرة الثانية : مسلك العمل القضائي على مستوى نظام الإثبات:

إذا كان النزاع الضريبي هو بين طرفين غير متكافئين، بين إدارة ضريبية من أقوى الإدارات في المغرب من حيث الموارد البشرية والمادية والمعرفة التقنية، وبين ملزم طرف ضعيف في المعادلة، وإذا كان الفصل 399 من ق.ل.ع، نص على أن إثبات الالتزام على مدعيه، فإن تطبيق هذه القاعدة العامة في مجال المنازعات الضريبية يزيد من اختلال اللاتوازن بين الملزم والإدارة.

فما هو مسلك القاضي الجبائي :

– على مستوى عبء الإثبات ؟

– وعلى مستوى أدلة الإثبات المحاسبية وغير المحاسبية ؟

أ- عبء الإثبات :

الملاحظ أن تحميل الملزم عبء الإثبات يمثل الطلبات الأكثر رواجا أمام القضاء، وتشمل إثبات أداء الضرائب، أو إثبات القيام بإجراء لازم للتحقق من قيام الواقعة المنشئة للضريبة أو نفيها أو وقوعها على الشاكلة التي يدعيها الملزم، لا على ما تدعيه مصلحة الضرائب.

وهكذا اعتبرت المحكمة الإدارية بوجدة أن عبء الإثبات يقع على الملزم لأنه رغم اعترافه بقصد شرائه للأصل التجاري المطلوبة عنه رسوم التسجيل الأصلية فإنه لم يثبت أداءه للرسوم المطلوبة من طرف إدارة التسجيل عن العقد المذكور بأية وسيلة من وسائل الإثبات، مما جعل تعرضه على بيان التصفية غير مؤسس.(2)

1. العربي الكرداع، م.س، ص 273،274،275.

2. حكم عدد 25/95 ملف 49/94 ذكره الباحث العربي الكزداح ، م.س ص 261.

كما يلاحظ أن قضاء المحاكم الإدارية ينحو نحو إخضاع الملزم لإثبات عكس ما تدعيه المصالح الجبائية، كلما كان هناك إخلال صريح من لدنه لإحدى المساطر أو الالتزامات التي أوجبها عليه المشرع كما هو الشأن بالنسبة للإخلال بقواعد المحاسبة، فقد جاء في حكم صادر عن المحكمة الإدارية بالبيضاء ما يلي : ” حيث خضعت الشركة المدعية لمراقبة محاسبية من طرف المفتش فيما يخص الضريبة على الشركات، والضريبة على القيمة المضافة برسم 90-91.

وحيث أن المفتش وقف على تلك الإخلالات المسطرة بمقرر اللجنة الوطنية ومنها إخفاء بعض الأشرية والبيوع…. وعدم إدراج عمليات في المحاسبة بالرغم من إنجاز الشركة لها.

وحيث أن المدعية لم تثبت خلاف ذلك سواء أثناء الطعن الإداري أو القضائي مما يتعين معه التصريح برفض الطلب “(1)

ومع ذلك اتجهت مجموعة الاجتهادات القضائية إلى إلزام الإدارة أيضا بإثبات سند التضريب حيث جاء في حكم صادر عن ابتدائية سلا بتاريخ 7/12/1990 : ” ذهب الفقه والاجتهاد القضائي إلى توزيع عبء الإثبات بين الإدارة الضريبية والملزم بالضريبة ولو كان ذلك يخالف من حيث الظاهر القاعدة القائلة بان عبء الإثبات على المدعي ” هكذا جاء في حكم لإدارية الرباط الصادر بتاريخ 15/4/:1997 ” إدعاء المدعي عدم ملكيته للعقار موضوع ضريبة التضامن الوطني المتنازع بشأنها يجعل الإثبات على الإدارة الضريبة”(2)

أما على صعيد القضاء الفرنسي(3)نجد أن تحمل عبء الإثبات محدد بوضوح حسب الإتجاه العام للاجتهاد القضائي في الحالات التالية :

بالنسبةللملزم :

· حالة التقدير الجزافي للضريبة يتحمل الملزم عبء إثبات غلو التقدير.

· حالات تحديد الأساس الضريبي على إثر مسطرة التصحيح.

· حالات خروقات تشوب المحاسبة.

بالنسبةللإدارة :

* حالة الخروق المسطرية التي ارتكبتها أثناء الإجراءات أمام اللجان الضريبية.

1. حكم رقم 81 ملف رقم 25/97 صادر بتاريخ 5/2/98. أشار إليه الباحث العربي الكزداح. م.س ص 261.

2. محمد شكيري . م.س ص 617.

3. عبد القادر التيعلاتي، م.س ص 149.

· إثبات سوء نية الملزم والأعمال الاحتيالية.

· وقوع التبليغ الصحيح.

· إثبات عدم انتظام محاسبة الملزم.

إذن الإجتهاد القضائي الفرنسي حدد الحالات التي يتحمل الملزم والإدارة عبء الإثبات بشكل دقيق ، ونأمل أن ينحو الإجتهاد القضائي المغربي خاصة المجلس الأعلى على هذا المنوال، وذلك بالحسم في هذه الحالات لكي يتم وقف بعض المواقف المتضاربة لمحاكم الموضوع.

ب- أدلة الإثبات المحاسبية وغير المحاسبية :

بالنسبة لأهمية أدلة الإثبات المحاسبية فقد اعتمد اجتهاد المحاكم الإدارية على الأهمية البالغة لها في الإثبات، وهكذا اعتبر عجز المدعي في سائر مراحل التقاضي على الإستدلال بالمؤيدات المحاسبية التي تمكن من ضبط ومراقبة حساباته بشكل سليم وفقا للضوابط المقررة قانونا …..

جاز للإدارة تحديد أساس فرض الضريبة أو مراجعتها باعتبار العناصر التي تقدرها”.(1)

وفي نفس الاتجاه ذهب القضاء المصري إلى منح المحكمة سلطة ألا تتخذ دفاتر الملزم أساسا لتقدير الضريبة عليه، إذا لم تطمئن إلى صحة البيانات الواردة فيها على أسباب سابقة ذكرتها.(2)

أما بالنسبة للأدلة غير المحاسبيةفقد ذهبت العديد من الأحكام القضائية إلى اعتماد مجمل هذه الأدلة ــ المنصوص عليها في الفصل 404 من ق.ل.ع : إقرار الخصم-الحجة الكتابية-القرينة- واستبعاد شهادة الشهود واليمين والنكول عنها.

فقد جاء في حكم لإدارية وجدة : ” وحيث انه من المعلوم أن الفصل 406 من ق.ل.ع ينص على أن الإقرار القضائي يمكن أن ينبع من سكوت الخصم عندما يدعوه القاضي صراحة للإجابة عن الدعوى المؤجلة إليه فيلوذ بالصمت ولا يطلب أجلا للإجابة عنها “(3)

واعتبر الاجتهاد القضائي دخول الملزم في حوار مع إدارة الضرائب ومباشرته لإجراءات لاحقة قرينة على علمه اليقيني بالإجراءات السابقة.(4)

1. حكم إدارية فاس رقم 238/95 بتاريخ 1/11/95 ملف رقم 86/94 ذكره الباحث العربي الكزداح م.س ص 267.

وهو نفس الموقف اتخدته المحكمة الإدارية بالبيضاء ، حيث رفضت طلب شركة إلغاء الضريبة على الشركات والضريبة على القيمة المضافة لعجزها عن إثبات عكس الإخلالات الخطيرة التي شابت حسابات سنة محاسبية ” حكم رقم 81 بتاريخ 5/2/1998 ملف رقم 85/97 غ ذكره نفس الباحث.

2. طعن رقم 110 سنة 17، 16/12/1948 أورده زكريا بيومي ” المنازعات الضريبية في ربط الضريبة “، طبعة جامعة القاهرة 1990 ص 427 ذكره نفس الباحث.

3. حكم بتاريخ 20/10/1999 في الملف 89/99، أشار إليه ذ.عبد الرحمان أبليلا . م.س ص 259.

4. حكم صادر عن إدارية فاس بتاريخ 8 مارس 1995 من الملف 77/94 تحت عدد 31-95نفس المرجع ص 262.

مما سبق نخلص إلى أن دور القاضي الجبائي في توجيه الدعوى وتوزيع عبء الإثبات بين طرفي النزاع ليس دورا سلبيا بل هو دور إيجابي وفعال بحسب مزاعم الطرفين ( الإدارة والملزم) فمن ادعى شيئا يخالف الوضع الجبائي الثابت أصلا أو عرضا أو ظاهرا يكون هو المدعي الذي عليه الإثبات، لا فرق في ذلك بين الملزم والإدارة الجبائية، فهما سواء.(1)

هكذا يتبين أن نظام الإثبات هو جزء من العملية الجبائية: سواء تعلق بقواعد توزيعه وتحديد الجهة التي تتحمل عبئه أو تعلق بوسائله الخاصة أو العامة.
وبالرغم من أن المشرع المغربي لم يخصص بعد نظام الإثبات الجبائي بنصوص قانونية مستقلة تتعرض لأهم جوانبه، فإن القضاء مدعو لأن يستنبط قواعد هذا النظام من مختلف النصوص الجبائية، ومن طبيعة العملية الجبائية وخصوصية المعاملة بين الملزم والإدارة الجبائية.

الفرع الثاني : أثر الحكم ببطلان مسطرة فرض الضريبة أو تصحيح وعائها على الإلتزام الضريبي :

الإخلال بالقواعد المسطرية التي تنظم مسطرة فرض الضريبة وتصحيح وعائها كما سلف الذكر يرتب بطلانها لتعلقها بإجراءات جوهرية من قبل النظام العام، فهل يترتب على الحكم ببطلان تلك المسطرة المتعلقة بفرض الضريبة قضاءا إنقضاء الالتزام الضريبي، أو بمعنى آخر هل يحق لإدراة الضرائب أن تصحح الخلل المسطري المذكور لتعيد فرض الضريبة على الملزم من جدي.

وفي هذا الإطار يجب التمييز بين مسطرة الفرض التلقائي للضريبة ومسطرة تصحيح أساسها ( المطلب الأول)، والحالات التي يقضى فيها من طرف اللجنة الوطنية للنظر في الطعون الجبائية ببطلان مسطرة تصويب الضريبة ( المطلب الثاني).

المطلب الأول : مسطرتا الفرض التلقائي وتصحيح الأساس الضريبي :

يختلف الأثر القانوني لبطلان مسطرة الفرض الضريبي عن مسطرة تصحيح الأساس، خاصة على مستوى تقادم المسطرة الضريبية. ويحتل هذا الموضوع أهمية قصوى بالنظر للآثار القانونية المترتبة عنه المتعلقة بتقادم إمكانية إعادة فرض الضريبة من جديد مما يضيع عن الخزينة العامة منتوجا ضريبيا مهما.

فبالرجوع للقانون الضريبي وخاصة المادة 23 من كتاب المساطر الجبائية نجده لم يتطرق للموضوع إلا فيما يخص مسطرة تصحيح الأساس الضريبي، حيث نصت كل من الفقرة الرابعة والخامسة من الفصل 113 على قطع التقادم بالتبليغ المنصوص عليه في المادة 107 و108 فيما يتعلق بالتصحيحات التي تقوم بها الإدارة على إثر المراقبة الضريبية المقررة في المادة 105 من القانون، وذلك خلافا لمقتضيات المادة 381 من ق.ل.ع التي سوت بين المطالبة القضائية وغير القضائية في قطع التقادم.

1. العربي الكزداح م.س ص 264.

وهذا السياق المتعلق بأثر الإجراء الباطل على قطع التقادم ومدى إمكانية إدارة الضرائب إعادة مسطرة فرض الضريبة من جديد بعد بطلان مسطرة قضاء يجب التمييز بين مسطرة الفرض التلقائي للضريبة ومسطرة تصحيح أساسها.(1)

الفقرة الأولى : مسطرة الفرض التلقائي للضريبة

كما سبقت الإشارة، المشرع لم ينظم هذا الموضوع، ويرى يبعض الفقهاء أن هناك فراغ تشريعي لا يمكن حله ولو بافتراض إمكانية الرجوع إلى الفصل 389 من ق.ل.ع ، علما أن الإجراءات المتعلقة بفرض الضريبة بشكل تلقائي المنصوص عليها بالفصل 103 من القانون 89-17 ومثيله بالثلاثية الضريبية لا ينطوي على أية مطالبة بقدر ما تعتبر وسائل قانونية وإجرائية لفرض الضريبة وأن المطالبة بدين الضريبة لا تستقيم إلا في ظل إنذارات ضريبية وأن حل هذا الفراغ التشريعي يكمن في الرجوع إلى القواعد العامة التي تحكم اجل التقادم وأجل السقوط. وباعتبار أن آجال القيام بتلك الإجراءات هي آجال سقوط وليس آجال تقادم.(2)

ويقابل هذا الرأي رأي آخر مفاده أن الالتزام الضريبي واجب دستوري ووطني وأن الالتزام الضريبي تعبير عن المواطنة لتمويل نفقات الشأن العام ولا يعقل أن يبطله فساد مسطرة تأسيس الضريبة وأن المبادئ العامة للقانون ومنها مبدأ الالتزام الضريبي المضمون دستوريا تجعل الإدارة محقة في إقامة مسطرة فرض الضريبة داخل أجل أمد التقادم وأنه لا يعقل أن تكون إجراءات مسطرة تصحيح الوعاء الضريبي قاطعة للتقادم والحال أن الأمر يتعلق بضريبية تكميلية فقط وأن إجراءات مسطرة فرض الضريبة بصورة تلقائية كضريبة أصلية وفاء للالتزام الضريبي لا تقطع التقادم سواء بالنسبة لإدارة الضرائب التي أقدمت على إعادة مسطرة فرض الضريبة بصورة تلقائية بعد إلغائها قضاء ولا بوجود حكم قضائي في الموضوع، هذا وقد تدخل المشرع الجبائي بقانون المالية لسنة 2005 في كتاب الجبائية ونص في المادة 33 منه على أنه ينقطع التقادم بالتبليغين المنصوص عليهما في البند 1 من المادة 19 من الفقرة الأولى من المادة 20 المتعلقتين بإجــراءات فرض الضريبة بصــورة تلقائـــية، ويبقى التساؤل حول تطبيق هذا المقتضــــى القانونــــــــــــي

1. ذ.محمد قصري: م.س ص 54-55-56-57.

2. ذ.محمد قصري: “أثر الحكم ببطلان مسطرة فرض الضريبة وتصحيح وعائها على الالتزام الضريبي” مجلة دفاتر المجلس الأعلى عدد 8/2005 ، ص 84، مطبعة إليت.

مطروحا في حالة ما إذا كانت تلك الإجراءات القاطعة للتقادم أو إحداها فاسدة وكانت قد مرت أكثر من أربع سنوات على الواقعة المنشئة للضريبة ، فهل يرتب ذلك الإجراء الباطل بعدم صحة التبليغ لأثره فيما يخص قطع التقادم واحتساب أمد جديد للتقادم المذكور.

هنا يذهب البعض إلى أن الإجراءات التي تمت على وجه صحيح والغير باطلة هي التي من شانها أن تقطع التقادم ومن تم إذا بينت أن الإجراءات المتعلقة بفرض الضريبة بصورة تلقائية والمقصود بها الدعوة إلى تقديم الإقرار والإخبار بالأساس المنوي اعتماده في إصدار الضريبة كانت باطلة في الوقت الذي مضت على الواقعة المنشئة للضريبة أمد التقادم المحددة في أربع سنوات يسقط حق الإدارة في فرض الضريبة باعتبار أن الإجراء الباطل لا يترتب عليه أي اثر قانوني، هذا وعلى خلاف إذا ما كان قد تقرر بطلان مسطرة فرض الضريبة قضاء لفساد الإجراءات المقررة في تأسيسها وكانت مدة التقادم المحددة في أربع سنوات من تاريخ الواقعة لم تمض بعد آنذاك يمكن للإدارة إعادة إجراءات فرض الضريبة وأن في شأن تبليغ الملزم بالدعوة إلى تقديم الإقرار أن يرتب لأثره فيما يخص قطع التقادم.(1)

وهذا هو موقف القضاء الإداري المغربي في العديد من قراراته ومنها قرار المحمودي الصادرعن الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى ضد إدارة الضرائب بالملفين 425 و 425 /96 عدد 198 الصادر بتاريخ 10/2/ 1999 الذي نص على ان قيام الإدارة بإجراءات الفصل 107 من قانون 17-89 في تصحيح الضريبة دون سلوك مسطرة الإشعار بالفحص المنصوص عليها بالفصل 105 من نفس القانون لا يرتب أثره فيما يخص قطع التقادم.

الفقرة الثانية : مسطرة تصحيح الأساس الضريبي

إن المشرع الجبائي لئن خول للإدارة حق تصحيح أوجه النقصان أو الأخطاء ومختلف الإغفالات الكلية أو الجزئية الملاحظة في تأسيس الضريبة داخل الأربع سنوات الموالية لسنة الواقعة المنشئة للضريبة، عملا بمقتضيات الفصل113 من القانون 17-81 ومثيله بالثلاثية الضريبية (الضريبة على الشركات،الضريبة على القيمة المضافة والضريبة على الدخل) الفصل 23 من كتاب المساطر الجبائية لقانون المالية لسنة 2005 فقد قيد هذا الحق بالإطار الزمني المحدد أعلاه وإلزامية سلوك مسطرة التصحيح المتعلقة بالتبليغ القانوني برسالتي التصحيح الأولى والثانية والإجراءات الموالية المنصوص عليها بالفصول 107 من القانون 89-17 والفصول 39 إلى 41 من القانون 86-24 ما لم يكن الملزم قد انخرط في
1. محمد قصري ، م.س ص 58-59.

عملية التقادم المبكر أو حالة التسوية الجبائية اللذان يعتبران مانعا قانونيا لمباشرة مسطرة تصحيح الأساس الضريبي.

المقتضيات الجبائية السابقة ترتب عن الإخلال بمسطرة الإشعار بالفحص وأجل تبيلغ رسالة التصحيح الثانية هو إلغاء مسطرة التصحيح برمتها، أو تقرير بطلانها كما هو وارد بقانون المالية لسنة 97-98 حينما نص على عدم إمكانية إثارة حالة البطلان تلك أمام اللجنة الوطنية لأول مرة، ومؤدى ذك أن بطلان مسطرة التصحيح يشمل جميع الإجراءات المتخذة في إطار مسطرة تصحيح الأساس الضريبي من أولها إلى الإجراء الذي كان سببا في بطلانها ما دام أن المشرع نص صراحة على بطلان مسطرة التصحيح وليس بطلان الإجراء القانوني في حد ذاته، ولذلك فلو أن إدارة الضرائب احترمت مسطرة الإشعار بالفحص وآجال رسالة التبليغ الأولى ولم تلتزم بضابط أجل رسالة التبليغ الثانية يلحق البطلان جميع إجراءات التصحيح بما فيها الصحيحة والباطلة وعلى الإدارة أن تعيد مسطرة التصحيح من البداية على شرط عدم تغيير أساس الضريبة الوارد بالرسالة الأولى. لكن هل يرتب الإجراء الباطل المذكور أثره فيما يخص قطع التقادم أو بمعنى آخر هل يجوز للإدارة ولو مع بطلان مسطرة تصحيح أساس الضريبة قضاء لبطلان أي إجراء من إجراءات التصحيح أن تعيد مسطرة التصحيح من جديد وتدارك الأمر في ظل مسطرة جديدة.

وقد أكد هذا التوجه المحكمة الإدارية بوجدة بقولها بعد إلغاء مسطرة تصحيح الأساس الضريبي مخالفتها للقانون ” علما أن الإلغاء ينصب على المسطرة التي يمكن للإدارة بناء على ما ذكر تصحيح الوضع بإجراء مسطرة سليمة للمراجعة وبتمتيع الجهة الملزمة بجميع الضمانات القانونية “(1)

هذا بخصوص آثار الحكم ببطلان مسطرة فرض الضريبة أو تصحيح وعائها على الالتزام الضريبي، فما موقف التشريع والقضاء من الآثار القانونية المترتبة عن بطلان مسطرة تصحيح الوعاء الضريبي المقررة من طرف اللجنة الوطنية للنظر في الطعون المتعلقة بالضريبة ؟

المطلب الثاني : على مستوى مقررات اللجنة الوطنية القاضية ببطلان المسطرة الضريبية:
في هذا الإطار ينبغي أن نميز بين الحالة التي تقضي فيها ببطلان مسطرة تصحيح الضريبة للإخلال بمقتضيات الفصل 39 من قانون الضريبة على الشركات والفقرة الثامنة من الفصل 11 من كتاب المساطر الجبائية لقانون المالية لسنة 2005 حيث تملك هاته الجهة الإدارية الحق في البث في حالات البطلان المثارة

1. حكم إداري وجدة 182/98 ورثة بوزيان ضد إدارة الضرائب غير منشور.

مسبقا أمام اللجنة المحلية لتقدير الضريبة المتمثلة في حالة عدم توجيه الإشعار بالتحقيق طبقا لما تطلبه القانون وحالة عدم تبليغ جواب المفتش على ملاحظات الخاضعين داخل الأجل القانوني، والحالة التي تقرر فيها اللجنة المذكورة بعدم إمكانية البث لفوات الأجل القانوني المقرر لها للنظر في الطعن المرفوع إليها 12 شهرا من تاريخ تقديم الطعن، والحالة التي ينص فيها القضاء بإلغاء مقرر اللجنة الوطنية والضريبة المفروضة على ضوء ذلك للإخلال بالمسطرة القانونية الواجب إتباعها أثناء المثول أمام تلك اللجنة.

الفقرة الأولى : حالة بطلان مسطرة تصويب الضريبة للإخلال بالإشعار بالتحقيق

تنص المادة 113 من قانون الضريبة العامة على الدخل 17-89 ومثيلاتها في الثلاثية الضريبة الضريبية بما معناه أنه يوقف التقادم طوال الفترة الممتدة من تاريخ تقديم الطعن إلى اللجان المحلية لتقدير الضريبة إلى انصرام الشهر الثالث التالي للشهر الذي صدر فيه المقرر النهائي عن اللجان المذكورة أو اللجنة الوطنية للنظر في الطعون المتعلقة بالضريبة.

وقد جاءت المادة 23 من كتاب المساطر الجبائية لقانون المالية لسنة 2005 بتعديل طفيف يتعلق باحتساب وقف التقادم إلى غاية انصرام أجل الثلاثة أشهر التالية لتاريخ تبليغ المقرر الصادر بصورة نهائية إما عن اللجنة المذكورة و إما عن اللجنة الوطنية لذلك فتقرير بطلان مسطرة تصويب الضريبة من طرف اللجنة الوطنية للإخلال بمقتضيات الإشعار بالتحقيق أو عند جواب المفتش داخل الأجل القانوني، كما ذهبت إليه اللجنة المذكورة في إحدى قراراتها يضع الإدارة بين خيارين فإما أن تعيد مسطرة تصويب الضريبة بكاملها ابتداء من توجيه الإشعار بالتحقيق وتبليغه للملزم ومواصلة باقي الإجراءات المتطلبة في التصويب داخل مدة التقادم بعد احتساب مدة الوقف شريطة أن لا تتعدى الأسس التي سبق فرضها في ظل المسطرة السابقة المختلة .

وإما أن تقدم الطعن القضائي المقرر المذكور أمام المحكمة المختصة داخل الأجل القانوني وفي هاته الحالة تتحمل الآثار القانونية الناتجة عن رفض طعنها وهو فوات أمد التقادم لإعادة مسطرة تصويب الضريبة في إطار تحقيق الالتزام الضريبي.(1)

الفقرة الثانية : حالة الإخلال بالمسطرة القانونية الواجب إتباعها أثناء المثول أمام اللجنة

إذا كانت اللجنة الوطنية ممنوعة من البت في المسائل القانونية التي تتعلق بتفسير وتأويل النصوص القانونية وإن الملزم يحتفظ بعرضها أمام المحكمة المختصة بمناسبة النزاع القضائي التي تنظر المحكمة غالبا في إطار القضاء الشامل والتي تملك فيه سلطة تصحيح جميع الأوضاع القانونية المختلة سواء المتعلقة بالواقع أو القانون، فإن الملزم في هذا الإطار يملك صلاحية المنازعة القضائية بمناسبة الطعن في مقرر اللجنة الوطنية سواء المتعلقة منها بمسطرة تصحيح الوعاء الضريبي أو المتعلقة منها بمسطرة المثول أمام اللجنة الوطنية ومسطرة اتخاذ مقرراتها.

وقد يحدث كما ذهبت إلى ذلك الغرفة الإدارية في إحدى قراراتها أن تقضي ببطلان مقرر اللجنة الوطنية لإخلال اللجنة بضمان حق الدفاع بعدم استدعاء الملزم لحضور أشغال اللجنة.

كما يمكن للقضاء أن يقضي ببطلان مقرر اللجنة الوطنية للإخلال بوجوب التعليل فما هو أثر هذا البطلان على الالتزام الضريبي من حيث انقضائه أو إمكانية إعادة المسطرة لتحقيقه؟.

بالرجوع إلى الفقرة السادسة من الفصل 113 من القانون 89-17 ومثيله في الثلاثية الضريبية والفقرة ما قبل الأخيرة من الفصل 23 من كتاب المساطر الجبائية لسنة 2005 نجده ينص على وقف التقادم طوال الفترة الممتدة من تاريخ تقديم الطعن أمام اللجنة المحلية لتقدير الضريبة لغاية انصرام الشهر الثالث التالي للشهر الذي صدر فيه المقرر النهائي عن اللجان المذكورة، أو لغاية انصرام أجل الثلاثة أشهر التالي لتاريخ تبليغ المقرر الصادر بصورة نهائية إما عن اللجنة المذكورة وإما عن اللجنة الوطنية للنظر في الطعون الضريبية. ومؤدى ذلك أن للإدارة الحق في إعادة مسطرة تصحيح الوعاء الضريبي نتيجة بطلان تلك المسطرة أو قرار اللجنة الوطنية قضاء داخل أمد التقادم المنصوص عليه بالمادة 113 من القانون 98-17 ومثيله في الثلاثية الضريبية.

والفصل 23 من كتاب المساطر الجبائية لقانون المالية لسنة 2005 مع احتساب أمد وقف التقادم نتيجة اللجوء إلى مسطرة اللجان كما سلف الذكر، غير أنه من الناحية العملية يتعذر على الإدارة إعادة مسطرة تصحيح الوعاء الضريبي على ضوء صدور حكم قضائي نهائي يقضي ببطلان المسطرة لفوات أمد التقادم ولو بعد احتساب مدة الوقف، على اعتبار أن إجراءات تحقيق الدعوى على مستوى مرحلة المحكمة الإدارية والغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى تستغرق أمد التقادم المذكور.

ومن هنا يمكن للإدارة إذا اقتنعت بتعليل الحكم القضائي الابتدائي الصادر عن المحكمة الإدارية المختصة وكان أمد التقادم لم يمضي بعد باحتساب مدة الوقف المنصوص عليه أعلاه آنذاك يمكنها أن تعيد مسطرة تصحيح الوعاء الضريبي تداركا للإخلالات التي شابتها في إطار تحقيق الالتزام الضريبي.(1)

وختاما لهذا الفرع نخلص إلى القول أن بطلان مسطرة الفرض التلقائي الضريبي لضريبة أصلية نتيجة إخلال الإدارة بالإجراءات القانونية الجديدة وكتاب المساطر الجبائية لقانون المالية لسنة 2005 التي نص على أن التبليغات المتعلقة بالدعوة إلى تقديم الإقرار أو إتمامه من شأنها أن تقطع التقادم، كان يسودها فراغ تشريعي لا يمكن سده ولو بالرجوع إلى القواعد العامة ل.ق.ع مما طرح إشكالا عميقا حول الآثار

1. ذ.محمد قصري ، م.س ص 65

المترتبة على بطلان تلك المسطرة على الالتزام الضريبي بين إمكانية إعادة تلك المسطرة لتحقيق الالتزام الضريبي داخل أمد التقادم، وبين تعذر إمكانية إعادة تلك المسطرة لتحقيق الالتزام الضريبي لعدم وجود مبرر قانوني في إطار الفراغ التشريعي المذكور، هذا على خلاف بطلان تصحيح الوعاء الضريبي قضاء، حيث تعتبر تبليغ الإجراءات المتطلبة في تصحيحها قاطعة التقادم وتسلك الإدارة على ضوء ذلك الحق في إعادة تلك المسطرة داخل أمد التقادم سواء بصفة تلقائية أو بعد اتخاد مقرر بإلغاء تلك المسطرة من طرف اللجنة الوطنية مع الأخد بعين الاعتبار أمد الوقف في احتساب مدة التقادم، أو على إثر صدور مقرر قضائي نهائي ببطلان تلك المسطرة ما لم يمضي أمد التقادم كما يمكن للإدارة على إثر صدور مقرر بإلغاء مسطرة التصويب من طرف اللجنة الوطنية أن تستعمل الخيارين معا وهما إعادة المسطرة من جديد وبالموازاة الطعن في مقرر اللجنة الوطنية أمام القضاء الإداري المختص للمحافظة على هاجس تحقيق الالتزام الضريبي .

1. محمد قصري . م.س. ص 67

خاتمة الفصل الأول :

لقد قمنا بدراسة وتحليل العمل القضائي في بعض مجالات منازعات الوعاء الضريبي، وقد تم التركيز عليها بالنظر للأهمية البالغة التي تحتلها سواء على المستوى الكيفي أو الكمي أمام القضاء الإداري المغربي.

ويمكن القول أن العمل القضائي في هذه المجالات بالرغم من حداثة تجربة المحاكم الإدارية والخصوصيات التي تميز التشريع الضريبي ( التشتت، التعديل المستمر …)، حاول أن يضع بعض القواعد وأن يجيب على بعض الإشكالات سواء المرتبطة بالمساطر الجبائية، أو الآليات و المناهج التي اعتمدها في تفسير النصوص الجبائية، وخاصة المتعلقة بالإعفاءات الضريبية التي سنها المشرع لتشجيع الاستثمار في بعض القطاعات.

كما أن منازعات الوعاء تتميز بأهمية الوسائل المعتمدة في التحقيق والإثبات بالمقارنة مع منازعات التحصيل، إلا أنه للأسف في هذا الإطار تحول الخبير إلى القاضي الفعلي بالنظر لاعتماد الخبرة والمصادقة عليها كما هي من طرف القاضي الجبائي، بل إن بعض القضاة قد انتدب الخبير في مسائل قانونية وليست واقعية ، فنية أو تقنية.

بيد أن إخلال الإدارة الضريبية بمسطرة فرض الضريبة وما ينجم عنها من بطلانها قضاءا وما يترتب على ذلك من عدم إمكانية إعادة مسطرة فرضها من جديد إما لوجود فراغ تشريعي أو لتقادم الحق في ذلك- بالرغم من دفاعنا عن حقوق الملزم ـ من شأنه أن يخل بالالتزام الضريبي الذي يعتبر واجبا مفروضا بمقتضى الدستور.

لكن إذا أردنا تحقيق عدالة جبائية قائمة على الشفافية والتبسيط لأجل توفير الموارد الكافية لميزانية الدولة لرفع رهان التنمية الاقتصادية والاجتماعية، لا بد من إعادة النظر في العلاقة التي تربط الإدارة الضريبية بالملزم وتحسينها من خلال اعتماد سياسة تواصلية حديثة تعتمد على التقنيات التكنولوجية الحديثة لتجاوز أغلب الاختلالات والمشاكل التي تحدت بين طرفي العلاقة الإدارة والملزم .

كما أنه من اللازم إعادة النظر في الكثير من البنود التشريعية، التي تثير الكثير من الغموض والعديد من التأويلات من طرف أطر وزارة المالية أو القضاء الجبائي.

لكن يجب أن نثمن الإصلاحات التي تمت والتوحيد الذي خضع له القانون الجبائي وذلك بإصدار مدونة عامة للضرائب تضم الضرائب الثلاثة الأساسية وكتاب المساطر الجبائية التي ستساهم في حل العديد من الإشكالات التي سبق أن طرحت.

و عليه فما هي مظاهر أهمية العمل القضائي؟ وما هي حدوده والعوائق التي تحد من فعالية عمله؟

من إعداد الطالب:

نجيـــب البقالـــــي

الفصل الثاني : تقييم العمل القضائي في منازعات الوعاء الضريبي
يعتبر تقييم عمل المؤسسات ضرورة أساسية لدعم وتأسيس كل الخطوات والإجراءات الإصلاحية على أسس واضحة وعملية.

والتقييم أصبح جزءا من التدبير الحديث لجميع المؤسسات بمختلف أشكالها، وفي هذا الإطار يلاحظ قلة الدراسات والأبحاث التي تعنى بتقييم العمل القضائي عموما والقضاء الإداري خصوصا، سواء داخل فضاء الجامعة المغربية أو من طرف مؤسسات البحث العلمي.

وتجدر الإشارة إلى أن البنك العالمي قد حدد بعض المؤشرات وعناصر قياس أداء القضاء في تقريره الصادر سنة 1999(1).

ويقصد بالتقييم معرفة القيمة، أي تحديد قيمة الشيء أو المعنى أو العمل ، أي وجه من أوجه النشاط، وذلك لهدف معني معلوم ومحدد من قبل.

ويهدف التقييم إلى الحكم على مدى التوافق بين الأهداف المرسومة له وبين ما حققه بالفعل، وترنو هذه العملية أيضا إلى معرفة مدى نجاح القضاء في إرضاء المتقاضين.

وحسب البنك الدولي، لقياس الأداء القضائي لا بد من الاعتماد على ثلاثة عناصر:

· القانون الموضوعي.

· صنع القرار القضائي.

· الإدارة القضائية.

أما معاير قياس الأداء القضائي فهي :

· أولا : المعيار الكمي-مقياس الفاعلية- : ويقصد به فحص الخارج عن قيمة المخرجات القضائية على المدخلات القضائية.

· ثانيا: المعيار الكيفي ـ مقياس الفعاليةـ : ويقصد به نوعية القضاء الجبائي أهو عادل وموثوق به ويمكن توقع أحكامه.

وهذه المعايير التي سنعتمد عليها في دراسة وتقييم أداء القاضي الجبائي خلال هذا الفصل، أولا لمعرفة أهمية عمل القاضي الجبائي في حماية حقوق الملزم ـ أي الفاعلية ـ ( المبحث الأول). وثانيا تحليل ومناقشة بعض الحدود التي تعيق عمل القاضي الإداري على أن يكون في مستوى تطلعات المتقاضين ـ مقياس الفعالية ـ ( المبحث الثاني).

1. العربي الكزداح.م .س .ص 421.

المبحث الأول : أهمية عمل القاضي الجبائي في حماية حقوق الملزم.

إذا كانت المنازعات الجبائية هي وسيلة دفاع حقيقية بيد الملزم تمكنه من إقامة توازن نسبي بين ما عليه من واجبات وما له من حقوق في المادة الجبائية، وهي إضافة إلى ذلك تمكن من خلق حوار دائم وتفاهم مستمر بين فرقاء العلاقة الجبائية وتعطي المكلف فرصة المساهمة والمشاركة المباشرة في إعداد الدين الضريبي الواجب في حقه.(1)

ويروم هذا المبحث الغوص والنظر في الدور الذي لعبه القضاء الجبائي منذ إنشاء المحاكم الإدارية سنة 1993 في حماية حقوق الملزم وتكريس الضمانات المخولة له قانونا، خاصة وأن القانون الإداري هو قانون وليد الإجتهاد قضائي ومجال للخلق والإبداع، كما أن القاضي الإداري يلعب دورا تفسيريا للمقتضيات التشريعية والتنظيمية وبالتالي فهو يشكل مصدرا من مصادر القانون الجبائي.

فما هي مجالات هذه الحماية ؟ وما هي المنهجية المعتمدة من طرف القاضي الإداري في ذلك ؟

الفرع الأول: تأصيل بعض القواعد لصالح الملزم

كما سبق الذكر فإن المنازعات الإدارية هي ملك للمحكمة وليس للخصوم، وأن القاضي الإداري يلعب دورا إيجابيا ملموسا في توجيه الدعوة الوجهة الصحيحة.

وفي هذا السياق عمل القاضي الإداري المغربي بالرغم من حداثة التجربة بالمغرب من تأصيل بعض القواعد لصالح الملزم سواء في الجانب المسطري ( المطلب الأول) أو في جانب موضوع الدعاوى التي طرحت أمامه ( المطلب الثاني) .

المطلب الأول : على مستوى تطبيق القواعد الشكلية المتعلقة بالطعن القضائي

التجربة العملية للعمل القضائي بالمغرب تؤكد أنه يحسم في العديد من الملفات أساسا في الشكل ويتشدد في ذلك ( الصفة، الوثائق، …)، لكن بالرغم من ذلك فإن القاضي الإداري حاول إيجاد العديد من الحلول لهذا الإشكال بالتخفيف والتلطيف من بعض القيود المسطرية على مستوى الآجال ( الفقرة الأولى ) أو بعض الإجراءات المسطرية ( الفقرة الثانية) .

1. عبد الرحمن أبليلا ” المنازعات الجبائية بالمغرب بين النظرية والتطبيق ” م.س ، ص 50. وللمزيد من التفصيل أنظر زكريا بيومي المنازعات الضريبية في ربط الضريبة ، مطبعة القاهرة، 1990، ص 301 ,

الفقرة الأولى : على مستوى الآجال

تنقسم الآجال بالمسطرة المدنية إلى آجال السقوط و آجال التقادم .

فآجال السقوط هو الأجل المحدد من طرف قانون المسطرة المدنية لرفع الدعاوى أمام المحاكم واستئناف الأحكام والطعن فيها بالنقض أمام المجلس الأعلى وغيرها من الإجراءات التي تقام أمام المحاكم.

أما آجال التقادم هو المدة التي يحددها القانون لسقوط الدعوى الناشئة عن الإلتزام طبقا للفصول 371 إلى 392 من ق.ل.ع .

وفي هذا الإطار نذكر بعض مظاهر تلطيف المسطرة على مستوى آجال السقوط.

1. قبول دعوى المنازعة في ربط الضريبة ولو قدمت قبل الأوان:

استقر القضاء الإداري على القول أن اللجوء إلى الطعن القضائي قبل جواب الإدارة أو انقضاء الأجل المحدد لجوابها وهو الستة أشهر الموالية لتاريخ تقديم الشكاية ( م 114 من قانون 89-17) أثناء سير الدعوى، لا تأثير له على قبولها، ذلك أن جواب الإدارة خلال المسطرة القضائية تكون قد حددت موقفها من شكاية الطاعن وذلك ما لم تكن القضية قد أصبحت جاهزة للحكم.

2. قبول المنازعة في ربط الضريبة ولو رفعت خارج الأجل المحدد قانونا متى دخلت الإدارة مع المشتكي في حوار خلال أجل البث في الشكاية:

إذا كانت مقتضيات الفصل 114 من القانون 89-17 ومثيله في الثلاثية الضريبية يحدد أجل جواب الإدارة عن شكاية الملزم في ستة أشهر من التاريخ المثبت لتوجيه مطالبته حول ذلك وحتى إذا لم تجبه عن تلك الشكاية، عليه رفع الدعوى داخل الشهر الموالي لانقضاء أجل الجواب أي الشهر السابع، فقد تعمل الإدارة في سبيل التحقق من شكايته إلى مطالبته بالإدلاء بالوثائق المثبتة لدعواه، وفي النهاية لا تجيبه عن شكايته وعند رفع النزاع القضائي تثير في مواجهته الدفع بعدم القبول لعدم احترام أجل الطعن القضائي.

وفي هذا الإطار ذهبت الغرقة الإدارية في قرار عدد 482 ملف 635/4/04( 1) إلى القول بأن مطالبة إدارة الضرائب المشتكي بالإدلاء بالوثائق المتبثة لشكايته، يفتح له أجلا جديدا لاحتساب أجل الطعن القضائي و ويحضى بقبول المنازعة التي تقدم داخل الأجل القانوني انطلاقا من أجل المطالبة بالوثائق وتبليغها للملزم.

3. قبول الطعن القضائي متى قدم داخل أجل شهر من تاريخ التبليغ بقرار رفض الشكاية حتى ولو ثبت أن هاته الشكاية قد قدمت لدى إدارة الضرائب خارج الأجل القانوني لتقديمها :

لئن كان القانون الضريبي ينص على تقديم الشكاية المتعلقة بربط الضريبة داخل أجل الستة أشهر من تاريخ التبليغ بالإعلام الضريبي، فإنه إذا تباطأ المعني بالأمر في تقديم هاته الشكاية أو قدمها خارج الأجل القانوني المحدد لتقديم المطالبات كما هو منصوص عليه بالفصل 114 من قانون 89-17، ومع ذلك لم تنتبه إليه الإدارة وتجيبه عن موضع شكايته فيعمد إلى رفع منازعته حولها داخل أجل شهر من تاريخ التبليغ، وفي هاته

1.محمد قصري . م.س ص 80.

الحالة اعتبر القضاء الإداري أن طعنه يبقى مقبولا شكلا لتقديمه وفق الشروط والآجال المنصوص عليها في الطعن القضائي( 1)

4. قبول الطعن في مقر إدارة الضرائب ولو قدم خارج الشهر السابع الموالي لأجل الستة أشهر المحددة لجواب الإدارة متى قدم داخل أجل شهر من تاريخ التبليغ به :

بالرغم من أن القانون الضريبي حدد أجل الطعن القضائي في الشهر السابع الموالي لانقضاء أجل الإدارة للجواب، فإنه قد يحدث أن تتباطأ الإدارة في الجواب خارج الآجال ويتقدم الملزم بطعنه بعد ذلك. وجوابا على هذا الإشكال ذهبت الغرفة الإدارية وهي تلغي حكم إدارية فاس التي قضت بعدم القبول ” وحيث أنه ارتأت إدارة الضرائب تحقيق هذه الضمانة عن طريق الرفض الصريح بعد أن يكون الأجل قد انتهى ولم تبد في رفضها الصريح ما يفيد أنه مجرد تأكيد لأي رفض سابق كما هو الشأن في النازلة فلا مجال لحساب أجل الطعن الضريبي على أساس رفض ليس له محل وأن الحكم المستأنف وما قضى بخلاف ذلك يكون إحدى الضمانات التي تقررت لصالح من فرضت عليه الضريبة .(2)

الفقرة الثانية: على مستوى الإجراءات المسطرية

لقد خول القانون الضريبي لفائدة الملزم العديد من الضمانات والحقوق ذات طبيعة مسطرية منها :

· المسطرة التواجهية التي سبق الحديث عنها، اللجان الضريبية، و الضمانات أثناء الفرض التلقائي للضريبة، وكدا أثناء المرحلة القضائية التي استطاع القضاء الجبائي التأسيس لمجموعة من القواعد الرامية إلى التلطيف والتخفيف من حدة الإجراءات المسطرية، إلى جانب المراقبة الصارمة لمدى احترام الإدارة لحقوق الملزم خلال مسطرة تصحيح الأساس الضريبي أو الفرض التلقائي للضريبة.

ونذكر على سبيل المثال :

– الدور الإيجابي للقاضي الإداري وهو ينظم الدعوى بتطبيق الفصل 32 من ق.م.م أخدا بعين الاعتبار خصوصية المنازعة الضريبية وذلك بالعمل على إنذار الملزم المدعي على تصحيح مقاله إذا شابته عيوب شكلية، أنه بإمكانه تصحيحها أثناء الدعوى، سواء تعلقت بالصفة، أو بأداء الرسوم القضائية أو بالتوجيه الصحيح للدعوى.(3)

ـ قاعدة أن حرمان الملزم من مسطرة اللجان الضريبية رغم إخباره الإدارة بالرغبة في ذلك

1. حكم إدارية وجدة بالملف 121/2000 بتاريخ 5/12/ 2003.غير منشور.

2. قرار الغرفة الإدارية عدد 39 بتاريخ 15/1/2004. غير منشور.

وأعدت هذا التوجيه في قرارات أخرى منها : قرار عدد 1150 و 1202 الأول بتاريخ 4/1/2001 والثاني بتاريخ 7/8/2004.

3.عبد المعطى القدوري ” الحماية القضائية للملزم في مجال المنازعات” مقال بالمجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية عدد 19-1997 ص 46-47- .حكم إدارية أكادير، رقم 67/95 بتاريخ 27/7/95 غير منشور.

يجعل الضريبة المفروضة في هذا الوضع قمينة بالإلغاء.(1)

* عدم جواز الزيادة في المقدار الضريبي المؤسس على التقدير الموضوعي للخبير : “حيث إن اعتماد الخبير في تقديره لرقم المعاملات على معطيات موضوعية ومدققة لم تبد الإدارة الضريبية أي معارضة أو تحفظ بشأنها يقتضي الحكم ببطلان الضريبة فيما زاد على تقديرات الخبير”.(2)

– قبول المنازعة الضريبية دون أن تكون مسبوقة بالطعن الإداري في حالة القول بخرق مسطرة فرض الضريبة مثلما جاء في حكم” حيث إن المحكمة كانت على صواب عندما اعتبرت أن وجوب التظلم معلق على سبقية إشعار الملزم حسب الفصل 28 من القانون المتعلق بالضريبة على القيمة المضافة “(3)
· قبول المنازعة المتعلقة بالرسوم المستحقة للجماعات المحلية وهيئاتها ولو دون التقيد بمسطرة الفصل 43 ـ حاليا الفصل48 من قانون 78.00 ـ من ظهير 30/9/1976 المتعلق بالتنظيم الجماعي : ” حيث إن المنازعة في فرض الضرائب والرسوم المستحقة للجماعات المحلية وهيئاتها منظمة بمقتضى القانون رقم 30.89 والذي حدد الفصل 16 منه إجراءات مسطرة التظلم قبل عرض النزاع على القضاء فكانت مسطرة الفصل 43 من قانون التنظيم الجماعي بدون محل في مثل هذه القضايا ..”(4)

ـ يعتد بالتظلم ولو رفع إلى جهة غير مختصة ما دام أنه بإمكان الجهة المتظلم لديها لارتباطها العضوي بالجهة المعنية بالتظلم إحالة التظلم إليها.(5)

هذه بعض الإشارات بخصوص الإجتهادات التي ساهمت في التخفيف من حدة العوائق الشكلية التي تميز المسطرة الضريبية، فما هي إضافات القضاء الجبائي على مستوى الموضوع ؟.

المطلب الثاني: على مستوى تطبيق قواعد الموضوع

إن استقراء الاجتهاد القضائي في مادة المنازعات الجبائية، يعتبر من الأهمية بمكان خاصة بعد إنشاء المحاكم الإدارية، ولا يقتصر إبداع القضاء الإداري على مستوى التخفيف من الشكليات المسطرية بل يمتد الأمر إلى الموضوع وهو الأساس لحماية حقوق الملزم دون المساس بالمال العام، مسترشدا في ذلك بمجموعة من القواعد والمبادئ (الفقرة الأولى). وكذا قبول دعوى الإلغاء في مجال المنازعات الجبائية بالرغم من أنها تنتمي إلى القضاء الشامل( الفقرة الثانية).

1. عبد الرحمن أبليلا ” المنازعات الجبائية بالمغرب بين النظرية والتطبيق” م.س ص 305.

2. العربي الكزداح. م.س ص 455.

3. قرار الغرفة الإدارية بالملف 1140/15/1/98 ذكره ذ.قصري . م.س ص 84.

4. قرار الغرفة الإدارية عدد 370 بالملف 838/4/2/2001 ذكره ذ.قصري . م.س ص 85.

5. حكم إدارية فاس ملف عدد 391/01/ بتاريخ 5/10/2001 غير منشور.

الفقرة الأولى : تفعيل بعض مبادئ القانون الضريبي

يتميز القانون الضريبي بمجموعة من الخصوصيات ومنها المبادئ والقواعد التي يخضع لها ويجب على الفقيه والقاضي أخدها بعين الاعتبار، وفي هذا الإطار سوف نعرض بعض هذه المبادئ :

· تفسير القانون الضريبي تفسيرا ضيقا :

وهذا المبدأ مقرر في التشريعات الضريبية لأغلب الدول ويؤكده كل من القضاء الفرنسي والمصري والمغربي.

وقد أكدت المحكمة الإدارية بأكادير هذا المبدأ وطبيعته في تفسير قانون 30.89 المتعلق بالضرائب المستحقة للجماعات المحلية وهيئاتها واعتبرت اللوحة المهنية لكل من المحامي والطبيب خارجة عن نطاق تطبيق القانون الضريبي المذكور، وأكد المجلس الأعلى هذا الاتجاه. (1)

والمغرب كباقي الدول الحديثة يسود تشريعه مبدأ عام، وهو وجوب فرض الضريبة بقانون ( الفصل 17 من الدستور) .

· الشك في مدى النص الضريبي يفسر لصالح الملزم

إذا كن الشك يفسر لصالح المتهم في المادة الجنائية فإن الشك في المادة الضريبية كذاك يفسر لصالح الملزم، وتطبيق هذا المبدأ في المادة الضريبية ما هو إلا نتيجة حتمية لتطبيق قاعدة تفسير القوانين الضريبية تفسيرا ضيقا.

· استبعاد إمكانية الأحد بالقياس في المادة الضريبية :

إن الأخذ بطريقة القياس في مادة الضرائب يعني تفسير النصوص الضريبية تفسيرا واسعا، وهو ما يخالف مبدأ التفسير الضيق الذي يميز ويطبع هذه المادة، لذلك فإن استبعاد طريقة القياس عن هذه المادة ما هو إلا نتيجة حتمية لتطبيق مبدأ التفسير الضيق المذكور آنفا.

ويؤكد هذا الطرح ما تحرص التنصيص عليه القوانين المالية في المغرب لكل سنة و المرخصة بتحصيل الضرائب المشرعة قانونا : من أنه يحظر تحت طائلة العقاب جنائيا استيفاء الضريبة مهما كان الوصف، أو الإسم الذي تجبى به ، غير مأذون فيها بموجب أحكام القانون.(2)

1. حكم إدارية أكادير، رقم 40/95 بتاريخ 8/6/95 وأكده قرار بتاريخ 15/2/1996 تحت رقم 100.ذكره عبد المعطي القدوري ، م.س، ص 47-48.

2. عبد المعطي القدوري. نفسه ص 48-49.

· عدم رجعية القوانين الضريبية :

يستمد هذا المبدأ مرجعيته من المبدأ الدستوري المنصوص عليه في الفصل 4 من الدستور القاضي بعدم رجعية القانون.

ولقد اتخذت المحكمة الإدارية بمكناس موقفا لصالح الملزم بأن ألغت إعلاما ضريبيا موضوعه تطبيق قانون بأثر رجعي، وقد جاء في الحكم مايلي :

” وحيث يتضح من وثائق الملف أن المدعين قد حصلا على رخصة البناء بتاريخ 11/5/1987 وذلك في إطار مشروع التنمية العقارية يهدف إنجاز عمارة للسكن، حسبما هو ثابت من وثائق الملف لذلك فهما يستفيدان من الإعفاء المنصوص عليه في الفصل الرابع من قانون 15/85 المؤرخ 4/5/1988 في فصله الثاني الذي قد تراجع نسبيا عن الإعفاء الكلي من الضريبة المهنية والضريبة على الأرباح المهنية المذكورتين أعلاه، فإن ذلك التراجع لا يمكن أن ينسحب على الوقائع التي نشأت في ظل القانون القديم تطبيقا لمبدأ عدم رجعية القوانين .”(1)

وكذلك فإن مجلس الدولة الفرنسية(2) متشدد جدا في هذا المجال، وحريص على تطبيق هذا المبدأ في المادة الضريبية، ولا يتردد في إلغاء كل تطبيق يخالفه.

وبالإضافة إلى هذه المبادئ هناك العديد من القواعد التي أبدعها القاضي الجبائي :

– رفض الازدواج الضريبي على نفس الوعاء.

– توزيع عبء الإثبات بين الإدارة الضريبية والملزم.

– حرمان الملزم من مسطرة اللجان الضريبية رغم إخباره الإدارة برغبته في ذلك يجعل الضريبة المفروضة في هذا الوضع قمينة بالإلغاء.

الفقرة الثانية : قبول دعوى الإلغاء في مجال المنازعات الجبائية

من المعلوم أن مشرع قانون 90/41 بإفراده المنازعات الضريبية بابا خاصا، هو الباب الخامس مستقلا عن الباب الثالث المتعلق بدعوى الإلغاء قد جعلها تندرج في إطار القضاء الشامل، وبالفعل فبتتبع عمليات تأسيس وفرض وتصفية وتحصيل الضريبة وما يتخللها من إجراءات وأعمال مادية مستمدة من القانون ، ولا تنشئ مركز قانوني، ويتضح أن القضاء الشامل هو الجهة الطبيعية المختصة للبث في المنازعات التي تثار بصدد هذه الأعمال والإجراءات.

وبالرغم من أن القضاء الشامل هو المجال الأنسب للمنازعات الضريبية، فيجب أن لا ننسى دعوى الإلغاء لتجاوز السلطة من حيث صلاحية القاضي في إطارها، ومن حيث حجية الحكم الصادر على إثرها.

1. حكم إدارية مكناس عدد 7/94/3 بتاريخ 19/2/95، ذكره الباحث العربي الكزداح بأطروحته م.س ، ص 455.

2. عبد الرحمن أبليلا، م.س ص 305.

وقد أعاد الأستاذ جيل باشولبي في مؤلفه المنازعة الضريبية، أنه من خلال إطلالة سريعة على الاجتهاد القضائي الفرنسي خلال 20 سنة الأخيرة، اتضح له أن دعوى الإلغاء تمثل مكانة بارزة في المنازعات الضريبية، فأهم القرارات في مادة الضرائب صادرة في إطار دعوى الإلغاء لتجاوز السلطة، لأن دعوى الإلغاء يضيف، لا توازيها أية دعوى قضائية.(1)

ولقد حدد القضاء الإداري الحالات التي يبت فيها كقاضي إلغاء وهيكالتالي :

أولا : القرارات الفردية المنفصلة

يقصد بها القرارات التي تصدر في مادة الضرائب دون أن ينتج عنها قرار بفرض الضريبة، ومثالها القرارات الصادرة عن المجلس الجماعي في شكل مداولة والتي من شأنها إحداث رسوم بلدية والمقرارت العامة المتعلقة بتنظيم الضريبة .

وفي هذا الإطار فقد قبلت المحكمة الإدارية بفاس طعنا بإلغاء القرار الإداري الصادر عن المدير الجهوي للضرائب القاضي برفض تمكين الطاعن من شهادة الإعفاء من الضريبة بعد أن تبت لديها توافر شروط الإعفاء في حقه استنادا لمقتضيات قانون المالية الانتقالي 95-45.(2)

كما اعتبر القضاء الفرنسي القرار الصادر عن الإدارة الضريبية برفض طلب الملزم بتأجيل الإداء، قرار منفصلا خاضعا لرقابة قاض الإلغاء.(3)

وكذا القرارالصادر بناء على تظلم استعطافي برفض الإعفاء أو التخفيض من ضرائب مباشرة فرضت على الملزم بصفة قانونية.(4)

ثانيا : القرارات التنظيمية

الاجتهاد القضائي في مجال دعاوى الإلغاء المتعلقة بالطعن في القررارت التنظيمية عرف تطورا مهما خاصة المتعلقة بالمناشير والتعليمات الضريبية الصادرة في ميدان الضرائب، وهكذا ألغى مجلس الدولة الفرنسي بتاريخ 4/5/1990 منشورا لأنه تضمن إضافات في القانون الضريبي فأضحى بذلك ذا طابع تنظيمي.(5)

كما أن المنشور الصادر عن وزير الداخلية الموجه إلى رؤساء المجالس الجماعية الذي يفسر فيه نطاق تطبيق القانون 30.89 والذي يوضح فيه أن اللوحة المهنية للطبيب والمحامي تعتبر خاضعة للرسم الجماعي ومشمولة بالفصل 192 من نفس القانون يعتبر قرارا إداريا يمكن الطعن فيه بدعوى الإلغاء المخالفة للقانون،

وبالفعل تم الطعن فيه ،و قرر القضاء أن لوحة المحامي غير خاضعة لأي رسم جبائي.

1. عبد المعطي القدوري، م.س ص 51.

2. حكم إدارية فاس رقم 124 بتاريخ 18/2/1998. ذ.محمد قصري . م.س ص 36.

3. 4. مجلس الدولة : قرار 10/2/1984 و : قرار 18/12/1970 ذكرهما ذ.جميل باشولي ، المنازعات الضريبية ، طبعة 1994، نقلا عن عبد المعطي القدوري . م.س ص 53.

5. عبد المعطي القدوري م.س ، ص 53.

أما بالنسبة للأجل القانوني للمنازعة في هذه المناشير والدوريات، فإنه أجل مفتوح لا يسري إلا من تاريخ النشر في الجريدة الرسمية، وحيث أن هذه المناشير لا تنشر في الجريدة الرسمية فلا يوجد أي أجل للمنازعة في المنشور الضريبي أمام القضاء.

إذن تفعيل مبادئ القانون الضريبي وقبول دعوى الإلغاء في مجال دعوى المنازعة في وعاء الضريبة ساهما في دعم حقوق الملزم وتحقيق نوع من التوازن بينه وبين الإدارة الضريبية.

الفرع الثاني : القاضي الجبائي ودوره في تشجيع الاستثمار

لقد تزايد الحديث في السنوات الأخيرة عن دور القضاء في حماية الاستثمار، وهو ما ينم عن درجة الوعي بأهمية المؤسسة القضائية باعتبارها القاطرة التي يعول عليها في ركب التنمية.

وإن القوة التنافسية لبلد ما لا تحدد فقط بامكانياته الاقتصادية، وإنما أيضا بقوانينه، وعدالته، فالحماية القانونية والقضائية عنصران أساسيان في تدعيم القدرة التنافسية، وترسيخ مكانة الدولة كمصدر لجلب الاستثمارات، علما أن الهدف ليس فقط جلب الاستثمارات وإنما الحفاظ عليها وتشجيعها .(1)

وتعتبر السياسية الجبائية إحدى الآليات الأساسية لتحقيق هذه الغايات، فالضريبة ليست فقط موردا أساسيا بالنسبة لميزانية الدولة، بل هي أيضا أداة لتوجيه الاستثمار وتوسيع مردوديته وتحفيز الادخار.

وقد عمل المغرب على سن قوانين ضريبية خاصة بتشجيع الاستثمار الوطني والأجنبي على حد سواء،

فميثاق الاستثمار الذي صاغه المشرع المغربي بمقتضى القانون الإطار رقم 95.19 والذي حاول فيه تدارك عيب التشتت الذي طال النصوص السابقة وطابعها القطاعي يندرج في سياق تحسين مناخ الإستثمار في المغرب والرفع من جاذبيته.
لكن مهما كانت جادبية القوانين والإعفاءات الضريبية في مجال الإستثمار، فإن فعاليتها رهينة بكيفية تطبيقها من طرف السلطة القضائية.

وحسب رئيس المجلس الأعلى الحالي ” فالاستثمار بدون عدالة لا يحقق الربح وحسب، بل يهدد الرأسمال نفسه، مما يؤدي ليس فقط إلى عدم استجلاب رأسمال الأجنبي، بل وتهريب رؤوس الأموال الوطنية والأجنبية الموجودة بالداخل.”(2)

وبالتأسيس على ما سبق، تتضح معالم دور قضاء في تحقيق الحماية اللازمة للاستثمار، وحيث أن الضريبة تشكل إحدى المحددات الأساسية التي تتحكم في اختيارات المستثمر وطنيا كان أو أجنبيا، لذلك من الطبيعي أن تكون النزاعات المرتبطة بها، والحلول القضائية بشأنها من محددات هذا الاختيار أيضا.

1. ذمحمد لمزوغي ” القضاء الإداري ومجال تدخله في حماية الاستثمار” المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية عدد مزدوج 51-52 يوليوز – أكتوبر 2003. ص 31.

2. ادريس الضحااك ” أي مناخ لممارسة الحقوق أثناء الشغل” بحث ثم تقديمه في ندوة أكاديمية المملكة المغربية حول ” حقوق الإنسان والتشغيل بين التنافسية والآلية ” بتاريخ 22 ابريل 1996. ذكره ذ عبد العزيز يعكوبي م.س. ص 5.

ومن ثمة سنحاول الوقوف في هذا الفرع على مجالات و مظاهر الدور الحمائي للقاضي الجبائي للمستثمر ( المطلب الأول) وكذا التأصيل القضائي لحق المستثمر من الاستفادة من بعض الامتيازات في قطاعي التعليم الحر والمجال الصناعي ( المطلب الثاني)

المطلب الأول : الدور الحمائي للقاضي الجبائي للمستثمرين:

إن دخول القانون المحدث للمحاكم الإدارية حيز التنفيذ بظهير 10/09/1993 أدى فعلا إلى رفع مختلف العراقيل المادية والمعنوية التي كانت في ظل النظام السابق تعسر سبيل اللجوء إلى القضاء، وخاصة عندما نص الفصل الثامن منه على الاختصاص الشامل في المجال الضريبي.

وقد عمل القضاء الإداري على حماية المستثمرين لما يتميز به من تبسيط لمسطرة التقاضي، تخصص الرقابة، وتعميق الرقابة ( الفقرة الأولى ) وكذا المنهجية المعتمدة في تفسير القوانين الضريبية والرقابة القوية على سلطة الإدارة في تقدير الجزاءات والغرامات ( الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى : القضاء الإداري ودعم الاستثمار

إن إحداث القضاء الإداري والقضاء التجاري جاء في سياق التحولات الكبرى والمهمة التي عرفها المغرب مند سياسة التقويم الهيكلي وإعادة النظر في الدور التدخلي للدولة وفتح المجال أمام المبادرة الحرة، وتأهيل القوانين والمؤسسات والمجتمع لهذه الغايات، ولرفع رهان التنمية ومواجهة رياح العولمة العاتية.

فإنشاء المحاكم الإدارية جاء لهذه الأهداف و لطمأنة رأس المال الجبان كما يقال بإنشاء سلطة قضائية قادرة على مراقبة أعمال السلطة الإدارية والحد من أي شطط محتمل.

وقد عرف المغرب بعد إنشاء المحاكم الإدارية موجة من الإصلاحات مثل تفويض الاختصاص للسادة الولاة والعمال، خلق المراكز الجهوية للإستثمار وتشجيع التدبير اللامتمركز للاستثمار، كما تم تحديث الترسانة القانونية المغربية : مثل مدونة التجارة ، قانون الشركات، ميثاق الاستثمار،قانون المنافسة، قانون البورصة، مدونة الصفقات العمومية، قانون حماية الملكية الصناعية.

وتوجت هذه الإصلاحات بإحداث محاكم الاستئناف الإدارية، وقد جاء في خطاب الملك بتاريخ 8 ماي 1990 ” نطلب من المستثمرين أن يأتوا ليستثمروا عندنا، ولكن إذا لم يعرفوا أن بلادنا تنعم بالسلم والضمان الجبائي فإنهم لن ياتوا “.

فإنشاء القضاء الإداري حقق عدة مزايا للمستثمرين :

و كما سبق الذكر أن القانون الجبائي من القوانين التي تتميز بالتشعب والتعقد، وأن إنشاء محاكم إدارية أسند إليها الحق في النظر في المنازعات الضريبية وذلك لتسريع الرقابة وجعلها أكثر فعالية وعمقا.

بيد أن القضاء الإداري كقضاء متخصص له أثار إيجابية هامة، حيث يمكن من إيجاد الحلول المناسبة للاكتضاض الذي تعرفه المحاكم الابتدائية وكذا المجلس الأعلى، والذي كان السبب الرئيسي في التأخير الكبير للبث في الملفات.

فتخفيف العبء عن المحاكم الإدارية وعن المجلس الأعلى سيقلل من المستوى الكمي للقضايا المعروضة عليها، ويدفعها إلى الرفع من إنتاجيتها، كما أن المحاكم الإدارية بتخصصها في نوع معين من القضايا، لن تعرف الاكتضاض مما سيمكنها من الفصل من القضايا الداخلة في اختصاصها في أجال قصيرة، الشيء الذي سيستفيد منه كثيرا المؤسسات الاقتصادية خاصة وأن عامل الزمن له أهمية كبرى في نجاح المقاولة.

كما أن تخصص المحاكم الإدارية سيؤثر في طبيعة الرقابة ذاتها من خلال توسيع وتعميق هذه الرقابة على علاقة المستثمر بالإدارة.

وقد تجلى ذلك في ظهور فئة من القضاة المتخصصين والملمين بجميع جوانب ومعطيات الواقعين الإداري والاقتصادي، ومؤهلين لإيجاد الحلول المناسبة للنشاط الاقتصادي ومشاكل المستثمرين، خاصة وأن القانون الإداري هو قانون قضائي بامتياز لأنه خرج من رحمه ، بالتالي فإن العمل القضائي يساهم في ظهور اجتهادات تساهم في الدفع ببلادنا إلى الأمام.(1)

وبالفعل فإن القضاء الإداري ساهم في إيجاد الحلول واتخذ مواقف مشهود بها لدعم حقوق الملزمين وخاصة لصالح قطاع المال والأعمال حماية لهم من شطط الإدارة الضريبية، وكذا إعطاء تأويلات للنصوص تخدم العدالة الجبائية مثل:

· التخفيف من الشروط الشكلية لقبول دعوى الضريبة.

· التشدد في ضرورة احترام الإدارة للمسطرة الضريبية.

· الحماية القضائية للملزم وللضمانات المخولة له تشريعيا.

· إقرار حق الملزم في الإعفاءات الجبائية .

وهذه نقط سبق أن تناولناها خلال هذا البحث، وغيرها كثير.

الفقرة الثانية : المستثمر وهاجس الخضوع للضريبة

القاضي لا يجد عناء كبيرا في إعمال مقتضى النص كلما كان واضحا وغير قابل للتأويل،أما في الحالة المعاكسة فإن الأمر يتطلب منه مجهودا ذهنيا اجتهاديا لاستخلاص مضمونه الحقيقي انطلاقا من خلفيات وفلسفة كل تشريع. وإذا كان المشرع يراعي في صياغته للنصوص الوضوح والدقة منعا لكل تطبيق غير سليم أو لخطأ في التفسير إلا أنه يصعب عليه في كثير من الأحيان مهما بلغت درجة مهارته وحرصه أن يجعل من النص القانوني مستوعبا لكل الجزيئات الواقعية التي ينظمها، ومن ثم يأتي دور القاضي لاستكمال هذا الدور من خلال الاجتهاد.

1. أمال المشرقي : ” دور المحاكم الإدارية في حماية النشاط الاقتصادي ” مقال ب م.م.إ.م.ت عدد 19. أبريل –يونيو 1997. ص 17،16.

– محمد لمزوغي ” القضاء الإداري ومجال تدخله في حماية الاستثمار” مقال بـ م.م.إ.م.ت عدد مزدوج 51-52 يوليوز- أكتوبر 2003. ص 31-32.

وقد شكلت القوانين الخاصة بتشجيع الاستثمار بالنظر للغموض والالتباس الذي يعتري نطاق بعض مقتضياتها على مستوى التطبيق، مجالا خصبا للاجتهاد القاضي بهدف تحديد نطاق الإعفاء المقرر بمقتضاها.

ففي ملف شركة ” تريكوفيل ” نجدها تتمسك بكونها تأسست بتاريخ 8/5/1987 وأنه بعد حصولها على الرخصة رقم 692/97 من بلدية مكناس شرعت في بناء محلها بالحي الصناعي، وأن أول عملية تجارية قامت بها كانت بتاريخ 25/2/1989 واعتبارا لمقتضيات المادتين 1و2 من قانون 13/8/1973 الخاص بتشجيع المؤسسات المصدرة لمنتوجات الصناعة العصرية والتقليدية، الممدد لمدة الإعفاء إلى عشر سنوات من الضرائب على الأرباح، في حين تتمسك إدارة الضرائب بكون الشركة المدعية لم تقم بأول عملية تصدير إلا سنة 1990 وبالتالي فإن القانون الواجب التطبيق هو قانون رقم 88/01 الصادر بتاريخ 4/5/،1988 والذي خفض الإعفاء لمدة خمس سنوات، وجوابا على هذا الإشكال اعتبرت المحكمة الإدارية بمكناس في حكمها الصادر بتاريخ 1/8/2002، والذي تم تأييده بمقتضى قرار الغرفة الإدارية الصادر بتاريخ 28/6/2006 ” أن المزايا المنصوص عليها بمقتضى ظهير 13 غشت 1973 تطبق على المؤسسات التي تمارس أو تعتزم ممارسة الأنشطة المقررة من أجلها هذه المزايا ومعنى ذلك، أن هناك ضابطين محددين لإمكانية الاستفادة من الإعفاء هما :

أولا الممارسة الفعلية للأنشطة المذكورة بعد نشر هذا الظهير، وثانيا هو اعتزام ممارسة هذه الأنشطة بعد نشره، وخلصت المحكمة إلى الحق المكتسب للشركة في الاستفادة من الإعفاء لمدة عشر سنوات.

وهناك قرارات وأحكام متعددة تؤكد الحق في الإعفاء من بعض الامتيازات المقررة قانونا.

بيد أن رقابة القاضي الجبائي على تقدير الإدارة في توقيع الجزاءات والغرامات يساهم في دعم وطمأنة المستثمر إلى جانب تأكيد وحماية الضمانات المقررة قانونا.

فبعد إقرار القاضي لمبدأ مناعة سلطة الإدارة التقديرية من الرقابة من قبل القاضي الإداري نفسه، عرف هذا المبدأ تراجعا في إطار التطور الاجتهادي اللاحق.

وتطوير أليات الرقابة لاحتواء المجال التقديري في القرارات الإدارية لا يندرج في سياق تحقيق حماية أكبر للأفراد بما في ذلك المخاطبين بالفرض الضريبي. وتمثل هذا التطور في اعتماد نظرية الغلط البين في التقدير ونظرية الموازنة لرقابة جانب الملائمة في القرار الإداري.

وبخصوص موقف الغرفة الإدارية من رقابة سلطة الإدارة في تقدير الجزاءات والغرامات، أصدرت قرارا بتاريخ 16/01/2003 أوضحت فيه بأنه ” ما دام أن الغرامات والجزاءات الأخرى ترتبت على المستأنف بطريق قانوني، ولا يطعن في شرعيتها، كما أن رفض الإدارة طلب إعفائه منها يستند إلى سلطتها التقديرية، وما دام لم يثبت أن قرار الإدارة يتسم بالانحراف والشطط في استعمال السلطة فإن قرارها يبقى قانونيا”.(1)

1. الملف الإداري عدد 1657/4/1/ 2001 غير منشور.

لا شك أن السلطة التقديرية المعترف بها لإدارة الضرائب في هذه الحالة تستهدف تمكينها من معالجة الأوضاع المختلفة بحسب ما تستحقه كل حالة على حدة، واعتبارا لذلك متى تبين أن الجزاءات القاسية المتخذة من قبل الإدارة تؤدي إلى تأزيم الوضعية المالية للشركة والتعجيل بانهيارها، فإن الأمر في مثل هذه الحالات يستدعي رقابة تقدير الإدارة في توقيع الجزاء وبالتالي بإلغائه بناء على أنه مشوب بغلط بين في التقدير.

وجاء في قرار لمجلس الدولة الفرنسي : ” تستهدف فرض قدر أقل من المنطق وحسن التقدير على رجال الإدارة، فإذا كان في وسعهم أن يختاروا فليس معنى ذلك أن يفعلوا ما يشاؤون.”(1)

وعليه فإن إنشاء المحاكم الإدارية ساهم في إلى حد مهم في حماية المستثمرين وفتح إمكانية الطعن في قرارات الإدارة أمام قضاء متخصص له دراية مهمة بالمجال الضريبي.

المطلب الثاني : إقرار حق الملزم في الاستفادة من الامتيازات المقررة في مجال الاستثمار

لعب القضاء الإداري دورا هاما في تشجيع الإستثمارات العقارية والسياحية والصناعية وساهم بشكل فعال في التنمية الإقتصادية والإجتماعية بالبلاد عن طريق إقرار حق الملزم في مجال الإستثمار بمختلف أشكاله وخاصة قي مجالي التعليم الخاص ( الفقرة الأولى ) و الصناعي( الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى : التحفيز على الاستثمار في قطاع التعليم الحر

في نازلة عرضت على القضاء الإداري تتعلق بتصنيف مؤسسة التعليم الخاصة وما إذا كانت تعتبر مؤسسة تجارية تؤدي نسبة أقل من محدد في 0.50% من واجب الحد الأدنى للاشتراك المنصوص عليه بالمادة 104 مكرر من القانون 89-17 أم نسبة 6% لصنف المهن المميزة بعلامة ف.

وكانت إدارة الضرائب قد حددت هاته النسبة في النسبة الأعلى وهي 6% وتمسك الملزم بكون تحديدها في مواجهته كان بشكل مخالف للقانون و تم تعطيل الانتفاع بالامتيازات المقررة له في هذا المجال الاستثماري، وبعد أن بينت الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى طبيعة مؤسسة التعليم الخاصة وأهمية الاستثمار في المجال التعليمي، والنصوص الجبائية المشجعة للاستثمار في هذا المجال انتهت إلى القول بأن مؤسسة التعليم الخاصة تعتبر مؤسسة تجارية وتستفيد من التخفيض المحدد لهذه النشاطات، وحددت بالتالي نسبة الضريبة الواجب أداؤها بمقتضى المادة 104 أعلاه في 0.50% بدل 6% المفروضة من طرف إدارة الضرائب حيث جاء في قرارها ما يلي :

” حيث إن جوهر النزاع هو معرفة طبيعة مؤسسة التعليم الخاصة وهل الأمر يتعلق فعلا بمؤسسة تجارية أم مؤسسة مدنية لمعرفة نسبة الضريبة الواجب أداؤها من طرفها على الدخل العام”.

1. عبد العزيز يعكوبي . م.س ص 25-26. القرار جاء في كتاب الدكتور سليمان الطماوي ” النظرية العامة للقرارات الإدارية ” دراسة مقارنة ص 83. الطبعة السادسة .

وكما أشار إلى ذلك الحكم المستأنف، فإن قانون 15/88 عندما أشار إلى إمكانية إحداث مؤسسة التعليم الخاص بواسطة أشخاص ذاتيين أو معنويين وما أمر به من تحفيز على الاستثمار في قطاع الضريبية، يكون قد أقر بمبدأ المشاركة في هذا المجال الذي يتحقق بالجمع بين عنصر رأس المال وعنصر الكفاءة العلمية من أجل استثمار زبائن والحصول على أرباح وعدم جواز حمل المؤسسة لاسم تحمله مؤسسة عمومية، مما يضفي على مؤسسة التعليم الخاص طبيعة العمل التجاري الصرف القائم على استثمار أموال بقصد جني الربح.

وحيث ينتج مما سبق أن مؤسسة التعليم الحر قابلة لإضفاء الطبيعة التجارية عليها مما يكون جهة إدارة الضرائب عندما اعتمدت على نسبة الاشتراك المحدد في 6% بالنسبة لصنف المهن المميزة بعلامة ف حسب المادة 104 مكرر وليس على نسبة 0.50% قد أسست جدولتها لدى الضريبة الذي يحتمله المستأنف عليها على نسبة مخالفة لواقع النزاع وغير التي يقتضيها القانون المطبق بخصوصه.(1)

الفقرة الثانية : التحفيز على الاستثمار في المجال الصناعي

لقد أحدث القانون 4/88 المتعلق بتشجيع الاستثمار في المجال الصناعي تدابير تحفيزية جديدة تهدف إلى تشجيع المقاولات على الاستثمار في هذا المجال، ونص الفصل 16 منه بما معناه أنه مجرد توسعة نشاط المؤسسة داخل المنطقة الرابعة بعد قبول البرنامج الاستثماري والمصادقة عليه من لدن إدارة الضرائب وباختيار المستثمر بشكل نهائي لا رجعة فيه لنظام تخفيض 50% من واجب الضريبة على الأرباح المهنية.

فإن ذلك التخفيض يشمل الأرباح المحصل عليها من طرف المؤسسة ولا ينحصر فقط في نطاق تلك التوسعة، كما كان منصوص عليه بالفصل 19 السابقة بالقانون 17/82 قبل تعديله.

وقد عرضت على القضاء الإداري نازلة من هذا القبيل تمسكت فيها شركة المشروبات الغازية بتوسعة نشاطها في إطار برنامج استثمار مصادق عليه ومقبول من طرف إدارة الضرائب، وأنها بذلك تكون محقة في تخفيض 50% من مبلغ الضريبة عن الأرباح المهنية، وكانت إدارة الضرائب قد متعتها بالتخفيضات المذكورة في حدود توسعة نشاط المؤسسة وتمسكت بهذا الإخضاع الضريبي.

وذهبت الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى وهي تقر حق الشركة الطاعنة بالاستفادة من التدابير التحفيزية والتشجيعية على الاستثمار في المجال الصناعي بتمتعها بتخفيض 50% من الضريبة على الأرباح المهنية عن حصيلة المؤسسة ككل، عملا بمقتضيات الفصل 19 من القانون 4/88 بعد تعديله، والذي وسع مجال الإعفاء بالنسبة المذكورة ليجعله شاملا لنشاط المؤسسة ككل وليس فقط في نطاق التوسعة كما كان معمولا به سابقا بالقانون 17/82 جاء في قرارها ما يلي :

1 .ذ محمد قصري، م س ،ص108 و109.

“لكن حيث يتضح من مراجعة تنصيص الحكم المستأنف أن المحكمة الإدارية عللت قضاءها بإلغاء المقرر

الضريبي الصادر عن إدارة الضرائب، بأنه يستفاد من الصياغة القانونية للفصل 19 من قانون 17/82 كما وقع تعديله بقانون 4/88 أن مجرد إحداث أو توسعة نشاط المؤسسة داخل المنطقة الثالثة، وبعد قبول البرنامج

الاستثماري والمصادقة عليه من لدن الإدارة الضريبية وباختيار المستثمر بشكل نهائي لا رجعة فيه، لنظام

تخفيض 50% من واجب الضريبة على الأرباح المهنية أو النظام الاستهلاك السريع.

فإن ذلك التخفيض يشمل الأرباح المحصل عليها من طرف المؤسسة، ولا ينحصر ذلك في نطاق توسعتها لأن الفصل 19 بعد تعديله عبر بكلمة إحداث أو توسعة النشاط بمعنى أن أيا منهما يقضي إلى الاستفادة من تخفيض 50% في مبلغ الضريبة بالنسبة للمؤسسة ككل، ولو أراد المشرع خلاف ذلك لضمن الفصل المذكور عبارة في نطاق التوسعة فقط كما ورد بالفصل 19 المذكور قبل تعديله … ولذلك فإن المحكمة المطعون في حكمها فقد طبقت مقتضيات الفصل 19 من قانون 17/82 الذي وقع تعديله بقانون 4/88 تطبيقا سليما وأولت مقتضياته تأويلا قانونيا …” .(1)

وتأسيسا على ما تم تناوله فيما تقدم، تبين أن العلاقة بين الجباية والاستثمار تعتبر على درجة من الأهمية والدقة، وكلما كانت هذه العلاقة مضبوطة وموزونة بالشكل اللازم، كلما ساهم كل منهما في إثراء الآخر، فلا يتصور قيام مشاريع استثمارية ضخمة وقوية دون سياسة جبائية حكيمة.

ويعتبر القاضي الجبائي حلقة مهمة في صياغة هذه العلاقة فهو الحكم الذي يعطي القاعدة الضريبية بعدها الحقيقي، ومضمونها الاجتماعي والاقتصادي بين ما هو مقرر تشريعا وبين ما يفرزه التطبيق العلمي على مستوى العمل الإداري.

ومن خلال السوابق القضائية التي تمت مناقشتها اتضحت الأهمية البالغة للاجتهاد القضائي في دعم الاستثمار وحماية المستثمرين .

وعليه يتعين دعم هذه السلطة وتقويتها ودعمها بالوسائل الكفيلة لتحقيق قضاء نزيه عادل ومستقل.

1.ذ محمد قصري، م س ،ص110.

المبحث الثاني : حدود العمل القضائي في المادة الجبائية

إن تحليل ودراسة بعض حدود عمل القاضي الجبائي ليس الهدف منه التنقيص والتقليل من قيمة العمل القضائي الصادر في المادة الجبائية الذي ولا شك، ذو أهمية بالغة – كما سبق الذكر ــ بالرغم من حداثة تجربة المحاكم الإدارية كقضاء متخصص في نزاعات المواطن–الإدارة.

بل إن هذه الدراسة تهدف إلى الكشف عن بعض الحدود لتجاوزها ولتطوير قضائنا الإداري والرفع من جودة عمله.

هذا مع الإشارة إلى أن هذا التقييم يبقى نسبيا بحكم قلة الأحكام المنشورة في المادة، بل والانتقائية حتى في النشر، دون أن ننسى الصعوبات البالغة التي واجهناها للحصول على الأحكام والقرارات التي قمنا بدراستها.

وتتنوع هذه الحدود إلى معوقات مرتبطة بالقاضي الجبائي نفسه ( الفرع الأول) ومعوقات مرتبطة بمحيط عمل هذا الأخير ( الفرع الثاني).

الفرع الأول: الحدود المرتبطة بالقاضي الجبائي

يلعب القاضي الجبائي دورا محوريا في تحقيق العدالة الضريبية، ودعم ثقة المتقاضين في القضاء الإداري. لكن لتحقيق ذلك، لا بد أن يتمتع القاضي الجبائي بمستوى عال من التكوين في المادة الجبائية ( المطلب الأول)، وأن تتميز أحكامه بالجودة اللازمة( المطلب الثاني)،وهما الأمران اللذان لا يتوفران إلى حد كبير في العمل القضائي الجبائي بالمملكة.

المطلب الأول : ضعف التكوين الضريبي للقاضي الجبائي

من المعلوم أن المعهد العالي للقضاء وشروط الولوج إليه، تفترض الحصول على الإجازة في القانون الخاص مما يؤدي إلى غلبة التكوين المدني والخاص على قضاة المستقبل، خاصة بعد تعتر تجربة قبول طلبة القانون العام.( الفقرة الأولى) كما أن القانون الضريبي يتميز بالتشتت والغموض، وصعوبة ضبط الجوانب التقنية والمحاسبية له إلا من طرف المتخصصين في المجال، وغياب التكوين المستمر للقضاة.

كل هذه العوامل وغيرها تنعكس بشكل سلبي على العمل القضائي الجبائي وعلى جودة الأحكام الصادرة( الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى : التكوين المدني للقاضي الضريبي

يعاني القاضي الضريبي من محدودية التكوين في المادة الضريبية، ليس من حيث المساطر والإجراءات التي تتقاسم فيها المادة الضريبية مع المواد الأخرى، بل من حيث التخصص الفني والتقني المفترض للإلمام التام بالنازلة الضريبية، ويتجلى في تكوينه المدني الصرف داخل المعهد العالي للقضاء وتأثير ذلك على حسمه في جوهرها، الأمر الغاية في الأهمية بالنسبة لأطراف المنازعة الضريبية.

ويرجع ذلك إلى تأثير الموروث التاريخي على تكوين القاضي الضريبي من جانب استمرار احتفاظه بالنهل من القانون المدني من أجل تسوية النزاعات الضريبية بالرغم من خصوصياتها، وبالرغم من نهاية عهد وحدة القضاء مع شروع المحاكم الإدارية سنة 1993في الاشتغال.

حيث أن القاضي العادي ظل في وظيفته إلى حدود سنة 1993 يتماهى مع القاضي الإداري بما أنه صاحب الاختصاص للبث في كل القضايا مهما كانت طبيعتها.(1)

هذا بالرغم من أن القانون الضريبي عليه إجماع من طرف الفقهاء على أنه قانون يتمتع بالاستقلالية عن القانون المدني ومن ثم فإن القواعد الواجبة التطبيق هي قواعد القانون العام وليس قواعد القانون الخاص.

هذا دون الحاجة للإشارة إلى حالة الطلاق غير الرجعي التي أعلنها رواد القانون العام عن القانون الخاص

– ليون دوكي ورواد مدرسة المرفق العام مثلا -.

كما أن ضعف تكوين القضاة في المادة الضريبية، والتغيرات التي تعرفها القوانين الضريبية سنويا تجعل القضاة غير قادرين على مسايرة التطورات والتعديلات التي تعرفها.

بيد أن القانون الضريبي يتميز بالدقة والتعقد والتقنية مما يزيد من صعوبة القاضي في ضبطه واستيعاب فلسفته القانونية.(2)

ويعمق هذا الأمر تطبيق قواعد المسطرة المدنية في الإجراءات أمام المحاكم الإدارية عن طريق الإحالة من القانون 90/41 على قانون الإجراءات المدنية، مع العلم أننا لم نكن نتوفر على مدونة للمساطر الضريبية إلا مع القانون المالي سنة 2005 حيث تم إصدار كتاب المساطر الجبائية.

وقد تجلى التكوين المدني للقاضي الضريبي أثناء العمل القضائي، فكثيرا ما كان يؤدي غموض النصوص الضريبية وصعوبة فهمها إلى اعتماد القضاء على قواعد القانون المدني مستعملا سلطته في التفسير التي لا تختلف بشيء عن تلك المستعملة في إطار المنازعة العادية.

والحقيقة أن هذا التوجه قد يتناقض مع بعض المبادئ التي يقوم عليها القانون الضريبي.

1. نجاة العماري. م.س ص 362،363.

2. Fayçal Sotih « le contentieux de l’impôt des patentes » Mémoire de DESA 2000-2001 Université Agdal , Rabat, encadrée par Mohammed Sbihi. P 61.

– Mlle Lamiai Sophia « les garanties du contribuable dans le contentieux fiscal » Mémoire de DESA, Université Agdal, Rabat, 2001-2002 p.102.

إن هذه الخاصية كانت ولازالت تطبع القضاء الضريبي بالمغرب مما يحرم الخزينة والمكلفين على حد سواء من ضمانات كثيرة.

فقبل إنشاء المحاكم الإدارية صدر قرار عن محكمة الاستئناف بالرباط بتاريخ 22 مارس 1990 (ملف إداري 77-88 ) والذي جاء فيه ما يلي :

” حيث أن الفصل 62 من ق.ل.ع يقضي بأن الالتزام المبني على سبب غير مشروع يعتبر كأن لم يكن، وأن السبب يعتبر غير مشروع إذا كان مخالفا للأخلاق الحميدة أو النظام العام …

وحيث أن الأموال التي يمكن أن تجبى من بيوت الدعارة لا يمكن اعتبارها ربحا خاضعا للضريبة لأن محل الالتزام فيها غير مشروع …

والحقيقة أن هذا الموقف لا يمكن التسليم به للاعتبارات التالية:

· لم يراع ذاتية القانون الضريبي والذي لا يهتم بشرعية الفعل بقدر ما يهتم بموضوع الربح، فمتى تحقق الربح وجد وعاء الضريبة.

· ظهير 1959 المتعلق بالضريبة على الأرباح المهنية، موضوع المنازعة في هذا القرار، لا يوجد به نص يحرم صراحة إخضاع الأموال التي يكون محل الالتزام فيها غير مشروع.

· استناد المحكمة إلى المادة 62 من ق.ل.ع وهو قانون يطبق على الالتزامات العادية بين أطراف متساوية في الحقوق والالتزامات، في حين أن الالتزام الضريبي مصدره القانون العام.(1)

وقد استمر هذا التوجه حتى بعد إنشاء المحاكم الإدارية والقطع مع عهد وحدة القضاء، فقد أصدرت المحكمة الإدارية لمكناس حكما ألغت فيه الضريبة العامة على الدخل المفروضة على نشاط جمعية رياضية استنادا إلى ظهير 1958 الذي يؤكد على غياب هدف الربح في نشاط الجمعية رغم أن الإدارة أثبتت بأن المستفيدين يؤدون واجبات مهمة من حيث مبلغها مقابل الاستفادة من التجهيزات الرياضية .

كما ذهبت إدارية فاس إلى أن عقد الكراء المبرم بين شخصين لا يعتبر عقد شركة ما دام العقد الأول ينصب على العقار، علما أن الحكم انطلق في تعليله من تعريف عقد الكراء حسب الفصل 627 من ق.ل.م ولعقد الشركة انطلاقا من الفصل 982 من نفس القانون.(2)

مما سبق يتضح بشكلجلي أن ضعف تكوين القاضي الإداري في المادة الجبائية يجعله ميالا لاعتماد قواعد القانون الخاص ، بالرغم من خصوصية القانون الضريبي واستقلاله عن باقي فروع القانون الخاص والعام الأخرى.

هذه الإشكالية لا زالت مطروحة وترتبط أشد الارتباط بقاعدة استقلالية القانون الضريبي أو اندماجه في

1. عبد الرحمان أبليلا ، م.س ، ص 294و295.

2. محمد شكيري . م.س 636.

حكم رقم 46/95 بتاريخ 16/11/1995 منشور بمجلة المعيار، عدد 22 دجنبر 1996.

المنظومة القانونية كباقي فروع القانون الأخرى أو بطبيعة خاصة.

هذا مع العلم أننا أصبحنا نلاحظ انفتاح القانون الضريبي على باقي فروع القانون الأخرى وخاصة القانون الخاص،هذا من حيث تأويل النص الضريبي، أما من حيث الواقع فإن القضاء الضريبي غالبا ما يعتمد على الخبرة لتوضيح هذه الإشكاليات ولتحل محله في الحسم في المنازعات.

الفقرة الثانية : حلول الخبير محل القاضي الضريبي

محدودية تكوين القاضي في المادة الضريبية يجعله ملزما في العديد من الحالات بانتداب الخبير ليفك طلاسم الوثائق ذات الطبيعة المحاسبية، خاصة وأن القاضي ملزم بالبث فيما أحيل إليه من القضايا بالرغم من الإكراهات التي قد يتعرض إليها، وإلا اعتبر وفقا للقانون الجنائي ناكرا للعدالة.

لكن مع ذلك فإن الخبرة تلعب دورا بالغ الأهمية في العمل القضائي كوسيلة تحقيق، والقاضي له الحق في انتداب الخبراء في المسائل التقنية والفنية لمساعدته على تكوين قناعته، لكن دراسة العمل القضائي للمحاكم الإدارية بالمغرب يؤكد حقائق أخرى منها :

أن المحاكم تقضي بالخبرة حتى في المسائل القانونية، فقد جاء في قرار للمحكمة الإدارية بوجدة ما يلي :

“إن تمسك أحد الأطراف بعدم مسك دفاتر تجارية منتظمة لا يغل يد القاضي عن الاستعانة بأهل الخبرة عند وجود أمور تقنية محاسبتية ضريبية يصعب على المحكمة الكشف عنها يجوز إسناد القضاء للخبراء بمأمورية البحث عن النص القانوني الواجب التطبيق متى وجدت حالة تشعب القوانين وكثرتها في مادة قانونية معينة “.(1)

لكن لا يجب التذرع بتعقد المادة الضريبية للحكم بالخبرة، فكل تقنية تحكم المادة الضريبية هي أيضا في جانب آخر مؤطرة بقاعدة قانونية، يفترض في القاضي العلم بها، والإلمام بها لكونها تدخل في صميم القانون الذي يفترض العلم به.

بل إن رأي القاضي الضريبي حول الخبرة يذهب بعيدا حد الشعور بضرورتها حينما يجزم في أحد الأحكام ” أن إجراء خبرة تقنية ضروريا” وفي بعض الأحيان من خلال أحكام عدة تقترن هذه الضرورة بموضوعية عدم القدرة على الحسم في الدعوى الضريبية في غياب الخبير، وذلك حينما يقتنع القاضي أن ” المحكمة لا تتوفر على العناصر الكافية للبث في النازلة خاصة أن الأمر يتطلب تقنيات وعمليات حسابية دقيقة …”(2)

1. حكم بتاريخ 5/5/1999 في الملف رقم 1/8 عدد 85/99 ذكره ذ.إبراهيم أحطاب بمقال بعنوان ” إشكالية الخبرة في المادة الجبائية” دفاتر المجلس عدد 8/2005 ص 277. مطبعة إليت.

2. د. نجاة العماري، م.س ص 400و 401

* الأمر التمهيدي بالملف عدد 84/94 بتاريخ 26-06-1995.

* الأمر التمهيدي بالملف عدد 126/95 بتاريخ 03-07-1995.

أضف إلى ذلك أن هناك بعض الأوامر التمهيدية لا تحدد مهمة الخبير بشكل دقيق أوأنها تسند إلى خبير غير مؤهل للقيام بها لا يمكن أن ينتج عنه إلا صياغة تقرير وصفي، لا يفيد المحكمة في شيء أمام تزايد رفض الخبراء المؤهلين عمليا إسناد مهام الخبرة إليهم، مع أن أسماءهم مدرجة في جدول الخبراء.(1)

كما أن بعض الأوامر التمهيدية لا تحترم التخصص في تعيين الخبراء مما يترتب عنها نتائج سلبية من حيث المس بمصداقية الأحكام والإضرار بمصالح المتقاضين.

إضافة إلى ذلك هناك بعض الممارسات اللأخلاقية( رشوة، محسوبية…) يقوم بها بعض الخبراء لفائدة الملزم تنعكس سلبا على العمل القضائي في المادة الجبائية وعلى حقوق الخزينة .(2)

لكن الأخطر ما في الأمر هو المصادقة على أغلب التقارير المنجزة من طرف الخبراء عندما تكون محترمة للشكل المطلوب قانونا بالرغم من أن المحكمة غير ملزمة بذلك.(3)

ودون مناقشة المآخذ المقدمة من طرف الدفاع، علما أن الحكم الذي لا يجيب على الدفوعات يكون معرضا للإبطال لمسه بحقوق الدفاع ولكونه ناقص التعليل الموازي لانعدامه، ومثال على ذلك الحكم الصادر عن إدارية البيضاء بتاريخ 8-9-1999 ” حيث أن الخبرة مستوفية لسائر شروطها الشكلية والموضوعية لا يسع المحكمة إلا المصادقة عليها لكونها مطابقة للمادة 63 من ق.م.م”.(4)

باستثناء قلة منها قد يشكك القاضي الضريبي في الخبرة المأمور بإجرائها في الحكم التمهيدي، فينتدب خبيرا آخر محل الأول.

مما سبق يتضح أن سلطة فض المنازعات الضريبية قد عرفت انسيابا من القاضي إلى الخبير الذي أصبح هو الحاكم الفعلي والمقرر الحقيقي في ملفات المنازعات الجبائية أمام القضاء الإداري، وتحولت الخبرة من وسيلة تحقيق كما نص على ذلك قانون المسطرة المدنية، إلى وسيلة إتباث قوية.

ويرجع ذلك إلى ضعف التكوين الذي يعاني منه القاضي الضريبي في المادة الجبائية ومن تمة يتعين على القضاة بدل مجهود كبير لتجاوز هذا النقص وهذا التقصير.

1. محمد الهني ” إشكالية الخبرة في المادة المدنية ” مجلة الإشعاع عدد 24 دجنبر 2001، نقلا عن ذ. إبراهيم أحطاب مرجع سابق ص 279.

2. محمد شكري، م.س . ص 637 نقلا عن سعاد بنور ” العمل القضائي في المادة الجبائية” رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا ، كلية الحقوق البيضاء، 1999/2002.

3. lamiai Sophia , op.cit, p.103.

4. بالملف عدد 1713/7/99 ذكره ذ إبراهيم أخطاب ، م.س ، ص 279.

المطلب الثاني : الحدود المرتبطة بالأحكام

تعرف الأحكام الصادرة في منازعات الوعاء الضريبي التي ينتجها القاضي الضريبي العديد من الحدود سواء على مستوى الشكل أو على مستوى الموضوع.

فالمشرع ألزم القاضي الضريبي النظر في مدى احترام المقالات للشروط الشكلية ونخص بالذكر الفصلين 1 و 32 من قانون المسطرة المدنية، ومختلف الشروط الأخرى المنصوص عليها في المدونة العامة للضرائب. تم مناقشة الدفوعات التي يتقدم بها الدفاع في الموضوع، لكن الملاحظ أن القاضي الضريبي يحسم شكلا في الدعوى الضريبية بشكل كبير ( الفقرة الأولى) ، بيد أن مضمون بعض الأحكام أثار العديد من الملاحظات والنقد ( الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى : هيمنة الجوانب الشكلية على العمل القضائي
باستقراء مجموعة من الأحكام الصادرة عن المحاكم الإدارية للمملكة، يتضح أن الكثير منها تطرق فقط للمسائل الشكلية دون الخوض في مضمون المنازعة، فصدرت أحكام عدة بعدم القبول لوجود إخلالات شكلية غالبا ما تكون من جانب الملزم كعدم احترام ضوابط التظلم التمهيدي وآجاله و كذلك عندما تكون ملتمسات المدعين غير مطابقة لمقالاتهم بحيث لا يتبين القاضي مطالب المدعين .

و كذلك الحال حين تنصب المنازعة في وعاء الضريبة فترفع ضد محصل الضرائب.(1)

عوض أن ترفع ضد المدير الجهوي للضرائب لأنه هو الذي له الصفة في تمثيل الإدارة الضريبية، وليس الخازن الجهوي الذي له الصفة في التقاضي في دعاوى التحصيل فقط.

والأمثلة على ذلك كثيرة في العمل القضائي للمحاكم الإدارية، ففي تقييم للأحكام الصادرة عن إدارية الرباط مثلا خلال سنة 1995 والتي يناهز عددها 65 حكما نجد أنها موزعة على الشكل الآتي:

– عدد الأحكام القاضية بعدم قبول الدعوى: 28 حكما أي 43%.

– عدد الأحكام القاضية برفض الطلب : 20 حكما أي 30%.

– عدد الأحكام المستجاب فيها للطلب : 14 حكما .

– الباقي يشكل تنازلا عن الدعوى .(2)

وكذلك الأمر بالنسبة للمحكمة الإدارية لمدينة الدارالبيضاء التي دأبت على معاقبة تجاهل الملزم للمقتضيات السابقة برفض دعواه الضريبية.

1. محمد شكيري، م.س ، ص 634.

2. عبد الرحمن أبليلا، م.س ص 312.

و من قبيل ذلك ما أصدرته بتاريخ 27-03-1996 في الملف 44/95 غ، حينما اعتبرت أنه تطبيقا للفصل 7 من قانون المحاكم الإدارية والفصلان 1و 515 من قانون المسطرة المدنية تقرر عدم قبول الدعوى، لاختلال إحدى الشروط الشكلية الجوهرية في التقاضي التي هي الصفة ،الأهلية،والمصلحة المنصوص عليهم في الفصل الأول من ق.م.م ، وكذا توجيه الدعوى ضد جهة ليست لها صفة تمثيل الإدارة الضريبية( ف 515).

وفي الحكم رقم 1860 ملف 286/96 الصادر سنة 1997، والتي يبرز من خلاله أن الملزم قد وجه الدعوى ضد الخازن العام ووزير المالية و مديرية الضرائب المباشرة ومصلحة الضرائب لمدينة سطات وقابض مدينة برشيد والعون القضائي للمملكة، ولأن الحق كان حسب هذه المحكمة أن وزير المالية لا صفة له في تمثيل الدولة أمام القضاء، فإنها قررت رفض دعواه استنادا إلى الفصول المحددة للصفة.

وهكذا توالت مواقف المحكمة طيلة السنوات الأخيرة غير مكترثة بالنفاذ إلى جوهر الدعوى الضريبية، استنادا إلى إخلال المدعي بالعيب الشكلي السابق الذكر.(1)

إن هذه الأحكام القاضية بعدم قبول الدعوى لاعتبارات شكلية وحتى لو كانت هذه الشكليات من النظام العام أو ذات طبيعة جوهرية، تؤكد المنحى الشكلي للقضاء الجبائي والرغبة في تجنب الغوص والنظر في الدعاوى الضريبية على مستوى الجوهر والموضوع.

وكان أولى بالقاضي الجبائي في هذا المجال أن يفعل سلطته في إنذار الأطراف بتصحيح المسطرة.

فكيف هو العمل القضائي عند نظره في جوهر الدعوى الضريبية؟

الفقرة الثانية : ضعف الاجتهاد والابداع في موضوع الدعوى الضريبية

القانون الإداري هو قانون قضائي بامتياز، ذلك أن ظروف نشأته جعلته يلعب دورا هاما ومتميزا في ابداع الكثير من قواعد ومبادئ هذا القانون، خاصة في المجالات التي لم يكن يجد فيها حلا للنزاع المعروض عليه في المصادر الأخرى أي مصادر القانون الإداري.(2)

لكن الأمر غير ذلك بالنسبة للمحاكم الإدارية بالمغرب خاصة في الملفات والقضايا الضريبية التي تتميز بالتعقد وهيمنة الجوانب المحاسبية، ويساهم في ذلك ارتفاع الحسم الشكلي الذي يحد من القدرة الإبداعية والاجتهادية للقاضي الضريبي، لكن عندما ينظر في الدعوى من جانب الموضوع فإن حسمه لا يتعدى ما تشترك فيه المنازعات الضريبية مع باقي المنازعات من خصائص، مما يعد ضعفا من الناحية الاجتهادية. ويوضح هذا الأمر بعض الأحكام المتعلقة بما يدخل في اعتبار الأسس الخاضعة للضريبة، سواء الضرائب غير المباشرة كالضريبة على القيمة المضافة، أو الضرائب المباشرة كضريبة التسجيل أو الضريبة العامة على الدخل.

1. نجاة العماري، م.س ، ص 379،378.

2. أحمد سنيهجي ” الوجيز في القانون الإداري المغربي” الطبعة الثانية 1998، ص 29.

إلا أن هذه الأحكام لا تتعدى التطبيق الأوتوماتيكي للنصوص الضريبية الواضحة، بينما تفتقر أحكام القاضي الضريبي إلى تحديد المبلغ الضريبي الواجب الأداء، أو الحكم بالاسترجاع بعد احتساب المبلغ وتقدير الخصومات والإعفاءات الجزئية أو المرحلية.

ويظهر من أحكام أخرى أن المحكمة ما أن يظهر لها من وثائق الملف المعروضة عليها عدم مسك الملزم بالضريبة لأية أوراق محاسبية، حتى تقول بشرعية التصحيح المقام من طرف الإدارة الضريبية دون النفاد إلى مبلغه، فيعتبر ذلك كافيا لإخضاع الملزم للمبلغ المقدر من قبلها.

هذا بغض النظر عن بعض قضايا البث في الجوهر، التي ترتكز المحكمة في الحسم فيها على بعض القواعد التي تخرج عن نطاق القانون الضريبي كالقانون التجاري، أو أن اجتهاده يقتصر على نقاط تظل قاسما مشتركا بين فروع القانون الأخرى والقانون الضريبي .(1)

كما أن القاضي الجبائي وبعد أكثر عشر سنوات من العمل القضائي لم يستطع تكوين رأي نهائي حول الطبيعة القانونية للطعن الجبائي، وإمكانية التعاطي مع دعوى الإلغاء بسبب تجاوز السلطة في الميدان الجبائي، فبعض المحاكم الإدارية تذهب إلى حد رفض ممارستها باعتبار أن القضاء الشامل هو الميدان الطبيعي لممارسة الدعوى الجبائية، وتذهب محاكم أخرى إلى عكس ذلك بالقول بإمكانية ممارسة دعوى الإلغاء ولكن في نطاق ضيق ودون معيار واضح.(2)

هذا مع العلم، أن العمل القضائي في المادة الجبائية المتعلق بالوعاء يتميز بظاهرة سلبية تتجلى في انتفاء عنصر الوحدة الذي يعتبر من المستلزمات الأساسية للعمل القضائي داخل أي بلد، فتوحيد الأحكام والقرارات عامل مهم وأساسي لاستقرار أي نظام.

والحالات على موطن الاختلافات والتناقضات كثيرة في عمل المحاكم الإدارية، حتى أننا أصبحنا نجد أن كل محكمة إدارية تخلق توجها خاصا بها يتميز ويختلف عن الأخرى، والأمثلة عن هذه الظاهرة تطال قواعد مسطرية وموضوعية بالغة الأهمية : ( مسطرة التظلم الإداري، انعقاد الاختصاص للقضاء الاستعجالي …)

مما سبق يتضح بشكل جلي أن العمل القضائي في المادة الجبائية يعاني من حدود بالغة الأهمية مرتبطة أساسا بضعف تكوين القاضي الجبائي في المادة الضريبية مما يؤدي إلى اهتمامه بالجانب الشكلي على حساب الموضوع وانسياب سلطة الحسم في الدعوى لفائدة الخبير.

إلا أنه إلى جانب هذا النقص الذي يعرفه عمل القاضي الجبائي هناك حدود مرتبطة بمحيط عمله.

1. نجاة العماري ، م.س ، ص 394-395-396.

2. العربي الكزداح، م.س، ص 465،464.

الفرع الثاني :الحدود المرتبطة بمحيط القاضي الجبائي

ساهمت في الحد من تطور العمل والاجتهاد القضائي في المادة الضريبية إلى جانب الحدود المرتبطة بالقاضي الجبائي من ضعف التكوين في المادة الضريبية وضعف الاجتهاد على مستوى موضوع الدعوى الضريبية، عوامل أخرى مرتبطة بمحيط القاضي الجبائي أي المحيط الذي له علاقة مباشرة وتأثير كثير على عمل القاضي وتعاطيه مع الملف الضريبي ونخص بالذكر :

المشرع، المسطرة أمام القضاء الإداري، ضعف الوعي الجبائي لدى الملزم، و دور الدفاع.

كل هذه المستويات لها تأثير كبير في الحد من تطور مسار عمل القضاء الجبائي و إعاقة القدرة على الاجتهاد وسد ثغرات المادة الجبائية ودعم ضمانات الملزم.

وسنتناول في هذا الفرع الحدود المرتبطة بدور المشرع والمسطرة أمام القضاء الإداري( المطلب الأول) ثم الحدود المرتبطة بالملزم والدفاع ( المطلب الثاني)

المطلب الأول: دور المشرع والمسطرة الضريبية

يلعب التشريع في المادة الجبائية دورا محوريا في تطوير العمل القضائي وحماية الملزم من أي شطط تقوم به الإدارة في حقه، وكذا مسايرة الاجتهاد القضائي وتعديل النصوص القانونية وفقه.

كما أن المسطرة القضائية تبقى الحجر الأساس في ضمان العدالة الجبائية وتبسيط مقاضاة الإدارة أمام القضاء، إلا أنهما ساهما إلى حد ليس باليسير في الحد من تطور الاجتهاد القضائي.

فالمشرع أقبر اجتهادات قضائية متواترة لسنوات ( الفقرة الأولى)، في حين أن المسطرة أمام القضاء الإداري وبخاصة المسطرة المتعلقة بالمادة الجبائية هي كذلك تؤثر على تطور الاجتهاد القضائي( الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى : دور المــــشرع

كما سبق الذكر فإن الاجتهاد القضائي هو من كان وراء تأسيس قواعد قانونية خاصة بالإدارة، وميز بين قواعد القانون العام وقواعد القانون الخاص، ووضع أسس الدعاوى الإدارية.

ومن ثمة سمي القانون الإداري بكونه قانون قضائي لأنه تميز بعدم التقنيين بالنظر للتطورات الكبيرة التي عرفها و يعرفها:

وفي هذا السياق ظل القاضي الإداري يعمل باستمرار على سد الثغرات التي يعرفها التشريع عن طريق

خلق قواعد قانونية جديدة، ومع تواتر الاجتهادات القضائية يتبناها المشرع ويصادق عليها في شكل قوانين، وذلك حفاظا على خاصية أساسية من خصائص القانون الإداري، وكذلك القانون الجبائي الذي هو فرع من فروع القانون الإداري لأنه ينظم مجالا أساسي هو مجال الضرائب والرسوم التي تعد المورد الأساسي لميزانية الدولة .

إلا أنه للأسف الشديد فإن ما وقع هو خلاف ذلك بالمغرب، إذ عمل المشرع على تبني مواقف الإدارة و خالف بل وأقبر اجتهادات قضائية متواترة كانت تساهم في حماية الملزم وتأكيد الضمانات الممنوحة له، بالإضافة إلى مرور مختلف التعديلات التي تعرفها القوانين الضريبية بالقانون المالي السنوي والذي لا يعطي الوقت الكافي للبرلمانيين في مناقشته مناقشة كافية وتقديم التعديلات اللازمة عليه، دون أن ننسى طريقة التصويت على القانون المالي التي تحد من الحرية الكافية للفرق البرلمانية وخاصة المعارضة في تعديل البنود التي تمس بالضمانات المخولة للملزم.

وقد تجلى ذلك بوضوح من خلال كتاب المساطر الجبائية الصادر سنة 2005 وخاصة الفقرة الأخيرة من الفصل العاشر من كتاب التبليغ الذي ينص على أنه ” إذا تعذر تسليم التبليغ إلى الخاضع للضريبة بالعنوان المدلى به إلى مفتشي الضريبة عندما يتم توجيه الوثيقة في رسالة مضمونة الوصول مع إشعار بالتسليم أو بواسطة أعوان كتابة الضبط أو الأعوان القضائيين أو بالطريقة الإدارية وتم إرجاع الوثيقة ببيان غير مطالب به أو انتقل من العنوان أو عنوان غير معروف أو غير تام أو أماكن مغلقة أو خاضع للضريبة غير معروف بالعنوان، في هذه الحالات يعتبر الظرف مسلما بعد انصرام أجل العشرة أيام التالي لتاريخ إثبات تعذر

التسليم .” (1)

هذا الفصل جاء ليجهض جميع الضمانات التي نص عليها قانون المالية لسنة 1995 وقد جاء ردا على العديد من الاجتهادات القضائية التي سبق أن تناولناها إبان الحديث عن مسطرة التبليغ والتي ألغت عددا كبيرا من الواجبات الضريبية من طرف المحاكم الإدارية بسبب عدم توصل الملزم، أوعدم احترام الإدارة لمساطر التبليغ.(2)

وقد خالف هذا الفصل حتى القواعد المنصوص عليها بقواعد المسطرة المدنية، بل وحتى لقواعد التبليغ المنصوص عليها بمدونة التحصيل 97-15.

وهذه التعديلات المجهضة لحقوق الملزم والتي ستضيع عن الملزم مباشرة المسطرة التواجهية إبان مسطرة التصحيح وبالتالي ستخلق أوضاع مأساوية بالنسبة للملزمين.

كما أن المادة 22 من قانون الضريبة العامة على الدخل المعدلة بمقتضى قانون المالية لسنة 2005 أفادت

1. كتاب المساطر الجبائية الصادر بالمادة 22 من قانون المالية رقم 04-26 لسنة المالية 2005، الجريدة الرسمية عدد 5278 بتاريخ 30/12/2004 ص 4162.

2- ذ. سميرة شقشاق، م.س ، ص 89.

استثناء الخاضعين لهذه الضريبة وفق النظام الجغرافي من تطبيق المسطرة التواجهية في حالة تصريح الملزم وفق قاعدة الحد الأدنى للضريبة، وذلك لقطع الطريق على الاجتهاد القضائي الذي جرى به العمل من إلزامية مراعاة المفتش للإجراءات التواجهية في أي تصحيح يعتزم القيام به سواء أكان الملزم خاضعا لنظام النتيجة الصافية أو النظام الجزافي.(1)

مما سبق نستخلص أن الإدارة الضريبية تضطلع بدور هام في بلورة النصوص الضريبية ما دامت هي التي تقترح تلك النصوص حيث يتم تحضيرها من طرف مديرية الضرائب بالنظر للطابع التقني لهذه المادة، ثم يتم تمريرها بمساعدة الأغلبية الحكومية داخل البرلمان، والذي يجهل أغلب أعضاءه خصوصيات القانون الضريبي، باستثناء بعض أعضاء اللجنة المالية المكلفة بدارسة القانون المالي.(2)

والخلاصة هي توريط المشرع في إقبار الاجتهادات القضائية المتواترة التي تحمي مصالح الملزم.

الفقـــــــرة الثانيــــــة : دور المسطــــــرة الضريبيــــــة

تتميز المسطرة الضريبية بالتعقيد، خصوصا على مستوى تنوع الآجال وكثرتها، سواء بالنسبة لمسطرة التصحيح، مسطرة الفرض التلقائي، آجال البت بالنسبة للجن الضريبية ، أواجل الطعن أمام القضاء الإداري.

هذا التعقيد يؤثر على عدد الملفات المطروحة أمام القضاء وسرعة البث فيها، إذ أن البطء في تسوية المنازعات الجبائية ظاهرة متكررة في المرحلة القضائية، وهو ما يحول دون حسم الدعاوى والقضايا المعروضة على المحاكم و أجهزة القضاء في الأوقات الملائمة، وعدم إيصال الحقوق لأصحابها في الأوقات المناسبة .

وقد أرجع البعض هذا البطء إلى عدة عوامل منها:

· قلة الوسائل المادية والبشرية والتقنية : القضاة ومساعديهم …

· تأخر الأطراف في تقديم مذكراتهم الجوابية وجاهزية الملفات.

· غموض النصوص الضريبية، مما يحول دون إنجاز الدعاوى والقضايا في أوقاتها المناسبة.

· تأخر التبليغات القضائية.(3)

1. قرار عدد 695 مؤرخ في 3/6/1999 في الملف عدد 1232/5، أورده محمد شكري، م.س . ص 643.

2. محمد شكيري، م.س، ص 75.

3. عبد الرحمان أبليلا، م.س، ص 292 و 293.

كما أن تكلفة المسطرة أمام القضاء الإداري جد مرتفعة وتتوزع بين الرسوم القضائية التي تشكل عائقا أمام ممارسة حق الطعن في قرارات الإدارة الجبائية، باستثناء دعوى الإلغاء التي أصبحت معفية بمقتضى قانون 90-41 المنشئ للمحاكم الإدارية.(1)

كما أن أتعاب الخبراء والمحامين وتكاليف السفر والتنقل وإعداد الملف القضائي تساهم في ارتفاع تكلفة التقاضي وتمنع بعض الملزمين من اللجوء إلى القضاء ويفضلون بسبب ذلك تسوية خلافاتهم مع الإدارة الجبائية ولو بطرق غير مشروعة عن طريق الرشاوى أو الصلح …

كما أن قلة المحاكم الإدارية وتواجدها بالمدن الكبرى بالمغرب والتي لا تتجاوز سبعة محاكم تجعل العديد من الملزمين غير قادرين على التقدم بالطعن أمام المحاكم الإدارية بالنظر لبعدها عنهم، فكيف يتصور أن يطعن ملزم أمام محكمة تبعد عنه بما لا يقل عن 400 كلم ، بل تصل إلى 1500 كلم بالنسبة لمدن الجنوب.

ويزداد الأمر صعوبة إذا علمنا أن محاكم الاستئناف الإدارية لا تتجاوز ثلاثة محاكم بعد إحداثها.

بيد أن تطبيق قانون المسطرة المدنية أمام القضاء الإداري يطرح عدة إشكالات بالنظر للاختلاف بين الإطار الإجرائي للخصومة المدنية وخصائص المنازعة الإدارية، كما أن القانون الضريبي له مسطرة خاصة نص عليها كتاب المساطر الجبائية، لكن هذا التداخل طرح عدة، إشكالات مثل :

الصفة القانونية للدولة في التقاضي: ذلك أن الدولة تتكون من مجموعة من المرافق العمومية قد واكبه نوع من التبعيض الذي طال صفتها في التقاضي، فالمدير الجهوي للضرائب هو الذي يمثل الدولة في منازعات الوعاء، في حين أن الخازن الجهوي هو الذي يمارس الدعاوى المتعلقة بالتحصيل، كما أن الوكيل القضائي للمملكة يتعين إدخاله في الدعاوى التي ترمي إلى التصريح بمديونية أحد أشخاص القانون العام وهذا ما طرح عدة إشكالات لدى دفاع الملزمين كما سبق توضيحه.

بيد أن شرط القيام بإجراء سابق لرفع الدعاوي ( مثل ف 48 من الميثاق الجماعي) و الفصل 40 من ق.م.م الذي يرتب في حالة عدم الإدلاء بالمستنتجات خلال الأجل المحدد، مما يؤدي إلى إصدار حكم غيابي أو بمثابة حضوري، وهذا الأجل غير كافي للإدارة، كما أن مسطرة النفاذ المعجل، والغرامة التهديدية كل هذه الإجراءات تؤكد أن المسطرة المدنية غير قادرة على استيعاب الخصوصيات المتعلقة بالمنازعات الإدارية عموما والجبائية خصوصا .(2)

أضف إلى كل ما سبق إشكالية عدم تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة ضد الإدارة والتي تؤثر على مصداقية

1. العربي الكزداح، م.س، ص 461.

2. الجيلالي أمزيد ” إشكالية تطبيق المسطرة المدنية في مجال المنازعات الإدارية ” المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، عدد 36، سنة 2001.

العدالة والعمل القضائي عموما، ويضرب في العمق دولة الحق والقانون ومبادئ حقوق الإنسان وحقوق الملزم، لا سيما وأن الأموال العامة غير قابلة للحجز عليها كيفما كان نوع الحجز تحفيظيا أو تنفيذيا أو حجزا بين يدي الغير.

هذا الوضع أنتج وضعيات مأساوية للعديد من الملزمين بالضريبة بسبب عدم تنفيذ الأحكام الإدارية.

وقبل أن نختم هذه الفقرة لا بد من الإشارة إلى أن هرم القضاء الإداري لم يكتمل بعد بالرغم من دخول المغرب من قانون 90-41 عهد ازدواجية القضاء، وذلك بعدم إنشاء مجلس الدولة كأعلى هيئة قضائية تسهر على توحيد العمل القضائي في المادة الإدارية وتضمن حقوق المتقاضين والملزمين.

إذن المسطرة أمام القضاء الجبائي تساهم في الحد من تطور الاجتهاد القضائي وذلك من خلال تعقدها، البطء الذي يميزها، قلة المحاكم الإدارية، بعدها عن الملزم، ارتفاع التكلفة، وعدم ملائمة المسطرة المدنية لخصوصيات المنازعات الجبائية.

كل هذه الخصائص التي تميز المسطرة أمام القضاء الإداري والدور السلبي للمشرع ساهما في التأثير بشكل سلبي على تطور العمل و الاجتهاد القضائيين.

المطلب الثاني : دور الملزم والدفاع

بجانب الحدود المرتبطة بالمشرع والمسطرة، هناك أدوار لا يستهان بها، قام بها الملزم والدفاع في إضعاف تطور العمل القضائي والتأصيل لقواعد ضامنة لحقوق الملزم والعدالة الضريبية وتحقيق التراكم اللازم للاجتهادات القضائية في المادة الجبائية وخاصة المتعلقة بمنازعات الوعاء الضريبي.

وسنتناول في الفقرة الأولى ضعف الوعي الجبائي، وفي الفقرة الثانية إسهام الدفاع في الرفض الشكلي للدعوى الضريبية بسبب ضعف تكوين المحامين في المادة الجبائية.

الفقرة الثانية : ضعف الوعي الجبائي لدى الملزم

إذا كان الملزم هو الشخص الذي تفرض عليه الضريبة أي الذي يتحمل العبء القانوني بغض النظر عن إمكانية نقلها إلى شخص آخر.

فإن الملزم يبقى الطرف الأساسي في العلاقة الضريبية، لأنه من يتحمل أداء الضريبة، وبالتالي تمويل النفقات العامة للدولة.

وينقسم الملزمون إلى ممول بسيط وممول متوسط وممول كبير(1).

1- محمد شكيري، م س،ص 126.

وتقع على الملزم التزامات كثيرة مثل : مسك المحاسبة،التصريح بالضريبة، و دفع الضريبة.

كما أن للملزم عدة حقوق أمام الإدارة الضريبية منها ضمان الحق في الاعتراض على القرارات الضريبية إذا كانت تعرف بعض الإخلالات، الحق في الاستعلام الضريبي، ضمان استرداد ما دفع بغير حق(1)،والحق في اللجوء إلى القضاء للطعن إما في أساس تقييم الوعاء الضريبي أو إجراءات التحصيل الضريبية.

هذه الالتزامات والحقوق المخولة له تقتضي أن يكون هذا الأخير على مستوى عال من الوعي الجبائي.

إلا أن واقع هذا الوعي لدى الملزمين وخاصة الحق في اللجوء إلى القضاء الإداري للطعن في ربط أو تحصيل الضريبة يبقى دون المستوى المطلوب ويتجلى ذلك من خلال المقارنة بين النزاعات المطروحة أمام الإدارة الضريبية وعدد الملفات المرفوعة إلى القضاء الجبائي:

المنازعات الضريبية ( المرحلة الإدارية) (2)

عدد التظلمات المودعة والمعالجة على مستوى المديريات الجهوية

نوع الضريبة / السنة

1998

1998

2000

2002

الضرائب المباشرة :

الضريبة على القيمة المضافة

حقوق التسجيل والتنبر

72185

1859

737

54728

1804

786

74684

2013

969

71365

1956

1198

المجموع

74789

57318

77666

74579

على مستوى المنازعة المحالة على اللجن الضريبية

اللجن المحلية لتقدير الضريبة

السنة

الطعون

المسجلة

المحكومة

1998

1999

2000

2001

2002

2003

403

68

384

843

350

674

204

198

155

117

336

323

1- محمد شكيري، م.س ، ص 19.

2- محمد شكيري، م.س ، ص 626 و 630 و 631.

اللجنة الوطنية للطعون الضريبية

السنة

الطعون

المسجلة

المحكومة

1998

1999

2000

2001

240

171

112

200

371

235

228

116

الطعون الضريبية أمام المحاكم الإدارية

1998

1999

2000

2001

2002

2003

768
661

631

771

883

1063

الطعون الضريبية أمام المحكمة الإدارية بالبيضاء(1)

1999

المسجل

المحكوم
من خلال هذه الجداول يتضح أن عدد الطعون أمام الإدارة تفوق بشكل كبير عدد الملفات المطروحة أمام القضاء الإداري والتي لا تتجاوز بعض المئات، وهي نسبة ضئيلة جدا لا تساهم في إتاحة إمكانية تراكم العمل القضائي وبالتالي الاجتهاد القضائي في المادة الضريبية. ويرجع هذا الوضع إلى عدم توفر المكلفين على ” وعي قضائي” الذي يعد من أهم المعوقات التي تحول دون مقاضاتهم لإدارة الضرائب، كما أن الإدارة الضريبية لا تساهم بالشكل المطلوب في توعية الملزمين بحقوقهم والضمانات المخولة لهم في الميدان الجبائي (1)

1. د. عبد الرحمان أبليلا، م.س ، ص 290.
186

163

2000

المسجل

المحكوم

225

191

2001

المسجل

المحكوم

253

210

2002

المسجل

المحكوم

265

202

2003

المسجل

المحكوم

240

318

2004

المسجل

المحكوم

372

301

2006

المسجل

المحكوم

918

549

(1)، نشرا ت المحكمة الإدارية بالدار البيضاء الصادرة ما بين 1999 إلى 2006.

الفقرة الثانية : إسهام الدفاع في الرفض الشكلي للدعوى الضريبية

الدفاع هو الجناح الثاني للعدالة إلى جانب القضاء، وفي الدعاوى الإدارية ألزم المشرع المتقاضي بضرورة أن يرفع المقال موقع من طرف محام مسجل في جدول هيئة من هيئات المحامين بالمغرب طبقا للمادة 3 من قانون رقم 90-41 المحدث للمحاكم الإدارية(1)

ويرجع هذا الشرط إلى أن المسطرة كتابية ومن الضروري على كل من يترافع أمام القضاء، أن يكون ملما بالقانون ولن يتحقق هذا الشرط إلا في المحامي بحكم تكوينه وبحكم تجربته العملية داخل المحاكم.

إلا أن واقع المحامين يؤكد بالملموس محدودية الإلمام بالمادة الضريبية لديهم بحكم التكوين الخاص لأغلبهم وبحكم قلة الملفات الرائجة أمام المحاكم الإدارية، ويتضح ذلك بشكل واضح من خلال القانون الضريبي ومحدودية تكوين المحامين فيه، خاصة وأنه يتميز بتعقد المساطر ويتطلب مجهودا كبيرا للتمكن منه.

وحسب إحد الباحثات(2)فإن الرفض الشكلي لدعاوى الضريبية قد بلغ نسبة تزيد عن 46% من مجموع القضايا المحكومة، وأن الأمر فيما يتعلق بالأوامر فاق 60%، بل إن القضايا الاستعجالية الصادرة عن المحكمة الإدارية للبيضاء قد جاوز عدم قبول الطلب فيها لإخلالاتها الشكلية 90%، هذه الإحصائيات تؤكد بما لا يدع مجال للشك أن أغلب المحامين لهم وعي جد محدود بالمادة الضريبية، و المفارقة الكبيرة تظهرأيضا أن ملفات كثيرة للمحامين ليس بصفتهم كذلك، ولكن بصفتهم هم أنفسهم ملزمين بالضريبة، ينيبون عنهم زملائهم في دعواهم، إلا أنهم يخسرون الدعاوى لعدم احترام شكليات رفعها.

وقد أكد الأستاذ أبليلا أن 60% من الدعاوى يقضي المجلس الأعلى بعدم قبولها لأسباب مسطرية مع العلم أنها مقدمة من محامين مقبولين للترافع لدى المجلس الأعلى(2).

ولتجاوز هذا الوضع على المحامين الذين يعتبرون العامل الأساسي والمهم في بلورة أي اجتهاد قضائي أن يعملوا على تحسين معارفهم في المادة الجبائية حتى يقع الدفاع بصفة صحيحة وجدية عن حقوق الملزمين.

وفي هذا الإطار ووعيا من هيئة المحامين بالدار البيضاء بهذا الضعف فقد أدمجت مادة المنازعات الضريبية في التكوين الأساسي للمحامين المتمرنين و التكوين المستمر للمحامين الرسميين ويؤطر هذه المادة أطر ذات كفاءة عالية في المادة الضريبية.(3)

1. الصادر بالجريدة الرسمية عدد 4227 بتاريخ 3/11/1993 .

2. نجاة العماري في أطروحتها لنيل الدكتورة، م.س ، ص 408.

3. برنامج التكوين الأساسي والمستمر لهيئة المحامين بالدار البيضاء لسنة 2007-2008.

ومن ثمة فإن الملزم والدفاع عوض أن يكون مساهمين في تدعيم الاجتهاد القضائي، وجدنهما قد ساهما بشكل لايستهان به في الحد من تطور العمل القضائي وجعله أكثر اجتهادا وإبداعا.

إذن محيط عمل القاضي الجبائي هو الآخر له دور جد مهم إعاقة تطور العمل القضائي، سواء المشرع، المسطرة، الملزم، أو الدفاع.

وأنه من ثمة يجب تجاوز بعض الاختلالات التي يعرفها التشريع الجبائي، وعلى الجمعيات المهنية وغرف الصناعة التقليدية والتجارية أن تقوم بواجبها في تعريف الملزمين بحقوقهم والضمانات المخولة لهم بمقتضى القانون الضريبي.

أما المحامي فلا عذر له في أن يجهل التشريع الضريبي أو يرتكب بعض العيوب المسطرية التي تؤدي إلى عدم قبولها شكلا، وفي هذا السياق لقد حان الوقت لإقرار نظام التخصص في مجال مهنة المحاماة.

خاتمة الفصل الثاني:

من خلال هذا التقييم الذي قمنا به في هذا الفصل اتضحت لنا بعض مظاهر أهمية العمل القضائي في المادة الجبائية و الدور الخلاق الذي قام به القاضي الجبائي في دفع عجلة الاجتهاد والإبداع سواء على مستوى الشكل أو الموضوع .

ففي الجانب الشكلي عمل القاضي الجبائي على تلطيف المسطرة الجبائية، وأبدع بعض الضمانات الجديدة لفائدة الملزم فيما يخص المسطرة وكل ذلك من أجل الحفاظ على حقوق وضمانات الملزم .

أما على مستوى الموضوع فقد فعل بعض مبادئ القانون الضريبي وفتح إمكانية قبول دعوى الإلغاء في المجال الضريبي بالرغم من أن القضاء الشامل هو المجال الطبيعي لها.

أضف إلى ما سبق، الدور الخلاق للقاضي الجبائي في تشجيع الاستثمار من خلال إقرار حقوق الملزمين في الاستفادة من الامتيازات المقررة لهم في مجال الإعفاءات الضريبية.

بيد أن هذا التقييم الذي اعتمدنا فيه الجانب الكمي والكيفي ومقياس الفاعلية والفعالية لم يمنعنا من الحديث وتحليل بعض الحدود التي تميز العمل القضائي في المادة، وركزنا بالأساس على ضعف تكوين أطراف العلاقة في منازعات الوعاء الضريبي سواء القاضي الجبائي، الملزم، الدفاع.

وكذا دور المشرع والمسطرة في الحد من تطور الاجتهاد القضائي.

ويمكن القول أن هذا التقييم المتواضع هو عبارة عن خلاصات شخصية هذا مع العلم أن حجم العمل القضائي الصادر في المادة الجبائية لازالت قليلة، وأن الاجتهاد القضائي لازال في بدايته ويحتاج إلى عامل الزمن لتحقيق التراكم اللازم لتطوره ولحل بعض الإشكاليات والثغرات التي تعرفها النصوص الضريبية.

كما أن تقييم العمل القضائي في مجال الوعاء الضريبي يحتاج إلى عقد أيام دراسة وندوات وطنية يشارك فيها أخصائيون وفاعلون في الحقل، ودراسات علمية جماعية لتعميق النظر في مجالات القوة ومظاهر الضعف التي تعتري هذا العمل، كل ذلك من أجل تحقيق التوازن المنشود بين حقوق الخزينة العامة وضمانات الملزم وحقوقه.

وذلك بهدف إعداد تصورات ومشاريع إصلاحية للمنظومة القانونية الجبائية والإدارة الضريبية في علاقتها بالملزمين وإصلاح النظام القضائي الإداري لتجاوز الثغرات وتدعيم الجوانب الإيجابية.

خاتمــــــة عامـــــــة:

تحقيق التوازن بين مصالح الإدارة الضريبية والملزم بالضريبة، يبقى رهانا مرتبطا بعدة إصلاحات يجب القيام بها لتجاوز كل الثغرات التي يعرفها العمل القضائي في مجال المنازعات الضريبية .

هذا بالرغم مما سجلناه خلال البحث من دراسة عدة قرارات وأحكام التي ساهمت في حماية الملزم وضمان حقوقه والحد من كل الإخلالات التي يمكن أن تقوم بها الإدارة الضريبية سواء خلال مصلحة التصحيح الضريبي أو خلال مصلحة الفرض التلقائي للضريبة .

لكن تبقى السمة العامة للعمل القضائي في منازعات الوعاء الضريبي بحكم تعقد المادة وتشتت النصوص القانونية المؤطرة لها وضعف بحث أسس الضريبة على ضوء المعطيات المهنية والاقتصادية، هي المقاربة الغائبة عن عمل قضائنا في مادة منازعات الوعاء الضريبي مما يفرض التأكيد على ضعف العمل القضائي عموما في المادة الجبائية ، وعدم ارتقاء قضاءنا الضريبي إلى مستوى القضاء المحدث للقواعد القانونية وهو ما اتضح من خلال المقاربة الكمية والكيفية لعمل المحاكم الإدارية التي قمنا بها في طي البحث.

وأنه من ثمة يتعين القيام بعدة إصلاحات وتعديلات ذات طبيعة جوهرية تهم النظام الجبائي، الإدارة الجبائية في علاقتها بالملزمين، إصلاح الجامعة والنظام القضائي بالمغرب.

أ. إصلاح النظام الجبائي:

يمكن أن نسجل بكل إيجابية صدور المدونة العامة للضرائب لأول مرة في تاريخ المغرب بقانون المالية لسنة 2007 واحتوت في جنباتها النصوص الضريبية التي كانت متفرقة وكذا كتاب المساطر الجبائية، وقد كان إصدار المدونة مطلبا ملحا لجميع الفاعلين في الحقل الضريبي، إلا انه بالرغم من ذلك فإن النظام الجبائي المغربي يحتاج إلى جانب التقنين، إصلاح العديد من العيوب التي تؤثر على العمل القضائي وتحد من قدرته الإجتهادية، ونخص بالذكر:

* أن النصوص الضريبية سيما المتعلقة بالوعاء يجب أن تكون على درجة كبيرة من الوضوح بحيث لا تدع مجالا للتأويل، وذلك لتفادي كل خطأ في التفسير أو انحراف في التطبيق إعمالا لسلطة تقديرية غير سليمة.

بالإضافة إلى ذلك ينبغي أن يشمل تبسيط وتوضيح النصوص القانونية المكونة للنظام الجبائي المغربي، الإطار القانوني المنظم للمنازعات الجبائية سواء تعلق الأمر بالمرحلة الإدارية أو المرحلة القضائية. (1)

1- عبد الرحيم التيجاني ” المنازعات الجبائية في مجال تحصيل الضرائب المباشرة نموذج الضريبة على الشركات” بحث لنيل دبلوم الدراسات العليا موسم 1999-2000 ، ص 174.

* تطعيم كتاب المساطر الجبائية بمواقف الإدارة من خلال المذكرات التفسيرية وبعض الاجتهادات القضائية في مجال الفحص والمنازعة، كما يتعين نشرها وتعميمها على نطاق واسع على الملزمين ليكونوا على بينة من الإجراءات التي يجب أن يسلكوها في حالات خضوعهم لفحص أو رغبتهم في منازعة الإدارة قضائيا أو إداريا.

* الحفاظ على استقرار القانون الضريبي وعدم الإقدام على التعديلات المتتالية لنفس المقتضيات، وهذا من شأنه تعزيز الحماية القانونية من التغيير المستمر للتشريع.

* إعادة النظر في النظام الجبائي بالشكل الذي يؤدي إلى تحقيق توازن العبء الجبائي وقد تناقل الأدباء السلطانيين بعضهم عن بعض المقولة المشهورة ” الملك بالجند والجند بالمال، والمال بالجباية، والجباية بالعمارة، والعمارة بالعدل”.

وفي هذا السياق يجب أن يتم تعديل المنظومة الضريبية المغربية وفق معايير العدالة الجبائية ولذلك فإن القانون الضريبي يجب أن يكون موضوع نقاش ديمقراطي حقيقي ويأخذ بعين الاعتبار مفهوم المنفعة العامة، إعادة التوزيع، العدالة، وتصاعدية الاقتطاعات الضريبية.

ب- تحديث الإدارة الضريبية:

إن الاهتمام بتحسين العلاقة ما بين الإدارة الجبائية والملزم أضحت ضرورة ملحة في الوقت الراهن وذلك لتجاوز طابع الإكراه الذي يميز الضريبة وطرق فرضها وتحصيلها وكذا مختلف العوائق التي تحول دون التواصل الجيد بين الإدارة والملزم وذلك عبر:

* توظيف العدد الكافي من الأطر الكفأة لتعزيز مصالح المراقبة والوعاء لتجاوز النقص الكبير في هذا المجال.

* إصلاح هياكل الإدارة الضريبية وذلك بتعميم أجهزة المعلوميات على مختلف المصالح لتحسين التواصل مع المنظمات المهنية، وجمهور الملزمين لتعريفهم بحقوقهم، ولتعميم الإقرار الالكتروني، و تسريع سرعة البت في التظلمات سواء أمام الإدارة أو اللجان الضريبية.

* محاربة العناصر المرتشية والفاسدة في الإدارة الضريبية وتوقيع العقوبات اللازمة على جميع المستويات الدنيا والعليا، علما أن هذه الظواهر جد منتشرة في إدارة الضرائب بشكل ظاهر للعيان كما لا يخفى على أحد، ومن تم تضيع حقوق الخزينة العامة وكذا حقوق الملزمين والوطن بأكمله.

لأن أي إصلاح تشريعي لن تكون له الفعالية اللازمة إذا لم تكن هناك إدارة ضريبية قوية ونظيفة.

ج- إصلاح القضاء الجبائي:
الجبائي:

إن تفعيل القضائي الجبائي وتحسين مستواه لا يمكن أن يتم إلا بتحمل الجامعة المغربية مسؤوليتها في هذا المجال، ذلك أن القاضي قبل أن يلتحق بسلك القضاء، فهو خريج إحدى كليات الحقوق ( شعبة القانون الخاص ) حيث يتعرفون على المادة الضريبية ضمن مادة المالية العامة وذلك بصورة مقتضبة وبصورة أوسع إذا تمكنوا من متابعة دراستهم في إطار السلك الثالث ودراسة القانون الضريبي، وأنه لذلك يتعين إدخال تعديلات جذرية لتطوير بنيات البحث العلمي، وتكوينه ليكون جديرا بمحراب العدالة سواء أصبح قاضيا أو محاميا وترجمة شعب عملية كالقانون الضريبي والمنازعات الجبائية.

كما لا ينبغي إغفال إعداد القاضي على مستوى المعهد الوطني للدارسات القضائية و على مستوى التكوين المستمر عن طريق الندوات داخل الوطن وخارجه وإعطاء العناية اللازمة لموضوع المنازعات الضريبية المكان اللائق بها في برامج التكوين الأساسي والمستمر.

وكذا رفع مستوى مهارات القاضي الفكرية والعملية والتفاوضية، وتوفير المراجع العلمية في المادة الضريبية وذلك عبر إحداث مكتبات قانونية حديثة، أو مجهزة بكل المحاكم، لمسايرة كل التطورات التي يعرفها المجال القانوني والحقل الضريبي خاصة سواء الوطني او الدولي.

أما على مستوى الهرم القضائي بالمغرب فإنه حان الوقت لدعم لامركزية حقيقية للرقابة القضائية وتقريب القضاء الجبائي من المتقاضين ولن يتم ذلك إلا عبر إنشاء المحاكم الإدارية بمختلف الأقاليم و العمالات بالمملكة ولتجاوز حالة البعد الكبير بين المحاكم الإدارية والملزمين.

وفي هذا الإطار لقد حان الوقت لإنشاء مجلس الدولة كأعلى هيئة قضائية تعلو القضاء الإداري للدخول في عهد ازدواجية القانون والقضاء من بابه الواسع ولتوحيد الرؤية والاجتهاد القضائي الجبائي بالمغرب، والسير على خطى مجلس الدولة الفرنسي ومجلس الدولة المصري اللذان أصبحا مرجعين بالعالم على مستوى الاجتهادات القضائية.

بيد أن إصلاح النظام الإجرائي و المسطري أمام القضاء الجبائي لا يقل أهمية عما سبق الإشارة إليه وذلك من خلال القيام بما يلي:

* توحيد آجال رفع الدعوى الضريبية أمام القضاء .

* تحديد أطراف كل نوع من أنواع المنازعات بشكل لا لبس فيه ولا غموض.

* إعادة النظر في صيغة ومواد اختصاص المحاكم الإدارية في المادة الجبائية.

ونشير هنا إلى ضرورة أن يتم ضبط الاجتهادات القضائية وتصنيفها قصد نشرها بشكل رسمي ليتسنى لجميع المتدخلين في الحقل الجبائي مواكبة المستجدات التي يعرفها العمل والاجتهاد القضائيين وتقديم نقدهم واقتراحاتهم بخصوصهما.

ولكي لا تفوتنا الفرصة فإن سؤال تخليق أجهزة العدالة، القضاء، الدفاع، كتابة الضبط من كل مظاهر الرشوة التي أصبحت منتشرة بشكل غاية في البشاعة أضحى ضرورة حضارية لربح رهان القضاء العادل الضامن للعدالة الاجتماعية ورهانات التنمية ولرفع تحديات الألفية الثالثة ورياح العولمة.

وحاصل الكلام أن هده الإصلاحات المجمع عليها هي إصلاحات ذات طبيعة استعجالية، حالة الاستعجال فيها قصوى لا تستدعي التأخير أو حتى التمهل.

من إعداد الطالب:

نجيـــب البقالـــــي