ورقة عمل وبحث قانوني حول الحماية القانونية للمرأة في تشريعات العمل العربية

دراسة للواقع والمأمول في ضوء معايير العمل الدولية والعربية

إعداد

الدكتور/عبدالباسط عبدالمحسن

المستشار القانوني لسعادة وزير العمل بمملكة البحرين

مقدمة:

تعد الأمومة الرسالة المقدسة التي نهضت بها المرأة ، ومن ثم فإن جميع الدول تسعى في الوقت الراهن – بصرف النظر عن إمكانياتها ودرجة تطورها – إلى العمل على توفير كافة الشروط التي تكفل حمايتها ورعايتها. وقد شهدت العقود الأخيرة تواجداً على نطاق واسع للمرأة في أسواق العمل، حتى أضحى عملها سمة من سمات المجتمعات المعاصرة ، غير أن حجم تواجد المرأة في أسواق العمل ونوعيته يتوقف على طبيعة اقتصاديات الدول ودرجة تطورها ، كما أن مزاحمة المرأة للرجل في العديد من مجالات العمل قد أوجد بعض المعطيات التي تتطلب توفير شروط معينة لعمل المرأة نظراً لاختلاف طبيعتها عن الرجل ، وهذا ما حدا بالمنظمات الدولية مثل منظمة العمل الدولية لوضع ضوابط معينة تكفل حماية المرأة وتوفير حد أدنى من الشروط الإنسانية التي يجب توفيرها حتى يمكنها التوفيق بين عملها ومسئولياتها الأسرية ، وقد كرس المشرع الوطني في العديد من الدول هذه المبادئ التي أرستها معايير العمل الدولية وذلك بمناسبة تنظيم عمل المرأة ، حتى أضحى في العديد من الدول تنظيماً متكاملاً يوفر للمرأة الحماية القانونية اللازمة التي تراعى طبيعتها الإنسانية والمسئوليات الأسرية التي تقوم بها في المجتمع .

الحماية القانونية للمرأة في مجال التشغيل

الفرع الأول

المساواة بين المرأة والرجل في أحكام التشغيل

أولا: موقف معايير العمل الدولية والعربية من المساواة بين المرأة والرجل في أحكام التشغيل :

1-المساواة في التشغيل في معايير العمل الدولية :

تعد – بحق – الاتفاقية الدولية رقم 111 لسنة 1958 بشأن حظر التمييز في الاستخدام والمهنة من الاتفاقيات الأساسية الصادرة عن منظمة العمل الدولية لمواجهة التمييز بين المرأة والرجل في مجالات الاستخدام والمهنة ، كما تعد هذه الاتفاقية أكثر من مجرد وثيقة تكرس الإطار العام لتكافؤ الفرص ، وذلك بحظرها جميع صور التمييز أو الاستثناء أو الفصل الذي من شأنه إبطال تكافؤ الفرص والمعاملة أو إنقاصه سواء عن طريق التشريعات أو السياسات أو الممارسات الوطنية التي تنتهجها الدول .

كما قررت المادة الثانية من الاتفاقية المذكورة إلزام الدول الأعضاء بصياغة وتطبيق سياسة وطينة ترمي إلى تشجيع تكافؤ الفرص في المعاملة في الاستخدام والمهنة والقضاء على أي تمييز في هذا المجال ، كما نصت المادة الثالثة من ذات الاتفاقية على التزام الدول بكفالة المساواة وعدم التمييز وأنشطة التوجيه المهني والتدريب المهني وخدمات التوظيف

2- المساواة في التشغيل بين المرأة والرجل في معايير العمل العربية :

كرست الاتفاقية العربية رقم (1) لسنة 1966 بشأن مستويات العمل ، والاتفاقية العربية رقم 6 لسنة 1976 بشأن مستويات العمل “معدلة” مبدأ تكافؤ الفرص والمساواة في التشغيل بين المرأة والرجل ، حيث قررت أن تكون الحماية التي تقررها معايير العمل واحدة ، والأ تنطوي على أية تفرقة بين العمال ، كالتفرقة بسبب الجنس ، ومع ذلك فإن الاتفاقية العربية رقم 5 لسنة 1976 بشأن المرأة العاملة جاءت أكثر تفصيلاً في بيان الأصل العام بشأن المساواة بين المرأة والرجل في مجال التشغيل والاستخدام ، حيث يجب العمل على ضمان تكافؤ الفرص في الاستخدام بين الرجل والمرأة في كافة مجالات العمل ، عند تساوي المؤهلات والصلاحية ، كما يجب مراعاة عدم التفرقة بينهما في مجالات الترقي الوظيفي

3- المساواة في التشغيل بين المرأة والرجل في تشريعات العمل العربية:

إن مبدأ المساواة في أحكام التشغيل بين المرأة والرجل ، الذي كرسته معايير العمل الدولية والعربية ، يعد أحد الضمانات الهامة التي تحول دون التمييز بين المرأة والرجل في أحكام التشغيل ، ومن ثم فقد حرصت العديد من قوانين العمل العربية على النص صراحة على هذا المبدأ الهام ، سيما الدول العربية التي صادقت على الاتفاقية الدولية رقم 111 لسنة 1958 بشأن حظر التمييز في الاستخدام والمهنة . وتأكيداً لذلك فقد ورد هذا الحكم في العديد من القوانين العربية ( المادة 29 من قانون العمل في القطاع الأهلي رقم 36 لسنة 2012 في مملكة البحرين ، المادة 8 من المرسوم السلطاني رقم 35 لسنة 2003 بشأن إصدار قانون العمل في سلطنة عمان)

(المادة 88 من قانون العمل رقم 12 لسنة 2003 في جمهورية مصر العربية) ، (المادة 42 من القانون رقم 5 لسنة 1995 بشأن قانون العمل في اليمن) ، (المادة 100 من القانون رقم 7 لسنة 2000 بشأن إصدار قانون العمل في فلسطين) ، (المادة 9 من القانون رقم 65 لسنة 1999 من مجلة الشغل في تونس )، (المادة 17 من القانون رقم 11 لسنة 1990 بشأن علاقات العمل في الجزائر)

وعلى الرغم من أن الكثير من تشريعات العمل العربية حرصت على النص صراحة على تأكيد مبدأ المساواة بين المرأة والرجل في أحكام التشغيل متى تماثلت أوضاع عملهم ، إلا أن بعض التشريعات العربية أغفلت النص على هذا المبدأ الهام الذي يعد أحد الضمانات القانونية التي تكفل حماية المرأة فيما يتعلق بأحكام التشغيل من ساعات عمل وفترات راحة وغيرها من الأحكام التي لا يتسع المجال لذكرها ، ومن ثم يجب أن تعمل هذه الدول على تعديل تشريعات العمل بها بما يضمن النص صراحة على مبدأ المساواة بين المرأة والرجل في أحكام التشغيل .

الفرع الثاني

حظر التمييز في الأجور بين المرأة والرجل

أولاً : موقف معايير العمل الدولية والعربية من حظر التمييز في الأجور بين المرأة والرجل :

1-المساواة في الأجور بين المرأة والرجل في معايير العمل الدولية:

تعد الاتفاقية الدولية رقم 100 لسنة 1951 بشأن مساواة العمال والعاملات في الأجر عن عمل ذي قيمة متساوية ، بداية تأكيد معايير العمل الدولية على مبدأ المساواة في الأجور بين العمال والعاملات، حيث ترسي هذه الاتفاقية مبدأ عاماً هو أنه يتعين على الدول الأعضاء في منظمة العمل الدولية، أن تعمل على كفالة مبدأ المساواة بين العمال والعاملات في الأجر عن عمل ذي قيمة متساوية على جميع العاملين، وأن تضمن تطبيق هذا المبدأ.

وقد ألحقت بالاتفاقية رقم 100 لسنة 1951 آنفة الذكر ، التوصية رقم 90 لسنة 1951 والخاصة بتساوي العمال والعاملات في الأجر عن عمل ذي قيمة متساوية ، وقد نصت هذه التوصية على أن تقوم الدول الأعضاء في منظمة العمل الدولية باتخاذ الإجراءات المناسبة لضمان تطبيق مبدأ المساواة بين العمال والعاملات في الأجر عن عمل ذي قيمة متساوية

2- المساواة في الأجور بين المرأة والرجل في معايير العمل العربية:

كرست الاتفاقية العربية رقم 6 لسنة 1976 بشأن مستويات العمل “معدلة” مبدأ المساواة بين المرأة والرجل في الأجور متى تماثلت أوضاع عملهم ، حيث نصت المادة 42 منها صراحة على أن تمنح المرأة العاملة الأجر المماثل لأجر الرجل ، وذلك عند تماثل العمل ، وبذلك تشترك معايير العمل العربية مع معايير العمل الدولية في إقرار مبدأ المساواة في الأجور بين العمال والعاملات ، وذلك حرصاً على منع التمييز ضد المرأة فيما يتعلق بالأجر الذي تحصل عليه مقارنة بالأجر الذي يحصل عليه العامل متى تماثلت أوضاع عملهما

3- المساواة في الأجور بين المرأة والرجل في تشريعات العمل العربية :

إذا كانت معايير العمل الدولية والعربية قد كرست مبدأ المساواة في الأجور بين المرأة والرجل متى تماثلت أوضاع عملهما على النحو السابق ، فإن المشرع الاجتماعي في غالبية تشريعات العمل العربية ، حرص على إرساء هذا المبدأ ، وذلك اعترافاً منه بأهمية النص على هذا المبدأ للحيلولة دون وقوع التمييز ضد المرأة . وتأكيداً لذلك تضمنت العديد من تشريعات العمل العربية بعض النصوص التي تقرر صراحة هذا المبدأ منها القانون البحريني (المادة 39 من قانون العمل في القطاع الأهلي رقم 36 لسنة 2012)، والقانون الكويتي (المادة 26 من قانون العمل في القطاع الأهلي) ، القانون الإماراتي (المادة32 من القانون الاتحادي رقم 8 لسنة 1980 بشأن تنظيم علاقات العمل) ، القانون القطري (المادة 93 من القانون رقم 14 لسنة 2004 بشأن إصدار قانون العمل) ، القانون المصري (المادة 35 من قانون العمل الموحد رقم 12 لسنة 2003) ، القانون اليمني المادة 42 ،67/أ من القانون رقم 5 لسنة 1995 بشأن قانون العمل)

وإذا كانت غالبية التشريعات العربية قد كرست مبدأ المساواة في الأجور بين المرأة والرجل متى تماثلت أوضاع عملهما ، إلا أن تفعيل هذا المبدأ يحتاج لتدخل الدولة من خلال الرقابة التي يقوم بها مفتشو العمل على أصحاب الأعمال في القطاع الخاص للتأكد من تطبيق هذا المبدأ الأمر الذي يحول دون وقوع حالات انتهاك له من جانب بعض أصحاب الأعمال ، ومن ثم فإن الدور التوعوي الذي تقوم به الدولة ، فضلاً عن التفتيش على أصحاب الأعمال ، يعد الضمانة الحقيقية لحصول المرأة على الأجر المماثل لأجر الرجل سيما في القطاع الخاص .

الفرع الثالث

حظر تشغيل المرأة في بعض المهن والصناعات

أولاً : حظر تشغيل المرأة في بعض المهن والصناعات في معايير العمل الدولية والعربية :

1- حظر تشغيل المرأة في بعض المهن والصناعات في معايير العمل الدولية :

استكمالاً لصور الحماية القانونية التي حرصت منظمة العمل الدولية على توفيرها للمرأة العاملة ، فقد أعتمد مؤتمر العمل الدولي في دورته (18) لسنة 1934 الاتفاقية الدولية رقم 42 لسنة 1934 بشأن تعويض العمال عن الأمراض المهنية ، حيث تضمنت هذه الاتفاقية حظراً للأعمال التي ينتج عنها غالبية إصابة العاملات بالأمراض المهنية والتي يحظر تشغيل النساء فيها لمخاطرها على صحتهن

كما صدر عن المنظمة الدولية الاتفاقية رقم 45 لسنة 1953 بشأن استخدام المرأة للعمل تحت سطح الأرض في المناجم بمختلف أنواعها ، وكذلك ما تضمنته التوصية رقم 95 لسنة 1952 من قواعد بشأن حماية الأمومة ومنها

تحريم اشتغال الحامل أو التي ترضع طفلها في الأعمال التي تعتبرها السلطات المختصة خطراً على صحتها أو صحة طفلها ، ويستمر هذا التحريم أثناء الحمل ولمدة ثلاثة أشهر بعد الولادة ، وتمتد بعد ذلك إذا كانت المرأة ترضع طفلها . وقد حددت هذه التوصية مجموعة من الأعمال المحظور على المرأة العمل فيها منها على سبيل المثال لا الحصر أي عمل شاق أو الأعمال التي يتطلب انجازها حفظ التوازن بصفة خاصة ، والعمل بالآلات التي تتولد منها اهتزازات .

وكذلك نصت التوصية المذكورة على أنه يجب تعزيز حق المرأة في الانتقال من العمل الذي يتضمن خطراً على صحتها إلى عمل غير خطر دون الانتقاص من أجرها .

وفضلاً عن الأعمال المحظور تشغيل النساء فيها التي وردت في الاتفاقية رقم 42 لسنة 1934 آنفة الذكر والاتفاقية الدولية رقم 45 لسنة 1935 سالفة البيان ، فقد صدرت التوصية الدولية رقم 44 لسنة 1971 بشأن الوقاية من مخاطر التسمم الناجم من البنزين ، التي تنص على عدم جواز استخدام النساء اللاتي ثبت طبياً أنهن حوامل والأمهات المرضعات في أعمال تنطوي على تعرضهن للبنزين أو لمنتجات تحتوى على بنزين .

2- حظر تشغيل المرأة في بعض المهن والصناعات في معايير العمل العربية:

حرصت معايير العمل العربية على توفير مزيد من الحماية القانونية للمرأة العاملة ، وذلك من خلال تهيئة بيئة العمل الصالحة لها ، وذلك بحظر تشغيلها في الأعمال الخطرة أو الشاقة التي من شأنها أن تمثل خطراً على صحتها أو صحة جنينها أو تخدش حياءها . وتأكيداً لذلك فقد قررت المادة 68 من الاتفاقية العربية رقم 6 لسنة 1976 بشأن مستويات العمل “معدلة” حظر تشغيل النساء في أعمال المناجم تحت الأرض وفي جميع الأعمال الخطرة أو المضرة بالصحة أو الشاقة التي تحددها القوانين والقرارات أو اللوائح الخاصة في كل دولة .

كما ورد الحظر السابق في الاتفاقية العربية رقم 7 لسنة 1977 بشأن السلامة والصحة المهنية ، حيث قررت 6/3 منها على حظر تشغيل النساء في الأعمال الخطرة أو الشاقة أو الضارة بالصحة التي يحددها التشريع في كل دولة .

3- حظر تشغيل المرأة في بعض المهن والصناعات في تشريعات العمل العربية :

إتساقاً مع معايير العمل الدولية والعربية التي تحظر على المرأة العاملة العمل في بعض المهن والصناعات وعدم تكليفها بأعمال خطرة أو شاقة ، فقد حظر المشرع الاجتماعي في تشريعات العمل العربية تشغيل النساء في الأعمال الخطرة والضارة بصحتهن أو بصحة الجنين ، مع ترك تحديد هذه الأعمال والصناعات المحظور تشغيل النساء فيها للقرارات الوزارية المنفذة لقانون العمل في كل دولة بعد أخذ رأي الجهات المعنية فيها . وترجع العلة في حظر تشغيل النساء في هذه الأعمال والصناعات إلى أنها يمكن أن توثر على قدرة المرأة على الإنجاب أو على الحمل أو حالتها النفسية بصفة عامة، وهو ما يؤكد اهتمام المشرع الاجتماعي بضرورة حماية المرأة ومراعاة طبيعتها الخاصة التي تستوجب عدم تكليفها بأعمال شاقة أو مرهقة لا تتناسب مع التكوين الجسماني لها

وقد حظر المشرع الاجتماعي تشغيل المرأة الحامل في بعض الأعمال مثل الأعمال والمهن التي يتعرض فيها النساء للإشعاعات الذرية وأشعة أكس والأبخرة و أدخنة البنزين ، والأعمال الماسخة للأجنة .

كما حظر المشرع تشغيل النساء بصفة عامة في الأعمال التي تؤدى تحت سطح الأرض ، والأعمال التي تعرضهن للحرارة الشديدة كالعمل أمام أفران صهر المعادن أو حمل أو جر الأثقال لأكثر من 15-20 كجم وغيرها من الأعمال التي لا يتسع المجال لذكرها .

واستكمالاً لحماية صحة المرأة ، فقد حظر المشرع الاجتماعي في القوانين العربية تشغيل المرأة خلال الأربعين يوماً التالية للوضع ، نظراً لعدم قدرة المرأة على العمل خلال هذه الفترة سواء من الناحيتين الجسمانية والنفسية

ولضمان عدم تشغيل النساء في الأعمال والمهن المشار إليها في تشريعات العمل العربية ، فإن المشرع الاجتماعي وضع عقوبات جنائية على عاتق صاحب العمل الذي يقوم بتشغيل النساء في هذا الأعمال والمهن بالمخالفة للحظر المذكور

وإذا كانت تشريعات العمل العربية ، قد كرست الحظر السابق بعدم تشغيل النساء في بعض المهن والأعمال الضارة بهن صحياً وخلقياً ، فإن المطلوب هو مسايرة التطورات التي تطرأ على هذه المسألة ، حيث يؤدي التطور الصناعي والتقني إلى ظهور بعض الصناعات والأعمال التي تضر بصحة المرأة العاملة ، ومن ثم يتعين مراجعة هذه الأعمال المحظورة وإضافة الأعمال والمهن الجديدة التي تثبت الدراسات الطبية خطورتها على صحة الأم أو جنينها .

الفرع الرابع

حظر تشغيل المرأة في بعض المهن والصناعات ليلاً

تشير الدراسات العلمية الحديثة المتوفرة إلى أن العمل الليلي قد يعرض النساء ، أثناء عدد من أيام دورتهن الشهرية إلى إجهاد زائد ناجم عن ركود نشاطهن في الليل بأكبر من ركود الرجال ، مما يجعل حاجتهن للحماية أكثر من الرجال ، وذلك بحظر عملهن في بعض الأعمال أثناء فترة الليل التي يتكفل المشرع الوطني في كل دولة بتحديدها ، على أن مخاطر وأضرار العمل الليلي لا تقف عند حد الأضرار الصحية التي يمكن أن تلحق بالمرأة العاملة ، وإنما له بعض الانعكاسات على الحياة العائلية والاجتماعية للمرأة ، وما يمكن أن يحدث من اضطرابات في الحياة اليومية داخل المنزل وفي حياة الأسرة ، مما قد ينعكس سلباً على العلاقات الاجتماعية بين أفراد الأسرة(1) .

ولإلقاء الضوء على حظر تشغيل المرأة في بعض المهن والصناعات ليلاً حماية لها ، سوف نتناول هذه الصورة من الحماية في معايير العمل الدولية والعربية ، بالإضافة إلى موقف تشريعات العمل العربية من هذا الحظر .

أولاً : حظر تشغيل المرأة في بعض المهن والصناعات ليلاً في معايير العمل الدولية والعربية :

1-حظر تشغيل المرأة في بعض المهن والصناعات ليلاً في معايير العمل الدولية :

ننوه بداية إلى معايير العمل الدولية توجب السماح للمرأة بالعمل ليلاً كأصل عام أسوة بالعمال تفعيلاً لمبدأ المساواة الذي كرسته الاتفاقيــة

الدولية رقم 111 لسنة 1958 بشأن حظر التمييز في الاستخدام والمهنة، ومن ثم فإن المرأة تعمل ليلاً مثل الرجل كأصل عام ، والاستثناء هو حظر عملها ليلاً في بعض المهن والصناعات . وتأكيداً لذلك فقد اهتمت منظمة العمل الدولية بهذه المسألة ، حيث أصدرت عدة اتفاقيات دولية لمعالجة تشغيل النساء ليلاً وبيان المهن والأعمال التي يحظر تشغيل النساء فيها ليلاً مثل الاتفاقية الدولية رقم 4 لسنة 1919 بشأن العمل الليلي للنساء التي حظرت العمل في الصناعة وحددت فترة الليل بإحدى عشر ساعة متوالية على الأقل ، وقد تم مراجعة هذه الاتفاقية بموجب الاتفاقيات رقم 41 لسنة 1934 ، والاتفاقية رقم 41 لسنة 1948 .

وباستقراء أحكام الاتفاقيات الدولية المذكورة التي عالجت حظر تشغيل النساء ليلاً ، تجد أن هذه الاتفاقيات تحدد الأعمال والصناعات التي يحظر تشغيل النساء فيها ليلاً حفاظاً على صحتهن، وتحديد حد أدنى لمدة الليل، بالإضافة إلى السماح للدول الأعضاء بوقف هذا الحظر في بعض الأحيان لاعتبارات وظروف معينة تحددها السلطات المعنية في الدولة .

2- حظر تشغيل النساء في بعض المهن والصناعات ليلاً في معايير العمل العربية :

ننوه بداية إلى أن معايير العمل العربية تحظر – كأصل عام – تشغيل المرأة ليلاً ، والاستثناء من عملها في بعض الأعمال والمهن التي يحددها التشريع الوطني ، وذلك عكس معايير العمل الدولية التي تجيز للمرأة العمل ليلاً كأصل عام والاستثناء حظر عملها في بعض المهن والصناعات ، الأمر الذي يوجب إعادة النظر في معايير العمل العربية لتكون أكثر انسجاماً مع معايير العمل الدولية في هذا الخصوص . وقد تناولت معايير العمل العربية حظر تشغيل النساء ليلاً كأصل بعض الاتفاقيات العربية أهمها الاتفاقية رقم 6 لسنة 1976 بشأن مستويات العمل “معدلة” ، حيث قررت المادة 69 منها عدم جواز تشغيل النساء ليلاً ، وتحدد السلطات المختصة في كل دولة المقصود بالليل ، طبقاً لما

يتمشى مع جو وموقع وتقاليد كل بلد . ويستثنى من ذلك الأعمال التي يحددها التشريع ، أو القرارات ، أو اللوائح في كل دولة .

وكما سبقت الإشارة أن الغاية من هذا الحظر هو تلافي الأضرار التي يمكن أن تلحق بالمرأة العاملة نتيجة عملها ليلاً ، مما قد يؤثر على صحتها أو على وظيفة الأمومة لديها

ثانياً: حظر تشغيل المرأة في بعض المهن والصناعات ليلاً في تشريعات العمل العربية :

يجدر التنويه بداية إلى أن غالبية تشريعات العمل العربية تحظر عمل المرأة ليلاً كأصل عام والاستثناء السماح لها بالعمل ليلاً في بعض المهن والأعمال التي يحددها القانون ، وذلك ماعدا القانونين المصري والبحريني الذي أجازا للمرأة العمل ليلاً مثل الرجل كأصل عام والاستثناء عدم جواز عملها في الأعمال والصناعات التي يحددها القانون، وذلك انسجاماً مع معايير العمل الدولية في هذا الخصوص

وإيماناً من المشرع الاجتماعي في قوانين العمل العربية بضرورة حظر تشغيل المرأة في بعض الصناعات والمهن ليلاً حفاظاً على صحتها وتمكينها من القيام بمسئولياتها الأسرية ، فقد حظرت غالبية تشريعات العمل العربية عمل المرأة ليلاً والاستثناء السماح لها بالعمـل في بعض

المهن والأعمال التي يحددها القانون ، ومن هذه التشريعات القانون الكويتي (المادة 22 من قانون العمل) ، القانون الإماراتي (المادة 27 من قانون تنظيم علاقات العمل) ، القانون السعودي (المادة 150 من نظام العمل) ، القانون القطري (المادة 95 من قانون العمل) ، القانون العماني (المادة 81 من قانون العمل) ، القانون السوداني (المادة 200 من قانون العمل) ، القانون اليمني (المادة 46 من قانون العمل) ، القانون العراقي (المادة 83 من قانون العمل) ، القانون الفلسطيني (المادة 101 من قانون العمل) ، القانون الجزائري (المادة 29 من قانون علاقات العمل ) ، القانون التونسي(المادة 66 من مجلة الشغل) .

أما تشريعات العمل العربية التي أجازت حظر تشغيل المرأة في بعض المهن والصناعات كاستثناء من الأصل العام ، القانون المصري (المادة 89 من قانون العمل الموحد) ، والقانون البحريني (المادة 3 من قانون العمل في القطاع الأهلي) ، القانون المغربي (المادة 172 من مدونة الشغل)

على الرغم من أن تشريعات العمل العربية قد كرست مبدأ حظر تشغيل المرأة ليلاً حفاظاً على صحتها ، إلا أن غالبية هذه التشريعات ما عدا البحرين ومصر والمغرب تجعل حظر تشغيل المرأة ليلاً كأصل عام خلافاً لمعايير العمل الدولية ، ومن ثم يجب إعادة النظر في هذا الحكم تمشياً مع معايير العمل الدولية التي تجعل تشغيل المرأة ليلاً أصلاً عاماً والاستثناء حظر تشغيلها في بعض المهن والصناعات التي يحددها التشريع الوطني .