منظمة الطيران المدني الدولي الإيكاو icao

المبحث الأول: نشأة المنظمة

المبحث الثاني: أهداف وهيكل المنظمة

المبحث الثالث: أعمال منظمة الطيران المدني الدولية

المبحث الأول: نشأة المنظمة

كان لتطور الطائرة إلى وسيلة رئيسية للمواصلات، أثره في خلق مشاكل دولية، لا تستطيع دولة واحدة أن تتحمل عبء حلها. فالاحتياج إلى توفير الأمان، والانتظام للنقل الجوي، يتطلب بناء المطارات، وإقامة المساعدات الملاحية، وإنشاء محطات الرصد الجوي.

كما أصبح توحيد طرق العمل الفني في الطيران الدولي، ذا أهمية أساسية، حتى لا تحدث أخطاء نتيجة لعدم الخبرة، أو سوء الفهم، فيما يتعلق بقواعد الجو، أو بتنظيم حركة المرور الجوي، أو إجازات الطيران، أو تصميم المطارات، أو أي تفاصيل أخرى لا يمكن حصرها، وتتوقف عليها سلامة الطيران .

وكانت أولى المحاولات للوصول إلى اتفاق دولي، هو ما قامت به تسعة عشر دولة أوروبية بعد سبع سنوات من أول عملية طيران، بطائرات أثقل من الهواء. ولكن هذه المحاولة لم تكلل بالنجاح. وكانت المحاولة الثانية في عام 1919م في مؤتمر فرساي للسلام، بعد أن كانت الحرب العالمية الأولى قد ساعدت على تطوير الطائرة إلى وسيلة فعالة للنقل.

وفى هذا المؤتمر وُضِع “الميثاق العالمي للملاحة الجوية”، الذي اهتم أساساً بالتفاصيل الفنية للطيران الدولي، والذي أنشأ منظمة تُسمى “اللجنة العالمية للملاحة الجوية إيكان” ican. وقد تكونت وفقاً لأحكام المادة 34 من اتفاقية باريس، الموقعة في 13 أكتوبر 1919م. وكان الهدف من هذه المنظمة، تشجيع تطور الملاحة الجوية. وكان الميثاق العالمي للملاحة الجوية محدوداً في طبيعته، كما كان تنفيذه أيضاً، في حدود ضيقة.

ولم يكن هناك أي اتفاق ينظِّم الطيران التجاري، الأمر الذي حثّ على توقيع الاتفاقية الخاصة بالطيران التجاري، الموقعة في هافانا في 28 فبراير 1928م، والتي في نطاقها أُنشئت اللجنة الأمريكية الدائمة للملاحة الجوية، بموجب اجتماع ليما عام 1937م.

وقد ظلت الطائرات في الأعوام من 1930م حتى 1939م، وسيلة نقل إقليمية، أكثر منها وسيلة عالمية.

وكان للحرب العالمية الثانية، أكبر الأثر في التقدم الفني للطائرات. فحتى عام 1939م، عندما بدأت الحرب، كان نقل المسافرين والبضائع بطريق الجو غير شائع، وفى حدود ضيقة، إلاّ في أجزاء محدودة من العالم، كانت بها وسائل النقل الأخرى غير عملية .

واستطاعت الحرب أن تحقق خلال ست سنوات تقدماً للطيران، لم يكن من الممكن تحقيقه، في أوقات السلم، في أقل من ربع قرن من الزمان؛ إذ أنشأت الدول المتحاربة شبكة واسعة لنقل الركاب والبضائع. وكان منطق الحرب، الذي يستدعى السرعة، لا يقيم وزناً كبيراً لاقتصاديات هذا النقل، كما لم تكن العقبات السياسية، لتقف عثرة في وقت الحرب، الذي تميز بالتكتلات والأحلاف.

إلاّ أن هذه العقبات نفسها، إلى جانب المشاكل الفنية الأخرى، كانت تتطلب الحل السريع، حتى يستطيع هذا التقدم، الذي تم في وقت الحرب، أن يفيد العالم ويدعم السلام. وكانت هناك مشكلة الحقوق التجارية برمتها، والاتفاق على الترتيبات اللازمة، لكي تستطيع طائرات إحدى هذه الدول أن تنقل الركاب والبضائع إلى دولة أخرى، أو عبر أراضيها.

وكانت هناك أيضاً مشكلات أخرى: كيف تُعالج النواحي القانونية والاقتصادية، التي تنجم عن عبور الطائرات للحدود الإقليمية في وقت السلم؟ وكيف نحافظ على تسهيلات الملاحة الجوية، التي تم إنشاؤها في وقت الحرب، ويقع الكثير منها في مناطق غير آهلة بالسكان؟ وغير ذلك من القضايا، ولهذه الأسباب أجرت حكومة الولايات المتحدة الأمريكية محادثات تمهيدية مع دول الحلفاء، في الأشهر الأولى من عام 1944م.

مؤتمر شيكاغو عام 1944م

وعلى أساس هذه المحادثات، التي أجرتها حكومة الولايات المتحدة الأمريكية مع دول الحلفاء في عام 1944م، وجهت الدعوة من الرئيس الأمريكي، روزفلت، إلى الدول المحبة للسلام، للاشتراك في إقامة منظمة على المستوى الدولي، هدفها تطوير المبادئ والنواحي الفنية المتعلقة بالملاحة الجوية الدولية، ودعم تخطيط وتطوير النقل الجوي الدولي.

وأرسلت الدعوة إلى 55 دولة، من دول الحلفاء والدول المحايدة، للاجتماع في شيكاغو، في الفاتح من نوفمبر عام 1944م، بينما لا زالت الحرب مشتعلة في أوروبا وقبل انتهائها بستة أشهر. وقد حضر الاجتماع 52 دولة، اجتمع مندوبوها خمسة أسابيع، يدرسون مشاكل الطيران المدني الدولي. ولم يحضر الاجتماع الاتحاد السوفيتي السابق، والدول المعادية للحلفاء.

جاءت نتيجة المؤتمر مشجعة جداً، وحقق قدراً كبيراً من النجاح في النواحي الفنية. إلاّ أن ذلك النجاح لم يخرج إلى النور، إذ ظهرت عدة خلافات حول التنظيم الجماعي للنقل الجوي الدولي، انحصرت بين اتجاهين رئيسيين:

الاتجاه الأول:

تزعمته الولايات المتحدة الأمريكيـة، وتبنته، أساساً، مجموعة من دول أمريكا اللاتينية، التي ترتبط مع الولايـات المتحدة الأمريكية بروابط وثيقة تقليدية. وكذلك بعض دول غرب أوروبا، ومن بينها هولندا والسويد. وقد نادت هـذه المجمـوعة بسياسة تحررية، تُمارسها جميع الدول في مجال النقل الجوي الدولـي؛ وأطلق عليها free-for- all approach، وتقوم هذه السياسة على مبدأ المنافسة الحرة.

وأكدت هذه المجموعة، أثناء المؤتمر، أن هذه السياسة سوف تسهم في تطوير النقل الجوي الدولي وازدهاره. كما أبرزت فائدة تلك السياسة بالنسبة لكافة الدول من ناحية تمكين الدول القوية في مجال النقل الجوي من خدمة نفسها، وتقديم خدماتها في الوقت ذاته، إلى الدول الأخرى، ذات الإمكانيات المحدودة في هذا الشأن.

الاتجاه الثاني:

تبنته مجموعة دول الكومنولث، وعلى رأسها المملكة المتحدة. وقد اتخذت موقف المعارضة من المجموعة الأولى، ونادت بضرورة اتباع سياسة أخرى، هي التنظيم في الجو order in the air؛ إذ توضع قواعد محددة لتنظيم توزيع الخطوط الجوية الدولية، وتحديد عدد مرات التشغيل عليها، وتقسيم الحمولة المتوفرة من الحركة الجوية الدولية.

وفى حقيقة الأمر، فإن اتخاذ كل من الفريقين لهذه المواقف المتباينة أثناء المؤتمر، إنما يرجع إلى تضارب المصالح بينهما، وبالذات بين المملكة المتحدة، والولايات المتحدة الأمريكية، في مجال النقل الجوي الدولي. ويرجع اتخاذ تلك المواقف على هذا النحو، إلى أسباب خاصة بالترتيبات التي تمت بين الحلفاء أثناء الحرب العالمية الثانية. فقـد تخصصت المملكة المتحدة، أثناء هذه الحرب، أساساً، في صنع الطائرات المقاتلة، ذات السعة المحدودة، وهي لا تصلح للاستخدامات المدنية بعد انتهاء الحرب، كنقل الركاب، والبضائع، والبريد.

أما الولايـات المتحدة الأمريكية فقد تخصصت أساساً في صناعة طائرات النقل الكبيرة السعة، لخدمة المجهود الحربي في ميادين المعارك. وهذه الطائرات تصلح لاستخدامها في نقل الركاب، والبضائع، والبريد، بعد انتهاء الحرب. وقد خلفت الحرب للولايات المتحـدة الأمريكية أسطولاً كبيراً من هذه الطائرات، أرادت بالسياسة التي نادت بها أثناء المؤتمر، أن تستخدمه بحرية في عمليات النقل الجوي، في مختلف أنحاء العالم. أما المملكة المتحدة فقد نادت بسياسة التنظيم في الجو، حتى تحمى نفسها فيما لو اتُبعت السياسة التحررية، التي نادت بها الولايات المتحدة الأمريكية.

وكاد الخلاف بين المجموعتين، أن يؤدي إلى فشل المؤتمر، لولا كندا، التي قامت بدور الوسيط حين تقدمت بحل وسط، يعتمد على توزيع حريات الجو الخمس، أو الميزات الجوية الخمس.

(انظر جدول حريات الجو الخمس) ؛ فاقترحت أن تُدرج الحريتان الأولى والثانية في اتفاقية دولية منفصلة، تمثل الحد الأدنى الذي يمكن أن تقبله الدول التي تنادي بالتنظيم في الجو. كما تُدرج الحريات الخمس مجتمعة في اتفاق آخر يكون مفتوحاً للدول التي تنادي بالمنافسة الحرة في مجال النقل الجوي الدولي. وقد وافق المؤتمر على هذا الحل الوسط.

النتائج التي أسفر عنها مؤتمر شيكاغو عام 1944م

اتفاقية الطيران المدني الدولي “اتفاقية شيكاغو” (انظر ملحق بروتوكول بشأن اتفاقية الطيران المدني الدولي ـ شيكاغو 1944م) convention on international civil aviation :

وُقعت “اتفاقية الطيران المدني الدولي” في مدينة شيكاغو بالولايات المتحدة الأمريكية، في 7 ديسمبر عام 1944م، باللغات الإنجليزية، والفرنسية، والأسبانية، وقيمتها الرسمية جميعاً واحدة. ووفقاً لأحكام المادة 91 من الاتفاقية، أصبحت الاتفاقية سارية المفعول اعتبارًا من 4 أبريل 1947م، بعد تصديق العدد المطلوب من الدول عليها، ويبلغ ستة وعشربن دولة، هم نصف عدد الأعضاء، الذين شاركوا في مؤتمر شيكاغو.

وكان لنفاذ هذه الاتفاقية أثر كبير على الاتفاقيات الدولية، التي كانت قائمة قبلها، وأهمها اتفاقيتا باريس وهافانا، إذ نصت المادة 80 من اتفاقية الطيران المدني الدولي على الآتي:

تتعهد كل دولة متعاقدة بأن تعلن ، بمجرد بدء نفاذ هذه الاتفاقية ، نقض اتفاقية تنظيم الملاحة الجوية الموقعة بباريس في 13 أكتوبر عام 1919م، أو الاتفاقية الخاصة بالطيران التجاري الموقعة في هافانا بتاريخ 20 فبراير عام 1928م، إذا كانت طرفًا في أي من هاتين الاتفاقيتين، وتحل هذه الاتفاقية بالنسبة للدول المتعاقدة محل اتفاقيتي باريس وهافانا، سالفتي الذكر.

وأهم أثر ترتب على نفاذ هذه الاتفاقية، هو إنشاء “منظمة الطيران المدني الدولي”، ونتج عن ذلك حل الأجهزة الآتية:
1. اللجنة الدولية للملاحة الجوية: إيكان “ican”، التي تكونت وفقاً لأحكام المادة 34 من اتفاقية باريس عام 1919م، للإشراف على تطبيق نصوصها.
2. لجنة خبراء القانون الجوي الدولي: وقد أسسها مؤتمر باريس لإعداد مشروعات القوانين، الخاصة بالمسائل المتعلقة بالقانون الجوي الدولي.
3. اللجنة الأمريكية الدائمة للملاحة الجوية: وهي التي نشأت بموجب اجتماع ليما عام 1937م، في نطاق اتفاقية هافانا، التي عقدت عام 1928م.
4. المنظمة المؤقتة للطيران المدني الدولي: بيكاو picao وهي التي أنشأها مؤتمر شيكاغو عام 1944م للقيام بمهام المنظمة الدولية للطيران المدني icao الأصلية. وقد تولت الإشراف على شؤون الطيران المدني الدولي، حتى أنشئت منظمة الطيران المدني الدولي في 7 أبريل 1947م.

وتشمل القواعد الرئيسية في اتفاقية شيكاغو 1944م، الآتي:

1. السيادة

طبقاً لنص المادة الأولى من الاتفاقية، تعترف الدول المتعاقدة أن لكل دولة سيادة كاملة، ومطلقة، على الفضاء الجوي، الذي يعلو إقليمها.

2. الطائرات المدنية، وطائرات الدولة

تسري أحكام اتفاقية الطيران المدني الدولي على الطائرات المدنية فقط، دون طائرات الدول state aircraft وتُعد من طائرات الدولة، الطائرات المستعملة في الخدمات العسكرية، والجمركيـة، والشرطة “المادة 3”.

3. الاستعمال التعسفي للطيران المدني

توافق كل دولة من الدول المتعاقدة، على عدم استعمال الطيران المدني في أغراض لا تتفق مع أغراض الاتفاقية، الواردة في “المادة 4″، على النحو الآتي:

أ. تطوير الطيران المدني الدولي.
ب. إيجاد وإبقاء الصداقة، وحسن التفاهم، بين أمم وشعوب العالم.
ج. تجنب كل خلاف، وتنمية التعاون بين الأمم والشعوب الأمر الذي عليه يتوقف السلام العالمي.
د. تجنب أي معاملة أو تصرف، ضد الأمن العام.

4. الحرب وحالة الطوارئ

في حالة الحرب، لا تحد أحكام هذه الاتفاقية من حرية العمل للدول المتعاقدة؛ سواء كانت محاربة أو محايدة. وينطبق هذا المبدأ نفسه، على كل دولة تعلن أن بها حالة طوارئ، وتبلّغ ذلك إلى مجلس الإيكاو “المادة 89”. ومعني ذلك أن أي دولة في حالة حرب، أو بها أزمة أو حالة طوارئ داخلية، وتبلّغ ذلك إلى مجلس “منظمة الطيران المدني الدولي”، يمكنها عدم الالتزام بالأحكام الواردة في الاتفاقية.

5. إلغاء الترتيبات، التي لا تتفق مع الاتفاقية

اتفقت الدول المتعاقدة على أن تلغي هذه الاتفاقية، جميع الالتزامات والارتباطات القائمة بينها، وتتعارض مع أحكام هذه الاتفاقية المادة 82، مثل اتفاقيتي باريس وهافانا، فالأولى خاصة بتنظيم الملاحة الجوية، والثانية خاصة بالطيران التجاري “المادة 80”.

6. تعيين الطرق والمطارات

مع مراعاة أحكام هذه الاتفاقية، يجوز لكل دولة متعاقدة أن تعيّن الطريق الذي يجب أن يسلُكه فوق إقليمها كل خط جوي دولي، وكذلك المطارات التي يمكنه استخدامها “المادة 68”.

7. الهبوط في مطار جمركي أو دولي

على كل طائرة تدخل إقليم دولة متعاقدة، أن تهبط في مطار محدد من هذه الدولة، لأغراض التفتيش وغيره، متى كانت قوانين هذه الدولة تتطلب ذلك.

وعلى هذه الطائرة عند مغادرتها، أن تغادره من مطار جمركي مماثل. وتُعلن كل دولة البيانات الخاصة بالمطارات الجمركية المحددة، في دليل الطيران الخاص بها aip، وتبلّغ هذه البيانات إلى منظمة “الإيكاو”، التي عليها إبلاغ هذه البيانات، إلى جميع الدول المتعاقدة الأخرى “المادة 10”.

ومعني ذلك أنه يلزم الهبوط والمغادرة من مطار دولي أو جمركي، ولا يجوز الهبوط بمطار محلي أو مطار داخلي، إلاّ في حالات الضرورة القصوى، ومع اتخاذ الترتيبات اللازمة لذلك.

8. تفتيش الطائرات

للسلطات المختصة في كل من الدول المتعاقدة أن تفتش، دون أن تسبب تأخيراً غير مقبول، طائرات الدول المتعاقدة الأخرى، عند هبوطها أو طيرانها. كما أن لها أن تفحص الشهادات والمستندات الأخرى، المنصوص عليها في هذه الاتفاقية المادة 16.

وهذه الشهادات والمستندات منصوص عليها في المادة 29 من الاتفاقية، وهي:
أ. شهادة تسجيل الطائرة؛
ب. شهادة صلاحيتها للطيران؛
ج. الإجازات الخاصة بكل أعضاء طاقمها؛
د. سجل الرحلات الخاصة بالطائرة؛
هـ. رخصة جهازها اللاسلكي (إذا كان بها مثل هذا الجهاز)؛
و. كشف بأسماء الركاب، والمكان الذي غادروا منه، والجهة المتوجهون إليها، إذا كانت الطائرة تحمل ركاباً.
ز. كشف بالمشحونات، وإقرارات بكل التفصيلات الخاصة بها، إذا كانت الطائرة تحمل بضائع.

9. القيود المفروضة على الحمولة

طبقاً لنص المادة 35 من الاتفاقية:
أ. لا يجوز نقل ذخائر، أو مواد حربية، إلى داخل إقليم دولة أو فوقه، على متن طائرة تعمل في الملاحة الدولية، إلاّ بترخيص من تلك الدولة.
ب. تحتفظ كل دولة متعاقدة بحقها في أن تنظم أو تحظر، لأسباب تتعلق بالنظام والأمن العام، نقل أشياء خلاف ما ذكر في الفقرة ” أ “.

10. آلات التصوير

لكل دولة متعاقدة أن تحظر، أو تنظم، استعمال آلات التصوير على متن الطائرات، وهي فوق إقليمها “المادة 36”.

11. المناطق المحرّمة

طبقاً لنص “المادة 9” من الاتفاقية:
أ. لكل دولة متعاقدة الحق في أن تُقيد أو تمنع، بصفة موحدة، جميع طائرات الدول الأخرى، من الطيران فوق مناطق معينة من إقليمها، وذلك لأسباب تتعلق بضرورات عسكرية، أو بالأمن العام. على أنه من المفهوم أن لا يكون هناك أي تمييز، فيما يتعلق بذلك بين الطائرات التابعة للدولة نفسها، التي تعمل في خطوط نقل جوية دولية منتظمة، والطائرات التابعة للدول المتعاقدة الأخرى، التي تعمل في خطوط مماثلة.

ويكون موقع المناطق المحرمة ومداها معقولين، ولا يجوز إنشاؤهما على نحو يعيق، بلا ضرورة، الملاحة الجوية. ويجب أن تُبلّغ الدول المتعاقدة الأخرى، وكذلك منظمة الطيران المدني الدولي، بالمناطق المحظور الطيران فوقها، وكذلك كل ما قد يطرأ عليها من تغيير بعد ذلك.

ب. تحتفظ كل دولة متعاقدة بحقها، في أن تقيد أو تمنع، مؤقتاً وفوراً، الطيران فوق إقليمها أو جزء منه، وذلك بسبب ظروف استثنائية، أو أثناء أزمة، أو لأسباب تتعلق بالأمن العام. على أنه يُشترط أن يطبق هذا التقييد أو المنع، دون أي تمييز بالنسبة للجنسية، على طائرات جميع الدول الأخرى.

ج. يجوز لكل دولة متعاقدة، في الأحوال وبالشروط التي تقررها، أن تحتم على كل طائرة فوق المناطق المشار إليها في الفقرتين أ و ب السابقتين، أن تهبط بأسرع ما تستطيع في مطار معين، داخل إقليمها.

هذه ـ في إيجاز ـ بعض قواعد اتفاقية الطيران المدني الدولي، اتفاقية شيكاغو، وتمثل الإطار العام والمظلة الرئيسية، التي من خلالها وفي ضوئها، تُبرم عمل الاتفاقيات الثنائية بين الدول الأعضاء في الاتفاقية، بغية تسيير خطوط جوية دولية منتظمة.

اتفاق مرور الخطوط الجوية الدولية “اتفاق العبور” iasta

international air services transit agreement

أُقر هذا الاتفاق للتوقيع عليه في مدينة شيكاغو، في 7 ديسمبر عام 1944م، وأصبح ساري المفعول اعتباراً من 30 يناير عام 1945م. ويطلق عليه اتفاق الحريتين، وهو يتضمن الحرية الأولي “حرية العبور”، والحرية الثانية “حرية الهبوط” لأغراض غير تجارية stop for non traffic purposes. وحظي بقبول عام، من الدول المختلفة.

اتفاق النقل الجوي الدولي، أو ما يُسمى “اتفاق الحريات الخمس” iata

international air transport agreement

فُتح باب التوقيع على هذا الاتفاق، اعتباراً من 7 ديسمبر 1944م، وأصبح ساري المفعول اعتباراً من 8 فبراير 1945م.

وينظم هذا الاتفاق تبادل الحريات الجوية الخمس، في مجال النقل الجوي الدولي المنتظم، بما في ذلك الحريتين الأولى والثانية.

ولم يحظ اتفاق النقل الجوي بأي نجاح يذكر، فقد انضمت إليه تسع عشرة دولة فقط، وانسحبت منه إلى الآن سبع دول، بل إن الولايات المتحدة الأمريكية، التي نادت بمبدأ الحرية في مؤتمر شيكاغو، أعلنت بعد أن وقعت على هذا الاتفاق أنها لن تصدق عليه، وسحبت توقيعها عليه في 25 يولية 1946م.

المنظمة المؤقتة للطيران المدني الدولي picao

قرر مندوبو الدول، التي شاركت في مؤتمر شيكاغو عام 1944م، إنشاء منظمة مؤقتة “بيكاو”، لها سلطات استشارية فقط، وتعمل إلى أن يتم إنشاء المنظمة الدولية الدائمة.

وقد عملت المنظمة المؤقتة، خلال الفترة من 7 ديسمبر 1944م، إلى 4 أبريل 1947م، حتى أُعلن رسمياً مولد الإيكاو. وخلال هذه المدة أرست المنظمة المؤقتة أسس منظمة دولية متفرغة، لتحقيق احتياجات الطيران المدني. واتخذ أعضاء المنظمة المؤقتة، الإجراءات الكفيلة بتقديم وصياغة التوصيات، بخصوص الأوضاع القاسية، والطرق، والوسائل، التي تضمن سلامة، وانتظام، وجدوى النقل الجوي الدولي. وكان على الدول أن تتبع هذه التوصيات بصفة مؤقتة، إلى أن تُصاغ الأوضاع القياسية الدولية، وطرق العمل الموصى بها، بواسطة المنظمة الدائمة، طبقاً لما تقضي به أحكام اتفاقية الطيران المدني الدولي.

وعن طريق التعاون بين الدول الأعضاء، وسكرتارية المنظمة المؤقتة، وُضعت نماذج لمختلف الخدمات المطلوبة لسلامة الطيران المدني الدولي، مثل: خدمات الأرصاد الجوية، وتنظيم حركة المرور الجوي، والاتصالات اللاسلكية، ومحطات المدى، وتنظيمات البحث والإنقاذ، وغير ذلك من الخدمات والتسهيلات.

قسّمت المنظمة المؤقتة سطح الكرة الأرضية، إلى عشر مناطق، على أن تتولى كل منطقة عقد مؤتمرات دورية، لبحث المسائل، التي تهم الدول المندمجة في كل منها، ومن بين هذه المناطق العشر منطقة الشرق الأوسط. وقد عقد مؤتمر منطقة الشرق الأوسط في مدينة القاهرة، في أول أكتوبر 1946م، وفيه تمت الموافقة على بعض التوصيات، وأرسلت إلى المقر الرئيسي لمنظمة الطيران المدني الدولي المؤقتة لإقرارها.

ومن أهم هذه التوصيات: “إنشاء مركز للمراقبة الجوية، وإنشاء فرع لمنظمة الطيران المدني، ومركز لاستقصاء وإذاعة البيانات والإعلانات في مدينة القاهرة. كما جاء في هذه التوصيات، اتخاذ القاهرة مركزاً لإنقاذ الطائرات، لمنطقة تشمل برقة، ومصر، وفلسطين، وشرق الأردن، وتركيا، والحجاز. كما تزود القاهرة منطقة الشرق الأوسط بخرائط الطقس، وإذاعة التقارير والتنبؤات الجوية.