بحث عن الطعن بالاستئناف في أحكام التحيين العقاري على معنى القانون عدد 67 لسنة 2009 بتونس.

الإعداد : الأستاذة آمال بالحاج عمارة
رئيس مصلحة ومتفقد مركزي
بإدارة الملكية العقارية ببن عروس


لقد دأبت إدارة الملكية العقارية على تنفيذ أحكام التحيين الصادرة عن المحكمة العقارية في إطار قانوني التحيين الأوّل عدد 34 المؤرخ في 10 أفريل 2001 والثاني عـدد 67 المؤرخ في 12 أوت 2009، حيث جاء هذا الأخير تكريسا لإصلاح المنظومة القانونية في المادة العقارية.

نظرا وأنّ العقار عنصرا أساسيّا وسندا للإستثمار الصناعي والفلاحي والسياحي ولم يكن أمام المشرّع التونسي سوى البحث عن حلول جذرية وعميقة لتخيلص الرسوم العقارية من الجمود لذلك تجلّت خيارات المشرع لإقرار الطعن في الأحكام الصادرة عن المحكمة العقارية وحسم الجدل الذي نشب بين رجال القانون والدوائر المجتمعة بالمحكمة العقارية بخصوص مدى قابلية الأحكام الصادرة في مادة التحيين العقاري للطعن بالمراجعة حيث حسم المشرع ذلك الجدل خاصة في توفير أكثر الضمانات لحماية حق الملكية الذي كرّسه الدستور وجميع الوثائق الدولية، فجاء قانون عدد 67 لسنة 2009 المؤرّخ في 12 أوت 2009 حيث أدرج فيه المشرّع حوالي ( 13 ) فصلا نصفها يتعلّق بإجراءات تقديم الإستئناف في مادة التحيين العقاري ويتميّز هذا الأخير عن الإستئناف المدني فهو يعتبر تكريسا للبعد الإجرائي الذي أقرّه المشرّع ضمن هذا القانون، حيث إقتضت الإجراءات الجديدة أن يكون للسجل العقاري دورا أثناء قيام حق الطعن بالإستئناف ودورا بعد إنقضائه وآخر بمناسبة ممارسته. لذلك فإنّ المشرّع طوّع خصوصيّة السجل العقاري وآليّاته مع مقتضيات الإستئناف فتنقيح قانون عدد 34 لسنة 2001 بالقانون عدد 67 لسنة 2009 أساسه تدعيم ضمان أصحاب الحقوق المتعاملة على السجل العقاري، الأمر الذي يدعــونا للتساؤل عن الطبيعة القانونية لإستئناف أحكام التحيين هل أنّنا أمام إستئنافا عاديا أم أنّ المشرع أقرّ إستئنافا خاصا يتماشى وخصوصية المادّة العقارية والسجل العقاري ؟ للإجابة عن هذا التساؤل :

سنتعرّض في مبحث أوّل إلى تحديد نطاق مبدإ الطعن بالإستئناف في أحكام التحيين I ):

لنتعرّض في مبحث ثاني منه إلى الوسائل الإجرائية للطعن بالإستئناف في أحكام التحيين ( II ).

وفي مبحث ثالث وأخير آثار الطعن بالإستئناف في أحكام التحيين العقاري ومدى تأثيــرها على السجل العقــاري ( III ).

مبحث أوّل ( I ) :تحديد نطاق مبدأ الطعن بالإستئناف في أحكام التحيين :

– مقابل تشدّد إدارة الملكية العقارية ومغالاتها في تطبيق مبادئ الشهر العيني وخاصّة مبدأ الشرعية مكّن قانون التحيين هياكل مختصّة بالنّظر في مطالب التحيين.

حيث أنشأ قانون عدد 67 لسنة 2009 إزدواجية قضائية مؤسسة على التفرقة بين إختصاص قاضي السجل العقاري وإختصاص دائرة الرسوم المجمّدة والسؤال الذي يطرح في هذا الإطار ماهي الأحكام القابلة للطعن بالإستئناف فهل هي الصادرة عن قاضي السجل العقاري أم عن دوائر الرسوم المجمّدة ؟

إنّ آليّة الطعن بالإستئناف ودواعي إقرار هذا المبدإ التي تضمّنها قانون عدد 67 لسنة 2009 لتمكين المتقاضي من عرض نزاعه على دائرة قضائية أعلى درجة وهو أمر يفترض وجود نزاع في الأصل فما هي الحكمة من ذلك ؟

إلى حد هذا اليوم لاوجود لفقه قضاء في هذا الإطار ولكن يمكن تبرير هذا الخيار التشريعي بكون حكم التّرسيم حكم بات وقد يمنع صدوره الغير من ترسيم كتائبهم أو قد يؤدي صدوره إلى التّأثير على حقوق الغير المرسّمة لذلك مكّن المشرّع ذلك الغير من التظلّم من ذلك الحكم.

ولكن هل أنّ جميع الأحكام الصّادرة عن قاضي السجل العقاري ودوائر الرسوم المجمّدة هي القابلة للطعن بالإستئناف ؟ في تحديدنا لهذه الإشكالية لابدّ أن نذكر أنّ قرارات قاضي السجل العقاري والتي تتمثّل في تصحيح الوثائق المقدمة للتّرسيم وتجاوز الإخلالات الشكلية إلى جانب ذلك أسند له المشرع تحرير الفرائض على مقتضيات البيانات الورادة بالرسم العقاري وهو إختصاص جاء للقضاء على ظاهرة الشيوع الذي شكّل سببا من أسباب جمود الرسوم العقارية لعدم تحديد نسب إستحقاق المستحقيّن بموجب الإرث أو عند إبرام بيوعات متلاحقة لذلك كلّف المشرّع قاضي السجل العقاري بتحديد سهم كلّ وارث دون أن يتجاوز إلى تحديد المنابات الإستحقاقية.

ولم يقتصر دور قاضي السجل العقاري على تجاوز الإخلالات الشكليّة في مطالب التحيين وتحرير الفرائض بل رجوعا لمقتضيات الفصل ( 6 ) من قانون عدد 34 لسنة 2001 الذي ينصّ ” لايمكنه أن يصدر حكما قاضيا برفض المطلب

فإن تبيّن له خروج مطلب التحيين المقدم إليه عن نطاق إختصاصه يعلم رئيس المحكمة العقارية بذلك ويحيل الملف إليه تطبيقا للفصل 16 من نفس القانون “.

يتّضح من خلال هذا الفصل أنّ قاضي السجل العقاري يتخلّى عن النّظر كلّما تبيّن له أنّه لايمكن البتّ في المطلب دون الخوض في أصل الإستحقاق، ومايمكن استنتاجه حسب رأيي الشخصي في إطار ما عرضناه فإنّ قرارات قاضي السجل العقاري سواءا في إصلاح الغلطات المادية أو في تحرير الفرائض أو قرار التّخلّي تبقى أحكام متمّمة للأحكام الصّادرة في مادة التحيين طالما لم يقع الطعن في الحكم الأصلي لايمكن قبول الطعن في الحكم الإصلاحي ويبقى السؤال المطروح ماهي مدى قابلية الأحكام الصّادرة عن دوائر الرسوم المجمّدة للطعن بالإستئناف ؟

خلافا لقاضي السجل العقاري فإنّ المشرّع أسند لدوائر الرسوم المجمّدة إختصاصا عامّا وشاسعا يتجاوز النظر في الصّعوبات الشكليّة للبتّ في أصل الإستحقاق فهي هيأة حكميّة ثلاثيّة تنظر في مختلف المطالب حيث تصدر أحكاما قاضية بالقبول أو الرفض الكليّ أو الجزئي للمطالب فما هو نطاق إقرار الطعن بالإستئناف في أحكام دائرة الرسوم المجمّدة هل يشمل جميع الأحكام الصّادرة عنها ؟

لقد حدّد المشرّع ضمن الفصل 6 من قانون عدد 34 لسنة 2001 إختصاص دائرة الرسوم المجمدة ” التي تنظر قصد إجراء التخليصات اللاّزمة للرسوم العقارية في المطالب الرّامية للحصول على ترسيم أو تنصيص أو تشطيب أو إبطال تشطيب أو تعديل أو ترسيم أو حط من ترسيم أو إصلاح ترسيم أو ضبط المنابات الإستحقاقية ” نلاحظ من خلال هذا الفصل أنّ المشرّع لم يترك مجالا للتّساؤل إن كان إختصاص الدائرة في مادة التحيين إختصاص حصري أو ورد على سبيل الذكر وقد حدّد المشرع مهامها والتي وردت على سبيل الحصر.

ولئن أصبح للترسيم بالسجل العقاري أهمّية بالغة على إثر تفعيل مبدإ المفعول المنشئ للتّرسيم الذي إشترط ترسيم الحق لقيامه وللمعارضة به فالتّرسيم هو يثبت الحق والتّرسيمات اللاّحقة لإقامة الرسم العقاري هي المعنية بمطلب الترسيم، كما خوّل الفصل 392 من مجلة الحقوق العينية لدائرة الرسوم المجمدة الإذن بالتنصيصات اللاّزمة، وقد أكّدت دائرة التّحيين الإستئنافية ضمن حكم إستئنافي عدد 160 صادر عن دائرة التحيين الإستئنافية بتاريــخ 11 جانفي 2001 ” أنّ التّنصيص والذي يتعلّق أساسا ببيانات تهمّ أطراف الرسم العقاري وهوّيتهم وحالتهم المدنية أو العقار كالتنصيص على خضوعه لمبدإ المفعول المنشئ أو التنصيص على مطلب التحيين وهذا التّنصيص فيه تكريس لمبدإ التسلسل السّليم والشرعي لإنتقال الملكية “.

إلى جانب ماتم ذكره ضمن الفصل 6 من قانون التحيين المذكور أعلاه فإنّ دائرة الرسوم المجمّدة أسند لها المشرّع إختصاص إستثنائي يتمثّل في طلبات التّخصيص بقطعة أو بقطع يتمّ إستخراجها من الرسم وقد حدّد الفصل 22 من قانون التحيين عدد 67 لسنة 2009 الذي أكّد صراحة ” أنّ إختصاص التخصيص يختلف عن القسمة وأنّ المحكمة العقارية غير مختصّة بالنّظر في قضايا القسمة والفسخ …..”

بالتّالي فإنّ الفصل ( 22 ) المذكور مكّن لدائرة الرسوم المجمّدة أن تصرّح بقبول الطلبات أو رفضها كلاّ أو بعضا لكن لايمكنها أن تحكم بالقسمة أو فسخ العقود أو إبطالها على أنّ هذا لايمنعها من التّأمّل في الكتائب وتقديم بعضها على بعض في حدود ضرورات تخليص الرسم العقاري من الجمود وفي إطار مبادئ الشهر العيني. يبقى لنا أن نتعرّض إلى مآل الحكم الذي تصدره المحكمة في إطار وجود صعوبة تنفيذية خاصّة بعد أن تأكّد عمليّا من خلال ما أثارته إدارة الملكية العقارية من صعوبات تنفيذية أنّ الفصل ( 25 ) من قانون التحيين لم يستوعب جميع أسباب مواجهة الصّعوبات التنفيذية ؟

إنّ تنقيح سنة 2009 وسع في مجال الصّعـوبات التنيفـيذية صلب الفصل( 25 فقرة 2 ) ” إذا تعذّر تنفيذ الحكم يمكن لدائرة الرسوم المجمّدة النظر في الصّعوبات التي حالت دون تنفيذ الحكم “، بالتّالي فإنّ دائرة الرسوم المجمّدة تصدر حكما يقضي بتجاوز الصعوبة التنفيذية وذلك عبر تعديل الحكم أو التّرسيمات الوارد بالرسم التي تمّت خلافا للفصول 13 و 14 من قانون التحيين. في هذا الإطار برز موقف لدى رجال القانون وتمسّكوا بأنّ تعديل الحكم إثر صعوبة تنفيذية لايمكن أن يصل إلى حدّ الإلغاء الذي وضع له المشرّع التونسي آليات صلب القانون وهي الطعن بالإستئناف لكن من أهمّ الإشكاليّات المطروحة بخصوص إستئناف أحكام الصعوبة التنفيذية هو إثارتها في ظلّ نظام إعادة النظر وصدور الحكم بعد سنة 2009 خاصّة وأنّ المشرّع لم يصدر أحكاما إنتقاليّة لحسم التّنازع الزمني للإختصاص.

ما نلاحظه من خلال ممارستنا العملية وتعاملنا مع الرّسم العقاري من الناحية التّطبيقية فإنّ توجّه المشرّع في قانون 2009 عند إقراره لقابليّة الأحكام للطعن بالإستئناف لم يختلف عن توجّهه في قانون 2001 عند تكريسه لآلية إعادة النظر للطعن في أحكام التحيين وذلك بأن أقرّ بأنّ أحكام التّحيين الإيجابية تقبل الطعن بالإستئناف طبقا لمقتضيات الفصل 28 جديد طالما أقرّ حقوقا لأشخاص وأسقط حقوق أشخاص أخرى حيث ينصّ الفصل (28 ) جديد من قــانون عــدد 67 ” الذي ورد في طالعه ” إنّ الإستئناف مفتوحا للطعن في الأحكام الصّادرة في مادة التحيين ” ممّا يحيل أنّ هذه الأحكام سواء كانت إيجابية أو سلبيّة فإنّما تقبل الطّعن بالإستئناف، فــي هذا الإطار نلاحظ تذبذب المشرع

خاصّة وأنّ الفصل ( 28 ) عند ذكره لشروط رفع الطعن بالإستئناف إستعمل المشرع عبارة ” الحكم بالتحيين ” وهو مايوحي أنّ الأحكام القاضية بقبول التحيين وحدها القابلة بالطعن في الإستئاف، هذه المسألة طرحت ولازالت نقاشا كبير عند رجال القانون إلاّ أن الدائرة الإستئنافية ضمن حكم إستئنــافي عدد 39 صادر عنها بتاريخ 22 جوان 2010 حسمت المسألة وأكّدت علـى أنّ أحكام الفصل 28 جديد من قانون التحيين عدد 67 ” جاءت صريحة في أنّ الأحكام الصّادرة عن دائرة الرسوم المجمّدة أو قاضي السجل العقاري سلبية كانت أم إيجابية تقبل الطّعن بالإستئناف ” بشرط المصلحة وبقطع النظر عن المركز القانوني لطالب الإستئناف ” وفي هذا الإطار بقي لنا نتساءل عن آجال وشروط ممارسة الطعن بالإستئناف في أحكام التحيين هذا ماسنتناوله في المبحث الثـاني ( II ).

المبحث الثاني (II ) :

الوسائل الإجرائية للطعن بالإستئناف في أحكام التّحيين:

لقد سعى المشرع من خلال قانون عدد 67 لسنة 2009 والمؤرّخ في 12 أوت 2009 لفتح باب الطعن بالإستئناف وذلك بأن جعل نطاق الطعن يشمل جميع أحكام التّحيين تأثّرا بما هو معمول به في المادّة المدنية والتجارية، الأمر الذي يدعونا إلى التّساؤل عن كيفيّة ممارسة الطعن بالإستئناف وشروطه ؟ لقد وضع المشرّع ضمن قانون عدد 67 لسنة 2009 شروطا لممارسة الطعن بالإستئناف تنطلق من ضرورة إحترام آجال رفعه وإجراءات التقدم به.

لقد حدّد الفصل ( 24 ) جديد من قانون عدد 67 آجال الطعن بالإستئناف وذلك بأن خوّل ” لكلّ من له مصلحة حق الطعن بالإستئناف بدايته تاريخ صدور الحكم ونهايته ( 60 ) يوما من تاريخ إدراج الحكم بالرسم العقاري “

لقد أحدث المشرع العقاري إعتماد معيار صدور الحكم كمنطلق لإفتتاح آجال الطعن وليس كمنطلق لسقوط آجال الطعن تحديدا في مادة القانون العقاري لأنّه لأوّل مرّة يقع إعتماد تاريخ صدور الحكم كمعيار لإفتتاح هذه الآجال وليس لإختتامها لكنّ ماهي مبرّرات هذا الخيار التشريعي الذي كرّسه المشرّع ؟

لقد وضع المشرّع على كاهل إدارة الملكية العقارية واجب إشهار قابلية حكم التحيين الذي تدرجه بالرسم العقاري للطعن بالإستئناف من كلّ من له مصلحة إلى نهاية أجل ( 60 ) يوما من تاريخ إدراجه بالرسم العقــاري الفصل( 24 ) جديد فقرة ( 3 ) ويعدّ هذا الشرط من الخصوصيّات التي تميّز الإستئناف عن الإستئناف في المادّة المدنية والتجاريّة.

ممّا يجرّنا للقول أنّ المشرّع سعى بذلك إلى حرمان من يتعامل على العقار خلال آجــال الطعن فـي الحكم من قريـنه حسن النيــّة حيث نصّ ضمن الفصل ( 305 جديد ) من مجلة الحقوق العينية ” كلّ حق عيني لايتكوّن إلاّ بترسيمه بالسجّل العقاري وإبتداءا من تاريخ ذلك التّرسيم وإبطال التّرسيم لايمكن أن يعارض به الغير الذي إكتسب حقوقا على العقار عن حسن نيّة وإعتمادا على التّرسيمات الواردة بالسجل العقاري “

وبالتّالي في تفحّصنا للفصول المنظّمة للمارسة الطّعن بالإستئناف في أحكام التّحيين لم نجد فصل أو فقرة خصّصت لجزاء رفع الإستئناف بعد إختتام آجال الطعن كما هو الحال للطّعن بالإستئناف الموجّه ضدّ الأحكام المدنية والتجارية. فما يمكن ملاحظته من خلال ماسبق أنّ المشرّع لم يرتّب عند عدم إحترام آجال الطعن جزاء سقوط الطعن وذلك لتبسيط الإجراءات وضمان ممارسة الحق وإستقرار الوضعيّات وحقوق المتعاملين مع السجل العقاري بقي لنا أن نتساءل عن كيفيّة وشروط ممارسة الطعن بالإستئناف ؟

لقد عهد المشرّع إلى المحكمة العقارية بعد التّنقيح ضمن قانون التحيين عدد 67 المؤرخ في 12 أوت 2009 والتي تنتصبّ في مادّة التحيين إختصاصا حكميّا للنّظر في إستئناف أحكام التحيين فهي تنتصب كمحكمة درجة ثانية للنّظر في إستئناف أحكام التحيين الصّادرة عن هياكل التحيين والتي تتمثل في قاضي السجل العقاري ودائرة الرسوم المجمّدة لذلك لابدّ من إتّباع شروط شكليّة دقيقة وضعها المشرّع وجب إحترامها عند رفع الطعن حيث ينص الفصل ( 29 ) من قانون عدد 67 لسنة 2009 ” يرفع الإستئناف لدى دائرة إستئنافية بالمركز الأصلي للمحكمة العقارية بتونس متألفة من قاضي من الرتبة الثالثة رئيس ومن قاضيين إثنيين من الرتبة الثانية عضوين ممّن لم يسبق لهم المشاركة في الحكم المستأنف ويمكن أن يكون القاضيان من القضاة الغير التابعين للمركز الأصلي لهذه المحكمة عند الإقتضاء”.

بالتالي فإختيــار المشرّع للمحكمة العقـارية والتي هـي حسب الفصل ( 310 ) من مجلة الحقوق العينية مختصة في مادة التسجيل والتحيين فيه ضمان للنجاعة والسرعة في الفصل في مطالب التحيين وتخليص الرسوم العقارية من الجمود، لكن ماهي الشروط الشكليّة للطعن بالإستئناف ؟

اقتضى الفصل ( 30 ) جديد من قانون عدد 67 ” إنّ الإستئناف يرفع بواسطة محامي لدى التّعقيب أو الإستئناف أو بواسطة المكلّف العام بنزاعات الدولة “

بالتّالي فقد أسسّت الدائرة الإستئنافية للتّحيين نحو إعتبار أنّ عدم إحترام رفع الطعن بواسطة محامي لدى الإستئناف أو التعقيب من الإجراءات الأساسية التي يترتّب عن عدم إحترامها رفض المطلب شكلا دون حاجة للخوض في الأصل ويمكن أن نستشف من خلال الفصل 30 جديد المذكور أعلاه أنّ المشرّع حسم الجدل في خصوص إمكانيّة تقديم مطلب إستئناف حكم تحيين بواسطة المكلّف العام بنزاعات الدولة بوصفه ممثّلا عن الدولة وذلك تماشيا مع مايقتضيه القانون عدد 13 لسنة 1988 المؤرّخ في 07 مارس 1988 والذي يقضي ” بنيابة المكلف العام بنزاعات الدولة في القضايا المتعلّقة بتمثيل الدولة والمؤسّسات ذات الصبغة الإدارية والمؤسّسات الخاضعة لإشراف الدولة “

إلى جانب إنابة المحامي الوجوبية لرفع الطعن بالإستئناف فإنّ الفصل( 30 ) جديد إستوجب ” أن تتضمّن عريضة الإستئناف هويّة الطرف المستأنف وصفته إن كان طالبا في الأصل أو معارضا او متداخلا أو طرفا جديدا “

وهذه الشروط الشكليّة لاتختلف في الحقيقة عن شروط الإستئناف في المادّة المدنيّة والتجاريّة والتي إقتضاها الفصل 30 من مجلة المرافعات المدنية والتجارية إلى جانب ذلك فإنّ عريضة الطعن يجب أن تتضمّن تنصيصات متّصلة بالحكم المطعون فيه من ذلك : عدد الحكم المستأنف، تاريخه، نصّه والمحكمة

التي أصدرته. كما إستوجب المشرّع ضمن القانون عدد 67 أن يقوم المستأنف بتأمين مبلغ ثلاثون دينارا كمعلوم خطيّة تسلّط على المستأنف ضدّه إذا خاب في طعنه وتعفى الدولة من دفع هذا المعلوم.

وبالتّالي فبعد أن تتلقّى المحكمة العقارية عريضة الطعن خالية من جميع الإخلالات يقوم كاتب المحكمة بتقييدها بالدفتر المعدّ لها ويكاتب فرع المحكمة التي أصدرت الحكم الإبتدائي في جلب الملف الأصلي ويقوم رئيس المحكمة العقارية بتعيين موعد للجلسة ثمّ يحيله للدائرة الإستئنافية.

ماألاحظه شخصيّا ممّن سبق عرضه أنّ إجراءات الطعن بالإستئناف في أحكام التحيين العقاري تتميّز بخصوصية عن الإجراءات في المادّة التّجارية والمدنية لذلك فإنّ آثار الطعن بالإستئناف في أحكام التحيين تختلف عن الآثار المترتّبة عن القرار الإستئنافي الصّادر عن محاكم الحق العام والسؤال الذي يطرح في هذا الإطار: فيم تتمثّل آثار الطعن بالإستئناف في أحكام التّحيين العقاري وما هو مدى تأثيرها على السجل العقاري ؟ ( المبحث الثالث III )

المبحث الثالث (III) :

آثار الطعـن بالاستئناف في أحكام التحييـن العقاري ومـدى تأثيرها على السجـل العقاري :

يعـد مبدأ التقاضي على درجتين من المبادئ التي تهم النظام العام وقد اختار المشرع الطعن بالإستئناف في أحكام التحيين العقاري كآليـة لتفعيل هذا المبـدأ الذي يترتب عنه أثاران يتمثلان : الأول في المفعول الإنتقالي والثاني في المفعول التعليقي فخلافا لإعادة النظر الذي أقـره المشرع كآلية طعن إستثنائية دون أن يرتب عنه لا المفعول الانتقالي ولا المفعول التعليقي بل أن قانون التحيين عدد 67 لسنة 2009 رتب عن الطعن بالإستئناف الأثران المذكوران أعلاه، فما هو نطاق المفعول الانتقالي لإستئناف أحكام التحيين ؟

ينقـل الطعن بالإستئناف الدعوى بحالتها التي كانت عليها قبل صدور الحكم المستأنف بجميع مسائلها الواقعية والقانونية لتعيد محكمة الإستئناف النظر فيها من جديد في حدود ما تسلط عليه الطعن، كما أنه وتطبيقا لمقتضيات المفعول الإنتقالي لا يمكن لمحكمة الدرجة الثانية أن تتعهد بالنظر إلا في النزاع الذي سبق أن رفعه نفس خصوم الدرجة الأولى.

وخلافا للمادة المدنية والتجارية قد مكن المشرع الدائرة الإستئنافيـة صلب الفصل (32) جديد من قانون التحيين عدد 67 لسنة 2009 من النظر في طلبات جديدة لم يسبق أن تعهدت بها هياكل التحيين الإبتدائية ” تنظر الدائرة الاستئنافية في مطلب الاستئناف وكذلك في المطالب الجديدة التي يمكن أن يقدمها لها الأطراف بشرط أن تكون مرتبطة بالرسم العقاري موضوع التحيين” بالتالي فإن قانون عدد 67 المذكور أعلاه أقـر صراحة جواز تعهـد الدوائر الاستئنافية للتحيين بالنظر في طلبات جديدة خلافا للطعن بالتعقيب في أحكام التسجيل العقاري التي حافظ فيها المشرع على مبـدأ عام تضمنه الفصل 357 ثالثا م ح ع ” جواز التقدم بطلبات جديدة مناسبة الطعن بالتعقيـب”.

إن تكريس المشرع للمفعول الانتقالي بالطعن بالاستئناف علقه على توفر شرطين : الأول في تحقق مصلحة لطالب الطلبات الجديدة طبقا للفصل (28) جديد من قانون التحيين والثاني في ارتباط الطلبات الجديدة بالرسم العقاري موضوع التحيين تطبيقا للفصل (32) جديد من قانون التحيين عدد 67 وقد أكدت ذلك الدائرة الاستئنافية ضمن حكم استئنافي عدد 44 الصادر عنها بتاريخ 22 أفريل 2011 عندما تعهدت بالنظر في مطلب إستئناف بني على طلبات جديدة مؤكدة على ” أنه طالما أن الطلبات الواردة بمستندات الاستئناف هي من قبيل الطلبات الجديدة المرفوعة ممن له مصلحة وتندرج في المفهوم القانوني الصحيح للطلبات الجديدة المرتبطة بالرسم العقاري موضوع النظر وفقا لمقتضيات الفصلين 28 و32 من القانون عدد 67 لسنة 2009 المؤرخ في 12 أوت 2009فإنه من المتجـه الإستجابة لها”.

لكن ما نلاحظه أن صياغة الفصل 32 جديد من قانون التحيين طرحت إشكالا تتمثل في استعمال المشرع صلبه لعبارات يمكن أن نستشف منها أن تعهد دائرة التحيين الاستئنافية بالنظر في طلبات جديدة قد تم تعليقه على تحقق شرط إرتباطها بالرسم العقاري موضوع التحيين مما يدعونا للقول أن الفصل (32 جديد) صياغته تبدو متعارضة مع مقتضيات الفصل (14) من قانون التحيين فمراد المشرع لم يتجه نحو فتح إمكانية وحيدة للتقدم بطلبات جديدة تتمثل في تعلق الطلبات الجديدة المقدمة للدائرة الاستئنافية بمطلب تحيين الرسم العقاري وليس بالرسم العقاري بالتالي فكلما ثبت للدائرة الاستئنافية أن الهدف من التقدم بطلبات جديدة هو عدم حماية حقوق لم يقع الكشف عنها عند نشر مطلب التحيين أمام هياكل التحيين الإبتدائية فإنهـا لا تتعهد بالنظر فيها ويتم الرجوع الى المبادئ العامة وقد أكدت ذلك الدائرة الاستئنافية ضمن حكم تحيين إستئنافي عدد 167 الصادر عنها بتاريخ 08 مارس 2011 ” المطلب تمت اثارته لأول مرة لدى الدائرة الاستئنافية ولا يمكن الاستجابة له وذلك عملا بمقتضيات الفصل 147 م م م ت واتجه رفضه” فبالتالـي فإن المشرع العقاري ودائرة التحيين الاستئنافـية علقا التعهـد بالنظر في طلبات جديدة على تحقق شرطين الأول يتمثل في ارتباط طلبات جديدة بنفس مطلب التحيين الذي قدم لهياكل التحيين الابتدائية وليس بكامل الرسم العقاري وأما الثاني فيتمثل في التحقق بأن التقدم بهـذه الطلبات الجديدة ليس لغرض تقديم مطلب تحيين جديد. إلى جانب ذلك فإن المشرع العقاري إكتفى ضمن قانون التحيين عدد 67 لسنة 2009 بشرط المصلحة لممارسة حق الطعن بالاستئناف من أطراف الحكم أو من أي طرف جديد دون أن يشترط الصفة والأهلية للقيام اللذان كرسهما ضمن القواعد العامة للإجراءات لسير التقاضي، ولنا أن نتساءل عن المفعول التعليقـي لإستئناف أحكام التحيين العقاري وما هو أثر ذلك على السجل العقاري ؟

إن المشرع ضمن الفصل 146 م م م ت الذي جاء فيه ” إن استئناف الأحكام الابتدائية يعطل تنفيذها إلا فيما إستثناه القانون” أي يخول هذا المبـدأ توقيف الحكم الصادر ابتدائيا الى أن يحرز على قوة الشيء المقضي به ولكن تعليق تطبيق حكم التحيين الابتدائي لا يراد به في مادة التحيين ايقاف تنفيذ الحكم الذي تعهدت به المحكمة العقارية حالا وبمجرد صدوره طبقا للفصل (24 جديد) من قانون التحيين الذي جاء فيه ” يتم تنفيذ الحكم الصادر بالتحيين حالا بعد إعلام الخصوم” فالمفعول التعليقي للطعن بالإستئناف لا يتسلط على الحكم الصادر في مادة التحيين وإنما على الرسم العقاري موضوع مطلب التحيين المطعون فيه من جهة وعلى غير أطراف الحكم الذين يتعاملون عليه.

وبمجرد صدور الحكم تتعهـد المحكمة العقارية بتنفيذه وذلك بتوجيهه لإدارة الملكية العقارية قصد إدراجه بالرسم العقاري والتي تتولى هذه الاخيرة قيده قيدا احتياطيا بالرسم العقاري طبقا لما نص عليه الفصل (31 جديد) من قانون التحيين عدد 67. بقي لنا أن نتساءل عن آثار الطعن بالاستئناف في حكم التحيين على الرسم العقاري ؟

إن مشرع التحيين إختار تطبيقا مختلفا للمفعول التعليقي للإستئناف وذلك بأن أقـر أن الطعن بالاستئناف في أحكام التحيين لا يوقف تنفيذها تطبيقا للفصل (24 جديد) الذي ينص : ” يتم تنفيذ الحكم الصادر بالتحيين حالا بعد إعلام الخصوم”، وهو منهج يختلف عن الطعن بالتعقيب حيث ينص الفصل (332 جديد) م ح ع “أن الطعن بالتعقيب يوفق تنفيذ الحكم المطعون فيه”. كما خالف مشرع التحيين الفصل 146 م م م ت الذي جاء ” أن استئناف الاحكام الابتدائية يعطل تنفيذها إلا فيما استثناه القانون” ما نلاحظه أن منهج المشرع هو نفسه الذي توخاه في ضل إعادة النظر حيث ان الحكم ينفذ حلا من المحكمة ولا يترتب عن الطعن بإعادة النظر تعليق تنفيذ الحكم وتأكيدا من المشرع على ضرورة تنفيذ الحكم وعدم تعليق تنفيذه بمقتضى الطعن فيه بالاستئناف اعتمد ادراج الحكم كمعيار لإفتتاح آجال سقوط الطعن بالاستئناف. فبإحراز الحكم على قوة الشيء المقضي به لا يمكن أن يتحقق إلا بعد اختتام آجال الطعن التي ضبطها الفصل (24 جديد) بـ”(60) يوما من تاريخ إدراجه بالرسم العقاري”.

ويمكن تبرير اختيارات المشرع لعدم تعليق تنفيذ الحكم بوضع آليات بديلة تضمن حماية حقوق أطراف الحكم والغير، وبالتالي فإنه لا يترتب على حكم التحيين إلا مجرد إذن لإدارة الملكية العقارية بإدراج حكم أو تنصيص على رفض مطلب التحيين ولا يحرز هذا الحكم على قوة الشيء المقضي به إلا بعد انقضاء آجال الطعن والإدلاء بشهادة في عدم الاستئناف يتسلمها من الدائرة الإستئنافية وحرصا على حماية الحقوق وضعت آليات بديلة لتعليـق تنفيذ الحكم تجعل الحكم ينفـذ حالا تتمثل بالإذن بقيد الطعن بالاستئناف قيدا احتياطيا وما يترتب عنه من منع التعامل مع الرسم العقاري. فبمجـرد التعهد بمطلب الاستئناف بعد إحالته من رئيس المحكمة العقارية لرئيس دائرة الاستئناف يأذن هذا الأخير لإدارة الملكية العقارية لتتولى قيد الاستئناف قيدا احتياطيا دون أن تتوقف على احترام شروط أو جدية مطلب الاستئناف وهو ما نص عليه الفصل (31) جديد من قانون التحيين عدد 67 لسنة 2009. ويعد إجراء قيد الطعن بالاستئناف قيدا احتياطيا تكريسا لرغبة المشرع في توفير المزيد من الضمانات للمتقاضين في المادة العقارية وحماية حقوق الطاعن وذلك من خلال رفع قرينة حسن النية عن كل من يتعامل على العقار حيث ورد بالفصل (305 جديد م ح ع) فقـرة 2 ” أن ابطال الترسيم لا يعارض به الغير الذي اكتسب حقوقا على العقار عن حسن نية واعتمادا على الترسيمات الواردة بالسجل العقاري” فالهدف من إجراء القيد الاحتياطي للطعن بالاستئناف هو رفع قرينة حسن النية عن كل من يتعامل على العقار وهو ما يفترض عدم إجراء ترسيمات لاحقة للقيد ومعاوضة المستفيد منها بوجود ذلك القيد وذلك طبقا لما جاء بالفصل (24 جديد) من قانون التحيين عدد 67 أقر صراحة في الفقرتين 4 و5 ” لا يجوز لإدارة الملكية العقارية إجراء أي عملية مطلوبة ما لم يقع الإدلاء بما يفيد عدم استئناف الحكم المطعون فيه ولا يجوز للغير التمسك بقرينة حسن النية عند اكتسابه حقا على العقار ما دام أجل الاستئناف قائما والى حين إدراج قيدا احتياطيا بالرسم العقاري إن تم استئناف الحكم المطعون فيه” لكن لئـن تم تأسيس قابلية الترسيمات اللاحقة على طبيعـة القيد الاحتياطي كآلية لحفظ الحق وليس كآلية لتجميـده وإيقاف التعامل عليه فإنه لا يمكن أن يعتـد بهذا الأساس لأن الفصل (14 جديد) من القانون أباح لإدارة الملكية العقارية بعد إذن من رئيس المحكمة العقارية لإجراء الترسيمات اللاحقة لوجود قيدا احتياطيا بعد التحقق من عدم تعلقها بالمطلب المنشور لدى محكمة الإستئناف فلا ينجر طبقا للفصل 14 المذكور عن القيد الاحتياطي تعطيل حركة الرسم فالمبـدأ : هو وقف الترسيمات اللاحقة بمجرد قيد الطعن بالاستئناف قيدا احتياطيا أما الاستثنـاء : هو إمكانية تعهد إدارة الملكية العقارية بإجراء ترسيمات لاحقة للقيد الاحتياطي بإذن من رئيس الدائرة الاستئنافية وذلك على إثر تحققه من عدم اتصال الحق المراد ترسيمه بمطلب التحييـن موضوع الطعن طبقـا لما أقـره الفصل (14 جديد). بالتالي ما يمكن أن نستنتجه من خلال ما عرض أن الدائرة الاستئنافية تتمتع بسلطة تقديرية مطلقة للإذن لإدارة الملكية العقارية بإدراج ترسيمات لاحقة لقيد الطعن قيدا احتياطيا وذلك كلما تبين لها أن هذه الترسيمات لا تتصل بموضوع مطلب التحيين المنشور أمامها وتكون إدارة الملكية العقارية ملزمة بالإذعان لهذا الإذن القضائي، ومبرر ذلك أن المشرع يخشى من أن ينجـر عن ذلك صعوبة تنفيذ الحكم الإستئنافي بعد صدوره.

ويختلف الحكم الإستئنافي من حيث صيغته وآثاره المتمثلة أساسا في تطهير الرسم العقاري عن القرار الإستئنافي الصادر في المادة المدنية والتجارية بالتالي أصبح من الممكن لنا الحديث عن أحكام تحيين ابتدائية منذ إقـرار مبـدأ الطعن بالاستئناف في أحكام التحيين العقاري بموجب القانون عدد 67 لسنة 2009 وذلك بعد أن كانت هذه الأحكام تكتسي صبغة باتـة منذ صدورها عن هياكل التحيين الابتدائية، ما نلاحظه أن اتجاه مشرع التحيين صريحا في خصوص صبغة القرار الاستئنافي الذي اختار أن تكون باتة وغير قابلة للطعن بالتعقيب حيث جاء بالفصل (32 جديد) فقرة 3 ” وتبت الدائرة الإستئنافية في المطلب وتأذن في جميع الحالات بالتشطيب على القيد الاحتياطي المتعلق بالاستئناف وتكون أحكامها باتـة ولا تقبل الطعن بالتعقيب ولا بأي وسيلة أخرى”. بالتالي إن اختيار قانون التحيين لسنة 2009 مخالفا لما هو معمول به في المادة المدنية والتجارية وذلك بأن يخص القرار الاستئنافي الصادر عن الدائرة الاستئنافية للتحيين بصبغة باتـة.

ما يمكن أن نختم به موضوعنا المتعلق بالطعن بالاستئناف في احكام التحيين العقاري على معنى القانون عدد 67 لسنة 2009 المؤرخ في 12 أوت 2009 أن المشرع التونسي في بداية هذا القرن سعى إلى تحقيق التلاءم بين المنظومة العقارية والحقوق الفردية والجماعية، وبهـذا الخيار كان هدفه حماية العقار. كأداة للتنمية الاقتصادية والاستقرار الاجتماعي، حيث كان هاجسه يتمثل في القضاء على ظاهرة الرسوم المجمدة وتحيينها، فتراوحت توجهاته حول حماية المصلحة العامة والتي تقتضي حماية العقار والسجل العقاري، وإضفاء قدسية على أحكام التحيين وحماية المصلحة الخاصة لأصحاب الحقوق والتي تقتضي إقرار قابلية أحكام التحيين للطعن فيها، بالتالي فإن المشرع بعد تنقيح القانون عدد 34 لسنة 2001 المؤرخ في 10 أفريل 2001 بالقانون عدد 67 لسنة 2009 المؤرخ في 12 أوت 2009 حسم المسألة حيث أصبحت أحكام التحيين العقاري قابلة للطعن بالاستئناف وأصبح لكل من تضررت حقوقه من جراء حكم التحيين القيام بدعوى قضائية، ما نلاحظه أن القانون عدد 67 المذكور أعلاه كان بمثابة مرآة تعكس من خلالها هاجس المشرع نحو فتحه لباب الطعن وجعله يمارس دون قيود مع محافظته على المادة، الأمر الذي يجعل من أحكام هذا القانون أن تكون محل جدل وإشكاليات لما فيها من غموض جعلت إدارة الملكية العقارية تجد صعوبات تطبيقية في تعاملها مع السجل العقاري بالتالي بات من الضروري أن يتدخل المشرع وفقه القضاء لحل الغموض وحسم الإشكاليات القانونيـة.​

إعادة نشر بواسطة محاماة نت