قانونية العملات الافتراضية – المحامي علي العريان

يحتدم الجدل بين القانونيين في الكويت حول مدى قانونية تداول العملات الافتراضية وأشهرها البتكوين والتعامل بها، وبينما نشرت في الصحف اليومية تصريحات تضمنت آراء خاطئة لا تقوم على أساس ولا سند من القانون، فقد استلزم أن نبين حقيقة المسألة.

بداية لا يوجد قانون خاص ولا لائحة في دولة الكويت بشأن تداول العملات الافتراضية والتعامل بها، ولذا فتحديد مدى قانونية ذلك يقتضي الرجوع إلى التشريعات والقرارات التنظيمية القائمة والسارية، وبناء على ذلك نتناول الموضوع من عدة جوانب:

أولا: هل يشكل تداول العملات الافتراضية جريمة غسل أموال؟

لا يمكن القول بأن مجرد تداول العملات الافتراضية والتعامل بها يشكل جريمة غسل أموال، وذلك رغم أن هذه العملات تسهل من آليات ارتكاب الجريمة المذكورة، إلا أن الأصل فيها الإباحة، ويجري عليها ما يجري على النقود المعتادة، فأصل تداولها مباح ما لم يثبت أنها استعملت في ارتكاب جريمة ما، وذلك لأن المادة (2) من القانون رقم (106) لسنة 2013 بشأن غسل الأموال وتمويل الإرهاب تستلزم لوقوع جريمة غسل الأموال أن تكون الأموال متحصلة من جريمة وأن يكون الجاني يعلم بذلك، أي بكون الأموال متحصلة من جريمة، فيقوم عمدا بأحد الأفعال المادية المنصوص عليها في القانون لتبييض هذه الأموال، وبالتالي فمجرد تداول العملات الافتراضية لا يعتبر جريمة غسل أموال في حد ذاته كما زعم البعض، بل إن المشرع لم يكن غافلا حينما شرع القانون المشار إليه عن وجود العملات الافتراضية حيث نص عليها ضمن تعريفه للعديد من المفاهيم في المادة (1) منه، فقد ذكر في تعريفه لـ (الأموال) بأنها قد تتخذ أشكالا متعددة منها الشكل الالكتروني أو الرقمي، كما ذكر في تعريفه لـ (المؤسسة المالية) بأنها أي شخص يمارس عملا تجاريا أو أكثر من الأنشطة والعمليات المنصوص عليها ومنها إصدار وإدارة وسائل للدفع مثل النقود الالكترونية، كما ذكر في تعريفه لـ (الحساب) بأنه أي تسهيل أو ترتيب تقوم بموجبه مؤسسة مالية بقبول ودائع أو نقدية أو أدوات قابلة للتداول .. إلى أن قال أو تحصيل .. نقود الكترونية، وهكذا يتضح بما لا يدع مجالا للشك بأن المشرع لم يكن في غفلة عن وجود النقود الالكترونية، إلا أنه مع ذلك لم يضع نصا يحظرها ولم يجرمها، بما يدل – علاوة على مبدأ أصالة الإباحة – بأن تداولها والتعامل بها مباح قانونا.

ثانيا: هل يشكل تداول العملات الافتراضية جريمة تقليد أوراق النقد؟

تنص المادة (4) من القانون رقم (32) لسنة 1968 بشأن النقد وبنك الكويت المركزي والمهنة المصرفية على ما يلي: “1- إصدار النقد امتياز مقصور على الدولة، يمارسه البنك المركزي دون سواه. 2- يحظر على أية جهة أخرى خلاف البنك المركزي أن تصدر أو تضع في التداول أوراقا أو مسكوكات نقدية أو أي سند أو صك يستحق الدفع لحامله عند الطلب ويمكن تداوله كعملة قانونية، وذلك بقصد استعمال هذه الوسائل كأداة دفع بدلا من النقد الصادر طبقا لأحكام هذا القانون. 3- يعاقب كل من يخالف أحكام هذه المادة بالعقوبات المقررة في قانون الجزاء لتقليد أوراق النقد أو تزييف المسكوكات”.

وبالرجوع إلى قانون الجزاء نجد المادة (263) منه تنص على ما يلي:

“كل من قلد أوراق النقد بأن صنع ورقة تشبه أوراق النقد الصحيحة أو زورها بأن أدخل على ورقة نقد صحيحة تغييرا أيا كان، وذلك بقصد استعمال الورقة المقلدة أو المزورة في التداول، يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز خمسة عشرة سنة، ويجوز أن تضاف إليها غرامة لا تجاوز خمسة عشر ألف دينار. تعد ورقة نقدية كل سند أصدره بنك أو أصدرته حكومة، أيا كانت جنسيتهما، يحمل تعهدا بدفع مبلغ من النقود لحامله بمجرد الطلب وبقصد تداوله كعوض أو كمقابل للنقود”.

قد يزعم زاعم في ضوء المادتين السابقتين بأن تداول العملات الافتراضية يشكل جريمة بموجب القانون رقم (32) لسنة 1968 يعاقب عليها بالعقوبة المقررة في قانون الجزاء لتقليد أوراق النقد أو تزييف المسكوكات، ولا شك بأن هذا الفهم غير سليم، وذلك – وبعد العلم بأن القانون رقم (32) لسنة 1968 لم يورد تعريفات للمصطلحات الواردة فيه – لأن العملات الافتراضية ليس لها مصدر، فإن كان الإصدار امتيازا مقصورا على الدولة، وإن قام به غيرها اعتبر مرتكبا لجريمة وفقا للمادة آنفة الذكر، إلا أن العملات الافتراضية ليس لها مصدر، وبالتالي فالركن المادي للجريمة لا يمكن تحققه، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن عبارة “أوراق أو مسكوكات نقدية أو أي سند أو صك يستحق الدفع لحامله عند الطلب ويمكن تداوله كعملة قانونية” لا يمكن أن تشمل العملات الافتراضية إلا بتكلف، وهو ما لا ينسجم مع مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات وتفسير الشك لصالح المتهم، ووجوب تفسير النص الجنائي التجريمي في أضيق الحدود، نعم قد يقول قائل بأن قانون الجزاء عرف “الورقة النقدية”، إلا أننا نعتقد بأن هذا التعريف لا يسري على المواد محل التجريم في المادة (4) من القانون رقم (32) لسنة 1968 وذلك لأن المادة الأخيرة إنما رتبت ذات العقوبة المقررة في قانون الجزاء لجريمة تقليد أوراق النقد دون سائر المضامين ومنها تعريف “الورقة النقدية” لأن الجريمة المنصوص عليها في المادة (4) المشار إليها هي جريمة خاصة تأخذ حكم جريمة تقليد الأوراق النقدية وليست هي ذات جريمة تقليد الأوراق النقدية، وعلى كل حال فإن التعريف الوارد في قانون الجزاء “للورقة النقدية” غير جامع للعملات الالكترونية أيضا لأن العملة الالكترونية ليس لها مصدر.

وهكذا يصبح من نافلة القول أن جريمة استعمال أو تداول أو ترويج ورقة نقد مقلدة أو مزورة أو إدخالها إلى البلاد والتي جرمتها المادة (264) من قانون الجزاء لا تنطبق أيضا على العملات الافتراضية لأنها ليست أوراقا نقدية.

ثالثا: هل يعتبر التعدين Mining إصدارا للعملة؟

طالما كان إصدار العملة امتيازا مقصورا على الدولة، ويجرم قيام غير البنك المركزي بإصدارها على الوجه الذي بيناه، فمن المهم أن نعالج مسألة التعدين، وما لو كان يعتبر إصدارا للعملة الافتراضية أم أن النص الجنائي قاصر عن أن يجرمه.

لا شك عندنا بأن النص قاصر على تجريم عملية التعدين، وذلك لأن إسباغ وصف العملة على العملات الافتراضية هو محل نظر قانوني، ولأن إصباغ وصف الإصدار على عملية التعدين هو أيضا محل نظر، والنصوص الجنائية يجب أن تفسر في أضيق الحدود ولصالح المتهم.

رابعا: هل يخضع تداول العملات الافتراضية لرقابة الجهات الرقابية؟

لا شك بأن تعريف الورقة المالية المنصوص عليه في القانون رقم 7 لسنة 2010 بشأن هيئة أسواق المال وتداول الأوراق المالية ينحسر عن العملات الافتراضية ولا يشملها، وبالتالي فهذه العملات لا تخضع لرقابة هيئة أسواق المال، نعم قد يخضع الشخص المرخص له من قبل هيئة أسواق المال في تعاملات بالعملات الافتراضية لرقابة الهيئة من حيث هو شخص مرخص له وليس من حيث أنه تعامل بالعملات الافتراضية وتداولها.

والأمر كذلك أيضا بالنسبة إلى الوحدات الخاضعة لرقابة البنك المركزي، ووزارة التجارة، فليس ثمة نص صريح يبسط رقابة هذه الجهات على تداول العملات الافتراضية، هذا إن أمكن ذلك أصلا، حيث أن من أهم مميزاتها هو أنها توجد في فضاء لا مركزي بعيدا عن سلطة الجهات الرقابية، نعم يلتزم البنك المركزي بإصدار تعليماته إلى الوحدات الخاضعة لرقابته بشأن وسائل الدفع الالكتروني على الوجه الذي سنبينه لاحقا.

وبالتالي فيغدو تداول العملات الافتراضية والمضاربة بها تخضع للقواعد العامة، والتي تقضي ببسط رقابة وزارة التجارة والصناعة عليها في بعض الحالات.

خامسا: من الناحية المدنية، هل السداد بالعملات الافتراضية يبرئ الذمة؟

صدر القانون رقم (20) لسنة 2014 بشأن المعاملات الالكترونية في دولة الكويت بهدف تنظيم هذه المعاملات، والأصل فيه – وفقا للمادة (2) منه – أنه يسري على المعاملات المدنية والتجارية والإدارية، وتنظم المواد من (28) وإلى (31) الدفع الالكتروني، حيث تنص المادة (28) على ما يلي: “يعتبر تحويل النقود بوسائل الكترونية وسيلة مقبولة لإجراء الدفع …الخ”، وقد ألزمت المادة (31) البنك المركزي بإصدار التعليمات اللازمة للوحدات الخاضعة لرقابته بهدف تنظيم أعمال الدفع الالكتروني للأموال بما في ذلك اعتماد وسائل الدفع الالكتروني، وفي رأينا إن تقاعس البنك المركزي عن القيام بالتزامه هذا أو عجزه عنه لا ينفي صحة التصرف القانوني الذي تم من خلال العملة الالكترونية كالوفاء بالدين أو سداد الأجرة مثلا من خلال العملة الالكترونية، إذ أن ذلك لا يتنافى والنظام العام ولا يوجد نص يحظره.

سادسا: من ناحية التنفيذ الجبري والميراث، كيف يتم التنفيذ على العملات الافتراضية أو توزيعها بين الورثة في حال وفاة مالكها؟

لا شك بأن ذلك متعذر ما لم تكن هنالك قناة رسمية يمكن من خلالها الولوج إلى ملكية الشخص من العملات الافتراضية، كما لو كانت بيانات محفظته الالكترونية مسجلة لدى جهة رسمية، وعلى أية حال فهذه المعضلة تقنية وليست قانونية، فمن الناحية القانونية تطبق أحكام الميراث ذاتها، ولكن بطبيعة الحال لن يكون من الممكن تطبيق كافة وسائل التنفيذ الجبري ما لم يكن بإمكان جهة رسمية ما الولوج إلى النظام وتحويل الملكيات بمنأى عن مالك العملات الافتراضية ورغما عن إرادته.

فإذا ضاع “الكود” أصبحت العملة الالكترونية حبيسة العالم الافتراضي وتبددت ولم يمكن الحصول عليها، ولذا تنتهج بعض الشركات التي تدير المحافظ طرقا مؤسساتية تسمح بانتقال “الكود”، إلا أن مخاطر ذلك هو إمكانية تعقب الأموال والتنفيذ الجبري عليها.

سابعا: هل يمكن أن تكون العملات الافتراضية محلا لجريمة السرقة؟

يتبنى قانون الجزاء الكويتي نظرية جارسون في الاختلاس حيث يعتبره متحققا بالاستيلاء على الحيازة، فأركان جريمة السرقة لا تتحقق إلا بالاستيلاء على الحيازة والملكية، ويجب أن يكون المال المسروق منقولا ماديا، وبالتالي فالجريمة لا تتحقق لو كان المسروق معلومات مؤتمتة أو الكترونية، وذلك خلافا لبعض أحكام محكمة النقض الفرنسية التي انتهجت مذهبا حديثا في تفسير الاختلاس، حيث يكفي لديها ظهور الجاني على الشيء المسروق بمظهر المالك، وبهذا المذهب يمكن القول بإمكانية ورود السرقة على المعلومات في الكمبيوتر، حيث تتجه أحكام القضاء الفرنسي إلى وقوع جريمة السرقة عند استعمال أجهزة الكمبيوتر والقيام بنسخ معلومات موجودة فيها، و في الواقع فإن العملات الافتراضية ليست إلا معلومات، وهكذا فإن قانون الجزاء الكويتي لا يسعف في تجريم سرقة العملة الالكترونية.

ولكن جاء القانون رقم (63) لسنة 2015 بشأن جرائم تقنية المعلومات ليسد العديد من هذه الثغرات، حيث أن نص هذا القانون على تجريم العديد من العمليات المالية الالكترونية مثل الاستيلاء وغسل الأموال وتمويل الإرهاب والاحتيال الالكتروني والدخول غير المشروع وغيرها بحسب التكييف القانوني للفعل.

ثامنا: هل يمكن إثبات التعاملات الالكترونية على هذه العملات؟

إثبات التعاملات الالكترونية مثل الدفع الالكتروني من خلال العملة الالكترونية مسألة مهمة وذلك للتمسك بها فيما لو وقع نزاع بشأن الوفاء بدين مدني أو تجاري مثلا، وآليات الإثبات هي مسألة تقنية أكثر من كونها قانونية.

تاسعا: نموذج لمحاذير قانونية في دول أخرى: هل تداول العملات الافتراضية يتضمن انتهاكا للقوانين الضريبية؟

تعتبر وحدة مصلحة الضرائب IRS في الولايات المتحدة العملات الافتراضية ملكية، وبالتالي فلا بد من حساب الأرباح أو الخسائر الناتجة عن تبادلها، وبالتالي فإن ملاك العملات الافتراضية ملزمون بالإفصاح عن تلك المعلومات لوحدة مصلحة الضرائب، لقد ألزمت IRS متداولي البتكوين بالاحتفاظ بسجلات عن أي عمليات بيع يقومون بها على عملاتهم الالكترونية، وذلك تمهيدا لحساب التغيرات في قيمتها لاحقا وقيمة الضرائب المستحقة للدولة.

يعتبر الاحتفاظ بالسجلات عملية شاقة وشبه مستحيلة بسبب التقلبات السريعة في أسعار العملات الافتراضية، ويرى بعض المحامين أن اعتبار IRS للعملات الالكترونية بأنها “ملكيات properties وليست عملات” هو خطأ.

وليست الولايات المتحدة الأمريكية هي الوحيدة التي تطبق قوانينها الضريبية على العملات الافتراضية فهكذا تفعل أيضا فنلندا، كما تدرس إيرلندا إصدار قرار مماثل.

على صعيد عملي سيكون من الصعب جدا على وحدة مصلحة الضرائب أن تراقب ملكيات الأفراد من العملات الافتراضية.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت