الرقابة البرلمانية على السلطة التنفيذية

احمد شهاب

السلطة التشريعية واحدة من السلطات الثلاث الى جانب التنفيذية، والقضائية ويمكن القول انها اهم السلطات كونها تملك القدرة على سن القوانين والتي تعني سن مبادىء عامة، او كلية للدولة، وكما هو وارد في الدستور العراقي الجديد في المادة 58/

اولا: (تشريع القوانين الاتحادية) وتطوير هذه القوانين وجعلها تختص في حدود ما تتطلب من تعيينات جديدة وحاجة المجتمع وتطوره ومديات اتساعها.. وما تتضمنه شؤون الحياة للدولة باسرها، وهي بهذا كما وصفها هيجل (لحظة الكلية في الفكرة)
يكمن الغرض في توزيع السلطات، عدم تركيز السلطة بيد فرد او جماعة او لجنة او مجلس، بل ان السلطات الثلاث مجتمعة تسهم وبشكل مشترك في ممارسة السلطة الواحدة في الدولة، لذا فان التأثير المتبادل بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية يتجسد خصوصا في مسؤولية السلطة التنفيذية امام المجلس، وتلك اهم المميزات في النظام البرلماني، مما يعني تحقيق التوازن بين السلطتين من خلال استخدام الوسائل القانونية المنصوص عليها في الدستور حيث المادة 58/ الفقرة ثانيا تؤكد (الرقابة على اداء السلطة الاتحادية).

ان الفكرة الاساسية في التقسيم الوظيفي للسلطات وخصوصا الوظيفة التشريعية، هي قيام المكلفين بها، اعطاء الاطار العام لكل النشاطات التي تتم داخل الدولة ولتحقيق ذلك اسندت للقائمين بهذه الوظيفة مهمة اصدار القوانين، لتكون بعد ذلك شعبية وعامة لكل مواطني الدولة، وليكون القانون متمتعا بصفة العموم وبعيدا عن الفردية.. مما يعني ان القانون لا يوجد الى شخص معين بالذات، بل الى مجموعة من الاشخاص حددت صفاتهم بصورة عامة ومجردة، ولزومية هذه القوانين وقواعدها العامة، تدخل في صميم اختصاص ومهام الوظيفة التشريعية.
ان اولى المحاولات في هذا التقسيم قام بها جون لوك ومن بعده مونتسكيو، ثم جان جاك روسو الذي القى الضوء على جوانب هذا التقسيم. ان لوك يرى ان (السلطة العليا هي السلطة التشريعية.. المهم صنع القوانين) وعدم اجتماع السلطات في الايدي نفسها من شانه ان يجعل السلطة التشريعية اعلى من السلطة التنفيذية (انها الروح التي تعطي الشكل والحياة والوحدة للدولة) (تاريخ الفكر السياسي ـ جان توشار- ص 296) وبفضل مونتسكيو اصبح مبدأ فصل السلطات شكلا ثابتا وان اي مجتمع لا يتم فيه مبدأ فصل السلطات (ليس له دستور). ربما يفهم من هذا ان فصل للسلطات يعني استقلالية كل منهما عن الاخرى بصورة مطلقة، وهذا غير صحيح بل المراد منه اقامة نوع من الموازنة في توزيع السلطة مستتبع بالتناغم والاسناد التضامني (وغير مجزئ للسلطة العليا الى الاجهزة الثلاثة ـ انه يدعو الى المشاركة في السيادة بين القوى السياسية الاخرى) (تاريخ الفكر السياسي – جان توشار – ص312).

واعتبار ان المجتمع او الدولة سلطة واحدة يمكن ان يكون لها عدة قابضين.
وبحسب تعبير روسو” تتداخل السلطة التنفيذية بالسلطة التشريعية “ [تاريخ الفكر السياسي، المصدر السابق ص 337]. وهو بهذا يختلف عن مونتسكيو في استنتاجاته حول شكل الحكومة واحلاله النسبية او ما يسمى بالراهنية المتعلقة بالاوضاع المحلية، واهم ما يواجه الحكومة الديمقراطية هو تأمين التضامن في الجسم الاجتماعي..
ان التطورالاجتماعي والاقتصادي ادى الى تطور الديمقراطية بشكل كبير ووظائف القابضين على السلطة فضرورة التوجهات الاقتصادية وتسارعها ادى الى زيادة دور السلطة التنفيذية ووزاراتها في حياة الدولة، وتحولت من منفذ فقط الى موجه ومحرك للدولة وخصوصا بعد التطور الهائل في الاقتصاد الحديث وتعقيداته التكنيكية مما ادى الى بروز طبقة جديدة فرضت حضورها كسلطة هي فئة التكنوقراط، واصبح من الضروري اشراكها في التوجهات العامة لصناعة القانون والقرار، مما اعطى السلطة التنفيذية مقدرة جديدة في لعب دور المحرك والموجه.
ودور التنفيذ لم يعد كما كان بل اضحى التخطيط السياسي، والاجتماعي، والاقتصادي، من المهام الرئيسية التي تقوم بها، وامام هذا التطور في الوظائف يقف البرلمان (المجلس النيابي) ليلعب دور المقيد والمراقب والمعارض في بعض الاحيان وضمن الصلاحيات المنصوص عليها في الدستور حيث جاء في المادة 6/58/أ بـ” مساءلة رئيس الجمهورية بناء على طلب مسبب وبالاغلبية المطلقة لعدد اعضاء مجلس النواب “.

وكذلك من نفس المادة” ب “ اعفاءه اذا ثبتت ادانته من المحكمة الاتحادية في حدود حالات اوضحها الدستور ـ وللبرلمان الحق بمسائلة اي وزير واستدعائه في المواضيع ذات الاختصاص كما” يجوز لخمسة وعشرين عضوا من مجلس النواب طرح موضوع عام للمناقشة لاستيضاح سياسة واداء مجلس الوزراء لمحاسبتهم في الشؤون التي تدخل في اختصاصهم “. بالاضافة الى سلطة البرلمان في” سحب الثقة من احد الوزراء بالاغلبية المطلقة ويعد مستقيلا في تاريخ قرار سحب الثقة “. كما في المادة 8/58/أ من الدستور ويملك المجلس صلاحيات اقالة رئيس مجلس الوزراء، بالاضافة الى اعلان الحرب وحالة الطوارئ.

من كل ما تقدم، يمكن القول ان السلطة التنفيذية في نشاطاتها المتعددة، كمحرك للحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية ليست حرة بل تخضع لتقييد البرلمان، ومما جاء في مواد الدستور العراقي الجديد نلاحظ ان السلطة التشريعية” البرلمان “ قيدت بصورة مسبقة السلطة التنفيذية ونشاطها في حدود الاطار القانوني، ويبدو ذلك واضحا من خلال التغيير بشكل الرقابة عن طريق الاسئلة والاستجواب الذي يقوم به اعضاؤه. والبرلمان منبر تسمع منه اصوات المعارضة والمصالح الخاصة واصوات المدافعين عن حريات المواطنين الاساسية، وهذا يعني ان وظيفة البرلمان تتجاوز دور الرقابة والتقييد لتلعب ايضا دور المحرك للسلطة التنفيذية.