الجزاءات الجنائية في القانون الدولي العام

المحامية: منال داود العكيدي
ظهرت الجزاءات الجنائية في القانون المدني العام بعد الحرب العالمية الثانية حين تمت معاقبة كبار مجرمي الحرب الالمان امام محكمة نورمبرغ عام 1945 و اليابانيين الذين تمت محاكمتهم امام المحكمة الدولية في طوكيو عام 1946 وقد اتجهت الجهود الدولية منذ قيام الامم المتحدة نحو بناء نظام دولي جنائي دقيق ودائم استنادا لهاتين المحكمتين .

و على هذا الاساس دعت الجمعية العامة للامم المتحدة عام 1948 لجنة القانون الدولي الى دراسة امكانية انشاء هيأة قضائية دولية لمحاكمة الاشخاص المتهمين بارتكاب جريمة الابادة الجماعية او جرائم اخرى وقد استمرت جهود اللجة اكثر من خمسين عاما حيث تم انجاز النظام الاساسي للمحكمة الجنائية الدولية وقدمته للجمعية العامة للامم المتحدة في دورتها التاسعة والاربعين وعلى اثر ذلك دعت الجمعية العامة في عام 1998 الى مؤتمر دولي لمناقشة المشروع وتم عقد المؤتمر في روما وفي السابع عشر من تموز من العام نفسه اعتمد المؤتمر النظام الاساسي للمحكمة الجنائية الدولية باغلبية كبيرة حيث صوت الى جانبه 120 دولة ودخل دور النفاذ في الاول من تموز من عام 2002 ليكون مقر المحكمة بعد ذلك في لاهاي وللمحكمة بموجب النظام الاساسي اختصاص النظر في الجرائم التالية : (جريمة الابادة الجماعية من الجرائم ضد الانسانية ، جرائم الحرب ، واخيرا جريمة العدوان ) .

وتقتصر اجراءات المحكمة على الجرائم الدولية التي يرتكبها الاشخاص الطبيعيين وليس الاشخاص المعتوهين في مثل الدول لان مسؤولية الدولة تتقرر بموجب القانون الدولي وبمعنى اخر فان النظام الاساس للمحكمة الجنائية الدولية يقوم على تقرير المسؤولية الجنائية الفردية .

وقد انشأ مجلس الامن محكمتين جنائيتين لمحاكمة المتهمين المسؤولين عن الانتهاكات الخطيرة للقانون الدولي الانساني في يوغسلافيا السابقة وفي رواندا بموجب الفصل السابع من الميثاق ، وقد كان اختصاص هاتين المحكمتين محدود من حيث مكان وقوع الجريمة وزمانها .

والى جانب المحكمة الجنائية الدولية فقد قرر مجلس الامن بموجب قراره المرقم في 837 والمؤرخ في 25/5/1993 انشاء محكمة دولية لمحاكمة الاشخاص المسؤولين عن الانتهاكات الخطيرة للقانون الدولي الانساني التي ارتكبت في اقليم يوغسلافيا السابقة منذ عام 1991 واستنادا لنظامها الاساسي تنظر المحكمة الدولية في الجرائم المناهضة للانسانية مثل القتل والابادة والاسترقاق والترحيل والسجن والتعذيب وكذلك جرائم الاغتصاب والاضطهاد لاسباب سياسية وعرقية ودينية وسائر الافعال الغير انسانية .

وفي قرار اخر لمجلس الامن وهو القرار المرقم 955 والمؤرخ في 8 / تشرين الثاني من عام 1994 فقد انشات محكمة دولية لمحاكمة الاشخاص المسؤولين عن اعمال ابادة الاجناس وغيرها من الانتهاكات غير الانسانية والتي وقعت في الفترة مابين الاول من كانون الثاني ولغاية 31 / كانون الاول من عام 1994 في رواندا وقرر مجلس الامن بموجب قراره المرقم 977 في عام 1995 ان يكون مقر المحكمة في اروشا جمهورية تنزانيا المتحدة وتعد هذه المحكمة هي اول محكمة دولية تعالج على وجه التحديد جريمة الابادة الجماعية ولغاية اب من عام 1998 اصدرت المحكمتان لوائح اتهام ضد 100 شخص تقريبا ( 60 منهم في المحكمة الدولية ليوغسلافيا السابقة ) و 26 في المحكمة الدولية لرواندا .

ومن جهة اخرى فقد انشأت المحكمة الدولية الخاصة لسيراليون وفقا للاتفاق المعقود بين حكومة سيراليون والامم المتحدة في 16/1/2002 وبدأت عملها في تموز من عام 2002 وهي محكمة مختلطة تجمع بين اليات وقوانين دولية ووطنية وتشمل اختصاصها انتهاكات القانون الدولي الانساني وجرائم يشملها القانون الوطني لسيراليون .

كما ان مجلس الامن انشا بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري عام 2005 محكمة دولية خاصة لمحاكمة المتهمين باغتياله والتي بدأت عملها في الاول من اذار من عام 2009 .