إثبات النسب في الشرع و القانون

إن علاقة الزواج تعتبر من أنبل و أقدس الروابط ، مجدتها الشريعة الإسلامية و إحاطتها بعناية بالغة ،فهي السبيل الشرعي الوحيد لتكوين أسرة أساسها المودة و الرحمة و المحافظة على الأنساب.

و لان النسب حقيقة كبرى في هدا الوجود جعل الله البشر دوي نسب و ذوي مصاهرة ، فذووا النسب هم الآباء و الأمهات و الأبناء و الأعمام و الأخوال ، و ذوا المصاهرة هم أقرباء دوي الأنساب، فجعلت له الشريعة السمحاء ضوابط و أحكام ثابتة . و النسب في اللغة هو القرابة و الالتحاق فنقول مثلا: ” انتسب الولد إلى أبيه أي التحق … وفلان يناسب فلان فهو نسيبه أي قريبه”

أما في الشرع فالنسب هو علاقة الدم أو رباط السلالة أو النوع الذي يربط الإنسان بأصوله و فروعه و حواشيه و رباط السلالة هو السبب في تكوين الأسرة ثم العشائر و القبائل و الشعوب و الأمم .

إذا السبب الشرعي هو إلحاق الولد بابيه دينا و قانونا و حضارة ، و يبنى عليه الميراث و ينتج عنه موانع الزواج و يترتب عليه حقوق و واجبات أبوية و بنوية ، أما النسب الغير شرعي فلا يترتب عليه من ذلك شيء إطلاقا .

فالنسب طريقة يبعد العار الذي هو شعور بالذنب بمخالفة الفرد قواعد الحياة التي فطر عليها الإنسان ، و إقرار بنعم الله و جحودها خسران يوم القيامة حيث اوجب الشارع سبحانه و تعالى نسبة الشخص الى أصله و منع المغالطة و الجحود بهدف مخالفة ما قضى الله به و جعله سنة في خلقه و من ثم كان اهتمام الإسلام بإثبات النسب و تبيان حكمه أتم بيان.

حيث حرص على أن ينسب الولد لأبيه لقول رسول الله صلى الله عليه و سلم:”الولد للفراش و للعاهر للحجر “و لذلك يجعل النسب يتبلور في دائرة الأسرة التي تقوم على النكاح المشروع ، فتحفظ الأنساب و تقوم على العفة ، و بالتالي يكون الشارع قد شدد الخناق على كل ما يعكر صفو النسب و تخليصه مما يلتصق به من لصائق و لواحق ، و كذا إبطال الطرق الغير مشروعة التي كانت شائعة في الجاهلية من تبني و إلحاق الأولاد عن طريق الفاحشة ففي قوله تعالى فيما يخص التبني: “وما جعل ادعياكم أبناءكم ذلك قولكم بأفواهكم، و الله يقول الحق و يهدي السبيل ، ادعوهم لآبائهم هو اقسط عند الله فان لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين و مواليكم “

و الأساس في النسب هو إثباته ، فان كان الميلاد واقعة فان النسب إثبات ، و إذا كان المولود وجودا فان النسب انتماء.

وقد سارت على هذا الدرب جل التشريعات العربية عامة و التشريع الجزائري خاصة ، و نضمه المشرع في المواد من 40 إلى 46 من قانون الأسرة ، وقد نصت المادة 40 من قانون الأسرة الجزائري على طرق إثبات النسب و حددتها بكل من الزواج الصحيح، و الفاسد و الدخول بالشبهة و الإقرار و البينة ، ومع اصطدام إحكام إثبات النسب التي نضمها المشرع ثم القانون تنظيما دقيقا و محكما بالتطورات و الاكتشافات العلمية خاصة منها في المجال الطبي و البيولوجي كان على المشرع أن يتماشى و هذا التطور العلمي فكانت هذه المادة محل تعديل بموجب الأمر 05-02 المؤرخ في 27 فبراير 2005 حيث تم استبدال في نص المادة “حرف الواو ” ب-أو- في الفقرة الأولى حتى لا يفهم أن إثبات النسب يقتضي مجموع أدلة الإثبات مجتمعة فكان حرف الواو حرف عطف يفيد الربط و التثبيت و “أو” تفيد التخيير، كما هو مقتضاها اللغوي ثم جاءت الفقرة الثانية و هي الجانب الجديد في التعديل

أين تم إضافة الطرق العلمية الحديثة كوسيلة لإثبات النسب متى كانت العلاقة شرعية ، وهو ما اعتبره البعض قفزة نوعية تبناها المشروع الجزائري مواكبة للتطور الذي شهده هذا المجال .

إلا أن هذا الأمر لم يخلو أبدا من التعقيدات و الترسبات التي طفت بسبب الفقهاء الذي يرجع إلى عدم تحديد تفسير جامع مانع بمعاني هذه النصوص القانونية من جهة ، و إطلاق العنان للاجتهاد في هذا المجال رغم الخطورة التي تعتريه فنتج عن هذه القفزة التشريعية فتح أبواب التناقض بدلا من حسم النزاع فلا هو حدد مفهوما لمعنى الطرق العلمية طبقا لأحكام المادة 40 من الأمر 05/02 المعدل و المتمم لقانون الأسرة ، كون أن هذه الطرق تخضع إلى عدة تصنيفات تجمع بين الظنية منها و القطعية ، و لا هو حدد أنواع هذه الطرق حتى لا تفتح المجال للقاضي للتناقض فيما يترتب عنها من حجية قد تخضع لها سلطته التقديرية .

و أمام هذا التكتل فقد توصل البعض إلى القول بضرورة تدخل المشرع بحصرها و تقنينها عن طريق التنظيم كحل أولي يقيد القاضي في عدم التوسع فيها ، و ما قد يقف أمامه كعائق نظرا لحجية الخبرة الطبية المبنية على أسس علمية، و المحررة من طرف أطباء مختصين لهم باع كبير في مجال إثبات النسب بهذه الطرق .