دراسة قانونية متميزة حول خلوة الزوج بزوجته

مقال حول: دراسة قانونية متميزة حول خلوة الزوج بزوجته

بحث ودراسة قانونية حول خلوة الزوج بزوجته

اعلام زوي العقول بان الخلوة بالمعقود عليها دخول

إعداد
محمد عوض عبد الغنى السكندري

الفهرس
– المقدمة.
– معنى الخلوة.
– معنى الإفضاء.
– تأملات.
– صورة من الإعجاز النبوي.
– أقوال السلف في معنى الدخول.
– آراء الصحابة في المسألة.
– فائدة هامة.
– آراء العلماء في المسألة.
– : شيخ الإسلام.
– : ابن قدامة.
– : ابن عثيمين.
– : ابن رشد.
– ما يتقرر به المهر.
– لماذا تقرر المهر بالخلوة.
– هل تلزم العدة بالخلوة.
– هل تلزم الحرمة بالخلوة.
– حق الرجعة.
– ترجيح المسألة.
– الأحكام المترتبة.
– شبهات والرد عليها.
– المبحث الحديثي.
– الخاتمة.

قال الحافظ بن حجر العسقلاني -رحمه الله-:

” فإن الغالب عند إغلاق الباب وإرخاء الستر علي المرأة وقوع الجماع فأقيمت المظنَّة مقام المئنة لِمَا جُبِلَت عليه النفوسُ في تلك الحالة من عدم الصبر عن الوقاع غالبًا لغلبة الشهوة وتوفير الداعية “.
[ فتح الباري (9/405)]

عونك اللهم وتأييدك , وإرشادك وتسديدك

الحمدُ لله الذي جعل النكاح لعباده مباح , بل أوجبه وجعله سنة أهل الصلاح , والصلاة والسلام علي خير من أشرقت عليه شمس الصباح , صلوات وسلامًا عليه كلما لمع نجم ولاح , وتضوع مسك وفاح , وغرد حمام وناح.

ثم أما بعدُ:…
فمن أغلي الأشياء وأثمنِها أمانة الفروجُ والأعراضُ ما أخبر به النبي (صلي الله عليه وسلم): ” أحق ما وفَيتم به من الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج”(1)
هذا والناس اليوم قد توسعوا وتساهلوا في أمور الزواج بين خطبة وعقد وطلاق, وهذا يحدث دون ضوابط شرعية ودون أن يكون هناك خطوط واضحة للأحكام الفقهية.
ولقد كثرت المشكلات , وكثرت النزاعات , مشكلات خربت فيها الذمم , وحارت من هولها العقول , ومن بين هذه المشكلات قضية (الخلوة بالمعقود عليها هل هي دخول ؟ ) .
وحين التطلع بالبحث قال أهل العلم فيه رأيان:
الأول: هو إجماع من الصحابة والتابعين أنه دخول … وهو مذهب الإمام مالك , والإمام الليث بن سعد , الإمام أبو حنيفة , الإمام أحمد بن حنبل , والإمام الشافعي في القديم.
الثاني: قالوا بأنه ليس بدخول , وبه قال الشافعي في الجديد , وبعض الظاهرية.

• ودارت هذه القضية بيني وبين أحد مشايخي انتهت بترجيح القول الأول لعدة أدلة:

1. إجماع الصحابة والتابعين وكثرة الأدلة علي أن الخلوة بالمعقود عليها دخول.
2. ضعف الأثر المرويِّ عن بن عباس(رضي الله عنهما)” لم أر في كتاب الله سترًا ولا بابًا”.
3. أنها من سد الذرائع.
4. أنها من الإثم الذي يحيك في الصدر.
5. أنها منافية للشرط الواجب الوفاء به (عدم الاستمتاع بها).
6. وقوع المفسدة علي الزوجين إذا تم الطلاق قبل البناء بها.

ولقد ناقشت في هذه المسألة شيخنا الفقيه الأصولي/السيد بن سعد الدين الغباشي.
(نفعنا الله بعلمه) فأشار علي بعدة فوائد , فجزاه الله عني وعن طلاب العلم خير الجزاء.

ثم عرضت بحثي هذا علي شيخنا المُحَدَّثْْْْْ الوالد/أحمد شحاتة السكندري – حَفِظهُ الله – فكانت له توجيهات وإرشادات وتعليقات , بل قام جزاه الله خيرًا بكتابة المبحث الحديثي لهذه المسألة , فجزاه الله عن الجزاء.

وانتهى الأمر بمناقشة شيخنا ، فضيلة الشيخ/علي أبو الحسن- حفظه الله – رئيس لجنة الفتوى بالأزهر سابقاًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًً , والذي ذكر لي أن لجنة الفتوى بالأزهر تأخذ بهذا الرأي درءًاً للمفسدة , وسدًا للذرائع.

ومن هُنا كان هذا البيان , وإِيضاحه بهذا التبيان , حتى يوفى كل ذي حقٍ حقه , وتوضع الأمور في نصابها الصحيح.

ويكفينا القول في هذه المسألة أن الزواج ميثاق غليظ , ربط الله به بين القلوب , وأحكم به وثائق النفوس , فليس من المعقول أن تصبح الفتاة مجالاً مستباحًا دون عِوض , ودون أن يكون هناك قاصمة ظهر للعابثين بالأعْراض .

وليس من المعقول أيضًا أن يصبح الشاب في ظل المعاناة الطاحنة من حوله ألعُوبَة بأيدي زوجته وأهلها متى شاءوا استساغوه , ومتى سمحت لهم الفرصة لفظوه !

ألا فليتق الله كلا الفريقين , وليعلما أنه “عند الله تجتمع الخصوم” وإن من أفسد الفساد وأكل حقوق العباد , والمقترف لهذا الإثم يلزمه التوبة والاستغفار, وطلب العفو من المظلوم , وإلا فإن الظلم عاقبته وخيمة , وكما تدين تدان.

اللهم انفعنا بما علمتنا , وأجعله حجة لنا لا علينا , واجعلنا هُدَّاةً مُهتدين برسولك  مقتدين , ولصحبه  متبعين …. آمين .

وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين .

كتبهُ:
أفقر الخلق إلى الله
محمد عوض محمد عبد الغني
الإسكندرية

معنى الخلوة

الخلوة الصحيحة: هي أن يجتمع الزوجان بعد عقد الزواج الصحيح في مكان يأمنان فيه من إطلاع الناس عليهما كَدَارٍ أو بيتٍ مغلق الباب.
فإن كان الاجتماع في شارع أو طريق أو مسجد أو حمام عام أو سطح لا ساتر أو في بيت مفتوح الباب والنوافذ أو في بستان لا باب له , فلا تتحقق الخلوة الصحيحة.

ويشترط فيها ألا يكون بأحد الزوجين مانع طبيعي أو حسي أو شرعي يمنع من الوطء أو الاتصال الجنسي .
والمانع الحسي (الحقيقي): مثل مرض بأحد الزوجين يمنع الوطء من رتَق (تلاحم) , وعفَل (غدة) , أما خلوة الخصيّ (مسلوب الخصية) , والعنين (العاجز عن الجماع) فهي صحيحة .
والمانع الطبيعي: ما يمنع النفس بطبيعتها عن الجماع , مثل وجود شخص ثالث عاقل , ولو كان أعمي أو نائمًا أو صبيًا مميزًا أو زوجة أخرى .

فإن كان هناك غير مميز أو مجنون أو مغمى عليه , فالخلوة صحيحة .
والمانع الشرعي: أن يكون هناك ما يحرم الوطء شرعًا كالصومِ في رمضان , والإِحرام بحج أو عمرة , والاعتكاف , والحيض والنفاس , والدخول في صلاة الفريضة , والخلوة في المسجد , لأن الخلوة في المسجد حرام .
وأما عدم معرفة الرجل للمرأة فقال فيه ابن عابدين:
إن هذا المانع بيده إزالته , بأن يخبرها أنه زوجها , فلما جاء التقصير من جهته , يحكم بصحة الخلوة , فيلزم المهر.
فإن لم تتوافر هذه الشروط فالخلوة فاسدة , بأن يكون الزواج فاسدًا , أو الخلوة في مكان يمكن لأحد الناس الدخول عليهما (عدم صلاحية المكان) أو وجود مانع من الجماع.
وبه يكون معنى الخُلوة الفاسدة: هي كل خلوة وجد فيها مانع من الموانع الثلاثة السابقة , أو وجود شخص ثالث عاقل مع الزوجين , أو عدم صلاحية المكان , أو فساد الزواج .
وقيل الخلوة: مأخوذة من الهدوء والسكون لأن كل واحد من الزوجين قد سكن للآخر واطمأن إليه , وهي المعروفة عندهم بـ(إرخاء الستور) سواء أكان هناك إرخاء ستور أو غلق باب أو غيره .
ومن الخلوة الصحيحة أيضًا , خلوة الزيارة , أي زيارة أحد الزوجين للآخر.(1)
وجاء في بلغة السالك والشرح الصغير:
أن الخلوة – سواء أكانت بمطيعة اهتداء أم خلوة زيارة – هي اختلاء البالغ غير المحبوب بمطيقة , خلوة يمكن فيها الوطء عادة , فلا تكون لحظة تقصر عن زمن الوطء وإن تصادقا علي نفيه.(2)
_______________________________________

معنى الإفضاء:

o قال القرطبي – رحمه الله – :
قال بعضهم: الإفضاء إذا كان معها في لحافٍ واحد جامع , أو لم يجامع . حكاه الهروي وهو قول الكلبي .
وقال الفراء: الإفضاء أن يخلو الرجل والمرأة وإن لم يجامعها.
وقال ابن عباس ومجاهد والسدي وغيرهم: الإفضاء في هذه الآية الجماع….. قال ابن عباس ولكن الله كريم يكنى.
وأصل الإفضاء في اللغة: المحافظة ؟ ويقال للشيء المختلط فضا.
– قال الشاعر:
فقلت لها يا عمتي لك ناقتي وتمر فضَّـا في عيبتي وزبيب.
ويقال: القوم فوضى فضًّا , أي مختلطون لا أمير عليهم . وعلى أن معنى (أفضى) خلا وإن لم يكن جامع.(1)
________________________________________

• تأملات في قوله تعالى: ” وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ ” :

” أفضى ” بلا مفعول محدد يدع اللفظ مطلقًا , يشع كل معانيه , ويلقي كل ظلاله , ويسكب كل إيحاءاته , ولا يقف عند حدود الجسد وإفضاءاته .
بل يشمل العواطف والمشاعر , والوجدانيات والتصورات , والأسرار والهموم , والتجاوب في كل صورة من صور التجاوب .
يدع اللفظ يرسم عشرات الصور لتلك الحياة المشتركة آناء الليل وأطراف النهار , وعشرات الذكريات لتلك المؤسسة التي ضمتهما من الزمان.. وفي كل اختلاجة حب إفضاء , وفي كل نظرة ود إفضاء , وفي كل لمسة جسم إفضاء , وفي كل اشتراك في ألم وأمل إفضاء , وفي كل تفكر في حاضر أو مستقبل إفضاء , وفي كل شوق إلى خلف إفضاء , وفي كل التقاء في وليد إفضاء..
كل هذا الحشد من التصورات والظلال والأنداء والمشاعر والعواطف يرسمه ذلك التعبير الموحى العجيب :
” وقد أفضى بعضكم إلى بعض “: فيتضاءل إلى جواره ذلك المعنى المادي الصغير , ويخجل الرجل أن يطلب بعض ما دفع , وهو يستعرض في خياله وفي وجدانه ذلك الحشد من صور الماضي , وذكريات العشرة في لحظة الفراق الأسيف !
ويُضَم إلى ذلك الحشد من الصور والذكريات والمشاعر عاملاً آخر , من لون آخر: {وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا} (21) سورة النساء
هو ميثاق النكاح باسم الله , وسنة رسول الله  وهو ميثاق غليظ لا يُستهان بحرمتهِ قلب المؤمن , وهو يخاطب الذين آمنوا , ويدعوهم بهذه الصفة أن يحترموا هذا الميثاق الغليظ .
________________________________________

أ‌- صورة من الإعجاز النبوي في بيان حقيقة الخلوة:

ذكر الأستاذ/ محمد رشيد العويد ، في شرح حديث ابن عباس – رضي الله عنهما – أنه سمع النبي  يقول: ” لا يَخلُوَنَّ رجلٌ بامرأة, ولا تُسافِرَنَّ امرأةٌ إلا ومعها محرم ”
[ رواه البخاري ] .
فذكر الإعجاز الاجتماعي العظيم الذي ظهرت حقيقته , وتجلت ملامحه في الغرب الذي لم يرَ بأسًا في سفر المرأة وحدها, وخلوتها بالرجل , وخروجها من بيتها عامة.

– ودَّرَسَ الدكتور/ تيوثي بيربر ، لقاء الرجل بالمرأة , وقال: إن المرأة ترسل إشارات سرية إلي الرجل , تقنعه عن طريقها بأنه مرغوب فيه .
وهذا يحدث في أي مكان يلتقي فيه الرجل بالمرأة .
ومعرفة هذه الإشارات , وما تعنيه أساسي في تحديد لحظة الاقتراب , إذا كان الرجل يبحث عن النجاح مع المرأة !!

– وقد درست الدكتورة/ مونيكامور ، حالة النساء , واكتشفت (52) إشارة سرية يمكن أن ترسلها المرأة لتبدي رغبة في التعرف على رجل ما .

– وذكرت الدكتورة/ مونيكامور – وهي أستاذة في علم النفس – أن هناك سبع إشارات أساسية , هي الأكثر استعمالاً بين النساء , وهي: الابتسام للرجل , النظر في جوانب الغرفة , الرقص المنفرد , الضحك , النظرات القصيرة كالسهم , تمليس شعرها. والانحناء باتجاه الرجل .

وهذه الإشارات كما يقول الدكتور– بيربر – أكثر أهمية من أي حديث مشترك.
ويضيف الدكتور/بيربر: كل أشكال التقرب تمر بمراحل , وأول خطوة في ذلك هي فتح باب الاقتراب , وهذا يعني أن واحدًا من الطرفين عليه أن يتحرك باتجاه الآخر !
ويقول: إن الشائع هو أن الرجال هم الذين يبدؤون الخطوة الأولى , ولكن الحقيقة تقول غير ذلك , لأن النساء اللواتي يبدأن , وبعد أن يُقدِّمْن إشارات الترحيب , يتوقعن من الرجل أن يخطو .
ويشير إلى أنه على الرغم من أن كثيراً من الإشارات قد تبدو غير واقعية , إلا أنها تدل على الرغبة الحقيقية لدى المرأة التي تكون مستعدة لتكرارها ومضاعفتها , حتى تضع الرجل في الحالة التي تريدها .(1)
________________________________________

أقوال السلف في معنى الدخول:

اختلف السلف – رحمهم الله – في معنى الدخول , والراجح بإذن الله كما بَوَّب الإمامُ البيهقي فقال:-
( باب في معنى الدخول المشروط في تحريم الربيبة , ومن لمس جاريته فأراد ابنه أن يقربها بعد ما ملكها ).
وهذا عليه جمهور السلف:-
 عن أبي نهشل الأسود قال للقاسم بن محمد: إني رأيت جارية لي منكشفًا عنها وهي في القمر , فجلست منها مجلس الرجل من امرأته , فقالت: إني حائض , فلم أمسها فأهبها لابني يطؤها ؟ فنهاه القاسم عن ذلك ؟(1)
 وعن سالم بن عبد الله أنه وهب لابنه جارية , وقال له: لا تقربها فإني قد أردتها فلم أنبسط إليها .(2)
 وعن مسروق حين حضرته الوفاة قال: إني لم أحب من جاريتي هذه إلا ما يحرمها على ولدي: المس والنظر .
 وعن مجاهد قال: إذا مس الرجل فرج الأَمَة (3) أو مس فرجهُ فرجَها, أو باشَرَها فإن ذلك يحرمها على أبيه وعلى ابنه.(4)
 وعن الحسن أنه سُأل عن رجل جرد جاريته هل تحل لابنه , أو لأبيه أنه كان يكره ذلك إذا قبَّلها أو جردها لشهوة .(5)

وهذا المروي عن السلف في أن مجرد اللمس والمس والنظر والإفضاء هو دخول شرعي.
• وهو ما رجحه القرطبي – رحمه الله – حيث قال:-
واختلفوا في معنى الدخول بالأمهات الذي يقع به التحريم للربائب قال ابن عباس: الدخول: النكاح , وفي رواية: الدخول النكاح , يريد بالنكاح: الجماع.
ثم قال: واتفق مالك والثوري , وأبو حنيفة والأوزاعي والليث على أنه إذا مسها بشهوة حرمت عليه أمها وابنتها وحرمت على الأب , والابن وهو أحد قولي الشافعي.
واختلفوا في النظر, فقال مالك: إذا نظر إلي شعرها , أو صدرها , أو شيء من محاسنها للذة حُرِّمَت عليه أمها وابنتها .
وقال الكوفيون: إذا نظر إلى فرجها للشهوة كان بمنزلة اللمس للشهوة .
وقال الثوري: يحرم إذا نظر إلى فرجها متعمدًا , أو لمسها , ولم يذكر الشهوة .
وقال ابن أبي ليلى: لا تحرم بالنظر حتى يلمس , وهو قول الشافعي والدليل على أن بالنظر يقع التحريم أن فيه نوع استمتاع فجَرَى مَجْرَى النكاح , إذ الأحكام تتعلق بالمعاني لا بالألفاظ.
وقد يحتمل أن يقال: إنه نوع من الاجتماع بالاستماع , فإن النظر اجتماع ولقاء , وفيه بين المحبين استمتاع , وقد بالغ في ذلك الشعراء:
أليس الليل يجمع أم عمـرو وإيـانـا فذاك بنـا تـدان.
نعم , وترى الهلال كما أراه ويعلوهـا النهار كما علاني.
فكيف بالنظر والمجالسة واللذة ؟! (1)
________________________________________

إيضاح الدلالة على من أغلق بابــــًا أو أرخى سترًا فقد وجب الصداق 
1- عمر بن الخطاب  .
وهو مَرْوِي عنه من طرق:-
 سعيد بن المسيب عنه , وهي أصحها وأمثلها.
 عبد الله بن عمر عن أبيه.
 أبو هريرة عنه.
 الأحنف بن قيس عن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب.
 الحسن عن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب.
 عامر الشعبي عن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب.
 إبراهيم النخعي عنه.

2- علي بن أبي طالب  .
وهو مَرْوِي عنه من طرق:-
 عباد بن عبد الله بن الزبير الأسديُّ عنه.
 أبو البحتري سعيد بن فيروز الطائي عنه.
 الحسن عن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب.
 عامر الشعبي عن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب.

3- زيد بن ثابت  .
 الطريق الأول: الزهري عنه مرسلاً.
 الطريق الثانية: سليمان بن يسار عنه.

4- الخلفاء الراشدون المَهْديُّون  .
وهو من رواية زرارة بن أوفى , وهو مرسل.

5- عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.
من رواية نافع عن ابن عمر , وإسناده حسن.
معاذ بن جبل  .

7- جماعة من التابعين:-
عطاء بن أبي رباح , عروة بن الزبير , الزهري , عمرو بن دينار,
إبراهيم النخعي , علي بن الحسين.
________________________________________

فائدة هامة تتعلق بمبحثنا:

وهو أن إجماع الصحابة حُجة :
قال الإمام ابن القيم – رحمه الله – :-
إذا قال الصحابي قولاً فإما أن يخالفه صحابي آخر أو لا يخالفه. فإن خالفه مثله لم يكن قول أحدهما حجة على الآخر , وإن خالفه أعلم منه كما إذا خالف الخلفاءُ الراشدون أو بعضهم غيرهم من الصحابة في حكم , فهل يكون الشق الذي فيه الخلفاء الراشدون أو بعضهم حجة على الآخرين ؟
فيه قولان للعلماء , وهما روايتان عن الإمام أحمد , والصحيح أن الشق الذي فيه الخلفاء أو بعضهم أرجح وأولى أن يؤخذ به من الشق الآخر , فإن كان الأربعة في شق فلا شك أنه الصواب , وإن كان أكثرهم في شق فالصواب فيه أغلب.
والذي عليه جماهير الطوائف من الفقهاء أنه إجماع وحجة .(1)
وتطبيقًا على مبحثنا هذا في الخلوة بالمعقود عليها , نجد أن القول بالمهر ووجوب العدة هو قول الخلفاء الراشدين وزيد وابن عمر  .
o إذن هو إجماع وحجة.
________________________________________

آراء العلماء في المسألة

قال شيخُ الإسلام ابنُ تيمية –رحمه الله ُ-:-
مذهب الإمام أحمد  في الذي به يستقر الصداق: أن يستحل منها مالا يباح له بدون النكاح.
فمتى حصل الإفضاء أو المس الذي هو من خصائص النكاح: وجب المهر, كالخلوة التي يحصل بها ذلك, وكالاستمتاع بمباشرة أو نظر من غير خلوة.
قال في رواية مهنا: إذا تزوج امرأة ونظر إليها, وهي عريانة تغتسل: وجب عليه المهر, وقال حُدِّثتُ عن مغيرة عن إبراهيم قال: إذا اطَّلع منها على ما يحرم على غيره فعليه المهر.
قال القاضي أبو يعلى في الجامع: فإن نظر إلى فرجها من غير أن يخلو بها, فهل يستقر الصداق؟ المنصوص عنه: أنه يستقر.
وذكر هذه الرواية, لأنه نوع استمتاع فجاز أن يتعلق بجنسه كمال الصدق, كالاستمتاع بالمباشرة.
فجنس الخلوة لا يختص النكاح وإذا كان كل منهما صائمًا الفرض أو مُحْرِمًا, لم تكن قد مكنته في الخلوة من الاستمتاع, ولابد مع الخلوة من التمكين منه, لأن ذلك هو الذي يختص النكاح.
وأما مجرد الخلوة مع امتناع ما يستباح بالنكاح: فهذا ليس فيه شيء من مقاصد النكاح.
وأصل ذلك: أنه إذا حصل شيء من مقاصد النكاح استقر المهر. لأن وجوب المهر لا يقف على استيفاء جميع مقاصد العقد, بل على استيفاء جنس مقاصده, ولهذا اتفق المسلمون على أنه يستقر بوطئة واحدة بخلاف النفقة, فإنها تجب بإزاء التمكين شيئًا فشيئًا. وهو يملك بالنكاح جنس الاستمتاع مطلقًا, فإن لم يحصل له ذلك ففي رجوعه بالمهر على الغارِّ في النكاح الفاسد, وفي المعيبة والمدلَّة, وفيما إذا أفسد عليه النكاح ونحو ذلك: روايتان.
فمأخذ الأئمة في المقرر للصداق أمور ثلاثة.

أحدها: أنه الوطء فقط . كقول مالك والشافعي, لكن مالك يجعل الخلوة حجة لمن يدعيه, فالخلوة حجة للمدعي, والمقرر عندهما في نفس الأمر هو الوطء.
وأبو حنيفة وكثير من أصحابنا: يجعلون المقرر هو التمكين من الوطء, كما يقولون مثل ذلك في النفقة . وهي طريقة القاضي وأتباعه, وهؤلاء يجعلون الخلوة مقررًا, والمباشرة أيضًا مقررًا ثانيًا.
ثم لهم في تفاصيل التمكن الحاصل بالخلوة نزاع على الأقوال المتقدمة.
وأحمد يجعل المقرر حصول جنس مقصود النكاح, وهو أن ينال منها مالا يحل لغيره, فإذا نال منها ما يحرم على غيره فعليه المهر عنده, كما قاله إبراهيم النخعي, فإذا حصل استمتاع استقر المهر, وإذا حصلت خلوة تختص النكاح استقر المهر, وهي مع تمكين.
وهذا الذي قاله أحمد – متبعًا فيه لمن قبله من السلف – هو إن شاء الله أشبه بالكتاب والسنة والآثار والأصول.
وذلك: أن الله تعالى يقول (وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ؟) ( النساء 21 ) والإفضاء قد قيل: هو الخلوة, كما نُقل عن الفراء. وهو قول من قاله من أصحاب أبي حنيفة وأحمد, وقيل: هو الجماع كما نقل عن العتبي والزجَّاج(1), وهو قول مَنْ قال مِنْ أصحاب الشافعي.

وإفضاء أحدهما إلى الآخر: هو وصوله وانتهاؤه إليه, كما قال النبي  ” إذا أفضى أحدكم بيده إلى ذكره فليتوضأ ” يقال: أفضى إليه بسره, وأفضيت إليك بكذا, وهو يتناول المباشرة وإن لم يحصل الجماع, كما يتناول ذلك لفظ المس في قوله ( وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ ) (البقرة237 ) وهو سبحانه وتعالى علق الحكم بإفضاء بعضهم إلى بعض وأخذ الميثاق الغليظ, وهو عقد النكاح. إذ كان مجرد الإفضاء أجنبية لا يوجب المهر.
فدلَّ ذلك على الإفضاء الذي اقتضاه الميثاق, فمتى أفضى أحدهما إلى صاحبه إفضاء اقتضاه الميثاق الغليظ: وجب المهر, ومعلوم أن هذا يحصل بالخلوة التي تختص الزوجين, وهو أن تخلو به, وتمكنه من نفسها, بمنزلة المرأة مع زوجها.
ويحصل أيضا بالمباشرة التي لا تباح لغير الزوج, أو كانت ليست مملوكة, حتى يستبيح ذلك بملك اليمين.
والله تعالى قد علق الحكم باسم ” الدخول ” و ” الإفضاء ” و ” المس ” فقال في الربيبة ( مِن نِّسَائِكُمُ اللاتِي دَخَلْتُم بِهُنَّ, فَإِن لَّمْ تَكُونُوا دَخَلْتُم بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ ) (النساء 23 )

ودخول الرجل بامرأته هو خلوته بها, كما يخلو الرجل بامرأته, ولهذا يقال: دخل بامرأته: إذا بنى بها, وإن لم يعرف: هل وطئها أم لا؟ ويقال ذلك, إن كانت حائضًا, وإن كان هو صائمًا أو مُحرِمًا, أو كانت رَتْقاء.
فأما إذا قالت: لا أرضاه, أو كانت ممتنعة منه بدفعها له عن نفسها, أو بصومها الفرض, أو إحْرامها: فهذا الدخول قد يكون من أجنبية مع الرجل يخلو بها وتمنعه نفسها فليس هذا دخولاً يختص بالنكاح, بل هو مشترك بين النكاح وغيره.
ومعلوم أن الله لم يرد إلا الدخول الذي يختص النكاح, وإلا فالرجل قد يدخل على النساء الأجانب, ويدخلن عليه فلا يتعلق بذلك حكم.
وكذلك وله ( مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ ) ( البقرة 237 ) ليس في القرآن ما يوجب تخصيص ذلك الوطء, بل قد قال تعالى في الاعتكاف ( وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ ) ( البقرة 187 ) وكان هذا عامًا, وكذلك قوله في الإحرام ( فلا رفث ولا فسوق ) ( البقرة 197 ) ومن ادَّعى أن لفظ المس في آية الطهارة يتناول كل مس, ولو بغير شهوة, وجعل المس هنا النكاح, مع أن المس واللمس سواء, فقد فرق بين المتماثلين, بل المس واللمس العاري عن شهوة ولذة: لم يعلق به الشارع حكمًا أصلاً, وأم المس بشهوة ولذة فهذا محظور في الإحرام والاعتكاف, فقد علَّق الشارع به حكمًا بالاتفاق.
فاستقرار المهر: هل هو مشروط بالوطء , أو يكفي فيـه هذا المس؟
هذا هو مورد النزاع. وظاهر القرآن والسنة, والاعتبار: يوجب تعليق ذلك بالمعنى الأعم.
وأما السنة: فحديث ابن ثوبان ” من كشف خمار امرأة ونظر إليها وجب الصداق, دخل بها أو لم يدخل ” وهو مرسل, لكن عضده ظاهر القرآن, وقول جمهور السلف. فإنه قد ثبت أن الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين  قضوا: أن من أغلق بابًا, أو أرخى سترًا: فقد وجب عليه الصداق والعدة, كما قال ذلك زرارة بن أوفى وغيره, وهذا معروف عن عمر بن الخطاب وعلي بن طالب, وزيد بن ثابت, وابن عمر.

* الرد على من قال بنصف الصداق:

وأما القول بأنه يجب نصف الصداق: فقال ابن المنذر: روي ذلك عن ابن مسعود, وابن عباس, ولا يثبت عن أحدهما.
فأما حديث ابن عباس: فإنما رواه ليث بن أبي سُليم, وهو ضعيف, وحديث ابن مسعود منقطع, وقد قال أحمد في حديث ابن عباس: رواه ليث, وحنظلة أوثق من ليث.
وأيضًا: فتعليق وجوب المهر بالوطء لا يسوغ, لا في الباطن ولا في الحكم الظاهر.
أما في الباطن: فلأنه موقف على اختياره, والمرأة إذا بَذَلَتْ جميع ما يجب عليها, واستمتع بها فيما دون الفرج, وامتنع من الإيلاج في الفرج: صار ثبوت حقها موقوفًا على مجرد اختياره, وهذا لا يجوز.
وأما الظاهر: فلأن الوطء لا يمكن إثباته أصلاً , فلا يجوز تعليق الاستحقاق في الظاهر بما لا يقوم عليه بينة , ولا يقر الخصم , مع العلم بكثرة وجوده.
وأيضًا: فإنه لا يمكن بشرط استيفاء جميع المقصود بالنكاح , بل مرة واحدة من الوطء يستقر بها المهر.

* خلاصـــة المسألـــــة:

وحينئذ فاستمتاعه منها بما دون الفرج: هو استيفاء لجنس المقصود بالنكاح, فإن كان المعتبر: هو جميع المستباح فلا سبيل إليه, وإن كان جنس المستباح بالعقد: فهذا يحصل بالوطء في الفرج ودون الفرج, وبالمباشرة في غير الفرج, وبالخلوة المختصة بالنكاح, فإن هذا إذا لم يخل بالزوجة, وقد ناله منها, فقد نال جنس المقصود بالنكاح, فحصل له جنس المقصود, وحصل عليها من تمكينها له وبذلها له, ما يحصل للمرأة مع الزوج, فاستوفى جنس المقصود, وبذلت له جنس المقصود.
فإن قيل: فقد قال النبي  في حديث الملاعنة ” إن كنت صادقًا عليها فهو بما استحللت من فرجها. وإن كنت كاذبًا عليها فهو أبعد لك منها ” فعلق الحكم بما استحلَّه من فرجِها.
قيل: هذا صحيح. فإن ما استحلَّه من فرجها يقرر المهر. لكن العلة لا يجب تعميمها. ألا ترى أنه بالموت أيضًا يستقر المهر, وإن لم يكن هناك استحلال لفرجها, ألا ترى أن قوله ” بما استحللت من فرجها ” يعم كل وطئة وطئها إياها مع أن استقرار المهر ليس مشروطا بقدر تلك الوطآت باتفاق المسلمين, ومقصود الرسول: أنه جرى ما يوجب أن تستحق به المهر.
فإذا وجد جنس المعقود عليه في النكاح استقر المهر.(1)
________________________________________
* قال ابن قدامـة المقدسي – رحمه الله – :-(1)
( مسألة ) قال: ( وإذا خلا بها بعد العقد, فقال: لم أطأها وصدقته لم يلتفت إلى قولهما, وكان حكمها حكم الدخول في جميع أمورهما إلا في الرجوع إلى زوج طلقها ثلاثًا, أو في الزنا فإنهما يجلدان ولا يرجمان ).

وجملة ذلك أن الرجل إذا خلا بامرأته بعد العقد الصحيح استقر عليه مهرها ووجبت عليها العدة, وإن لم يطأ. رُوِيَ ذلك عن الخلفاء الراشدين وزيد وابن عمر, وبه قال علي بن الحسين وعروة وعطاء والزهري والأوزاعي وإسحاق وأصحاب الرأي, وهو قديم قولي الشافعي, وقال شريح والشعبي وطاوس وابن سيرين والشافعي في الجديد: لا يستقر إلا بالوطء, وحكى ذلك عن ابن مسعود وابن عباس ورُوِيَ نحو ذلك عن أحمد, رَوَي عنه يعقوب بن بختان أنه قال: إذا صدقته المرأة أنه لم يطأها لم يكمل لها الصداق وعليها العدة, وذلك لقول الله تعالى  وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهَنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ  ( البقرة 237 ) وهذه قد طلقها قبل أن يمسها, وقال تعالى  وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ  ( النساء 21 ) والإفضاء: الجماع, ولأنها مطلقة لم تُمَسَّ أشبهت من لم يُخْلَ بها.

• ترجيح المسألة:

ولنـا إجماع الصحابة  , روى الإمام أحمد والأثرم بإسنادهما عن زراة بن أوفى قال: قضى الخلفاء الراشدون المهديون أن مَنْ أغلق بابًا أو أرخى سترًا فقد وجب المهر ووجبت العدة ورواه أيضًا عن الأحنف عن عمر وعلي , وعن سعيد بن المسيب وعن زيد بن ثابت: عليها العدة ولها الصداق كاملاً, وهذه قضايا تشتهر, ولم يخالفهم أحد في عصرهم فكان إجماعًا , وما رووه عن ابن عباس لا يصح , قال أحمد: يرويه ليث وليس بالقوي, وقد رواه حنظلة خلاف ما رواه ليث, وحنظلة أقوى من ليث, وحديث ابن مسعود منقطع. قاله ابن المنذر, ولأن التسليم المستحق وجد من جهتها فيستقر به البدل كما لو وطئها أو كما لو أجَّرتْ دارها أو باعتها وسلمتها.
وأما قوله تعالى  مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهَنَّ  فيحتمل أنه كنى بالمسبب عن السبب الذي هو الخلوة بدليل ما ذكرناه, وأمــا قولـه:  وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ  فقد حُكِىَ عن الفراء أنه قال: الإفضاء: الخلوة دخل بها أو لم يدخل, وهذا صحيح, فإن الإفضاء مأخوذ من الفضاء وهو الخالي.

* الدليل على حق إرجاعها:

فكأنه قال: وقد خلا بعضكم إلى بعضكم, وقول الخرقي حكمهما حكم الدخول في جميع أمورهما يعني في حكم ما لو وطئها من تكميل المهر ووجوب العدة وتحريم أختها وأربع سواها إذا طلقها حتى تنقضي عدتها وثبوت الرجعة له عليها في عدتها, وقال الثوري وأبو حنيفة: لا رجعة عليها إذا أقر أنه لم يصبها.
ولنا قوله تعالى  وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ  , ولأنها معتدة من نكاح صحيح لم ينفسخ نكاحها ولا كمل عدد طلاقها ولا طلقها بعوض فكان لو عليها الرجعة كما لو أصابها, ولها عليه العدة والسكنى.
* وقال في الشرح الكبير:-
وحكم الخلوة حكم الوطء في تكميل المهر ووجوب العدة وتحريم أختها وأربع سواها إذا طلقها حتى تنقضي عدتها وثبوت الرجعة له في عدتها, وقال الثوري وأبو حنيفة: لا رجعة له عليها إذا أقر أنه لم يصبها.(1)
________________________________________

فائدة هامة جدًا:

إذا قالت المرأة إنها لن تتزوج حتى تنتهي عدتُها , فهذا إقرارٌ منها بالخلوة , فصارتْ في حكم المدخولِ بها, لها المهرُ, وعليها العدةُ, وله الرجعة, وهذه دينونة تدين بها بينها وبين ربها.
* قال الشيخ / محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله – :-
ولهذا صار المذهب هو قول جمهور أهل العلم, على أن الخلوة تلحق بالجماع.(1)
وقال أيضًا – رحمه الله – :-
المهر يستقر بالدخول والخلوة والتقبيل واللمس بشهوة والنظر, أي استباحة ما لا يحل لغير الزوج.
والقول هنا قول الزوج فيما يستقر به المهر.(2)
________________________________________

كلام مهم في بيان مذهب المالكية في المسألة:

قال ابن رشد – رحمه الله –:
إرخاء الستور كناية عن تخلية الرجل مع امرأته وخلوته بها, وإن لم يكن ثَمَّ باب ولا إرخاء ستر, وأصل هذا الباب قول الله  ” إِلا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الْذِي بِيَدِهِ عُقَدَةُ النِّكَاحِ ” ( البقرة 237 ) فإذا طلق الرجل امرأته قبل أن يدخل بها وقد سمَّى لها صداقًا فليس لها إلا نصف العاجل ونصف الآجل إن كان فيه آجل.
ولا تستوجب جميعه إلا بالموت أو الدخول أو ما يقوم به الدخول عند مالك من طول المقام معها أو الالتذاذ بها, فالصداق المسمى يجب للمرأة بعقد النكاح وجوبًا غير مستقر ويستقر له نصفه بالطلاق وجميعه بالموت أو الدخول هذا الذي يصح أن يعم به وجوب الصداق.(1)
وإن طلقها قبل البناء فأقر بالمسيس وجب للمرأة صداق كامل ولزمتها العدة, فإن عرفت لها خلوة أو ظهر بها حمل كانت له الرجعة ويتوارثان إِنْ مات أحدهما في العدة.(2)
________________________________________

بيان ما يتقرر به المهر:

قال الشيخ ابن النجار الحنبلي المصري:-
ويقرره كاملاً:-
1. موتٌ, أو موتُه بعد طلاق , في مرض موت , قبل دخول: ما لم تتزوج أو ترتد.
2. ووطؤها حيةً في فرجٍ , وخلوة بها عن مميز وبالغ مطلقًا. ولا تقبل دعواهُ عدم علمه بها – ولو نائمًا أو به عمىً أو غيره.
3. لمسٌ.(1)
4. نظرٌ إلى فرجها لشهوة.(2)
5. تقبيلها بحضرة الناس.
ولو اتفقنا على أنه لم يطأه في الخلوة: لم يسقُط المهرُ.
________________________________________

لماذا تقرر المهر بالخلوة ؟

قال ابن رجب – رحمه الله –:
1. لإجماع الصحابة وهو حجة.
2. لأن طلاقها بعد الخلوة بها وردها زهدًا فيها ففيه ابتذال وكسر لها فوجب جبره بالمهر.
3. استباحة مالا يستباح إلا بالنكاح من المرأة فدخل في ذلك الخلوة واللمس بمجردهما لأن ذلك كله معقود عليه في النكاح.
والمهر يستقر بنيل بعض المعقود عليه لا يقف على نيل جميعه.(1)
________________________________________
هل تثبت الحرمة بالخلوة؟

* قال ابن قدامة – رحمه الله –:
الخلوة بالمرأة فالصحيح أنها لا تنشر حرمة.
وقد رُوِىَ عن أحمد إذا خلا بالمرأة وجب الصداق والعدة ولا يحل له أن يتزوج أمها وابنتها.
قال القاضي: هذا محمول على أنه حصل مع الخلوة مباشرة فيخرج كلامه على إحدى الروايتين اللتين ذكرناهما, فأما مع الخلو من ذلك فلا يؤثر في تحريم الربيبة لما في ذلك من مخالفة قوله سبحانه: “فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ”(النساء 23 ) , وقوله ” وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ ” ( النساء: 24 ), وأما الخلوة بأجنبية, أَمَتِه فلا تنشر تحريمًا لا نعلم في ذلك خلافًا, وكُلُّ مَنْ حَرَّمَ نِكاحَها حرم وطأها بملك اليمين, لأنه إذا حرم العقد المراد للوطء فالوطء أولى.(1)
________________________________________

فصل: في بيان حق الرجعة:

وهي إعادة مطلقة غير بائن, إلى ما كانت عليه بغير عقد.
إذا طلق حر من دخل بها أو خلا بها في نكاح صحيح أقل من ثلاث – بلا عوض – فله في عدتها رجعتُها – ولو كرهت – بلفظ راجعتها, ورجعتُها, وارتجعتُها, وأمسكتُها, ورددتُها.(1)
وحكم الخلوة حكم الوطء في تكميل المهر ووجوب العدة وتحريم أختها وأربع سواها إذا طلقها حتى تنقضي عدتها وثبوت الرجعة عليها في عدتها.(2)
وهذا ما ذهب إليه بن قدامة المقدسي في الكافي, المغني, والشرح الكبير.
________________________________________

ترجيح المسألـة:

1. وأكثر أهل العلم علي أن من أغلق بابًا وأرخى سترًا فقد وجب لها الصداقُ كاملاً وعليها العدة, وبذلك قال الليث بن سعد والأوزاعيُّ والثوري وأحمد بن حنبل, وأكثر أهل الكوفة.
2. وهو المأثور عن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وزيد بن ثابت ومعاذ بن جبل وابن عمر, ومن التابعين: سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير وأبي بكر بن حزم وربيعة بن أبي عبد الرحمن والحسن البصري وإبراهيم النخعي والزهري وأبي الزاد وعطاء بن أبي رباح وزيد أسلم.
3. إلا أن أبا حنيفة من بينهم قال: إذا خلا بها في بيتها وطأ أو لم يطأ, فالمهر كله لها, إلا أن يكون أحدهما محرمًا, أو أحدهما مريضًا, أو كانت هي حائضًا, أو صائمة في رمضان, فليس لها في كل ذلك إلا نصف المهر, فلو خلا بها وهو صائم صيام فرض في ظهار, أو نذر, أو قضاء رمضان, فعليه الصداق كله, وعليها العدة, فلو خلا بها في صحراء, أو في مسجد أو في سطح لا حجرة عليه, فليس لها إلا نصف الصداق.
4. وقال الكوفيون:- الخلوة الصحيحة يجب معها المهر كاملاً سواء وطأ أم لم يطأ, إلا إن كان أحدهما مريضًا أو صائمًا أو محرمًا أو كانت حائضًا فلها النصف وعليها العدة كاملة, واحتجوا أيضًا: بأن الغالب عند إغلاق الباب وإرخاء الستر على المرأة وقوع الجماع , فأقيمت المظنة مقام المئنة ( العلامة ), لما جُبِلَت عليه النفوس.
في تلك الحالة من عدم الصبر عن الوِقاع غالبًا, لغلبة الشهوة وتوفُّر الداعية.
5. وقال مالك: إذا دخل بالمرأة في بيته صدقت عليه, وإن دخل بها في بيتها صدق عليها, ونقله عن ابن المسيب. وعن مالك رواية أخرى كقول الكوفيين.
________________________________________

الأحكام المترتبة على الخلوة

أ‌- ثبوت المهر. فلو طلقها بعد الخلوة الصحيحة استحقت كل المهر المسمَّى, ومهر المثل إن لم تكن التسمية صحيحة, وهذا قول جمهور الفقهاء لقوله تعالى: ” وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَءَاتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلا تَأخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا *وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ”(سورة النساء 20, 21 ) (1)
ب‌- وجوب العدة: ذهب الحنفية والمالكية والحنابلة إلى أنه تجب العدة على المُطلَّقة بالخلوة الصحيحة في النكاح الصحيح لقوله تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ المُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا” (الأحزاب 49)
ولأن وجوبها بطريق استبراء الرحم, والحاجة إلى الاستبراء بعد الدخول لا قبله, إلا أن الخلوة الصحيحة في النكاح الصحيح أقيمت مقام الدخول في وجوب العدة التي فيها حق الله تعالى, لأن حق الله تعالى يحتاط في إيجابه, ولأن التسليم بالواجب بالنكاح قد حصل بالخلوة الصحيحة فتجب به العدة كما تجب بالدخول,لأن الخلوة الصحيحة إنما أقيمت مقام الدخول في الدخول في وجوب العدة مع أنها ليست بدخول حقيقة كونها سببًا مفضيًا إليه, فأقيمت مقامه احتياطًا إقامة للسبب مقام المسبب فيما يحتاط فيه.
ووجوب العدة عند المالكية بالخلوة الصحيحة حتى ولو نفى الزوجان الوطء فيها, لأن العدة حق الله تعالى فلا يسقط باتفاقهما على نفي الوطء.(2)
* وقد سُئلَ الشيخ العلامة/ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله – :
هل تلزم العدة بالخلوة إذا كان فيهما أوفى أحدهما مانع حسِّي أو شرعي ؟

 فأجاب قائلاً: إذا الدخول وجبت العدة ولو مع المانع المذكور, لعموم قوله تعالى:”وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ” (البقرة228).
واستثنى منها غير المدخول بها للآية التي في الأحزاب:
” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ….” (الأحزاب 49) ولأن العدة لها عدة مقاصد:
1. العلم ببراءة الرحم.
2. أداء حق الزوج الأول.
3. الاستبراء بحق الزوج الآخر.
4. الانتظار لعله يراجع في الرجعية.
إلى غير ذلك من المقاصد الشرعية, فلو كان المقصود منها غير المعنى الأول فقط, توجه الإشكال, وبمعرفة هذه الأشياء ينحل الإشكال.
وسُئلَ أيضًا: هل تلزم العدة من خلا بها مُكرهة ؟
فأجاب: الصواب أن الخلوة مُكرهة كخلوته بها مطاوعة, لعموم قضاء الخلفاء الراشدين , ولاحتمال الوطء هنا احتمالاً قويًا , فكيف تكون الخلوة مع الجب والعنة والرتق موجبة للعدة , والخلوة مكرهة غير موجبة؟ فأن هذا أحق بلا ريب.
ت‌- ثبوت النسب: فلو طلقها بعد الخلوة الصحيحة, وجاءت بولد ثبت نسبه من إن جاءت به لأكثر من ستة أشهر بعد الخلوة.(1)
ث‌- حرمة التزوج بامرأة مَحْرم لها أو بأربع سواها ما دامت في العدة, أو التزوج بخامسة في عدتها إذا كانت رابعة, كما يحرم الزواج خلال العدة من طلاق بعد الدخول.(1)
ج‌- حصول الرجعة له أثناء العدة, وهو قول المالكية والحنابلة.(2)
________________________________________

شبهات على ما تقدم والرد عليها

الشبهة الأولى: أنت بذلك تحرم حلالاً , ليس بحرامًا.
* الجواب: إني لا أحرم حلالاً بل هي حلال لك. لكن لا تستمتع بحلٍّ لك إلى أجل معين, ألا وهو الدخول بها (البناء).
فنحن بذلك لم نحرم, بل أحللنا لك الحلال, وإنما اشترطنا عليك عدم الاستمتاع بها إلى أجل, لِمَا ثبت عنه  ” أَحَقُ مَا وَفَّيْتُمْ بِهِ مِنَ الشُّرُوطِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الفُرُوجَ “(1) فيجب الوفاء بالشرط.
الشبهة الثانية: فإن قال قائل: لم يشترط عليّ وليُّ الزوجة عدم الاستمتاع بها إلى أجل معين. فأنا أستمتع بها, لأنه لم يشترط عليَّ ذلك.
* الجواب: ” إن المعروف عرفًا كالمشروط شرطًا “(2), فإنه وإن لم يشترط عليك حقيقة فإنه اشترط حكمًا, لأنه تعارف بين الناس أنه لا يحل في عقد النكاح والبناء أو الاستمتاع فكأنه اشترط عليك بهذا العرف عدم الاستمتاع إلى أجل معلوم هو البناء (الدخلة).
الشبهة الثالثة: فإن قال قائل: أنا لا أستمتع بها بالبناء, ولكني أقبلها, أو أباشرها في ما دون البناء, فهذا لم يشترطه عليَّ وليُّ الزوجة إنما اشترط عليَّ عدم البناء.
* الجواب: إذا قلنا: إن الممنوع عدم الاستمتاع بالبناء, فمقدمات البناء أيضًا كذلك تحرم لا لِلَذَّاتِها, وإنما لما تؤول إليه من باب سد الذرائع, فقد يترتب على ذلك الوقوع في المشروط عدمه لفرط شهوة مثل هذا الصحابي الذي رأى خلخال امرأته فواقعها.(1)
*وكذلك ضياع الحقوق إذ أن الزوجة قد لا تخبر أحدًا بالدخول عليها, لعدم لحوق المعرة بها وبأهلها فتعامل معاملة المعقود عليها في أخذ نصف الصداق, وغير ذلك, وكذلك اختلاط الأنساب, أو إذا مات الزوج بعد العقد عليها وقبل إشهار البناء بها, فلهذه الأسباب وغيرها إن كانت محتملة الوقوع مع مقدمات البناء فتحرم المقدمات – لا لذاتها – ولكن لما تؤول إليه, أو من باب ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
ولأمر آخر: أنه لو اطلع أحد على ما يفعله مع المعقود عليها من قبلة, أو مباشرة فسيكون في حرج, وقد عرف الشرع الإثم فقال : “الإِثْمُ مَا حَاكَ فِي صَدْرِكَ وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ”(2)
الشبهة الرابعة: إذا أمنت عدم البناء فهل لي أن أستمتع بالقبلة, أو المعانقة إذا أمن الوقوع في المحظور فهل لي ذلك؟
* الجواب: إن عائشة – رضي الله عنها – اختصت رسول الله  فقط بأنه “أَمْلَكُ لإرَبِه”, وكانت تقول: “كان يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ وَيُبَاشِرُ وَهُوَ صَائِمٌ وَأَنَّه كَانَ أَمَلَكَكُمْ لإِرَبِه”(3). ( الإرب: الوطر والحاجة والعضو.)
يعني: هي مشفقة أن يفعـل غير الرسول  ذلك لأن ذلك مفضٍ إلى الجماع المحرم في رمضان في حالة الصيام فكذلك هذا الذي يُقبل في الغالب لا يملك حاجته, أو يملك إربه.

لاسيما والفترة بين العقد والبناء غالبًا ما تكون طويلة, فإن ملك هذا العاقد نفسه مرة , فمن يضمن له أن يملك نفسه ثانيًا, أو ثالثًا,أو رابعًا.. والحكم على الغالب, والنادر لا حكم له.
الشبهة الخامسة: قائلاً يقول: أنا بطل (شجاع) وأنا أستطيع أنا أملك نفسي وأنا كذا وكذا.
* نقول له: أنت شاذ أو نادر.
لأن الأصل: ” إنه لا يملك أحدنا إربه ” مثل الرسول , وغيره حول الحمى يحوم ووقوعه فيه كالمحتوم.
الشبهة السادسة: قد يقول قائل هل معنى ذلك أنها محرمة وأن هذا زنا؟
* فنقول: لا يشتبه هذا القول بقول من قال: إنه زنا, أو بقول من يقول: إنه حلال ليس بزنا.
فهذان طرفان والوسط , والحسنة بين السيئتين هو أن تقول: هو ليس بزنا, وهو حلال بعد أجل مسمَّى.
أي: ربما فهم بعض الناس فهمًا سقيمًا, فيقول: الشيخ فلان أو الأخ فلان, أو فلان: حرَّم هذه الأمور المتقدم ذكرها – كقبلة, أو مباشرة, أو لمس اليد, أو الاستمتاع بها بأي صورة ما دون الفرج – كالزنا تمامًا بتمام, وعلى هذا تظن أنها زنت , فيترتب على هذا الظن الخاطئ فساد لا يعلمه إلا الله وربما وقعت المسكينة بهذا الظن في الزنا الحقيقي, لأنها ظنت أنها تجرأت على الفاحشة في أول أمرها, وهذا كله نابع عن سوء فهم لما ذكرناه.
* والدليل على أنه ليس بزنا:
ما أخرجه ابن أبي شيبة في “مصنفه”. عن حماد في الرجل يغيب عن امرأته, ولم يدخل بها فتجيء بحمل, أو ولد؟
قال: إن كانت غَيْبَتُه بأرض بعيدة لم تُصَدَّق, ويقام عليها الحد, وإن كان في أرض قريبة يرون أنها يأتيها سرًا صدقت بالولد أنه من زوجها.(1)
ومن طريق حماد بن سلمة, عن محمد بن إسحاق, عن مكحول قال: لا يجب الصداق والعدة إلا بالملامة البينة:

تزوج رجل جارية فأراد سفرًا فأتاها في بيتها مخلية ليس عندها أحد من أهلها (2)وأخذها فعالجها فمنعت نفسها فصب الماء, ولم يفترعها فساغ الماء فيها فاستمر بها الحمل فثقلت بغلام فرفع ذلك إلى عمر بن الخطاب فبعث إلى زوجها فسأله فصدقه فعند ذلك قال عمر بن الخطاب:
من أغلق الباب أو أرخى الستر فقد وجب الصداق وكملت العدة. أ.هـ
________________________________________

من أحكام الزواج وما يتعلق به

الموضوع الخلوة الصحيحة ترتب آثارها الشرعية
المفتى: فضيلة الشيخ/ جاد الحق على جاد الحق .
9 أغسطس 1979 م .
المباديء :
1 – ثبوت الخلوة الصحيحة بين الزوجين يستتبع جميع الحقوق المقررة للمدخول بها فيما عدا التوارث بينهما للطلاق البائن .
2- الشبكة والهدايا في هذه الحالة وبعد أن تم عقد الزواج .لا حق للزوج في استردادها .
3 – إذا اتفق على قدر المهر في السر ثم ذكر في العقد مهر أقل حكم بالمهر المتفق عليه في السر.
4- وثيقة الزواج ورقة رسمية في خصوص الزواج فقط. وتعتبر ورقة عرفية فيما عدا ذلك يجوز إثبات عكسها بكافة طرق الإثبات .
5- التعويض بمعناه المعروف في القانون المدني غير مقرر في الشريعة إلا إذا كانت هناك أضرار مادية .

• سُئِلَّ: بالطلب المقيد برقم 263 سنة 1978 المتضمن أن للسائل بنتا جامعية تقدم لخطبتها مهندس يعمل بالسعودية، وقدم لها شبكة من الذهب وبعض الهدايا – وعند الاتفاق على المهر خيره المهندس بين أن يدفع مهرا إلى بنته مهما كان كبيرا وبين أن يقوم هو بإعداد بيت الزوجية بتأثيث ثلاث غرف تليق بالزوجية وبمركز الأسرة الاجتماعي ، على أن يحرر بهذا الجهاز قائمة لصالح الزوجة بأن جميع الأثاث ملك خالص لها.
وقد اختار السائل هذا الوضع الثاني على أن تكون قيمة الأثاث الذي يؤثثه لبيت الزوجية بمثابة المهر ، وتم الاتفاق بين السائل وخاطب ابنته على هذا الأساس ثم سافر هذا الخاطب إلى السعودية ومكث بها سنة ، ثم عاد إلى مصر وطلب من السائل عقد القران على ابنته ، وتم عقد القران فعلا بتاريخ 21/4/1977 وقد ذكر في هذا العقد أن مقدم الصداق هو 25 قرشا ومؤخر الصداق هو 300 جنيه – على أساس أن الاتفاق بين الطرفين هو تأثيث بيت الزوجية من جانب الزوج هو المعمول به بدلا من مقدم الصداق الذي هو كرمز فقط بالعقد.

ثم سافر الزوج مرة أخرى إلى السعودية ثم حضر في أواخر شهر مارس سنة 1978 ، وطوال هذه المدة لم يقم بالإنفاق على زوجته ثم مكث فترة مدعيا أنه يبحث عن شقة لتأثيث سكن الزوجية ، وكان يحضر إلى زوجته أسبوعيا يوم الخميس ويعود إلى القاهرة يوم السبت ، وقد حصلت خلوة شرعية بين الزوجين عدة مرات ، ثم حضر إليهم مبديا رغبته في إجراء الطلاق بدون أسباب ولا مبررات على شرط أن يسترد الشبكة والهدايا والمصاريف التي أنفقها في حفل عقد القران ، وبين لهم أن كل ما يلزمه هو أن يدفع لهم نصف مؤخر الصداق.
وطلب السائل بيان الحكم الشرعي في حالة الطلاق قبل الدخول مع حدوث خلوة شرعية عدة مرات بين الزوجين وذلك بالنسبة للآتي:
1 – الشبكة التي قدمت للزوجة في فترة الخطبة.
2- الهدايا .
3- مقدم الصداق وإمكان طلب تحليفه اليمين الحاسمة أمام القضاء لبيان حقيقة مقدم الصداق الذي تم الاتفاق عليه خلافا للثابت بوثيقة الزواج .
4- النفقة الشرعية من تاريخ الزواج حتى تاريخ الطلاق أو التطليق .
5- مؤخر الصداق.
6- التعويض اللازم للزوجة لما أصابها من أضرار مادية وأدبية ونفسية ناتجة عن هجر الزوج لها ، وطلب الطلاق قبل الدخول وبعد حدوث الخلوة الشرعية الصحيحة .

أجاب: من المقرر فقها وقانونا أن نفقة الزوجة التي سلمت نفسها لزوجها ولو حكما تجب عليه من وقت امتناعه من الإنفاق عليها مع وجوبه دون توقف على قضاء أو رضاء ولا تسقط إلا بالأداء أو الإبراء – وأن الخلوة الصحيحة بين الزوجين إذا ثبتت بالإقرار أو البينة تستتبع جميع الحقوق المقررة للمدخول بها فيتأكد بها جميع المهر عاجلة وآجله للزوجة وتجب عليها العدة إذا طلقت ولها النفقة مدة العدة شرعا أو إلى سنة من تاريخ الطلاق ، ويحل لها مؤجل الصداق بالطلاق لأنه بائن – وأما عن الشبكة والهدايا في موضوع السؤال وبعد أن تم عقد الزواج فلا حق للزوج في استردادها ، لأنها وإن اعتبرت جزءا من المهر بالاتفاق أو جرى العرف باعتبارها جزءا منه أخذت حكم المهر – وإذا لم تكن كذلك أخذت حكم الهبة فتصبح حقا للزوجة لا يجوز للزوج الرجوع فيها، لأن الزوجية من موانع الرجوع في الهبة شرعا.
وتعتبر باقي الهدايا من قبيل الهبة وتأخذ ذات الحكم.
وأما عن مقدم الصداق الثابت بالوثيقة ومقداره خمسةٌ وعشرون قرشاً ، فإن الفقهاء قد تحدثوا فيما سموه بمهر السر ومهر العلن ، وعلى هدى أقوال فقهاء المذهب الحنفي فإنه إذا اتفق على قدر المهر في السر ثم ذكر في العقد مهر أقل فإنه يحكم بالمهر المتفق عليه في السر.
وفى واقعة السؤال إذا كان قد تم الاتفاق على أن يجهز الزوج ثلاث غرف تليق بالزوجة ومركز أسرتها ويحرر بها قائمة تمليك للزوجة كما جاء بالسؤال وثبت هذا الاتفاق بطريق من طرق الإثبات الشرعية ، فإن هذا المتفق عليه يكون مقابل مقدم المهر .
هذا ووثيقة الزواج ليس لها صفة الرسمية في مقدار المهر لأنها لم تعد لإثبات ذلك، فيجوز إثبات عكس ما جاء فيها بكافة طرق الإثبات ومنها يمين المدعى عليه ونوكله. أما التعويض بالمعنى المعروف في القانون المدني فهو غير مقرر في الشريعة إلا إذا كانت هناك أضرار مادية – أما الأضرار الأدبية فإن مؤجل الصداق ونفقة العدة إذا ثبتت الخلوة كل أولئك التزامات أوجبها الله ترضية للمطلقة وجبرا لما يكون قد لحقها.
ومن هذا يعلم الجواب إذا كان الحال كما ورد به السؤال.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
________________________________________
تعليق فضيلة الشيخ/ أبي محمد أحمد شحاته الألفي السكندري
القول المأثور بإيجاب المهر على من أغلق الباب وأرخى الستور

الخاتمة

نسأل الله حسنها إذا بلغت الروح المنتهى
وبعد..فلقد ظهرت في الآونة الأخيرة والخطيرة التي تمر الأمة من تشتت وافتراق وافتراس من الأعداء , ووهن من الأبناء , مشكلات اجتماعية لا حصر لها منها: كثرة العنوسة, وقلة الزواج , وكثرة الطلاق , وضياع الأبناء.
وكل هذا هو ثمرة البعد عن دين الله , والحق يقال أن منبع هذا البلاء, وأصل هذا الداء , هو ما أخبر به سيد الأنبياء : ” حُبُ الدُّنْيَا وَكَرَاهِيَةُ المَوْتِ “.
ولقد عرضنا في بحثنا هذا الأحكام الشرعية لقضية ليست هينة , ولا يسيرة.
ولاسيما في زمان عبد الناس فيه أهواءهم , وتلاعبت الدنيا بقلوبهم , فصارت لا ترى المعروف إلا منكرًا , والمنكر إلا معروفًا.
فرأينا من طلَّق في نفس اليوم , ومن طلَّق بعد يومين , ورأينا من تطلب الطلاق بعد أسبوعين , أوهام وخيالات , وتصورات فاسدة(1), دون مراعاة لمشاعر الآخرين, وتحسبًا لظلمهم, وكل هذا يحدث في ظل غياب الحارس الأمين (الدين), وغياب المربِّي الناصح الأمين, وصدق سيد المرسلين : ” إذا أُوسدَ الأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ “.
مشكلات تتْرَى في ظل الجهل بالدين, وأحكام الشرع المتين: ” وَمَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهُه فِي الدِّينِ “.

ومن أجل هذا كان مبحثنا مستفيضًا بذكر الأدلة وأقوال العلماء, وآراء الفقهاء, ولم يبق لنا إلا قول النبي  : ” إنَّ الحلالَ بَيِّنٌ والحرامَ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُما أُمُورٌ مُشْتَبِهَاتٌ لا يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَات فَقَدِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِه وَعِرْضِه, وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ , كَالرَّعِي يَرْعَى حَوْلَ الحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ , أَلا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمَى , أَلا وَإِنَّ حِمَى اللهِ مَحَارِمُه “.
” يُنْصبُ لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ “.
اللهم أرنِا الحقَّ حقًا وارزقنا اتِّبَاعَه , وأرِنا الباطلَ باطلاً وارزقنا اجْتِنَابَه , وهيئ لنا من أمرنا رشدًا.
هذا فما كان من صواب فمن الله وحده , وما كان من خطأ فمني ومن الشيطانِ واللهُ ورسولُهُ منه بريء.
أسأله سبحانه وتعالى أن يجعل عملي خالصًا لوجهه الكريم, وأن لا يجعل لأحد في شيئًا.
وصلى الله وسلم وبارك على محمد .

كتبهُ:
محمد عوض عبد الغني
الإسكندرية

شارك المقالة

1 تعليق

  1. الفضالي الجزائري

    30 يونيو، 2018 at 5:00 م

    [جزاك اللخ خيرا على هذا البحث ولكن لم تتكلم عن مسألة ذات صلة مهمة
    إذا وقع الخلع قبل الدخول مع الخلوة الصحيحة وما حكم الهدايا والأموال التي تعطى للمرأة زيادة على المهر هل ترجع للزوج أم لا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر بريدك الالكتروني.