دراسة وبحث قانوني هام عن الارهاب في القانون

يعتبر الإرهاب صورة من صور العنف التي عرفها المجتمع الدولي مند عصور خلت، تطور مع تطور المجتمع ، وهو ما يظهر من خلال زيادة حوادث الإرهاب و زيادة في أعداد الضحايا، واتساع نطاق العمليات الإرهابية وظهور أشكال جديدة و حديثة مستخدمة مستجدات التطور العلمي و التكنولوجي، مثل استخدام المتفجرات مع إمكانية التحكم فيها عن بعد بواسطة الكومبيوتر أو الهاتف النقال2.
ومن هنا نجد أن الإرهاب هو ظاهرة معقدة وغير محددة بل إنها أصبحت نوعا من الحروب بين الدول و الجماعات و خطورتها في أنها بلا أي قواعد أو قوانين أو قيود تنظمها، ذلك أن الإعتداءات الإجرامية التي عرفتها كبريات المدن العالمية كنيويورك و واشنطن و الرياض و الدار البيضاء، ومدريد، شكلت نقطة تحول كبرى في تعامل المجتمع الدولي مع الإرهاب على الصعيد العالمي.
وأمام هذا الوضع الخطير قامت مجموعة من المنظمات الدولية والإقليمية إلى إتخاد موقفها من الإرهاب ومنها منظمة الأمم المتحدة و جامعة الدول العربية، وذلك لأخذ التدابير اللازمة لمكافحة الإرهاب بشتى الطرق.
والتزاما من المغرب في المساهمة الفعالة في الحفاظ على الأمن و السلام الدوليين فقد أعرب و في العديد من المناسبات عن إدانته الكاملة و اللامشروطة لمختلف الجرائم الإرهابية التي تقع في مختلف بقاع العالم 3.

لكن مما زاد من تعقيد هذه الظاهرة، ارتباطها بما أسماه البعض بالتطرف الديني، ففي الوقت الذي كان يتم الحديث عن العنف المسلح لدى الجماعات الإسلامية كشكل من أشكال الإرهاب الديني في بعض الدول العربية مند سنوات،

لم يكن أي محلل سياسيي يتصور أن يكون للتطرف الديني بالمغرب هذا التطور و الزخم السريع الذي ألقى به على واجهة الأحداث بعد العمليات الإرهابية التي عرفتها مدينة الدار البيضاء يوم 16 ماي 2003، و عندما أصبح الحديث عن مشكلة التطرف و الإرهاب تفرض نفسها و تشغل الرأي العام لما شهادته الساحة في الآونة الأخيرة من موجات التطرف ديني اختلفت مسمياتها من جماعة الصراط المستقيم و الهجرة و التكفير و السلفية الجهادية و غيرها … و التي اعتنقت جميعها عقيدة الإرهاب فأباحت لنفسها سفك دماء الأبرياء و استحلال أموالهم و إهدار أرواح المخالفين لمبادئها زعما منها بأن المجتمع يعيش جاهلية ما قبل الإسلام مما بات معه تكفير أفراده حكما و محكومين لاحتكامهم إلى قوانين الوضعية4.
وهكذا، وأمام الفراغ التشريعي الذي كان يعرفه القانون المغربي في معالجته للأحكام الجريمة الإرهابية سواء في القواعد الموضوعية أو الإجراءات المسطرية.

و نظرا لما شاهده المغرب في السنوات الأخيرة من صور جديدة للجريمة لم يكن يعرفها ا لمجتمع المغربي من قبل و التي استهدفت أساسا الإخلال بالنظام العام و تعريض أمن المجتمع وسلامته للخطر، اقتضت الضرورة مواجهة هذه الأفعال إتقاءا لأثارها المدمرة و ذلك لموجهتها تشريعيا بكل حسم، مما أدى إلى إصدار قانون 03.03 المتعلق بمكافحة الإرهاب، وذلك بعد تأكيد جلالة الملك محمد السادس لذلك5.

وقد تطرق هذا القانون إلى تضمين ثلاثة مواضيع أساسية تكتسي أهمية بالغة، و يتجلى أولها في تجريم الأفعال التي تدخل ضمن الجريمة الإرهابية و العقوبات الزجرية المتعلقة بها، و ثانيها في وضع القواعد المسطرية، أما ثالثها وأخرها فيتجلى في معالجة المعلومات المالية وقمع تحركات الأموال المخصصة لتمويل الإرهاب6.
و أمام هذه الاتفاقيات والقوانين التي تكافح الإرهاب تطرح الإشكالية فيما إذا كانت الترسانة القانونية التي يتوفر عليها المغرب كافية لردع الإرهابيين و القضاء على هذه الظاهرة ؟
وانطلاقا من هذه الإشكالية فإننا سنتناول هذا الموضوع بالدراسة في مبحثين:
المبحث الأول: جريمة الإرهاب بين القواعد الموضوعية المسطرية في التشريع المغربي

المبحث الثاني: إسهام الهيئات و المؤسسات الدولية في التصدي للإرهاب

المبحث الأول: جريمة الإرهاب بين القواعد الموضوعية والمسطرية في التشريع المغربي.

بالرجوع إلى طبيعة الأفعال المنصوص عليها في قانون مكافحة الإرهاب، يتبين أنها أفعال سبق للقانون الجنائي المغربي أن جرمها وعاقب عليها كجرائم الاعتداء على الأشخاص و السرقة و التزييف و جرائم التخريب.
إلا أنه بمجرد خرق النصوص الجنائية الموضوعية يبتدئ تطبيق مقتضيات المسطرة الجنائية والتي تظهر في البحث التمهيدي لدى الشرطة القضائية، و المتابعة لدى النيابة العامة، و التحقيق الإعدادي الذي يقوم به قاضي التحقيق و المحاكمة و تنفيذ العقوبة.
وعليه فإنه سيتم تقسيم هذا المبحث إلى مطلبين: نخصص الأول لقواعد الموضوعية في حين نخصص الثاني للقواعد المسطرية.

المطلب الأول: القواعد الموضوعية 

بالرجوع إلى القانون رقم 03.03 المتعلق بمكافحة الإرهاب نجد أن المشرع جرم مجموعة من الأفعال التي تعتبر جرائم إرهابية، و أقر مجموعة من العقوبات عليها، وأخذ بالتدابير الوقائية لمكافحتها وعاقب على المشاركة فيها، و حدد مسؤولية الشخص المعنوي بحيث لا تقل مسؤوليته عن مسؤولية الشخص الطبيعي، وأما بخصوص التعويض عن أضرار الناشئة عنه فإنه بالرغم من سكوت المشرع عنه في القانون 03.03 إلا أن الاجتهاد القضائي أقره.
و انطلاقا من هذه المقدمة سنقسم هذا المطلب إلى فقرات نتطرق فيه بتفصيل إلى القواعد الموضوعية.

الفقرة الأولى:الأفعال الإجرامية في الجريمة الإرهابية.
أشار المشرع لمجموعة من الأفعال التي تعد في عداد الأعمال الإرهابية، و بمجرد القراءة الأولية يتبين أنها منصوص عليها في مجموعة القانون الجنائي من جهة أو في النصوص التشريعية الخاصة من جهة أخرى.
و عليه فإن الأفعال التي تعد جرائم إرهابية هي التي كانت لها علاقة عمدا بمشروع فردي أو جماعي يهدف إلى المس الخطير بالنظام العام بواسطة التخويف أو الترهيب أو العنف7.
وهكذا فإنه يمكن تحديد الجرائم الإرهابية فيما يلي:

1-الاعتداء على الأشخاص:
وهي كل الجرائم التي تشغل كل الأنشطة التي من شأنها أن تصيب الأشخاص في حياتهم أو في جسمهم أو صحتهم سواء بالتقتيل أو التعذيب أو الاختطاف أو الاحتجاز8، و المشرع الجنائي سواء في المجموعة الجنائية أو في قانون الإرهاب في الفقرة الأولى من الفصل 1-218 من القانون الجنائي، أضفى حماية مطلقة على حياة الأشخاص من هذه الاعتداءات لذا وجب توافر الركن المادي زيادة على الركن المعنوي ليتسنى المعاقبة عليها.
وهكذا فإن هذا النوع من الجرائم صنفها المشرع إلى أربعة أصناف وهي:
 الاعتداء على حياة الأشخاص حيث نظم المشرع هذا النوع ضمن الفصول 392-399 من القانون الجنائي.
 الاعتداء على سلامة الأشخاص، ونظمها المشرع ضمن الفصول 400-414 من القانون الجنائي.
 الاعتداء على حرية الأشخاص، وتم تنظيمه ضمن الفصول 219-223 من القانون الجنائي.
 اختطاف الأشخاص واحتجازهم وهو ما تم التنصيص عليه ضمن الفصول 436-440 من القانون الجنائي.

2-التزييف و التزوير.
وهي من أبشع الجرائم الماسة بالثقة العامة، لدى عدها المشرع في قانون الإرهاب من أفعال الإرهابية لما لها من المس الخطير بالنظام العام ولاسيما الاقتصادي منه بواسطة التخويف أو الترهيب، و تتمثل عناصر هذه الجريمة في الركن المادي الذي يتمثل في تغيير الحقيقة في محرر بغية استبدال واقعة صحيحة بأخرى كاذبة، مع ترتيب الضرر عنها، أما ركنها المعنوي فيتمثل في توجه إرادة الفاعل إلى تغيير الحقيقة في محرر رسمي أو عرفي أو بنكي أو تجاري بالطرق التي حددها القانون وهو عالم بحقيقة ما يقوم به.

3-التخريب أو التعييب أو الإتلاف:
وتعد ه ذه الجرائم خطيرة عندما تصيب الممتلكات والأموال، وذلك لأنها تعرض للخطر في سلامة أشخاص وحتى حياتهم، ولهذا فإن العقوبات المقررة لزجر عنها بالغة الشدة في غالب أحيان.9

4-اعتداء على وسائل النقل والاتصال:
تشكل وسائل النقل والاتصال دعامة أساسية للحركة الاقتصادية في الدولة، وكثيرا ما تكون مستهدفة من قبل الإرهابيين، لدى عمد المشرع إلى حمايتها في القانون الجنائي و في النصوص الجنائية الخاصة، وشدد في عقوبتها إذا ارتكبت في إطار جريمة إرهابية.
وقد جاء هذا التجريم في الفقرة الرابعة من الفصل 1-216 والذي ينص على ” تحويل الطائرات أو السفن أو أية وسيلة أخرى من وسائل النقل أو إتلافها أو إتلاف مشاءات الملاحة الجوية أو البحرية أو البرية أو تعييب أو تخريب أو إتلاف وسائل الاتصال”10.
وفيما يخص جرائم الاعتداء على وسائل الاتصال فإن المشرع تطرق لجرائم تعييب أو تخريب أو إتلاف وسائل الاتصال في موضعين الأول في الفقرة الأولى من المادة 81 والثاني في الفصل 83 من القانون رقم 96-24 المتعلق بالبريد و المواصلات.

5- جرائم السرقة:
وتشكل جريمة إرهابية إذا كانت لها علاقة عمد بمشروع فردي أو جماعي يهدف إلى المس الخطير بالنظام العام ب واسطة التخويف أو الترهيب أو العنف.11
وقد شدد المشرع في عقابها، إذا كانت موصوفة بسبب اقترافها بظروف التشديد المنصوص عليها في القانون12، ليتغير بذلك وصفها القانوني من جنحة إلى جناية.

6-الجرائم المتعلقة بالأسلحة والمتفجرات والذخيرة:
وباعتبار أن هذه الأفعال تشكل جناية فإن المحاولة فيها يعاقب عنها بقوة القانون طبقا للفصل 114 من القانون الجنائي، أما أعمال المشاركة فالمرجع فيها يعود إلى الفصل 129 من القانون الجنائي في حين أن المصادرة نص عليها المشرع في الفصول 42-43-89 من القانون الجنائي.
وإلى جانب ذلك جرم و عاقب الفصل 303 مكرر من القانون الجنائي، كل من ضبط في ظروف تشكل تهديدا للأمن العام أو لسلامة الأشخاص أو الأموال وهو يحمل جهازا أو أداة أو شيئا واخزا أو قاطعا أو خانقا، ما لم يكن ذلك لسبب نشاطه المهني أو لسبب مشروع.
كما تعتبر جرائم صنع أو حيازة أو نقل أو ترويج أو استعمال أسلحة أو المتفجرات أو الذخيرة خلافا للأحكام القانونية المنظمة لها و الواردة أعلاه جرائم إرهابية إذ كانت لها علاقة عمد بمشروع فردي أو جماعي يهدف إلى المس الخطير بالنظام العام بواسطة التخويف أو الترهيب أو العنف وفق ما نصت عليه الفقرة 6 من الفصل 1-218 من القانون الجنائي.

7- تكوين عصابات إجرامية:
تطرق إليها المشرع في الفرع الأول من الباب الخامس المتعلق بالعصابات الإجرامية والتعاون مع المجرمين وخصص لها الفصول من 293 إلى 299 من المجموعة الجنائية.
وهذه الجريمة لها وجود مستقل عن الجرائم التي ترتكب نتيجة لها و سواء ارتكبت جرائم أو لم ترتكب، فهي إذن تتوفر عناصرها بمجرد وجود العصابة.
ويتصف تكوين العصابة ببعض صفات المؤامرة المنصوص عليها في الفصلين 175-201 من القانون الجنائي، و لكنها تختلف عنها اختلافا أساسيا يتجلى في أن هذه الجرائم موجهة ضد أمن الدولة، في حين أن الفصل 293 من القانون الجنائي يتعلق بالأشخاص العادين فقط.

8- الإشادة بالجريمة الإرهابية:
ويقصد بها أن يقوم الجاني بالتنويه بالعمل الإرهابي و تحبيذه وتتميمه واعتباره عملا إيجابيا ومشروعا بل وتبريره.
و تتجلى وسائل استعمال الإشادة في نفس الوسائل المشار إليها في قانون الصحافة، فالمشرع في القانون المتعلق بمكافحة الإرهاب وظف نفس الوسائل المشار إليها في قانون الصحافة.13

9- تمويل الإرهاب:
بادر المشرع المغربي إلى تجريم تمويل الإرهاب والمعاقبة عليه في القانون المتعلق بمكافحة الإرهاب، حيث اعتبر القيام بأي وسيلة كانت مباشرة أو غير مباشرة بتقديم أو جمع أو تدبير أموال أو قيم أو ممتلكات بنية استخدامها، أو مع العلم أنها ستستخدم كليا أو جزئيا لارتكاب عمل إرهابي، سواء وقع العمل المذكور أو لم يقع.
كما اعتبر كذلك جريمة إرهابية كل من قدم مساعدة أو مشورة للقيام بتدبير وجمع وتقديم أموال أو قيم أو ممتلكات من أجل استخدامها لأعمال إرهابية.14
ومن حيث المسؤولية فإن جرائم الإرهاب قد ترتكب من طرف شخص طبيعي، كما قد ترتكب من قبل شخص معنوي، ويعتبر ظرف تشديد يؤدي إلى الرفع من العقوبة الحبسية والمالية عندما ترتكب الجرائم باستعمال تسهيلات التي توفرها مزاولة نشاط مهني، و كذلك عندما ترتكب هذه الجرائم في إطار عصابة منظمة، وكذا في حالة العود.

10- إقناع الغير على ارتكاب جريمة إرهابية:
ويبرر إتخاد المشرع لهذا المنحى من أجل اتقاء الخطر الذي يمثله ضعاف النفوس و تحريضهم بوسائل شتى لتنفيذ المشروع الإجرامي.
حيث عاقب من أقنع ودفع أو حرض على ارتكاب جريمة إرهابية بالعقوبة المقررة لتلك الجريمة إلا أنه بالرجوع إلى القانون الجنائي، 15 الذي تناول هذه الجريمة نجده لم يحدد الوسائل المستعملة في الإقن اع أو التحريض أو الدفع إلى اقتراف الفعل الإرهابي، بل ترك ذلك للسلطة التقديرية للمحكمة التي تأخذ في ذلك بعين الاعتبار وضعية الجاني و شخصيته ومدى تأثرها بكل وسيلة تأثر على نفسيته و تتحكم فيها.

11-عدم التبليغ عن الجريمة الإرهابية:
جرم المشرع عدم التبليغ عن جريمة إرهابية،16 وعاقب كل من كان على علم بمخطط أو أفعال تهدف إلى ارتكاب أعمال معاقب عليها بوصفها جريمة إرهابية ولم يبلغ عنها فورا بمجرد علمه بها الجهات القضائية أو الأمنية أو إدارية أو العسكرية.
وواجب التبليغ في القانون 03-03 له طابع تأكيد وإلحاح، ويبدأ من حيث الزمن بشكل فوري أي بمجرد علم الشخص بمخطط أو أفعال تهدف إلى ارتكاب أعمال معاقب عليها بوصفها جريمة إرهابية.

12-المساعدة على ارتكاب جريمة إرهابية:
بقراءة الفصل 6 -218 يتبين أن المشرع جرم وعاقب أفعال الإعانة والمساعدة المقدمة إلى الجاني المرتكب لجريمة من الجرائم الإرهابية بغض النظر عن مركزه القانوني سواء كان فاعل أصليا أو مساهما أو مشاركا.
وتتحدد الأفعال المادية لهذه الجريمة فيما يلي :
 تقديم أسلحة أو ذخائر أو أدوات تنفيذ الجريمة؛
 تقديم مساعدات نقدية؛
 ت قديم وسائل النقل؛
 تقديم مكان للاجتماع؛
 تقديم مكان للسكن؛
 تقديم مكان لللإختباء.

الفقرة الثانية:العقوبة في الجريمة الإرهابية
وهي عقوبات محددة في القانون على سبيل الحصر طبقا لمبدأ شرعية أو قانونية العقوبة، حيث لا يمكن للمحكمة أن تصدر أية عقوبة في جريمة غير منصوص عليها في التشريع.
وبالرجوع إلى قانون 03-03 المتعلق بمكافحة الإرهاب يتبين أن العقوبة في الجرائم الإرهابية إما عقوبة جنائية وإما عقوبة جنحية، ثم إنها إما عقوبة أصلية وإما عقوبة إضافية.
وبالتالي فقد نص المشرع في بعض الحالات على عقوبات للأفعال الإرهابية في قانون 03.03 وفي بعض الحالات الأخرى يحيل إلى تطبيق العقوبات المنصوص عليها في مجموعة القانون الجنائي وباقي النصوص الخاصة مع تشديدها.
لذا فقد عمد المشرع في عقوبات الإحالة بتشديد العقوبة، مما يصح معه القول أن الجريمة الإرهابية تشكل ظرفا مشدد حيث تحول عقوبة السجن المؤبد إلى الإعدام، وتحول العقوبة السجينة 30 سنة إلى السجن المؤبد، ويرفع الحد الأقصى للعقوبات الأخرى السالبة للحرية إلى الضعف دون أن تتجاوز 30 سنة إذا كانت العقوبة المقررة هي السجن أو الحبس، دون الحد الأدنى الذي يبقى كما هو منصوص عليه في مجموعة القانون الجنائي وباقي النصوص الخاصة، أما إذا كانت العقوبة المقررة للفعل غرامة فيضاعف الحد الأقصى فقط دون الحد الأدنى للغرامة مائة مرة دون أن تقل عن 100.000درهم 17.
إلا أن القاضي الجنائي أثناء تفريده للعقوبة يحق له في إطار سلطته التقديرية أن يقدرها في نطاق الحد الأدنى والأعلى المنصوص عليهما في القانون الجنائي، آخذا بعين الاعتبار خطورة الجريمة المرتكبة وأثارها على أمن واستقرار المجتمع وكذا شخصية المجرم.

واستثناءا لما سبق، ولتشجيع الجناة على التراجع عن مشاريعهم ومخططاتهم الإرهابية، أقر المشرع في قانون مكافحة الإرهاب الأعذار القانونية وذلك بتمتيع المجرم بعذر معف من العقوبة من جهة، 18 وبتخفيض العقوبة من جهة ثانية 19 .

ويتمتع بالعذر المعفي من العقاب، 20 كل فاعل أو مساهم أو مشارك الذي يكشف قبل غيره للجهات القضائية أو الأمنية أو الإدارية أو العسكرية عن وجود اتفاق جنائي أو وجود حماية للأجل ارتكاب جريمة إرهابية إذا قام بذلك قبل محاولة ارتكاب الجريمة التي كانت موضوع الاتفاق أو الهدف لعصابة إجرامية وقبل إقامة الدعوى العمومية.

هذا مع العلم أن قيام العذر المع في من العقاب لا يسمح لسلطات التحقيق بإصدار قرار بعدم المتابعة21، كما لا يسمح أيضا للسلطات المتابعة و المثمتلة في النيابة العامة بإصدار أمر بالحفظ22 ، على اعتبار أن هذه السلطات لا يمكنها أن تصدر قرارا بإعفاء المتهم من العقاب، لأن قرار الإعفاء معناه ثبوت مؤاخذة المتهم وإدانته، وهو قرار تستقل في إصداره محكمة الموضوع .

أما الأعذار المخففة في الجريمة الإرهابية هي واجبة التطبيق وبقوة القانون ذلك أنه إذا تم التبليغ عن أفعال المذكورة بعد ارتكاب الجريمة تخفض العقوبة إلى النصف بالنسبة للفاعل أو المساهم أو المشارك الذي يقدم نفسه تلقائيا للسلطات القضائية أو الإدارية أو العسكرية أو الذي يبلغ عن المساهمين أو المشاركين في الجريمة في حين أنه إذا كانت العقوبة هي إعدام ستخفض إلى السجن المؤبد وإذ كانت هي السجن المؤبد فتخفض من 20 سنة إلى 30 سنة 23.
أما فيما يتعلق بالعقوبات الإضافية فإنها تتجلى في الحجز القانوني و التجريد من الحقوق الوطنية و الحرمان المؤقت من ممارسة الحقوق الوطنية أو المدنية أو العائلية و الحرمان النهائي والمؤقت من الحق في المعاشات التي تصرفها الدولة، والمصادرة الجزئية للأشياء الجزئية المملوكة للمحكوم عليه ، ونشر الحكم الصادر بالإدانة24.

الفقرة الثالثة: التدابير الوقائية
نص المشرع في قانون 03-03 المتعلق بمكافحة الإرهاب على التدابير الوقائية عند المؤاخذة على فعل يشكل جريمة إرهابية حيث أجاز الحكم بإجبار على إقامة بمكان معين،25 كما أجاز الحكم بالمنع من الإقامة،26 في حين أوجب التصريح بعدم الأهلية لمزاولة جميع الوظائف و الخدمات العمومية 27.

الفقرة الرابعة: مسؤولية الشخص المعنوي في الجريمة الإرهابية
لم يستثني قانون مكافحة الإرهاب الشخص المعنوي على غرار الشخص الطبيعي من المسؤولية الجنائية وبالتالي من العقاب إذا ما تبت تورطه بأي حال من الأحوال، قد تبنى المشرع العقوبة التي تتناسب و طبيعة هذا الأخير ضمن الفصول 4-218 و 7-218 و 8-218 من القانون الجنائي.

الفقرة الخامسة: التعويض عن الأضرار الناشئة عن جرائم الإرهاب
بقراءة الفصل 79 من قانون الالتزامات و العقود و الفصل 8 من قانون المحاكم الإدارية، يفهم على أن المشرع المغربي لا يشترط قيام المسؤولية وجود خطأ صادر عن الدولة، فإذا ما حصل ضرر للمدعى أمكنه المطالب بالتعويض في ضوء المسؤولية على أساس المخاطر.
ومجال تطبيق هذه المسؤولية يمكن تصوره في حالة ارتكاب جر يمة إرهابية، لما لدولة من مسؤولية في حفظ الأمن والاستقرار ولو لم يصدر منها أي خطأ في هذا المجال وهذا ما سارت عليه المحكمة الإدارية بالرباط في شأن العمليات الإرهابية التي عرفها فندق أطلس إسني بمراكش.28

المطلب الثاني : القواعد المسطرية للجريمة الإرهابية

بنظر إلى خطورة هذه الجريمة على أمن والسلم والاستقرار ليس فقط على الدولة التي ارتكبت فيها بل على المجتمع الدولي ككل، فإن المشرع سن قواعد استثنائية تطلبها الموقف لتحكم في الجريمة ولردع الجنات، وهي تتجلى في عمل الشرطة القضائية المكلفة بالبحث التمهيدي أو في عمل قاضي التحقيق أو في الاختصاص القضائي و عليه فإننا سنقسم هذا المطلب إلى ثلاث فقرات.

الفقرة الأولى: البحث التمهيدي
وفي هذا البحث يجب التمييز بين البحث التمهيدي في الحالة العادية ثم في حالة تلبس، حيث أنه في الحالة العادية تقوم الشرطة القضائية بتتبث من وقوع جرائم وجمع الأدلة عنها و البحث عن مرتكبها، 29 وذلك إما تلقائيا أو بناءا على أمر من النيابة العامة التي تتلقى الشكايات و الوشايات من أشخاص معلومين أو مجهولين حول وقوع الجريمة أو أدلتها أو أشخاص مرتكبيها.
كما أن الشخص الذي يجري معه البحث التمهي دي لا يعتبر متهما بارتكاب الجريمة ولو توافرت فيه قرائن قوية و متناسقة ضده بل يبقى فقط مجرد مشتبه فيه و بالتالي فنه لا يحق لضابط الشرطة القضائي إجباره على الحضور أمامه لاستجوابه حول الجريمة التي يقوم بالبحث فيها، وإنما يملك فقط استدعاءه عن طريق أحد أعوانه أو أحد أعوان السلطة العامة.
كما لضابط الشرطة القضائية أن يستمع لأي شخص تفيده تصريحاته في الكشف عن الحقيقة، والوقوف على مكان اقتراف الجريمة والبحث في الآثار التي خلفتها، و تحليل تلك الآثار بكل الوسائل الفنية والعملية.
أما في حالة التلبس فقد أعطى المشرع صلاحيات هامة لضابط الشرطة القضائية تتسم بصرامة و السرعة اللتين تتطلبهما خطورة التلبس بالجريمة الإرهابية ومنها:
 الحضور الفوري إلى مكان الجريمة30؛
 توقيف الأشخاص ومنعهم من مغادرة مكان الجريمة والتحقق من الهوية31؛
 حجز الأشياء والأدوات التي لها علاقة بالجريمة32؛
 إجراء المعاينات الضرورية بواسطة أهل الخبرة 33
إضافة إلى ما قيل في البحث التمهيدي العادي و في حالة التلبس فإن ضابط الشرطة القضائية يملك الحق في وضع المشتبه فيه تحت الحراسة النظرية، وبما أن الأمر يتعلق بالجرائم الإرهابية فإن القانون 03-03 المتعلق بمكافحة الإرهاب أضاف فقرة رابعة إلى المادة 80 من قانون المسطرة الجنائية و حدد مدة الحراسة النظرية في الجرائم الإرهابية في 96 ساعة قابلة للتمديد مرتين فقط لمدة 96 ساعة في كل مرة بناء على إذن كتابي من النيابة العامة.

و بالتالي فإن مدة الحراسة النظرية في الجرائم الإرهابية هي أطول مدة في التشريع المغربي و المقارن مع الجرائم الأخرى، و يمكن أن تصل في مجموعها إلى 288 ساعة أي 12 يوم وهي مدة فرضتها ضرورة البحث ولا فائدة العدالة بالنظر إلى طبيعة الجريمة الإرهابية التي تكون عادة جريمة معقدة ولها خيوط متشابكة و تمتد إلى خارج تراب المملكة.

فيما يخص تفتيش المنازل فإنه نظم صمن المواد من 59 إلى 63 من قانون المسطرة الجنائية، حيث أنه إذا تعلق الأمر بجريمة إرهابية أمكن لضابط الشرطة القضائية ومعه الأشخاص المشار إليهم في الفصل 60 من قانون المسطرة الجنائية، وحدهم الإطلاع على الأوراق و المستندات قبل القيام بحجزها.
أما عن توقيت التفتيش فإنه بموجب المادة 4 من قانون رقم 03-03 تم إضافة فقرة ثانية إلى المادة 62 قانون المسطرة الجنائية التي نصت على أنه إذا تعلق الأمر بجريمة إرهابية و اقتضت ذلك ضرورة البحث أو حالة استعجال قصوى إذا كان يخشى اندثار الأدلة فإنه يمكن الشروع في تفتيش المنازل أو معاينتها بصفة استثنائية قبل السادسة صباحا و بعد التاسعة ليلا بإذن كتابي من النيابة العامة.