نظرة في مسودة قانون الصحافة و المطبوعات الصحفية السوداني لسنة 2012

مديحة عبدالله
انشغل الوسط الصحفى الايام الماضية بمسودة قانون للصحافة والمطبوعات 2012 جاءت مكرسة لكل القيود (والكوابح) التى تحد من حرية العمل الصحفى وعانت منها الصحافة السودانية والصحفيين , الملاحظ ان هناك بوادر (تنصل) من القانون مما حدا بصحفى رسام كاكتير فى احدى الصحف لتصوير القانون كطفل مجهول الوالدين ملقى فى قارعة الطريق يبكى ولااحد يريد يعلن مسئوليته عنه …

وهذه قراءة لبعض بنود مسودة القانون …وتهيب الميدان بالصحفيين والناشطين فى مجال الحريات العامة والاحزاب السياسية الاهتمام بابداء وجهات نظرهم وفتح النقاش حوله فى مختلف المنابر دفاعا عن حرية التعبير وحرية الصحافة ..

.رئاسة جمهورية و اخلاق عامة :

جاء فى المادة (5) (1) المبادئ الاساسية لحرية الصحافة والصحفيين : تمارس الصحافة بحرية واستقلالية بما لا يتعارض مع الدستور والقانون مع مراعاة المصلحة العامة وحقوق الاخرين وخصوصيتهم دون المساس بالاخلاق العامة …

الملاحظ هنا ان الاشارة للدستور جاءت دون اشارة لدستور 2005 المعمول به حاليا مع اغفال حقيقة ان البلاد مقبلة على وضع دستور جديد فى ظل جدل واسع حول البيئة الملائمة لوضع الدستور نظرا للحروب وانتهاك حقوق الانسان والحريات العامة

مما يدل على ان وضع مسودة هذا القانون فى هذا الوقت ليس الا محاولة استباقية لوضع قانون يقيد الحريات الصحفية ويمنح المجلس القومى للصحافة والمطبوعات الصحفية سلطات واسعة خاصة وان الاشارة للاخلاق العامة يفتح الباب واسعا للتأويل فى معنى وحدود الاخلاق العامة فى قضايا تتصل بالنشر فى بلد متعدد الثقافات .

كما نجد ان مسودة القانون كرست صلاحية واسعة للمجلس القومى للصحافة والمطبوعات الصحفية وهى سلطة نابعة من ان المجلس تشرف عليه مباشرة رئاسة الجمهورية بكل ما لديها من صلاحيات فى الجمهورية الرئاسية خاصة وان رئيس الجمهورية يملك سلطة ان يعين ستة من اعضاء المجلس من الخبراء والمختصين على ان يكون من بينهم الامين العام ! والواقع لايوجد تناسب بين اختصاصات المجلس كما هو موضح فى المادة (8) من مسودة القانون وبين سلطات المجلس ومنها : ان المجلس يملك سلطة وضع معايير المهنة والشروط الازمة لتسجيل الصحفيين بالتنسيق مع الاتحاد العام للصحفيين السودانيين , وتوقيع الجزاءات المنصوص عليها فى القانون وتعليق اصدار الصحيفة او دار النشر فى حالة مخالفتها لاى من شروط مزاولة العمل وفتح سجل للصحفيين وعقد الامتحانات المهنية ومنح الشهادات الازمة لممارسة العمل الصحفى وسحب القيد الصحفى !!

اما الموارد المالية للمجلس المادة (36) فتتكون من الاتى : (أ) ما تخصصه له رئاسة الجمهورية من دعم سنوى (ب) رسوم الموافقة والتجديد للصحف والمطابع الصحفية ومدخلاتها (ج) الهبات والوصايا والمعونات المشروعة التى يقبلها المجلس (د) اى موارد اخرى يوافق عليها المجلس .

معنى ذلك ان المجلس حكومى بالدرجة الاولى لاعلاقة له بالصحفيين وهمومهم ولن يتسنى لعضويته من الصحفيين فعل شئ تجاه ( اشراف رئاسة الجمهورية واموالها الداعمة للمجلس).

· مال الايداع و سلطة المجلس :

ونجد فى المادة (22) شروط اصدار الصحف والمطبوعات الصحفية (ب) ان تودع الموسسة الصحفية مبلغا من المال فى حساب مصرفى مستقل يحدده المجلس فى لائحة تطوير العمل الصحفى مع التعهد بعدم الصرف من المبلغ المودع لغير اغراض الاصدار , ويجوز للمجلس بقرار منه رفع الحد الادنى للايداع متى ما اقتضت الظروف او المصلحة العامة ذلك …..ويفتح ذلك الباب واسعا امام مجلس الصحافة لممارسة الضغوط المالية على الصحف رغم الحصار الاقتصادى الذى تواجهه الصحف خاصة المعارضة ..

حقوق الصحفيين … وسلطات المجلس اكثر من سؤال ؟

المادة 25 الخاصة بحقوق الصحفى وحصاناته لم يتم الاشارة الى حظر اعتقال الصحفيين او حجزهم او منعهم من الكتابة ذلك لان المجلس نفسه صار يوقع الجزاءات الادارية على الصحفيين وجاء ذلك بعد حملة الاحتجاجات ضد ممارسات جهاز الامن الذى يقوم بالرقابة والقاء القبض على الصحفيين وايقاف الصحف ومنع الصحفيين من الكتابة دون مسوغ قانونى حيث جاء فى الفصل السابع – الجزاءات والعقوبات -الجزاءات- المادة (33) (1) يجوز للجنة الشكاوى ان توقع على الشخصية الاعتبارية او الطبيعية المرخص لها وفق احكام هذا القانون فى حالة مخالفتها لاى من احكامه ايا من الجزاءات الاتية : ( أ) الزام الصحيفة بالاعتذار او نشر قرار المجلس بشأن المخالفة (ب) الاعتذار (ج) التأنيب المنشور (د) تعليق صدور الصحيفة لمدة لاتتجاوز 10 ايام (ه) الايقاف او الالغاء لترخيص المطبعة او الصحيفة او مركز الخدمات الصحفية فى حالة مخالفة شروط الترخيص (و) ايقاف الصحفى لمدة لا تتجاوز شهرين.

اما العقوبات المادة ( 35) يجوز للمحكمة ان توقع على كل من يخالف احكام هذا القانون او اللوائح الصادرة بموجبه ايا من العقوبات الاتية : (أ) الغرامة التى تحددها المحكمة عند الادانة (ب) ايقاف المطبوعة الصحفية للفترة التى تحددها المحكمة (ج) تعليق مزاولة المطابع للعمل الصحفى فى حال تكرار المخالفة للمدة التى تحددها المحكمة (د) ايقاف رئيس التحرير او الناشر او الصحفى المرتكب للمخالفة للمدة التى تحددها المحكمة (ه) سحب السجل الصحفى او تجميده للمدة التى تقدرها المحكمة عند تكرار مخالفة الصحفى …

وهكذا سيصبح للمجلس سلطة ادارية باطشة تطيح بكل الحريات التى ناضل فى سبيلها الصحفيين / الصحفيات طيلة السنوات الماضية لتقضى على الانفاس الباقية فى رئة الصحافة فى السودان هل نصمت حتى تجهز على الصحافة يد المجلس الدعومة برئاسة الجمهورية ؟؟؟