مقال يوضح دور الجمعية الوطنية في وضع الدستور العراقي لسنة 2005

غازي فيصل مهدي
تظهر الحاجة إلى الدستور عند إنشاء الدولة ابتداءًً أو عندما تقوم ثورة تعصف بالدستور القديم فيصبح هباءً منبثاً . إن وضع الدستور يتم من قبل سلطة مختصة تملك إمكانات سياسية واسعة تسمى بالسلطة التأسيسية، وقد تتولى تعديل الدستور أيضا، إن تنظيم السلطة المذكورة يختلف حسب الأحوال فقد يحدد الدستور ذاته هذه السلطة وينظم تشكيلها وكيفية عملها وعندها تسمى بالسلطة التأسيسية المنظمة أو سلطة التعديل، أما في حالة عدم وجود دستور كما في نشوء دولة جديدة أو سقوط الدستور بثورة عارمة، فان السلطة المذكورة تكون سلطة تأسيسية أصلية تملك اختصاصات واسعة لا تتقيد إلا بقيد التعبير عن الفكرة القانونية السائدة و التي تعد أساس وجودها .

إن السلطة التأسيسية الأصلية أما أن تكون من الشعب عامة ، لأنه هو الذي تتمثل فيه الفكرة القانونية السائدة وعليه يتوقف تحقيقها، أوان تكون فرداً أو مجموعة أفراد ماسكين بأيديهم قبضة السلطة السياسية .

إن أساليب نشأة الدساتير اثنان: الأسلوب الملكي والأسلوب الديمقراطي فالأول يتمثل بالمنحة والتعاقد والثاني يتمثل بالجمعية التأسيسية والاستفتاء التأسيسي .

فأسلوب المنحة يعني فيما يعنيه ، إن الملك و بوحي من إرادته، يمنح الشعب دستوراً يقيد من سلطاته المطلقة ، وهذا ما حصل واقعاً في الدساتير الفرنسي لسنة 1814 الذي أصدره لويس الثامن عشر للأمة الفرنسية بعد أن هوى نابليون إذ جاء في مقدمته ما يأتي ( لقد عملنا باختيارنا وممارستنا الحرة لسلطاتنا الملكية ومنحنا ونمنح ونعطي تنازلاً وهبة لرعايانا وباسمنا بالنيابة لمن يخلفنا والى الأبد العهد الدستوري الآتي …) .

في حين أن أسلوب التعاقد يعني صدور الدستور نتيجة اتفاق إرادة الشعب عن طريق هيئة تعمل باسمه وإرادة الملك ، ومن الدستور التي نسجت على منوال هذا الأسلوب الدستور اليوناني لسنة 1844 والدستور الروماني لسنة 1864.

أما بخصوص الأسلوب الديمقراطي في وضع الدساتير فانه يتم بأسلوب الجمعية التأسيسية أو الاستفتاء الدستوري . ويتمثل الإسلوب الأول بانتخاب الشعب هيئة تمثله تكون مهمتها وضع الدستور ، ان هذا الإسلوب مدين في نشأته إلى الولايات المتحدة الأمريكية إذ تم استخدامه فيها لأول مرة في وضع دستورها بعد استقلالها عن بريطانيا في العام 1776 ثم في وضع دستورها الاتحادي ، هذا وقد تقبلت دول كثيرة بعد الحرب العلمية الثانية هذا الأسلوب في وضع الدساتير بقبول حسن نخص منها بالذكر مثالاً، ايطاليا في دستورها لعام 1947 ورومانيا في دستورها لعام 1948 والمجر في دستورها لعام 1949 ، أما الاسلوب الديمقراطي الثاني وأعني أسلوب الاستفتاء الدستوري فانه يقتضي عرض مشروع الدستور على الشعب ويغض الطرف عن الجهة التي وضعته ليقول قوله الفصل فيه وبطبيعة الحال فان الدستور لا يكتسب القوة والمفعول القانوني إلا بإقرار من قبل الشعب بأكثرية الناخبين، ومن الدساتير التي وضعت بهذا الإسلوب، الدستور الفرنسي لعام 1964 والدستور المصري لعام 1956 .

بعد هذه التوطئة نعود ابصارنا تجاه أحكام قانون ادارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية ، فلقد وجدنا بعد التنقيب فيه ان المادة الحادية والستين، قضت بان تتولى الجمعية الوطنية كتابة مسودة الدستور الدائم في موعد أقصاه 15/8/2005 ، وبعد كتابة المسودة تعرض على الشعب للموافقة عليها باستفتاء عام. والاستفتاء العام يكون ناجحاً ومسودة الدستور مصدقاً عليها عند موافقة أكثرية الناخبين في العراق، اذا لم يرفضها ثلثا الناخبين في ثلاث محافظات أو اكثر.

ان المعنى المنتزع من المادة الحادية والستين من قانون ادارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية ، ان وضع الدستور سيتم بطريقة ديمقراطية لاخدش فيها، فالجمعية الوطنية هيئة تم انتخابها طبقاً لقانون الانتخاب وقانون الأحزاب السياسية، وهي تمثل شرائح المجتمع العراقي تمثيلاً عادلاً، وبالتالي فانها تستطيع ان تصوغ دستوراً معبراً عن طموحات الشعب العراقي وعمقه التاريخي الا ان مسودة الدستور لاتنقلب دستوراً ذا قوة قانونية مالم يجر استفتاء شعبي عليها وهذه خطوة مهمة لتعزيز النهج الديمقراطي وتجعل من طريقة وضع الدستور مثالية على الوجه الأمثل لا بل انها ستكون ازكى مثالاً للدول النامية بهذا الخصوص الا ان مما يعاب على قانون ادارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية كثيراً، انه اعطى لثلثي الناخبين في ثلاث محافظات أو اكثر حق رفض الدستور المقترح، وهذا يعني بجلاء السماح للأقلية في تعطيل ارادة الأكثرية ومبادئ الديمقراطية من هذا براء، فحكم الأكثرية يجب ان يسود وما على الأقلية الا الانصياع له والرضوخ .

أن الحكم المشار الى مثالبه لما يثير الاستغراب والدهشة فهو لم يوضع إلا من أجل الابقاء على واقع يرفضه جل العراقيين، وبالتالي فان المطلوب منا ان نجاهد صادقين على رفع هذا القيد بأية وسيلة لأنه من صنع الأجنبي المحتل الذي أراد لهذا البلد المتماسك تمزيقاً ولشعبه الصابر المجاهد اذلالاً وهواناً.

هذا واذا كانت بعض الدساتير قد وضعت – كما يقول الفقهاء – عن طريق معاهدات دولية ومنها على مساق المثال الدستور الالماني 1871، الا أن هذه الطريقة تتنافى مع طبيعة الدستور ومهمته في المجتمع السياسي وتتنافر لابل انها تعترض أساس وجوده وشريعة هذا الوجود ، فالدستور يجب أن يأتي محصله تفاعل عوامل عديدة متأتية من بطون تاريخ البلد وعاداته واخلاقه ومزاجه ونضجه السياسي، والأجنبي لم ولن يستطيع ان يعبر عن كل ذلك لأنه لم يهضم الواقع كما ينبغي.

أن ارادة الجمعية الوطنية في وضع الدستور يجب ان تكون حرة صافية كالبلور بحيث تعمل على تجسيد الفكرة القانونية السائدة والتعبير عن حاجات المجتمع العراقي وتلبية طموحاته المشروعة وطي صفحات الظلم والاستبداد والجور التي عاشها في ظل أكثر الأنظمة الدكتاتورية شططاً وانحرافاً واستهانة بحقوق الانسان.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت