الإستثمار في مصر بين تشريعات المحاكم الأقتصادية ومراكز التحكيم المتخصصة

فى 18 أبريل عام 1994 صدر القانون رقم 27 لسنة 1994 بإصدار قانون فى شأن التحكيم فى المواد المدنية والتجارية والذى بمقتضاه تم إلغاء مواد التحكيم الواردة بقانون المرافعات المصرى ، وليكون هذا القانون مواكبا للأتفاقيات الدولية بشأن قواعد اليونيسترال ( القانون النموذجى للتحكيم الدولى ) الذى قررته الأمم المتحدة فى 21/6/1985 آخذا فى الاعتبار التطورات الحالية والتقدم الحاصل فى التجارة الدولية خلال المرحلة الزمنية الراهنة ، وأثره الجاد فى تشجيع وتنمية الاستثمار فى مصر وأن المستقبل وحده يمكنه أن يظهر أهمية هذا الأثر بعيدا قدر الإمكان عن القضاء الوطنى للجماعة الدولية 

وإزاء تكليف السيد الرئيس / حسنى مبارك لتنشيط الأستثمار وسرعة حسم المنازعات الأقتصادية والاستثمارية جاءت دعوته فى إطار إصدار قانون بإنشاء المحاكم الأقتصادية

وهو ما أعتبره البعض بل والكثيرون أن هذه الدعوة لإنشاء (دوائر قضائية متخصصة للقضايا الأقتصادية ) أى أنها فرع متخصص من القضاء الرسمى ، ونفاذا لذلك يجرى الآن وبسرعة متناهية أعداد مشروع لهذا القانون الذى خرج عن فكرته الخلاقة ليكون عائقا جديدا للأستثمار والحركة الأقتصادية فى البلاد

إذ أنه بداءة تجاهل عمدا إرادة الطرف الآخر ( المستثمر الأجنبى ) فى طريقة حل منازعاته عن طريق التحكيم بأعتباره أفضل الطرق وأسرعها فى حسم الخلافات التى قد تنشأ

وتجاهل أيضا واقع حال عدم ثقة المستثمرين بالقضاء الوطنى للدول التى يجرى الأستثمار على أرضها وتضرره المطلق من إطالة أمد التقاضى الذى من شأنه إلحاق أشد الأضرار وأحدقها به لدرجة تهدد استمرار بقائه فى مثل هذه الدول

كما أن إصدار قانون للمحاكم الأقتصادية المتخصصة وبهذه العجلة المفتعلة لا يضيف مزية للواقع الحالى بل سيصيب أقتصادنا المصرى بنكبة جديدة متمثلة فى منازعات مستحدثة فى توصيف وتحديد ما هى المنازعات الأقتصادية عن غيرها من المنازعات التجارية الأخرى ، وأن درجات التقاضى تظل كما هى ، وإلا تعرضت لشبهة عدم الدستورية ، كما أن عدد القضاة المشتغلين بالقضاء لم يتضاعف وسيظل كما هو ، بما يضيف على عاتقهم عبأ جديد يؤثر بالسلب على التقاضى بشكل عام

أن مصر وقد أشتهر عنها أنها بلد المليون قانون والعدد اللانهائى من اللوائح والقرارات الوزارية والمنشورات والتعليمات وغيرها ، لدرجة تصل إلى التحدى المطلق فى إمكانية حصر القوانين واللوائح السارية من تلك التى تم إلغائها ، ولا سيما وأن هناك خطأ فادح طالما يتكرر فى القوانين التى تصدر والتى تنص مواد إصدارها على عبارة ( يلغى أى حكم مخالف لأحكام هذا القانون )

وهى عبارة مطاطية من شأنها إثارة اللبس والغموض وخلق نوع من المنازعات حول مدى مخالفة نصوص مواد قانون أخر مع هذا القانون واختلاف مجال كل منهما ، وهو ما من شأنه تدعيم البيروقراطية القانونية من خلال موظف ( متفهم لبعض القوانين المرتبطة بعمله ) واستغلالها لصالحه وبالمقابل الذى يرضاه فى تطبيق ذاك النص والتغافل عن غيره ، والتفسير حسب الأهواء والمصالح بما يخلق مناخا خصبا للرشوة والمحسوبية والفساد

وإزاء ذلك العبث وسوء الفهم والتقدير تجاه المصلحة العامة للبلاد ، والمتمثلة فى تنفيذ توجيهات السيد الرئيس دون وعى أو أدراك لوجود قانون بالفعل ينظم مثل هذه المسألة ومن شأن تفعيله ونشر ثقافة التحكيم أن تتحقق الفائدة العظمى منه بما يوافق الأتجاهات الدولية العالمية ويخفف تلك الأعباء الملقاة على عاتق قضاءنا العادل ،

وأن حاشية النظام يخشون الإفصاح عن وجود هذا القانون بالفعل منذ أكثر من (عشر أعوام ) دون تفعيل أو أنتشار فعلى وأن مراكز التحكيم وفقا لهذا القانون هى فى حقيقتها ( محاكم أقتصادية خاصة ) تقوم على مبدأ التراضى وسلطان الإرادة المطلق وهو ما يبتغيه فعلا المستثمر الأجنبى وبل والوطنى أيضا ، ولكنه يدخل ضمن ترسانة ومصفوفة القوانين المهملة والغير معروفة والتى للأسف يجهلها الكثيرون سواء كان العامة المخاطبين بأحكام هذا القانون أوالمتخصصون فى مجالات القانون والمحاماة

وهو ما يلقى على عاتق المثقفين وأصحاب الرأى والقلم الحر عبأ ومسئولية المشاركة فى التوعية بهذا القانون وأهميته محليا ودوليا بما يحقق الصالح العام