المحاكم المختصة وتأهيل القضاة

إذا كان نظام تطوير القضاء الأخير قد عني بتصنيف المحاكم إلى محاكم عامة وجزائية وتجارية وعمالية وأحوال شخصية وأتاح في الوقت نفسه للمجلس الأعلى للقضاء إحداث محاكم غيرها فإن ذلك يقتضي تخصيص القضاة على نحو لا يكون فيه القاضي قاضيا شاملا كما هو حادث الآن، بل قاضيا مختصا بالنظر في القضايا التي تختص بها المحاكم التي يعمل فيها وهو الأمر الذي يعني أن على المؤسسة العدلية أن تفكر في تهيئة القضاة علميا لكي يكونوا مؤهلين للتعيين في تلك المحاكم بموجب تخصصهم العلمي الدقيق وليس بموجب شهادات جامعية منحتها لهم الكليات والأقسام الحالية في جامعات المملكة أو في المعهد العالي للقضاء دون أن يعني ذلك أي غض من مقام الذين يتولون القضاء حاليا في المحاكم القائمة الآن وإنما هو التأكيد على أن تخصيص المحاكم يستوجب تخصيص القضاة وإذا كان المفهوم الشامل للمحكمة التي تنظر في قضية مخدرات وجريمة قتل وجناية عقوق ونزاع شركاء في رأسمال شركة في مكتب قضائي واحد لم يعد مفهوما ملائما لتطور الجهاز العدلي فإن القاضي الذي توكل إليه مهمة النظر في هذه القضايا مجتمعة لم يعد ملائما لنظام قضائي يتوخى الحرص على العدل القائم على المعرفة الدقيقة بطبيعة القضايا ومدى توافقها مع التركيبة الثقافية للقاضي الذي يتم عرضها عليه وتحكيمه فيها.
إن نجاح المحاكم المتخصصة في تحقيق مفهوم العدالة التي يتوخاها النظام ويتوخاها قبل ذلك تطوير النظام القضائي يبدأ من تطوير أقسام وكليات القضاء في جامعات المملكة بحيث لا يتولى القضاء في المحاكم العمالية غير القاضي المختص علميا القضاء المتصل بقضايا العمال المختلفة كما لا يتولى القضاء في محاكم الأحوال الشخصية غير من هو مختص في في هذا المجال.
وإذا كانت قضايا العمال وقضايا الأحوال الشخصية تتداخل فيها الأنظمة القانونية والأحكام الشرعية كما أنها قضايا برزت في ضوء ما استجد من مستحدثات العصر وتحدياته فإن ذلك يعني أن تهيئة القضاة علميا تستدعي تخصصهم في القانون المدني وأنظمته بنفس القدر الذي يتخصصون فيه في علوم الشريعة وضوابطها.
إن على وزارة العدل أن تقود وأن تنسق مع الجامعات لكي تكون مخرجاتها قضاة مختصين تخصصا دقيقا وبدون ذلك سوف يبقى تخصص المحاكم منحصرا في التسميات فحسب وهو الأمر الذي لا يحقق الهدف من وراء تطوير مرفق القضاء.