أسرار جرائم التزييف والتزوير طرق مبتكرة تهدد الأمن الاجتماعي

تعد جريمتا التزوير واستعمال المحرر المزور من الجرائم الجزائية التي أفرد لها قانون العقوبات القطرية ثلاثة فصول ضمن (باب الجرائم المخلة بالثقة العامة). ونص عليهما في المواد من 204 الي 226، ويختلف الوصف الجرمي والعقاب لجرائم التزوير بحسب طبيعة السند المزور وصفة الشخص القائم بالتزوير، فكانت (جنائية الوصف)إذا كان المحرر المزور سندا أو ورقة رسمية و(جنحية الوصف) إذا كان من الأوراق العادية أو العرفية أو غير الرسمية، واختلفت العقوبة تبعاً لذلك.

وقد جعل المشرع عقوبة جريمة استعمال المزور كعقوبة التزوير ذاتها لكون الضرر الذي يلحق بالأشخاص أو الدولة والمجتمع قد تحقق بالفعلين. وعرفت المادة (205) المحرر الرسمي بأنه: (المحرر الرسمي هو الذي يختص موظف عام بمقتضي وظيفته بتحريره، أو بالتدخل في تحريره علي أي صورة، أو إعطائة صفة الرسمية). والتزوير حسبما عرفته المادة (204) عقوبات، هو: (تغيير الحقيقة في محرر من شأنه أن يحدث ضرراً، وبتوفر نية استعماله كمحرر صحيح).
وفي دراسة للدكتور أكرم عبدالرزاق المشهداني الخبير القانوني بوزارة العدل نشرتها مجلة الشرطة معك يشير الي أن التزوير يقع علي أحد نوعين، فهو إما مادي وإما معنوي:

1- تزوير مادي: وهو يمثل كل تغيير للحقيقة في محرر، رسميا كان أم عرفياً، بطريقة مادية تترك أثراً يدركه الحس ويمكن مشاهدته بالعين المجردة للشخص العادي أو الفني المتخصص سواء كان ذلك التغيير بالزيادة أو بالحذف أو بالتعديل أو باصطناع محرر لا وجود له في الأصل والحقيقة.

2- تزوير معنوي وفيه يقتصر تغيير الحقيقة في المحرر علي جعل واقعة مزورة في صورة واقعة حقيقية أي أن تغيير الحقيقة يقع في معني المحرر ومضمونه وظروفه، لا في مادته أو شكله، فلا يترك أثرا ماديا يدل عليه تدركه العين، وهو بذلك متعلق في معني المكتوب ولا علاقة له بالخط أو وضع أو أي من الأمور الخارجية التي تراها العين وتنكشف بها حقيقته.
ومن الجدير بالإشارة هنا ان بعض قوانين العقوبات العربية أفردت مادة للتزوير المعنوي وعددت صوره (كما في القانون العراقي والسوري والمصري)، في حين ان القانون القطري عددها ضمن تعداد صور التزوير بصفة عامة دون تخصيص.

أركان التزوير: لجريمة التزوير ركنان هما:

الأول: الركن المادي ويتضمن أي تغيير للحقيقة في محرر رسمي أو عرفي، بطريقة مادية تترك أثرا يدركه الحس ويشاهد بالعين المجردة، سواء بالحذف أو الإضافة أو الكشط أو التحشية، أو بإنشاء محرر لا وجود له في الحقيقة وهو ما يدعي بالاصطناع، ويتضمن الركن المادي لجريمة التزوير ثلاثة عناصر هي تغيير متقصد للحقيقة، في محرر بإحدي الطرق التي نص عليها القانون من خلال الإضافة والحشو والتعديل في محرر موجود أصلاً. ولابد أن ينجم عن تحريف الحقيقة ضرر (والضرر قد يكون مادياً أو معنوياً).
الثاني: الركن المعنوي: فجريمة التزوير من الجرائم العمدية التي يجب أن يتوافر فيها القصد الجنائي لدي مرتكبها، أي علم الجاني بأن مجرم قانوناً، وعارفاً بنتائجه، مريداً الإضرار بالغير، وهو القصد الخاص في التزوير، وإن إثبات القصد الجنائي هو من المسائل الموضوعية تقدرها وتفصل فيها محكم الموضوع في ضوء الوقائع والظروف المحيطة.

وحدد قانون العقوبات طرق التزوير في المادة (204) كالآتي:

(تزوير المحرر هو تغيير الحقيقة فيه تغييراً من شأنه إحداث ضرر، وبنية استعماله كمحرر صحيح ويعد من طرق التزوير:
1- التغيير فيما تضمنه المحرر من كتابة، أو أرقام أو علامات، أو صور.
2- وضع إمضاء أو ختم مزور، أو تغيير إمضاء أو ختم أو بصمة صحيحة أو صورة فوتوغرافية.
3- الحصول بطريق المباغتة، أو الغش علي إمضاء أو ختم أو بصمة لشخص علي محرر دون علمه بمحتوياته. أو دون رضا صحيح به.
4- اصطناع محرر. أو تقليده، ونسبته الي الغير.
5- ملء ورقة ممضاة، أو مختومة ، أو مبصومة علي بياض علي خلاف ما اتفق عليه مع صاحب الإمضاء أو الختم أو البصمة.
6- انتحال الشخصية أو استبدالها في محرر أعد لإثباته.

ويلحق بجريمة التزوير، جريمة استعمال المحرر المزور وهذه الجريمة لها ثلاثة أركان: هي فعل استعمال المحرر المزور وأن يكون المحرر مزورا، وأن يكون الجاني عالما بهذا التزوير واستعمال المحرر المزور يعني الحصول من ورائه علي ميزة او الاستفادة منه بأية وسيلة من الوسائل، ويقع فعل الاستعمال بمجرد تقديم المحرر للجهة المقدم إليها للاحتجاج به ولا يهم بعد ذلك تحقق النتيجة المقصودة من تقديم المحرر يستوي في ذلك ان يكون الاستعمال مع جهة رسمية أو موظف عام أو غيرهم وتختلف جريمة التزوير عن جريمة الاستعمال من حيث الطبيعة فجريمة التزوير وقتية بينما جريمة الاستعمال مستمرة تبدأ بتقديم تلك الأوراق لأية جهة من جهات التعامل والتمسك بها.

والمحررات إما أن تكون مكتوبة باليد، أو مطبوعة آليا، وقد تكون خطا يدويا أو تكون توقيعا والكتابة عبارة عن أشكال لاحرف ومقاطع وألفاظ وعبارات تدل علي معني معين أو فكرة خاصة فالكتابات اليدوية: هي التكوينات الخطية التي تجري بها يد الشخص الكاتب بصورة تلقائية تجري في يده علي شكل حركات اعتادت عليها والتزمت بها. لذا فإنها تأتي بشكل معبر عن شخصية صاحبها، من خلال ما يعرف بالمميزات الخطية التي تعتمد أساسا في عملية المضاهاة وتمتاز بالطلاقة والانسيابية والدلالة علي المستوي التعليمي والخطي، وهناك جملة من الأمور تؤثر علي طبيعة الكتابة منها معرفة الكاتب للغة التي يكتب بها ومدي تسلسل افكاره كما تؤثر أداة الكتابة القلم والورق والسطح الذي تجري عليه علي نوعيتها ومستواها.

وهناك عوامل أخري منها السن والمرض والإكراه المادي والمعنوي والتخل الإرادي أو التصنع في الكتابة.

وابتدأت المحررات الآلية بالمحررات المطبوعة بالآلة الكاتبة والتي تطورت من اليدوية الي الميكانيكية لكنها كانت تقوم علي قاعدة وحدة الحرف الضارب وامكانية تشخيص الالة الطابعة من خلال نوعها المصنف في ارشيف الآلات الكاتبة، ثم تطورت الكتابات الآلية الي المحررات الآلية بالحاسوب أو أجهزة الابراق أو من خلال الإرسال بالإنترنت وهذه لها طرقها الفنية في كشف التزوير والتلاعب الحاصل فيها ومعرفة مصدرها.

ويقع التزوير بطرق المحو غالبا علي الشيكات والسندات المالية من خلال محو جزء من او كل المبلغ المكتوب ووضع مبلغ أكبر منه وقد يقع المحو علي اسم المستفيد أو علي تاريخ السند بقصد إبعاده عن مدة التقادم، والتزوير بالإضافة يتم بإضافة شطبة صغيرة أو بإضافة مقطع الي لفظ أو بإضافة كلمة أو كلمات الي السند وهذه الاضافة تخرج بالرقم أو الكلمة الي مضمون آخر جديد يختلف عن المضمون الاصلي للرقم أو للكمة والامحاء قد يكون يدويا أو آليا وقد يكون كيميائيا فالمحو الآلي يتم بواسطة ازالة الكتاب بطريقة آلية تستهدف نزع الطبقة السطحية من المستند التي تتضمن الكتابة المراد إزالتها ويترتب علي هذه العملية ازالة طبقة الصقل الموجودة بالمكان الذي تعرف لها ويتم المحو الآلي من خلال الكشط بآلة حادة كالموس، وقد يتم بالحك باستخدام الممحاة المطاطية من المطاط المخلوط بالزجاج.

أما المحو الكيميائي فهو عبارة عن تفاعل كيماوي يؤدي الي تحول مادة ذات لون الي أخري عديمة اللون ومن المحاليل التي تستخدم في المحو الكيميائي الكلور ومشتقاته ولا يكشف من خلال الاشعة فوق البنفسجية كما ان تقنيات الطباعة الحديثة في طباعة أوراق الشيكات تساعد في اكتشاف المحو الكيماوي وقد ظهرت ما سميت بطباعة الأمان من خلال اضافة عجينة الي أوراق الشيكات عند صناعتها كما ان من وسائل الأمان ايضا طباعة البيانات المكتوبة علي سطح الورقة بأحبار من النوع الذي ينهار أمام المواد المزيلة للألوان.
والتزوير بالإضافة والتحشية ويتم من خلال قيام الشخص بإضافة او تحشية كلمة أو عبارات او مقطع الي مستند يقلده إضافة تخرج المستند عن مضمونه الاصلي وقد تكون الاضافة بنفس القلم أو بقلم آخر من نفس النوع واللون وفي الحالتين نكون أمام ظرف كتابي مختلف لاختلاف قوة الضغط علي الورقة كما أن أي إضافة يمكن كشفها بالتصوير المجهري ومن خلال الاشعتين فوق البنفسجية وتحت الحمراء.

والتزوير بتقليد التوقيع 

والتوقيع عبارة عن حركات خطية يستتبع بعضها البعض بشكل لا ارادي ورغم أنه يعد كتابة يدوية لكنه يختلف عنها في سرعة الكتابة ووحدة الشكل بسبب اعتياد اليد علي رسم كتابة التوقيع بألفاظه المتمازجة علي صورة كتابية واحدة وتكرار ذلك عند التوقيع علي أية معاملة والتوقيع يعد القلب النابض للسند إذ بدونه لا تكون للمحرر قيمة والتوقيعات علي أنواع منها الكاملة التفاصيل التي يستدل منها علي اسم وشخصية الموقع ومنها تواقيع الفرمة أو المختصرة وتتم عمليات تقليد التواقيع بطرق عدة منها النقل المباشر بالاستنساخ أو بواسطة استخدام وسيط كالورق الشفاف والكربون أو الوسيط الصلب المدبب ومنها التزوير هذه اساليبها واساليب كشفها وتمتاز التوقيعات المزورة عادة بالبطء في الشطبات الخطية وافتقادها للطلاقة والاسترسال الذي يتمتع به التوقيع الصحيح ووجود التوقفات القلمية قد تصاحبها ترسبات مدادية وتفاوت الضغط علي مسار الشطبات الخطية للتوقيع.

ومن التوسع في استخدام الحواسيب والبرامج الخاصة بها السوفت وير ومن بينها العديد من البرامج التي تسهل عمليات الرسم والنقل والاستنساخ والمزج بين مكونات السندات المحفوظة الكترونيا وأعمال المونتاج الإلكتروني للصور والسندات فقد صار استخدام برمجيات الحاسوب في عمليات التقليد والتزوير منتشرا وهذه العمليات علي درجة من الخطورة بسبب اتقان عمليات النقل والرسم والتقليد، وقد انتبه المشرع لذلك وجرم افعال التزوير باستخدام الحاسوب جرائم اساءة استعمال الحاسوب.
ويتطلب الأمر توسيع خبرات ومدارك العاملين في مجال التحقيق الفني الجنائي الأدلة الجنائية لاساليب كشف التزوير الحاصل بواسطة الكومبيوتر.