المواعيد المنظمة للاستفتاء الشعبي ونبذة عن نشأته

المؤلف : بيداء عبد الجواد العباسي
الكتاب أو المصدر : الاستفتاء الشعبي
إعادة نشر بواسطة محاماة نت

نشأة الاستفتاء الشعبي
لقد عرفت الشريعة الإسلامية نظام الاستفتاء الشعبي متمثلا بمبدأ الشورى والبيعة اذ شهد عهد الخلفاء الراشدين تطبيقات عديدة لنظام الاستفتاء الشعبي متجسدا بصورة البيعة الصغرى والكبرى ، وكان تولي الخليفة لمنصبه يتم بقبول أهل الحل والعقد بالبيعة الصغرى أولا ثم بقبول العامة بـالبيعة الكبرى ثانياً(1). كما كان الخليفة أو حاكم المسلمين يشاور اهل الحل والعقد في كل امر غير معالج بـالكتاب الكريم والسنة النبوية الشريفة .لكن من المهم الاشارة الى ان تاريخ العرب القديم قد سبق الشريعة الإسلامية بـالاخذ بهذا النظام وما يؤكد هذا القول قول الله تعالى على لسان بلقيس ملكة سبأ(( قالت ياأيها المَلأُ أفتوني في أمري ما كنت قاطعةً أمراً حَتى تَشهُدون))(2).

ففي هذه الاية يخبرنا الله تعالى عن قصة استفتاء بلقيس ملكة سبأ لذوي الرأي في قومها .من هذا كله يتضح ان استخدام الاستفتاء الشعبي لم يكن بـالنظام الجديد في ذلك التاريخ .اما موطن ولادة الاستفتاء الشعبي في العصر الحديث فيمكن ارجاعه الى سويسرا لان كلمة(Referendum )(3). اللاتينية الاصل قد عرفت في الحياة الدبلوماسية في سويسرا . ففي سويسرا نمت أول بذرة للاستفتاء الشعبي متجسدة بصورة الاستفتاء التشريعي وتعد هي اول من عرف الاستفتاء التشريعي في دستورها الصادر في (29) مايو .ايار عام 1874 وفقا لما جاء في المادة (89) منه حيث نصت على ما يأتي: (( لا تصدر قوانين الدولة الاتحادية وكذلك مراسيمها وقراراتها الا بـموافقة المجلسين .وتعرض قوانين الدولة على الشعب ليقرها أو ليرفضها فيما اذا طلب ذلك ثلاثون الف من افراد الشعب العاملين ، أو طلبة ثمانية مقاطعات…))(4).

اما في فرنسا فلقد نمت بذرة الاستفتاء الدستوري ، حيث أنها عرفت هذا الاستفتاء بصورة الاستفتاء التأسيسي في دستور 1793 ودستور 1795(5). وبذلك تكون فرنسا قد سبقت سويسرا بأخذها بالاستفتاء الدستوري ، كما ان دستور السنة الثامنة الصادر عام 1799 صدر هو الاخر عن طريق الاستفتاء الشعبي ولكنه تضمن في الوقت نفسه الاستفتاء على شخص الرئيس لكونه طرح مقترنا باسم نابليون وهذا التاريخ بالتحديد يعتبر اول تاريخ دخل فيه نظام الاقتراع بالثقة الـ (Plébiscite ) أوالاستفتاء الشخصي ، في النظام الدستوري الفرنسي ثم انتشر بعد ذلك متجسدا بعدة استفتاءات منها استفتاء عام (1802) ليصبح نابليون قنصلا مدى الحياة ، واستفتاء عام (1804) ليصبح نابليون إمبراطورا ، واستفتاء عــــام (1851) ليفوض لويس نابليون او نابليون الثالث بعمل دستور لفرنسا ثم ليكون إمبراطورا في استفتاء عام (1852)(6). ثم انتشر نظام الاستفتاء الشعبي في بداية القرن العشرين في العديد من الدول الاوربية بعد الحرب العالمية الثانية لسببين اثنين هما :-

1- سيادة التيار الديمقراطي عند انتهاء الحرب نتيجة لانتصار الدول التي تنادي بمبدأ الديمقراطية فضلا عن تضاعف الوعي السياسي لانتشار التعليم .
2- الرغبة في اصلاح عيوب النظام النيابي ومساوئه ووضع حد لاستبداد البرلمانات(7).. إذ ان انتشار التيار الديمقراطي ورغبة الشعب في المشاركة في القرارات المهمة قد هز أركان النظام النيابي وفسح المجال لمشاركة الإرادة الشعبية في أهم القرارات وأخطرها دون الاكتفاء بممارسة المجلس النيابي .

ومن تلك الدول المانيا في دستور(فايمار) الصادر عام 1919 ، والنمسا في دستورها الصادر عام 1920 ، واليونان في دستورها الصادر عام 1920 ، وتشيكوسلوفاكيا في دستورها الصادر عام 1922 ، واسبانيا في دستورها الصادر عام 1931(8)..اما الأقطار العربية فلقد اخذت اغلبها بنظام الاستفتاء الشعبي بعد الحصول على استقلالها ومنها مصر حيث اخذت الدساتير المصرية كافة بـالاستفتاء بدءاً من دستور1956، وموريتانيا في دستورها الصادر 1960 ، وسوريا(9). بدءاً من دستورها المؤقت الصادر 1971، والسودان في دستورها الصادر 1973(10).
_____________________________
1- د. حسان محمد شفيق العاني ، الاستفتاء الشعبي في الفقه الدستوري ، مجلة العلوم السياسية، بغداد ، العدد (24) ، تموز ، 2001 ، ص ص 16 ، 17 .
2- النمل / الاية (32) .
3- فكلمة (Referendum) في اصل نشأتها هي كلمة عرفت في الحياة الدبلوماسية من اجل طلب تصديق سلطات المقاطعات على مقترحات مندوبيها ، اذ ان ممثلي المقاطعات الكونفدرالية في الاتحادات الجرمانية والسويسرية القديمة كانوا لا يستطيعون تقرير امر الا بالرجوع الى السلطات المحلية في مقاطعاتهم لا ستطلاع رأيها بذلك الامر . راجع في ذلك د. سعاد الشرقاوي. النظم السياسية في العالم المعاصر ،جـ1 ، ط2 ، دار النهضة العربية . القاهرة ،1982 ، هامش ص161 .
4-د. فؤاد العطار ، النظم السياسية والقانون الدستوري ، دار النهضة العربية . القاهرة ، (ب.ت) ، ص280.
5- د. كمال الغالي ، مبادئ القانون الدستوري والنظم السياسية ، (ب.م) ، 1990 ، ص290.
6- د. عصمت سيف الدولة ، مصدر سابق ، ص129.
7- د. ابراهيم عبد العزيز شيحا ، مبادئ الانظمة السياسية (الدول .الحكومات) ، الدار الجامعية. بيروت ، 1982 ، ص219 .
8-د. عبد الحميد متولي ، مصدر سابق ، ص122.
9- ولقد اخذت سوريا بالاستفتاء في العديد من الحالات دون الاستناد الى أي نص دستوري قبل عام 1971 وتلك الحالات هي :
1.الاستفتاء على تنصيب الزعيم حسني الزعيم رئيسا للجمهورية السورية في 6/6/1949.
2.الاستفتاء على تنصيب اديب الشيشكلي رئيسا للجمهورية في 11/7/1953.
3.الاستفتاء على مشروع الدستور السوري في عام 1953 . راجع في ذلك :
– د. فاروق الكيلاني ، شرعية الاستفتاء الشعبي ،( ب.م ) ، 1991 ، ص74، وجاء بنفس المعنى د. كمال الغالي ، مصدر سابق ، ص290.
10- د. جابر جاد نصار ، مصدر سابق ، ص ص 10 ، 11 .

الاستفتاء من حيث وقت استعماله

ينقسم الاستفتاء الشعبي على وفق موعد استعمال حق الاستفتاء الى استفتاء سابق واستفتاء لاحق وفيما يأتي بيان لهذين النوعين:-
الاول : الاستفتاء السابق (Referendum- Antérieur )
يقصد به استشارة الشعب بموضوع ما كقضية معينة او قانون قبل المصادقة عليه من قبل الجهة المختصة بقصد التعرف على اتجاهات الرأي العام(1). فاذا كان محل الاستفتاء قانوناً معيناً فهذا القانون في الواقع هو مشروع قانون أي ان الاستفتاء يكون فقط على المبدأ الذي يدور حوله القانون وعندما يقترن بالموافقة الشعبية يتولى البرلمان بعد ذلك صياغة نصوصه واعداده كقانون كامل(2). ومن الدساتير التي اخذت بهذا النوع من الاستفتاء ، الدستور التونسي الحالي الصادر 1959 طبقا للفصل (47) منه المنقح بالقانون الدستوري عدد 65 لسنة 1997 المؤرخ في 27 اكتوبر . تشرين الاول 1997 الذي نص على أن (( لرئيس الجمهورية ان يستفتي الشعب مباشرة في مشاريع القوانين ذات الأهمية الوطنية او في المسائل الهامة التي تتصل بالمصلحة العليا للبلاد دون ان يكون كل ذلك مخالفا للدستور )) .
الثاني : الاستفتاء اللاحق (Referendum- Post – législatif )
يقصد به اخذ رأي الشعب في موضوع ما بعد مصادقة واقرار السلطات المختصة له.فاذا كان محل الاستفتاء مشروع قانون ، فان هذا المشروع يكون قانوناً كامل الصياغة ومقراً من قبل البرلمان ولكن نفاذه معلق على استفتاء الشعب فحق الاستفتاء يشبه حق التصديق المعترف به لرئيس الدولة(3). وعليه فمصادقة الجهات المختصة لوحدها لا تؤدي الى نفاذ القانون ولا بد من اقترانها بالمصادقة الشعبية عن طريق الاستفتاء ليصبح القانون نافذاً . ولهذا يطلق عليه البعض بالاستفتاء التصديقي(4).ولقد اخذت بهذا النوع من الاستفتاء العديد من الدساتير منها دستور المغرب لعام 1972 وفقا للفقرة (68) منه(5).

وكذلك دستور المغرب الحالي الصادر عام 1996 وفقا للفقرة (68) منه التي نصت على ما يأتي : (( بانه للملك ان يستفتي شعبه بمقتضى ظهير شريف في شان كل مشروع أو اقتراح قانون بعد ان يكون المشروع أو الاقتراح قد قرىء قراءة جيدة….))والاستفتاء اللاحق في الحقيقة هو افضل من الاستفتاء السابق ، لان الشعب يستفتى بقانون كامل الصياغة خلافا للاستفتاء السابق الذي ينصب على مبدأ أو فكرة القانون فقط وهذا ما يتيح للبرلمان فرصة التلاعب بصياغة القانون بما يحقق رغباته ويعارض رغبات الشعب بالتلاعب بصياغة الالفاظ وتقديم الكلمات وتاخيرها(6). خصوصا ان غالبية الشعب تفتقر للخبرة القانونية التي تؤهلها لتمييز ما يعنيه هذا اللفظ من ذاك .ولذلك يرى الاستاذ فيدل (Vedel ) ان الاستفتاء اللاحق هو يعتبر من تطبيقات الديمقراطية شبه المباشرة فقط اما الاستفتاء السابق فلا يعتبر كذلك لكونه لا يمنع البرلمان من اصدار قانون مخالف لما قرره الشعب في الاستفتاء(7).

ويمكن القول بعدم صحة هذا الرأي فيبقى هذا النوع من الاستفتاء من مظاهر الديمقراطية شبه المباشرة الذي تتجسد فيه الارادة الشعبية بشكل واضح لانه اذا تمكن البرلمان من اصدار قوانين ضد رغبة الشعب وإرادته في الماضي فانه لا يستطيع في الوقت الحاضر ان يقف ضد تلك الارادة واذا كان ذلك قد مر في بعض الدول فهذا لا يعني مروره بجميع الدول خصوصا ان الشعب قد بلغ من النضج والوعي المستوى الذي يؤهله للرفض عند الشعور بالظلم بسبب انتشار التعليم انتشاراً واسعاً فضلاً عن وسائل الاعلام وثورة الاتصالات ما بين الشعوب .

___________________________________
1- د. طعيمة الجرف ، مصدر سابق ، ص59.
2- د. محمود حلمي ، نظام الحكم الاسلامي مقارنا بالنظم المعاصرة ، ط6 ، (ب.م) ، 1981 ، ص158.
3-د. عثمان خليل عثمان ، مصدر سابق ، ص158.
4- د. سالم الكسواني ، مبادئ القانون الدستوري مع دراسة تحليلية للنظام الدستوري الاردني ، ط1 ، مطبعة الكسواني . عمان ، 1983 ، ص139.
5- د قائد محمد طربوش ، مصدر سابق ، ص101.
6- د. شمران حمادي ، مصدر سابق ، ص116.
7- د. طعيمة الجرف ، نظرية الدولة ، الاسس العامة للتنظيم السياسي ، الكتاب الثاني ، مكتبة القاهرة الحديثة . القاهرة ، 1966 ، ص192.