إشهار الأنظمة آلية ينبغي تطويرها

محمد بن عبد الكريم بكر
منذ أن باشر مجلس الشورى أعمال دورته الأولى عام 1412هـ وما تلاها من دورات حتى يومنا هذا، كرس المجلس جل وقته في دراسة مشروعات الأنظمة التي تتقدم بها الحكومة لمراجعتها قبل إقرارها بشكل نهائي. إذ تشمل تلك المراجعة الأنظمة التي صدرت قبل تأسيس المجلس وكذا الأنظمة الجديدة التي برزت الحاجة إليها لسد ما قد يكون هناك من فراغ تنظيمي في قطاع ما. وعلى الرغم من الدراسة الدقيقة التي تخضع لها مشروعات الأنظمة في ”هيئة الخبراء في مجلس الوزراء”، الذراع القانونية للدولة، قبل إحالتها إلى مجلس الشورى، تظل هناك رؤى وأطروحات جيدة لأعضاء المجلس ولجانه تجد طريقها إلى النص الأخير لتلك الأنظمة.

عادة ما تبدأ رحلة دراسة النظام من الجهة المعنية بتطبيقه, التي تكون قد أعدت مواد مشروعه تمهيدا لإرساله إلى ”هيئة الخبراء”، التي بدورها تبعث بنسخة منه لجميع الوزارات للاطلاع عليها وتقديم ملاحظاتها للهيئة، مع دعوة مندوبيها لاجتماع تناقش فيه تلك الملاحظات. ومن ثم يحال الملف بأكمله إلى مجلس الشورى شاملا مشروع النظام كما ورد من جهته، الملاحظات التي أبدتها الجهات الحكومية، والتعديلات التي أجرتها هيئة الخبراء. أي أن مجلس الشورى يجد بين يديه سجلا متكاملا لتاريخ ذلك المشروع ما يسهل عليه مراجعته. على أنه ليست جميع مشروعات الأنظمة التي تحال إلى المجلس في الدرجة نفسها من الجودة بنية وصياغة، وذلك يعود في المقام الأول إلى الجهة التي أنشأت ذلك النظام.

تتولى في المجلس دراسة مشروع النظام اللجنة المعنية بموضوعه من بين اللجان الدائمة، كاللجنة المالية، الأمنية، النقل، الاقتصادية، وغيرها، التي تقتصر عضويتها على أعضاء المجلس يساندها جهاز إداري متفرغ لكل لجنة. في تلك المرحلة من المراجعة تتناول اللجنة مشروع النظام بقراءته قراءة أولية ثم قراءة ثانية أكثر تأنيا وتدقيقا، وإذا استدعى الأمر تذهب اللجنة إلى قراءة ثالثة إن ظهرت خلافات جوهرية بين أعضائها. وتعد القراءة الثانية هي الأهم في مراجعة مشروع النظام، إذ لا يتم الانتقال في تلك القراءة من مادة إلى أخرى إلا بعد فحص دقيق لكل مادة والمقاصد التي يمكن أن تفهم منها. في كثير من الأحيان لا تكتفي اللجان بنقاشاتها الداخلية، بل تخصص بعض جلساتها لسماع أقوال الجهة صاحبة المشروع، ومرئيات الجهات ذات العلاقة من جهات حكومية أخرى أو من القطاع الخاص. ومتى ما انتهت تلك المرحلة من المراجعة ترفع اللجنة تقريرها إلى المجلس لعرضه على جميع أعضائه ومن ثم مناقشته والتصويت على مواده.

لا شك أن مراحل المراجعة التي تمر بها مشاريع الأنظمة من دراسة وتدقيق، قبل إقرارها، تبعث على الاطمئنان على سلامة وكفاية تلك الأنظمة. لكن يبدو أن هناك حاجة إلى مراجعة الآلية المطبقة حاليا في إشهار تلك الأنظمة قبل سريانها. إذ جرى العرف أن تتضمن المادة الخاتمة لكل نظام نصا مفاده أن سريانه يبدأ بعد 90 أو 180 يوما من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية ”أم القرى”، وهو إجراء لم يعد بمفرده كافيا أو ملائما لتوعية الجمهور بمتطلبات تلك الأنظمة الجديدة من ترتيبات واستحقاقات. إذ ليست هناك شرائح تذكر في المجتمع اليوم تقرأ تلك الجريدة وربما لم تسمع بعضها بها من قبل.

وما يزيد الوضع ضغثا على إبالة أن الجهل بتلك الترتيبات الجديدة لا يقتصر على الجمهور وحده فحسب، بل يشمل في كثير من الحالات منسوبي الجهة المعنية بتطبيق النظام. ومن ثم لم يعد مستغربا أن يعاني الناس إرباكا في بعض الخدمات عند إدخال تنظيمات جديدة قصد منها تطوير الخدمة لا عرقلتها، والسبب الرئيس في ذلك هو التقصير في إعداد الأرضية اللازمة من تدريب للمسؤولين عن تطبيق الإجراءات الجديدة، وإغفال جانب التوعية للجمهور.

إن عدم تطوير الآلية المطبقة حاليا لإشهار وإطلاق الأنظمة يرتب تكلفة على المجتمع كما يلحق بالاقتصاد الوطني خسائر من الممكن تفاديها. لقد أصبحت اليوم الوسائط الإعلامية للتواصل مع الجمهور لا حصر لها، كما أن الندوات وورش العمل أثبتت فاعليتها في تهيئة القطاعات المعنية بتطبيق أي إجراءات جديدة تمس معيشة الناس. هناك تجارب ناجحة في التواصل مع الجمهور وتهيئة أرضية العمل لأي برامج جديدة، من بينها ما تضطلع به وزارة الداخلية في قطاعاتها، ووزارة المالية التي يمكن الاستشهاد بتجربتها الأخيرة في تعاملها مع نظام ”سداد”.

إن لسان الحال يدعو للطلب من مجلس الشورى وهيئة الخبراء في مجلس الوزراء وضع ضوابط تضمن توعية المجتمع بما يمس حياتهم من إجراءات وأنظمة جديدة قبل تطبيقها بوقت كاف، تدريب منسوبي الجهة المعنية بالتطبيق، وطمأنة المستثمرين على حقوقهم. وقد يستحسن المجلس والهيئة في هذا الشأن أن يكون من بين الوثائق، التي تقدم مع مشروع أي نظام، برنامج إشهار وتوعية عبر وسائل الإعلام وورش عمل، يناقش في المجلس ويصوت عليه عند التصويت على المشروع ذاته. كما قد يستحسن المجلس والهيئة وضع معايير لتلك البرامج حتى لا يتحول برنامج التوعية إلى برنامج دعاية للجهة ومسؤوليها

إعادة نشر بواسطة محاماة نت