العفو مقابل التجاوب في النظام السعودي
فيصل المشوح
المحامي والمستشار القانوني
fisalam @
تضع عدد من الأنظمة العربية قوانين للعفو العام؛ لتكون قواعد عامة وتشريعات دائمة ومستقرة معروفة، تستثني فيها الحكومات عدد من الحالات يشملها العفو، إمام بمضي مدة محددة أو للتجاوب أو برد المنهوبات, أما في نظام الإجراءات الجزائية السعودي فقد نصت المادة (22) على أن تنقضي الدعوى الجزائية العامة في إحدى الحالات التالية: (صدور حكم نهائي أو عفو ولي الأمر فيما يدخله العفو أو ما تكون التوبة فيه بضوابطها الشرعية مسقطة للعقوبة أو بوفاة المتهم). ومثله ما جاء في نظام السجن والتوقيف المادة (24)، ومثله ماجاء في نظام محاكمة الوزراء المادة (27) والتي تنص على: (لجلالة الملك في جميع الأحوال إصدار الأمر بالعفو الخاص عن المحكومين وفقًا لهذا النظام أو تخفيف العقوبة عنهم).

فعفو ولي الأمر أحد المسوغات القانونية للإفراج في المملكة العربية السعودية، وهذا هو الجواب لمن استشكل عليه الأمر في قضية الإفراج عن رجال الأعمال المتهمين بالتربح والاستيلاء على المال العام والإضرار به في قضايا الفساد الأخيرة على إثر الأمر الملكي رقم (أ/38) والذي جاء فيه صراحةً: (للجنة تقرير ما تراه محققًا للمصلحة العامة خاصة مع الذين أبدوا تجاوبهم معها)، فكان التجاوب ثمنه الإفراج لمن قبض عليهم وقاموا برد المبالغ والأصول التي كانت بحوزتهم بغير وجه حق.

وهذا المسلك هو الذي تتخذه عددًا من الدول المختلفة منه القانون المصري رقم 146 لسنة 1988م لمواجهة إعادة الأموالالتي جمعها أصحاب شركات توظيف الأموال، ونص علي العقوبة بالسجن والغرامة والمصادرة؛ إلا إذا قام المتهمون برد هذه الأموال فإن المحكمة تقضي بإعفائهم من العقوبة.

ومثله ماجاء في قانون العفو العام الذي أقره مجلس النواب العراقي:(يتم إطلاق سراح المتهمين بجرائم سرقة أموال الدولة والمتهمين بالفساد الإداري والمالي إذا قام المتهم بتسديد ما بذمته من أموال).

فقانون العفو مقابل إعادة الأموال المسروقة هو القانون المتوافق مع الأعراف السياسية والاقتصادية، حيث إن الشخصيات والجهات المتورطة بمثل هذه القضايا هي غالبًاما تكون شخصيات ذات نفوذ وحضور واعتبار في الدولة, ولقد استطاعت الدول بهذا القانون رد مليارات الأموال بطريقة لم تؤثر على سير الشركات وحركة الاقتصاد التي يمتلكها أرباب المال والأعمال والتي غالبًا ما يعمل لديها آلاف الموظفين والعاملين, مما يعني أن إيقاع عقوبات جزائية من سجن وحبس وغير ذلك قد يؤثر على سير أعمالهم وربما تصفيتها وإفلاسها ليلحق الضرر ويتعدى لمن خلفهم وهو مالا تفضله القوانين والأنظمة.

وقد ناقشت عامة التشريعات والقوانين هذه الفقرة في مناسبات إصلاحية متكررة عن ماهية الطريق الأمثل لاسترداد الأموال المنهوبة بغير وجه حق؟ مؤكدة أنه يتوعّر ويتعقّد الاسترداد بالوسائل المعتادة فالنسبة الأكبر من الفاسدين والمستنفذين يستحيل الوصول إليهم؛ لكونهم قد أخفوا أموالهم في شركات وصناديق استثمار ومحافظ أوراق مالية وسندات يصعب استردادها ومعرفتها بسهولة؛ لتظل الحيرة أمام أمرين:إما المحاكمة والاكتفاء بحبسهم مع استعادة فتات أموالهم،وإما بخلق آليات جديدة تمكّن من استردادها، وهي الطريقة التي باتت الأشهر لدى رؤساء الدول والحكومات العفو مقابل استعادة الأموال المسروقة, إذا أن هدف المشرّع والحاكم هوتحقيق المصلحة بأي طريقة كانت، وليس الغاية هي الانتقاموالتشفي.

ويجدر التنبيه إلى أن العفو مقابل التعاون والتجاوب والإبلاغ ليس بدعة في النظام السعودي فقد أقرته بعض الأنظمة منه ماجاء في النظام الجزائي الخاص بتزييف وتقليد النقود في المادة العاشرة: (يعفى بأمر ملكي الأشخاص المرتكبون للجرائم إذا أخبروا السلطات المختصة بتلك الأفعال قبل تمامها وسهلوا القبض على باقي شركائهم)، ومثله نظام المتفجرات والمفرقعات المادة السابعة والعشرين، ونظام مكافحة التزوير المادة الحادية عشرة ونظام مكافحة جرائم الاتجار بالأشخاص بالمادة الثانية عشرة؛ ولخلو تنظيم الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد من مثل هذه المواد الخاصة بالإعفاء كان للجنة المشكلة بالأمر الملكي رقم (أ/38) هذا الاستدراك والرأي المتوافق مع حديث الأنظمة.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت