القضاة والمحامون …… رفقاء لا فرقاء

لم يدر بخلدي يوماً أن أكتب عن العلاقة بين القضاة والمحامين ذلك أن تلك العلاقة من أبجديات العمل القضائي وبديهيات آلياته ، فهما رفقاء طريق واحد هو القوامة على تحقيق العدل ،
فلا يستقيم العدل إلا من قاض استقام تجرداً ووجداناً…. يؤمن بالحق دستوراً وكياناً… فإذا ترافع أو حكم كان العدل غاية وعنواناً .‏
فالقضاة والمحامون صنوان …. فكلاهما رجل قانون ، الأول يسهر على تطبيقه والثاني يدافع لأجله

، ويتساند كلاهما في حمل وتحمل الأمانة العظمى التي ناءت عن حملها الجبال الرواسي فقبلوها طائعين ، طامعين في ثواب الله عاجله وآجله .‏

والحرص على تدعيم توفير القضاة وترسيخ هيبتهم هو من أوجب واجبات المحامين أنفسهم ، لأنهم يستمدون منهم وقارهم وهيبتهم الكامنة في نفوس وضمائر المتقاضين الذين يهرعون إليهم طالبين الذود عن حقوقهم وحرياتهم من عسف وإعنات الآخرين بهم بما يؤكد مبادئ حقوق الإنسان والمحاماة من ( الحماية ) والمحامون هم وجهة التنوير والإرشاد والمعاون للقضاة إنها خلق ونجدة ، وشجاعة ، وثقافة ، وتفكير ، ودرس ، وتمحيص ، وبلاغة ، وتذكير ، ومثابرة ، وجلد ، وثقة بالنفس ، واستقلال في الرأي والحياة وأمانة واستقامة وإخلاص في الدفاع .‏

وكما يخطر لي ما قاله دوجيسو رئيس مجلس القضاء الأعلى في فرنسا من أن ( المحاماة عريقة كالقضاء … مجيدة كالفضيلة … ضرورية كالعدالة ، وأن المحامي يكرس حياته لخدمة الناس دون أن يكون عبداً لأحد أبداً …. وأن المحاماة تجعل المرء نبيلاً عن غير طريق الولادة أو الميراث … غنياً بلا مال …. رفيعاً دون حاجة إلى لقب…. سعيد بغير ثروة ) .‏

فالقضاة والمحامون – والحال كذلك – هم حملة مشعل واحد ورسالة واحدة وهم توءمان لا يفترقان وجزءان يتمم كل منهما الآخر فلا ينفصلان إذ لا قضاء بلا محاماة ولا محاماة بدون قضاء .‏

وتحضرني هنا صورة بديعة سطرها نقيب محامي مصر الأسبق عبد الرحمن الرافعي هي عبارة عن لوحة قلمية من أدب القضاء رسمها الفقيه الإيطالي الكبير بيرو يحدثنا فيها عن أول واجبات المحامي هي الإيمان بالقضاء ، وعن آداب السلوك في المحكمة ، وعن أوجه الشبه والتباين بين القاضي والمحامي ، عن الخطابة والبلاغة القضائية ، وما ينبغي أن تكون عليه ، ويلخص المحامي حاله فيقول 🙁 … هذه حياتنا يا أخي القاضي إذا قصرت استنفدنا بانطلاق لا يعرف التريث وجهد موصول لا يعرف الراحة ، وإذا استطالت أسلمتنا للنسيان والضياع والجمود …. هذا مصيرنا ، مصير عجيب ) .‏

فالقضاء والمحاماة لا غنى لأحدهما عن الآخر ، هما شركاء في إقامة ميزان العدالة ، شركاء في الثقافة ، شركاء في الحياة القانونية ، شركاء في الهدف ، شركاء في التضحية ، فللقضاء ضحاياه من القضاة ، وللمحاماة ضحاياها من المحامين ، فكم من قضاة يضحون بصحتهم وحياتهم في أداء مهمتهم السامية ويرهقهم العمل إلى درجة الإعياء والمرض ثم الاستشهاد ، وكم من محامين يضنيهم الجهد بعد أن بذلوا عصارة حياتهم ، فيسقطون ضحايا المهنة .‏

فهؤلاء وأولئك هم ضحايا القضاء والمحاماة وكم من الأحكام والقرارات رددتها ردهات المحاكم وساحاتها نبراساً تتحدث عنها الأجيال ، وكم من المواقف التي لا تنسى مشهودة لرجال المحاماة في التصدي للظلم ، ورددت صيحاتهم ساحات المحاكم .‏

من أجل هذا كله سيظل القضاة والمحامون رفقاء لا فرقاء في سدة ومحراب العدالة .‏

المحامي حسام الأحمد