شرعية قرارات لجنة تسوية المنازعات المصرفية
زهير بن سليمان الحربش

اطلعت كغيري من المهتمين خلال الأيام القليلة الماضية على ما كتب في بعض الصحف المحلية حول انتهاء ديوان المظالم إلى عدم شرعية لجنة تسوية المنازعات المصرفية (اللجنة المصرفية) كونها ليست جهة قضائية وأن ما يصدر عنها من قرارات لا يأخذ وزن ما يصدر عن بقية جهات التقاضي في المملكة وإزاء إلحاح زملاء المهنة وأهل الاختصاص أجد نفسي منقاداً للعودة للكتابة للمرة الثالثة حول القضاء المصرفي في المملكة، حيث كان المقال الأول في هذه المسألة – لمن يرغب الاستزادة في الموضوع القائم – قد نشر في مجلة “تجارة الرياض” العدد 397، أكتوبر من عام 1995م في حين أن المقال الثاني قد نُشر في صحيفة “الاقتصادية” العدد 4943، 24 أبريل 2007م، إلا أنني وخلافاً لمقالاتي السابقة سوف أتطرق في هذا المقال إلى اختصاص اللجنة المصرفية وشرعية قراراتها، وسأتناول الحكم الذي ارتكز عليه البعض أخيرا وما رتبه من استنتاجات لديهم، مدعماً ذلك بأحكام قضائية صادرة من ديوان المظالم يسبق ذلك شرحاً لأسس ودعائم اختصاص اللجنة المصرفية.

أولاً: أسس ودعائم اختصاص اللجنة المصرفية: استمدت اللجنة المصرفية شرعيتها واختصاصها الحصري بنظر القضايا المصرفية بموجب الأمر السامي الكريم 729/8 وتاريخ 10/7/1407هـ حيث نص في المادة الثانية منه على أن تكون تسوية الخلافات بين البنوك وعملائها من اختصاص هذه اللجنة ثم جاء بعد ذلك الأمر السامي البرقي رقم 4/ب/110 في 2/1/1409هـ ليحدد المقصود بالدعاوى التي تختص بنظرها اللجنة المصرفية ونص على أنها القضايا ذات الصفة المصرفية، ثم صدر تعميم معالي وزير العدل لكافة المحاكم برقم 12/138/ت وتاريخ 28/7/1407هـ بضرورة إعمال ما جاء في الأمر السامي أعلاه من عدم سماع الدعاوى التي تقدم ضد البنوك أو من قبلها …، وأخيراً التعميم القضائي الذي صدر من معالي وزير العدل برقم 8/14ت بتاريخ 6/2/1409هـ الذي يؤكد ويضفي على قرارات اللجنة صفة القرارات والأحكام النهائية، هذا من حيث التشريع، أما من حيث التنفيذ، فإن عديدا من الأوامر السامية اللاحقة التي صدرت في عدد من القضايا قضت بالتأكيد على اختصاص اللجنة بنظر القضايا المصرفية بين البنوك وعملائها وأن قراراتها في هذا الشأن تعد نهائية منهية للنزاع ومنها على سبيل المثال الأمر السامي رقم 4/ب/21134 وتاريخ 5/6/1423هـ والأمر السامي رقم 4/ب/25828 وتاريخ 2/6/1424هـ والأمر السامي رقم 4/ب/36405 وتاريخ 26/7/1424هـ والأمر السامي رقم 57921/ب وتاريخ 12/12/1425هـ والأمر السامي رقم 5857/ م ب وتاريخ 4/8/1427هـ. كما أن مجلس القضاء الأعلى بهيئته الدائمة في قراره رقم 323/3 وتاريخ 4/4/1424هـ قضى بالموافقة على ما أجراه القاضي في إحدى القضايا وأيدته محكمة التمييز بقرارها رقم 603/6/1 وتاريخ 18/7/1421هـ من الحكم بصرف النظر عن دعوى المدعي حيث سبق الحكم فيها من اللجنة المصرفية. وأنه سبق لديوان المظالم أن أصدر أكثر من حكم بشأن قضايا مماثلة أكد فيها عدم جواز نظره في هذا النوع من القضايا “القضايا المصرفية” ومن هذه الأحكام على سبيل المثال الحكم رقم 204/د/تج/10 لعام 1426هـ والحكم رقم 42/ت/3 لعام 1423هـ. كما جاء نص البند “عاشراً” من الترتيبات التنظيمية لأجهزة القضاء وفض المنازعات كما يلي “تستمر اللجان الخاصة بقضايا استثمار رأس المال الأجنبي والتأمين والبنوك والسوق المالية والقضايا الجمركية في مزاولة عملها حتى تتم تهيئة القضاة المتخصصين في ذلك”.

كل هذا يثبت شرعية اللجنة المصرفية وسلطتها القضائية ونفاذ قراراتها ولا مجال إطلاقا لإنكار ذلك. إن القول بأن اللجنة قد شكلت بأمر سام لا بمرسوم ملكي لا يقدح في شرعيتها ولا يغير من الأمر شيئا سواء كان إنشاءها بأمر سام أو مرسوم ملكي فكلاهما صادر من ولي الأمر الذي له صلاحية مطلقة في هذا الشأن وهو من أنشأ اللجنة المصرفية، أما الادعاء بأن قرارات اللجنة يجب أن تحصل على رضا الخصوم في الدعوى بسبب النص الوارد في الأمر السامي الخاص بإنشائها “التوصل إلى تسوية مرضية” فهذا قول جانبه الصواب حيث إن قرار التوصل إلى تسوية مرضية ليس أمراً راجعاً إلى الخصوم بل للجنة المصرفية، بدليل أن الأمر السامي نفسه الخاص بإنشاء اللجنة قد تضمن الإجراءات النظامية التي تمنح اللجنة الصلاحيات اللازمة لإجبار المدين على تنفيذ قراراتها، وهو ما يعني بطبيعة الحال أن قرارات اللجنة لن يرضى بها الخصوم وخاصة المحكوم ضده، فلذلك يجوز للجنة بناء على طلب المحكوم له اتخاذ الإجراءات التحفظية والتنفيذية بحق المحكوم عليه.

كما أنه وعندما تم التظلم إلى المقام السامي من قرار صادر من اللجنة بحجة أنها ليست مختصة، وطلب المتظلم إحالة الخلاف إلى المحكمة حسب الاختصاص، صدر الأمر السامي الكريم المتضمن ما يلي: “وحيث إن وقف تنفيذ القرار المشار إليه سوف يكون له انعكاس سلبي على مكانة اللجنة المصرفية باعتبارها الجهة المختصة بنظر الخلافات بين البنوك وعملائها، وسوف يكون له انعكاس سلبي على مصداقية ما يصدر عن هذه اللجنة من قرارات … لذا نرى ضرورة إلزام المذكور بتنفيذ قرار اللجنة المصرفية المشار إليها لأنه صدر عن جهة مختصة”، ويتضح من هذا أن اللجنة ذات اختصاص قضائي، كما أوضح أنه لا مجال للاحتجاج بعدم رضا أحد الطرفين على القرار، حيث تم رد طلب الإحالة إلى المحكمة المختصة، وبناء عليه فلا محل للقول بأن قرار اللجنة لابد أن يكون تسوية مرضية للطرفين، وأنه كان يتعين عليها أن تحيل النزاع إلى المحكمة المختصة، ومن المقرر أنه ما لم يتم التظلم إلى اللجنة من القرار الصادر، فإن قرارها في هذا الشأن يكون نهائياً وحائزاً لحجية الأمر المقضي فيه ولا يجوز إعادة التظلم منه أو نقض ما انتهى إليه، وذلك طبقاً للأمر السامي الكريم رقم 57920/ب وتاريخ 12/12/1425 والأمر السامي رقم 57921/ب وتاريخ 12/12/1425هـ وأخيراً الأمر السامي رقم 5857/م.ب وتاريخ 4/8/1427هـ الذي قرر أنه لا محل لطلب إحالة الدعاوى إلى جهة أخرى حيث إن اللجنة هي المختصة نظاماً، “يتضح إذاً، أن اللجنة ذات اختصاص قضائي، وقد أوكل إليها ولي الأمر سلطة حسم النزاع في القضايا المصرفية، وقراراتها نهائية حائزة لحجية الأمر المقضي فيه ولا يجوز إعادة التظلم منها أو نقض ما انتهت إليه، حيث تعد قراراتها قرارات قضائية استناداً إلى ما قرره مقام الديوان في مبادئه المنشورة من “أن القرار القضائي هو القرار الذي تصدره هيئة خولها النظام سلطة القضاء وهي تباشر وظيفتها القضائية، ويحسم على أساس قاعدة نظامية خصومة قائمة بين طرفين”.

لذا فإن استنتاج البعض بعدم نظامية اللجنة المصرفية، وعدم اختصاصها بنظر الدعاوى المصرفية، وأخيراً عدم حيازة قراراتها لحجية الأمر المقضي به يعد استنتاجاً في غير محله، وفقاً لما أكد المقام السامي ومجلس القضاء الأعلى وديوان المظالم .

ثانياً: الحكم محل الإشكال وما صدر من أحكام تخالف ما انتهى إليه: أن الحكم الصادر من الدائرة التجارية في ديوان المظالم والذي استند إليه البعض في عدم نظامية اللجنة المصرفية، وعدم حيازة قراراتها حجية الأمر المقضي به …. إلخ يعد حكماً ابتدائياً أي أنه ليس حكماً نهائياً واجب النفاذ ويكون الاستناد عليه غير قائم على أساس سليم بل يعد خطأ مهنياً فادحاً، حيث يجري تدقيق هذا الحكم (إبطال اتفاقية الحساب الموقعة بين البنك والعميل وإعادتهما إلى ما كانا عليه قبل التعاقد) حالياً من قبل هيئة التدقيق في ديوان المظالم، ويتوقع كثير من أهل الاختصاص نقضه لعدة أسباب من بينها الأسباب الموضحة أعلاه وما سيرد لاحقاً في هذا المقال، إضافة إلى عدم انسجامه مع ما صدر من أحكام سابقة وحديثة تقضي بعدم قبول الدوائر التجارية بديوان المظالم الدعاوى المصرفية المرفوعة ضد بنوك وكذلك مخالفته لتعليمات ولي الأمر الصادرة في هذا الخصوص.

ففي إحدى القضايا المصرفية التي رفعت ضد أحد البنوك عام 1422هـ أمام إحدى الدوائر التجارية في ديوان المظالم ذكر المدعي أنه تعامل مع المصرف “المدعى عليه” مرات عديدة منذ عام 1991م وذلك بشراء كمية من معدن البلاتين بثمن مؤجل وذلك بقصد بيعه بربح في السوق العالمية، وقد نشأ عن هذا التعامل حسابات تجارية متراكمة على مدى السنوات العشر الماضية وذكر المدعي أنه اختلف مع المدعى عليه حول هذه الحسابات. واختتم المدعي دعواه بطلب تصفية الحساب التجاري القائم لدى المدعى عليه بالوجه الشرعي وإلزامه بإحالة التعامل التجاري إلى مكتب محاسب معتمد.

وقد جاء حكم الدائرة بأن دعوى المدعي تتمثل في مطالبة المدعى عليه بتصفية الحساب الجاري بينهما وإحالة التعامل إلى مكتب محاسبة معتمد وإلزام المدعى عليه بما ينتهي إليه. وحيث إن المدعى عليه رد على الدعوى بعدم اختصاص ديوان المظالم بنظر هذه الدعوى استناداً إلى أنها دعوى مصرفية ومن اختصاص اللجنة المصرفية طبقاً للأمر السامي رقم 729/8 وتاريخ 10/7/1407هـ، وحيث إن الأمر السامي المذكور قد نص في بنده الأول على التالي (على المحاكم وهيئات حسم المنازعات التجارية – والتي انتقلت إلى الديوان ممثلة في دوائره التجارية – عدم سماع الدعاوى التي تقام ضد البنوك أو من قبلها إلا بعد موافقتنا) وحيث حدد الأمر السامي البرقي رقم 4/ب/110 في 2/1/1409هـ المقصود بالدعوى التي تختص بنظرها اللجنة المصرفية فنص على أنه يقصد بالدعاوى والقضايا ذات الصفة المصرفية التي تنشأ من ممارسة البنك لأعماله المصرفية البحتة مثل فتح الاعتمادات والحسابات بأنواعها والقروض ونحوها من الأعمال المصرفية وأما ما عدا ذلك من الدعاوى غير المصرفية فتنظر من قبل الجهة المختصة أصلاً بنظرها.

كما نصت المادة الأولى الفقرة (ب) من نظام مراقبة البنوك على أنه يقصد بالأعمال المصرفية أعمال تسليم النقود كودائع جارية أو ثابتة وفتح الحسابات الجارية وفتح الاعتمادات وإصدار خطابات الضمان ودفع تحصيل الشيكات أو الأوامر أو أذون الصرف وغيرها من الأوراق ذات القيمة وخصم السندات والكمبيالات وغيرها من الأوراق التجارية وأعمال الصرف الأجنبي وغير ذلك من أعمال البنك. والذي يظهر من هذه النصوص أن الأعمال المصرفية لم تحدد على سبيل الحصر وإنما يندرج تحتها من الأعمال التي تقوم بها البنوك ولو لم تكن من ضمن ما نص عليه وذلك لأن أعمال البنوك تتطور وتتزايد مما جعل من الصعوبة وضع معيار أو تعداد محدود لتلك العمليات.

وبالنظر في العلاقة القائمة بين المدعي والمدعى عليه في هذه القضية نجد أنها تتمثل في قيام المدعى عليه بمنح المدعي خط تسهيلات عن طريق حسابه والقيام نيابة عنه بشراء وبيع معدن البلاتين وقيد ما ينتج عن ذلك في حسابه سواء كان دائناً أو مديناً والمدعى عليه كان يموّل تلك العمليات عن طريق خط التسهيلات الممنوح للمدعي ويأخذ عمولته على عملية البيع والشراء لتغطية تلك العمليات …

وبالتالي فهي من الأعمال المصرفية التي تختص البنوك بإجرائها في الوقت الحاضر أما لو قام بعملية بيع البلاتين المعتادة أحد التجار مع تاجر آخر فتعتبر من الأعمال التجارية كون بيع معدن البلاتين في الأصل كسائر البيوع لا تقتصر على البنوك مثلها مثل القروض التي يقدمها البنك لعملائه فهي من الأعمال المصرفية البحتة وإن كان غيره يقدمها كبعض المؤسسات والأفراد، فللأسباب أعلاه حكمت الدائرة: بعدم قبول الدعوى المرفوعة، وتأيد هذا الحكم من دائرة التدقيق في ديوان المظالم بتاريخ 9/3/1423هـ أي أنه أصبح نهائياً واجب النفاذ.

كما أكدت المحكمة الإدارية في منطقة الرياض في حكمها النهائي الصادر خلال شهر 11/1429هـ على عدم اختصاص ديوان المظالم بهيئة قضاء إداري ولائياً بنظر دعوى مرفوعة ضد أحد المصارف واللجنة المصرفية والذي يطالب فيه المدعي إلغاء قرار اللجنة المصرفية الصادر عام 1429هـ والحكم بإلزام المصرف بتعويضه عن الأسهم التي تصرّف فيها بغير وجه حق… حيث تلخصت الأسباب التي استندت عليها المحكمة الإدارية في حكمها أعلاه إلى التالي: فيما يتعلق بطلب المدعي الأول إلغاء قرار اللجنة المصرفية، فإن البند (2) من القسم الثالث من آلية العمل التنفيذية لنظام القضاء، ونظام ديوان المظالم المصادق عليها بالمرسوم الملكي رقم (م/78) وتاريخ 19/9/1428هـ نصت على أن يقوم المجلس الأعلى للقضاء بعد مباشرته مهماته بإجراء دراسة شاملة لوضع اللجان المستثناة (البنوك، والسوق المالية، والقضايا الجمركية ) .. .

وحيث إن النزاع بين طرفي الدعوى متعلق بتسوية بنكية بين المدعي والمصرف نتيجة بيع أسهم للمدعي، وصدر فيه قرار من اللجنة المختصة التي تنظر تلك المنازعات (اللجنة المصرفية). وبما أن مفاد هذا النص اختصاص تلك اللجنة بالنظر في القضايا المتعلقة بالبنوك الذي يتعين منه انحسار ولاية ديوان المظالم القضائية بهيئة قضاء إداري عن نظر مثل هذا النزاع. الأمر الذي تنتهي معه الدائرة إلى إثبات ذلك والحكم بمقتضاه.

وبما أنه عن طلب المدعي الثاني الحكم بإلزام المصرف تعويضه بقيمة الأسهم التي تصرف فيها المصرف بغير وجه حق وذلك وفقاً للقيمة المالية للأسهم مع التعويض عنها، وإلزام المصرف بدفع أتعاب المحاماة. ولما كان ديوان المظالم في ضوء المادة (13) من نظامه جهة قضاء إداري منوط به ولاية الفصل في جميع المنازعات الإدارية وهي التي تكون جهة الإدارة طرفاً فيها. ولما كان هذا الطلب الماثل مقاماً ضد المصرف وهو شركة خاصة ربحية وليس جهة إدارية حكومية فإن ولاية ديوان المظالم بهيئة قضاء إداري تنحسر عن الفصل فيما يقام ضده من خصومات ودعاوى، الأمر الذي تنتهي معه الدائرة إلى إثبات ذلك والحكم بمقتضاه.

كما جاء في الحكم الصادر من قبل المحكمة الإدارية في منطقة الرياض في دعوى مقامة من قبل أحد المواطنين ضد اللجنة المصرفية على عدم اختصاص المحاكم الإدارية بديوان المظالم ولائياً بنظر القضية المقامة للأسباب التالية: حيث إن وكيل المدعي يهدف من دعواه إلى الطعن في القرار الصادر من اللجنة المصرفية القاضي في منطوقة بتسوية النزاع بين المدعي والمصرف وبين المدعى عليه بأن يدفع المدعى عليه للمدعي مبلغاً مالياً على النحو المفصل في القرار المذكور، وحيث إن الأمر السامي رقم 729/8 وتاريخ 10/7/1407هـ، قد نصت المادة (7) منه (… على أن يلاحظ أنه عندما تقرر اللجنة المشار إليها في المادة الثانية – من الأمر المذكور – عدم توصلها إلى تسوية مرضية للطرفين أن يحال النزاع إلى المحكمة المختصة للبت فيها …..) وحيث إن نص المادة السابقة ذكر أنه عند عدم توصل اللجنة إلى تسوية مرضية للطرفين فيحال النزاع إلى المحكمة المختصة للبت فيه، وحيث إن اللجنة في هذه القضية لم تتوصل إلى تسوية مرضية بين الطرفين، وأن أصل النزاع قد وقع بين فرد ومصرف مما يجعل النزاع معه ليس نزاعاً إدارياً وأن اللجنة المطعون في قرارها قد تم تشكيلها بموجب الأمر السامي رقم 729/8 وتاريخ 10/7/1407هـ مادة (2)، وحيث أنيط بهذه اللجنة النظر في الدعوى التي تقام من أو ضد البنوك بموجب المادتين (1-5) من الأمر السامي آنف الذكر مما يعني اعتبارها من اللجان المستثناة ضمن ما جاء في البند (2) من الأحكام العامة من آلية العمل التنفيذية لنظام القضاء ونظام ديوان المظالم. الأمر الذي يجعل اللجنة المصرفية من اللجان المستثناة وأنها تبقى على وضعها، الأمر الذي تنتهي معه الدائرة إلى عدم اختصاص المحاكم الإدارية في ديوان المظالم بنظر هذه الدعوى.

كما أكدت المحكمة الإدارية في منطقة عسير في مدينة أبها في حكمها النهائي الصادر خلال شهر 10/1429هـ في دعوى أحد الموطنين ضد اللجنة المصرفية والتي يطالب فيها إعادة النظر في القرار الصادر من اللجنة المصرفية وإلزام المصرف بإعادة المبلغ المسحوب من حسابه، إلى عدم جواز النظر في الدعوى بسبب أن حقيقة دعوى المدعي وفقاً لما جاء بلائحة الدعوى وما أوضحه أمام الدائرة، هي طعن المدعي في قرار اللجنة المصرفية.

وحيث إن اللجنة المصرفية قد أسند إليها الفصل في القضايا بين البنوك وعملائها، وبالتالي فإن ما يصدر منها من قرارات يكتسب حجية الحكم القضائي وذلك بعد اكتسابه الصفة النهائية. وأن تلك اللجنة من اللجان المستثناة من الخضوع لأحكام نظام القضاء ونظام ديوان المظالم الصادرين بالمرسوم الملكي رقم م/78 وتاريخ 19/9/1428هـ وفقاً لما جاء بالبند (2) من القسم الثالث (أحكام عامة) من آلية العمل التنفيذية لنظام القضاء ونظام ديوان المظالم، وحيث إن المستفاد من ذلك أن قرارات اللجان المستثناة تبقى على ما هي عليه من نفاذ أحكامها وعدم قابليتها للطعن أمام القضاء … ونظراً لما نصت عليه المادة الرابعة عشر من نظام ديوان المظالم “أنه لا يجوز لمحاكم ديوان المظالم النظر في الدعاوى المتعلقة بأعمال السيادة، أو النظر في الاعتراضات على ما تصدره المحاكم – غير الخاضعة لهذا النظام – من أحكام داخلة في ولايتها … إلخ”.

وحيث إن اللجنة المصرفية تمارس عملاً قضائياً، هو الفصل في القضايا والمنازعات بين البنوك وعملائها وما يصدر منها في القضايا بعد اكتسابه للنهائية يأخذ حكم الحكم القضائي من حيث حجيته في إنهاء النزاع الصادر بشأنه, ولهذا فإن الدائرة انتهت إلى عدم جواز النظر في الدعوى. كما أن الحكم الصادر من الدائرة الإدارية في ديوان المظالم في الرياض في الدعوى المقامة من إحدى الشركات الوطنية ضد وزارة المالية قد انتهى إلى عدم اختصاص المحكمة الإدارية ولائياً بنظر الدعوى وذلك لعدة أسباب تتلخص في التالي : حيث إن اللجنة المصرفية وفقاً للأوامر السامية لجنة شبه قضائية حيث نص الأمر السامي رقم 729/8 في 10/7/1407هـ على ما يلي: 1- على المحاكم وهيئات حسم المنازعات التجارية عدم سماع الدعاوى التي تقدم ضد البنوك أو من قبلها إلا بعد موافقتنا (أي موافقة المقام السامي).

2- تشكل لجنة في مؤسسة النقد العربي السعودي من ثلاثة أشخاص من ذوي التخصص لدراسة القضايا بين البنوك وعملائها من أجل تسوية الخلافات وإيجاد الحلول المناسبة بين الطرفين طبقاً للاتفاقيات الموقعة بينها.

3- على اللجنة أن تقرر الإجراءات التي يمكن اتخاذها لضمان تسوية القضايا بما في ذلك قيام الجهات الحكومية بحجز ما لديها من مستحقات للمدين لتسديد الديون المطالب بها كما يجوز للجنة أن توصي بالحجز على أموال المدين ومنعه من السفر.

4- إذا لم يتعاون المدين مع اللجنة في التسوية مع البنك يجوز للجنة أن تقرر منع التعامل مع المدين من قبل الأجهزة الحكومية أو البنوك كما أن الأوامر السامية التي صدرت في قضايا من أجل إلزام بعض المواطنين بتنفيذ قرارات اللجنة كالأمر السامي رقم 21134 وتاريخ 5/6/1423هـ والأمر السامي رقم 4/ب/36405 وتاريخ 26/7/1424هـ قررت أن قرارات اللجنة قرارات نهائية.. عليه، فإنه ومن خلال أعلاه يتبين أن اللجنة المصرفية ذات اختصاص قضائي كما تكتسب قراراتها قوة الشيء المقضي به كباقي الأحكام والقرارات القضائية التي تصدر من مختلف اللجان والمحاكم وهو ما أكده ديوان المظالم في الأحكام أعلاه، وهي مسألة تسجل لمقام ديوان المظالم الأمر الذي يوضح مهنية وكفاءة القائمين والعاملين فيه من أصحاب الفضيلة الأجلاء.

ختاماً، فإن ما تحتاجه اللجنة المصرفية في المرحلة المقبلة – وكما ذكرنا في مقالاتنا السابقة – يتلخص في مسألتين افتتاح فروع للجنة أحدهم في مدينة جدة والآخر في مدينة الدمام وأن تكون اللجنة ذات درجتي تقاضي وذلك عن طريق تحويل اللجنة الحالية إلى لجنة استئناف في حين تكون بقية اللجان ذات درجة ابتدائية، وكما قلت في إحدى المناسبات، علينا أن نتذكر دائماً أن أي تنظيم قضائي يصدر من ولي الأمر هو وليد البنية والبيئة الاجتماعية المحيطة به وما يحكمها من عادات وقيم معبراً في الوقت نفسه عن إعزازي وإجلالي لمقام ديوان المظالم كجهاز قضائي.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت