ما هو المعنى القانوني والواقعي لأجر المثل ؟

إعداد المحامي ياسر شقير

ما زال الحديث عن قانون المالكين والمستأجرين وخاصة أسس تحديد أجر المثل هوالحديث الرئيسي في هذه الايام بالرغم من أن اجراءات اقامة الدعاوى ما زالت مستمرة والسؤال الأهم في هذا الموضوع : وما المعنى القانوني والواقعي لأجر المثل ؟ وما هي أسس تحديد أجر المثل ؟ وبالنتيجة هل يوجد فعلا أجر مثل يمكن تطبيقه وفقا لمبادىء قانون المالكين والمستأجرين أم لا ؟.

يجب ان نستذكر ان قانون المالكين والمستأجرين المعدل رقم 22 لسنة 2012 قد اعاد مفهوم الاستمرار القانوني لعقود الايجار نتيجة لالغاء تواريخ الاخلاء مع إعطاء المالك أوالمستأجر الحق بتعديل الاجرة اتفاقاً أوقضاء أو ما اسماه المشرع أجر المثل وبالرغم من النص عليه الا أن القانون لم يحدد الاسس التي يجب ان تعتمد بخلاف عدة قوانين منها مثلا قانون الاستملاك الذي يعتمد في تقدير قيمة العقار على عدة معايير وهي معيار الدخل، ومعيار المقارنة، ومعيار الكلفة فان العديد من الاحكام والامور يمكن الحديث عنها حول أجر المثل في عقود الايجار من حيث طريقة تحديده والعناصر التي يمكن أن تؤثر عليه وأسس ذلك التحديد.

سريعا يمكن القول بأن معيار التكلفة يعني مقارنة كلفة انشاء عقار جديد مماثل للعقار المطلوب تقديره في المواصفات والاستخدام على اساس كلفة الانشاء السائدة حين التقدير، ومعيار المقارنة يعني استنتاج القيمة من تحليل اسعار السوق للعقارات المماثلة للعقار موضوع التقدير، ومعيار الدخل يعني رسملة المردود المتوقع اوالدخل الصافي من العقار بنسبة الفائدة الامنة وعلى مدى العمر الانتاجي المتبقي للعقار.

وعليه عند تقييم العقارات فانه يجب اعتبار مؤشرات السوق ومفهوم الاستخدام الافضل للعقار اساسا لتحديد القيمة السوقية للعقار لتحديد أجر المثل وأنه أيضا يجب الاخذ بعين الاعتبار ما يلي:

1 ـ موقع العقار، مساحة، واجهته على الشارع، عمر البناء، عدد المواقف المتوفرة ونوعية المواد المنشأ منها العقار، ومراعاة وجوب استخدام اسلوب التكلفة في تقدير العقارات الجديدة وعند تقدير الاضافات والتحديثات على الابنية، وتجنب تطبيق اسلوب التكلفة على العقارات القديمة والتي لا تتوفر بخصوصها عناصر كافية لحساب قيمة التكلفة اوالاستهلاك وتمثل نتائج التقدير بهذه الطريقة الحد الاعلى لسعر العقار في السوق.

2 ـ مجموعة الاحكام التنظيمية الخاصة بالعقار بما في ذلك ارتداد الماجور عن الشارع الرئيسي والحكم التنظيمي المتعلق بمحيط العقار / التجاري، السكني وبالتالي تأثير التغييرات في التنظيم والبنية التحتية وتطورها مثل توسيع شبكة الخدمات العامة والطرق.

3 ـ طبيعة النشاط / الغاية المقصود منها استعمال العقار/ الماجور، نشاط تجاري اوصناعي بالاضافة الى القيود المفروضة والمحددات القانونية التي قد تؤثر على استخدام وتطوير العقار.

4 ـ قواعد السوق حيث يتوجب مراعاة ضعف الطلب في الاسواق اوفائض العرض فيها عند الاعتماد على بيانات السوق الحالية والسابقة اوزيادة الطلب ومحدودية العرض ووجوب مقارنة الممتلكات موضوع التقييم باسعار بيع وتأجير ممتلكات مماثلة تم بيعها أوتأجيرها حديثا اومعروضة حاليا في سوق مفتوح ووجوب فحص الاسعار التي تدفع عادة في العقارات المماثلة، حيث يتم استبعاد اسعار العقارات المقارنة التي تمت من خلال عمليات بيع أوتأجير بين اطراف في ظروف غير عادية اووهمية مصطنعة أو وجود صلة قربى اوالبيع القسري وكذلك فحص الاسعار التي تدفع عادة في الممتلكات المنافسة اوالمماثلة للممتلكات موضوع التقييم فيتم التحقق منها للتأكد من حوافز الاطراف المشاركة بها ويتم استبعاد الاسعار التي تعكس حوافز غير طبيعية للمشاركين العديدين في السوق مثل تلك الصفقات التي يقوم بها مشتركون محددون راغبون بدفع زيادة معينة للحصول على اصل معين.

5 ـ مقدار الزيادات في المأجور حيث يجب ان لا يؤخذ عند تحديد بدل أجر المثل ما قام به المستأجر من زيادات اوشهرة المحل وبالتالي تأثيره على الموقع وهذا الحكم يمكن الاخذ به قياسا مع المادة 755 من القانون المدني والتي نصت على ما يلي :

(اذا طرأ على موقع عقار الوقف تحسنا في ذاته وادى ذلك الى زيادة الاجرة زيادة فاحشة وليس لما انفقه المستاجر وما احدثه من اصلاح وتعمير دخل فيه، يخير المستاجر بين الفسخ اوقبول اجر المثل الجديد من وقت التحسن سواء كان التاخير لحاجة التعمير اولحالات اخرى.)

وعلى موضوع الزيادات يمكن القياس في ذلك على القاعدة التي قررتها محكمة التمييز في قرارها رقم 335/2002 تاريخ 11/2/2002 في الدعوى التي اقامها شركاء المدعية في العقار للمطالبة ببدل اجر مثل حصصهم بعد ثبوت بطلان عقد الايجار وبعد أن ثبت لها أن المدعى عليهم احدثا الانشاءات في مبنى السينما والاثاث من مالهما الخاص قررت عدم اعتبار تلك الانشاءات والاثاث جزءا من البناء عند تقدير اجر مثله وعليه يتوجب عند اجراء الخبرة لتقدير اجر مثل البناء مراعاة تلك الاسس وتقدير العقار قبل الزيادة التي احدثها المدعى عليهم.

6 ـ قيام المستأجر سابقا بدفعه خلوا عند بداية التأجير ووجود الخيار للمالك حاليا بتأجير العقار بخلو أو بدون خلو حيث يجب مراعاة ان المالك عندما يؤجر عقارا حاليا وفقا لقاعدة العقد شريعة المتعاقدين له الخيار في تأجيره بخلومقداره عشرون الف دينار مثلا ويقوم بتأجيره لمدة عشر سنوات بقيمة أجرة سنوية بقيمة اجرة خمس الاف دينار في حين أن قام بتأجيره بدون خلوفان مدة التأجير تكون لسنه واحدة فقط وبقيمة أجرة عشر الاف دينار سنويا وبالتالي يجب الاخذ بعين الاعتبار أن التقدير يجب ان يكون مع الاخذ بعين الاعتبار ان المستأجر قد دفع سابقا خلووانه يجب مقارنته مع الاجرة الممكن استيفاؤها في حال تأجيره بخلو.

7 ـ مراعاة شروط الترخيص لبعض المهن مثل الصيدليات والمخابز والمختبرات وغيرها، حيث أن من أهم شروط الترخيص المسافة الفاصلة بين الصيدلية والاخرى مثلا وعليه يجب تكييف حقيقة هذا الشرط وهل المقصود منه حماية المستاجر ام هوفقط جانب تنظيمي بحت، كما أن طبيعة النشاط ووجود الترخيص هوحماية للمستأجر من المنافسة وبالتالي لا يستطيع غيره الترخيص في نفس العقار أوفي المنطقة المحددة فكيف سيتم المقارنة مع عقار أخر في الموقع مع طبيعة النشاط، كما ان اعادة ترخيص العقار كصيدلية بعد خروج المستأجر يكون بسبب الحماية القانونية التي فرضها واقع الوجود الفعلي والقانوني للمستأجر القديم طوال الفترة السابقة في المأجور حيث أن وجوده هوالدرع الذي كان يحمي العقار ويعطيه الحق في اعادة ترخيصه كصيدلية أومخبز أومختبر، ويمنع العقارات المحيطة في المنطقة المحددة من الترخيص وبالتالي سيرفع قيمة تأجيره كصيدلية لان العقار قد توافر فيه شروط الترخيص.

8 ـ واقعة الاستمرار القانوني حيث أن المقارنة يجب ان تتم مع الاخذ بعين الاعتبار ان وجود المستاجر في العقود ما قبل 31 / 8 / 2000 نابع من حكم الاستمرار القانوني وليس من العقد أوالارادة وبالتالي يجب الاخذ بعين الاعتبار أن التقدير يجب ان يكون مع الاخذ بعين الاعتبار ان المستأجر له حق الاستمرار القانوني وهنا يجب الاشارة الى قرار محكمة التمييز الاردنية رقم 2875/2002 تاريخ 23/3/2003 والذي أكد على وجوب الاخذ بعين الاعتبار تغيير القواعد القانونية التي يخضع لها العقد عند تقدير أجر مثل العقار لغايات التعويض وعليه فانه يجب مراعاة القواعد التي تحكم العقد من حيث الاستمرار القانوني أوالارادة عند التقدير أجر المثل حيث جاءت فيه ما يلي :

(أن المشرع وفي قانون المالكين والمستأجرين رقم 30 لسنة 2000 المعدل لقانون المالكين والمستأجرين المعدل للقانون رقم 11 لسنة 94 النافذ المفعول من تاريخ 31/8/2000 قد تخلى عن القاعدة القانونية التي كانت مقررة في ظل قوانين المالكين والمستأجرين السابقة والتي مؤداها استمرار عقود الايجار بحكم القانون بعد انتهاء مدة الإيجار المتعاقد عليها وبنفس شروط العقد وعاد في المادة 3/أ من القانون المعدل رقم 30/2000 الى قاعدة العقد شريعة المتعاقدين. وعليه وفي ضوء هذا التحول التشريعي لم يعد من الجائز الابقاء على اجتهاد محكمة التمييز بالنسبة لأجر المثل الذي يضمنه الغاصب على أساس سنة الغصب الأولى ومن ثم انسحابه على باقي سنوات الغصب اللاحقة لأن القاعدة التي تم القياس عليها في قانون المالكين والمستأجرين لم تعد قائمة وبالتالي فلا بد من أن يتم تقدير أجر المثل المضمون على الغاصب والمبحوث عنه في المادة 279 من القانون المدني سنة فسنة وشهراً فشهراً وفق تصاعد الأسعار أوهبوطها وحسب مقتضيات الحال.)

أحكام وتساؤلات عديدة تم القاء الضوء عليها ويحتاج كل منها الى كثير من البحث والدراسة، ومع التأكيد على وجوب مراعاة كافة الاسس السابقة فانه يجب التدخل لمحاولة ايجاد اسس واضحة لتحديد أجر المثل مع قناعتي بعدم جواز المقارنة عند تحديد اجر المثل بين العقود المستندة الى واقعة الاستمرار القانوني والتي يكون فيها اساس الالتزام بالمدة هنا هوالقانون في حين أن العقود المبرمة بعد 31 / 8 / 2000 يستند فيها حق المنفعة والاشغال الى الارادة أوالعقد كمصدر من مصادر الالتزام ذلك ان المقارنة يجب أن تتم باشباهها أي باشياء قابلة للمقارنة واذا ما استذكرنا أن المادة 56 من القانون المدني قد عرفت الاشياء المثلية بانها : (ما تماثلت آحادها اواجزاؤها اوتقاربت بحيث يمكن ان يقوم بعضها مقام بعض عرفاً بلا فرق يعتد به…) وان الاشياء القيمية هي : (ما تتفاوت افرادها في الصفات اوالقيمة تفاوتاً يعتد به اويندر وجود افراده في التداول) واذا ما طبقنا تلك القواعد المتعلقة بالاشياء على الحقوق الناشئة من مصادر الالتزام المختلفة العقد اوالقانون مما يؤكد على عدم جواز المقارنة بين هذين النوعين من العقود لغايات تحديد اجر المثل لا سيما وأن المالك حاليا له الخيار بتأجير العقار بخلوأوبدون خلووفقا لقاعدة العقد شريعة المتعاقدين الامر الذي يؤدي الى اختلاف المدة وبالتالي اختلاف الاجرة فأي من تلك الاجور سيعتبر أجر مثل للعقار الخاضع للاستمرار القانوني، وبالنتيجة نستطيع ان نقول أن مفهوم أجر المثل غير قابل للتطبيق وبالحد الادنى يحتاج الى وضع اسس لتحديده لا أن تترك هكذا دون أي قيد اوشرط.

* المركز الوطني للقانون
المقال منشور بصحيفة الدستور
بتاريخ 18-03-2012