الفرق بين الاعمال القضائية للنائب العام وقرارته الإدارية

إعادة نشر بواسطة محاماة نت 

باسم الشعب
مجلس الدولة
محكمة القضاء الإداري
الدائرة الأولى

بالجلسة المنعقدة علنا في يوم الثلاثاء الموافق ۲/۱۲/۲۰۰۸
برئاسة السيد الأستاذ المستشار الدكتور/ محمد أحمد عطية نائب رئيس مجلس الدولة ورئيس محكمة القضاء الإداري
وعضوية السيد الأستاذ المستشار / منير محمد غطاس نائب رئيس مجلس الدولة
وعضوية السيد الأستاذ المستشار / فوزي علي حسن شلبي نائب رئيس مجلس الدولة
وحضور السيد الأستاذ المستشار / جمال جمعة صديق مفوض الدولة
وسكرتارية السيد/ سامي عبد الله خليفة أمين السر

أصدرت الحكم الآتي
في الدعوى رقم ۲۰۲۱۹ لسنة ٦۲ق

الوقائع

أقام المدعي هذه الدعوى بإيداع عريضتها قلم كتاب المحكمة بتاريخ ۲۵/۲/۲۰۰۸ طالباً في ختامها الحكم بقبول الدعوى شكلاً وبوقف تنفيذ قرار النائب العام برفض طلبه عرض أمر الحكم الصادر من الدائرة الجنائية الثانية بمحكمة استئناف القاهرة في الطعن رقم ۲۸۸۰۲ لسنة ۷۷ق بجلسة ۱۱/۱۱/۲۰۰۷ على محكمة النقض لتنظر هيئتها العامة للمواد الجنائية فيما أبداه من مخالفة الحكم للعديد من المبادئ القانونية المستقرة التي قررتها محكمة النقض وعدوله عنها مع ما يترتب على ذلك من آثار أهمها عرض الحكم المشار إليه على محكمة النقض لنظره في ضوء الأسباب التي تضمنها طلب المدعي المقدم للنائب العام، وأن ينفذ الحكم بمسودته ودون إعلان، وفي الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام جهة الإدارة المصروفات.

وذكر المدعي شرحاً لدعواه أنه كان قد أُتهم زوراً بأنه في يوم ۱۹/۳/۲۰۰۷ أهان مجلس الدولة كهيئة قضائية وأهان رئيسها، وأنه أحيل إلى المحاكمة الجنائية بناء على ذلك في القضية رقم ٤۳۸۳ لسنة ۲۰۰۷ جنح الدقي، وهناك قدم للمحكمة الأدلة على أن الواقعة المنسوبة إليه ملفقة، كما طلب من المحكمة استدعاء شهود الإثبات لحلف اليمين لكن أحداً منهم لم يحضر رغم إعلانهم إعلاناً قانونياً.

وبجلسة ۲/۵/۲۰۰۷ حكمت محكمة الجنح عليه حضورياً بالحبس ثلاث سنوات مع النفاذ وألزمته المصاريف.
وأشار المدعي إلى أنه طعن على الحكم بالاستئناف أمام محكمة ثاني درجة ودفع ببطلان محاكمته أمام محكمة الجنح وبانعدام حكمها وبعدم توافر أركان الجريمة التي يحاكم على أساسها ورغم ذلك فقد سايرت محكمة الجنح المستأنفة حكم محكمة أول درجة، ولم ترد على دفوعه، الأمر الذي شاب حكمها البطلان والإخلال بحق الدفاع حيث التفتت المحكمتين عما قدمه بحوافظ مستنداته، أو رد عليها الحكم بما يخالف مدلولها القانوني، بالإضافة إلى أنه أثبت على خلاف الحقيقة أن المدعي تنازل عن سماع شهود الإثبات.

وقضت محكمة الجنح المستأنفة بإدانته وحكمت عليه بالحبس سنة مع الشغل والنفاذ – فقام المدعي بالطعن على هذا الحكم بالنقض المقيد برقم ۲۸۸۰۲ لسنة ۷۷ق أمام محكمة استئناف القاهرة وذلك على سند من وقوع الحكم المطعون فيه في أخطاء جسيمة على النحو الوارد تفصيلاً بعريضة طعنه، ولكن المحكمة الأخيرة التفتت بدورها عن هذه المطاعن جميعاً وقضت برفض الطعن، الأمر الذي شاب حكمها البطلان والخطأ الجسيم بتصديها للفصل في الطعن رغم أن رئيسها وأحد أعضائها على صلة قرابة ببعض مستشاري مجلس الدولة (الهيئة القضائية التي اتهم المدعي بإهانتها).

وأضاف المدعي إلى أن المحكمة الأخيرة قد أهدرت بحكمها الصادر في الطعن رقم ۲۸۸۰۲ لسنة ۷۷ ق الكثير من المبادئ القانونية المستقرة في أحكام محكمة النقض على مدى خمسة وسبعين عاماً.

وأن تعديل نص المادة (۳٦) مكرراً بند (۲) من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض بالقانونين رقمي ۷٤، ۱۵۳ لسنة ۲۰۰۷ يعطيه الحق في تقديم طلب عرض أمر الحكم الصادر في الطعن المشار إليه على محكمة النقض لتنظره هيئتها العامة للمواد الجنائية، وذكر أنه تقدم بطلب في هذا الشأن في الميعاد القانوني للنائب العام، لكنه أصدر قراره المطعون فيه برفض عرض الطلب على محكمة النقض.

وأشار المدعي إلى أن القرار المطعون فيه يعتبر قراراً إدارياً ويختلف تماماً عن سلطاته القضائية، وأنه ينازع في دستورية نص المادة (۳٦) مكرراً بند (۲) السالف الإشارة إليها فيما تضمنه من جعل رفع طلب ذوي الشأن المتعلق بعرض أمر الأحكام الصادرة من الدوائر الجنائية بمحكمة استئناف القاهرة التي تنظر طعون نقض الجنح على محكمة النقض من اختصاص النائب العام وحده رغم عدم صلاحيته من الناحية الوظيفية لهذه المهمة وذلك لأنه خصم في الدعوى الجنائية.

وأضاف المدعي أن تخويل النائب العام وحده سلطة عرض طلبات ذوي الشأن بشأن الأحكام الصادرة في طعون نقض الجنح على محكمة النقض سيحول بين الهيئة العامة للمواد الجنائية وبين القيام بمهمتها في توحيد المبادئ القانونية ويحجب المواطن عن قاضيه ويحرمه من حق الدفاع عن نفسه. ويؤدي إلى التفرقة بين المتقاضين بمعاملة كل منهم بمبادئ قانونية مختلفة عن غيره.

ومن ناحية أخرى ينعي المدعي على القرار المطعون فيه مخالفته لأحكام القانون والخطأ في تطبيقه وتأويله وذلك لأن النائب العام لا يملك سلطة حجب الطلبات التي يقدمها ذوي الشأن بعرض الأحكام المخالفة لمبادئ النقض على محكمة النقض لأن سلطته في هذا الشأن مقيده، وليست تقديرية.

وأنه بامتناعه عن رفع طلب المدعي عرض الحكم الصادر في الطعن رقم ۲۸۸۰۲ لسنة ۷۷ق. بجلسة ۱۱/۱۱/۲۰۰۷ على محكمة النقض رغم تقديم الطلب في الميعاد القانوني واشتماله على الأسباب التي يقوم عليها وبيانه تفصيلياً مبادئ النقض التي تمت مخالفتها بالحكم المشار إليه يكون قد خالف أحكام المادة (۳٦) مكرراً بند (۲) السالف الإشارة إليها.

كما ينعي المدعي على القرار صدوره مفتقداً ركن السبب المبرر له ذلك أن قرار النائب العام المطعون فيه لم تذكر به أية أسباب تبرر رفض عرض طلب المدعي بشأن الحكم الصادر في الطعن رقم ۲۸۸۰۲ لسنة ۷۷ق على محكمة النقض وهذا ما يفقد القرار المطعون فيه ركن السبب ويجعله مخالفاً للقانون.

وأخيراً ينعي المدعي على القرار بعيب إساءة استعمال السلطة وذلك لأن النائب العام كان عضواً بمجلس إدارة النادي الأهلي وما زال عضواً عاملاً بارزاً بالنادي المذكور وأن المدعي كرئيس لنادي الزمالك كانت بينه وبين النادي الأهلي خصومات قضائية ومن ثم فمن الصعب على النائب العام أن يعامل الطاعن بغير ميل أو هوى، وهو ما تجلى في الممارسات – المخالفة للقانون – التي اتخذت ضده سواء من النائب العام شخصياً أو السادة رؤساء النيابة العامة والمحامين العامين.
ومن ناحية أخرى فإن القرار المطعون فيه لم يراع وجه المصلحة العامة حيث كان عرض طلبه على محكمة النقض لتنظر فيما خالفه الحكم المعروض من مبادئ استقرت عليها أحكام النقض وذلك صوناً لهذه المبادئ التي درجت عليها أحكام القضاء لعشرات السنين.

وخلص المدعي من ذلك كله إلى طلب الحكم له بالطلبات سالفة البيان والمنوه عنها بصدر هذا الحكم.
وقد حددت المحكمة لنظر الشق العاجل من الدعوى جلسة ۱۱/۳/۲۰۰۸ وفيها حضر المدعي وقدم ستة وعشرين حافظة مستندات وقدم الحاضر عن جهة الإدارة بجلسة ۸/٤/۲۰۰۸ حافظة مستندات كما قدم بجلسة ۲۰/۵/۲۰۰۸ مذكرة دفاع طلب في ختامها الحكم أصلياً : بعدم اختصاص المحكمة والقضاء عموماً بنظر الدعوى، واحتياطياً : بعدم قبولها لانتفاء القرار الإداري ومن باب الاحتياط برفض الدعوى بشقيها العاجل والموضوعي وبذات الجلسة قدم المدعي حافظة مستندات وصفحات من جريدة صوت الأمة ، كما قدم بجلسة ۱۰/٦/۲۰۰۸ حافظة مستندات ومذكرة بدفاعه صمم في ختامها على طلباته الواردة بصحيفة الدعوى وبذات الجلسة حضر / …… وطلب التدخل في الدعوى منضماً للمدعي وطالباً إلغاء قرار النائب العام السلبي بالامتناع عن تحريك الدعوى الجنائية ضد القاضي / …….. الذي انتهت خدمته بناء على محكمة الصلاحية.

وبجلسة ۱/۷/۲۰۰۸ حضر المدعي وقدم صورة مصححة من مذكرة دفاعه المقدمة بجلسة ۱۰/٦/۲۰۰۸ وصورة من حكم دائرة فحص الطعون بالمحكمة الإدارية العليا – الدائرة الخامسة عليا. وقدم الخصم المتدخل صحيفة معلنة بتدخله وحافظة مستندات وقدم الحاضر عن جهة الإدارة حافظتي مستندات ومذكرة بدفاعه طلب في ختامها الحكم :-

بالنسبة لطلب التدخل بعدم قبوله لانتفاء المصلحة ولانتفاء الارتباط بينه وبين الدعوى الأصلية ، واحتياطياً : بعدم اختصاص المحكمة ولائياً بنظره.
ومن باب الاحتياط : بعدم قبوله لانتفاء القرار الإداري مع إلزام المتدخل المعروضات.

وبالنسبة للدعوى الأصلية:
أصلياً: بعدم اختصاص المحكمة والقضاء عموماً بنظر الدعوى.
واحتياطياً: بعدم قبولها لانتفاء القرار الإداري.
ومن باب الاحتياط : برفض الدعوى بشقيها وإلزام المدعي المصروفات.
وبالجلسة المشار إليها قررت المحكمة حجز الدعوى للحكم في الشق العاجل بجلسة ٤/۹/۲۰۰۸ وفيها تقرر مد أجل النطق بالحكم لجلسة ۷/۱۰/۲۰۰۸ وبتلك الجلسة تقرر فتح باب المرافعة في الدعوى لتغيير التشكيل والتأجيل لجلسة ۲۱/۱۰/۲۰۰۸ وفي هذه الجلسة حضر المدعي وقدم خمس حوافظ مستندات وقررت المحكمة إصدار الحكم في الدعوى بجلسة اليوم، وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.

المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، والمداولة قانوناً.
ومن حيث إن المدعي يطلب الحكم بوقف تنفيذ وإلغاء قرار النائب العام برفض طلبه عرض أمر الحكم الصادر من الدائرة الجنائية الثانية بمحكمة استئناف القاهرة في الطعن رقم ۲۸۸۰۲ لسنة ۷۷ق بجلسة ۱۱/۱۱/۲۰۰۷ على محكمة النقض لتنظر هيئتها العامة للمواد الجنائية فيما أبداه من مخالفة الحكم للعديد من المبادئ القانونية المستقرة التي قررتها محكمة النقض مع ما يترتب على ذلك من آثار أهمها عرض الحكم المشار إليه على محكمة النقض لنظره في ضوء الأسباب التي تضمنها طلب المدعي المقدم للنائب العام وأن ينفذ الحكم بمسودته وبدون إعلان مع إلزام جهة الإدارة المصروفات.
ومن حيث إن الدعوى تدوولت أمام المحكمة على النحو السالف بيانه.

ومن حيث إنه عن الدفع المبدى من جهة الإدارة بعدم اختصاص المحكمة والقضاء عموماً بنظر الدعوى، وذلك على سند من أن طلب النائب العام عرض أمر الحكم المخالف للمبادئ القانونية التي قررتها محكمة النقض على الهيئة العامة للمواد الجنائية للنظر فيه يتطلب منه مطالعة الأحكام الصادرة من تلك المحاكم وبحثها قانوناً في ضوء مبادئ محكمة النقض للتعرف على مدى موافقة هذه الأحكام أو مخالفتها لتلك المبادئ والتقرير برفع الطلب إلى الهيئة العامة للمواد الجنائية في حالة مخالفة الحكم لتلك المبادئ أو عدم رفع الطلب إذا ما صدر الحكم موافقاً للمبادئ المستقرة.

وهذا الاختصاص – والحال كذلك – يعد عملاً قضائياً يخرج عن الاختصاص الولائي لمجلس الدولة والقضاء عموماً ولأنه يتعلق بمصلحة عامة لصالح القانون وحسن تطبيقه وذلك بغرض توحيد المبادئ القانونية، ولا يملك المتهم في هذه الحالة سوى أن يتقدم بطلبه عرض الحكم على الهيئة العامة للمواد الجنائية إلى النائب العام للتقرير بشأن عرضه أو عدم عرضه دون أن يتولد له حق في هذا العرض.

وأضافت جهة الإدارة أن القول بأن دور النائب العام يقتصر على تلقي الطلب ورفعه إلى الهيئة المذكورة يؤدي إلى نتائج غير منطقية ومخالفة لأحكام القانون وهو إضافة درجة أخرى من درجات التقاضي وهذا ما لم يقصده الشارع.

ومن حيث إنه في مجال استجلاء الوصف القانوني لتصرف النائب العام المطعون فيه، وبيان ما إذا كان يمثل عملاً قضائياً يخرج بطبيعته عن نطاق الاختصاص الولائي لهذه المحكمة أم أنه لا يعدو أن يكون قراراً إدارياً يشكل ركن المحل في الدعوى المطروحة فإن قضاء هذه المحكمة يجري على أن مناط التفرقة بين العمل القضائي الذي يباشره النائب العام والعمل الإداري الذي يصدر منه هو بطبيعة العمل في ذاته فمجرد صدور العمل من النائب العام لا يجعل منه عملاً قضائياً طالما أنه لا يتعلق بما يناط به من وظائف التحقيق والاتهام، وما يتعلق بهما من إجراءات كالقبض والتفتيش والحبس الاحتياطي وتحريك الدعوى العمومية وتنفيذ الأحكام الجنائية والطعن عليها، وجميع هذه الأعمال ومثيلاتها المنصوص عليها في قانون الإجراءات الجنائية وغيره من القوانين تعد أعمالاً قضائية مما تخرج عن الاختصاص الولائي لهذه المحكمة.

أما فيما يتعلق بالاختصاص الذي ناطه المشرع بالنائب العام بموجب نص المادة (۳٦) مكرراً من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام النقض والمتمثل في قيامه من تلقاء نفسه أو بناء على طلب ذوي الشأن بالطلب من محكمة النقض عرض أمر الحكم الذي يصدر بالمخالفة للمبادئ القانونية التي استقرت عليها محكمة النقض على الهيئة العامة للمواد الجنائية فإنه لا يندرج ضمن الأعمال القضائية السالف ذكرها، وإنما هو نوع من الاختصاص الذي يدخل في نطاق سلطته الإدارية، وعلى ذلك يكون قرار النائب العام المطعون فيه – والحال كذلك – من القرارات الإدارية التي تختص هذه المحكمة بإنزال الرقابة القانونية عليه إعمالاً لنص المادة (۱۷۲) من الدستور.

ومن حيث إنه عن الدفع بعدم قبول الدعوى لانتفاء القرار الإداري فإن ما سبق ذكره لبيان دعائم اختصاص هذه المحكمة بنظر الدعوى قد تكفل ببيان أن القول بانتفاء القرار الإداري هو قول في غير محله، فلا شبهة في قيام قرار من النائب العام برفض عرض طلب المدعي المتعلق بالحكم الصادر في الطعن رقم ۲۸۸۰۲ لسنة ۷۷ق على محكمة النقض لعرضه على الهيئة العامة للمواد الجنائية – رغم تقديم الطلب في الميعاد المقرر قانوناً – وعلى ذلك فإن ما دفعت به جهة الإدارة من انتفاء القرار الإداري يكون على غير سند صحيح من الواقع والقانون متعيناً القضاء برفضه.

ولا يغير من النظر المتقدم ما أشارت إليه جهة الإدارة في دفاعها من أنه لا إلزام قانوني على النائب العام بعرض الحكم المدعي بمخالفته لمبادئ النقض على الهيئة العامة للمواد الجنائية وأن الامتناع أو رفض عرض هذا الحكم على الهيئة المذكورة لا يشكل قراراً إدارياً يصلح الطعن عليه، مستدلة على ذلك بصياغة النص التي ورد فيها “فللنائب العام وحده …. أن يطلب …” وهو ما يعني – من وجهة نظر جهة الإدارة – أن سلطة النائب العام في هذا الشأن سلطة تقديرية. فذلك مردود بما هو مستقر عليه فقهاً وقضاءً من أن الإدارة في الحالات التي تكون لها فيها ملاءمة إصدار القرار تخضع أيضاً لرقابة القضاء ، ولا يسوغ لها الاحتجاج بسلطتها التقديرية للقول بحصانة أعمالها في هذه الحالة من رقابة القضاء لما في ذلك من جنوح عن مبدأ المشروعية.

ومن حيث إنه عن طلب التدخل في الدعوى المبدى من / سعيد محمد عبد الله سليمان، فإن المادة (۱۲٦) من قانون المرافعات تنص على أنه “يجوز لكل ذي مصلحة أن يتدخل في الدعوى منضماً لأحد الخصوم أو طالباً لنفسه بطلب مرتبط بالدعوى ….”.

وطبقاً للنص المتقدم فالتدخل نوعان :
الأول: هو التدخل الانضمامي ويقصد به تأييد أحد الخصوم في طلباته، والمتدخل في هذه الحالة يبغي من تدخله المحافظة على حقوقه عن طريق الانضمام لأحد الخصوم دفاعاً عن حقه في الدعوى.
والثاني: هو التدخل الهجومي :– وفيه يدعي المتدخل لنفسه حقاً ومن ثم فإنه يشترط في المصلحة التي تبرر قبول تدخله جميع شروط المصلحة اللازمة لقبول الدعوى وهي أن تكون مصلحته في التدخل قانونية وقائمة وشخصية ومباشرة. كما يشترط قيام الارتباط بين الطلب الذي يسعى المتدخل للحكم لنفسه به وبين الدعوى الأصلية، ووجود الارتباط من عدمه أمر تستقل بتقديره المحكمة.

ومن حيث إنه متى كان ذلك وكان الثابت من مطالعة صحيفة التدخل أنها تضمنت نوعي التدخل سالفي الذكر، وبالنسبة للتدخل الانضمامي فإن طالب التدخل يطلب الحكم للمدعي في الدعوى الأصلية بطلباته الواردة بصحيفة الدعوى لكنه لم يوضح صفته ومصلحته في هذا الطلب ولا الفائدة التي يمكن أن تعود عليه من وراء الحكم للمدعي بطلباته.
وفيما يتعلق بالتدخل الهجومي الذي تضمنته الصحيفة فإن طالب التدخل يطلب الحكم بوقف تنفيذ وإلغاء – ما أسماه – القرار السلبي بامتناع النائب العام عن تحريك الدعوى الجنائية ضد المدعي عليه
الرابع آخرين بتهمة تزوير حكم، وهو – على هذا النحو – طلب منبت الصلة بالطلبات المقامة بها الدعوى ولا ارتباط بينها.
ومتى كان ذلك فإنه يتعين عدم قبول طلب التدخل بنوعيه وإلزام طالب التدخل مصروفات تدخله.
ومن حيث إن الدعوى قد استوفت سائر أوضاعها الشكلية فإنها تكون مقبولة شكلاً.

ومن حيث إنه عن دفع المدعي بعدم دستورية نص المادة (۳٦) مكرراً من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام النقض فيما تضمنته من جعل طلب ذوي الشأن عرض أمر الأحكام الصادرة من الدوائر الجنائية بمحكمة استئناف القاهرة التي تنظر طعون النقض في الجنح – على محكمة النقض عن طريق النائب العام وحدة وذلك على سند من عدم صلاحية النائب العام – من وجهة نظر المدعي – من الناحية الوظيفية للقيام بهذه المهمة باعتباره خصم في الدعوى الجنائية وأن النص يتعارض مع أحكام المواد ٤۰، ٦۷، ٦۸، ٦۹ من الدستور .

ومن حيث إنه رداً على ذلك ولما كان المشرع قد قرر بنص المادة (۳٦) مكرراً من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام النقض معدلة بالقانونين رقمي ۷٤ لسنة ۲۰۰۷، ۱۵۳ لسنة ۲۰۰۷ – للنائب العام وحده أن يطلب من محكمة النقض من تلقاء نفسه أو بناء على طلب ذوي الشأن عرض أمر الأحكام التي تصدر في طعون نقض الجنح بالمخالفة للمبادئ القانونية التي استقرت عليها محكمة النقض على الهيئة العامة للمواد الجنائية لتقول كلمتها في هذه الأحكام ولترسي القواعد القانونية الصحيحة والمستقر عليها وذلك منعاً لتضارب الأحكام ولمصلحة القانون والعدالة ولضمان اتفاق الأحكام مع المبادئ القانونية التي أرستها محكمة النقض.

ومن حيث إن المستقر عليه أن النيابة العامة خصم أصيل في الدعوى الجنائية وهي بصفتها الأمينة على الدعوى العمومية والنائبة عن المجتمع خصم عادل لا يبغي من وراء خصومته مصلحة خاصة، لذا كان لها أن تطعن في الأحكام الجنائية لمصلحة الاتهام أو لمصلحة المتهم المحكوم عليه، وما يقيدها في ذلك سوى شرط أن تكون هذه المصلحة حقيقية وليست نظرية صرفه.

ومن حيث إنه متى كان ذلك فلا معني لقول المدعي بعدم حيادية النائب العام وبالتالي يغدو طعنه بعدم دستورية النص المشار إليه والقائم على هذا الأساس في غير محله ومن ثم تلتفت عنه للمحكمة.
ومن حيث إنه عن طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه فإن قضاء هذه المحكمة في ضوء حكم المادة ٤۹ من القانون رقم ٤۷ لسنة ۱۹۷۲ بشأن مجلس الدولة – قد استقر على أنه يلزم لطلب وقف التنفيذ أن يستند الطلب إلى أسباب جدية تبرره وأن يترتب على تنفيذ القرار نتائج يتعذر تداركها.

ومن حيث إنه عن ركن الجدية فإن المادة (۳٦) مكرراً من حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض رقم ۵۷ لسنة ۱۹۵۹ المضافة بالقانون رقم ۱۷۰ لسنة ۱۹۸۱ والمعدلة بالقانون رقم ۲۳ لسنة ۱۹۹۲ ثم بالقانون رقم ۷٤ لسنة ۲۰۰۷ فالقانون رقم ۱۵۳ لسنة ۲۰۰۷ تنص على أن:
(۱) …..
(۲) يكون الطعن في أحكام محكمة الجنح المستأنفة ……… أمام محكمة أو أكثر من محاكم الجنايات بمحكمة استئناف القاهرة منعقدة في غرفة مشورة لتفصل بقرار مسبب فيما ينصح من هذه الطعون من يوم قبوله شكلاً أو موضوعاً ولتقرير إحالة الطعون الأخرى لنظرها بالجلسة أمامها وذلك على وجه السرعة.

وعلى تلك المحاكم الالتزام بالمبادئ القانونية المستقرة المقررة في قضاء محكمة النقض فإذا رأت العدول عن مبدأ قانوني مستقر قررته محكمة النقض وجب عليها أن تحيل الدعوى مشفوعة بالأسباب التي رأت من أجلها ذلك العدول إلى رئيس محكمة النقض لإعمال ما تقضي به المادة الرابعة من قانون السلطة القضائية.

فإذا قضت تلك المحاكم في الطعن دون الالتزام بأحكام الفقرة السابقة فللنائب العام وحده سواء من تلقاء نفسه أو بناء على طلب ذوي الشأن أن يطلب من محكمة النقض عرض الأمر على الهيئة العامة للمواد الجنائية للنظر في هذا الحكم، فإذا تبين للهيئة مخالفة الحكم المعروض لمبدأ قانوني من المبادئ المستقرة التي قررتها محكمة النقض ألغته وحكمت مجدداً في الطعن، وإذا رأت الهيئة إقرار الحكم قضت بعدم قبول الطلب، ويجب أن يرفع الطلب من النائب العام خلال ستين يوماً من تاريخ الحكم مشفوعاً بمذكره بالأسباب موقع عليها من محام عام على الأقل …”.

والمستفاد من النص المتقدم أن المشرع رغبة منه في تخفيف العبء عن محكمة النقض وسرعة الفصل فيما هو معروض أمامها من طعون فقد ارتأى نقل الاختصاص بنظر الطعون في أحكام الجنح المستأنفة من محكمة النقض إلى دوائر معينة بمحاكم الجنايات بمحكمة استئناف القاهرة على أن تسري على هذه الطعون ذات الأحكام المتعلقة بالطعن بالنقض والتي تختص بنظرها محكمة النقض.

كما قضى بوجوب التزام المحاكم المشار إليها في أحكامها بالمبادئ المستقرة في قضاء محكمة النقض، فإن رأت هذه المحاكم العدول عن مبدأ مستقر وجب عليها إحالة الدعوى مشفوعة بالأسباب إلى رئيس محكمة النقض وذلك لإحالة الدعوى إلى الهيئة العامة للمواد الجنائية حسب نص المادة (٤) من قانون السلطة القضائية.

وفي حالة الفصل في الطعن بالمخالفة للمبادئ المستقرة في قضاء محكمة النقض فقد خول المشرع النائب العام وحده – من تلقاء نفسه أو بناء على طلب ذوي الشأن أن يطلب من محكمة النقض عرض أمر هذا الحكم على الهيئة العامة للمواد الجنائية للنظر فيه فإن تبين لها مخالفته لمبادئ النقض ألغته وحكمت مجدداً في الطعن وإن رأت إقرار الحكم فإنها تقضي بعدم قبول طلب النائب العام.

ومن حيث إنه طبقاً للنص المتقدم فإن النائب العام يملك سلطة تقدير مدى جدية ما يقدم إليه من طلبات ذوي الشأن المتعلقة بعرض أمر الأحكام الصادرة في طعون نقض الجنح على محكمة النقض، وبناء على هذه السلطة فإن النائب العام وإن كان يملك رفض الطلبات غير الجدية إلا أن قراره في هذا الشأن يتعين أن يقوم على أساس من أسباب قانونية وواقعية لها وجود موضوعي، وتكون في نفس الوقت مبررة للقرار الذي يتخذه والذي يجب أن يستهدف الصالح العام الذي من أجله منح المشرع النائب العام هذا الاختصاص.

ومن حيث إنه متى كان ذلك وكان البادي من ظاهر الأوراق أن المدعي كان قد تقدم خلال المواعيد القانونية المقررة إلى النائب العام بطلب لعرض أمر الحكم الصادر في الطعن رقم ۲۸۸۰۲ لسنة ۷۷ق على محكمة النقض لعرضه على الهيئة العامة للمواد الجنائية للنظر في أمر مخالفته للعديد من الأحكام والمبادئ التي استقرت عليها محكمة النقض وذلك على النحو الذي أورده تفصيلاً في دعواه المطروحة ولم تنكره جهة الإدارة أو ترد عليه، ومن ثم فإنه يكون قد نشأ للمدعي حق في عرض طلبه على محكمة النقض طبقاً لما تقضي به المادة (۳٦) مكرراً من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام النقض، وبالتالي يكون رفض النائب العام عرض طلب المدعي في هذه الحالة قد صدر – حسب الظاهر من الأوراق بالمخالفة للقانون – حيث لم يخول النائب العام سلطة حجب الطلبات التي تقوم على أسباب جدية عن محكمة النقض وألا ترتب على ذلك إهدار للمصلحة العامة التي تستوجب إرساء المبادئ القانونية الصحيحة والمستقر عليها.
ومن حيث إنه لما سبق يتوافر ركن الجدية في طلب وقف التنفيذ.

أما عن ركن الاستعجال فإنه متوافر بدوره لما يترتب على الاستمرار في تنفيذ القرار المطعون فيه من نتائج يتعذر تداركها تتمثل في تحصن الحكم المراد عرضة على محكمة النقض رغم ما يمكن أن يكون قد تضمنه من مخالفة لمبادئ قانونية مستقرة بالإضافة إلى حرمان المدعي من حق كفله القانون يمكن له بموجبه تقديم أوجه دفاع لإثبات براءته.

ومن حيث إنه وقد توافر لطلب وقف التنفيذ ركني الجدية والاستعجال فإن المحكمة تقضي بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه وتأمر بتنفيذ الحكم بمسودته وبدون إعلان عملاً بنص المادة (۲۸٦) من قانون المرافعات وبإلزام جهة الإدارة مصروفات هذا الطلب.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة :

أولاً : برفض الدفع بعدم اختصاصها ولائياً بنظر الدعوى وباختصاصها.
وثانياً : عدم قبول طلب التدخل وألزمت المتدخل مصروفات تدخله.
وثالثاً : بقبول الدعوى شكلاً وبوقف تنفيذ القرار المطعون فيه برفض طلب المدعي عرض أمر الحكم الصادر عن الدائرة الجنائية الثانية بمحكمة استئناف القاهرة المشار إليه على محكمة النقض وما يترتب على ذلك من آثار، وأمرت بتنفيذ الحكم الصادر في هذا الشق بمسودته وبدون إعلان وألزمت جهة الإدارة مصروفات هذا الطلب وبإحالة الدعوى في الشق الموضوعي إلى هيئة مفوضي الدولة لإعداد تقرير بالرأي القانوني في طلب الإلغاء.

سكرتير المحكمة رئيس المحكمة