رأيى الشخصى 

مجمع 

الولاية على الأم
قال الشافعي – رحمه الله – : ولا يزوج المرأة ابنها إلا أن يكون عصبة لها ” .

قال الماوردي : وهذا كما قال : لا ولاية للابن على أمه ، وليس له أن يزوجها بالبنوة .

وقال مالك ، وأبو حنيفة ، وصاحبه ، وأحمد ، وإسحاق : يجوز للابن أن يزوج أمه ، واختلفوا في ترتيبه مع الأب .

فقال مالك ، وأبو يوسف ، وإسحاق : الابن أولى بنكاحها من الأب .

وقال أحمد بن حنبل ، ومحمد بن الحسن : الأب أولى ، ثم الابن .

وقال أبو حنيفة : هما سواء ، وليس أحدهما بأولى من الآخر ، فأيهما زوجها جاز .

واستدلوا جميعا على ثبوت ولاية الابن عليها : بأن النبي صلى الله عليه وسلم لما خطب أم سلمة قالت : يا رسول الله ما لي ولي حاضر ، فقال ما لك ولي حاضر ولا غائب لا يرضاني . ثم قال لابنها عمر بن أبي سلمة : ” قم يا غلام فزوج أمك ” . فهذا نص .

قالوا : وقد روي أن أنس بن مالك زوج أمه أم سليم من عمه أبي طلحة ، فلم ينكره رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولأن ابن المرأة عصبة لها ، فجاز أن يكون وليا في نكاحها كالأب ، ولأن تعصيب الابن أقوى من تعصيب الأب : لأنهما إذا اجتمعا سقط بالابن تعصيب الأب ، وصار معه ذا فرض فاقتضى أن يكون أولى بتزويجها من الأب ، ولأن الولي إنما يراد لحفظ المنكوحة من تزويج من لا يكافئها فيدخل العار على أهلها ، والابن رافع للعار عنها وعن نفسه من سائر الأولياء لكثرة أنفته وعظم حميته ، فكان أحق بنكاحها .

ودليلنا : هو أن كل نسب لا يملك به أبو المنتسب الولاية لم يملك به المنتسب بالولاية كالأخ من الأم طردا أو كالأخ من الأب عكسا ، ولأن كل ذي نسب أدلى بمن لا يملك الإجبار على النكاح لم يكن وليا في النكاح كابن الأخت طردا ، وكابن الأخ عكسا ، ولأن من لم يجمعهما نسب لم يثبت بينهما ولاية النسب كالابن من الرضاع .

فإن قيل : فالابن مناسب والمرتضع غير مناسب قيل الابن غير مناسب لأمه : لأن يرجع [ ص: 95 ] بنسبه إلى أبيه لا إليها ، ألا ترى أن ابن العربية من النبطي نبطي ، وابن النبطية من العربي عربي ، ولأن ولي الأختين المتناسبتين واحد وولاية الأخوين المتناسبين واحدة ، فلما لم يملك الابن تزويج خالته لم يملك تزويج أمه ، ولما لم يملك أخوه لأبيه تزويج أمه لم يملك هو تزويج أمه .

ويتحرر من هذا الاعتلال : قياسان :

أحدهما : أن من لم يملك تزويج امرأة لم يملك تزويج أختها المناسبة لها قياسا على ابن البنت طردا ، وعلى ابن العم عكسا .

والثاني : أنها امرأة لا يملك أخوه المناسب له تزويجها فلم يملك هو تزويجها ، كالخالة طردا وكالعمة عكسا ، ولأن كل موضع الولاية بالنسب أن يكون على الولد فلم يجز أن يصير للولد قياسا على ولاية المال ، ولأن ولايته على نكاحها لا يخلو أن يكون دلاؤه بها أو بأبيه ، فلم يجز أن يكون دلاؤه بأبيه : لأن أباه أجنبي منها ولم يجز أن تكون دلاؤه بها لأنه لا ولاية لها على نفسها ، فأولى أن يكون لها ولاية لمن أدلى بها ، وإذا بطل الإدلاء بالسببين بطلت الولاية .

فإن قيل : فغير منكر أن يكون لمن أدلى بها من ولاية النكاح ما ليس لها كالأب يزوج أمة بنته إدلاء بها ، وليس للبنت تزويجها .

قيل : لم يزوجها الأب إدلاء بالبنت لأن الإدلاء إنما يكون من الأسفل إلى الأعلى ، ولا يكون من الأعلى بالأسفل ، وإنما زوجها : لأنه لما كان وليا على بنته فأولى أن يكون وليا على أمة بنته : لأن الولاية إذا أثبتت على الأقوى ، فأولى أن تثبت على الأضعف .

فأما الجواب عن تزويج أم سلمة فمن ثلاثة أوجه :

أحدها : أن ابنها زوجها : لأنه كان مع البنوة مناسبا لها : لأن عمر بن أبي سلمة بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم ، فكان من بني عمها يجتمعان في عبد الله بن عمر بن مخزوم .

قال أحمد بن حنبل : فكان أقرب عصباتها الحاضرين ، فزوجها بتعصيب النسب لا بالبنوة .

والجواب الثاني : أن قوله صلى الله عليه وسلم : قم فزوج أمك أي فجئني بمن يزوج أمك لأمرين : أحدهما : أن أم سلمة قالت : يا رسول الله ما لي ولي حاضر فأقرها على هذا القول فدل على أنه لم يكن وليا .

والثاني : أنه كان غير بالغ ، قيل : إنه كان ابن ست سنين وقيل ابن سبع سنين ، فدل بهذين الأمرين على أن أمره بالتزويج إنما كان أمرا بإحضار من يتولى التزويج .

والجواب الثالث : أن النبي صلى الله عليه وسلم مخصوص في مناكحه بأن يتزوج بغير ولي فأمر ابنها [ ص: 96 ] بذلك : استطابة لنفسه لا تصحيحا للعقد على أن راوي هذا اللفظ إنما هو ثابت عن عمر بن أبي سلمة وثابت لم يلق عمر فكان منقطعا .

وأما أنس بن مالك فكان من عصبات أمه فزوجها بتعصيب النسب لا بالبنوة .

وأما الجواب عن قياسه بأنه عصبة كالأب فهو أن الابن عصبة في الميراث ليس بعصبة في ولاية النكاح : لأن ولاية النكاح يستحقها من علا من العصبات ، والميراث يستحقه من علا وسفل من العصبات ، ثم المعنى في الأب لما كان أبوه – وهو الجد – وليا لها كان الأب وليا ، ولما كان أبو الابن – وهو الزوج – غير ولي لها لم يكن الابن وليا .

وأما الجواب عن استدلالهم بأن تعصيب الابن أقوى من تعصيب الأب ، فهو أنه أقوى منه في الميراث باستحقاق الولاية في النكاح ، لا في ولاية النكاح ، ولا يجوز أن تعتبر قوة التعصيب في الميراث : لأن الصغير والمجنون من الأبناء يسقط في الميراث تعصيب الآباء ، وإن خرج من ولاية النكاح عن حكم الأب .

وأما الجواب عن استدلالهم بأنه أعظم حمية وأكثر أنفة في منعها من غير الأكفاء ، فهذا المعنى هو الذي أبطل ولايته به وبه استدل الشافعي ، فقال : ” لأنه يرى نكاحها عارا ” يعني أنه يدفع عن تزويجها ويراه عارا ، فهو لا يطلب الحظ لها في نكاح كفئها ، والولي مندوب لطلب الحظ لها ، فلذلك خرج الابن عن معنى الأولياء .
الولايه على الإخوة
أولاً:

الولاية هي قيام شخص كبير ، راشد ، على شئون قاصر ، الشخصية منها ، والمالية ، فهي على هذا نوعان :

الأولى : ولاية على النفس .

والثانية : ولاية على المال .

والولاية على النفس تشمل : شؤون التربية ، والتعليم ، والتطبيب ، والتزويج ، والأنوثة هي أحد أسباب هذه الولاية .

ففي ” الموسوعة الفقهية ” ( 45 / 168 ) :

الولاية على النفس عند الفقهاء : سلطة على شؤون القاصر ، ونحوه ، المتعلقة بشخصه ، ونفسه ، كالتزويج ، والتعليم ، والتطبيب ، والتشغيل ، ونحو ذلك ، تقتضي تنفيذ القول عليه شاء أم أبى .

وعلى ذلك قرر الفقهاء أن أسباب الولاية على النفس ثلاثة : الصغر ، والجنون – ويلحق به العته – ، والأنوثة .

انتهى

وقولهم في التعريف ” شاء أم أبى ” مع اشتمال الولاية للتزويج ” هو باعتبار قول جمهور الفقهاء أنه يجوز للولي أن يجبر موليته على الزواج بمن شاء ، وهذا قول ضعيف ، وانظر جواب السؤال رقم : ( 47439 ) .

وقد فرَّق العلماء بين الولاية على الذكر ، وعلى الأنثى ، فقال جمهورهم باستمرار ولاية أهلها عليها ، ووجوب العناية بها ، حتى بعد بلوغها ، وبعد زواجها .

وفي ” الموسوعة الفقهية ” ( 8 / 204 ، 205 ) باختصار :

عند الحنفيّة : تنتهي ولاية الأب على الأنثى إذا كانت مسنّةً ، واجتمع لها رأي ، فتسكن حيث أحبّت حيث لا خوف عليها ، وإن ثيّباً لا يضمّها إلاّ إذا لم تكن مأمونةً على نفسها ، فللأب والجدّ الضّمّ ، لا لغيرهما كما في الابتداء .

وعند المالكيّة : … ، وبالنّسبة للأنثى : فتستمرّ الحضانة عليها ، والولاية على النّفس حتّى تتزوّج ، ويدخل بها الزّوج .

وعند الشّافعيّة : تنتهي الولاية على الصّغير – ذكراً كان أو أنثى – بمجرّد بلوغه .

وعند الحنابلة : … ، وإن كانت أنثى : لم يكن لها الانفراد ، ولأبيها منعها منه ، لأنّه لا يؤمن أن يدخل عليها من يفسدها ، ويلحق العار بها وبأهلها ، وإن لم يكن لها أب : فلوليّها وأهلها منعها من ذلك .

انتهى

هذه أقوال المذاهب في وقت انتهاء مسئولية الأهل عن أولادهم ، وكلمة العلماء تكاد تكون متفقة على أن مسئولية الأهل على ابنتهم تستمر حتى لو بلغت ، ومنهم من جعل زواجها نهاية تلك المسئولية ؛ وذلك من أجل وجود مسئول آخر عنها ، ومنهم من اشترط كونها في مكانٍ آمن لا خوف عليها فيه .

ثانياً:

لا خلاف بين فقهاء المذاهب الأربعة أن الأخ الكبير هو الولي على أنفس أخواته بعد وفاة أبيه وجده ، وهم قد اختلفوا في ترتيب الأولياء ، لكنهم لم يختلفوا فيما لو أنه لم يكن لها أب ، أو جد ، أو ابن ، أو وصي من أب : أنه يكون أخوها الشقيق وليّاً لها .

وولاية النفس على الأنثى تشمل التزويج ، والراجح من أقوال العلماء أنه لا يجوز لولي الأنثى أن يزوجها إذا كانت بالغة إلا بإذنها ، كما سبق .

وأما الأمر الثاني : وهو الولاية على المال فتعني : الإشراف على شئون القاصر المالية ، من حفظ المال ، وإنشاء العقود ، وسائر التصرفات المتعلِّقَة بالمال ، وهي تختص بالصغار من الذكور والإناث ، وبمن ليس أهلاً للتصرف بالمال ، كمجنون ، ومعتوه ، فإن بلغت الأخت – أو الأخ – سن التكليف ، وكانت رشيدة تحسن التصرف بالمال : فيُدفع مالها إليها ؛ لقوله تعالى ( وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافاً وَبِدَاراً أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً ) النساء/ 6 .

ولا يجوز للأخ أن يأخذ منه شيئاً إلا بطيب نفْسٍ منها .

ويشترط في الولي الذي يكون قيِّما على تلك النفوس ، والأموال : البلوغ ، والعقل ، فلا تصلح الولاية لصغير ، ولا لمجنون .

وللتنبيه : فإن ولاية النفس تنتقل من الأب إلى الجد ، ثم إلى الأخ ، ولكن ولاية المال لا تعلق لها بالخلاف في ترتيب الأولياء :

فهي عند الحنفية : للأب ، ثم لوصيه ، ثم للجد – أبي الأب – ، ثم لوصيه ، ثم للقاضي ، فوصيه .

وعند المالكية والحنابلة : أنها تثبت للأب ، ثم لوصيِّه ، ثم للقاضي أو من يقيمه .

وهي عند الشافعية : للأب ، ثم للجد ، ثم لوصي الباقي منهما ، ثم للقاضي أو من يقيمه .

والقول الرابع : أنّ الولاية على المال تثبت للأم بعد الأب والجد ، ثمّ تكون للأقرب من العصبات بالنفس ، وهو رواية عن أحمد ، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية – كما في ” الإنصاف ” ( 5 / 324 ) – ورجحه الشيخ العثيمين .

قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله – :

فالمؤلف – أي : الشيخ موسى الحجاوي – يقول : إن الجدَّ ليس وليّاً ، والأخ الكبير ليس وليّاً ، والعم ليس وليّاً ، والأم ليست ولية ، فتنتقل الولاية من الأب مباشرة إذا لم يكن وصي إلى الحاكم ، وهذا لا شك فيه نظر ؛ لأن أولى الناس بهم : جدهم ، أو أخوهم الكبير ، أو عمهم ،

والقول الثاني في المسألة : أن الولاية تكون لأوْلى الناس به ، ولو كانت الأم ، إذا كانت رشيدة ؛ لأن المقصود حماية هذا الطفل الصغير ، أو حماية المجنون ، أو السفيه ، فإذا وجد من يقوم بهذه الحماية من أقاربه : فهو أولى من غيره ، وهذا هو الحق – إن شاء الله تعالى – ، وعليه : فالجد ، أو الأب : يكون وليّاً لأولاد ابنه ، والأخ الشقيق وليّاً لأخيه الصغير ، والأم إذا عدم العصبة : تكون ولية لابنها ، نعم ، إذا قدر أن أقاربه ليس فيهم الشفقة ، والحب ، والعطف : فحينئذٍ نلجأ إلى الحاكم ليولِّي من هو أولى .

” الشرح الممتع على زاد المستقنع ” ( 9 / 305 ، 306 ) باختصار .

ثالثاً:

أما بخصوص السؤال عن تزويج أحد من الصحابة رضي الله عنهم لأخته : فقد ثبت ذلك عن معقل بن يسار رضي الله عنه ، وكان زوَّج أخته ، فطلقها زوجها ولم يراجعها حتى انقضت عدتها ، ثم جاء ليخطبها من أخيها معقل فأبى ، فأنزل الله فيه قوله ( وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ )البقرة/ 232.

عَنْ الْحَسَنِ قَالَ : حَدَّثَنِي مَعْقِلُ بْنُ يَسَارٍ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِيهِ قَالَ زَوَّجْتُ أُخْتًا لِي مِنْ رَجُلٍ فَطَلَّقَهَا حَتَّى إِذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا جَاءَ يَخْطُبُهَا فَقُلْتُ لَهُ : زَوَّجْتُكَ ، وَفَرَشْتُكَ ، وَأَكْرَمْتُكَ ، فَطَلَّقْتَهَا ثُمَّ جِئْتَ تَخْطُبُهَا ؟! لَا وَاللَّهِ لَا تَعُودُ إِلَيْكَ أَبَدًا ، وَكَانَ رَجُلًا لَا بَأْسَ بِهِ ، وَكَانَتْ الْمَرْأَةُ تُرِيدُ أَنْ تَرْجِعَ إِلَيْهِ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ ( فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ ) فَقُلْتُ : الْآنَ أَفْعَلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : فَزَوَّجَهَا إِيَّاه . رواه البخاري ( 4837 ) .

قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله – :

وهي أصرح دليل على اعتبار الولي ، وإلا لما كان لعضله معنى ، ولأنها لو كان لها أن تزوِّج نفسها : لم تحتج إلى أخيها ، ومن كان أمره إليه لا يقال إن غيره منعه منه ، وذكر ابن المنذر أنه لا يعرف عن أحد من الصحابة خلاف ذلك .

” فتح الباري ” ( 9 / 187 ) .

رابعاً:

وليس للمرأة أن تزوج نفسها ، بل لا بدَّ أن يزوجها وليها ، وإلا كان عقد زواجها باطلاً ، وهو مذهب جمهور العلماء ، بل لا يُعرف بين الصحابة في المسألة خلاف ، وقد سبق قبل قليل ذكر كلام الحافظ ابن حجر في اشتراط الولي .