نظام التحكيم

بقلم : ممدوح علي الهذيلي

مستشار قانوني

التحكيم وسيلة من الوسائل المدنية الاكثر تطورا لحل الخلافات وذلك لما يتميز به من سرعة في التقاضي وايضا في التنفيذ مما يميزه عن القضاء الذي ابطئت سرعته الكم الكبير من القضايا وقلة اعضاء السلك القضائي. لذلك تجنب كثير من الناس مما تهيئت لهم الظروف طريق القضاء واختارو اما الصلح وما يرتبه من تنازل عن جزء من حقوقهم واما التحكيم والذي سنعرض لبعض من ايجابياته وسلبياته في هذه المقال.

لمحة تاريخية

اختلفت الروايات في ظهور التحكيم ولعل من اقرب الاقوال الى الصحة القول الذي يرى ان التحكيم ظهر وانتشر في العصر الفرعوني وذلك للنهضة الحضارية والاقتصادية والسياسية التي واكبت هذا العصر فانعكست على انظمة وقوانين الحياة في تلك الحقبة الزمنية فكان في ايجاد وسيلة لحل الخلافات وتطويرها هدف لااولائك البشر . بينما يوجد قول اخر يرى بأن التحكيم يرجع الى العصر الروماني والاغريقي فيما يرى اخرون بان التحكيم هو نظام حديث وعصري.

ماهو التحكيم ؟

يعرف القانون التحكيم بأنه أسلوب اتفاقي لحل النزاع بدلاً من القضاء سواءأكانت الجهة التي ستتولى إجراءات التحكيم بمقتضى اتفاق الطرفين منظمة أم مركزاًللتحكيم أم لم تكن كذلك وتشكل هيئة التحكيم من محكم واحد أو أكثر للفصل في النزاعالمحال للتحكيم وفقاً لشروط اتفاق التحكيم .

التحكيم في القران الكريم

جاء ذكر التحكيم في كتاب الله في اكثر من موضوع ومن تلك المواضع حادثة غنم القوم مما يدل على مشروعية التحكيم وقد حكم فيها داودوسليمان عليهما السلام بالتعويض لصاحب الزرع الذي تضرر من نفش الغنم فيه، حيث قال الله سبحانه: (وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِيالْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ) [الأنبياء:78)

وخلاصة القصة: أن غنماً لرجل رعت ليلاً في زرع آخر فأتلفته، فاحتكما إلى داود عليهالسلام، فقضى بتسليم الغنم إلى صاحب الزرع تعويضاً له عما لحقه من ضرر، وجبراًللنقص الذي أصابه.
وحكم سليمان عليه السلام بأن تدفع الغنم إلى صاحب الحرث،فينتفع بألبانها وسمونها وأصوافها، ويدفعالحرث إلى صاحب الغنم ليقوم عليه، فإذاعاد الزرع إلى حاله التي أصابته الغنم فيها في السنة المقبلة رد كل واحد منهماالمال إلى صاحبه، فأعجب داود عليه السلام بحكم سليمان عليه السلام وأنفذه. انظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (11/307)

التحكيم في سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم

“حادثة وضع الحجر الاسود”

تولى الرسول صلى الله عليه وسلم التحكيم في كثير من المواضع منها قبل الرسالة ومن ذلك حكمه في النزاع الذي نشب بين قريش عندما قررت هدم الكعبة واعادة بنائها فوقع النزاع فيمن يتشرف بوضع الحجر الاسود في مكانه. وتنافست القبائل في هذا المضمار، كل يبغي الصدارة فيه والذهاببفخره، ولكنهم عندما بلغوا موضع الركن، حيث يوضع الحجر الأسود، اختصموا، حيثكانت كل قبيلة تريد أن ترفعه إلى موضعه دون الأخرى، فانحاز كل رجل إلى قبيلته،وتأهب الجميع للقتال، وظل الأمر على ذلك أربع ليال، وحينذاك تقدم أبو أمية بنالمغيرة المخزومي واقترح على المتطاحنين أن يحكّموا فيما شجر بينهم أول داخل من بابالصفا، فأقروا رأيه، وراحوا ينتظرون أول داخل، فكان محمَّد(ص)، فلما رأوه هتفوا: “هذا الأمين، ارتضيناه حكماً”. وطلب محمَّد(ص) ثوباً، فأخذ الحجر فوضعه فيه، ثمنادى رؤساء القبائل المتنازعين، فأمسكوا جميعاً بأطراف الثوب حتى إذا بلغوا بهموضعه، وضعه في مكانه العتيد

حادثة الاناء:

كما دلت السنة المطهرة على التحكيم ، فقد اخرجح البخاري وغيره عن أنسرضي الله عنه قال: أهدت بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم إليه طعاماً في قصعة،فضربت عائشة القصعة بيدها فكسرتها، وألقت ما فيها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “طعام بطعام، وإناء بإناء”، وفي لفظ: فقالت عائشة: يا رسول الله ما كفارته؟ فقالالرسول صلى الله عليه وسلم: “إناء كإناء، وطعام كطعام.

التحكيم الدولي :

كان التحكيم هو الفيصل في انهاء كثير من الخلافات التي نشأت بين الدول وكانت تتعلق بحدود كل دولة ونذكر هنا من الامثلة واقعة التحكيم بين مصر واسرائيل حيث استطاعت مصر استعادة جزء كبير من سينا بعد اعوام عديدة من الاحتلال الاسرائيلي لها. وايضا واقعة التحكيم بين اليمن وارتريا حيث استطاعت اليمن استرجاع بعض الجزر في البحر الاحمر والتي كانت تطالب بها ارتيريا.

مزايا التحكيم

1 – سرعة البت في الخلاف.

2 – الاصل في العقود ان يحكم قانون محل العقد اي الدولة التي تم توقيع او تنفيذ العقد بها لكن التحكيم يعطي لاطراف العقد حرية تحديد القانون الذي يجب على هيئة التحكيم تطبيقهعلى موضوع النزاع وإذا اتفق طرفاً التحكيم على إخضاع العلاقة القانونية بينهمالأحكام عقد نموذجي أو اتفاقية دولية أو أي وثيقة أخرى وجب العمل بما تشمله هذهالوثيقة من أحكام خاصة بالتحكيم.

3 – استقلالية شرط التحكيم عن شروط العقد الأخرى حيث لا يترتب على انتهاء العقد أو بطلانه أو فسخه أوانهائه أي أثر على شرط التحكيم متى كان هذا الشرط صحيحاً في ذاته ما لم يتفقالطرفان على غير ذلك .

4 – يمكن الاتفاق على التحكيم بصورة لاحقة لقيام النزاع ولو كانهذا النزاع معروضاً على القضاء للفصل فيه ويحدد في هذه الحالة الاتفاق المسائل التييشملها التحكيم وإلا كان الاتفاق باطلاً.

5 – لايتطلب التحكيم توكيل محامين للترافع امام لجنة التحكيم الامر الذي يويد الفقرة (3) من عيوب التحكيم.

6 – قرار التحكيم نهائي بمعنى ليس هناك تمييز او تظلم ضد الحكم الصادر من لجنة التحكيم.

عيوب التحكيم :

1- لابد من موافقة الطرفين مسبقا على اختيار التحكيم اولا كوسيلة وثانيا اختيار المحكمين وثالثا تنفيذ الحكم.

2- تكلفته المالية العالية وخاصة في الامور التجارية حيث غالبا ما يتقاضى المحكم نسبة من قيمة القضية.

3- عدم ثقة الخصم في محكم الخصم الاخر والذي غالبا ما يأخذ دور المحامي له ، ولذا تجد انه يلجى الى اختيار محكم ثالث مرجح يتم اختياره من قبل المحكمين ممايزيد التكلفة.

4- يتطلب لتنفيذه عند عدم استجابة احد الطرفين لتنفيذ حكم المحكمين الالتجاء الى القضاء لنفيذ الحكم .

5- ان التحكيم اصبح مهنة يتكسب من ورائها دون الانتباه الى التحذير الصادر من رسول صلى الله صلى الله عليه وسلم بقوله “قاضيان في النار وقاضي في الجنة ” ، والتحكيم نوع من القضاء .

نظام التحكيم السعودي :

صدرت الموافقة بأعتماد العمل بنظام التحكيم كوسيلة نظامية مقبولة ومنتجة لاثارها وذلك بالمرسوم الملكي رقم م /46 وتاريخ 12/7/1403 هـ متضمنن على 25 مادة من اهم ما تضمنته ما يلي :

· العلاقات التي يجوز / لايجوز الخضوع فيها للتحيكم :

يوجد عدد من الحالات التي لا يجوز الاتفاق على اخضاعها للتحكيم وفي العادة يحدد القانون هذه الحالات ولذا لابد قبل الاتفاق على اخضاع العلاقة الناشئة للتحكيم من معرفة موقف قانون محل العقد ان كان يجيز اخضاع مثل هذه العلاقة الى الاتفاق على التحكيم ام لا سواء أكانالاتفاق مستقلاً بذاته أم إذا ورد كاحد بنود العقد. وقد حصر نظام التحكيم السعودي الحالات التي لا يجوز اخضاعها للتحكيم في الحالات التالية :

أ -المسائل التي لا يجوز فيها الصلح ( كالحدود واللعان بين الزوجين وكل ما هو متعلق بالنظام العام )، ب العلاقات التي احد اطرافها جهة حكومية ( الا بموافقة رئيس مجلس الوزراء)، ج – او الفصر ” الشخص الذي لم يبلغ سن الرشد” ،

· الشروط الواجب توافرها في المحكم :

تعتبر مهنة التحكيم من المهن الهامة التي اولها المنظم عناية خاصة واشترط توافر عدد من الشروط في الشخص الراغب في ان يكون محكما حتى يصرح له بممارسة التحكيم وذلك لكون التحكيم شقيق لمهنة القضاء ورافد لها ومخفف من الاعباء الملقاه عليها وهذه الشروط تتمثل في: أ – ان يكون من ذوي الخبرة في النزاع القائم ، ب – ان يكون كامل الاهلية ج – حسن السيرة والسلوك .

· اجراءات التحكيم :

الزم النظام اطراف العلاقة اتخاذ عدد من الاجراءات عند الاتفاق على التحكيم كوسيلة لحل الخلاف تبدا باختيار كل طرف محكم وتحديد اتعابه ومن ثم يقوم المحكمان باختيار محكم ثالث . ثم يقوم الاطراف بايداع وثيقة التحكيم لدى الجهة القضائية او الرسمية المختصة اصلا بظر الخلاف . فمثلا اذا كانت الجهة المختصة اصلا بنظر الخلاف هي ديوان المظالم فتودع نسخة من وثيقة التحكيم لديه. وتصدر بعد ذلك تلك الجهة قرار بأعتماد وثيقة التحكيم وهذه الاجراءات تتضح فائدتها عند تنفيذ الحكم من ثلاث جهات :

الاولى : التأكد من الالتزام بأحكام هذا النظام في كل مايتعلق بلجنة التحكيم وقرارها.

الثانية :تصديق الجهة على صحة قرار التحكيم ،

والثالثة : تنفيذ الحكم عند امتناع احد الاطراف في تنفيذ قرار التحكيم.

· وثيقة التحكيم :

هي وثيقة تصدر من الجهة المختصة اصلا بنظر النزاع واللتي تقوم باصدار هذه الوثيقة بناء على طلب اطراف العلاقة الذي ارتضوا بالتحكيم وسيلة لحل النزاع القائم بينهم . واشترط النظام ان تتضمن هذه الوثيقة بيانات واجراءات التحكيم .

ومن هذه البيانات تحديد موضوع النزاع ، واسماء الخصوم ، واسماء المحكمين ، وقبولهم نظر النزاع ، مع ارفاق مستندات النزاع .كما تتضمن هذه الوثيقة تحديد مهلة زمنية لصدور الحكم فان لم يكن هناك تحديد وجب على اعضاء لجنة التحكيم ان يصدرو قرارهم خلال فترة اقصاها 90 يوما من تاريخ صدور الوثيقة.

· صلاحيات الجهة المختصة اصلا بنظر النزاع

حدد النظام صلاحيات الجهة المخولة اصلا بنظر النزاع ومنها :

– تعيين من يلزم من المحكمين وذلك بناء على طلب من يهمه التعجيل من الخصوم ويكون ذلك بحضور الخصم الآخر أو في غيبته بعد دعوته إلى جلسة تعقد لهذا الغرض وذلك في حالة إذا لم يعين الخصوم المحكمين أو امتنع أحد الطرفين عن تعيين المحكم أو المحكمين أو امتنع واحد أو أكثر من المحكمين عن العمل أو اعتزله أو قام به مانع من مباشرة التحكيم أوعزل عنه.

– رد المحكم أي عزله وشروط رد المحكم هي نفسها الشروط المطلوبة لرد القاضي ، ويتحقق ذلك بطلب من الخصوم او بأحدا منهم.

– تعيين محكم بدلا عن المحكم المعزول.

– تمديد مدة الحكم في حالة وفاة احد الخصوم .

– اصدار وثيقة التحكيم.

· قرار التحكيم

حتى يكون قرار التحكيم صحيحا ومنتجا لاثاره اشترط نظام التحكيم توافر الشروط التالية :

1- ان يصدر باغلبية المحكمين اذا كان التحكيم يتكون من اكثر من محكم .

2- ان يكون مسببا بمعنى ان تذكر الاسباب التي قام عليها الحكم .

3- ان يكون مؤرخ بتاريخ صدوره .

4- ان يوقع عليه من قبل المحكمين .

5- ان يودع لدى الجهة المخولة اصلا بنظر النزاع خلال (5) ايام من تاريخ صدوره.

· الاعتراض على الحكم :

كفل نظام التحكيم حق الاعتراض من اي من اطراف الدعوى على الحكم الصادر من المحكمين وذلك امام الجهة المخولة ابتداء بنظر النزاع وذلك خلال فترة خمسة عشر يوما حيث يصبح الحكم بمضي تلك الفترة نهائي وغير قابل للنقض . واما في تقديم الاعتراض خلال المهلة النظامية فتصدر الجهة قرارها اما برفض الاعتراض وتنفيذ الحكم واما بقبول الاعتراض ونقض الحكم .

خاتمة :

عزيزي القاري حينما تجد نفسك بين طريقين اما القضاء واما التحكيم فانا انصحك باختيار الطريق الثاني حتى وانا كنت ستخسر شي من المال كاتعاب المحكمين فانك ستوفر على نفسك جهدك وصحتك وعمرك .

إعادة نشر بواسطة محاماة نت