المعادلة الصعبة في قضايا المرأة

محمد بن عبدالله السهلي
المرأة والمحاكم الشرعية وقضايا الأحوال الشخصية في المملكة مثلث غير متطابق الاضلاع وإن شئت فقل معادلة صعبة الحل، ونقول ذلك كون اغلب قضايا المرأة في المحاكم السعودية هي قضايا أحوال شخصية (طلاق – خلع – عنف أسري – نفقة – حضانة.. الخ) ولوجود معوقات تحول بين المرأة وبين حصولها على حقوقها الشرعية.

فما هي أبرز هذه المعوقات وكيف يمكن التغلب عليها.

تختص المحاكم العامة في المملكة الآن – وقبل تطبيق الترتيبات التنظيمية الجديدة لأجهزة القضاء – بالنظر في كافة قضايا الأحوال الشخصية بجانب اختصاصاتها الأخرى المدنية والجنائية. ونظراً لعدم تقنين أحكام الأحوال الشخصية في المملكة فإن القاضي يطبق على القضايا المرفوعة أمامه إما نصوص القرآن الكريم والسنة المطهرة المباشرة أو اجتهادات الأئمة والفقهاء الواردة في الكتب الفقهية المشهورة. ومن هذا التوضيح ننطلق في محاولتنا توضيح أبرز المعوقات في سبيل حصول المرأة على حقوقها الشرعية في قضايا الأحوال الشخصية والمستمدة من الشريعة الإسلامية الغراء على اعتبار ان النساء شقائق الرجال وكلاهما يكمل الآخر، فهما شريكان في الحقوق والواجبات. وفي المحاكم العامة ووفقاً لنظام المرافعات الشرعية المرأة كالرجل امام القضاء فلها حق رفع الدعوى والمرافعة سواء كانت مدعية أو مدعى عليها، ولها توكيل محام او وكيل ليتولى الدعوى نيابة عنها، والقضاة لدينا لا يمنعون المرأة من الحضور والترافع، وللمرأة كل الحقوق والضمانات المنصوص عليها في نظام المرافعات الشرعية. ورغم ذلك فهناك معوقات عملية تقف ضد حصول المرأة على حقوقها، سواء قبل اللجوء إلى القضاء أم بعده، ومن ابرز هذه المعوقات عدم وجود مدونات نظامية تبين حقوق المرأة وواجباتها في مسائل الاحوال الشخصية.

فتوعية المرأة بحقوقها وواجباتها لا يمكن ان تتم في ظل استمرار القضاة باستنباط الاحكام القضائية من كتب فقهاء السلف، فهي كتب في غاية النفع للمتخصصين في الفقه الإسلامي ولكنها غير ذلك للعامة حيث ان مواضيعها غالباً غير معنونة وغير منظمة أو مقسمة بشكل واضح، وتعالج احياناً قضايا عصرهم، اضف الى ذلك ان عبارات وصياغة هذه المؤلفات صعبة الفهم على العامة، بخلاف الحال لو دونت هذه الاحكام في شكل نظام وبلغة مبسطة مفهومة يتسنى للجميع الإلمام بها واستيعابها.

ومن المعوقات ايضاً ان المرأة بطبيعتها خجولة فلا يمكن ان تجاهر بكل ما تطالب به شفاهة وخاصة اذا كان في مجلس القاضي رجال غرباء حتى ولو كان احد معاوني القاضي، كما أن أغلب النساء في المجتمع لا يعرفن الإجراءات القضائية وطرق رفع الدعوى وكيفية تقديم الأدلة أو الإثبات على صحة دعواهن، لذا هن في امس الحاجة الى الدعم الفني والمشورة القانونية اللازمة بدلاً من البكاء والعويل واستدراج عطف الآخرين في المحاكم، وهذا الدعم يمكن ان يتأتى من خلال إنشاء هيئات أو لجان استشارية قانونية نسائية ملحقة بالمحاكم الشرعية، وتكون هذه اللجان مشكلة من نساء متخصصات في العلوم الشرعية والأنظمة، وتكون مهامها تقديم المشورة القانونية والشرعية وتعريف المرأة بحقوقها وواجباتها الشرعية وطرق سير الدعوى وكيفية تقديم الأدلة في الدعوى وذلك قبل ان تقيم الدعوى وحتى ولو كان ذلك مقابل رسوم رمزية تدفعها المرأة لهذه اللجان، ويمكن ايضاً انشاء مكاتب نسائية خاصة بالاستشارات القانونية، وليس للمحاماة والترافع نيابة عن المرأة المدعية أو المدعى عليها في المحاكم، رغم ان البعض يطالب بالسماح بعمل المرأة في المحاماة وان تتولى قضايا المرأة حيث انها الاقدر على التعبير عنها، ويرون ان الواقع العملي يسمح للمرأة ان ترافع وتدافع عن نفسها امام القاضي، فما يضير لو وكلت امرأة اخرى متخصصة في العمل القانوني بالترافع نيابة عنها، فالأمر في كلتا الحالتين واحد وهو وجود امرأة في مجلس القضاء سواء كانت اصيلة او وكيلة ولا وجود لذريعة الخلوة غير الشرعية. ولكن هذا الرأي يجد معارضة قوية ولن نرجح رأياً على آخر خشية من التشعب والإطالة، ولكن المهم هو توفير الدعم الفني والمشورة الشرعية أو القانونية للمرأة قبل رفع الدعوى امام القضاء.

ومن المعوقات التي تواجه المرأة في المطالبة بحقوقها الشرعية والحصول عليها بطء إجراءات الدعوى ومماطلة الزوج (المدعى عليه) في الحضور امام القاضي، لذا يحبذ ان تكون لهذه الدعاوى تنظيم خاص وأولوية مطلقة في المواعيد مع إلزام المدعى عليه بالحضور ولو قسراً للمحكمة، وان يكون الحكم القضائي الصادر لصالح المرأة مشمولاً بالنفاذ المعجل.

وأخيراً يجب ان نشيد بالترتيبات التنظيمية القضائية الأخيرة والتي منها العزم على انشاء محاكم متخصصة للأحوال الشخصية، حيث انها خطوة رائعة وستكفل بمشيئة الله تحقيق ضمانات اكبر للمرأة وحقوقها وستوفر الجهد والوقت في البت بالقضايا. ونتمنى أن تصاحبها خطوة أخرى لا تقل أهمية وهي تدوين أحكام الأحوال الشخصية في مدونة نظامية وبلغة مبسطة يمكن لأي شخص رجلاً كان أو امرأة الإطلاع عليها ومعرفة حقوقه وواجباته، خاصة وان كل هذه الاحكام ستسقى من الشريعة الإسلامية بمصادرها المختلفة ولن تستورد من القوانين الوضعية.

 باحث قانوني

[email protected]

إعادة نشر بواسطة محاماة نت