عقوبة الاحتيال المالي أبعد من حق الضحية

مكافحة جرائم الاحتيال المالي يجب أن تتسم بالصرامة والجدية والمتابعة المستمرة لأن من أمن العقوبة أساء التصرف، وهذا ما حصل بالفعل في معظم جرائم النصب والاحتيال التي كان للجهات الرسمية دور في تعقب القائمين عليها وإحالتهم إلى القضاء، ولقد حان الوقت لكي نفهم أن الضرر يصيب المجتمع ويصعب تحديد شخص المضرور لأن الضرر وإن سلم منه البعض مؤقتا لكن مصيرهم أن يكونوا ضحايا أيضا في المستقبل ولهذا فإن اعتبار أن الحق في جرائم الاحتيال حق خاص يشجع ضعاف النفوس على الاصطياد وممارسته لعلمهم أن الضحايا يتعذر عليهم في الغالب اللجوء إلى المحاكم للمطالبة باستعادة الأموال التي استولى عليها المحتالون منهم، ولذا فإن تدخل الجهات الرسمية في معالجة قضايا الاحتيال هو أفضل وسيلة للتخفيف منه أو القضاء عليه، وهذا له أساس قانوني لأن مكافحة الجرائم قبل وقوعها دور أمني يشمل الجرائم المالية وغيرها.

بدأت الجهات التحقيقية تقوم بدورها في مكافحة جرائم الاحتيال لحماية المجتمع والأفراد من الضرر والخسارة ولحماية البيئة التجارية من تسلل المحتالين إليها وهذا أدى إلى تحقيق نتائج تثبت الأرقام أن هناك تقدما ميدانيا وفي عدة أنشطة ولعل أهمها بل وأخطرها، نشاط خدمات الحج والعمرة وهو أيضا لم يسلم من تسلل المحتالين وممارستهم جرائمهم غير الإنسانية وغير الأخلاقية ضد ضحاياهم ومنهم الحجاج والمعتمرون، وأدى ذلك إلى وصول رسالة قوية إلى كل من تسول له نفسه الاحتيال أن خصمه جهات التحقيق الرسمية التي ستتعامل معه وتحيله من تلقاء ذاتها إلى المحاكم المختصة، وهذا قد اتخذ بالفعل في حج هذا العام ضد عدد من المؤسسات التي تسوق الوهم وتخدع دون تفريق وتقبض الأموال ثم تختفي عن الأنظار تاركة وراءها حسرة المضرورين والضحايا ولأن تدخل الجهات الرسمية يؤتي ثماره بالفعل فقد انخفض عدد من تمت إحالتهم إلى المحاكم في جرائم احتيال على الحجاج،

ففي هذا العام تمت إحالة 28 مؤسسة سوقت الوهم ومارست الاحتيال على عدد من الحجاج وفي العام الماضي كان عدد المؤسسات المماثلة التي تمت إحالة أصحابها إلى المحاكم 50 مؤسسة وفي العام قبل الماضي تمت إحالة 75 مؤسسة وهمية، وإن من المؤسف حقا أن يقوم ضعاف النفوس بهذا السلوك المشين وفي أقدس البقاع ومع ضيوف بيت الله الحرام متجاهلين حقوقهم وواجباتنا تجاههم. إن تناقص أعداد المؤسسات والأفراد الذين يمارسون الاحتيال في موسم الحج دليل واضح على أن دور جهات التحقيق في متابعة سلامة الخدمات ومصداقية العاملين في الأنشطة التجارية والخدمية له الأهمية في التخفيف من الجرائم المالية ومنها النصب والاحتيال وأن من الواجب أن يتم توسيع نطاق تدخل جهات الرقابة والتحقيق والأجهزة المعنية في إحكام الرقابة على السلوكيات الضارة لأن الوقاية السابقة دائما خير من العلاج اللاحق، كما أن الوقاية لا تضمن انعدام الجريمة المالية ولكنها تخفف من عدد الفاعلين وعدد الضحايا المتضررين وتمنع الكثيرين ممن يتصورون سهولة اقتحام ميدان الاحتيال لانعدام الجزاء الرادع وبعد المسافة بين أفعالهم ومحاسبتهم عليها.

إن موسم الحج شهد انخفاضا في عدد المكاتب الوهمية مقارنة بالسنوات الماضية، كما شهد انخفاضا في عدد المخالفات التي تم ضبطها، حيث كان للتعاون بين لجان المراقبة التابعة لوزارة الحج دور في وقف عمل عدد من تلك المكاتب الوهمية وإرجاع أموال الحجاج قبل وصولهم إلى المشاعر المقدسة، ولأن الالتزام بتقديم الخدمات من المؤسسات إلى الحجاج من الأمور البالغة الحساسية التي لا مجال فيها للتساهل مع ضعاف النفوس وهذا سيؤدي في السنوات القادمة إلى التأكيد على مفهوم جودة الخدمة والمصداقية والدقة في تنفيذ العقود التي تبرمها المؤسسات مع الحجاج.

د وفي ضوء ضبط الخروقات في خدمات الحج والعمرة تتضح أهمية الرقابة والصرامة في العقوبة ضد مختلف المخالفات، ومع ذلك فما زالت العقوبات ضد أنواع المحتالين ضعيفة وغير رادعة، كما أن من يستطيع الاختفاء والابتعاد عن المساءلة أمام القضاء والجهات الرسمية أكثر ممن يتم ضبطه ومحاسبته، لذا فإن من الضروري لحماية البيئة التجارية أن يتم توسيع نطاق الرقابة وحصر مؤسسات الاحتيال وإحالة أصحابها إلى القضاء، أما شطب السجل التجاري لتلك المؤسسات فإنه ضروري أيضاً لتحقيق الهدف وهو حماية البيئة التجارية وتنقيتها من أصحاب الذمم الضعيفة.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت