قراءة في جرائم غسيل الأموال عبر الإنترنت .

غسيل الأموال عبر الإنترنت.. تكاليف اجتماعية وسياسية

ظاهرة غسيل الأموال دوراً أساسياً في تسهيل طموحات مهربي المخدرات، والإرهاب والجريمة المنظمة، والمتهربين من الضرائب فضلاً عن العديد من الآخرين الذين يحاولون الهرب من السلطات، والدخول في الثراء المفاجئ والسريع من خلال أنشطة غير قانونية، والانخراط في مثل هذا النوع من النشاط الإلكتروني.

غسل الأموال.. عملية يتم خلالها منح مبالغ كبيرة من المال بشكل غير قانوني تم الحصول عليها بطرق غير قانونية، مثل (الاتجار بالمخدرات، النشاط الإرهابي، أو غيرهما من الجرائم الخطيرة)، وفي نهاية المطاف يسمح الشخص الضحية بحسن نيته بتوفير غطاء شرعي لمصدر دخل المجرمين، حيث تلعب ظاهرة غسل الأموال دوراً أساسياً في تسهيل طموحات مهربي المخدرات، والإرهاب و الجريمة المنظمة، والمتهربين من الضرائب فضلاً عن العديد من الآخرين الذين يحاولون الهرب من السلطات، والدخول في الثراء المفاجئ والسريع من خلال أنشطة غير قانونية، والانخراط في مثل هذا النوع من النشاط الإلكتروني، ووضع حصيلة ليست في متناول أي قوانين لمصادرة الأصول.

وبسبب هذه الجريمة، قامت المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة وبنك التسويات الدولية، باتخاذ بعض الخطوات الأولية في نهاية عام 1980 لمعالجة هذه المشكلة.

وتعد ظاهرة غسل الأموال عبر الإنترنت من الجرائم التي تحارب دولياً، كونها تستقطع من الدخل القومي الخام للعالم، ما يزيد عن الـ15 بالمئة، وهذه النسبة هي حصيلة ثروات غير شرعية تمكن أصحابها من إجراء عمليات غسيل لها، وتمثل أموال تجارة المخدرات وتمويل زراعتها وتصنيعها نحو 55 بالمئة من إجمالي الأموال التي يتم غسلها سنوياً على مستوى العالم، حيث يقدر حجم التجارة العالمية للمخدرات بأكثر من 500 بليون دولار أي ما يزيد عن 9 بالمئة من مجموع حجم التجارة العالمية حسب التقرير الاقتصادي السنوي لـ (ميريل لنيش).

وتأتي الولايات المتحدة الأميركية في طليعة الدول التي تتم فيها عمليات غسيل الأموال، رغم أن المعلن أنها تحارب الظاهرة بقوة، حيث يقدر حجم الأموال التي يتم غسلها سنوياً من جرائم المخدرات وحدها بنحو 300 بليون دولار، تليها سويسرا، ثم المكسيك، ثم روسيا، وإسرائيل.

أما القارة الأفريقية، فتأتي في مقدمة قارات العالم، التي ابتليت بعمليات السلب والنهب، حيث يقدر البنك الدولي أن ما يقرب من 40 بالمئة من ثروات أفريقيا، التي كان يمكن أن تسهم في سد الاحتياجات الأساسية لحياة السكان، تهرب إلى الخارج لتودع بحسابات أجنبية.

ورغم ما توفره شبكة الإنترنت من سهولة التعامل بين الأفراد والجماعات، أدى ذلك إلى ظهور ما يعرف بـ”مافيا الإنترنت”، والتي تباشر الكثير من الأعمال غير المشروعة واللا أخلاقية عبر الشكبة، مثل جرائم السطو على أرقام البطاقات الائتمانية، والتي تجني من ورائها مافيا الإنترنت، عشرات وربما مئات الملايين من الدولارات سنوياً، وانتشار ما صار يعرف بـ (الملاهي ونوادي القمار الافتراضية)، ومواقعها على الشبكة تعد بالآلاف، وهي تربح البلايين من الدولارات، إلى جانب جرائم انتحال الشخصية، حيث أعطى الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي قدراً أكبر لجمع المعلومات الشخصية المطلوبة عن الضحية، والاستفادة منها في ارتكاب الجرائم المالية، وغسيل الأموال إلكترونياً.

ولا تقتصر عمليات غسيل الأموال على تجار المخدرات، وأباطرة الفساد، بل يكون أيضاً غاسلاً للأموال كل من زيّف العملة، أو تاجر في الأعضاء البشرية، أو تاجر دون ترخيص قانوني في الأسلحة، أو مارس تجارة الحيوانات النادرة المحظور صيدها خشية انقراضها، أو تاجر بالآثار المسروقة، أو مارس الغش التجاري، وانتحل أسماء وعلامات تجارية للغير، أو تاجر في الرقيق الأبيض، أو تربح من جرائم بيئية، كدفن النفايات والمواد الخطرة، ونحو ذلك من أعمال غير قانونية ولا أخلاقية، لها مردود مادي.

جهود دولية

وكونها ظاهرة خطيرة تهدد الاقتصاد العالمي، فإن عدداً من المؤسسات والهيئات الدولية تنبهت إلى ذلك، فهناك لجنة إدارة شؤون المجتمع العالمي، المنبثقة عن هيئة الأمم المتحدة، نشرت تقريراً مؤخرا طالبت من خلاله المجتمع الدولي بأن يكون جاداً في تحمل مسؤولياته، وبذل المزيد من الجهود للقضاء على ظاهرة غسيل الأموال عبر الإنترنت، التي صنفها التقرير ضمن جرائم الفضاء الإلكتروني، وكانت بعض الدول قد شكلت بالفعل فرقاً أمنية، أطلقوا عليها اسم “شرطة التدخل الرقمي السريع، هدفها الحد من انتشار الجريمة المنظمة.

وفي عملية كبيرة، شارك فيها أفراد من الشرطة يمثلون 13 دولة، تم التوقيع على اتفاقية دولية لمحاربة الجريمة المنظمة التي تنتشر في فضاء الإنترنت، وإنقاذ الاقتصاد الإلكتروني، الذي صار نداً ومنافساً للاقتصاد التقليدي، من عمليات غسيل الأموال. وفي رأي معتز كوكش الخبير في تقنية المعلومات ومكافحة الجرائم الإلكترونية، أن المجرمين يستخدمون بشكل متزايد الإنترنت لتحويل الأموال في الظل، بعيداً عن الضوء الأخضر الذي تمنحه الحكومات والمؤسسات المالية التقليدية، وسيظل البحث عن مثل هذا النوع من العمليات على الشبكة العنكبوتية أمرا غاية في الصعوبة، وتظل المصادر الرئيسية للمعلومات فريسة المنتديات على الإنترنت، حيث ينشط القراصنة المجهولون بأساليب متعددة للحصول على الضحية والتوصل إلى أفضل الطرق لغسل الأموال.

وأشار الخبير إلى وجود طرق شائعة بشكل متزايد من غسل الأموال، مثل استخدام الألعاب عبر الإنترنت، وهناك عدد متزايد من ألعاب الإنترنت من الممكن أن تكون أيقونة لتحويل المال في الخدمات أو السلع الافتراضية النقدية التي يمكن تحويلها في وقت لاحق، وأيضاً هناك رسائل لمحتاجي الأموال، مثل “شخص ما يطلب مساعدتك لنقل المال ونحن على استعداد للدفع جيداً مقابل خدماتك”.

وفي حال الموافقة يطلبون معرفة التفاصيل المصرفية الخاصة بالضحية، والتي يستخدمونها على وجه السرعة لتفريغ حسابها، ثم تختفي سريعاً هذه الرسالة وهؤلاء الأشخاص، وهناك احتيال آخر وهو تقديم بعض المؤسسات للناس فرص عمل وزيادة الدخل من العمل داخل المنزل، والمهمة تنطوي على اختيار أشخاص معينين ومعرفة حساباتهم لإيهامهم بتحول راتبهم الشهري إلى حساباتهم، ومن ثم تمرير هذه الأموال إلى حسابات أنشأها صاحب العمل، وكل هذه الإجراءات تنضوي تحت عبارة غسيل الأموال.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت