بيت الزوجة باسم الزوج .. مشاهد عقارية
يوسف الفراج
المشهد الأول المرأة مدرّسة تتسلم راتباً مغرياً.. والزوج موظف في وظيفة متواضعة إلا أنه لم يستمر في الوظيفة.. بدأ الزواج كالعادة بأيّام عسلية لم تستمر كثيراً.. تُرزق منه بابنين وعلى مر سنين الزواج – قرابة عشرين سنة- تُعاني كلَّ العناء بداية من السب والشتم والإهانة مروراً بالقذف والتجريح والضرب وانتهاءً بالطرد من البيت وأخذ أولادها منها.. أما الزوج باختصار فهو من متعاطي المخدرات، ولك أن تتصور ما يتبع ذلك من انحطاط في السلوكيات وسوء معاملة.. خلال السنوات الأولى كانت الزوجة تُسلّم زوجها أغلب الراتب ـ لم تكن تعلم تعاطيه المخدر إلاّ لاحقاًـ ومن هذه المبالغ استطاع أن يضع له استثماراً بسيطاً ومنه بنى بيتاً كان يقول إنه لها وملكها إلا أنه وضعه باسمه بسبب استعجال الإجراءات, هل انتهى المشهد؟ أبداً بقي الأسوأ, ساءت العشرة بينهما بسببه، طالبته بنقل المنزل باسمها ضحك ضحكةً صفراء تدل على استحالة تلبية الطلب.. ثم تزوج ثانية وطردها من بيته – أقصد بيتها- وأسكن الثانية فيه.. استأجرت شقةً لتسكن فيها لأنه لا عائل لها.

المشهد الثاني في المحكمة وفي مكتب القاضي يجلس رجل وامرأة ـ هما ذاتهما الزوج والزوجة في المشهد الأول ـ تشرح الزوجة دعواها للقاضي وهو يستمع لها بكل إنصات.. تفاءلت كثيراً ظنت أنه متعاطفٌ معها,كان صوتها يرتفع تارة وينخفض أخرى يعكس حزناً قاتلاً وبالذات عندما تشرح مواطن المعاناة.. وتختم دعواها بعبرة تتبعها دمعات عندما ذكرت للقاضي أنه أخرجها من بيتها وأسكن ضرتها فيه.. وطالبت بإلزام الزوج بإفراغ البيت باسمها كونه ملكها.. وبكل هدوء يعرض القاضي الدعوى على الزوج فيُنكر ما في الدعوى من سب وشتم وتعاطي المخدرات، وأما البيت فبكل وضوح وجزم يُقرّر أنه ملكه واشتراه من حرِّ ماله، كونه يملك استثماراً صغيراً يُدرّ عليه حتى استطاع تحصيل مبلغه..

وأما موقفه من الزوجة فليس له إلا أن يتحسّب على من أقنعها بما ذكرته في دعواها, ومرّةً أخرى وبكل هدوء يُفهم القاضي الزوجة أن موضوعها مع زوجها من جهة سوء سلوكه هو دعوى زوجية مختلفة عن هذه الدعوى الحقوقية, ويطلب منها بينةً على أن البيت ملكها أو أنها سلمته أموالاً.. وللأسف لا يوجد لديها أيُّ بينة, وبعد عدد من الجلسات يُفهمها القاضي أن لها يمين زوجها على نفي دعواها فتستغرب الزوجة هذا الأمر لأنها تعيش المعاناة وتَعرف صدقَ نفسها، إلا أن القضاء يحكم بالبينات والإثباتات ولا يتأثر أو يتعاطف بمجرد الدعوى، وإلا لادعى أقوام دماء ناس وأموالهم – كما هو نص حديث النبي ـ صلى الله عليه وسلم-, ولما هو مستقرٌّ في الإجراءات القضائية أن “البينة على المدعي واليمين على من أنكر”.. ثم يحكم القاضي برفض دعواها، مسبباً بما ذُكر أعلاه.

المشهد الأخير: الزوجة تخرج من المحكمة وهي مكسورة الجناح تبكي بكاء القهر والظلم وتُردّد في نفسها “حسبي الله ونعم الوكيل على هذا الزوج الظالم” , وَوَدَّت لو تسمعها كل النساء لتقول لهن: إن أمكن فلا تسجلن أموالكن – وبالذات العقارات- إلا بأسمائكن، أو تحمّلن ما تنتهي إليه الأمور. لكن من المتسبب في كل هذا؟, الأسباب متعددة: ضعف الثقافة الحقوقية في البلد وبالذات لدى النساء.. أعراف اجتماعية آسرة.. تعقيد في إجراءات الجهات الحكومية في معاملات النساء.. والأكيد أنه لا مسؤولية على القواعد والأحكام القضائية, والحلّ: بإزالة هذه العقبات وتسهيل الإجراءات.. وقبل ذلك ضرورة الوعي لدى النساء بأهمية الوضوح بين الزوج وزوجته فيما يتعلق بالحقوق، وأن يبتعدا عن المجاملة والحياء في ذلك مهما بلغت العلاقة بينهما حباً وتقديراً.. فالأيام حبلى تلدُ كل عجيب.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت