قراءات حول قانون الادعاء العام العراقي

منذ تشريعه، عام 1979 لم يعدل قانون الادعاء العام الا مرة واحدة في عام 2006 والتعديل اقتصر على تغيير الألفاظ التي تشير الى النظام السابق فقط، من دون ان يمس جوهر القانون بشيء. ومؤخراً تم اقرار مشروع قانون الادعاء العام الذي نص على مبادئ جوهرية واصول قانونية تتناسب مع الاساس الذي انشئ من اجله القانون، نص على تشكيل واستحداث مناصب ادارية، لتكون ساندة للجهاز وداعمة لتحقيق اهدافه العامة التي رسمتها المادة الاولى من القانون.

المادة الاولى التي احتفظ بها القانون الجديد تنص: يهدف هذا القانون الى حماية نظام الدولة وامنها والحرص على المصالح العليا للشعب والحفاظ على اموال الدولة والقطاع العام. هذه المادة التي حمل الفاظاً فضفاضة وتحمل الكثير من التأويلات، منحت الجهاز سلطات لا حصر لها، ومكنته من اتخاذ الكثير من الاجراءات التي تهدف الى حماية المال العام والمصالح العليا للشعب ونظام الدولة.

ولكن للأسف، تمت مصادرة تلك اصلاحيات عبر تشريع قوانين واستحداث مؤسسات رقابية مارست صلاحيات الادعاء العام كمكاتب المفتشين العموميين والرقابة المالية وهيئة النزاهة، وحاولت الحكومة التعاقد مع شركات متخصصة بمكافحة الفساد الاداري اضافة الى المؤسسات الآنفة الذكر.

القانون الجديد، جاء كاشفاً لتلك الصلاحيات وليس منشئا لها، بمعنى ان القانون السابق اتاح للجهاز تشكيل واستحداث ما يراه مناسباً لضمان تحقيق اهدافه. اما القانون الجديد، فقد حدد بشكل صريح التشكيلات الجديدة المرتبطة بالادعاء العام.

فقد نصت الفقرة 14 من المادة 5: يؤسس مكتب للادعاء العام المالي والاداري في الوزارات والهيآت المستقلة يمارس اختصاصه طبقا لأحكام الفقرة ثانيا من هذه المادة. والفقرة ثانيا تنص: مراقبة التحريات عن الجرائم وجمع الادلة التي تلزم للتحقيق فيها ، واتخاذ كل ما من شأنه التوصل الى كشف معالم الجريمة.

بهذا المعنى فإن لا معنى اذن لوجود مكاتب المفتشين العموميين، الذين يمارسون ذات الصلاحيات التي يمارسها الادعاء العام، بل ان الادعاء العام كما قلنا سابقا يفوقها صلاحيات استنادا الى قانونه.

وهذا امر مهم وضروري كون ان الادعاء العام هو جزء من السلطة القضائية ومن ينتسب الى السلطة القضائية، فهو مختص بالقانون ولديه اطلاع كاف على النصوص القانونية التي تحكم عمله، اضافة الى ان معاون الادعاء العام لا يباشر مهامه الا بعد اجتيازه لدورات تأهيلية، في حين ان موظفي بعض السلطات الآخر، تم اختيارهم عشوائياً من الوزارات، بغض النظر عن خلفياتهم القانونية، ليمارسوا دورا بالأساس هو دور الادعاء العام حصرًا. وبالعودة الى قانون المفتشين العموميين نجد ان سلطاته تنحصر في التدقيق والتفتيش والرقابة على سجلات الدوائر واعمالها. وهذه الصلاحيات يملكها الادعاء العام ويملك اوسع منها.

وهنا ترد الاسئلة التالية: هل سيبقى المفتش العام في الوزارات الى جانب مكتب الادعاء العام المالي والاداري؟ هل سيتحمل الجهاز الاداري الحكومي وجود اكثر من ثلاثة اجهزة رقابية تمارس ادواراً متشابهة؟ هل سيقلل تشكيل الادعاء العام في الوزارات من الفساد المالي والاداري؟ هل سيتبع اقرار هذا القانون، الغاء التشكيلات التي سيراها المشرع حلقة زائدة؟ المعروف ان صلاحيات الأجهزة الرقابية غير الادعاء العام، هي صلاحيات التحقيق والاحالة الى القضاء وهذه الصلاحيات وحدها، تسهم في بطء سير اجراءات مكافحة الفساد، اضافة الى التحقيق الاداري الذي لا يستطيع قضاة التحقيق السير بإجراءات أي قضية تحقيقية بدون ربط التحقيق الاداري الذي يستغرق اشهرا عدة، من دون ان يستطيع القاضي عمل شيء، للإسراع بإكمال التحقيق، فتبقى القضايا حبيسة أدراج النزاهة بانتظار نتيجة التحقيق الاداري التي قد لا تأتي اصلا.

وهذا هو معرقل كبير لجهود القضاء في حسم قضايا النزاهة والفساد. ولكن لو كانت الجهة التي تحقق في قضايا النزاهة واحدة، وتنتمي الى جهاز اداري واحد، ولها خبرة كافية في القانون، فمن الطبيعي ان تتلاشى الصعوبات والمعرقلات التي تواجه مكافحة الفساد، وتخفف عن القضاء الضغوط التي تمارس عليه، نتيجة لإحالة قضايا لا تشكل جرائم. نتمنى ان يكون القانون فرصة لتفعيل جهاز الادعاء العام، ومنحه جميع صلاحياته واعطائه الفرصة ليمارس مهامه بعيدا عن التعقيدات الادارية والقانونية، والاسهام بترشيق العمل الرقابي الذي اسهم الى حد ما، بتقييد عمل الدوائر الحكومية والوزارات من خلال بعض الاجراءات التي من شأنها التضييق على الموظفين بحجة التدقيق والتفتيش.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت