ذو علاقة بإجابة على:تعرف الى طبيعة الدعوى البوليصية

بواسطة باحث قانوني
شروط الدعوى البوليصية
إن شروط عدم نفاذ التصرف منها ما يتعلق بحق الدائن ، و منها ما يتعلق بالتصرف المطعون فيه ، و منها ما يتعلق بالمدين .
المطلب الأول : الـشـروط المتعلـقة بالـدائـن

يجب أن يتوفر في الدائن الشروط التالية حتى يستطيع رفع الدعوى البوليصية :

أولاً ـ يجب أن يكون حق الدائن مستحق الأداء :
يشترط القانون في الدائن الذي يطعن بتصرف مدينه بدعوى عدم نفاذ التصرف أن يكون دينه مستحق الأداء , دون تمييز بين دائن عادي و دائن ممتاز .
و لكن ، لا يشترط بالضرورة أن يكون حق الدائن معلوم المقدار ، حيث يمكن للمضرور من الفعل الضار استعمال الدعوى البوليصية حتى قبل تقدير التعويض له .
و في هذا الشرط تختلف دعوى عدم نفاذ التصرفات عن الدعوى غير المباشرة التي لا يشترط فيها أن يكون حق الدائن مستحق الأداء ، بل يكفي أن يكون حقه موجوداً و خالياً من النزاع .
و سبب هذا التمييز بين الدعويين ، أن الدائن في دعوى عدم نفاذ تصرف مدينه يضطر إلى التدخل في شؤون المدين أبعد مدى من تدخل الدائن عند رفع الدعوى غير المباشرة ، فيكون من المعقول أن يتطلب القانون في هذه الحالة درجة أكبر من القوة .
و تطبيقاً لهذا الشرط ، لا يجوز لمن كان حقه مضافاً إلى أجل واقف لم يتحقق بعد , أو لمن كان حقه معلقاً على شرط واقف , أن يطلب عدم نفاذ تصرف مدينه ، لأن الدعوى البوليصية ليست من الإجراءات التحفظية ، بل هي من الأعمال التي يتلوها التنفيذ .

ثانياً ـ يجب أن يكون التصرف ضاراً بالدائن :
فالشرط الأساسـي الذي يبرر تدخل الدائن في شؤون المدين هو أن يكون التصرف ضاراً بالدائن ، لأنه إذا لم يكن ضاراً به انعدمت مصلحته في رفع الدعوى .

و لا يكون التصرف ضاراً بالدائن إلا إذا تناول مالاً للمدين اعتمد عليه الدائن في اســتيفاء دينه . و يجب أن يكون هذا المال من الجائز التنفيذ عليه , و موجوداً في ذمة المدين وقت نشوء حق الدائن .
فإذا كان التصرف قد ورد على مال لا يجوز الحجز عليه , أو متصلاً بشخص المدين , كما لو تنازل عن حقه في التعويض عن الضرر الأدبي الذي لحق به ، فلا يكون للدائن أن يطلب عدم نفاذ هذا التصرف في حقه لأنه لم يضره .
كذلك ، لا يجوز للدائن الطعن في تصرف المدين إذا انصب هذا التصرف على مال مثقل بحقوق عينية لغير الدائن الطاعن تضمن ديوناً تستغرق قيمة هذا المال أو تزيد عليه , بحيث لا يبقى من ثمنه عند البيع جبراً شيء يستوفي منه هذا الدائن شيئاً ، و ذلك لانتفاء مصلحته في الطعن .

ثالثاً ـ يجب أن يكون حق الدائن سابقاً على التصرف المطعون فيه :
أما إذا كان تصرف المدين سابقاً , فلا يمكن القول أنه قد أضر بحق الدائن الذي لم يكن دائناً وقت إبرامه ، أو أن الدائن عند نشوء حقه قد اعتمد عليه في
استيفاء هذا الحق .
و لكن ، إذا كان المدين قد أبرم التصرف بقصد الإضرار بدائن لاحق ، كأن يقوم شخص في الوقت الذي يســــعى فيه إلى الحصول على قرض و قبل إبرامه ، بهبة بعض أمواله التي اعتمد عليها المقرض في فترة التحري عن المركز المالي لطالب الاقتراض ، فإن الدائن المقرض يستطيع الطعن في هذا التصرف بالدعوى البوليصية في التصرف السابق على نشوء حقه .
و العبرة في أسبقية حق الدائن هي بتاريخ نشوء الحق , و ليس بتاريخ استحقاقه ، كما أن العبرة في تصرف المدين هي بتاريخ نشوئه و ليس بتاريخ شهره إذا كان من التصرفات واجبة الشهر ، و يقع على عاتق الدائن الطاعن عبء إثبات أسبقية حقه على تاريخ التصرف وفقاً للقواعد العامة .

المطلب الثاني : الشروط المتعلقة بالتصرف المطعون فيه
:

يشترط في عمل المدين الذي يطعن فيه الدائن بالدعوى البوليصية أن يكون تصرفاً قانونياً ، و أن يكون تصرفاً مفقراً , و أن يؤدي أخيراًَ إلى إعساره أو الزيادة في إعساره .

أولاً ـ يجب أن يكون التصرف قانونياً :
لا يستطيع الدائن الطعن في الدعوى البوليصية في جميع التصرفات الصادرة عن المدين و التي تؤدي إلى إعساره أو الزيادة في إعساره ، بل يشترط أن يكون هذا التصرف قانونياً , سواء أكان ملزماً لجانب واحد كالوصية أو الإبراء ، أو كان ملزماً لجانبين كالبيع .
أما إذا كان تصرف المدين عبارة عن عمل مادي , فلا يستطيع الدائن الطعن فيه بالدعوى البوليصية ، فمثلاً إذا صدر عن المدين عمل غير مشروع عن غير قصد أو عن إهمال نتج عنه التزامه بالتعويض , مما أدى إلى إعساره , فلا يجوز للدائن الطعن فيه .
و لكن ، إذا اتفق المدين مع المضرور على مقدار التعويض ، فإن هذا الاتفاق يعتبر تصرفاً قانونياً يجوز الطعن فيه .

ثانياً ـ يجب أن يكون التصرف مفقراً :
اعتبر الفقه الحديث أن التصرف يكون مفقراً إذا أنقص من حقوق المدين أو زاد في التزاماته .
و من أمثلة التصرف المفقر الذي ينقص حقوق المدين : أن يهب مالاً من أمواله ، أو أن يبرئ مديناً له مما عليه من دين .
و من أمثلة التصرف الذي يزيد في التزامات المدين : أن يقترض مبلغاً من المال , أو أن يشتري شيئاً فيلتزم بدفع الثمن , أو أن يتعهد بالإنفاق على قريب لا تلزمه نفقته .

و لكن ، لا يجوز استعمال الدعوى البوليصية بالنسبة لتصرفات المدين التي من شأنها منع زيادة حقوقه أو منع إنقاص التزاماته :
فإذا رفض المدين قبول هبة معروضة عليه , أو رد إبراء من دين عليه , فلا يستطيع الدائنون الطعن في هذا التصرف في الدعوى البوليصية ، لأنه ليس عملاً مفقراً سيؤدي إلى إضعاف الضمان العام أولاً ، و لأنه حتى و لو أجيز هذا الطعن فلن يستفيد منه الدائنون , إذ ليس لهم قبول الهبة عن المدين , لأن قبول الهبة رخصة للمدين لا يستطيع الدائن أن يباشرها نيابة عنه .

ثالثاً ـ يجب أن يؤدي التصرف إلى إعسار المدين أو الزيادة في إعساره :
لا يقصد بالإعسار في الدعوى البوليصية الإعســـار القانوني الذي يتطلب حكماً بشهره ، بل يقصد به الإعسار الفعلي الذي يتمثل في زيادة مجموع الديون على مجموع الحقوق .

فإذا كان التصرف مفقراً بالمعنى السابق ، بأن أنقص حقوق المدين مثلاً ، و لكن بقي
المدين مع ذلك موسراً فلا يمكن الحكم بعدم نفاذ التصرف , لأنه لم يضر بالدائن .
و إذا كان المدين قبل التصرف معسراً بأن كان مجموع حقوقه يساوي نصف مجموع ديونه مثلاً ، ثم تصرف المدين تصرفاً مفقراً ، فترتب عليه زيادة الإعسار بأن أصبحت النسبة هي الربع مثلاً ، فيستطيع الدائن الطعن بعدم نفاذ هذا التصرف ، لأنه يضر بالدائن , إذ من شأنه أن يقلل ما يحصل عليه الدائن عند توزيع حصيلة بيع أموال المدين على دائنيه .

و حتى يجوز الطعن في تصرف المدين يجب أن يكون هذا التصرف هو السبب في إعساره أو الزيادة فيه .
و يلاحظ أن التصرف يترتب عليه إعسار المدين أو زيادة إعساره , و لو كانت معاوضة ، إذا كان الثمن في حالة البيع أقل من قيمة المبيع ، و كذلك إذا كان المدين قد باع و تسلم الثمن ثم أخفاه أو بدده .

و فيما يتعلق بإثبات الإعسار : نصت المادة 240 من القانون المدني على أنه : « إذا ادعى الدائن إعسار المدين فليس عليه إلا أن يثبت مقدار ما في ذمته من ديون ، و على المدين نفسه أن يثبت أن له مالاً ما يساوي قيمة الديون أو يزيد عليه » .

المطلب الثالث : الشروط المتعلقة بالمدين و المتصرف إليه

تقوم الدعوى البوليصية على فكرة الغش ، و يختلف هذا الغش عن التدليس المعيب بالرضا في أنه لا تصاحبه طرق احتيالية , و أنه لا يوجه للمتعاقد الآخر ، بل إلـى الغير , و جزاؤه عدم نفاذ التصرف ، و ليس إبطال العقد .
و من الطبيعي إذا طلبنا الغش من جانب المدين أن نطلبه أيضاً من جانب المتصرف إليه , ضماناً لاستقرار المعاملات , و حماية للغير حسن النية .
ـ التمييز بين المعاوضة و التبرع بخصوص الغش :
يجب التمييز فيما يتعلق بشرط غش المدين في التصرف المطعون فيه ، فيما إذا كان تصرف المدين معاوضة أو تبرعاً ، حيث يشترط هذا الغش في المعاوضات دون التبرعات ، و يجب علم المتصرف إليه بهذا الغش .
و قد يسر المشرع على الدائن إثبات غش المتصرف إليه ، فاكتفى منه بإثبات علم المتصرف إليه بأن المدين معسر ، و هي ليست قرينة قطعية على توفر الغش .

1 ـ في التبرع :
إذا كان التصرف تبرعاً فلا يشترط الغش ، و إنما يكفي مجرد العلم بالضرر الذي لحق الدائنين من جراء هذا التصرف , كما لو وهب المدين مالاً من أمواله ، أو أبرأ أحد مدينيه من الدين المترتب عليه .
و الحكمة في ذلك واضحة ، حيث أن مصلحة الدائن الذي يطلب عدم نفاذ تصرف مدينه لدفع الضرر الذي سببه هذا التصرف أولى بالرعاية من مصلحة المتبرع إليه التي تتمثل في الحصول على منفعة دون مقابل ، و دفع الضرر أولى من جلب المنفعة .

2 ـ في المعاوضات :
الأصل أن للمدين أن يتصرف في أمواله , و تكون تصرفاته نافذة في حق دائنيه حتى و لو ترتب عليها الإضرار بهم ، و لهذا يشترط المشرع لعدم نفاذ التصرف في حق الدائن أن يكون منطوياً على غش من المدين ، أي يجب توفر قصد الإضرار بالدائنين ، و عندئذ يتدخل القانون مضحياً بحرية المدين لحماية الدائنين .

و لكن ، اعتبار التصرف غير نافذ من شأنه الإضرار بالمتصرف إليه :
# فإذا كان المتصرف إليه حسن النية ، أي لا يعلم بغش المدين ، فهو جدير بالحماية ، بل إن مصلحته ترجح على مصلحة الدائن , عملاً على استقرار المعاملات .
# أما إذا كان سيئ النية , أي كان يعلم بإعســار المدين , فلا محل لهذه الحماية ، و لهذا يشترط القانون لعدم نفاذ التصرف ، بالإضافة إلى غش المدين ، سوء نية المتصرف إليه ، أي علمه بغش المدين .

و قد وضع المشرع ، في سبيل إثبات غش المدين ، قرينة بسيطة لمصلحة الدائن ، فافترض غش المدين إذا أثبت الدائن أن المدين كان يعلم وقت التصرف أنه معسر ، بل يكفي أن يثبت الظروف التي تدل على أن المدين كان ينبغي أن يعلم بالإعسار .
و لكن ، هذه القرينة البسيطة تقبل إثبات العكس . و استناداً إلى ذلك ، يستطيع المدين أن ينفي الغش بأن يثبت مثلاً أنه رغم علمه بالإعسار لم يقصد الإضرار بدائنيه , و إنما قصد بالبيع الحصول على مبلغ نقدي لترويج أعماله و عودته إلى اليسار .
$$$$ كذلك ، وضع المشـرع قرينة بسيطة لمصلحة الدائن في إثبات علم المتصرف إليه بغش المدين ، فافترض هذا العلم إذا أثبت أن المتصرف إليه كان يعلم أو كان ينبغي أن يعلم وقت التصرف أن المدين معسر . فإذا أثبت الدائن هذا العلم ، كان للمتصرف إليه أن يثبت عكسه ، فيثبت مثلاً أنه برغم علمه بإعسار المدين كان يعتقد بحسن نية أن المدين لم يقصد الإضرار بدائنيه ، كما لو كان التصرف من التصرفات المألوفة التي تقتضيها أعمال المدين و مهنته .

ـ حكم التصرف الصادر من المتصرف إليه إلى شخص آخر :
قد يحدث أن يتصرف المدين ، ثم يتصرف المتصرف إليه – أي خلف المدين – إلى شخص آخر – أي خلف الخلف – معاوضة أو تبرعاً ، فتدخل بذلك مصلحة شخص جديد هو خلف الخلف ، و قد تكون هذه المصلحة جديرة بالرعاية و يغلبها القانون على مصلحة الدائن الذي يطلب عدم نفاذ التصرف ، كما لو كان خلف الخلف قد تلقى الحق معاوضة و هو حسن النية ، و هذا يعني أنه قد لا يكفي الشرطان السابقان – و هما غش المدين و علم خلفه بالغش – حتى يمكن الحكم بعدم نفاذ التصرف .

ـ الفروض التي يمكن أن تتحقق في حالة وجود تصرف تالٍ لتصرف المدين :
1 ـ الفرض الأول : أن يكون التصرف الأول معاوضة و الثاني معاوضة :
و هنا يشترط لعدم نفاذ التصرف الأول – بالإضافة إلى شرطي غش المدين و علم الخلف الأول بهذا الغش – غش الخلف الثاني حتى يستطيع الدائن التمسك بعدم نفاذ التصرف .
و المشرع سهل إثبات هذا الغش , حيث اعتبر علم هذا الخلف الثاني بغش المدين و بعلم الخلف الأول بهذا الغش قرينة على توفر الغش في جانبه أيضاً .

2 ـ الفرض الثاني : أن يكون التصرف الأول تبرعاً و الثاني معاوضة :
و هنا لا يتطلب القانون غش المدين و لا سوء نية الخلف الأول لعدم نفاذ التصرف الذي تم بينهما على سبيل التبرع بحق الدائنين .
و لكن ، لما كان الخلف الثاني قد اكتســب حقه معاوضة فهو يحتاج إلى حماية إذا كان حسن النية ، و لهذا اشترط القانون شرطاً واحداً لإمكان الحكم بعدم نفاذ التصرف , و هو سوء نية الخلف الثاني الذي يتمثل في علمه بأن المدين كان معسراً وقت تصرفه للخلف الأول .
3 ـ الفرض الثالث : إذا كان التصرف الأول معاوضة و الثاني تبرعاً :
و هنا يعتبر الغش متوفراً لدى المدين و المتصرف إليه الأول بمجرد علم المدين بإعساره و علم المتصرف إليه بذلك . أما بالنسبة للتصرف الثاني و هو التبرع فلا يكون نافذاً في حق الدائنين , دون الحاجة لإثبات سوء نية الخلف الثاني أو علمه ، لأنه متبرع إليه .
4ـ الفرض الرابع : إذا كان كل من التصرف الأول و التصرف الثاني تبرعاً :
فإنه يجوز الطعن بالدعوى البوليصية في التصرف الثاني ما دامت الدعوى مقبولة في مواجهة المتصرف إليه الأول ، و بالتالي لا يشترط أي شرط يتعلق بالغش أو بسوء النية ، بل يعتبر التصرف غير نافذ و لو كان كل من المدين و المتبرع إليه الأول حسني النية , لأن دفع الضرر مقدم على جلب المنفعة .

بواسطة باحث قانوني

تطبيقات حصرية و خاصة للدعوى البوليصية أو دعوى عدم نفاذ التصرفات