هذه الحالات منصوص عليها صراحة في المادة (161) من قانون التنفيذ الفلسطيني سنتناولها كالآتي:

.1 حبس الأشخاص الذين صدق كاتب العدل على اقتدارهم:

نصت المادة (161) من قانون التنفيذ الفلسطيني على أنه “لا حاجة لطلب إثبات اقتدار الأشخاص المذكورين أدناه، عند طلب حبسهم: “

2. المدين الذي صدق كاتب العدل على اقتداره :

والذين كفلوا المدين في دائرة التنفيذ. يتضح من خلال النص السابق أن مصادقة كاتب العدل كجهة رسمية على اقتدار شخص تكفى بحد ذاتها لحبسه دون بينة حول القدرة المالية، حيث أن مصادقة كاتب العدل على المستند تعطيه الصفة الكفيلة بعدم احتمال وجود أي فرض يخالف طبيعة الكفاءة المالية(1) وأرى أن المشرع الفلسطيني قد جانب الصواب في النص على مثل هذه الحالة على إطلاقها، إذ أنه من المحتمل حدوث وقائع جديدة تؤثر على الملاءة المالية سواء للدائن أو الكفيل، الذي قد يقدم أدلة جديدة تثبت تبدل أحواله المادية للأسوأ، أونه لم يعد باستطاعته أن يدفع المبالغ المحكوم بها عليه حيث إن مقتضيات العدالة تقتضى ذلك، وهو ما ذهب إليه المشرع الإماراتي حيث نص في المادة(342/2) من قانون الاجراءات المدنية الاماراتي (11)لسنة 1992 على انه (2):-

يعتبر المدين مقتدر ويصدر قاضي التنفيذ أمر بحبسه إذا امتنع عن الوفاء وذلك في أي من الحالات التالية… إذا كان الدين هو قسط أو أكثر من الأقساط على المدين، وكان المدين ممن كفلوا المدين الأصلي بالدفع أمام المحكمة أو قاضي التنفيذ إلا إذا اثبت المدين حصول وقائع جديدة بعد تقرير الأقساط عليه أو بعد إعطائه الكفالة وأثرت على سلامة ملاءته وجعلته غير قادر على دفع الأقساط أو قيمة الكفالة أو أي جزء منها “.

.1 الحبس لعدم دفع الحقوق الشخصية الناشئة عن جرم:

نصت المادة (161/2)على انه : 1.لا حاجة لطلب إثبات اقتدار الأشخاص المذكورين أدناه، عند طلب حبسهم… 2. المحكوم عليه بالحقوق الشخصية الناشئة عن جرم دون حاجة لإثبات اقتداره”.

حيث أجاز المشرع الفلسطيني حبس المدين لعدم دفعه التعويض عن الأضرار الناشئة عن جرم جزائي ، دون حاجة لإثبات اقتداره سواء كان الحكم بالتعويض صادرعن محكمة جزائية أم محكمة مدنية بعد صدور الحكم الجزائي من المحكمة الجزائية المختصة(3) وفقا لما هو منصوص عليه في المادة (195) من قانون الاجراءات الجزائية رقم 3 لسنة 2001 الفلسطيني حيث نصت على أنه” 1. يجوز إقامة دعوى الحق المدني تبعا للدعوى الجزائية أمام المحكمة المختصة، كما تجوز إقامتها على حدة لدى القضاء المدني وفي هذه الحالة يوقف النظر في الدعوى المدنية إلى أن يفصل في الدعوى الجزائية بحكم بات، ما لم يكن الفصل في الدعوى الجزائية قد أوقف لجنون المتهم. 2. إذا أقام المدعي المدني دعواه لدى القضاء المدني فلا يجوز له بعد ذلك إقامتها لدى القضاء الجزائي ما لم يكن قد أسقط دعواه أمام المحكمة المدنية . “فلم يشترط المشرع إقامة دعوى الحق الشخصي أو الدعوى المدنية أمام المحاكم المدنية، فيمكن أن ترفع هذه الدعوى أمام المحكمة الجزائية وتنظر فيها تبعا لدعوى الحق العام، كما يمكن رفعها مستقلة أمام المحاكم المدنية، ولكن في حالة البت في التعويض من قبل المحكمة المدنية يجب أن يكون الجرم قد تقرر مسبقا وبصورة نهائية من قبل المحكمة الجزائية ، بحيث تكون المحكمة المدنية اعتمدت في حكمها على حكم المحكمة الجزائية والا امتنع طلب الحبس دون إثبات الاقتدار(4)

مثال ذلك، من يحكم عليه بارتكاب جريمة إصدار شيك بدون رصيد لا يجوز حبسه، لأن التعويض المحكوم به ليس بناء على ارتكاب تلك الجريمة بل هو مبلغ مستحق في ذمة المحكوم عليه قبل وقوع الجريمة، لذلك إذا أثبت المدين عدم اقتداره فلا يجوز حبسه وتجدر الإشارة إلى أن المشرع الفلسطيني لم يقصر الجرم الجزائي على قانون العقوبات فقط بل جاء اللفظ ) جرم( عام ليشمل كل جرم يقع تحت طائلة أي قانون جزائي كقانون العقوبات العسكري وقانون السير طالما أن الفعل الذي سبب الضرر يعد جرما يعاقب عليه القانون(5) ولا يشترط أن يحكم المدين بعقوبة جزائية، فقد يعفى من العقاب لوجود بسبب من أسباب الإعفاء منه، إلا انه يشترط للقول بجواز الحبس في هذه الحالة أن يكون التعويض المقضي به من المحكمة المدنية من أجل ذات الفعل الذي أدين به المدين في المحكمة الجزائية (6) ويهدف المشرع من هذا الاستثناء، تقرير ضمانة كافية لتنفيذ الحكم الصادر بتعويض الضرر الناشئ عن جرم جزائي، بإعطاء المضرور من الجريمة الحق في طلب حبس المدين دون حاجة لإثبات اقتداره تحقيقا للعدالة للمضرور من الجريمة (7) وتستوفي التعويضات في حالة وفاة المحكوم عليه من التركة، ولا يجوز حبس الورثة لإكراههم على تنفيذها أو التنفيذ على أموالهم الخاصة، واذا صدر الحكم بالتعويض عن الأضرار المتولدة عن جرم جزائي على المحكوم عليهم بالتضامن قسم المبلغ بينهم بالتساوي وحبس كل منهم عن الجزء الذي يصيبه (8) وفي حال اتهم شخص بارتكاب عدة جرائم ورأت المحكمة أنها مرتبطة ببعضها ارتباطا لا يقبل التجزئة وقضت بعقوبة الجرم الأشد، وكان التعويض الذي قضي به للمتضرر في احدي الجرائم التي لم يقض بها جزائيا ففي هذه الحالة يجوز الحبس من أجل تحصيل التعويض رغم عم ايقاع العقوبة المقررة لهذه الجريمة، كما لا يجوز تطبيق حبس المدين في حالة الحكم بالرد وهو اعادة الحال إلى ما كانت عليه قبل الجرم، وكذلك لا يمكن الحكم بتطبيقه في حالة الحكم بنفقات النشر في الجرائد(9)و الفرق بين الرد والتعويض المني، يتمثل في أن الرد يمثل استحقاق الشيء، بينما التعويض فهو ما يقابل الضرر المادي أو المعنوي الذي لحق الضحية من جراء الجريمة، كما أن الرد يمكن أن يقترن مع التعويض في حالة عدم استغراق الاسترداد لكل مجال الضرر الحاصل، أما التعويض اذا حكم به لوحده في حالة استحالة الرد فإنه يستغرق ما يقوم مقام الضرر بالإضافة الى ما زاد عن ذلك الضرر(10)

.2 الحبس لعدم دفع النفقة:

نصت المادة (161/3) على أنه: “لا حاجة لطلب إثبات اقتدار الأشخاص المذكورين أدناه، عند طلب حبسهم،… 3. المحكوم عليه بنفقة للزوجة أو الأصول أو الفروع أو الأقارب إذا امتنع عن دفعها دون حاجة لإثبات اقتداره .أجاز النص السابق حبس المدين بنفقة للزوجة أو للأصول أو للفروع أو للأقارب إذا امتنع عن دفعها كلها أو أي قسط منها ودون حاجة لإثبات اقتدار المدين. يقصد بالنفقة ” المال الواجب على الشخص تجاه الآخر بسبب ا ربطة الزوجية أو القرابة بحيث تشمل نفقة الطعام والكسوة والسكن وخدمة الزوجة )إن كان لمثلها خدم( والتطبيب بالقدر المعروف (11)، ولا يلحق بالنفقة تابع المهر )عفش البيت( حيث يعتبر دين للزوجة في ذمة الزوج، وبالتالي لا يصح حبس المدين الزوج إلا في حالة دين النفقة فقط ولا يجوز حبسه على باقي الديون وهو ما قضت به محكمة استئناف غزة في الاستئناف رقم (298/2012) بتاريخ 28/5/2012. وذلك حفاظا على الروابط الأسرية وهوما أكدت عليه محكمة استئناف غزة في حكمها الصادر بتاريخ 20/5/20131، في الاستئناف رقم (275/2013) بتاريخ 30/4/2013.

ويجوز حبس من تتوجب عليه النفقة المقررة بحكم أو باتفاق الطرفين سواء أكانت حالة أو متراكمة لعموم النص، ولأن فوات الوقت عليه ليس من شأنه أن يبدل التكييف القانوني لها في أنها نفقة(12) وقد حصر القانون الحكم بالنفقة للزوجة أو الأصول أو الفروع أو الأقارب وهو ما قضت به محكمة استئناف تنفيذ رام الله في الاستئناف رقم )441/2010)الاستئناف رقم (447/2010) لذلك لا يجوز طلب الحبس إذا لم يكن مصدر النفقة الزوجية أو القرابة المحددة في قوانين الأحوال الشخصية، كأن يتفق شخص مع آخر غير ملزم بالإنفاق عليه قانونا على الإنفاق عليه، لأن مثل هذا الاتفاق لا يشمل الدين لصفة النفقة التي حددها القانون ولا يعطى الحق بحبس المدين إلا بعد إثبات اقتداره (13) وما سبق بيانه لا يتعارض مع ما ذهب إليه المشرع الفلسطيني من عدم إجازة الحبس إذا كان المحكوم به دينا بدين الأزواج شريطة أن تكون الزوجية قائمة وقت طلب الحبس أو دينا للفروع على الأصول(14) ، وهو ما قضت به محكمة استئناف غزة في الاستئناف رقم (528/2013) 22/9/2013 حيث إن المادة (163) منعت حبس المدين بالدين المحكوم به بين الزوج وزوجته على إطلاقه، فكان الأجر بالمشرع الفلسطيني أن يستثنى الدين المحكوم عليه بالنفقة في ذات المادة منعا لأي لبس ممكن أن يثار في هذه النقطة.

وكان حري بالمشرع الفلسطيني لو أضاف إلى حالات حبس المدين التي لا تحتاج إلى إثبات اقتداره، الأجر المستحق للعامل كما فعل المشرع المصري في المادة (26) مكرر من القانون رقم (1) لسنة 2000 والتي نصت على أنه “إذا امتنع المحكوم عليه عن تنفيذ الحكم النهائي الصادر في دعاوي النفقات والأجور وما في حكمها”.لأن العامل هو الطرف الضعيف وليس له سوى أجره كوسيلة للحياة فكان لابد أن يحيطه المشرع بضمانات و وسائل كافية تضمن حقه.

.3 الحبس لقاء الدين الناشئ عما له مقابل ما في حوزة المدين:

نصت المادة (161) من قانون التنفيذ الفلسطيني على أنه ” لا حاجة لطلب إثبات اقتدار الأشخاص المذكورين أدناه، عند طلب حبسهم…. 4. المدين بدين ناشئ عما له مقابل ما في حوزة المدين كثمن المبيع أو التأمين فلا حاجة لإثبات اقتداره”. أجاز المشرع الفلسطيني حبس المدين إذا كان هذا الدين ناشئ عما له مقابل لدى المدين واعتبر وجود ذلك المقابل قرينة قوية على قدرة المدين على الوفاء، وهو ما قضت به محكمة استئناف رام الله في الاستئناف رقم (244/2010) بتاريخ 6/4/2010 وهذا متفق مع ما جاءت به الشريعة الاسلامية.

وضرب المشرع أمثلة على ما يعد مقابل ما في حوزة المدين كثمن المبيع والتأمين والعربون، وترك المجال مفتوحا للقياس على تلك الأمثلة، وتحديد شمولية تلك المادة متروك لقاضي التنفيذ إذ هو الذي يحدد إذا كان الدين المحكوم به ناشئا عما له مقابل ما في حوزة المدين أم لا(15) وقد جانب المشرع الفلسطيني الصواب حينما لم يشترط أن يكون ذلك المقابل الموجودة في حوزة المدين قد هلك، وبالتالي فلا يجوز حبس المدين إذا ثبت هلاك ذلك المقابل إلا بعد ثبوت اقتدار المدين ولا فرق في هذه الحالة أن يكون الهلاك عائدا للمدين أو خارجا عن إردته، لذلك نأمل من المشرع الفلسطيني أن يأخذ هذه الحالة بعين الاعتبار، وتنظيمها منعا لأي لبس في هذا الموضوع. وتجدر الإشارة إلى أن عبارة)دون حاجة لإثبات اقتداره( لا داعي لها، وهي تزيد على النص لا تضيف أي جديد، لذلك يجب حذفها، لأن بداية المادة نصت على أنه لا حاجة لإثبات اقتدار الاشخاص المذكورين أدناه عند طلب حبسهم، فهذه العبارة أغنت عن العبارة سابقة الذكر.__

_________________

1- رائد عبد الحميد، الوجيز في شرح قانون التنفيذ الفلسطيني رقم 23 لسنة 2005، الطبعة . الأولي، 2008،ص

2- قانون الاجراءات المدنية رقم (11) لسنة 1992، عدد 235، الجريدة الرسمية 8/3/1992.

3- صلاح الدين شوشاري ، صلاح الدين شوشاري التنفيذ الجبري الطبعة الاولى دار الثقافة عمان 2009ص 293.

4- محمد خلف بني سلامة وخلوق ضيف الله آغا، حبس المدين في الفقه الإسلامي والقانون . الأردني، مجلة الشريعة والقانون، العدد السابع والاربعون، يوليو 2011ص413.

5- عباس العبودي، تاريخ القانون، الطبعة الأولى، دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان، 1998

6- محمد خلف بني سلامة وخلوق ضيف الله آغا ،مرجع سابق ،ص415.

7- صلاح الدين شوشاري التنفيذ الجبري الطبعة الاولى دار الثقافة عمان 2009،ص 293.

8- احمد ابو الزين ،تعريف الحبس التنفيذي وطبيعته سوريا مقال منشور على الموقع الالكتروني

justice-lawhome.com/vb/showthread.php?=18870.

9- عمار حاج علي ، الحبس التنفيذي ص1 مقال مشور على الموقع الالكترني www.startimes.com/?=15536936

10- الاكراه البدني السنة الجامعية 2010-2011،ص5 بحث منشور على الموقع الالكتروني

3w4p7/preview.html… http://dc128. 1share

11- محمد خلف بني سلامة وخلوق ضيف الله آغا ،مرجع سابق ، 416.ص

12- احمد ابو الزين ، مرجع سابق ص2.

13- عباس العبودي ، مرجع سابق ص162.

14- صلاح الدين شوشاري، مرجع سابق ص294.

15- مبارك محمد عبد المحسن، حبس المدين طريقا من طرق التنفيذ الجبري )دراسة في القانون

. الكويتي(، جامعة الشرق الأوسط،2012،ص54.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .