خارجون عن القانون … لا «محتسبون

هاني الظاهري

عندما خرج مجموعة من الإرهابيين القتلة لسفك دماء المسلمين في بيت الله الحرام، وانتهاك حرمة المكان والزمان، قبل أكثر من 33 عاماً، في ما عرف بـ «حادثة جهيمان»، زعم بعضهم أنهم خرجوا للاحتساب ضد ما يعتقدون أنه مخالف للشريعة الإسلامية، على رغم اعترافاتهم لاحقاً بأنهم ليسوا سوى أتباع لدعوة فاسدة، استغلت جهلهم وحماقتهم لتقنعهم بخروج «المهدي المنتظر»، الذي لم يكن حينها إلا مخبولاً يُدعى «محمد القحطاني»، وهو صهر المدعو «جهيمان» الذي سفك الدم الحرام، في البيت الحرام، في الشهر الحرام، لإجبار الطائفين، المتقين، الركع، السجود، على مبايعة صهره المخبول على السمع والطاعة لنشر الدين الحق «كما زعم»، قبل أن تتمكن قوات الأمن من القبض عليه هو وعصابته ويحاكمون شرعاً بما جنت أيديهم.

اليوم وبعد مرور ثلاثة عقود من الزمن، يزعم بعض الخارجين عن القانون والنظام، الذين يهاجمون الناس ويرعبونهم في بعض المناسبات والأنشطة الوطنية والثقافية، أن هدفهم الاحتساب ضد ما يصفونه بالمخالفات الشرعية، ليكشفوا بذلك أن ديدن الخوارج واحد، وأن الحجة ذاتها لا تزال تُرفع كغطاء لأنشطتهم وتوجهاتهم المشبوهة، على رغم أن السلطة الشرعية للبلاد خصصت جهازاً نظامياً للاحتساب هو «هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر»، كما أصدر ولي الأمر أمراً كريماً يقصر هذه المسألة على الجهات الرسمية بعيداً من مزايدات الجهلة وأصحاب الأهداف السياسية «السريّة»، الذين لا يريدون الخير لهذا الوطن وأهله، بل يطمحون إلى إشاعة الفوضى، ويقاتلون بكل ما أوتوا من حمق لتشويه صورة أي مناسبة وطنية تنظمها الجهات الرسمية، أي أنهم يستهدفون من يقف خلف المناسبة لا المناسبة نفسها، والعتب كل العتب على بعض وسائل الإعلام التي تسمي هؤلاء «محتسبين» أثناء تغطيتها للأحداث التي يثيرونها، بينما الوصف الصحيح لهم هو «مثيرو الشغب والفوضى»، فالمحتسب – كما أشرت سابقاً – وصف لا يجوز أن يطلق نظاماً إلا على «أعضاء هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» أثناء أدائهم لعملهم الميداني، أو «المدعي العام» في دعاوى الاحتساب قضائياً.

بعد أيام قليلة تنطلق في العاصمة السعودية فعاليات «معرض الكتاب»، الذي سبق أن تعرض لهجمات من هؤلاء الخارجين على النظام في الأعوام الماضية، والملاحظ أن هناك تحركات مشبوهة حالياً عبر مواقع التواصل الاجتماعي ضد هذه الاحتفالية الثقافية الأبرز في المملكة، تبدأ بدعوات المقاطعة، ولا تنتهي بدعوات إلغاء المعرض، وهو الأمر الذي يجب أن تُتخذ معه التدابير الكافية لمحاسبة كل من تسول له نفسه محاولة تشويه، أو إفساد هذه المناسبة، ليفهم كل متحدٍ للأنظمة، أن هناك قوانين تكفل عقابه بما يستحق، وأن حمى النظام ليس مستباحاً لكل جاهل أو مغرر به من بعض المحرضين من خلف الجدران الالكترونية.

إن التساهل مع مدّعي الاحتساب يمنحهم قوة ويزيدهم تمرداً على الأنظمة، فقد درجوا منذ القدم على عمليات جس النبض في كل مهمة مشبوهة يقومون بها، فإن وجدوا الردع الكافي اندحروا ومات مشروع «فتنتهم» في مهده، وإن تم التساهل معهم تضخموا وتزايد شغبهم، ونظروا لأنفسهم نظرة المنتصر، وظنوا أنهم نالوا من هيبة الدولة، وهذا ما يجب أن يعرفوا أنه «عشم إبليس في الجنة».