حكم تمييز اتجار (مخدرات)

محكمة التمييز
الدائرة الجزائية
جلسة 20/ 1/ 2004
برئاسة السيد المستشار/ كاظم محمد المزيدي – رئيس الجلسة
وعضوية السادة المستشارين/ محمود دياب وعاطف عبد السميع ونجاح نصار ومصطفى كامل
(12)
(الطعن رقم 96/ 2003 جزائي)
1 – محكمة استئنافية (نظرها الدعوى والحكم فيها) – حكم (تسبيب الحكم الاستئنافي).
– ليس في القانون ما يلزم المحكمة الاستئنافية أن رأت تأييد الحكم المستأنف للأسباب التي بني عليها أن تذكر تلك الأسباب في حكمها – كفاية أن تحيل عليها – علة ذلك.
2 – إثبات (شهود) – محكمة الموضوع (سلطتها في تقدير أقوال الشهود) – شرطه – استدلالات – جريمة (التحريض عليها) – مواد مخدرة.

– وزن أقوال الشاهد وتقديرها والتعويل عليها – لمحكمة الموضوع – أخذها بشهادته – مفاده: إطراح جميع الاعتبارات لحملها على عدم الأخذ بها.
– تكليف الضابط مصدره السري بشراء مخدر من الطاعن بعد أن دلت تحرياته على أنه يتجر في المواد المخدرة – إجراء مشروع ليس فيه ما يفيد التحريض على الجريمة.

3 – دفوع (الدفع بتلفيق الاتهام) – إثبات (بوجه عام) – حكم (تسبيب غير معيب).
– تلفيق الاتهام – من أوجه الدفاع الموضوعية – لا يستأهل ردًا من الحكم. استفادة الرد من أدلة الثبوت التي أوردها.
4 – دفوع (الدفع بعدم جدية التحريات) – تفتيش [(إذن التفتيش)، (إصداره)] – استدلالات – حكم (تسبيب غير معيب).
– اقتناع المحكمة بجدية الاستدلالات التي بني عليها إذن التفتيش وكفايتها لتسويغ إصداره وإقرارها النيابة على تصرفها في ذلك – فلا معقب عليها فيما ارتأته لتعلقه بالموضوع.
– عدم وجود نشاط سابق للطاعن في مجال الاتجار بالمخدرات أو حدوث تلاحق زمني للإجراءات لا ينال من جدية التحريات.
5 – إجراءات التحقيق – تمييز (سبب غير جائز) و(ما لا يصلح سببًا للطعن).
– خلو التحقيقات من مناظرة بنطال الطاعن أو تقديم نقود المباحث للمحقق – تعيب للإجراءات السابقة على المحاكمة ولا يجوز أن يكون سببًا للطعن على الحكم.

6 – مواد مخدرة – إثبات (خبرة) – محكمة الموضوع (سلطتها في تقدير الدليل).
– اطمئنان المحكمة إلى نتيجة التحليل وأن المادة التي ضبطت مع الطاعن والتي جرى تحريزها هي بذاتها التي تم تحليلها. النعي بوجود خلاف يسير في وزن المخدر – جدل موضوعي في تقدير أدلة الدعوى يستقل به قاضي الموضوع.
7 – مواد مخدرة – جريمة (أركانها) – إثبات (بوجه عام).
– العبرة في الإثبات في المواد الجزائية – باقتناع المحكمة واطمئنانها إلى الأدلة المطروحة عليها.
– الركن المادي في جريمة حيازة المواد المخدرة – لا يشترط فيه أن يكون الشخص محرزًا ماديًا للمادة المضبوطة – كفاية أن يكون سلطانه مبسوطًا عليها ولو لم تكن في حيازته المادية أو كان المحرز للمخدر شخصًا غيره.

8 – دفاع (الدفع بدس المخدر) – مواد مخدرة – حكم (تسبيب غير معيب).
– دس المخدر – دفاع بنفي التهمة – لا يستأهل ردًا طالما الرد عليه مستفادًا من أدلة الثبوت التي أوردها الحكم.
9 – مواد مخدرة – قصد جنائي – حكم (تسبيب غير معيب) – جريمة (القصد الجنائي).
– القصد الجنائي في جريمة إحراز المخدر – توافره: بتحقق الحيازة المادية وعلم الجاني أن ما يحرزه هو من المواد المخدرة الممنوعة قانونًا – تحدث المحكم استقلالاً عنه – غير لازم – متى كان ما أوردته في حكمها كافيًا في الدلالة على أن المتهم كان يعلم بأن ما يحرزه مخدرًا.

10 – مواد مخدرة – قصد جنائي – محكمة الموضوع (سلطتها في تقدير توافر القصد الجنائي) – جريمة (القصد الجنائي).
– القول بتوافر قصد الاتجار في المخدر أو بانتفائه – من مسائل الموضوع الذي يستقل قاضيه – بالفصل فيه بغير معقب – طالما يقيمه على ما ينتجه.
– قيام المتهم ببيع مخدر الهيروين للمصدر السري لقاء مبلغ من المال وإقرار المتهم بحيازته للمخدر بقصد التوسط في بيعه – كافٍ لاستظهار قصد الاتجار في حقه – عدم ضبط أدوات بحيازته مما تستعمل عادة في الاتجار بالمخدرات أو عدم ثبوت وجود نشاط سابق له في هذا المجال – لا ينال من ذلك.

11 – تمييز [(أسباب الطعن)، السبب المجهل)].
– وجه الطعن – وجوب أن يكون واضحًا ومحددًا – عدم تحديد الطاعن أوجه الدفاع التي أعرض الحكم في تناولها – نعى غير مقبول.
12 – محكمة استئنافية – إثبات (بوجه عام) و(شهود) – دفاع [(الإخلال بحق الدفاع)، (ما لا يوفره)] – تمييز (سبب غير قويم) – حكم (تسبيب غير معيب) – حكم (تسبيب غير معيب).

– المحكمة الاستئنافية – تحكم أصلاً على مقتضى الأوراق.
– الطلب الذي تلتزم محكمة الموضوع بإجابته أو الرد عليه – هو الطلب الجازم الذي يقرع سمع المحكمة ويصر عليه مقدمه ولا ينفك عن التمسك به والإصرار عليه في طلباته الختامية – إعراض المحكمة عن طلب فوض الدفاع عن الطاعن الرأي للمحكمة فيه – لا إخلال بحق الدفاع – النعي في هذا الخصوص – غير قويم.
1 – من المقرر أن المحكمة الاستئنافية إذا ما رأت تأييد الحكم المستأنف للأسباب التي بني عليها فليس في القانون ما يلزمها بأن تذكر تلك الأسباب في حكمها بل يكفي أن تحيل عليها إذ الإحالة على الأسباب تقوم مقام إيرادها وتدل على أن المحكمة قد اعتبرتها كأنها صادرة منها.

2 – من المقرر أن لمحكمة الموضوع وزن أقوال الشاهد وتقديرها والتعويل عليها مهما وجه إليها من مطاعن، ومتى أخذت بشهادة شاهد فإن ذلك يفيد أنها أطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها، وكان البين من صورة الواقعة المار بيانها أن الضابط بعد أن دلت تحرياته على أن الطاعن يتجر في المواد المخدرة كلف مصدره السري بالاتفاق معه على أن يبيعه مخدرًا وإذ تم الاتفاق بينهما تم ضبط الطاعن – بعد أن أذنت بذلك النيابة العامة – بعد تمام البيع، فإن ما قام به الضابط من تكليف المصدر بشراء المخدر من الطاعن لا يعدو أن يكون ممارسة منه لواجباته المفروضة عليه للكشف عن الجرائم، والتوصل لمرتكبيها وهو إجراء مشروع ليس فيه ما يفيد التحريض على الجريمة ويضحى منعى الطاعن في هذا الصدد ولا وجه له.

3 – الدفع بتلفيق الاتهام من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تستأهل من الحكم ردًا إذ الرد مستفاد من أدلة الثبوت التي أوردها.
4 – من المقرر أن تقدير جدية التحريات وكفايتها لإصدار الإذن بالتفتيش هو من المسائل الموضوعية التي يوكل الأمر فيها إلى سلطة التحقيق تحت إشراف محكمة الموضوع، فإذا كانت المحكمة قد اقتنعت بجدية الاستدلالات التي بني عليها إذن التفتيش وكفايتها لتسويغ إصداره وأقرت النيابة العامة على تصرفها في هذا الشأن – كما هو الحال في الدعوى الراهنة – فإنه لا معقب عليها فيما ارتأته لتعلقه بالموضوع لا بالقانون ويكون منعى الطاعن في ذلك غير قويم غير قادح في ذلك ألا يكون له نشاط سابق في مجال الاتجار بالمخدرات أو التلاحق الزمني للإجراءات إذ ليس في شيء من ذلك ما ينال من جدية التحريات.

5 – إذ كان ما يثيره الطاعن من خلو التحقيقات من مناظرة بنطاله أو تقديم نقود المباحث للمحقق إنما هو تعيب للإجراءات السابقة على المحاكمة مما لا يجوز أن يكون سببًا للطعن على الحكم، وكان الطاعن لا يذهب إلى أنه آثار شيئًا من ذلك أمام محكمة الموضوع فلا وجه للتشكي من إعراضها عن أمر لم يثره لديها ويكون منعاه في هذا الوجه غير مقبول.
6 – إذ كان مفاد ما أورده الحكم المطعون فيه في بيان الواقعة وتحصيل أدلة الثبوت أن المحكمة قد اطمأنت إلى نتيجة التحليل وأن المادة التي ضبطت مع الطاعن والتي جرى تحريزها هي بذاتها التي تم تحليلها، فلا تثريب عليها إن قضت بناءً على ذلك، وينحل ما ينعاه الطاعن في خصوص الخلاف اليسير في وزن الهيروين إلى جدل موضوعي في تقدير أدلة الدعوى مما يستقل به قاضي الموضوع ويضحى منعى الطاعن في هذا الشأن غير قويم.

7 – العبرة في الإثبات في المواد الجزائية هي باقتناع المحكمة واطمئنانها إلى الأدلة المطروحة عليها، وكان لا يشترط لاعتبار الشخص حائزًا لمادة مخدرة أن يكون محرزًا ماديًا لها بل يكفي لاعتباره كذلك أن يكون سلطانه مبسوطًا عليها ولو لم تكن في حيازته المادية أو كان المحرز للمخدر شخصًا غيره، وكان الحكم المطعون فيه قد دلل على حيازة وإحراز الطاعن للمخدر المضبوط بما أثبته من ضبط الطاعن حال بيعه المخدر للمصدر السري وضبط جزء من ذات المخدر بسيارته فإن ما يثيره من عدم ضبط مخدر معه يكون على غير أساس.

8 – دفاع الطاعن بدس المخدر المضبوط بسيارته عليه دون علمه إن هو إلا دفاع بنفي التهمة وهو من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تستأهل ردًا طالما كان الرد عليها مستفادًا من أدلة الثبوت التي أوردها الحكم.
9 – القصد الجنائي في جريمة إحراز المخدر يتوافر بتحقق الحيازة المادية وعلم الجاني بأن ما يحرزه هو من المواد المخدرة الممنوعة قانونًا، وكانت المحكمة غير مكلفة بالتحدث على استقلال عن هذا القصد متى كان ما أوردته في حكمها كافيًا في الدلالة على أن المتهم كان يعلم بأن ما يحرزه مخدرًا وإذ كان الحكم قد أورد أن الطاعن اتفق مع المصدر السري على بيعه قسمًا من المخدر المضبوط وأنه اعترف بتحقيق النيابة بإحرازه المخدر المضبوط مقررًا أنه مجرد وسيط في بيعه، وكان الطاعن لم يدفع بانتفاء هذا العلم،

وكان ما أورده الحكم دالاً على توافره في حق الطاعن فإنه لا محل لما ينعاه من أن الحكم لم يعنِ ببيانه.
10 – القول بتوافر قصد الاتجار في المخدر أو بانتفائه هو من الموضوع الذي يستقل قاضيه بالفصل فيه بغير معقب طالما يقيمه على ما ينتجه، وكان الحكم المطعون فيه قد استدل على توافر قصد الاتجار في حق الطاعن في قوله (….. وكان الثابت من التحقيقات أن المتهم قام ببيع كمية من مخدر الهيروين للمصدر السري لقاء مبلغ من المال وقد أقر المتهم بحيازته للمخدر بقصد التوسط في بيعه – ومن ثم فقد توافر في حقه الاتجار) وهو ما يكفي للاستظهار قصد الاتجار في حق الطاعن ولا ينال من ذلك عدم ضبط أدوات بحوزته مما يستعمل عادة في الاتجار بالمخدر أو عدم ثبوت وجود نشاط سابق له في هذا المجال إذ ليس من شأن عدم توافر أيهما أو كلاهما ما ينال من الحقيقة التي اقتنعت بها المحكمة وأوردت دليلها ويكون ما أثاره الطاعن في هذا المنعى ولا محل له.

11 – إذ كان الطاعن لم يحدد أوجه الدفاع التي أعرض الحكم عن تناولها فإن ما يثيره بهذا الشأن لا يكون مقبولاً لما هو مقرر من أنه يجب لقبول وجه الطعن أن يكون واضحًا محددًا.
12 – من المقرر أن الطلب الذي تلتزم محكمة الموضوع بإجابته أو الرد عليه هو الطلب الجازم الذي يقرع سمع المحكمة ويصر عليه مقدمه ولا ينفك عن التمسك به والإصرار عليه في طلباته الختامية. لما كان ذلك، ولئن كان المدافع عن الطاعن أمام محكمة الموضوع بدرجتيها قد قدم مذكرة طلب فيها سماع أقوال ضابط الواقعة إلا أنه وبعد أن أبدى هذا الطلب أمام المحكمة الاستئنافية في مرافعته الشفوية عاد وفوضها الرأي فيه منتهيًا إلى طلب البراءة أصليًا واحتياطيًا استعمال الرأفة ومن ثم فإن ما تمسك به المدافع عن الطاعن في مرافعته أمام المحكمة الاستئنافية أو في مذكرته التي أعدت سالفًا وقدمت إليها لم يعد طلبًا جازمًا إذ لم يصر عليه في طلباته الختامية أثناء مرافعته الشفوية بعد أن فوض الرأي فيه للمحكمة التي رأت بما لها من سلطة تقديرية عدم إجابته إليه سيما أن المحكمة الاستئنافية إنما تحكم أصلاً على مقتضى الأوراق فإذا عرضت عن طلب الطاعن فإن مفاد ذلك أنها لم ترَ حاجة لسماع شهادة الشاهد ولا تكون قد أخلت بحق الدفاع ويكون النعي على الحكم في هذا الخصوص غير قويم.

الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه في يوم 4/ 8/ 2002 بدائرة المباحث الجنائية – محافظة العاصمة. 1 – حاز وأحرز مادة مخدرة (هيروين) وكان ذلك بقصد الاتجار وفي غير الأحوال المصرح بها قانونًا. 2 – حاز وأحرز مؤثرات عقلية (ديازيبام وفينوباريتون) وكان ذلك بقصد الاتجار في غير الأحوال المصرح بها قانونًا. 3 – ارتكب ما يعد في حكم التهريب الجمركي بأن حاز البضاعة الممنوعة سالفة البيان دون أن يقدم ما يثبت استيرادها بصورة نظامية. وطلبت عقابه بالمواد (1)، (2)، (31 مكرر 1، (د))، (32/ 1 ( أ))، (32 مكرر، 1/ 1)، 39/ 1، 45/ 2، 3، (46) من القانون رقم 74 لسنة 1983 في شأن مكافحة المخدرات وتنظيم استعمالها والاتجار فيها المعدل بالقانون 13 لسنة 1995 والبند (43) من الجدول رقم (1) المحلق بالقانون المذكور، (1)، 2/ 1، (3)، (38/ 1 (أ))، 49/ 1 من المرسوم بالقانون رقم 48 لسنة 1987 في شأن مكافحة المؤثرات العقلية وتنظيم استعمالها والاتجار فيها والبندين رقمي (28)، (72) من الجدول رقم 4 الملحق بالقانون المذكور والمواد 1/ 9، (2)، 17/ 6، (19)، (20) من المرسوم بالقانون رقم 13 لسنة 1980 في شأن الجمارك. وحكمت محكمة الجنايات حضوريًا بحبس المتهم خمسة عشر سنة مع النفاذ وتغريمه عشرة آلاف دينار وإلزامه بغرامة جمركية مقدارها ألف دينار ومصادرة المضبوطات وأمرت بإبعاده عن البلاد عقب تنفيذ العقوبة المقضى بها استأنف كما استأنفت النيابة العامة. وبتاريخ 1/ 2/ 2003 قضت محكمة الاستئناف بقبول الاستئنافين شكلاً وفي الموضوع بتعديل الحكم المستأنف فيما قضى به من عقوبة أصلية والاكتفاء بمعاقبة المتهم بالحبس المؤبد عما أسند إليه في التهمتين الأولى والثانية وبتأييده فيما قضى به من مصادرة المضبوطات وإبعاد المتهم عن البلاد وبإلغاء الحكم فيما قضى به من إدانة المتهم عن التهمة الثالثة (التهريب الجمركي الحكمي) وببراءته منها. فطعن المحكمة عليه بالتمييز.

المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع المرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى الشكل المقرر في القانون.
وحيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمتي إحراز مخدر الهيروين والمؤثرات العقلية بقصد الاتجار قد شابه القصور والفساد في الاستدلال والإخلال بحق الدفاع والخطأ في تطبيق القانون، ذلك أنه أخذ بأسباب الحكم المستأنف – التي جاءت غامضة ومبهمة – دون أن ينشئ لقضائه أسبابًا جديدة وعوّل في قضائه على شهادة ضابط الواقعة رغم عدم صحتها أو معقوليتها، ورغم أن دفعه المصدر السري لشراء المخدر من الطاعن ينطوي على تحريضه على ارتكاب الجريمة، التي تمسك بأنها ملفقة فلم يحفل الحكم بما قال، وأطرح دفعه ببطلان إذن النيابة العامة بالقبض عليه وتفتيشه لإبتنائه على تحريات غير جدية إذ جرى في فترة زمنية وجيزة تلاحقت فيها الإجراءات كما ناقضها ما ثبت من عدم وجود نشاط سابق للطاعن في مجال الاتجار بالمخدرات، فاطرح الحكم هذا الدفع بما لا يسوغ إطراحه، كما أن نقود المباحث المرقمة لم تعرض على المحقق وكذلك البنطال الذي كان يرتديه الطاعن وقت الضبط وهو ما لم تناظره المحكمة أيضًا، وثبت أن هناك خلافُ في وزن المخدر بين ذلك الذي رصده المحقق وهذا الذي أثبته تقرير الإدارة العام للأدلة الجنائية بما يثير الشك حول قيام الجريمة.

وهو ما لم تفطن إليه المحكمة، ولم يعرض الحكم لدفعه ببطلان اعترافه لضابط الواقعة لحصوله نتيجة إكراه مادي ومعنوي، هذا إلى تخلف الركن المادي للجريمتين اللتين دين بهما حيث إن المخدر ضبط بحوزة المصدر السري وذلك الذي ضبط بسيارة الطاعن إنما دس عليه دون علمه وهو ما يتخلف معه القصد الجنائي أيضًا الذي قعد الحكم عن استظهاره واستدل الحكم على توافر قصد الاتجار في حقه بما لا ينتجه سيما وقد خلت الأوراق من وجود نشاط سابق للطاعن في هذا المجال ولم تضبط أدوات مما تستخدم عادة في الاتجار بالمخدر، وأعرض الحكم عن أوجه الدفاع التي ضمنها مذكرته المقدمة إلى المحكمة الاستئنافية التي أعرضت أيضًا عن طلبه سماع ضابط الواقعة. كل ذلك يعيب الحكم ويستوجب تمييزه.

وحيث إن الحكم الابتدائي المأخوذ بأسبابه والمكمل بالحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما مؤداه أن تحريات ضابط الواقعة قد دلت على أن الطاعن يتجر بالمواد المخدرة فحصل على إذن من النيابة العامة بالقبض عليه وتفتيشه بعد أن دفع إليه بأحد مصادره السرية الذي اتفق معه على شراء كمية من الهيروين بمبلغ سبعمائة دينار وكمن في المكان المتفق عليه حتى حضر الطاعن وسلم للمصدر كيسًا بداخله المخدر وتسلم منه مبلغ النقود التي ضبطها بقبضة يد الطاعن بعد أن سلم المصدر المخدر وبتفتيش سيارة الأول عثر بها على مادة يِشتُبَه بها وإذ واجه الطاعن أقر له بحيازته المضبوطات بقصد الاتجار،

وساق الحكم على ثبوت الواقعة على هذه الصورة في حق الطاعن أدلة استمدها من شهادة الضابط وتقرير الإدارة العامة للأدلة الجنائية واعتراف المتهم بتحقيق النيابة العامة وهي أدلة سائغة من شأنها أن تؤدى إلى ما رتَب عليها أورد الحكم الابتدائي مضمونها في بيان كافٍ بغير ما غموض أو إيهام – كما ذهب الطاعن – واعتنقها الحكم المطعون فيه فبات ما يثيره الطاعن على الحكم في هذا الخصوص ولا محل له. لما تقدم ولما هو مقرر من أن المحكمة الاستئنافية إذا ما رأت تأييد الحكم المستأنف للأسباب التي بني عليها فليس في القانون ما يلزمها بأن تذكر تلك الأسباب في حكمها بل يكفي أن تحيل عليها إذ الإحالة على الأسباب تقوم مقام إيرادها وتدل على أن المحكمة قد اعتبرتها كأنها صادرة منها.

لما كان ذلك، وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع وزن أقوال الشاهد وتقديرها والتعويل عليها مهما وجه إليها من مطاعن، ومتى أخذت بشهادة شاهد فإن ذلك يفيد أنها أطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها، وكان البين من صورة الواقعة المار بيانها أن الضابط بعد أن دلت تحرياته على أن الطاعن يتجر في المواد المخدرة كلف مصدره السري بالاتفاق معه على أن يبيعه مخدرًا وإذ تم الاتفاق بينهما تم ضبط الطاعن – بعد أن أذنت بذلك النيابة العامة – بعد تمام البيع، فإن ما قام به الضابط من تكليف المصدر بشراء المخدر من الطاعن لا يعدو أن يكون ممارسة منه لواجباته المفروضة عليه للكشف عن الجرائم، والتوصل لمرتكبيها وهو إجراء مشروع ليس فيه ما يفيد التحريض على الجريمة ويضحى منعى الطاعن في هذا الصدد ولا وجه له. لما كان ذلك، وكان الدفع بتلفيق الاتهام من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تستأهل من الحكم ردًا إذ الرد مستفاد من أدلة الثبوت التي أوردها. وكان من المقرر أن تقدير جدية التحريات وكفايتها لإصدار الإذن بالتفتيش هو من المسائل الموضوعية التي يوكل الأمر فيها إلى سلطة التحقيق تحت إشراف محكمة الموضوع، فإذا كانت المحكمة قد اقتنعت بجدية الاستدلالات التي بني عليها إذن التفتيش وكفايتها لتسويغ إصداره وأقرت النيابة العامة على تصرفها في هذا الشأن – كما هو الحال في الدعوى الراهنة – فإنه لا معقب عليها فيما ارتأته لتعلقه بالموضوع لا بالقانون ويكون منعى الطاعن في ذلك غير قويم غير قادح في ذلك إلا يكون له نشاط سابق في مجال الاتجار بالمخدرات أو التلاحق الزمني للإجراءات إذ ليس في شيء من ذلك ما ينال من جدية التحريات. لما كان ذلك،

وكان ما يثيره الطاعن من خلو التحقيقات من مناظرة بنطاله أو تقديم نقود المباحث للمحقق إنما هو تعيب للإجراءات السابقة على المحاكمة مما لا يجوز أن يكون سببًا للطعن على الحكم، وكان الطاعن لا يذهب إلى أنه آثار شيئًا من ذلك أمام محكمة الموضوع فلا وجه للتشكي من إعراضها عن أمر لم يثره لديها ويكون منعاه في هذا الوجه غير مقبول. لما كان ذلك، وكان مفاد ما أورده الحكم المطعون فيه في بيان الواقعة وتحصيل أدلة الثبوت أن المحكمة قد اطمأنت إلى نتيجة التحليل وأن المادة التي ضبطت مع الطاعن والتي جرى تحريزها هي بذاتها التي تم تحليلها، فلا تثريب عليها إن قضت بناءً على ذلك، وينحل ما ينعاه الطاعن في خصوص الخلاف اليسير في وزن الهيروين إلى جدل موضوعي في تقدير أدلة الدعوى مما يستقل به قاضي الموضوع ويضحى منعى الطاعن في هذا الشأن غير قويم. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه – خلافًا لما ذهب الطاعن – قد أطرح دفعه ببطلان اعترافه للإكراه استنادًا إلى أنه دفع مرسل بلا دليل يظاهره في الأوراق وإن اعترافه جاء طواعية منه وعن إرادة حرة واعية، وكان هذا الذي رد به الحكم يواجه الدفع على النحو الذي أبداه الطاعن ويسوغ به إطراحه فإن النعي على الحكم في هذا الصدد يكون في غير محله. لما كان ذلك، وكانت العبرة في الإثبات في المواد الجزائية هي باقتناع المحكمة واطمئنانها إلى الأدلة المطروحة عليها، وكان لا يشترط لاعتبار الشخص حائزًا لمادة مخدرة أن يكون محرزًا ماديًا لها بل يكفي لاعتباره كذلك أن يكون سلطانه مبسوطًا عليها ولو لم تكن في حيازته المادية أو كان المحرز للمخدر شخصًا غيره،

وكان الحكم المطعون فيه قد دلل على حيازة وإحراز الطاعن للمخدر المضبوط بما أثبته من ضبط الطاعن حال بيعه المخدر للمصدر السري وضبط جزء من ذات المخدر بسيارته فإن ما يثيره من عدم ضبط مخدر معه يكون على غير أساس. لما كان ذلك، وكان دفاع الطاعن بدس المخدر المضبوط بسيارته عليه دون علمه إن هو إلا دفاع بنفي التهمة وهو من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تستأهل ردًا طالما كان الرد عليها مستفادًا من أدلة الثبوت التي أوردها الحكم. لما كان ذلك، وكان القصد الجنائي في جريمة إحراز المخدر يتوافر بتحقق الحيازة المادية وعلم الجاني بأن ما يحرزه هو من المواد المخدرة الممنوعة قانونًا، وكانت المحكمة غير مكلفة بالتحدث على استقلال عن هذا القصد متى كان ما أوردته في حكمها كافيًا في الدلالة على أن المتهم كان يعلم بأن ما يحرزه مخدرًا وإذ كان الحكم قد أورد أن الطاعن اتفق مع المصدر السري على بيعه قسمًا من المخدر المضبوط وأنه اعترف بتحقيق النيابة بإحرازه المخدر المضبوط مقررًا أنه مجرد وسيط في بيعه، وكان الطاعن لم يدفع بانتفاء هذا العلم، وكان ما أورده الحكم دالاً على توافره في حق الطاعن فإنه لا محل لما ينعاه من أن الحكم لم يعنِ ببيانه.

لما كان ذلك، وكان القول بتوافر قصد الاتجار في المخدر أو بانتفائه هو من الموضوع الذي يستقل قاضيه بالفصل فيه بغير معقب طالما يقيمه على ما ينتجه، وكان الحكم المطعون فيه قد استدل على توافر قصد الاتجار في حق الطاعن في قول (….. وكان الثابت من التحقيقات أن المتهم قام ببيع كمية من مخدر الهيروين للمصدر السري لقاء مبلغ من المال وقد أقر المتهم بحيازته للمخدر بقصد التوسط في بيعه – ومن ثم فقد توافر في حقه الاتجار) وهو ما يكفي للاستظهار قصد الاتجار في حق الطاعن ولا ينال من ذلك عدم ضبط أدوات بحوزته مما يستعمل عادة في الاتجار بالمخدر أو عدم ثبوت وجود نشاط سابق له في هذا المجال إذ ليس من شأن عدم توافر أيهما أو كلاهما ما ينال من الحقيقة التي اقتنعت بها المحكمة وأوردت دليلها ويكون ما أثاره الطاعن في هذا المنعى ولا محل له.

لما كان ذلك، وكان الطاعن لم يحدد أوجه الدفاع التي أعرض الحكم عن تناولها فإن ما يثيره بهذا الشأن لا يكون مقبولاً لما هو مقرر من أنه يجب لقبول وجه الطعن أن يكون واضحًا محددًا. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن الطلب الذي تلتزم محكمة الموضوع بإجابته أو الرد عليه هو الطلب الجازم الذي يقرع سمع المحكمة ويصر عليه مقدمه ولا ينفك عن التمسك به والإصرار عليه في طلباته الختامية. لما كان ذلك، ولئن كان المدافع عن الطاعن أمام محكمة الموضوع بدرجتيها قد قدم مذكرة طلب فيها سماع أقوال ضابط الواقعة إلا أنه وبعد أن أبدى هذا الطلب أمام المحكمة الاستئنافية في مرافعته الشفوية عاد وفوضها الرأي فيه منتهيًا إلى طلب البراءة أصليًا واحتياطيًا استعمال الرأفة ومن ثم فإن ما تمسك به المدافع عن الطاعن في مرافعته أمام المحكمة الاستئنافية أو في مذكرته التي أعدت سالفًا وقدمت إليها لم يعد طلبًا جازمًا إذ لم يصر عليه في طلباته الختامية أثناء مرافعته الشفوية بعد أن فوض الرأي فيه للمحكمة التي رأت بما لها من سلطة تقديرية عدم إجابته إليه سيما أن المحكمة الاستئنافية إنما تحكم أصلاً على مقتضى الأوراق فإذا عرضت عن طلب الطاعن فإن مفاد ذلك أنها لم ترَ حاجة لسماع شهادة الشاهد ولا تكون قد أخلت بحق الدفاع ويكون النعي على الحكم في هذا الخصوص غير قويم. لما كان ما تقدم فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعينًا رفضه موضوعًا.