حق العودة” للاجئين الفلسطينيين: حق قانوني وانساني لشعب، وقومي لأمة

تشكل قضية اللاجئين الفلسطينيين واحدة من أبرز ظواهر اللاجئين في القرن العشرين، بل لعلها الفصل الاكثر مأساوية في قضايا اللاجئين في العالم ، ففيها تختلط العوامل الدينية بالقومية والانسانية بالقانونية والوجودية، مما يحوّلها قضية مزمنة تجاوزت فصولها القضية الفلسطينية لتشكل هاجساً دولياً واقليمياً وقومياً، بقدر ما هو هاجس يطال الشعب الفلسطيني برمته.

سنعالج في هذه الورقة “حق العودة” لللاجئين الفلسطينيين من منظوري القانون الدولي العام والقانون الدولي لحقوق الانسان، لنثبت انه حق جماعي لشعب وليس مجرد حق فردي فحسب، ثم نتحدث عن خطر تحول هذا الحق القانوني والسياسي والانساني الى مجرد حق اقتصادي بالتعويض، فالتعويض يرتبط ارتباطاً وثيقاً بحق العودة وليس بديلاً عنه. وفي القسم الاخير سنوجز تداعيات التفريط بهذا الحق على القضية الفلسطينية وعلى مصير الامة ككل.

أولاً- حق كفله القانون الدولي العام:

من الناحية القانونية والسياسية، يرتبط “حق العودة” للاجئين الفلسطينيين بحقهم في “تقرير المصير”، الذي أصبح- بعد التطورات التي لحقت بالقانون الدولي على أثر نشوء الامم المتحدة وتصفية الاستعمار- حقاً دولياً ذاتي الالزام، يقضي تنفيذه من دون عرقلة ولا ابطاء ولا تردد ولا تجزئة، بل تحول الى أحد القواعد الآمرة في القانون الدولي، بحيث يمكن ابطال أي اتفاق دولي يخالفه او يعرقله.[1]

وحق تقرير المصير هذا يعني “حق شعب ما في ان يختار شكل الحكم الذي يرغب العيش في ظله والسيادة التي يريد الانتماء اليها”، وقد اعترفت به الامم المتحدة كـ “حق”right وليس كمجرد مبدأprinciple أو قرار سياسي. ثم اقرّت الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الانسان الاساسية هذا الحق وأوردته في نصوصها، على الشكل التالي:” تملك جميع الشعوب حق تقرير مصيرها، وتملك بمقتضى هذا الحق حرية تقرير مركزها السياسي وحرية تأمين إنمائها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي”.
ويعتبر حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم حق ثابت في القانون الدولي بموجب أكثر من نص، فقد اتخذت الجمعية العامة للأمم المتحدة أكثر من مئة قرار ونّيف لغاية الآن، اعادت التأكيد فيها على القرار 194، وأقرت بحق اللاجئين بالعودة إلى ديارهم وممتلكاتهم التي هُجروا منها، ودعمت موقفها بالربط بين الحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني “غير القابلة للتصرف”، وبين حق العودة والحق في تقرير المصير. وهذا يفيد ان الامم المتحدة قد ربطت حق الفلسطينيين بالعودة بمصيرهم كشعب له الحق في تقرير مصيره، وليس فقط كأفراد ضمن اطار جمع الشمل فقط، وتبنت في اكثر من قرار التأكيد على “حقوق الشعب الفلسطيني الثابتة في فلسطين ولا سيما الحق في تقرير مصيره دون تدخل خارجي، والحق في الاستقلال والسيادة الوطنيين”[2].

وكما أوردنا فقد أكد القانون الدولي، حق الفلسطينيين في العودة، من خلال قرارات أممية لا تحصى، نذكر اهمها:

1- القرار رقم 194: الصادر عن الجمعية العامة للامم المتحدة في 11 كانون الأول 1948 [3]. والذي يعتبر القرار المركزي الذي يكفل للفلسطيين حق العودة، والذي تحيط به مجموعة من المعايير السياسية والقانونية التي تجعله يتضمن أهمية استثنائية، وفق ما يلي:

– اقرار اسرائيل بقبولها تطبيق قرارات الامم المتحدة – ومنها القرار 194- كشرط لقبولها عضواً في المنظمة، وفي هذا الاقرار تأكيد لحق الفلسطيينين في العودة، ووثيقة يمكن للفلسطينيين التمسك بها لمطالبة اسرائيل بتطبيق تعهداتها الدولية.
– صدور القرار بناء لتقرير رفعه المندوب الاممي “الكونت برنادوت” قبل اغتياله من قبل الاسرائيليين، أكد فيه أحقية الشعب الفلسطيني ” المضطهد” في العودة الى بلاده والتعويض عن الاضرار التي لحقت به.
– بالرغم من صدوره عن الجمعية العامة للامم المتحدة، والتي تصدر قراراتها بصفة التوصيات، لكن يتسم هذا القرار بصفة الالزام وقوة القرارات الملزمة، ذلك لان الاجتهاد الدولي يغلب الزامية القرارات التي: 1) تحظى بنسبة عالية من الاصوات والتي يكون تمثيلها الجغرافي كاملاً.

2- القرارات التي تعود الجمعية العمومية لتؤكد عليها في قرارات اللاحقة…

وهذان الشرطان ينطبقان كلياً على القرار 194.

– القرار 237 الصادر في 14 حزيران 1967:

لم يتضمن هذا القرار جديداً وانما جاء ليؤكد على ضرورة التزام اسرائيل قرارات الامم المتحدة، ويؤكد على حق لاجئي العام 1967 – الذين وُصفوا بـ”النازحين”- بالعودة الى ديارهم كـ”مجموعة بشرية” تتمتع بحقوق انسانية واضحة وليس كأفراد يطالبون بجمع الشمل كما يريد الاسرائيليون تسويقه.

ثانياً: حق كفله القانون الدولي لحقوق الانسان:

بالاستناد الى معايير القانون الدولي لحقوق الانسان، يعتبر حق اللاجئ في العودة الى الديار من حقوق الانسان الاساسية غير القابلة للتصرف، وهي حقوق غير خاضعة للمساومة، ولا التنازل والتي لا تسقط، فهي تربط بينه وبين الارض التي اضطر قسراً الى مغادرتها ولسبب مبرر، على ان يمتلك الحق في العودة الى ارضه فور زوال السبب.

واذا اخذنا المادة 13 من الاعلان العالمي لحقوق الانسان [4] وبنود اتفاقية جنيف الرابعة وغيرها من اتفاقيات القانون الدولي الانساني، نلاحظ ان حق اللاجئين الفردي والجماعي بالعودة إلى ديارهم والعيش في وطنهم هو حق طبيعي وأساسي من حقوق الإنسان، ويستمد مشروعيته من حقهم التاريخي في وطنهم، ولا يغيره أي حدث سياسي طارئ، او اي اتفاقية ثنائية، ولا يسقطه أي تقادم. وحقوق اللاجئين هذه في العودة الى “بلدهم” لا تنحصر في دولة “الجنسية” فحسب – كما تدّعي اسرائيل – انما تشمل محل الاقامة العادية ايضاً.

ونلاحظ من تعريف “اللاجئ” في مواثيق القانون الدولي الانساني انه يرتب حقوقاً لهذا اللاجئ في ارضه ووطنه -الذي اضطر ان يغادره قسراً – وليس فقط تجاه “دولته” بالمفهوم القانوني الضيق للكلمة، مما يشير ان الادعاء الاسرائيلي بحق العودة الى اراضي الدولة الفلسطينية دون سواها هو ادعاء ساقط بموجب القانون الدولي العام والقانون الدولي لحقوق الانسان.
ويعد حق اللجوء، بصورة عامة من الحقوق الانسانية التي أكدها الاعلان العالمي لحقوق الانسان عام 1948. فقد نصت المادة 14 من هذا الاعلان [5] على هذا الحق وكفلته، ثم اقرّت اتفاقية 1951 تعريفاً عالمياً للاجئ [6] لكنها استثنت من احكامها اللاجئين الفلسطينيين، واعتبرت ان نطاقها لا يشمل الاشخاص الذين يتلقون في الوقت نفسه أي نوع من الحماية أو المساعدة من احدى وكالات الامم المتحدة وأجهزتها( الاونروا)، عدا المفوضية العليا لشؤون اللاجئين.

وقد عرّفت وكالة الاونروا اللاجئ الفلسطيني بأنه “أي شخص كانت فلسطين مكان إقامته الطبيعي خلال المرحلة الممتدة من حزيران 1946 إلى 15 أيار 1948، وفقدَ مسكنه وسبل عيشه نتيجة نزاع سنة 1948، ولجأ في عام 1948 إلى واحد من البلدان التي تقدم فيها الأونروا خدماتها، وأن يكون مسجّلاً في نطاق عملياتها ومحتاجًا” [7].

ويُلاحظ أن هذا التعريف استثنى الكثير من اللاجئين الفلسطينيين الذين يحق لهم العودة بموجب القانون الدولي والذين ممن هم خارج مسؤولية الأونروا وتعريفها، وهم على الشكل التالي:

– لاجئون فلسطينيون نتيجة حرب 1948 أصبحوا في أماكن لا تقع ضمن دائرة عمليات الأونروا، كما في مصر وشمال أفريقيا والعراق والخليج…
– النازحون الفلسطينيون داخليًّا، الذين بقوا في المساحة التي أصبحت تعرف باسم “إسرائيل” وكانوا أساسًا تحت مسؤولية الأونروا لكنهم استثنوا لاحقًا على افتراض أن على “إسرائيل” ان تعالج وضعهم.
– سكان من غزة والضفة الغربية ( بما في ذلك شرقي القدس) والمتحدّرون منهم الذين نزحوا أول مرة في حرب 1967.
– أفراد رحّلتهم سلطات الاحتلال الإسرائيلية عن الضفة الغربية وغزة بعد عام 1967.
– من أُطلق عليهم صفة “القادمون المتأخرون” أي أولئك الذين غادروا الأراضي المحتلة بغرض الدراسة، أو زيارة أقربائهم، أو العمل أو الزواج…إلخ، وانتهى مفعول إقامتهم التي رخصت السلطات الإسرائيلية بها ومنعتهم لاحقًا من العودة إلى ديارهم.
– فلسطينيون كانوا خارج فلسطين الواقعة آنذاك تحت الانتداب البريطاني حين اندلعت حرب1948، أو كانوا خارج المناطق مع نشوب حرب 1967 ومنعتهم سلطات الاحتلال من العودة.
– فلسطينيون ميسورون لجأوا سنة 1948، لكن كبرياءهم حال دون تسجيل أنفسهم لدى الأونروا[8].

من هنا، ولان الاستثناءات كبيرة وهائلة وتتضمن أعداداً كبيرة من اللاجئين الفلسطنيين، لا بد من اعادة النظر بـ “تعريف الأونروا” باعتبار أنه لم يعالج قضية اللاجئ الفلسطيني من وجهة نظر حقوق الإنسان – التي توفر حماية أوسع للاجئين بما فيها العودة الى الديار وعدم الطرد- إنما تطرق لها من وجهة نظر عملية بحت، أسهمت في التمييز بين لاجئ وآخر دون أي مبرر.

لذلك فاننا نقترح اعتماد تعريف موحد للاجئ الفلسطيني “الذي يحق له العودة الى الديار” بناء على قواعد القانون الدولي لحقوق الانسان، على الشكل التالي:

“كل فلسطيني غادر أرض فلسطين التاريخية بسبب الاحتلال، وكل فلسطيني ولد خارج فلسطين ولا يستطيع العودة إلى دياره بسبب المنع الإسرائيلي، بغض النظر عن تصنيفه القانوني تحت فئة لاجئ أو نازح”.

ثالثاً: خطر تحول حق العودة الى مجرد حق اقتصادي:

خلافاً لما تروّج له إسرائيل وما تذهب اليه بعض الادعاءات الغربية من ان “التعويض” يُعدّ بديلا عن حق العودة، نجد ان مبادئ القانون الدولي العام تكفل للاجئ – سواء اختار العودة إلى دياره أم عدم العودة- حق الحصول على التعويض المناسب، إذ إن التعويض يعتبر عنصراً مكملاً لحق العودة وليس بديلاً عنه بتاتاً، بل يمكن القول أن التعويض هو حق ملازم لحق العودة الى الديار، يستفيد منه كل لاجئ أو مهجر أو مبعد سواء عاد أم لم يعد إلى دياره.

والجدير بالذكر ان مسألة التعويض التي نص عليها القرار 194 تأتي بعد الحق بالعودة وتستند اليه، ولا يجوز ان يُلحظ التعويض بدون حق العودة الى الديار. وقد ذكر القرار المذكور ان التعويض يجب ان يستند الى مبادئ العدالة والانصاف، وليس من الانصاف ابداً ان يحرم اللاجئ من حق العودة الى ارضه مقابل التعويض المادي، او مقابل التعويض الذي يقررونه عنه، من دون استشارته او علمه حتى، وبمقتضى مؤامرات وصفقات تمرر خلسة لتوطين اللاجئين الفلسطينيين مقابل بدل مادي. وفي الاساس، لقد بات جلياً ان الشعب الفلسطيني يرفض قبول تعويض عن أرضه وحقه في العودة اليها، لأن هذه الأراضي هي ملك لشعب وإرث للاجيال، وليس من حق فرد او مجموعة أن تقبض ثمن ملك له الطابع الجماعي اي “أرض الوطن”.

وحق التعويض هذا، حق ثابت في القانون الدولي منذ زمن بعيد، ومبني على مبدأ ثابت طُبق على اساسه مبدأ التعويض بدون شروط في اكثر من أربعين حالة دولية مماثلة، فالتعويض حق قائم بذاته مبني على مبدأ “إرجاع الشيء إلى أصله”.

وقد تم التأكيد على هذا الحق في القانون الدولي لحقوق الإنسان ، كما أدرج في مؤتمر القانون الدولي الذي نظمته اللجنة الدولية للوضع القانوني للاجئين الذي عقد في القاهرة عام 1992، والذي صدر عنه “إعلان مبادئ القانون الدولي لتعويض اللاجئين”، الذي أكد على “حق مواطني الدولة الذين يطردون من أرضهم بالعودة والتعويض على حد سواء” .

وعلى عكس ما تطالب به إسرائيل فإن حق اللاجئ في مقاضاة إسرائيل ومطالبتها بالتعويض لا يسقط بتوقيع أي اتفاق مع السلطة الفلسطينية، فهو حق مطلق للذي يستحق له هذا التعويض ويمكن ان يطالب به الورثة سواء كانوا افراداً او مؤسسات او دول. اما التعويض المقصود هنا فيتضمن:

1- التعويض عن الخسائر التي تسبب بها النهب والسلب والتدمير واستغلال العقارات لمدة الاحتلال، وقد أكد على هذا الأمر قرار الأمم المتحدة رقم 52/644 الصادر في 5/11/1998 الذي اشار إلى حق اللاجئين في عائد ممتلكاتهم منذ عام 1948.
2- التعويض عن الخسارة المادية العامة، وتشمل الطرق والموانئ والمطارات والمحاجر والمياه والزيت والمعادن والثروة السمكية والشواطئ والغابات•.
3- التعويض عن الخسارة المعنوية الفردية، وتشمل المعاناة النفسية والشتات وانفصال الأسرة والتعذيب وسوء المعاملة والسجن وأعمال السخرة .
4- التعويض عن الخسارة المعنوية العامة، وتشمل فقدان الهوية والوثائق والسجلات العامة والتطهير العرقي والطرد والمذابح .
5- التعويض عن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وضد السلام، وهذه مستثناة من القرار 194، فهي تخضع لقوانين دولية أخرى ثابتة، ودخلت حيز التطبيق والاقرار الدوليين مع التوقيع على نظام روما الاساسي الذي أنشئت بموجبه المحكمة الجنائية الدولية. [9]
6- حق الدول المجاورة التي استقبلت اللاجئين بالتعويض: [10]

ينص القانون الدولي على حق الدول المجاورة في طلب التعويض من إسرائيل، لانها بسلبها مواطنية اللاجئين وطردهم من أراضيهم، خرقت سيادة تلك الدول بإرغامها على قبول لاجئين غير مواطنين فيها، وأضافت عبئاً جديداً على الدول المجاورة تحملته لأسباب إنسانية وقومية. وهكذا فان القانون الدولي يقر لتلك الدول تعويضاً منفصلاً من إسرائيل، وليس جزءاً من تعويضات اللاجئين ، او تعويضاً مقابل توطين الفلسطيين وابقائهم في اماكن اللجوء كما ترمي اسرائيل وبعض الدول الغربية.

اما قول البعض بان توطين الفلسطينيين وتجنيسهم في مراكز تواجدهم وتعويضهم كبديل عن حق العودة هو مجرد فزاعة، وانه ادعاء لا وجود له، فقد أثبتت المعطيات التاريخية المتوافرة ان “يهودية” الدولة الاسرائيلية ليست مشروعاً جديداً أطلقه جورج بوش في جولته الاخيرة، بل ان الوثائق التاريخية تؤكد ان هناك أكثر من خمسين مشروعاً للتوطين طرحت بشكل صيغ للحل منذ العام 1948 وحتى الآن، وبمشاركة عربية وفلسطينية احياناً، وبأسماء وعناوين مختلفة [11].

والخطر يكمن في هذه المشاريع، ان “حق العودة” الذي هو حق تاريخي انساني سياسي وقانوني لشعب برمته، يراد تحويله الى حق اقتصادي فقط، يقوم على التعويض كبديل للعودة، والى مادة تفاوض تحت عنوان «تعويض المتضررين»، أي تحويله الى مجرد حق اقتصادي يستبدل “المقدس” بحفنة من المال.

رابعاً: التداعيات الاستراتيجية لخسارة هذا الحق:

– على القضية الفلسطينية:

– ان التركيز على حق العودة ومحاولات إسقاطه الدائمة يؤكد بما لا يقبل الشك ان موضوع اللاجئين وحقهم في العودة يشكل لبّ الصراع في المنطقة، وهو العقبة الأساس في وجه مشاريع تصفية القضية الفلسطينية:
– ان القبول بالتعويض المادي مقابل حق العودة، والتفريط بهذا الحق سوف يقضي على القضية الفلسطينية برمتها، فالعودة الى تاريخ القضية يفيد ان “النضال من أجل العودة واستعادة الارض” هو الذي شكل الحافز الاول للفلسطينين للمقاومة والدفاع عن أنفسهم، وحماية هويتهم الوطنية، وفي وقت لاحق، كان هذا الحق الدافع الأساسي لاندلاع الثورة الفلسطينية المعاصرة.
– هدر حق العودة يشكل نوعاً من الابادة السياسية الجماعية لشعب من الشعوب وتغييبه عن الخريطة، تمهيداً لانكار حقه في الحصول على دولة. فبعد ان احتلت اسرائيل الارض، تحاول ازالة “الشعب” الذي يشكل نواة الدولة وعنصراً اساسياً من اركانها الثلاث ( ارض وشعب وسلطة).
– إن القبول بتوطين الفلسطينيين في أماكن تواجدهم، ستثبت المقولة الاسرائيلية التي تأسس على أساسها الكيان وهي: “ارض بلا شعب لشعب بلا أرض”، وستنسف اي مطالبة مستقبلية بحق الفلسطينين في أي شبر من أرض فلسطين.
– التخلي عن المطالبة بحق العودة سوف يؤكد مقولة “الدولة اليهودية” وسيجعل من المواطنين العرب الموجودين في اراضي اسرائيل، مواطنين درجة ثانية. وقد ذكر شيمون بيريز في كتابه “الشرق الاوسط الجديد” ان “المطالبة بحق العودة اذا قُبلت ستمسح الوجه القومي لاسرائيل، محوّلة الاغلبية الى أقلية. لذلك ليس هناك فرصة لقبولها لا الآن ولا في المستقبل، لانها استراتيجية تدمر كياننا الوطني”.[12]
– انطلاقاً من التجارب السابقة ومن ادراكنا لجوهر العقلية الاسرائيلية، فان حصول اسرائيل من الفلسطينيين على تنازل عن حق العودة مقابل التعويض المادي، سيدفعها الى المطالبة بالمزيد من التنازلات كرسم حدود جديدة، والتنازل عن القدس، والابقاء على المستوطنات الخ…
– يحاول الاسرائيليون من خلال التسويات مع الفلسطينيين إلغاء القرار 194 وجميع القرارات الاخرى التي تكفل للفلسطينيين حقوقهم بموجب القانون الدولي، وهذا ما نستنتجه من كتاب بيريز الذي دعا الى “التحول من استراتيجية الاغاثة الى استراتيجية إعادة التأهيل، وانشاء بنى تحتية ومدن مكان المخيمات… وعندها لا ضرورة لابقاء صفة لاجئ حسب وثائق الامم المتحدة”[13]

– على الامة ككل:

بالرغم من ان الدول العربية أكدت مراراً عبر اجهزتها الرسمية والشعبية على اهمية حق العودة، يُلاحظ ان هذه القضية احتوت مقاربتين (عربياً) : مقاربة علنية ومقاربة سرية.

في العلن طالبت الحكومات العربية بعودة اللاجئين وذلك عبر قرارات الجامعة العربية ووفودها الى الامم المتحدة، لكن بالتوازي مع هذا التركيز الاعلامي العلني :

– قامت الدول العربية بالسماح لليهود العرب بالهجرة من بلدانهم العربية الى فلسطين، وقد تم تنفيذ هذا الامر على موجات متلاحقة رفعت عدد اليهود في فلسطين وزودت الاسرائيليين بقوة عمل هائلة وقوة قتال اضافية [14]
– انخرط بعض العرب في المشروعات الدولية والاميركية لحل مشكلة اللاجئين كالاسكان والتوطين واعادة التأهيل والتعويض وغيرها.
– قام بعضهم بمعاهدات صلح منفردة مع اسرائيل، ومباركة الاتفاقيات الاسرائيلية الفلسطينية والتي لم تذكر في اي منها حق عودة اللاجئين الفلسطينيين الى ديارهم.

وانطلاقاً من عدم توحيد الموقف العربي تجاه القضية، يمكننا ان نقول ان خسارة هذا الحق والتفريط به يمكن ان يؤدي الى النتائح التالي:

– تحقيق حلم الشرق الاوسط الكبير على حساب تصفية القضية الفلسطينية:
فالتخلي عن حق العودة مقابل بدل اقتصادي، يفيد بأن السلام على الطريقة الاسرائيلية وتصفية القضية الفلسطينية سيكون أحد الاسس التي ستقوم عليها السياسة الاسرائيلية التي ترمي الى رسم “شرق أوسط جديد” بشرّ به بيريز واستفاقت عليه كوندوليزا رايس خلال العدوان على لبنان. وفي هذا الاطار، نورد ما أدرجه شيمون بيريز في كتابه، الذي ذكر فيه ان الاسرائيليين قاموا برسم برنامج خاص “للشرق الاوسط الجديد”، يقوم على “التعاون الاقتصادي اولاً ثم يعقبه تفاهم سياسي متواصل الى حين تحقيق الاستقرار.”ويضيف بيريز في كتابه :” وكنتيجة لذلك فقد بدأت الشركات الاوروبية الرئيسية والبنك الدولي في تطوير خطط لتقاسم النشاط التجاري في الشرق الاوسط، كما بدأ البنك الدولي نشاطه حيث تم وضع الاسس اللازمة لانشطة مختلفة [15].
– ان التخلي عن هذا الحق مقابل تعويض، سوف يريح الاسرائيليين ويجعل من المشروع الغربي الذي بدأ يتعثر في الشرق الاوسط، يستعيد عافيته وينطلق من جديد لتقسيم المنطقة دويلات طائفية متناحرة كما هو مخطط لها.
– بعد الهزيمة التي مُنيت بها في حرب تموز 2006 ، تتجه اسرائيل الى خسارة هيمنتها ووظيفتها ودورها في الشرق الاوسط، فللمرة الأولى تعجز إسرائيل عن توفير البضاعة المطلوبة أميركياً اي شن الحروب بالوكالة…. وهكذا فان تصفية القضية الفلسطينية من خلال التخلي عن حق العودة ، سيساعد اسرائيل في ترميم الهيبة والردع وسيجعل من الدول العربية خاضعة للنفوذ الاسرائيلي وستعود اسرائيل حاجة للدول الغربية بعد قدرتها على تأدية الدور والوظيفة المطلوبة منها.
– تكريس وجود اسرائيل النهائي مع هدر حق العودة، يعني تكريس قاعدة طرد الشعوب من اوطانها واستبدلها بشعوب اخرى ما سيشكل سابقة في العلاقات الدولية قد تخل بالاستقرار العالمي.
– اما في لبنان، فان التخلي عن حق العودة للاجئين الفلسطينيين، والقبول بتوطينهم في لبنان سيؤدي الى زعزعة الاستقرار اللبناني، والرزح تحت عبء اقتصادي واجتماعي كبيرين، وقد يؤدي الى إعادة الحرب الاهلية فيه، فجغرافية لبنان وديمغرافيته والتوازنات الطائفية الهشة فيه لا تسمح بهذا الامر، ولنا مت تجارب الماضي عبر مؤلمة.