توقع المدين للحادث الطارئ وقت التعاقد – القانون المصري

الطعن 317 لسنة 35 ق جلسة 11 / 11 / 1969 مكتب فني 20 ج 3 ق 184 ص 1193 جلسة 11 من نوفمبر سنة 1969

برياسة السيد المستشار/ الدكتور عبد السلام بلبع نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: محمد نور الدين عويس، وإبراهيم علام، وحسين زاكي، ومحمد أسعد محمود.
————
(184)
الطعن رقم 317 لسنة 35 القضائية

(أ) حوادث طارئة. “توقع المدين للحارث الطارئ”.
شرط تطبيق المادة 147/ 2 من القانون المدني أن يكون الحادث الطارئ غير متوقع الحصول وقت التعاقد بحيث لا يكون في مقدور الشخص العادي أن يتوقع حصوله لو وجد في ظروف المدين وقت التعاقد، بصرف النظر عن توقع المدين فعلاً حصول الحادث الطارئ أو عدم توقعه.
(ب) حوادث طارئة. “توقع المدين للحادث الطارئ”. محكمة الموضوع. إيجار. حكم. “عيوب الدليل”.
تقدير توقع الحادث الطارئ أو عدم توقعه وقت التعاقد مما يدخل في سلطة محكمة الموضوع ما دام يقوم على أسباب سائغة. نفي الحكم عنصر المفاجأة في صدور القانون رقم 168 لسنة 1961 بتخفيض أجرة الأماكن أو القانون رقم 7 لسنة 1965 لأسباب سائغة. لا فساد في الاستدلال.
(جـ) التزام. “تنفيذ الالتزام”. محكمة الموضوع. “سلطتها في إمهال المدين لتنفيذ التزامه”. حكم. “عيوب التدليل”.
المهلة التي تمنحها المحكمة للمدين لتنفيذ التزامه طبقاً للمادة 346/ 3 مدني. رخصة خولها المشرع لقاضي الموضوع إن شاء أعملها وإن شاء حبسها عن المدين. عدم بيان الأسباب المبررة لذلك من ظروف الدعوى وملابساتها. لا قصور.

————–
1 – تشترط المادة 147/ 2 من القانون لإجابة المدين إلى طلب رد التزامه بسبب وقوع حوادث استثنائية عامة إلى الحد الذي يجعل تنفيذ هذا الالتزام غير مرهق، أن تكون هذه الحوادث غير متوقعة الحصول وقت التعاقد، والمعيار في توافر هذا الشرط – طبقاً لما جرت به عبارة المادة سالفة الذكر – هو ألا يكون في مقدور الشخص العادي أن يتوقع حصولها لو وجد في ظروف ذلك المدين وقت التعاقد، بصرف النظر عما إذا كان هذا المدين قد توقع حصولها فعلاً أم لم يتوقعه.
2 – البحث فيما إذا كان الحادث مما في وسع الشخص العادي أن يتوقعه أو أنه من الحوادث الطارئة الغير متوقعة، هو مما يدخل في نطاق سلطة قاضي الموضوع ما دام يقوم على أسباب تؤدي إلى ما انتهى إليه، وإذ نفى الحكم لأسباب سائغة عنصر المفاجأة في صدور القانون 168 لسنة 1961 بتخفيض أجرة الأماكن، وكان تخفيض إيجار المساكن بالقوانين السابقة التي أبرم الاتفاق بين الطرفين في ظلها، ينفي عنصر المفاجأة لدى الشخص العادي من صدور القوانين المماثلة اللاحقة، باعتبار أن هذه القوانين جميعها تقوم على الحفاظ على التوازن بين مصلحة المؤجر في الحصول على الثمرة المشروعة من تأجير عقاره ومصلحة المستأجر في أن يتوقى سوء الاستغلال الذي قد يتمسك به المؤجر ضده (وهو ما يصدق أيضاً على القانون رقم 7 لسنة 1965) فإن الحكم لا يكون قد شابه فساد في الاستدلال أو قصور.
3 – المهلة التي يجوز للمحكمة أن تمنحها للمدين لتنفيذ التزامه متى استدعت حالته ذلك ولم يلحق الدائن من وراء منحها ضرر جسيم، إنما هي – وعلى ما جرى به قضاء محكمة النقض – من الرخص التي خولها المشرع لقاضي الموضوع بالفقرة الثانية من المادة 346/ 3 من القانون المدني إن شاء أعملها وأنظر المدين إلى ميسرة وإن شاء حبسها عنه بغير حاجة منه إلى أن يسوق من الأسباب ما يبرر به ما استخلصه من ظروف الدعوى وملابساتها. ويكون النعي على الحكم بالقصور في هذا الخصوص على غير أساس.

المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع – على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق – تتحصل في أن الطاعن أقام الدعوى رقم 3591/ 63 مدني كلي القاهرة ضد المطعون عليه، وقال بياناً لها إنه يملك قطعة أرض تحمل رقمي 29، 31 بشارع باب البحر قسم باب الشعرية، وأنه في سنة 1958 تعاقد من المطعون ضده على أن يقيم له عليها بناء بلغت تكاليفه 11211 ج دفع منه عند التعاقد 1800 ج واتفق في محضر التسليم المحرر في أول أغسطس سنة 1960 على أن يسدد الباقي من ريع ذلك البناء على أقساط، حررت بها سندات بواقع 135 جنيه شهرياً تستحق السداد ابتداء من 9 سبتمبر سنة 1960، وبواقع 100 جنيه شهرياً تستحق السداد ابتداء من 9 يناير 1962 حتى 9 ديسمبر 1967، وأنه سدد من هذه الأقساط مبلغ 4551 جنيه حتى آخر ديسمبر 1962، وإذ صدر القانون رقم 168 لسنة 1961 بتخفيض أجرة المساكن بنسبة 20% وانخفض بذلك ريع العقار المشار إليه إلى 80 جنيه شهرياً وأصبح الالتزام بسداد الأقساط مرهقاً وهو ما يعد ظرفاً طارئاً ينطبق عليه المادة 147 من القانون المدني مما يجوز معه أن ينظر إلى أجل معقول ينفذ فيه التزامه عملاً بالمادة 346/ 2 من القانون المدني، فقد أقام دعواه بطلب إنقاص القسط إلى 60 جنيه شهرياً. وبتاريخ 26 ديسمبر سنة 1963 قضت محكمة أول درجة بتنفيذ قيمة القسط إلى 80 جنيه. استأنف المطعون ضده هذا الحكم لدى محكمة استئناف القاهرة بالاستئناف رقم 458/ 81 ق. وبتاريخ 11 مارس سنة 1965 قضت محكمة الاستئناف بإلغاء الحكم المستأنف ورفض الدعوى. طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن وفي الجلسة المحددة لنظره تمسكت النيابة بهذا الرأي.
وحيث إن الطعن أقيم على أربعة أسباب ينعى الطاعن بالسبب الثاني منها على الحكم المطعون فيه الفساد في الاستدلال، وفي بيان ذلك يقول إنه أسس دعواه على أنه التزم بسداد الأقساط موضوع الدعوى من ريع البناء الذي تولى المطعون ضده إقامته وإذ انخفض هذا الريع إلى 80 جنيه شهرياً لصدور القانون رقم 168/ 1961 الذي خفض أجرة المساكن بنسبة 20% مما يعد حادثاً استثنائياً صار معه التزامه بسداد الأقساط التي يبلغ قيمة كل منها 100 جنيه شهرياً مرهقاً له، فإنه يحق له المطالبة بتخفيض كل قسط منها إلى الحد المعقول عملاً بالمادة 147/ 2 من القانون المدني، غير أن الحكم المطعون فيه قضى برفض الدعوى بحجة أن صدور القانون رقم 168 سنة 1961 السابق الإشارة إليه لا يمثل أية مفاجأة له وذلك على الرغم من أنه لم يكن يتوقع صدور ذلك القانون وهو خطأ من الحكم يعيبه بالفساد في الاستدلال.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أنه لما كانت الفقرة الثانية من المادة 147 من القانون المدني تشترط لإجابة المدين إلى طلب رد التزامه بسبب وقوع حوادث استثنائية عامة إلى الحد الذي يجعل تنفيذ هذا الالتزام غير مرهق له، أن تكون هذه الحوادث غير متوقعة الحصول وقت التعاقد، وكان المعيار في توافر هذا الشرط وطبقاً لما جرت به عبارة النص المتقدم الذكر في وصف الحوادث المشار إليها من أنها تلك التي “لم يكن في الوسع توقعها” هو ألا يكون في مقدور الشخص العادي أن يتوقع حصولها لو وجد في ظروف ذلك المدين وقت التعاقد بصرف النظر عما إذا كان هذا المدين قد توقع حصولها فعلاً أم لم يتوقعه. لما كان ذلك وكان يبين من الحكم المطعون فيه أنه نفى عنصر المفاجأة في صدور القانون رقم 168 لسنة 1961 الخاص بتخفيض أجرة الأماكن تأسيساً على ما أورده من “أن المشرع المصري نزولاً منه على حكم الظروف الاقتصادية وتفريجاً لأزمة المساكن قد دأب بين الحربين العالميتين الأخيرتين على إصدار قوانين استثنائية الغرض منها تقييد أجور المساكن، وقد انتهى به المطاف منعاً لأزمة المساكن من أن تصبح مشكلة اجتماعية واقتصادية إلى إصدار القانون رقم 121 لسنة 1947 ليكون دستوراً مؤقتاً ينظم العلاقة بين مؤجري الأماكن ومستأجريها إلى أن تنتهي هذه الظروف ولا يزال هذا القانون نافذاً إلى الآن، كما دأب المشرع إلى إصدار قوانين متتالية ولاحقة على هذا القانون بإدخال بعض التعديلات عليه وأن المستأنف عليه (الطاعن) وقد بنى العمارتين في ظل هذه القوانين وحصل الاتفاق على بنائهما في ظلهما أيضاً ليس له أن يتعلل فيما إذا صدر القانون رقم 168 لسنة 1961 بأنه مفاجأة” وكان البحث فيما إذا كان الحادث هو مما في وسع الشخص العادي أن يتوقعه أو أنه من الحوادث الطارئة الغير متوقعة هو مما يدخل في نطاق سلطة قاضي الموضوع ما دام يقوم على أسباب تؤدي إلى ما انتهى إليه، وإذ جاء ما قرره الحكم في هذا الخصوص – وعلى ما سلف بيانه – سائغاً ويحمل النتيجة التي انتهى إليها تأسيساً على أن تخفيض إيجار المساكن بالقوانين السابقة والتي أبرم الاتفاق بين الطرفين في ظلها مما ينفي عنصر المفاجأة لدى الشخص العادي من صدور القوانين المماثلة اللاحقة باعتبار أن هذه القوانين جميعها تقوم على الحفاظ على التوازن بين مصلحة المؤجر في الحصول على الثمرة المشروعة من تأجير عقاره ومصلحة المستأجر في أن يتوقى سوء الاستغلال الذي قد يتمسك به المؤجر ضده، لما كان ذلك فإن النعي على الحكم بالفساد في الاستدلال يكون على غير أساس.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسبب الأول على الحكم المطعون فيه القصور في التسيب، ويقول في بيان إنه تقدم لمحكمة الاستئناف وبعد أن حجزت القضية للحكم بدفاع يبسط فيه الظروف التي طرأت على الدعوى بصدور القانون رقم 7 سنة 1965 بتخفيض إيجار الأماكن مرة أخرى وطلب فتح باب المرافعة لهذا السبب ليرفع استئنافاً فرعياً عن الحكم الابتدائي. وإذ أغفلت المحكمة هذا الدفاع الجوهري ولم تجبه إلى طلبه فإن حكمها المطعون فيه يكون معيباً بالقصور.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أنه لما كان الحكم المطعون فيه قد نفى – وعلى النحو السالف بيانه في الرد على السبب الثاني للطعن – عنصر المفاجأة في صدور القانون رقم 168 سنة 1961 باعتباره قانوناً جديداً بشأن تخفيض إيجار الأماكن، وكان هذا القول من الحكم يصدق على القانون رقم 7 سنة 1965 الذي صدر تالياً له في هذا الشأن وفي ظل نفس الظروف التي دعت إلى إصدار القانون رقم 168 لسنة 1961، فإن النعي على الحكم بالقصور في التسبيب بهذا السبب يكون غير منتج.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسبب الثالث على الحكم المطعون فيه مخالفة الثابت في الأوراق، وفي بيان ذلك يقول إن مما أسس الحكم عليه قضاءه ما أورده في أسبابه من أن تخفيض إيجار عمارتين للطاعن تزيد تكاليفهما على أحد عشر ألف جنيه بنسبة 20% ليس مما يجعل التزامه بسداد 100 جنيه شهرياً أمراً مرهقاً. وإذ كان الثابت أن المطعون ضده إنما أقام للطاعن عمارة واحدة تحمل رقم 29 على قطعة أرض واحدة وإن حملت رقمي 29، 31 فإن الحكم يكون معيباً بمخالفة الثابت في الأوراق.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أنه لما كان الحكم المطعون فيه قد خلص – وعلى ما سلف البيان – إلى أنه ليس للطاعن طبقاً للمادة 147/ 2 من القانون المدني أن يطلب تخفيض المبلغ الذي التزم بسداده للمطعون ضده شهرياً من ريع البناء بعد تخفيض هذا الريع نتيجة لصدور القانون رقم 168 لسنة 1961 وذلك لانتفاء عنصر المفاجأة في صدور هذا القانون، فإنه يكون غير مؤثر فيما قضى به الحكم ما إذا كان الطاعن يملك عمارة أو عمارتين، ويكون النعي عليه بمخالفة الثابت في الأوراق في هذا الخصوص غير منتج.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسبب الرابع على الحكم المطعون فيه القصور في التسبيب، وفي بيان ذلك يقول إنه طلب إلى محكمة الاستئناف إمهاله في سداد الأقساط موضوع النزاع إلى ميسرة بالتطبيق للمادة 346/ 2 من القانون المدني، وإذ ردت المحكمة على هذا الطلب بأنها لا ترى من ظروف الدعوى ما يدعو لإجابته وهو ما لا يعد منها تسبيباً كافياً يقوم عليه رفضها له، فإن حكمها المطعون فيه يكون معيباً بالقصور.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أن المهلة التي يجوز للمحكمة أن تمنحها للمدين لتنفيذ التزامه متى استدعت حالته ذلك، ولم يلحق الدائن من وراء منحها ضرر جسيم إنما هي – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – من الرخص التي خولها المشرع لقاضي الموضوع بالفقرة الثانية من المادة 346 من القانون المدني إن شاء أعملها وأنظر المدين إلى ميسرة وإن شاء حبسها عنه بغير حاجة منه إلى أن يسوق من الأسباب ما يبرر به ما استخلصه من ظروف الدعوى وملابساتها. لما كان ذلك فإن النعي على الحكم بالقصور في هذا الخصوص يكون على غير أساس.
وحيث إنه لما تقدم يتعين رفض الطعن.

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .