الاتحاد البريدي العالمي

الاتحاد البريدي العالمي Universal Postal Union هو أقدم المنظمات الدولية الحالية، إذ يعود تأسيسه إلى أكثر من قرن من الزمن، وغايته تنظيم الخدمات البريدية في العالم وتحسينها، ومقره مدينة برن عاصمة سويسرة. ويحق لكل دولة عضو في الأمم المتحدة الانضمام إلى الاتحاد، أما بقية الدول فيتم قبولها بموافقة ثلثي الدول الأعضاء. وقد زاد أعضاء الاتحاد في عام 1998 على 180 عضواً. كما بلغت موازنة الاتحاد في العام نفسه 10.5 مليون دولار. وللدلالة على أهمية الاتحاد، يكفي أن يذكر أن دوائر البريد في العالم تنقل سنوياً ما يزيد على أربعة مليارات ونصف المليار من المراسلات لمصلحة ما يقرب من أربعة مليارات من الأشخاص، وأن عدد مكاتب البريد في العالم يزيد على 650.000 مكتب يعمل فيها نحو 5 ملايين موظف. والخدمات البريدية ضرورية لكل مجتمع ولحياة المجموعة الدولية، فهي تنمي الاتصالات بين الأفراد والشعوب وتسهم في تعزيز التعاون الدولي في المجالات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية وفي التقريب بين الأمم.

لمحة تاريخية

مرت الخدمات البريدية في مراحل مختلفة منذ أقدم عصور التاريخ حتى اليوم، وتطورت بانتشار التعليم وكشف البلاد الجديدة وزيادة الاتصالات بين الدول وتطور سرعة وسائل النقل. بدأت هذه الخدمات عن طريق الوسائل الخاصة الفردية التي كان ينظمها الحكام والتجار والجماعات الدينية، ثم مرت بمرحلة الاتفاقيات الثنائية بين بعض الدول في القرن السادس عشر واستمرت إلى أن وصلت إلى التنظيم العالمي الحالي الذي يعود إلى النصف الثاني من القرن التاسع عشر. وقد عقد أول مؤتمر دولي للبريد في باريس في 11 أيار 1863 وشاركت فيه 15 دولة أوربية وأمريكية.

وقد أقر المؤتمر عدداً من المبادئ العامة وأوصى الإدارات البريدية باتباعها عند عقد اتفاقات بريدية مع الإدارات الأخرى. واتضح بعد ذلك أن طريقة تحسين الخدمات البريدية بتطبيق مبادئ موحدة غير كافي، واقترح بحث موضوع إنشاء اتحاد بريدي بين الدول، ودعت سويسرة إلى هذا المؤتمر، الذي انعقد في برن في 15 أيلول 1874 وشاركت فيه 22 دولة منها دولة عربية واحدة هي مصر، ودولة إسلامية هي تركية. وقد أقر المؤتمر في اتفاقية برن (9 تشرين الأول 1874) إنشاء «الاتحاد العام للبريد» وبدأ نفاذ الاتفاقية في 1 تموز 1875 وتزايد عدد أعضاء الاتحاد، وتغير اسمه في المؤتمر البريدي الثاني الذي عقد في باريس عام 1878 وأصبح يعرف بالاتحاد البريدي العالمي.

ثم أصبح الاتحاد وكالة من الوكالات المتخصصة للأمم المتحدة عقب اتفاق عقد بين المنظمتين بتاريخ 4 تموز 1974. وقد عقد الاتحاد حتى عام 1997 تسعة وعشرين مؤتمراً منها مؤتمر القاهرة عام 1934. وعدل في مؤتمر بروكسل عام 1952 اتفاقية برن لعام 1874 وذلك بإقراره اتفاقية البريد العالمية السارية منذ 1 تموز 1953، كما أقر في مؤتمر فيينة عام 1964 وثائقه الأساسية بحيث أصبحت منذ 1 كانون الثاني 1966 ثلاثاً:

1- الدستور

2- اتفاقية البريد العالمية ونظامها التنفيذي المفصل

3- النظام العام للاتحاد.

أهداف الاتحاد

يرمي الاتحاد إلى تعزيز التعاون الدولي في مجال الخدمات البريدية عن طريق إنشاء منطقة بريدية واحدة لتنظيم تبادل المراسلات بين أعضائه، وتشمل هذه المنطقة اليوم العالم بأسره، ويشمل هذا التنظيم مايلي: توحيد الرسوم البريدية التي تستوفيها كل دولة عن المراسلات الموجهة إلى جميع بلاد الاتحاد ضمن حدود معينة وتوحيد فئات الأوزان والمقاييس الخاصة بالمراسلات، وإلغاء توزيع الرسوم بين الدولة المرسلة والدولة المرسل إليها بحيث تحتفظ كل دولة بالرسوم التي تتقاضاها كاملة وتدفع إلى البلاد التي يمر البريد فيها تعويضات معينة، وضمان حرية مرور البريد في دول الاتحاد، واللجوء إلى التحكيم لفض المنازعات التي قد تنشأ بين إدارات البريد، وإنشاء مكتب دولي، وعقد مؤتمر دوري لإعادة النظر في قرارات الاتحاد ومناقشة المسائل الجارية.

وتلتزم الدول الأعضاء تنفيذ نصوص الاتفاقية ونقل البريد بأنواعه والامتناع عن نقل المواد الممنوعة كالمخدرات والمفرقعات، كما تتعهد بإعادة الرسائل التي تعذر إيصالها إلى أصحابها. وإذا خالفت دولة ما الاتفاقية فإن الاتحاد يستطيع أن ينهي معها الاتصالات البريدية كافة.

وتنظيم الخدمات البريدية، وفقاً للوثائق الأساسية، يشمل: الرسائل والبطاقات البريدية والمطبوعات والرزم الصغيرة والبريد الجوي. أما الاتفاقيات الخاصة فهي اختيارية ولا تلزم إلا الأعضاء المنضمين إليها. وهي تشمل الطرود والحوالات و «الشيكات» البريدية والادخار واشتراكات الصحف والبريد المضمون وإرسال الحاجات مقابل تحصيل القيمة وغير ذلك.

أجهزة الاتحاد

يتكون الاتحاد من أربعة أجهزة هي:

المؤتمر العام: ويشترك فيه جميع أعضاء الاتحاد ويُعقد مرة كل خمسة أعوام لمراجعة الوثائق الأساسية وإقرار الاتفاقيات الاختيارية وتحديد نفقات الاتحاد وانتخاب أعضاء المجلس التنفيذي والمجلس الاستشاري، والنظر في اقتراحات هذين المجلسين واقتراحات الدول الأعضاء.

المجلس التنفيذي: ويتألف من 40 عضواً ينتخبهم المؤتمر وفقاً لتوزيع جغرافي عادل ويجتمع مرة كل سنة في مقر الاتحاد.

ويشرف المجلس على نشاط الاتحاد في المدة التي تفصل بين كل مؤتمرين ويدرس المشكلات الإدارية والقانونية المتعلقة بهذا النشاط.

كما يراقب المكتب الدولي ويضع الاقتراحات للمؤتمر العام وينسق أشكال المعونة الفنية البريدية. وللمجلس سلطة مؤقتة لحل المشاكل العاجلة التي قد تثار بين مؤتمرين.

المجلس الاستشاري للدراسات البريدية

ويتكون من 35 عضواً ينتخبهم المؤتمر لمدة تعادل المدة بين كل مؤتمرين. ويُكلف هذا المجلس دراسة المشكلات الفنية والاقتصادية ومشاكل الاستثمار والمسائل المتعلقة بالتعليم والتأهيل المهني، ويعد التقارير والدراسات عن هذه الموضوعات.

المكتب الدولي: ويقوم بمهام الأمانة العامة للاتحاد، وهو ينسق البيانات التي تهم الاتحاد وينشرها ويوزعها كطلب تعديل الوثائق الأساسية، ويشارك في إعداد أعمال المؤتمر العام، ويعطي الرأي في المسائل المتنازع عليها، ويقوم بعمل مقاصة لتصفية الحسابات بين الإدارات البريدية فيما يتعلق بنفقات المرور والنفقات الختامية وقسائم الجواب الدولية.

اختصاصات الاتحاد ونشاطه

تشمل اختصاصات الاتحاد اتخاذ القرارات اللازمة لتحقيق الأهداف والمبادئ التي قام عليها وتحديد الوسائل التي تكفل ذلك، وإقامة العلاقات مع المنظمات الدولية الأخرى لتسهيل تطبيق مقرراته ومساعدة الدول الأعضاء على تنفيذ برامجه في مختلف مجالات الخدمة البريدية وهي تشمل:

النواحي الفنية: كمكننة العمليات البريدية أو التسيير الآلي لها، وتوحيد المقاسات وتحديد الأجهزة اللازمة لمكاتب البريد

النواحي الإدارية والعملية: كتحديد صفات الأبنية اللازمة لإدارات البريد وتنظيم العمل فيها وتحديد شروط العمل الصحية. وتأمين سرعة إيصال البريد إلى المناطق النائية والريفية.

النواحي الاقتصادية: كتحديد كلفة العمليات البريدية والأسعار الواجب تطبيقها على كل عملية ومعدل الأسعار لكل فئة من المراسلات.

المعونة الفنية للدول: وتشمل التخطيط والتنظيم والاستثمار والتدريب والخبراء والمنح والتمويل، كما تشمل التوسط بين الدول المتقدمة والدول النامية لكي تقدم الدول الأولى للدول الثانية، ضمن بعض الشروط، التجهيزات والمعدات واللوازم للخدمات البريدية.

العلاقات مع المنظمات الدولية: وتشمل العلاقات، التي تكون أحياناً على شكل لجان مشتركة، مع الأمم المتحدة بشأن تنسيق برامج المعونة الفنية، ومع منظمة الطيران المدني الدولي لتنمية الحركة البريدية الجوية. ومع مجلس التعاون الجمركي بشأن تخليص الطرود البريدية. ومع منظمة الاتصالات السلكية واللاسلكية لتنسيق التعاون في مجالي التأهيل المهني والبريد الإلكتروني، ومع الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن نقل المواد المشعة، ومع منظمة الصحة العالمية حول نقل المواد الحيوية القابلة للتلف، وغير ذلك.

وقد برهن الاتحاد البريدي العالمي على فعاليته حتى في الأوقات العصيبة إبان الحربين العالميتين، وإذا كانت الحواجز تقام أمام الإنسان دائماً خارج حدود بلاده فإن حدود كل البلدان تزول أمام خدمات البريد.