توضيحات هامة عن الادعاء المباشر في القانون الليبي

الأصل أن النيابة العامة دون غيرها هي المختصة بتحريك ورفع الدعوى العمومية * غير أن المشرع نص على استثناء محدد بشكل لا يمكن التوسع فيه .

ولقد ورد الأصل والاستثناء بالمادة الأولى من قانون الإجراءات الجنائية والتي تنص على أن ” تختص النيابة العامة دون غيرها برفع الدعوى الجنائية ومباشرتها ولا ترفع من غيرها إلاَ في الأحوال المبينة في القانون ” .

ومن الجدير بالبيان أن المشرع وإن أورد استثناء على القاعدة المتعلقة بقصر رفع الدعوى على النيابة العامة * فأن مباشرة هذه الدعوى لا يمكن أن تكون إلاّ من النيابة العامة دون غيرها من الجهات الأخرى وهو ما قررته المادة الثانية من قانون الإجراءات الجنائية والتي تنص على أن ” يقوم النائب العام بنفسه أو بواسطة أحد أعضاء النيابة العامة بمباشرة الدعوى الجنائية كما هو مقرر بالقانون * ويجوز أن يقوم بأداء وظيفة النيابة العامة من يعين لذلك من غير هؤلاء بمقتضى القانون ” .
ونحن في هذه الدراسة رأينا التعرض لاستثناء ورد على الأصل العام وهو ما يسمى ” الإدعاء المباشر ” وهو نظام أباحته بعض الشرائع ومنها التشريع الجنائي الليبي الذي أعطى من خلاله للمضرور من الجريمة مكنة رفع الدعوى بنفسه في حالة عدم قيام سلطة الاتهام برفع الدعوى لأي سبب من الأسباب .

ويبدو أن نظام الإدعاء المباشر جاء نتاجاً للسلطات التقديرية الممنوحة للنيابة العامة والتي قد ترى عدم القيام برفع الدعوى الجنائية أمام القضاء لسبب تراه وقد لا يراه المضرور. لذلك فقد أخذ القانون الليبي بنظام الإدعاء المباشر حيث نصت المادة (205) من قانون الإجراءات على أن ” تحال الدعوى في الجنح والمخالفات بناء على أمر يصدر من قاضي التحقيق أو غرفة الاتهام أو بناء على تكليف المتهم مباشرة بالحضور من قبل أحد أعضاء النيابة العامة أو من المدعي بالحقوق المدنية ” .

فهذا النص قد أعطى للمدعى بالحقوق المدنية مكنة الإدعاء مباشرة .
ولقد رأيت وأثناء ممارستي للعمل بالنيابة العامة ـ ميلاً يتسع يوماً بعد يوم نحو الأخذ بنظام الدعوى المباشرة وهو ما دعاني إلى محاولة مناقشة هذا النظام الذي أخذ في الانتشار بشكل يتطلب تبيان جوانبه وشرائطه * الذي أرى أنه نظام قد وفق المشرع في الأخذ به فهو يقابل السلطات التقديرية الواسعة المعطاة للنيابة العامة بخصوص التصرف في الدعاوى الجنائية * وسوف أتعرض للدعوى المباشرة وفقاً للخطة التالية :
المبحث الأول : صاحب الإدعاء المباشـر.
المبحث الثاني : شروط الإدعاء المباشـر.
المبحث الثالث : إجراءات الإدعاء المباشـر.
المبحث الرابع : آثار الإدعاء المباشـر.
الخاتمـــة .

المطلب الأول
صاحب الإدعاء المباشر

المدعي بالحقوق المدنية :-
المدعى بالحقوق المدنية حسبما ورد بنص المادة (205) من قانون الإجراءات الجنائية هو صاحب الحق في رفع الدعوى المباشرة * فهو الذي له حق تحريك الدعوى الجنائية بالطريق المباشر وقد عرفته المادة السابعة عشر إجراءات جنائية بأنه ” من يدعى حصول ضرر له من الجريمة ” حيث نصت المادة المذكورة على أن لكل من يدعي حصول ضرر له من الجريمة أن يقيم نفسه مدعياً بحقوق مدنية في الشكوى التي يقدمها إلى النيابة العامة أو إلى أحد مأموري الضبط القضائي ” .
وهذا النص قد حدد المدعى بالحقوق المدنية بالمضرور وهي يختلف عن المجني عليه وأن كان الأمر الغالب أن يكون المجني عليه هو نفسه المضرور من الجريمة ومن هنا فليس للمجني عليه حق الإدعاء المباشر * غير أن الغالب يكون المجني عليه هو ذاته المضرور إلا أنه في بعض الأحيان يكون المضرور من الجريمة شخصاً أخر غير المجني عليه ولا يشترط القانون أن يكون المدعي بالحقوق المدنية شخصاً طبيعياً أو شخصاً معنوياً .

ولقد عرف الفقهاء المجني عليه بأنه ” من تعرض حقه الذي يحميه النص التجريمي لعدوان مباشر وتحققت بالنسبة له النتيجة الإجرامية ” هذا ولابد أن يكون المضرور قد أصابه ضرر من الجريمة مباشرة وإلاّ انتفت صفته في تحريك الدعوى الجنائية بالطريق المباشر وفي هذا الإطار قضت محكمة النقض المصرية بأنه لما كان الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه أن المدعي بالحقوق المدنية (الذي أقام الدعوى بالطريق المباشر) لم يكن طرفاً في عقد البيع محل جريمة النصب وإن التصرف في العقار قد تم إلى الغير مقابل مبلغ نقدي فإن التعويض المطالب به لا يكون عن ضرر نشأ مباشرة من جريمة النصب التي أقُيمت بها الدعوى ولا محمولاً عليها مما لا يضفي على المدعي بالحقوق المدنية صفة المضرور من الجريمة وبالتالي تكون دعواه المدنية غير مقبولة مما يستتبع عدم قبول الدعوى الجنائية أيضاً وإذْ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر فإنه يكون قد أخطأ في تأويل القانون بما يوجب نقضه وتصحيحه بإلغاء الحكم المستأنف والقضاء بعدم قبول الدعويين الجنائية والمدنية ” .

ولقد أثير جدل حول مدى أحقية خلف المضرور في الإدعاء المباشر * ويبدو أن الرأي الراجح يذهب إلى أنه ليس للخلف ـ سواء كان خلفاً عاماً أو خاصاً ـ هذا الحق بمقولة أن المدعى حتى يكون له هذا الحق لابد أن يطاله الضرر مباشرة وهو ما لا يتحقق في الخلف وقد يتساءل البعض حول ما إذا كان حق المدعي بالحق المدني في رفع الدعوى الجنائية ـ يعتبر من الحقوق المطلقة أم أنه حق مقيد ؟ ولقد كفتنا المحكمة العليا مؤنة البحث في هذا الموضوع حيث قررت في أحد أحكامها الحديثة نسبياً أن حق النيابة العامة في رفع الدعوى وحق المضرور من الجريمة في الإدعاء المباشر أمام محكمة الجنح والمخالفات مصدره القانون حيث نصت المادة الأولى من قانون الإجراءات الجنائية على أن ـ تختص النيابة العامة دون غيرها برفع الدعوى الجنائية ومباشرتها ولا ترفع من غيرها ألا في الأحوال المبينة في القانون * ولا يجوز ترك الدعوى الجنائية أو وقفها أو تعطيل سيرها إلا في الأحوال المبينة في القانون وجرى نص المادة (205) من ذات القانون بأن تحال الدعوى في الجنح والمخالفات بناء على أمر يصدر من قاضي التحقيق أو غرفة الاتهام أو بناء على تكليف المتهم مباشرة بالحضور من قبل أحد أعضاء النيابة العامة أو من المدعى بالحقوق المدنية ـ وكان مفاد هذين النصين أن حق النيابة العامة في رفع الدعوى الجنائية ومباشرتها وحق المدعى المدني في رفعها في الأحوال المصرح له بها قانون إنما هو حق (مطلق) مصدره وأساسه القانون ولا يقيد من ثم إلاّ بموجب نص خاص في القانون وهو ذات الأداة التشريعية التي خولتهما هذا الحق * يؤيد ذلك ما هو مقرر بنصي المادتين (8 * 9) من قانون الإجراءات الجنائية من أن اشتراط صدور إذن أو طلب لرفع الدعوى الجنائية إنما يكون بموجب قانون* وما ورد بالمادة الأولى من القانون المعني من أنه لا يجوز ترك الدعوى الجنائية أو ووقفها أو تعطيل سيرها إلاّ في الأحوال المبينة في القانون ولو كان قصد الشارع جواز وضع قيود على الحق في رفع الدعوى الجنائية ومباشرتها بطريق آخر لفعل ولما صرح بلزوم ورود القيد في أداه تشريعية لها ذات قوة الأداة التي أنشأت الحق وهو مسلك من المشرع يتفق ومبدأ تدرج التشريعات ووجوب احترام الأدنى منها للأعلى على نحو يضمن للدولة بناءً قانونياً متسقاً منسجماً تتلاءم أحكامه وتتفق غاياته ولا يعارض أدناه ما يرد بأعلاه ويكفل بالتالي رسم سياسة تشريعية تدعم سلامة التشريع واستقراره .

مركز المدعى بالحقوق المدنية في نطاق الدعوى المباشرة :
ذهب قضاء النقض المصري إلى أن المدعى بالحقوق المدنية لا يعدو أن يكون خصماً في الدعوى المدنية وبالتالي فإن مهمته تنحصر في مجرد تحريك الدعوى الجنائية دون مباشرتها وتطبيقاً لذلك قضى بأنه لا يملك المدعى بالحقوق المدنية استعمال الدعوى الجنائية أو التحدث عن الوصف الذي يراه هو لها وإنما يدخل فيما بصفته مضروراً من الجريمة التي وقعت طالباً تعويضاً مدنياً عن الضرر الذي لحقه فدعواه مدنية بحتة ولا علاقة لها بالدعوى الجنائية إلاَّ بتبعيتها لها .
غير أن هذا الرأي لم يلق قبولاً لدى بعض الشراح والذين يذهبون إلى أن المدعى بالحقوق المدنية لا يقتصر دوره على اعتباره خصماً في الدعوى المدنية بل يمتد ليعتبر منضماً للنيابة العامة في الدعوى الجنائية * وأن هذه الصفة تبدو بشكل جلى في الحالة التي تكون الدعوى المدنية منحصرة في المطالبة بتعويض شكلي رمزي فهذه المطالبة لا تشير إلى جدية دعوى التعويض ولكنها تدل على الميل إلى التدخل في إجراءات الدعوى الجنائية .
وفي ظل القانون الليبي ـ كما بينا ـ فأن المدعى بالحقوق المدنية قد أعطى استثناء مكنة رفع الدعوى دون مباشرتها والتي إقتصرت على النيابة العامة وفقاً لنص المادة الثانية من قانون الإجراءات الجنائية .

المطلب الثاني
شروط الإدعاء المباشر

الفقه والقضاء متفقان بالرغم من عدم وجود نصوص صريحة على أنه يشترط لقبول الإدعاء المباشر شرطان .

الشرط الأول: قبول الدعوى المدنية :
سبيل المدعى بالحق المدني إلى رفع الدعوى الجنائية يترتب على قبول دعواه المدنية فأن لم تكن كذلك فأن المدعى المدني لن يستطيع أن يباشر الدعوى الجنائية إذ أن القانون لا يمنحه مكنة تحريك الدعوى الجنائية لوحدها وإنما يمنحه هذا الاختصاص من خلال الدعوى المدنية ذاتها .

فالدعوى المباشرة لا تقوم إلا بقيام حق المدعى المدني في المطالبة مدنياً بذات الحق المدعى به فيها فإذا امتنع ذلك عليه بسبب صدور حكم نهائي قاطع في الخصومة المدنية لم يعد جائزاً له معاودة النزاع عن طريق الإدعاء المباشر .

وبناء على ذلك لا تتحرك الدعوى الجنائية إذا سقط الحق في الالتجاء إلى القضاء الجنائي لسبق اختيار الطريق المدني ولقد جاء بأحد أحكام المحكمة العليا . إذا سبق للمدعى المدني اختيار الطريق المدني بأن التجأ إلى المحكمة المدنية ـ فلا تقبل دعواه المباشرة أمام المحكمة الجنائية ـ إذ يسقط حقه في الالتجاء إلى القضاء الجنائي متى كانت دعواه الجديدة هي عين الدعوى السابق رفعها أمام المحكمة المدنية ـ لأن حكم المحكمة المدنية حاز قوة الشيء المحكوم به ولا يمكن أن يصف طلبه بصفة تعويض إذْ من المقرر في الأحكام القضائية الصادرة بهذا الشأن أن نتائج الشيء المحكوم فيه نهائياً من محكمة مدنية منع الخصم الذي حكم له في دعواه مدنياً من رفع دعواه مرة ثانية إلى المحكمة الجنائية كما تكون الدعوى غير مقبولة إذا رفعت من غير ذي صفة .

وليس من المهم بعد ذلك أي بعد تحريك الدعوى الجنائية أن يقضي فيها لصالح المدعى المدني أو ضده وأن تنازل المضرور عن حقه في التعويض لا يمنع من تحريك الدعوى الجنائية ومن وجوب الحكم في موضوعها بالبراءة أو بالإدانة .

وبصدد شرط أن تكون الدعوى المدنية مقبولة كانت محكمتنا العليا قد أصدرت حكماً جاء فيه ” من حيث لما كان من نتائج تمييز حق المجتمع في العقاب عن حق المجني عليه في التعويض ـ أن أصبحت وسيلة الوصول إلى كل منهما دعوى متميزة عن الأخرى فالدعوى التي تباشرها النيابة العامة باسم المجتمع هي الدعوى العمومية أو الجنائية أما الدعوى التي يباشرها من لحقه ضرر من الجريمة فهي الدعوى المدنية ـ لأنها بحسب الأصل ـ لا تبغي عقاباً بل تبغي تعويضاً ـ فإذا تبين القاضي من فحصه للأوراق أن حق المدعى المدني قد انقضى لسبق القضاء فيه من المحكمة المدنية فإنه يقضي بعدم القبول لأن الحكم الصادر من المحكمة المدنية يمنع مع اتحاد الخصوم والسبب والموضوع من تحريك الدعوى الجنائية مباشرة ـ إذْ لا يستطيع المدعى المدني تحريك الدعوى العمومية إلاَّ إذا كانت دعواه المدنية جائزاً قبولها ـ فمتى كان غير جائز قبولها لسبق الفصل فيها كانت الدعوى العمومية غير جائز نظرها أيضاً .

الشرط الثاني: قبول الدعوى الجنائية :
قبول الدعوى الجنائية هو السند الذي أباح الخروج على القواعد العامة المتعلقة بالاختصاص .
فالقاعدة أن القضاء المدني هو المختص بالنظر في طلب التعويض وقد أجيز هذا الأمر للقضاء الجنائي كاستثناء ورد على الأصل فالدعوى المدنية تحرك الدعوى الجنائية تم تتبعها بعد ذلك واستناداً إلى ذلك لا تكون الدعوى الجنائية مقبولة إذا كانت الواقعة لا تشكل جريمة ولقد قضت محكمة النقض المصرية في هذا الصدد ” إذا كان الحكم المطعون فيه قد قضى ببراءة المتهم لما تكشف له من أن الواقعة المرفوعة بها الدعوى الجنائية هي منازعة مدنية بحتة تدور حول إخلال بتنفيذ عقد البيع وقد ألبست ثوب جريمة التبديد على غير أساس من القانون * فإن قضاءه بالبراءة اعتماداً على هذا السبب يلزم عنه اعتبار المحكمة الجنائية غير مختصة بالفصل في الدعوى المدنية * أما وقد تعرض لها الحكم وفصل في موضوعها بالرفض فإنه يكون قد قضى في أمر هو من اختصاص المحاكم المدنية وحدها * ولا شأن للمحاكم الجنائية به ” .
وبالتالي إذا لم يكن الضرر ناشئاً عن الجريمة المرفوعة بها الدعوى الجنائية فيجب على المحكمة أن تقضي في هذه الحالة بعدم ولايتها بنظر الدعوى المدنية .

في هذا النطاق تثار بعض المسائل المتعلقة بالجرائم التي يتطلب القانون لتحريكها طلباً أو إذناً يصدر من جهة معينة كالجرائم المرتكبة من ضباط الشرطة مثلاً حيث نصت المادة (103) من القانون رقم (10) لسـ1992ـنة بشأن الأمن والشرطة على أنه ” مع عدم الإخلال بالقانون رقم (5) لسـ88ـنة بشأن إنشاء محكمة الشعب وتعديله بموجب القانون رقم 6 لسـ90ـنة لا يجوز في غير حالات التلبس * اتخاذ أي من إجراءات التحقيق ورفع الدعوى الجنائية ضد عضو هيئة الشرطة عن الخطأ الذي يرتكبه بسبب أدائه لواجباته أو أثناء تأديته لمهام وظيفته ألاّ بأذن كتابي من الأمين * ويعتبر فوات مدة ثلاثين يوماً على إخطار الأمين بالواقعة دون رد منه إذناً بمباشرة الإجراءات القانونية ” ففي هذه الحالة والحالات المماثلة التي يتطلب فيها القانون طلباً أو إذناً لا يكون في إمكان المضرور الإدعاء المباشر إلاّ إذا صدر الطلب أو الأذن ذلك أن الفقرة الثانية من المادة التاسعة من قانون الإجراءات الجنائية قد نصت على إنه ” وفي جميع الأحوال التي يشترط القانون فيها لرفع الدعوى الجنائية إذناً أو طلباً من المجني عليه أو غيره لا يجوز اتخاذ إجراء في الدعوى إلاّ بعد الحصول على هذا الإذن أو الطلب ” .

فهذا النص قد وضع قاعدة لابد من التقيد بها سواء أكان رفع الدعوى عن طريق النيابة العامة أو عن طريق المدعى بالحقوق المدنية والقول بغير ذلك يجعل النص يفتقر إلى منطقيته بالرغم من عموم القاعدة .
هذا وقد يحدد القانون طريقاً معيناً لمتابعة الفاعل أو مرتكب الخطأ كالمخاصمة بالنسبة (لأعضاء القضاء) سواء أكانوا من القضاة أو أعضاء النيابة العامة وفي هذه الحالة هل يجوز للمدعى بالحقوق المدنية اللجوء إلى سبيل الدعوى المباشرة ؟
نقول بأن المادة (721) من قانون المرافعات قد حددت جهة المخاصمة بالنص على أن تقدم دعوى المخاصمة بتقرير في قلم كتاب محكمة الاستئناف التابع لها القاضي أو عضو النيابة … ”
فهذا النص قد جاء بقاعدة عامة لا يمكن انتهاكها وعلى المدعى المدني أن يسلك طريق المخاصمة لا طريق الإدعاء المباشر في هذه الحالة .

الشرط الثالث: عدم وجود تحقيق مفتوح :
يشترط في الإدعاء المباشر أن لا يكون هناك تحقيق مفتوح لازال قائماً بصرف النظر عن جهة التحقيق * سواء كانت النيابة العامة أم قاضي التحقيق أم غرفة الاتهام * كما يشترط أن لا تكون جهة التحقيق قد باشرت بنفسها تحريك الدعوى ففي هذه الحالة على المضرور الانتظار ريثما تنتهي سلطة التحقيق من إجراءاتها وتتصرف في الدعوى * ويكون للمدعى من خلال تصرفها مكنة الطعن في قرارها الصادر بألاَّ وجه أو متابعة الدعوى إن رأت تقديمها إلى المحكمة .
وهذا الشرط منطقي ولا يحتاج إلى نص تشريعي ذلك أن التحقيق المفتوح يجعل في الإمكان تصور استمرار النيابة فيه وتقديم المتهم إلى القضاء ويكون في وسع المدعى بالحقوق المدنية رفع دعوى مدنية تابعة للدعوى الجنائية *أما إذا خلصت سلطات التحقيق إلى القرار بألاَّ وجه فقد أعطى القانون للمدعى المدني مكنة الطعن في هذا القرار .
وبالتالي يضحي اللجوء إلى الإدعاء المباشر مع وجود تحقيق مفتوح أو تقديم المتهم إلى المحاكمة أمر متخذ على عجل كما أن ما يود المدعى بالحق المدني الوصول إليه عليه أن ينتظره إذا كان التحقيق لازال قائماً أو عليه متابعة محاكمة المتهم عند إحالته إلى القضاء .

وهذا ما أخذت به محكمة النقض المصرية في حكم حديث لها حيث قضت بأن الأصل أن الدعوى الجنائية موكول أمرها إلى النيابة العامة تحركها كما تشاء أما حق المدعى بالحقوق المدنية في ذلك فقد ورد على سبيل الاستثناء فإذا كانت النيابة لم تجر تحقيقاً في الدعوى ولم تصدر قراراً بأن لأوجه لإقامة الدعوى الجنائية فإن حق المدعى بالحقوق المدنية يظل قائماً في تحريك الدعوى مباشرة أمام المحاكم الجنائية على اعتبار إنه لا يصح أن يتحمل مغبة إهمال جهة التحقيق أو تباطؤها * إما إذا كانت النيابة العامة قد استعملت حقها الأصيل في تحريك الدعوى الجنائية وباشرت التحقيق في الواقعة ولم تنتهي منه فأنه لا يجوز للمدعى بالحقوق المدنية أن ينتزعها منها باللجوء إلى الطريق المباشر .

وينتقد بعض الشراح هذا المسلك بقولهم إنه لا يوجد نص صريح في القانون يقضي بذلك ولقد سبق أن اشرنا إلى أن هذا الأمر لا يحتاج ـ حسبما نرى ـ إلى نص صريح في القانون فبمجرد قيام النيابة العامة باستعمال حقها الأصيل في تحريك الدعوى ومباشرة التحقيق يعني إنها قد أعطت الدعوى أهمية قد توصل إلى ما يريده المدعى بالحق المدني ولا ضير من الانتظار والذي قد يوصل إلى تقديم المتهم إلى المحكمة وأن رأت النيابة العامة أن تصدر أمراً بألاَّ وجه فقد كفل القانون الحق للمدعى بالحق المدني في الطعن على هذا القرار .
وهذا بخلاف ما إذا أصدرت النيابة العامة أمراً بالحفظ فهذا الأمر لا يمنع المدعى من رفع الدعوى المدنية مباشرة * وقد أصدرت محكمة النقض المصرية حكماً مقتضاه أن سبق صدور قرار من النيابة العامة بحفظ الدعوى العمومية لا يمنع المدعى المدني من رفع دعواه مباشرة فيحرك بها الدعوى العمومية .

المطلب الثالث
إجراءات الإدعاء المباشر

أولاً: التكليف بالحضور:-
لا تتحرك الدعوى الجنائية إلا بالأعلان * وبالتالي فإن من أوائل إجراءات الدعوى المباشرة أعلان صحيفة الدعوى الجنائية من قبل المدعى بالحقوق المدنية بأن يكلف المتهم بالحضور أمام المحكمة المختصة في يوم يحدده في الصحيفة ولقد أبانت المادة (206) من قانون الإجراءات الجنائية ميعاد الحضور حيث نصت الفقرة الأولى منها على أن ” يكون تكليف الخصوم بالحضور أمام المحكمة قبل انعقاد الجلسة بيوم كامل في المخالفات وبثلاثة أيام كاملة على الأقل في الجنح غير موا عيد المسافة وذلك بناء على طلب النيابة العامة أو المدعى بالحقوق المدنية * ولقد أصدرت محكمة جنوب بنغازي الجزئية بتاريخ 2002.4.29 حكماً في القضية رقم 341/2002 رأس عبيدة جاء فيه حيث أن القانون إجاز للمجني عليه (المدعى بالحق المدني) أن يحرك الدعوى الجنائية بطريق الإدعاء المباشر في الجنح والمخالفات بناء على تكليف المتهم مباشرة بالحضور من قبل المدعى بالحق المدني غير أن ذلك مشروط بقواعد قانونية ثابتة لا يجوز تجاهلها من بينها ذكر (التهمة ومواد القانون التي تنص على العقوبة) طبقاً للمواد (205 * 206) إجراءات جنائية حيث أن صحيفة دعوى الجنحة المباشرة في واقعة الحال لم يرد بها مادة الاتهام الواجبة التطبيق ” .

كما أبانت المادة المذكورة عن مشتملات ورقة التكليف بالحضور حيث لابد من ذكر التهمة ومواد القانون التي تنص على العقوبة .
كذلك فقد راعت المادة سالفة البيان حالات التلبس أن يكون التكليف بالحضور بغير ميعاد * وفي هذه ا لحالة إذا حضر المتهم وطلب أعطاؤه ميعاداً لتحضير دفاعه * تأذن له المحكمة بالميعاد المقرر بالفقرة الأولى .
ولقد حددت المادة (207) من قانون الإجراءات الجنائية كيفية أعلان ورقة الحضور بالنص على أن تعلن ورقة التكليف بالحضور لشخص المعلن إليه أو في محل إقامته بالطرق المقررة في قانون المرافعات في المواد المدنية والتجارية .
ويجوز أعلان ورقة التكليف بالحضور بواسطة أحد رجال السلطة العامة .

واستناداً إلى ما سبق فأن أعلان التكليف بالحضور هو الأجراء الجوهري الذي يتم به الأدعاء المباشر وتنعقد به الخصومة وتطبيقاً لذلك قضت محكمة النقض المصرية في أحد أحكامها بأن ” التكليف بالحضور هو الأجراء الذي يتم به الأدعاء المباشر وتترتب عليه كافة الأثار * وبدون أعلان هذا التكليف لا تدخل الدعوى في حوزة المحكمة ” .

ويلاحظ أن أعلان التكليف لابد أن يتم خلال المواعيد المحددة طبقاً لنص المادة (206) من قانون الإجراءات وألاّ كان الأعلان باطلاً .
وتنص المادة السادسة من قانون المرافعات على أنه إذا نص القانون على ميعاد حتمي لرفع دعوى أو طعن أو أي أجراء أخر يحصل بالأعلان فلا يعتبر الميعاد مرعياً إلاّ إذا تم أعلان الخصم خلاله ” ومن هنا لابد أن يكون التكليف بالحضور صحيحاً حتى تنعقد الخصومة بالطريق الذي رسمه القانون . هذا ولقد تطور القانون الليبي حيث صدر القانون رقم (25) لسنة 1369 و.ر بتعديل بعض أحكام قانون المرافعات المدنية والتجارية الصادر عن مؤتمر الشعب العام حديثاً في 25 الكانون سنة 1369 و.ر حيث استبدل نص المادة السابعة من قانون المرافعات بنص جديد يقضي بأن ” كل أعلان أو تنبيه أو أخبار أو تبليغ أو تنفيذ يكون بوا سطة المحضرين بناء على طلب الخصم أو قلم الكتاب أو أمر المحكمة ما لم ينص القانون على غير ذلك ” .

ويجوز أن يكون الأعلان أو التنبيه أو الأخبار أو التبليغ أو التنفيذ عن طريق مكاتب أو تشاركيات تنشأ لهذا الغرض يصدر بتنظيمها وتحديد اختصاصاتها وكيفية ممارسة عملها قرار من أمانة اللجنة الشعبية العامة للعدل والأمن العام * ويكون لهذه المكاتب والتشاركيات ذات الصلاحيات المقررة للمحضرين كما يكون لما تصدره من محررات ذات الحجية التي للمحرارات الصادرة عن المحضرين ـ على أنه إذا كان الأعلان بناء على أمر المحكمة أو طلب قلم الكتاب فإن توقيع الخصم أو من ينوب عنه قانوناً بقلم الكتاب وبحضور الموظف المختص يعتبر أعلاناً له … “

ثانياً: إيداع الأمانة ودفع الرسوم القضائية :
نصت المادة (229) من قانون الإجراءات الجنائية والتي وردت بالفصل الخامس تحت عنوان (في الإدعاء بالحقوق المدنية) ” على المدعى بالحقوق المدنية أن يدفع الرسوم القضائية * وعليه أن يودع مقدماً الأمانة التي تقدرها النيابة العامة أو قاضي التحقيق أو المحكمة على ذمة اتعاب ومصاريف الخبراء والشهود وغيرهم .
وعليه أيضاً ايداع الأمانة التكميلية التي قد تلزم أثناء سير الإجراءات “

فهذا النص قد استلزم دفع الرسوم القضائية وإيداع الأمانة مقدماً كما أوجب إيداع الأمانة التكميلية وحكمة ذلك هو تجنب إعسار المدعى إذا ما قضى ببراءة المتهم وإلزام المدعى يدفع المصاريف كما أن هذا الأمر يضيق من مجال التعسف في استعمال حق الأدعاء المباشر * ويثير النص مسألة تحديد الرسوم القضائية ومقدار الأمانة والأمانة التكميلية * ولقد حدد قانون الرسوم قيمة الرسم القضائي أما الأمانة والأمانة التكميلية فقد ترك أمر تحديدها للنيابة العامة أو قاضي التحقيق أو المحكمة بحسب الأحوال ويترتب على الإخلال بالالتزام بدفع الرسوم والأمانة وكذلك الأمانة التكميلية ـ عدم قبول الأدعاء المدني وسند ذلك أن المادة (229) سابقة البيان قد نصت على وجوب قيام المدعى بالحقوق المدنية بدفع الرسوم والأمانة بالنص (على المدعى بالحقوق المدنية … ) وبالتالي فإن مخالفة ذلك جزاءه عدم قبول الأدعاء المدني وهو أمر يتوافق مع الغرض الذي قررت من آجله الرسوم وهو ضمان عدم الكيد ومظنة الزج بالأشخاص عن طريق الأدعاء المباشر دون سند أو دليل وهو ما يفهم من أحد أحكام المحكمة العليا الذي جاء به أما الرسوم القضائية فإنها تدفع على أساس قيمة الدعوى وهي مستحقة للخزينة وليس لرافعها الحق في استردادها وإلاَّ في الحـالات المبينة في قانـون الرسـوم القضائية رقـم (77 لسنة 58) المواد (32-34) .

ثالثاً: مجال الأدعاء المباشر:
ينحصر نطاق الأدعاء المباشر في الجنح والمخالفات وهو ما يتضح من خلال صدر المادة (205) من قانون الإجراءات الجنائية والتي تقضي بأن (تحُال الدعوى في الجنح والمخالفات ..) وبالتالي فأن الأدعاء المباشر لا يجوز في الجنايات والعبرة في تحديد نوع الجريمة بطبيعتها ولا تأثير في هذا الصدد بالمحكمة التي تنظرها فلو أنعقد اختصاص محكمة الجنايات بنظر إحدى الجنح فإن التكليف بالحضور يكون أمام محكمة الجنايات.

هذا ولا يجيز القانون إقامة الدعوى المدنية أمام بعض المحاكم الجنائية مثال ذلك نص المادة (322) من قانون الإجراءات والتي تنص على أنه ” لا تقبل المطالبة بحقوق مدنية أمام محكمة الأحداث ” كما تنص المادة (105) من قانون الإجراءات الجنائية العسكرية على أن ” لا يقبل الأدعاء بالحقوق المدنية أمام المحاكم العسكرية ” .
ويفسر شراح القانون تشدد المشرع بالنسبة للجنايات للأسباب الآتية :-
• أن الجنايات على درجة من الخطورة كما أنها محاطة بالعديد من الضمانات التي تستبعد تقاعس النيابة أو تراجعها .
• ليس من المنطقي مثول متهم أمام محكمة الجنايات بمجرد تكليفه من المدعي المدني بالحضور لما قد يترتب على ذلك من مضار يصعب تداركها قد لايعوضها صدور حكم بالبراءة .
وفي هذا الاطار اصدرت المحكمة العليا حكما يقضي بأن ” الدعوي المقامة هي جنحة مباشرة وفقا للمادة (205) من قانون الاجراءات الجنائية * وأتهام شخص فيها بالتزوير وفقا للمادتين (342*341) عقوبات مباشرة غير جائز لانها جناية * والجناية لا تقام فيها الدعوى بالطريق المباشر بل لابد من مرورها على جهات معينة حددها القانون* ولذلك فإن الطلب (طلب إثبات التزوير) غير مجد ولا منتج نظراً لحجب المحكمة قانوناً عن نظر الجناية بالطريق المباشر ” .
وفي هذا الشق تثار مسألة ” جرائم الشكوى “

حيث لا يكون في مكنة المدعى المدني رفع الدعوى المباشرة أما إذا كان المدعى المدني مجنياً عليه في ذات الوقت فأن قيامه بتكليف المتهم بالحضور يعتبر بمثابة شكوى * ولقد أصدرت محكمة النقص المصرية في هذا الصدد حكماً يقضي بأن اشتراط تقديم الشكوى من المجني عليه أو وكيله الخاص في الفترة المحددة بالمادة الثالثة من قانون الإجراءات الجنائية هو في حقيقته قيد على النيابة في استعمال الدعوى الجنائية لا على ما للمدعي بالحقوق المدنية من حق إقامة الدعوى المباشرة قبل المتهم إذا لم يحركها أمام محكمة الموضوع مباشرة ـ ولو بدون شكوى سابقة ـ في خلال الأشهر الثلاثة التي نص عليها القانون لأن الأدعاء المباشر هو بمثابة شكوى .

المطلب الرابع
آثار الإدعاء المباشر

ينجم عن رفع الدعوى الجنائية بطريق الأدعاء المباشر تحريك الدعوى المدنية تبعاً لها. غير أن ذلك لا يلزم النيابة العامة التي تباشر الدعوى الجنائية بالانضمام لطلبات المدعى بالحق المدني فقد تكتفي بتفويض الأمر للمحكمة أو تطلب البراءة حسبما يترآى لها وتتقيد المحكمة بالوقائع المدرجة بعريضة الدعوى * غير أن هذا الأمر لا يحجب عنها مكنة أعطاء الوقائع الوصف القانوني الصحيح بصرف النظر عن الوصف الذي يسبغه المدعى بالحق المدني أو النيابة العامة .
وتحريك الدعوى كأثر من آثار الدعوى المباشرة يعتبر من الخطورة بمكان فهو يؤدي إلى تنصيب المدعى المدني على قدم المساواة مع النيابة التي قد لا تكون في نيتها تحريك الدعوى فتجد المدعى وقد أقحمها في مباشرة دعوى قد لا تكون راغبة في رفعها.

ولقد أصدرت محكمة النقص المصرية في هذا الصدد حكماً يقضي بأن رفع الدعوى مباشرة لمحكمة الجنح من المدعى بالحق المدني يحرك الدعوى العمومية المرتبطة بها لدى المحكمة المذكورة فيتصل بها قضاؤها سواء وافقته النيابة وطلبت فيها العقوبة أم لم توافقه .

وينحصر دور المدعى المدني في تحريك الدعوى الجنائية فهو لا يملك مباشرتها إذْ يقتصر ذلك على النيابة العامة وحدها وبالتالي لا يستطيع المدعى بالحق المدني أن يطلب تشديد العقوبة على المتهم .
كما إنه إذا صدر حكم فإن حق المدعى في الطعن ينحصر في الشق المدني أما الشق الجنائي فهو من إطلاقات النيابة العامة .
ولقد أصدرت محكمة النقض المصرية في هذا الشأن حكماً جاء فيه بأن استئناف المدعى بالحقوق المدنية يقتصر أثره على الدعوى المدنية وحدها لأن اتصال المحكمة الاستئنافية بالدعوى الجنائية لا يكون إلاّ عن طريق النيابة و المتهم غير أن أثر الدعوى المباشرة يتوقف على التقيد بالنواحي الشكلية والتي تجعل الأدعاء المباشر مقبولاً شكلاً .
لذلك نصت المادة (233) من قانون الإجراءات بأنه ” للمدعى بالحقوق المدنية أن يترك دعواه في إية حالة كانت عليها الدعوى ويلزم بدفع المصاريف السابقة على ذلك* مع عدم الأخلال بحق المتهم في التعويضات إن كان لها وجه * ولا يكون لهذا الترك تأثير على الدعوى الجنائية ” .

فالمدعى بالحق المدني لايُعد خصماً في الدعوى الجنائية وبالتالي لا يكون من حقه تركها ولكن إذا كانت الدعوى المباشرة التي أقامها المدعى تتعلق بجريمة يتوقف تحريكها على شكواه فإن تركه للدعوى قبل صدور حكم نهائي يترتب عليه سقوط الدعوى الجنائية .

وفي هذا الصدد قضت حديثاً محكمة النقض المصرية بأنه من المقرر إنه متى اتصلت المحكمة بالدعوى الجنائية بتحريكها بالطريق المباشر تحريكاً صحيحاً ظلت قائمة ولو طرأ على الدعوى المدنية ما يؤثر فيها ولذلك فإن ترك الدعوى المدنية لا يكون له أثر على الدعوى الجنائية وذلك بصريح نص المادة (260) من قانون الإجراءات الجنائية ومن ثم فإن ترك المدعية بالحقوق المدنية لدعواها وإثبات الحكم لهذا الترك لم يكن يستتبع تبرئة الطاعن من الجريمة بعد أن توافرت أركانها ” .

الخاتمـــة

تعرضنا فيما سلف إلى الإدعاء المابشر بوصفه الطريق الذي منحه المشرع للمدعى بالحق المدني يسلكه بتحريك الدعوى في الجنح والمخالفات مباشرة بصرف النظر عن مسلك النيابة ورغبتها . وهو مذهب ـ كما سبق القول ـ أراد به المشرع المؤامه بين السلطات التقديرية المعطاه للنيابة في هذا الشأن ورغبة المدعى بالحق المدني في طلب التعويض من المتهم .
ولقد تطلب المشرع أن يقوم المدعى بالحق المدني بدفع الرسوم القضائية والأماننة التكميلية مقدماً وأراد بذلك عدم الكيدية . غير أن هذا المسلك ليس كافياً بل تبقى مظنة الكيد من المتوقع حدوثها من المدعى المدني الأمر الذي يجعلنا نتساءل عما إذا كان القانون قد قرر جزاءً في حالة قيام المدعى بالحق المدني بأسناد تهمة إلى المتهم وهو عالم بعدم صحتها هل جعل القانون عقوبة على ذلك ؟

أن هذا الأمر لابد أن يكون تقديره مستنداً إلى حسن أو سوء نية المدعى بالحق المدني .
فإذا كان المدعى هنا حسن النية فإنه لن يكون متابعاً جنائياً بعكس ما إذا كان سيء النية إذ نرى في هذه الحالة انطباق نص المادة (262/1) عقوبات التي تنص على أن : ” يعاقب بالحبس كل من اتهم شخصاً بفعل يعتبر جريمة قانوناً مع علمه بأن ذلك الشخص برئ أو اختلق ضده آثار جريمة وكان الاتهام أو الاختلاق بشكل يمكن معه مباشرة أي إجراء جنائي ضد المتهم كذباً إذا حصل الاتهام أو الاختلاق أمام السلطات المختصة. ولو كانت الشكوى أو الدعوى مجهولة الأمضاء أو تحت أسم مستعار ” .
ويبقى إثبات كيد المدعى بالحق المدني من عدمه عائداً للشخص الذي أُتهم بما أسند إليه في صحيفة الدعوى .
وفي ختام هذه الدراسة التي لا أدعى الكمال في صياغتها فأنني أهيب بالمشرع أن يعطي الأدعاء المباشر كسبيل لتحريك الدعوى الجنائية مجالاً أرحب مع إحاطته بالمعايير والأسس الكفيلة بعدم إساءة استعماله.