البنوة

أولا مفهوم البنوة وكيفية تحققها

إن الرابطة الموجودة بين الولد وأبويه كالعملة الواحدة ذات الوجهين , إذا نظر إليها من جانب الابن سميت بنوة وإن نظر إليها من جانب البن سميت بنوة, و إذا نظر إليها من جانب الأبوين اختلفت تسميتها بحسب اختلاف الزاوية المنظور منها, فإذا نظر إليها من زاوية الأب سميت أبوة, و ا نظر من زاوية الأم سميت أمومة.

و ما دمنا في إطار الكلام عن الولادة و نتائجها, فإن الذي بهمنا هو جانب البنوة, فكيف تتحقق ه البنوة إذن؟

لعل مدونة الأسرة تجيبنا على هذا السؤال بقولها في المادة 142 : “تتحقق البنوة بتسلل الولد من أبويه, و هي شرعية و غير شرعية”, و تنسل الابن من أبويه يختلف بحسب الجهة المتنسل منها أما أو أبا, فتنسله من أمه يكون بخروج من رحمها, سواء في إطار زواج أو شبهة أو اغتصاب أو زنى, فكل مولود جاء من إحدى هذه الطرق هو ابن للمرأة التي خرج من رحمها.

و أما تنسله من أبيه فيكون بتخلقه من مائه. سواء في إطار زواج أو شبهة أو اغتصاب أو زنى, فكل مولود خلق من ماء الرجل في إحدى هذه الحالات يعتبر ابنا له.

و التساؤل المطروح هو هل كل ابن يعتبر ابنا في نظر القانون و الشرع؟لعل الإجابة نجدها في الفقرة الموالية.

ثانيا صور البنوة.

يمكن النظر إلى البنوة من زاويتين. من زاوية المصدر المتنسل منه. و من زاوية الصورة المتنسل في إطارها., و لما كان النظر من الزاوية الأولى عديم الفائدة, فإننا نركز كلامنا على الزاوية الثانية. و لذلك نبادر إلى القول بأن البنوة من هذه الزاوية تتجسد في صورتين : شرعية و غير شرعية.

1-البنوة الشرعية.

لما كانت هذه البنوة من جهتين, من جهة الأم و من جهة الأب, فإننا نبين متى تكون البنوة شرعية من هاتين الجهتين معا.

أ‌-حالات البنوة الشرعية من جهة الأم.

ترد المادة 174 الفصل 2 هذه الحالات إلى ثلاثة : الزواج و الشبهة و الاغتصاب.

•الزواج

إذا جاء الولد في إطار علاقة زوجية بين رجل و امرأة كان هذا الولد ابنا شرعيا لهذه المرأة, لا فرق بين أن يكون هذا الزواج صحيحا أو فاسدا. و لا فرق بين أن يتم تلقيح البويضة داخل رحمها ثم يتم إخراجها لتنمو في المحضن الاصطناعي., أو يتم تلقيحها خارجا ثم تعاد إلى رحمها , أو يتم كل ذلك خارج الرحم.

•الشبهة

يقصد بالشبهة هنا اعتقاد المرأة عند اتصالها الجنسي بالرجل شرعية العلاقة التي تجمعهما, و هي إما شبهة في الشخص أو شبهة في الواقع أو شبهة في القانون.

و مثال النوع الأول أن يقع الغلط ( وهم تلقائي) في الشخص, كأن تجامع المرأة رجلا في الظلام معتقدة من حسن نية أنه زوجها.
و مثال النوع الثاني أن يقع الغلط في الواقع, كما في حساب مدة العدة, بأن تعتقد المطلقة عدم انتهاء عدة الطلاق الرجعي, فيجامعها مطلقها بقصد الرجعة, أو تتزوج رجلا ثم يتبين فيما بعد أنه أخوها منت الرضاعة.

و مثال النوع الثالث أن يقع الغلط في القانون, كأن تتزوج رجلا تعتقد أنه يحل لها التزوج به كابن أخيها من الرضاعة مثلا, ثم تجامعه( و هذا المثال نستحضره لتوضيح الفكرة , و إلا فهو غير متصور من الناحية العملية).

ففي كل هذه الأمثلة إذا أنجبت المرأة ولدا كان ابنا شرعيا لها بقوة القانون.

•الاغتصاب

اتفق علماء الإسلام على جواز إقدام المرأة على الزنا إذا أكرهت عليه إكراها ملجئا, و لا إثم عليها, و لذالك أجمعوا على أنه لا حد عليها, و عليه إذا تعرضت المرأة لتلك الجريمة البشعة, و تكون في بطنها جنين بسبب ذالك, فإنه يعتبر ابنا شرعيا لها بقوة القانون, و ذلك حتى لا تظل في تردد بين إسقاطه و ما يستتبع ذلك من شعور بإثم الجناية و بين إبقائه و ما يستتبع ذالك من شعور بالخزي.

ب : حالات البنوة الشرعية من جهة الأب.

تنص المادة 144 صراحة على أن البنوة الشرعية بالنسبة للأب تكون في حالات قيام سبب من أسباب النسب, أي أن الولد الذي يثبت بطريق الزواج صحيحا أو فاسدا أو بطريق الإقرار أو الشبهة يكون ابنا شرعيا له, و هذا يعني أن البنوة الشرعية هي البنوة التي تنتج نسبا.

2 – البنوة الغير الشرعية.

سبق حصر البنوة الشرعية بالنسبة للام, و بمفهوم المخالفة يمكن القول بأن حالات البنوة غير الشرعية تكمن في حال الجماع الاختياري خارج إطار الزوجية, أو في حالة الزواج الباطل الذي سمحت فيه بالدخول بها و هي تعلم أنه باطل.

و نفس الشيء يقال بالنسبة للأب, ,ي أن البنوة تكون غير شرعية عندما لا يثبت نسب الابن إليه بأي طريق من الطرق التي سنراها إن شاء الله في موضوع النسب.

ثالثا: آثار البنوة

1-من جهة الأم فيما يتعلق بالنسبة للام فإن آثار البنوة هي نفسها, لا فرق بين بنوة شرعية أو غير شرعية, و هذه الآثار لا نجدها مجموعة في مدونة الأسرة, بل هي موزعة بين المدونة و غيرها من التشريعات المغربية.

ففي مدونة الأسرة نجد الحضانة و الرضاعة و النفقة و حرمة الزواج و التوارث, و ثبوت الوصية الواجبة و غير ذلك… و في القانون الجنائي نجد إهمال الأسرة… و في القانون المدني نجد تحمل المسؤولية عن الأضرار التي يتسبب فيها هذا الابن , و أيضا نجد فيه عدم سريان التقادم بشأن الحقوق التي تكون لأحدهما قبل الأخر.. و في قوانين الوظيفة العمومية و الشغل و
الضمان الاجتماعي نجد التعويضات العائلية و عطل الولادة و هكذا… و في قانون الجنسية نجد أن الأم يمكن أن تعطي لوليدها جنسيتها خصوصا مع التعديل الأخير لقانون الجنسية بل و حتى في قانون الحالة المدنية نجد أنه يتوجب على الأم أن تصرح بالابن مجهول الأب, و أن تختار له اسما شخصيا و اسم أب مشتقا من أسماء العبودية لله تعالى, و اسما عائليا به.

2-من جهة الأب

أما بالنسبة للأب فنفرق بين البنوة الشرعية و غير الشرعية, فالأولى تترتب عليها جميع نتائج القرابة حسب المادة 157, أما الثانية فلا تنتج أي اثر بالنسبة للأب حسب المادة 148 من مدونة الأسرة, و إن كان الأمر لا يبدو على إطلاقه, فالفقهاء سبقوا إلى نقاش هذا الموضوع, و تمخض عن نقاشهم رأيان :
الرأي الأول : البنوة غير شرعية لا يترتب عليها شيء مطلقا, حيث يعتبر الابن أجنبيا عن أبيه الذي تخلق من مائه في إطار ما هو غير شرعي على النحو الذي ذكرناه سابقا.
و لهذا فهم يجيزون زواج الأب من ابنته أو بنت انه أو أخته من الزنا, و من أصحاب هذا الرأي الشافعية.

الرأي الثاني : البنوة غير الشرعية يترتب عليها بعض الآثار من قبيل حرمة الزواج.
و الملاحظ أن المشرع المغربي تجاهل هذا الخلاف, و ما كان له أن يفعل في مسألة تحتاج إلى التوضيح كهذه.

رابعا : إثبات البنوة

لم يشر المشرع المغربي عند حديثه عن البنوة إلى وسائل الإثبات بالنسبة للأب, و لعله يحيل في ذلك على و سائل إثبات النسب.

أما بالنسبة للام فقد خصصت المادة 147 للحديث عن وسائل إثبات البنوة بالنسبة لها, إذ جعلها ثلاثة واقعة الولادة أو إقرار الأم أو صدور حكم قضائي بها.

1-واقعة الولادة

من الملاحظ أن الأم قد تلد في المستشفى و قد تلد في منزلها, حسب ظروفها المادية و الاجتماعية, و إذا ولدت في المستشفى فقد يكون مستشفى عموميا و قد يكون مصحة خاصة, فما هي أوجه الاختلاف في موضوع الإثبات بالنسبة لهذه الأحوال؟

إذا ولدت في منزلها فإن وسيلة الإثبات هي الشهادة, لكن هل تكفي شهادة المولدة وحدها أم يتطلب الأمر شهادة أخرى أو أكثر؟

إن المدونة لم تجب على هذا السؤال إلا بشكل ضمني, حيث أحالت في المادة 400 على” المذهب المالكي و الاجتهاد الذي يراعي فيه تحقيق قيم الإسلام في العدل و المساواة و المعاشرة بالمعروف ” و عليه إذا رجعنا إلى الفقه المالكي و غيره وجدنا المالكية يكتفون بشهادة امرأتين أو أربع نسوة, في حين نجد الحنفية يكتفون بشهادة امرأة واحدة.

و لا يخامرنا أدنى شك في أن القاضي الفطن يأخذ برأي الحنفية, لما فيه من الاحتياط خصوصا و أنه قد يحصل أن تفاجأ المرأة بمخاض و لا يكون معها إلا امرأة واحدة.
أما إذا ولدت المرأة في المستشفى العمومي, فإن شهادة المولدة أو المولد باعتباره موظفا عموميا كافية لإثبات واقعة الولادة, سيما و أن ما يسجله حول الولادات التي تتم بين يديه تدخل ضمن الأوراق الرسمية ذات الحجية القاطعة, على خلاف شهادة المولد غير رسمي-كما في مصحة خاصة- فإنها تبقى خاضعة للسلطة التقديرية للقاضي.

2-الإقرار

الإقرار هو إخبار الشخص عن نفسه بأمر يوجب عليه حكما, و في الدليل العملي لمدونة الأسرة هو الاعتراف ببنوة الولد, و يعبر عنه أيضا بالاستلحاق. و يشترط في إقرار الأم هنا ما يشترط في إقرار الأب الذي سنتطرق له لاحقا إن شاء الله في موضوع النسب, غير أنها إذا نوزعت في إقرارها, وجب عليها حينئذ إثبات البنوة, سواء كانت المنازعة من زوجها إن كانت متزوجة, أو من الولد المقر به نفسه, أو ممن له مصلحة في نفي البنوة.
و السؤال المطروح هنا هو هل يشترط في هذا الإقرار أن يكون صادرا منها كما هو الشأن في إقرار الأب أم لا؟ لعل ظاهر المادة 147 يوحي بذلك, غير إنه ورد في الدليل العملي ما يخالف ذلك هذا الظاهر: , و لقد جاء فيه ” و يدخل في أحكام الإقرار قيام شخص مستلحق بتعيينها كأم للابن المستلحق من طرفه دون اعتراضها على ذلك.”

3-استصدار حكم قضائي

ذكر المشرع هذه الوسيلة بعد الوسيلتين السابقتين, إيحاء منه بأن اللجوء إليها يكون بعد تعذر إثبات البنوة بما سبق, كأن يموت شهود واقعة الولادة, أو تنازع الأم في إقرارها.
و من دون شك أن الوسيلة التي تعتمدها المحكمة في استصدار الحكم القضائي هي الاعتماد على الخبرة الطبية إذا لم توجد قرائن تصل من خلالها إلى ما تصبو إليه, من ذلك مثلا ثبوت الحمل أو أي واقعة أخرى يرتبط بها عادة حدوث الولادة, مثلا منح الإدارة أو المؤسسة المشغلة للمعنية الأمر عطلة الولادة( حسب تعليق الأستاذ الخمليشي)

الفصل الأول : النسب

النسب هو رابطة سامية بين الآباء و الأبناء, وصلة عظيمة على جانب كبير من الخطورة, و لذا تولاها الشارع الحكيم بتشريعه, و أحاطها بعنايته, و أرسى قواعدها على أسس متينة تحميها من الفساد و الاضطراب, و لا غرابة في ذلك إذا علمنا أن النسب هو إحدى الكليات الخمس التي أجمعت سائر الملل على وجوب المحافظة عليها دائما, و صيانتها من العبث بها, و هي : الدين و النفس و النسب و العقل و المال.
و قد لخصت مدونة الأسرة تلكم المعاني في المادة150 فقالت ” النسب لحمة شرعية بين الأب و ولده, تنتقل من السلف إلى الخلف.”
و لعل من أهم القواعد التي تعكس الاهتمام بالنسب قاعدتان أساسيتان :

القاعدة الأولى : ينسب الولد إلى أبيه الشرعي.

و معناها أنه لا يصح أن ينسب الإنسان إلا على أبيه الشرعي , به يدعى و غليه يلحق و و المستند في ذلك هو قوله تعالى : » ادعوهم لآبائهم هو أسقط عند الله”, وقوله صلى الله عليه وسلم : “من ادعى إلى غير أبيه و هو يعلم أنه غير أبيه فالجنة عليه حرام”,ذلك أن انتساب الولد إلى غير أبيه عقوق للأب و إساءة إليه, وترك لشكر نعمته.
و بعبارة أخرى فلان القاعدة وجوب نسبة الأولاد إلى أبائهم المعرفين بهم, فكل ولد تجب نسبته إلى أبيه المعلوم, و لا ينسب إلى أمه ولا إلى شخص آخر.
و لعل من تجليات هذه القاعدة في مدونة الأسرة ما رأيناه في المادة 148 من أنه “لا يترتب على البنوة غير الشرعية بالنسبة للأب أي أثر من آثار البنوة الشرعية”,و أيضا من تجلياتها ما جاء في المادة 149 من أنه : ” يعتبر التبني باطلا, و لاينتج عنه أي أثر من أثار البنوة الشرعية”, و هو حكم لم تنفرد به مدونة الأسرة, فالشريعة الإسلامية سبقت إلى إبطاله بقوله تعالى : ” ما جعل أدعياءكم أبناءكم, ذلك قولكم بأفواهكم, و الله يقول الحق و هو يهدي السبيل, ادعوهم إلى أبائهم هو أقسط عند الله, فإن لم تعلموا أبائهم فإخوانكم في الدين و مواليكم”.
ولعل الحكمة من إبطاله تكمن في كونه مخالفا للفطرة الإنسانية و كذبا و افتراء على الحقيقة, و ضد الطبيعة الإنسانية, فالأبوة و الأمومة لبست ألفاظا تردد و لا عقدا يعقد, و لكنها حنان وشفقة, و ارتباط لحم ودم, أو على حد تعبير الفقهاء ارتباط جزئية, بحيث يكون الولد جزءا من أبويه, و لا يمكن أن يكون هذا الارتباط الصناعي مثال الارتباط الطبيعي.

القاعدة الثانية : من حق كل إنسان أن يكون له نسب يعرف به.

و لعل هذه القاعدة تهدف إلى ان يكون لكل إنسان نسب يعرف به, ليدفع عن نفسه معرة الانتساب إلى الزنا, و لذلك فإن من أهم تجلياتها أنه لا يجوز الاتفاق على نفي النسب أو إسقاطه أوالتنا زل عنه, و من بين ما تجد فيه هذه القاعدة سندها الحديث النبوي : ” أيما رجل جحد ولده و هو ينظر إليه احتجب الله عنه و فضحه على رؤوس الأولين و الآخرين” (أبو داوود و النسائي).
و لعل مدونة الأسرة لم تخرج عن هذا السياق حينما نصت المادة153 على أن الولد لا ينتفي نسبه عن الأب إلا باللعان أو الخبرة القضائية, و الحق في ذلك مقتصر على الأب فقط.

المبحث الأول : حالات النسب الشرعي.

قد سبق أن قلنا في التمهيد أن الولادة سبب ثبوت نسب الولد من أمه, بمعنى أنه متى ولدت امرأة ولدا ثبت نسبه منها, سواء كان مجيء الولد عن طريق حلال أو حرام.

أما هنا فسنرى أن ثبوت النسب من الرجل, فمن خلال المادة 152 من م.أ نجد أن ذلك يتأتى من طرق ثلاثة : فراش الزوجية أو الإقرار أو الشبهة

المطلب الأول : فراش الزوجية.

إذا تزوج الرجل امرأة, ثم جاءت المرأة بولد بعد العقد و حال قيام الزوجية, فغن هذا الرجل يكون ابا شرعيا له, ينسب إليه و ه في الدين و الجنسية, و يثبت التوارث بينهما, و يمنع الزواج بينهما او بين أحدهما و بين من تمنع القرابة أو المصاهرة التزوج به, سواء صدر الاعتراف منه بهذا الولد أو لم يصدر منه ذلك, و لعل السند الشرعي لهذا الطريق هو الحديث النبوي : ” الولد للفراش و للعاهر الحجر”.
فقوله صلى الله عليه وسلم” الود للفراش” يعتبر قاعدة عامة لثبوت النسب, و هي مقيدة عند جمهور الفقهاء بالا مكانيين العادي و الشرعي معا على أنه يقصد بالأول إمكان الاتصال بالزوجين, و بالثاني إمكان نشأة الولد من هذا التصال,
و لعل هذا ما ذهبت إليه مدونة الأسرة حينما نصت على انه” يثبت الولد بفراش الزوجية.
– إذا ولد لستة أشهر من تاريخ العقد وأمكن الاتصال سواء كان العقد صحيحا أم فاسدا.
-إذا ولد خلال سنة من تاريخ الفراق”.
و إذا كان من اختلاف فهو في أمد السنة المعتمدة كأقصى مدة للحمل., حيث تعتمد المدونة من دون شك السنة الشمسية, و هذا يلاحظ من المواد من قبيل المادة 209 التي تتحدث عن سن الرشد القانوني, حيث حددته ب 18 سنة شمسية,

المطلب الثاني : الإقرار بالنسب.

•مفهوم الإقرار بالنسب .

يعتبر القرار بالنسب الوسيلة الثانية لثبوت النسب, و يقصد به ان يدعي شخص أنه أب لغيره, كأن يقول هذا ابني, أو فلان ابني, حيا كان هذا المقر به أو ميتا, ذكرا ـو أنثى, كبيرا أو صغيرا, صحيحا كان أو مريضا.
و قد أقرت مدونة الأسرة هذا الأسلوب كطريق من طرق ثبوت النسب في المادة160 التي جاء في مطلعها. “يثبت النسب بإقرار الأب ببنوة المقر به ولو في مرض الموت.”

*أنواع الإقرار بالنسب و شروطه

الإقرار بالولد أنواع : إقرار بمعلوم النسب, و إقرار بمقطوع النسب, و إقرار بمنفي النسب, و إقرار بمجهول النسب, فأما النوعان الأول و الثاني , فلا كلام عليهما لأنه لا مسوغ لهما, و أما الثالث و الرابع فلا مانع من جوازهما, و لذلك ينصب الكلام ينصب عليهما.

1 الإقرار بمنفي النسب :

وصورته أن تثبت زوجية المقر بأم الولد,و بعد أن يظهر الحمل على فراش الزوجية, و يزداد فوقه ينفيه الزوج باللعان, و لولا هذا اللعان لكان الحمل منه أو الولد ولده شرعا, ثم يعترف الملاعن بأن الولد ولده, و أنه إنما لاعن لتدليس وقع عليه, ففي هذا النوع يصير الولد الملاعن فيه ولدا للزوج بمجرد ثبوت هذا الإقرار.

3-الإقرار بمجهول النسب.

و صورته أن لا يعرف له أب شرعي, و المشهور في هذا النوع أن الولد ينسب إلى من أقر به, على شرط إمكان هذا الإقرار عقلا و عادة و شرعا .علامة الإمكان هي انتفاء الدليل المكذب للمقر, عقلا أو عادة أو شرعا, و إلا كان إقراره باطلا, و بالتالي لا ينسب إليه الولد.
و مثال الدليل العقلي أن يكون المقر أصغر سنا من المقر به, فالعقل بمفرده يكذب الرجل في إقراره, و يعتبره غير ممكن.. و مثال الدليل العادي أن يقر الرجل بولد من مواليد بلدة بعيدة, و يثبت أن المقر لم يدخل تلك البلدة قط, فالعقل يجوز أن يكون الرجل صادقا, لكن العادة تكذبه فيه بحسب الظاهر عليه.. و مثال الدليل الشرعي أن يقر الرجل بولد لا نسب له ( و هو الذي ثبت أنه نشأ من علاقة غير شرعية, و انتشر ذلك عند الناس).
و بالرجوع إلى مدونة الأسرة نجدها تناولت الموضوع في المادة 160 حيث نصت على الشروط التي بمقتضاها يثبت النسب بإقرار الأب ببنوة المقر به, و هذه الشروط هي كالأتي :
1- أن يكون المقر متمتعا بكامل قواه العقلية .
2- أن يكون المقر به مجهول النسب.
3- أن لا يكذب المقر عقل و عادة .
4- أن يصدق المقر له المقر في إقراره

و هكذا فغن الإقرار بالنسب على النفس إذا استوفى هذه الشروط كلها, ثبت نسب المقر به إلى المقر, سواء صدر في حالة الصحة أو في حالة المرض, لأنه إقرار على النفس, و ليس فيه حمل على الغير, و الإنسان ليس متهما في حق نفسه.

المطلب الثالث : وطء الشبهة.

وطء الشبهة هو ذلك الاتصال الجنسي الذي يكون خارج إطار الزوجية, و قد رأينا أنه يكون إما نتيجة غلط في الشخص أو في الواقع أو في القانون, و عليه فكل شبهة من هذه الأنواع تمحو وصف الزنا عن الرجل,و لذلك إذا حصلت الشبهة و ترك الرجل المرأة, ثم جاءت بولد , فإن نسبه يثبت إلى الواطئ, بخلاف من اتصل بامرأة خارج إطار الزوجية دون أن تكون هناك شبهة, ثم جاءت بولد فإنه لا يثبت نسبه من الزاني, و لو جاء بعد مضي ست أشهر من وقت الزنا.

•شبهة خاصة : شبهة العقد الرضائي

يلحق بموضوع الشبهة الحالة التي يظهر فيها حمل بالخطيبة قبل الإشهاد بالزوجية أو وضعها الحمل لدون ست أشهر من تاريخ الإشهاد.
نصت مدونة الأسرة في المادة 156 على انه ” إذا تمت الخطوبة, و حصل الإيجاب و القبول, و حالت ظروف قاهرة دون توثيق الزواج, و ظهر حمل بالمخطوبة, ينسب للخاطب للشبهة إذا توافرت الشروط التالية :
-إذا اشتهرت الخطبة بين أسرتيهما , و وافق ولي الزوجة عليها عند الاقتضاء.
– إذا تبين أن المخطوبة حملت أثناء الخطبة.
-إذا أقر الخطيبان أن الحمل منهما.

المبحث الثاني :إثبات النسب

نصت مدونة الأسرة في المادة 158 على انه “يثبت النسب بالفراش أو بإقرار الأب أو بشهادة عدلين أو ببينة السماع, و بكل الوسائل الأخرى المقررة شرعا, بما في ذلك الخبرة القضائية”.
و عليه فوسائل الإثبات منها ما هو تقليدي نجده في كتب الأقدمين. و عليه كانت المدونة القديمة تقتصر, و تتمثل في كل من الفراش و إقرار الأب و شهادة العدليين و شهادة السماع و الوسائل الأخرى المقبولة شرعا, و منها ما هو عصري اقتضاه التقدم العلمي , و نقصد بها الخبرة الطبية, و هو ما تميزت به المدونة الجديدة.

المبحث الثالث : نفي النسب

نصت المدونة بخصوص هذا الموضوع في المادة 159 على أنه ” لا ينتفي نسب الولد عن الزوج أو حمل الزوجة منه إلا بحكم قضائي طبقا للمادة 153 ” , و مضمون المادة 153 يقضي بان الفراش يعتبر حجة قاطعة على ثبوت النسب, لا يمكن الطعن فيه إلا من الزوج عن طريق اللعان أو بواسطة خبرة تفيد القطع”.
و عليه فوسائل نفي النسب هي اللعان و الخبرة القضائية.

و سنركز كلامنا على الخبرة القضائية على اعتبار أنها الجديد الذي جاءت به المدونة و لقد أحسن المشرع حينما أضاف هذه الوسيلة إلى الوسائل المقررة سابقا, فقد كانت مدونة الاحوال الشخصية تنص في الفصل 91 على أنه ” يعتمد القاضي في حكمه على جميع الوسائل المقررة شرعا في نفي النسب”, حيث لم تكن الخبرة القضائية ضمن الوسائل .
و إذا كانت الشريعة الإسلامية تقصد مصالح الناس في المعاش و المعاد, و من هذه المصالح كما أسلفنا الحفاظ على كليات الخمس بما فيها النسب, فإن المصلحة تقتضي الأخذ بالخبرة القضائية و الاستغناء عن الوسائل الأخرى , خصوصا مع فساد الذمم في هذا العصر .
و لا نعتقد أن هذه الدعوة فيها خروج عن نصوص الشرع, بل يمكن أن ننطلق من هذه النصوص نفسها للتذليل على أن الخبرة الطبية مشروعة, فهي ثمرة العلم, و لا فصل بين الدين و العلم كما لا يخفى.
و اللعان كما هو واضح يحتكم في نفي النسب إلى الضمير و إلى الوازع الديني, فالرسول(ص) قال للمتلاعنين ” حسابكما على الله , أحدكما كاذب ” و قال لآخرين ” الله يعلم أن أحدكما كاذب, فهل منكما من تائب”, فلو كانت هناك وسيلة إثبات أو نفي ألم يكن النبي (ص) ليعتمدها ؟ خصوصا و أنه اعتمد قول القائف- و خبير أيضا-
و لكي يؤتي الأخذ بهذه الخبرة أكله في موضوع خطير كموضوع النسب, يستحسن الأخذ باقتراح المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية , الذي يدور حول مراعاة مجموعة من الضوابط لعل أهمها :
– التأكد التام من أن القائمين على إجراء التحاليل موثوق من كفاءتهم في هذا الميدان.
-ألا تكون هناك قرابة أو صداقة أو عداوة بين الخبير و احد الأبوين, و لعل الحكمة من ذلك واضحة.
– أن يجري التحليل بإذن من الجهة الرسمية المختصة , و ذلك في مختبرين على الأقل و معترف بهما, على أن تؤخذ الاحتياطات اللازمة لضمان عدم معرفة أحد المختبرين بنتيجة المختبر الآخر, و يفضل أن تكون هذه المختبرات تابعة للدولة , أو على الأقل خاضعة لإشرافها.

و بمقارنة وسائل الإثبات مع وسائل النفي يتضح ان المشرع المغربي ضيق في مجال النفي ووسع في مجال الإثبات, و هذا إن دل على شيء فغنما يدل على تشوف واضح للحق الأنساب, خصوصا و أن النسب يثبت بشكل تلقائي, بخلاف نفي النسب لا يتم إلا بحكم قضائي .