ما هو إجراء كشف الدلالة ؟ و كيف ينفذ ؟ ومن هم أطرافه ؟

يعني كشف الدلالة استصحاب المتهم المعترف الى محل ارتكاب الجريمة من قبل المحقق للتعرف منه عن كيفية ارتكابه للجريمة بصورة تفصيلية للتأكد من أقواله. تجرى هذه العملية عادة بعد إجراء الكشف واعتراف المتهم بارتكابه للجريمة ان اعتراف المتهم لا يعني بأنه قد ارتكب الجريمة. فهو يحتمل الصدق او الكذب لوجود أسباب عديدة قد تدفعه للاعتراف الكاذب، كإشراك عدو له في الجريمة، او دفع التهمة عن غيره او حب الظهور وغير ذلك من الأسباب. وعليه فالمحقق يجب ان يأخذ اعتراف المتهم بحذر تام وان يتأكد من صحته وذلك باللجوء، الى مختلف الوسائل لإثباته، وكشف الدلالة يعتبر من أهم تلك الوسائل، ففي جريمة سرقة منزل يستفسر من المتهم عن كيفية دخوله المنزل وخروجه منه، والمحل الذي سرق منه المسروقات والآلات التي استعملت في ارتكاب الجريمة، وحالة المحل ومحل إخفاء المسروقات والأدوات الإجرامية، واذا كان له عدة شركاء فيستفسر منه عن دور وتصرفات كل شريك ومحل دخوله وخروجه وتصرفاته الأخرى في محل الحادث، تثبت كل هذه المعلومات بصورة مفصلة في محضر يدعى (بمحضر الكشف) ويكون تحريره في محل الحادث ويوقع في أسفله من قبل المحقق والمتهم والذين حضروا العملية.

شروط كشف الدلالة :

هناك شرطان اساسيان يجب ان يتوفرا في كشف الدلالة وهما :

1-عدم معرفة المتهم حالة محل الحادث قبل ارتكابه للجريمة، لا التأكد بشكل قاطع من صحة أقوال المتهم بالنسبة لمحل يعرف حالته وطبيعته مقدما.

2-يجب أن تكون المبادأة في التوجيه عند إجراءات كشف الدلالة بيد المتهم فهو

الذي يجب ان يبين محل دخوله وخروجه وموضع الجريمة وكيفية ارتكابها وغير ذلك من التفاصيل. اما دور المحقق فهو سلبي اذ يقتصر فقط على الاستيضاح والاستفسار دون ان يتجاوز في ذلك حدود المعقول والضرورة والا سيؤدي الى تلقين المتهم بصورة مباشرة او غير مباشرة ، ونود ان ننبه الى ملاحظة وهي ان معرفة تفاصيل الحادث تتناقلها الألسن في معظم الأحيان وتصل الى أبعد الأشخاص ولا سيما القضايا المهمة. فقد حصل ان قتلت امرأة في إحدى مناطق بغداد، وان معظم الساكنين في تلك المنطقة قد عرفوا التفاصيل الجوهرية للحادث (تقييد المجني عليها بحبل وذبحها بسكينة وسحب جثتها الى الحمام وسرقة مخشلاتها الذهبية) ألقي القبض على أحد المشتبه بهم وأعترف خلال التحقيق بأنه قتل المجني عليها وسرق مخشلاتها الذهبية مع شخصين آخرين. استصحب المحقق المشتبه به الى محل الحادث، فدخل الدار واتجه الى الحمام والى غرفة القتيلة وهو يقود المشتبه به ويسير أمامه، وكان يسأله أسئلة ذات صبغة تلقينية بحيث استطاع المشتبه به من معرفة بقية التفاصيل وملأ الفراغات والجزئيات التفصيلية التي لا يعلم بها من أسئلة المحقق وبضمنها موقع القتل والسرقة، وهكذا تم تثبيت وتدوين كشف الدلالة على هذا الأساس. وعند النظر في القضية وجد اختلاف ما بين محضر كشف الدلالة المثبت في اضبارة القضية ومحضر الكشف الأصلي على محل الحادث، فقد لوحظ ان المتهمين قد دخلوا وخرجوا من الباب الخلفية بينما ذكر المشتبه به بأن دخولهم وخروجهم كان من الباب الامامية، كما أن الغرفة التي سرقت منها المصوغات الذهبية هي غير التي ذكرها المشتبه به علاوة على عدم استطاعته ذكر أوصاف المجني عليها. هذا وتبين بأن الشخص الذي نسب إليه الاشتراك في تنفيذ الجريمة كان في السجن وقت الحادث. ان جزءا من أقواله فقط كان يتفق مع ظروف الحادث وهو وسيلة ارتكاب الجريمة (الساعة العاشرة قبل الظهر)، ونتيجة لما تقدم فقد برأته المحكمة رغم اعترافه بالحادث، وظهر بعد ذلك أن النقاط القليلة التي جاءت بأقواله المطابقة لظروف الحادث نسبيا، وتوصل اليها المشتبه به عند زيارته لأحد أقربائه الساكن في نفس المنطقة التي وقعت فيها الحادثة، وأكملها من أسئلة المحقق بعد استصحابه الى مواقع آثار الجريمة في الدار.

ان هذا الحادث يبين لنا بوضوح ان سلوك المحقق لا يفسر الا بأحد امرين : فهو أما تنقصه الكفاءة او تنقصه النزاهة، اذ لم يتبع في كشف الدلالة شرطه الثاني وهو ان المبادأة في الكلام والتصرف يجب ان يكون من قبل المتهم في محل الحادث، وأن دور المحقق يقتصر على الاستفسار والاستيضاح دون ان يصل الى درجة التلقين.

مثال لإجراء كشف الدلالة :

نسوق فيما يلي مثالا لتوضيح كيفية القيام بهذا الاجراء بصورة صحيحة : بناء على ما جاء في اعتراف المتهم (م،ق) حول سرقة دار السيد (ن،و) المرقبة (50/3/68) فقد انتقلت الى محل الحادث مع مدير الشرطة مستصحباً (ص.ع) معنا المتهم المذكور وذلك باستخدام سيارة الشرطة المرقمة (920) وخلال الانتقال طلب منا الاتجاه نحو منطقة البياع، ولدى وصولنا الى تلك المنطقة طلب من السائق الاستدارة الى جهة اليسار حيث دخلنا الزقاق الأول، وعند وصول السيارة الى الدار الخامسة من الجهة اليمنى من مدخل الزقاق طلب منا الوقوف أمامها، وبعد الوقوف والنزول من السيارة، ظهر ان الدار هي المقصودة والمذكورة أعلاه وأمام النار بين أنها الدار التي سرقها في الساعة الثامنة تقريبا من مساء أمس (وهو تاريخ 20/3/68) بعد ان تأكد من خلو الدار من أصحابها وعلم ذلك من الظلام المخيم عليها ودقه لجرس الباب الكائن في أعلى الجهة اليمنى من الباب الخارجية وبين بعد ذلك بأنه صعد على السياج الأمامي من الجهة اليسرى، وفعلا قام بعملية التسلق ونزل في الحديقة ثم سار بنا الى الشباك الخلفي لغرفة النوم، وبين بأنه دخل من الشباك المذكور بعد كسره الزجاجة عثر عليها امام الشباك ودخل الدار، وطلبنا منه الدخول من الشباك الى الغرفة ففعل، وعلى أثره دخلنا الغرفة من بابها. وأخبرنا بأنه قام بفتح باب الدولاب بالمفاتيح التي عثر عليها فوق التلفزيون الكائن في الركن الأيمن من الغرفة، فتقدم نحو الدولاب وأشار الى منتصفه وقال بأنه سرق قلادة ذهبية من (المجر) الوسطي ووضع المصوغات الذهبية في جيب سترته الأيمن، ثم غادر الغرفة عن طريق الدخول أي من المنافذ المكسورة، واتجه الى الحديقة، وفتح الباب الخارجية بيده حيث ظهر له بأنها لم تكن موصدة، وبعد ذلك أقواله طلبنا منه مغادرة الغرفة بعد إتمامه السرقة، فخرج من الشباك وتقدم نحو الباب الخارجية وفتحها بيده، وبين أنه عند خروجه من الباب صادفته امامها دورية الشرطة، فألقت القبض عليه وبحوزته المصوغات الذهبية، واقتادته الى مركز الشرطة، وأشار الى موقع إلقاء القبض عليه من قبل الشرطة. عليه نظم محضر الكشف على هذا المنوال ووقع من قبل الحاضرين. توقيع المشتكي توقيع المتهم توقيع المحقق العدلي توقيع مدير الشرطة.

حالة تعدد المتهمين في حادث واحد :

إذا تعدد المتهمون في حادث واحد يجب عندئذ تنظيم محضر كشف لكل منهم، يذكر فيه دور المتهم الرئيس ودور الشركاء الاخرين، على ان يكون استصحاب كلا منهم الى محل الحادث بصورة منفردة وذلك خوفا من التلقين الجماعي. وبعد إكمال الادوار الانفرادية يختم وينظم محضر كشف جماعي بحضور المتهمين جميعا في محل الحادث شارحا كل منهم دوره، هذا ويجب تنظيم المحضر نقلا عن أقوال المتهم او المتهمين بصيغة الضمير الغائب.

حالة تعدد محل الحادث :

اما في حالة تعدد محل الحادث، كما لو سرق أحدهم دارا واخفى المصوغات الذهبية في داخل بستان، او قتل شخص في مكان معين ونقلت جثته وأخفيت في محل آخر، ففي هذه الحالات يجب إجراء كشوف دلالة عديدة بالنسبة لكل محل حادث على حده بالنسبة لعدد المتهمين.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت