تعديل المعاهدات الدولية

المحامية: منال داود العكيدي
اولى المجتمع الدولي اهتماما بالغا بتعديل المعاهدات الدولية منذ عهد عصبة الامم اذ نصت المادة 19 من العهد على ( حق الجمعية العامة في ان تدعو الدول من وقت لاخر الى اعادة النظر في المعاهدات التي اصبحت غير صالحة التطبيق ) لكن التطور الذي شهدته المعاهدات الدولية جعلت الاخيرة تتضمن نصوصا خاصة بتعديلها ، وتستعمل المعاهدات الدولية مصطلحات مختلفة للتعبير عن تعديل المعاهدة مثل تغيير او اعادة النظر او مراجعة الا ان لجنة القانون الدولي ميزت بين تعديل المعاهدات وتغيير او اعادة النظر فيها فالتعديل يكون محدودا اما اعادة النظر فيكون شاملا وبعبارة اخرى فان التعديل يتناول بعض النصوص المحددة في المعاهدة اما اعادة النظر فتشمل المعاهدة باسرها .

وتشير المبادئ العامة في تعديل المعاهدات انه في حالة عدم وجود نص في المعاهدة ذاتها يبين طريقة تعديلها فان التعديل يكون باتفاق الاطراف فاذا كانت المعاهدة ثنائية فان اتفاقا جديدا وبموجبه تتفق الدولتان على استبدال نص معلوم بنص جديد او بعقد معاهدة جديدة تحل محل المعاهدة السابقة اما اذا كانت المعاهدة متعددة الاطراف ولايوجد نص فيها يبين طريقة تعديلها فان التعديل يتم وفقا لقاعدة اغلبية الثلثين ، وقد بينت اتفاقية فيينا لعام 1969 في المادة 39 على انه (يجوز تعديل المعاهدات باتفاق الاطراف وتسري القواعد الواردة في الباب الثاني على مثل هذا الاتفاق مالم تنص المعاهدة على غير ذلك ) واستنادا لذلك فان الاتفاق المعدل وفقا لهذه المادة يخضع للقواعد العامة المتعلقة بابرام المعاهدات مع ملاحظة ان النص لايلزم جميع الاطراف الاشتراك في تعديل المعاهدة وانما يتحدث عن الاتفاق بين الاطراف وليس الاتفاق بين جميع الاطراف .

اما بالنسبة لتعديل المعاهدات المتعددة الاطراف فان لها اهمية خاصة باعتبارها تضع قواعد عامة تهم عددا كبيرا من الدول ومن دون ان تحدد في الغالب مدة لسريانها كما ان تعديلها يكون تبعا للظروف والحاجة ، وعادة ما تتضمن المعاهدات المتعددة الاطراف نصوصا خاصة تبين الاجراءات التي ينبغي ان تتبع في تعديلها وفي كثير من الحالات فان هذه المعاهدات تنص على تدخل المنظمات الدولية في اجراء التعديل .

والقاعدة العامة تقضي بان الدول الاطراف هي التي تباشر اجراء التعديل لكن الاحكام التي تتضمنها هذه المعاهدات فيما يتعلق باجراءات تعديلها تختلف من معاهدة الى اخرى ، فهناك معاهدات تمنع اجراء التعديل الا بعد مضي مدة من تطبيق المعاهدة فاتفاقية مونترو لعام 1936 نصت في المادة 29 على عدم جواز اجراء التعديل فيها الا بعد مضي خمس سنوات من تاريخ دخول المعاهدة حيز التنفيذ وهناك معاهدات اخرى تنص على عقد مؤتمرات دورية كل خمس سنوات للنظر في المعاهدة وامكانية تعديلها كما في معاهدة حظر انتشار الاسلحة النووية لعام 1968 .

كما ان هناك معاهدات اخرى تخول جهة الايداع مهمة الدعوة الى عقد مؤتمر للتعديل بناءا على طلب ثلث عدد الدول الاطراف في المعاهدة وتنص معاهدات اخرى على ان اعتماد اتفاق التعديل ودخوله دور النفاذ يكون بالاغلبية او قد تنص على موافقة دول معينة لنفاذ التعديل .

وكما اسلفنا فانه قد يكون للمنظمات الدولية دور في اجراء التعديل الا انه ينبغي التمييز في هذا الصدد بين ثلاثة انواع من المعاهدات وهي المعاهدات التي تبرم تحت اشراف المنظمات الدولية والتي تؤدي الى تدخل المنظمة في اجراء التعديل من ذلك جميع اتفاقات تدوين القانون الدولي التي ابرمت تحت اشراف منظمة الامم المتحدة اما النوع الثاني فهي المعاهدات التي تبرم في المنظمات الدولية فالتعديل اتفاقات العمل الدولية فان مجلس ادارة منظمة العمل الدولية هو الذي له حق اقتراح التعديل ثم يتولى مؤتمر عام منظمة العمل الدولية اعداد واعتماد اتفاق التعديل .

واخيرا المعاهدات المنشئة للمنظمات الدولية فهذه المعاهدات تنظم وبدقة جميع النواحي القانونية المتعلقة بتعديلها بما في ذلك اثار التعديل اذ يقتضي لتعديل هذه المعاهدات توافر عنصرين هما : اتفاق اجهزة المنظمة الدولية من ناحية واتفاق الدول الاعضاء من ناحية اخرى .

وتمر اجراءات التعديل بمرحلتين الاولى هي مرحلة التصويت على التعديل داخل الهيئة او المؤتمر اما المرحلة الثانية هي مرحلة التصديق على اتفاق التعديل باعتباره شرطا لدخوله حيز النفاذ .

وقد ميزت اتفاقية فيينا بين تعديل المعاهدات فيما بين الاطراف جميعا وبين تغيير المعاهدات بين بعض اطرافها فقط وبالنسبة للحالة الاولى فان الهدف من التعديل هو لتأمين المساواة للدول الاطراف في المعاهدة وقد نصت المادة 40 من اتفاقية فيينا على انه (يجب ابلاغ جميع الدول المتعاقدة باي اقتراح بشان تعديل معاهدة متعددة الاطراف فيما بين الاطراف جميعا ويكون لكل طرف الحف في ان يشترك في : القرار الخاص بالتصرف الذي يتخذ بشان هذا الاقتراح ، التفاوض وابرام اي اتفاق لتعديل المعاهدة ، ويكون لكل دولة الحق في ان تصبح طرفا في المعاهدة يكون من حقها ايضا ان تصبح طرفا في المعاهدة المعدلة ) وقد اشارت اتفاقية فيينا ايضا الى حل لمسألة الدولة التي تصبح طرفا في المعاهدة بعد دخول الاتفاق المعدل دور النفاذ وذلم في الفقرة الخامسة من المادة 40 بقولها ( اية دولة تصبح طرفا في المعاهدة بعد دخول الاتفاق المعدل دور النفاذ وما لم تعبر عن نية مغايرة فانها تعتبر : طرفا في المعادلة المعدلة ، وطرفا في المعاهدة غير المعدلة في مواجهة اي طرف في المعاهدة لم يلتزم بالاتفاق المعدل ) .

اما بالنسبة لتغيير المعاهدات المتعددة الاطراف بين بعض اطرافها فقط فقد بينت اتفاقية فيينا لعام 1969 امكانية الاتفاق على تغيير المعاهدة بين بعض اطرافها فقط اخذة بنظر الاعتبار الوضع الخاص ببعض الدول اذ نصت في المادة 41 على انه (يجوز لطرفين او اكثر في معاهدة متعددة الاطراف الاتفاق على تغيير المعاهدة فيما بينهم فقط : اذا كانت المعاهدة تنص على امكانية هذا التغيير او اذا لم تحرم المعاهدة امكان هذا التغيير وكان لايؤثر على تمتع الاطراف الاخرى بحقوقهم طبقا للمعاهدة او على ادائهم لالتزاماتهم وكذلك اذا كان لايتعلق بنص يتعارض الاخلال به مع التنفيذ الفعال لموضوع المعاهدة والغرض ككل ).