نظرة فلسفية في دور القوة البحرية وتأثيرها على الامن القومي من خلال نظرة قانونية
. رسخت الحروب الحديثة من المفهوم الذي كان سائداً لفترة طويلة من الزمن ولا زال والذي يتمثل في أهمية القوة البحرية كقدرة عسكرية فريدة تنعم بها الدول التى تمتلك منفذاً بحرياً و تحقق بها مزايا عديدة من أهمها تحسين القدرات العسكرية ويكون تفوقها ملحوظاً على الدول الحبيسة ، وتتميز القوة البحرية بما لها من خصائص كالمرونة والأستقلالية والإكتفاء الذاتي طول فترة إنتشارها في البحر الشاسع ،

لذلك فإن القوة البحرية تستخدم في الغالب من أجل تنفيذ عمليات عسكرية قتالية أو غير قتالية أو عن طريق الأستخدام المشترك مع أفرع القوات المسلحة الرئيسية لتنفيذ المهام المشتركة في البحر أو من البحر في وقت السلم أو الأزمات أو الحرب .

ونظرا للتزايد في وتيرة الصراعات والمنازعات الإقليمية حول العالم الأمر الذي حث الأمم المتحدة على تبني نهج جديد في العمليات الحربية للقيام بمهام عمليات إصطلح على تسميتها بالعمليات الموحدة. وتلعب القوة البحرية الدور الرئيسي في العمليات الموحدة التي تشارك فيها الدول لتحقيق مهمة أو غاية تحت سيطرة الأمم المتحدة أو تحت قوات التحالف لحسم أي صراع أو نزاع إقليمي و ممارسة حق الاغتنام تحت شرعية قانونية ودولية مثل (قوات التحالف العاملة بمختلف بقاع العالم).

2. القوة البحرية : هي إحدى مكونات القوة العسكرية للدول والتي تحتفظ بها للمحافظة على مصالحها وأمنها القومي ، ومساندة سياستها الخارجية سلماً أو حرباً بإستخدام مكوناتها من الأساطيل المختلفة ليشمل تأثيرها البحر والأرض والجو حسب وجهة نظر ومدى تفهم القيادة السياسية لدور ومهام قوة الدولة البحرية في تحقيق متطلبات وأهداف الأمن القومي ، بما لا يتعارض مع القوانين والمواثيق الدولية نظريا.

3. ويتبين لنا من ما سبق عرضه في القسم السابق بأن السيطرة على البحار وإستخدام البحار هو الحلقة الرئيسية في السلسلة التي تكون ثروة الدولة ، وقوى البحار هي وسائل بناء وإمداد الدولة وكذلك هي وسائل حماية الدولة وطموحاتها ، ولتنفيذ وإستخدام وحماية قوى البحار والحصول على أفضل تأثير لها فإنه بات من الواضح بأن القوة البحرية هي السبيل الى ذلك. وإن أهمية القوات البحرية لا تتحدد فقط بقدر ما تحميه لكن هذا القدر من الحماية يرتبط ايضا بقدر التهديد الذي يشكله العدو على الدولة وقدر قوى البحار لدى العدو المطلوب كسرها لصالح الدولة .

4. فيما سبق لقد تطرقنا بان قوة البحر أساطيل النقل والتجارة البحرية ، الصناعات البحرية أساطيل الصيد ، الموانئ ، المحيطات والبحار وثرواتها ، القوة البحرية هي إحدى مكونات قوى البحار التى تميز الدولة وتكسبها عنوانا لمصالحها القومية وأمنها ، وهذا يعني بإختصار إستخدام القوة والمتمثلة بالقوة البحرية لتحقيق غايات ومكاسب سياسية وإقتصادية من خلال البحر ، فطبيعة القوات البحرية بصفتها المتسيدة في مجال عملها يتخلق لها بيئة ومناخ لهما صفات تحكمها النوايا الإستراتيجية فأما تكون سلما أو حرباً أو حياداً وفي كل الحالات يتطلب نوع من السيطرة والتحكم في البحار دون أن يعطي هذا إنطباعاً بالعدوان مع إمكانية التدرج في إظهار هذه القوة الى حد إستخدامها.

5. دور القوة البحرية : هذا الدور يتركز وباختصار شديد في مستوى التحكم في البحار الممكن تنفيذه بصورة أساسية على التأثير والفعالية وهذا يتطلب تخصيص قوة معينة ذات قدرة معينة للقيام بالدور المطلوب المؤثر الفعال والمنشود بدرجة التحكم في البحار.

فهذا يقودنا بأن دور القوات البحرية هو الجزء الحركي الفعال الذي تقوم به القوات البحرية مستغلة سماحيات وقيود القانون الدولي الإنساني للبحار والقانون الدولي البحري في السلم والحرب والحياد لإظهار والتعبير عن وتحقيق ما تحتويه من عناصر كامنة نتيجتا لتكوينها فتعطيها الثقل والقيمة المتفردة ، فتظهر خطورة هذا الدور في وقت السلم أكثر منه في وقت الحرب أي بمعنى انه يركز أساساً على منع الحرب قبل وقوعها وهذا صلب ما يدعو اليه القانون الدولي الإنساني للنزاعات المسلحة.

مع الإحتفاظ بقوة قتالية فعالة ومؤثرة كافية لردع العدو وقت السلم وهزيمته وقت الحرب وهذا ما تتطلبه المصالح العليا والأمن القومي للدولة.

والقوة البحرية كأحد مكونات قوى البحار وإرتباطاً بأهمية وتأثير قوى البحار على الدولة وإرتباطا بأهمية القوات البحرية لحماية مكونات وعناصر قوى البحار للدولة فأصبحت المهمة الأساسية للقوات البحرية تتركز في كسر عناصر قوى البحار لدى العدو وبالمثل حماية عناصر قوى البحار لديها ، ولكي يتحقق هذا الهدف فأصبح من المحتم أن تكون مهمة القوات القوات البحرية الفنية هي فرض درجة من التحكم والسيطرة في البحار ، ولأن تحقيق هذا الهدف يقوم أساسا على التعامل مع المال العام والملكية العامة للدولة المعادية وربما الدولة المحاية أيضا مما يستدعي تنظيم حق وحدود التعامل مع الملكية العامة للدول الأخرى فيما عرفه القانون الدولي الإنساني للبحار وكذلك القانون الدولي للنزاعات المسلحة في السلم والحرب بحق الإغتنام أو حق الإستيلاء.

6- حق الاغتنام أو الاستيلاء : عرفت هذه الأحقية في الحرب البحرية بأنها أحقية الإغتنام بالبحر أو ما بالبر أو الجو الناتج عن العمليات البحرية وأفرادها وما يتبعها ، وأحقية الدولة في الإحتفاظ بهذه الغنائم وعدم ردها مختلفةً عن حدود الأحقية لأي قوات من نوع آخر، كما تتصف القوات البحرية بأنها تباشر أعمالها في أعالي البحار والتي تضم على السواء نشاطات قوى البحار المحايدة بالإضافة الى نشاطات قوى البحار المعادية ولهذا تختلف القوات البحرية إختلافا بينيا عن باقي أفرع القوات المسلحة الأخرى.

وهذا ما أدى الى وضع قوانين خاصة بالبحر والقوات البحرية في كل من حالتي السلم والحرب والحياد وكذلك الحصار وهو أشد أنواع الأعمال العدائية ومنه يتسيد حق الإغتنام ، وهي خصوصية لا تتوافر لمجال عسكري آخر ( )، فالممتلكات الخاصة التي كانت تحترم في المعارك البرية حسب القواعد ، لم تكن محترمة في المعارك البحرية بأي وجه. حيث أعتبر حقاً قانونياً ذلك العرف القديم القاضي بمصادرة الأموال الشخصية ، وقد برر ذلك بأن الطريقة الوحيدة لتحطيم مقاومة العدو تتمثل في محاصرته البحرية ، حيث لا تستطيع أية دولة في إستمرار حياتها من دون الطرق البحرية.

وهكذا ترى أن القاعدة الحقوقية التي إعتمدها الناس في حق مصادرة الأموال الشخصية في المعارك البحرية ، هي ذاتها القاعدة الحقوقية التي تبرر محاصرة العدو من البر. ومن هنا فإنا نرى أنه لا يمكن أن يلجأ أحد إلى ذلك ، إلاّ بضرورة عسكرية ، سواءً في البرّ أو البحر.

أما السماح بإغتنام الأموال الشخصية في البحر دون البرّ لأنه كان عرفاً قديماً ، أو لأن دولة بحرية كبرى مثل بريطانيا أجازت ذلك تاريخياً ، وقد إستثنى القانون الدولي جملة سفن بحرية عن قاعدة الاغتنام ؛ مثل سفن الدولة التي تقوم بأعمال غير تجارية ، والتي تحمل طرود بريدية وسفن الصيد ، والسفن التي تقوم بخدمات صغيرة محلية ، والسفن التي تقوم بدور علمي (مختبرات بحرية مثلاً) أو دينية والمستشفيات العائمة ، والسفن التي تملك إذناً بالعبور والسفن التي تنقل الجرحى والأسرى أو تقوم بإنقاذ غرقى المعركة البحرية (والتي عادة تبحر تحت علم الصليب الأحمر الدولي) ، والسفن التي تقوم بإخلاء المدنيين ، والسفن التي نصت إتفاقية لاهاي لعام 1954 بحمايتها لحملها أموال (ثروات) ثقافية ، وسفن المختبرات ، وليست هناك مشاكل عملية في أخذ الغنائم في المعارك البرية والجوية لأنها أصلا مقيدة ومحدودة وليس لها سندا قانونيا، بينما نجد الأمر مختلفاً في المعارك البحرية،

إذ أن ضرب حصار بحري على دولة يستلزم قضايا معقدة ؛ منها حق تفتيش السفن العابرة في المنطقة ، ومنها سفن تعود ملكيتها لدول لا دخل لها في الحرب ومنها طريقة إجراء هذا التفتيش (مثل إنذارها أولاً بطلقة مدفع أو ما أشبه) ، ومنها الجهة التي يجوز لها التوقيف والتفتيش (حيث اشترطوا كونه عسكرياً) ، ومنها طريقة تفتيشها ثم قيادتها إلى موانئ معينة أو إغراقها بعد إخلائها من طاقمها وقد تم إستيفاء هذا الحق بإستفاضة ووضوح ووضعت قوانين وبنود تحتوي على أحكام وقيود لممارسة هذا الحق
.
7. ولا شك إن مفهوم الإغتنام كما عرّفه وأوضحه القانون يمس سيادة الدولة المعادية بطريقة مباشرة والمتمثلة في التعامل مع الملكية العامة للدولة الأخرى والتي ترتبط بسيادة تلك الدولة سواء في مياهها الإقليمية والتي تقع تحت سيادتها وولايتها المباشرة وكذلك في البحار المفتوحة ، حيث تتمثل السيادة في الملكية العامة المنقولة بواسطة السفن سواء كانت ترفع علم الدولة نفسها أو ترفع علم دولة أخرى وهو ما لا يلغي ملكية الدولة لمنقولاتها وسيادتها عليها. وهذا ما يستوجب تناول موضوع السيادة كما تناوله القانون الدولي الإنساني للبحار.

8. حق السيادة : تقع مسؤولية المحافظة على سيادة الدولة وسيطرتها على مياهها الوطنية أساساً على عاتق القوات المسلحة متمثلة في القوات البحرية وحق السيادة من الحقوق المسلم بها لكل دولة تشكل عنصراً من عناصر المجتمع الدولي ، وبالرغم من ذلك فإنه ليس من المنطق أن تباشر كل دولة سيادتها بمعزل عن باقي أعضاء المجتمع الدولي فالحق بطبيعته يقابله واجب والأصل أن سلطان الدولة ينحصر داخل حدود إقليمها فلا يمتد إلى ما عداه من أقاليم الدول الأخرى.

إن القاعدة العامة تفسر على أن ما يشمله إقليم تلك الدولة من بحار وجزر وقنوات ومياه داخلية وغيرها يندرج مع باقي أجزاء الأقاليم الأرضية من حيث الخضوع لسيادة الدولة دون فرق بين اليابس والماء فسيادة الدولة تحد بحدود إقليمها والبحار التي تلاصق أراضيها لا يمكن إخراجها كلية من إشراف الدولة ورقابتها وإلا كانت سبيلا للهجوم المفاجئ عليها من أعدائها قبل أن تتمكن من إتخاذ الإجراءات الدفاعية اللازمة ،

كما أنه قد يلحقها أضرار صحية وإقتصادية وأمنية ناتجة من إقتراب سفن أجنبية تقوم بعمليات غير قانونية عن طريق البحر أو سفن معادية تكون غايتها كسر عناصر قوى البحار للدولة ، ولقد إتفق المجتمع الدولي على أن يكون لكل دولة قدراً من السيادة على جزء من البحار الملاصقة لإقليمها الأرضي ويتضح بجلاء أن الغرض من وضع القانون الدولي البحري هو أن تلتزم الدول بهذه الحدود ولا تخرج عنها حتى لا تصطدم بحقوق وسلطات ما يجاورها من دول أخرى وبالتالي ما ينشأ عن ذلك من إشكالات قد تؤدي إلى اشتباكات مسلحة.

9. ولإن الدولة المحاربة تسعى الى حماية عناصر قوى البحار لديها وكسرها لدى العدو حفاظا على إقتصادها وأمنها القومي وبالمثل كسرة لدى العدو ، فإن الدولة المحاربة بذلك يجب أن تتخطى القيود أو العقبات التي قد تمنعها أو تعوقها عن تحقيق ما تصبوا إليه ضد العدو والذي يتمثل في حالة النزاع المسلح بالبحر في مفهوم الحياد حيث إن الدولة المحايدة بوصفها القانوني تشكل عقبة قد تصل الى حد منع أو حرمان الدولة المحاربة من حرية التصرف اللازم لتحقيق ما تصبوا إليه في البحر بسبب وضع الدول المحايد وما يؤول إليها من ملكية وولاية وبسبب ما يتشكل من قيود قانونية تحد من الحرية المطلقة للدولة المحاربة في تسيير المجهود والقتال في البحر، وقد أدرك القانون الدولي للبحار في السلم والحرب والقانون الدولي الإنساني للمنازعات المسلحة هذا المفهوم وتناوله بقدر وافر من التنظيم في صورة حقوق وواجبات وعقوبات.

10. الحياد : يعني الحياد بالنسبة لدولة ليست طرفاً في الحرب ، وهو الإحجام عن أي إشتراك في الحرب ومنع تحمل وتنظيم بعض الأعمال من جانبها ومن قبل رعاياها ومن قبل الدول المتحاربة. ومن واجب كل الدول المتحاربة إحترام سيادة أراضي الدول المحايدة وحقوقها.

كما تحتفظ الدول ذات الحياد الدائم على حقها في الدفاع عن نفسها، وبالتالي يتوجب عليها المحافظة بدقة على قواعد حيادها (1). فمن غير الممكن حتى شجب العدوان والتعبير عن التضامن مع ضحايا العدوان.

وفي وقت السلم يجب على الدول الحيادية ألا تشارك في الحصار العسكري أو أي عمل يتسم بالعداء ، وكذلك من غير الممكن منح أراضيها لدول أجنبية لتقيم عليها قواعد عسكرية. إن الدول المتعاقدة بغية منها التوفيق بين إختلاف وجهات النظر التي تبقى قائمة في حالة قيام حرب بحرية بشأن الدول المحايدة والدول المتحاربة ، ولتفادي الصعوبات التي قد تنجم من هذه الخلافات .

11. ونظراً إلى أنه إذا لم يكن من الممكن وضع قواعد تشمل جميع الظروف الواقعية ، فإن هناك مع ذلك ، حاجة لا نقاش فيها إلى وضع بقدر الامكان قواعد مشتركة تطبق في حالة قيام حرب ،

وواجب مراعاة مبادىء قانون الأمم في الحالات التي لا تشملها هذه الإتفاقية، وأنه من المستحسن أن تسن الدول المحايدة قوانين دقيقة تنظم عواقب مواقف الحياد الذي قد تتخذه ، وأنه من المعروف أن من واجب الدول المحايدة أن تطبق هذه القواعد على العديد من الأطراف المتحاربة دون تحيز، وأنه لا يجوز للدولة المحايدة من حيث المبدأ في هذا المجال أن تغير هذه القواعد أثناء الحرب ما عدا في هذه الحالة التي تثبت التجربة أن هناك ضرورة للتغيير من أجل حماية القواعد المذكورة.

وإتفاقية لاهاي حول حقوق وواجبات الدول المحايدة في الحرب البحرية توضح الحقوق والواجبات بالنسبة للدول المحاربة وكذلك المحايدة وتوضح حدود وقيود الدول المتحاربة مع الدول المحايدة