أثر مبدأ مجموعة الشركات في مد اتفاق التحكيم إلى طرف غير موقع

The effect of group of companies’ doctrine in extending the arbitration agreement to a non-signatory party

المحامي

علي محمود العريان

مقدمة

لمحدودية المسئولية أهمية بالغة في عالم التجارة، فمنذ أن نشأت هذه الفكرة وتطورت كان لها دور مهم وفعال في تشجيع الأفراد على خوض التجارة وتحمل المخاطر، إلا أن اجتهادات القضاة والمحكمين في المحاكم الوطنية وهيئات التحكيم أخذت تتجه في بعض أحكامها إلى خرق حجاب الشخصية القانونية للشركة وتحميلها مسئولية تصرفات الشركات التابعة لها أو التي تنتمي إلى ذات الواقع الاقتصادي الذي تنتمي إليه الشركة الأم أو الشركات الأخرى، ومن هنا فقد ثارت إشكالية بشأن مدى جواز مساءلة شركة عن التصرفات التي تبرمها شركة أخرى، ومن الحالات التي اتجهت بعض أحكام هيئات التحكيم إلى مد أثر اتفاق التحكيم فيها إلى طرف غير موقع وتحميله مسئوليات التصرفات التي يبرمها الطرف الموقع هو مجموعة الشركات.

موضوع هذا البحث هو دراسة مجموعة الشركات وتعريفها تعريفا جامعا مانعا وبيان المعايير التي يجب أن تنطبق كيما تعتبر الشركة عضوا في مجموعة شركات وكيما نعتبر مجموعة من الكيانات الاقتصادية تشكل واقعا اقتصاديا واحدا، ثم بيان تطبيق مبدأ مجموعة الشركة لمد أثر اتفاق التحكيم إلى طرف غير موقع عليه، حيث سنستعرض عصارة اجتهادات هيئات التحكيم والمحاكم في هذا الصدد، مع شرح لبعض حيثيات واستدلالات هذه المحاكم وهيئات التحكيم، كما سنناقش المبررات القانونية المختلفة لمد أثر اتفاق التحكيم ومدى تناقض ذلك وفكرة الحد من مسئولية الشركة واستقلالية شخصيتها القانونية.

تكمن أهمية هذا البحث في بيان جانب من الحالات التي تمتد فيها المسئولية القانونية وأثر اتفاق التحكيم إلى طرف غير موقع على العقد، بما يبدو أنه يخالف الأمن القانوني الذي توفره فكرة محدودية المسئولية ومبدأ أن العقد شريعة المتعاقدين، حيث أن من المهم أن يفهم ذلك وتبين حدوده بيانا جامعا مانعا، لكي لا تجد شركة ما نفسها عرضة للمسئولية القانونية وخصما في دعوى قضائية أو تحكيمية دون أن توقع على العقد بشكل مباشر ودون أن توقع على اتفاق التحكيم.

كما أن هذا البحث يلقي نظرة أعمق على ماهية مجموعة الشركات وحقيقة هذا المفهوم ومدى صلابة معاييره ودقة تعريف الروابط التي تربط بين أعضائه، وذلك من خلال دراسة الاجتهادات القضائية والتحكيمية التي طرحت في هذا الجانب واستشفاف ما أسسته من قواعد وما اتفقت عليه من معايير.

يهدف هذا البحث إلى دراسة مبدأ مجموعة الشركات، وبيان مدى صلابته القانونية وقيامه على أسس راسخة من عدمه، كما يهدف إلى تعريفه تعريفا جامعا مانعا وتمييزه عن غيره من المفاهيم القانونية المشابهة له، واستعراض واقع هذا المبدأ التشريعي والقضائي والتحكيمي، ومدى صموده أمام فكرة محدودية المسئولية.

ولقد انتهجنا في هذا البحث منهجا وصفيا، حيث استعرضنا مبدأ مجموعة الشركات في بعض التشريعات على سبيل الإيجاز وفي الأحكام القضائية وأحكام هيئات التحكيم، ولعل من الصعوبات التي واجهتنا أثناء كتابته هي ندرة المصادر العربية في هذا الجانب، كما أن هذا الموضوع هو من الموضوعات التي تأثرت بشكل كبير بمفاهيم وفلسفات الأنظمة الأنكلوسكسونية، والتي لا نجد لها مقابلا في الأنظمة اللاتينية أحيانا، بما يتطلب فهما عميقا لكلا النظامين القانونيين والمزج بينهما للوصول إلى حقيقة وماهية المطلوب.

المبحث الأول

بيان ماهية مجموعة الشركات ومعايير تطبيق مبدأ “مجموعة الشركات”

في مستهل هذا المبحث نبين منشأ “مبدأ مجموعة الشركات” ونسلط الضوء بشيء من التفصيل على دعوى Dow Chemical v Isover St. Gobain ذات الأهمية البالغة في هذا المضمار، ثم ولأنه لا بد أولا وقبل الخوض في أي بحث تعريف المصطلحات الأساسية فيه وتحديد دائرتها الجامعة المانعة وبيان خصائصها فلذلك سنبين تعريف “مجموعة الشركات” وبيان مميزات وخصائص هذا المفهوم القانوني، وتمييزه عن غيره من المفاهيم والأنظمة القانونية المشابهة مثل الشركة القابضة والشركة متعددة الجنسية والتجمع ذي الغاية الاقتصادية.

نعرج لاحقا في هذا المبحث إلى دراسة عناصر “مبدأ مجموعة الشركات” والمعايير التي تتفحصها هيئات التحكيم التجاري الدولية لاتخاذ قرارها بتقرير وجود مجموعة شركات تستوجب تطبيق “مبدأ مجموعة الشركات” ومد أثر اتفاق التحكيم إلى العضو غير الموقع على شرط التحكيم في المجموعة بسبب توقيع أعضاء آخرين على الشرط المذكور، وهذه العناصر هي أن تكون مجموعة من الشركات بما فيها الشركة غير الموقعة على اتفاق التحكيم “واقعا اقتصاديا واحدا”، وأن تكون الشركة غير الموقعة على اتفاق التحكيم والتي يراد إلزامها أو التزامها به قد لعبت دورا فعالا في إبرام وتنفيذ العقد الذي يتضمن شرط التحكيم، وأن يكون إلزام الشركة غير الموقعة أو التزامها باتفاق التحكيم يعكس النية المشتركة لجميع الأطراف والفرقاء في العقد محل المنازعة التحكيمية.

وينقسم هذا المبحث إلى مطلبين كالتالي:

المطلب الأول: ماهية مجموعة الشركات

الفرع الأول: نشأة مبدأ مجموعة الشركات

الفرع الثاني: تعريف مجموعة الشركات وبيان خصائصها وتمييزها عن غيرها

المطلب الثاني: معايير تطبيق “مبدأ مجموعة الشركات”

الفرع الأول: عناصر “مبدأ مجموعة الشركات”

الفرع الثاني: أهمية الروابط بين الشركات في المجموعة ومعايير تقييم “الواقع الاقتصادي الواحد”

المطلب الأول

ماهية مجموعة الشركات

سنتطرق بداية في هذا الفرع إلى بيان كيفية نشأة مبدأ “مجموعة الشركات” وذلك في الدعوى الأشهر في هذا الموضوع وهي دعوى Dow Chemical v Isover St. Gobain والتي بحثت هيئة التحكيم فيها حقيقة هذا المفهوم وشرحته إلى عناصره وقررت معاييره، ثم سنستقرئ بعض ما قدم من تعريفات لمصطلح “مجموعة الشركات” ونستخلص منها خصائصه وحدوده الجامعة المانعة، ثم سنبين الفرق بينه وبين بعض المفاهيم والاصطلاحات الأخرى التي قد تلتبس به.

الفرع الأول: نشأة مبدأ مجموعة الشركات

في معرض دراسة مبدأ “مجموعة الشركات” تعتبر دعوى Dow Chemical v Isover St. Gobain[1] من أول دعاوى التحكيم التي أخذت بهذه المبدأ وقررت عناصرها وحددت معاييرها، في هذه الدعوى أرادت كل من الشركة الأم The Dow Chemical Company (USA) وإحدى شركاتها التابعة وهي Dow Chemical (France) أن تحتكما إلى هيئة التحكيم بناء على شرط التحكيم المتضمن في الاتفاقيات المبرمة بين شركتين منتسبتين لهما Affiliates وهما شركة Dow Chemical A.G. (Swiss) و Dow Chemical Europe (Swiss) مع شركات أحالت حقوقها إلى Isover Saint Gobain (France) والأخيرة هذه هي الشركة المدعى عليها في دعوى التحكيم، وقد رفضت الشركة المدعى عليها هذه احتكام كل من الشركة الأم الأمريكية والشركة التابعة الفرنسية وانضمامهما إلى المنازعة التحكيمية لأنهما لم توقعا على الاتفاقيات التي تضمنت شرط التحكيم ولم تكونا طرفا فيها، علما بأن الشركة المدعى عليها قد قبلت اللجوء إلى التحكيم لحل النزاع مع الأطراف التي وقعت شرط التحكيم (Dow AG و Dow Europe) فقط، فثارت الإشكالية فيما لو كان من اللازم مد شرط التحكيم ليشمل الشركتين اللتين لم توقعا على الاتفاقيات أيضا أم أن إجراءات ومنازعة التحكيم ستقتصر على الأطراف الموقعة على الاتفاقيات التي تضمنت شرط التحكيم فقط.

لقد كانت الشركة الأم The Dow Chemical Company (USA) تمارس سلطة مطلقة على شركاتها التابعة فقد كان لها دور بارز وشخصي – كما هو الحال أيضا مع شركتها التابعة غير الموقعة على اتفاق التحكيم Dow Chemical (France) – في إبرام العقود محل المنازعة التحكيمية وتنفيذها وإنهائها، فعلى الرغم من أن كل شركة من الشركات كانت تتمتع بشخصية اعتبارية مستقلة، إلا أن جميع تلك الشركات كانت تمثل “واقعا اقتصاديا واحدا same economic reality” وهو ما أخذته هيئة التحكيم بعين الاعتبار حينما أرادت أن تبت في اختصاصها ومدى جواز بسط ولايتها على الشركتين غير الموقعتين على شرط التحكيم.

لقد ارتأت هيئة التحكيم في هذه الدعوى بأن شرط التحكيم الذي أبرمته صراحة بعض الشركات في المجموعة يجب أن يكون ملزما لبقية أعضاء هذه المجموعة، فالدور الذي لعبه الأطراف غير الموقعين – في مرحلة إبرام العقود وتنفيذها وإنهائها – إضافة إلى النوايا المشتركة لجميع الأطراف بشأن الالتزام ببنود العقود وشرط التحكيم تدل بأن الشركة الأم والشركة التابعة اللتين تريدان الاحتكام إلى هيئة التحكيم في المنازعة المنظورة هما طرفان حقيقيان في شرط التحكيم وفي العقود المبرمة.

أشارت هيئة التحكيم في حيثيات حكمها إلى أحكام سابقة لهيئات تحكيم[2] في غرفة التجارة الدولية مدت اتفاق التحكيم إلى أطراف غير موقعة بما يكاد يخلق قواعد مستقرة بهذا الصدد على نحو تدريجي ينبغي أن تؤخذ بعين الاعتبار، لأنها تستند إلى فكرة “الواقع الاقتصادي” وتنسجم مع احتياجات التجارة الدولية.

كما استذكرت هيئة التحكيم حكما صادرا عن هيئة تحكيم أمريكية واستند هذا الحكم الأخير على عدة أحكام صادرة عن المحاكم الوطنية الأمريكية وتوصل إلى نتيجة مماثلة، حيث قرر بأن ليس من المنطقي ولا العملي أن نستبعد – من نطاق اختصاص وولاية الهيئة التحكيمية – طلبات الشركات التي تكون لها مصلحة في الشراكة والتي تكون أعضاء في عائلة شركات واحدة[3].

الفرع الثاني: تعريف “مجموعة الشركات” وبيان خصائصها وتمييزها عن غيرها

نسلط الضوء أكثر فيما يلي على بيان ماهية مصطلح “مجموعة الشركات” وما بعض قدمه التشريع والفقه له من تعاريف، ونبين خصائصه المستقاة من تلك التعريفات، ثم نوضح الفارق ما بينه وبين بعض الاصطلاحات والمفاهيم القانونية المشابهة له والتي قد تولد الالتباس، وذلك كله على سبيل الإيجاز.

1- تعريف “مجموعة الشركات”

يعرف المشرع التونسي “تجمع الشركات” في المادة (461) من قانون الشركات رقم 117 لسنة 2001 بما يلي:

“تجمع الشركات هو مجموعة من الشركات لكل واحدة منها شخصيتها القانونية تكون مرتبطة بمصالح مشتركة وتمسك إحداها – وتسمى الشركة الأم – بقية الشركات تحت نفوذها القانوني أو الفعلي وتمارس عليها رقابتها بشكل يؤدي إلى وحدة القرار.

وتعتبر خاضعة لنفوذ شركة أخرى على معنى هذا العنوان كل شركة:

– تكون شركة أخرى ماسكة لنسبة من رأس مالها تمنحها أغلبية حقوق الاقتراع فيها

– أو تكون شركة أخرى ماسكة لأغلبية حقوق الاقتراع فيها بمفردها أو بمقتضى اتفاق مع شركاء آخرين

– أو تكون شركة أخرى متحكمة فعليا في اتخاذ القرارات في إطار جلساتها العامة بمقتضى حقوق الاقتراع التي تتمتع بها بصفة فعلية

ويفترض وجود النفوذ متى كانت شركة ماسكة بصفة مباشرة أو غير مباشرة لأربعين في المائة على الأقل من حقوق الاقتراع في شركة أخرى على أن لا يكون هنالك شريك آخر ماسك لنسبة أكبر منها.

ويجب أن تكون الشركة الأم مساهمة مباشرة أو بصفة غير مباشرة في رأس مال كل شركة من الشركات المنتمية إلى تجمع الشركات.

وتعتبر شركة فرعية كل شركة يرجع أكثر من خمسين بالمائة من رأس مالها بصفة مباشرة أو غير مباشرة للشركة الأم وذلك دون اعتبار الأسهم التي لا تمنح حاملها حق الاقتراع.

ولا يتمتع تجمع الشركات بالشخصية القانونية.” ثم نص في المادة اللاحقة على وجوب أن تتخذ الشركة الأم شكل شركة خفية الاسم[4].

ويرى بعض الفقهاء العرب بأننا نكون بصدد مجموعة شركات عندما تمارس شركة سلطة الرقابة والتوجيه على عدد من الشركات الأخرى، ويطلق على الشركة المسيطرة اسم الشركة الأم Mother Company بينما يطلق على الشركات المسيطر عليها اسم الشركات التابعة أو الوليدة Subsidiaries، ويتقوم مفهوم “مجموعة الشركات” بأمرين:

أ‌- أن كل شركة من شركات المجموعة تتمتع بشخصية قانونية مستقلة سواء في ذلك الشركات التابعة أو الشركة الأم، وبالتالي فكل شركة من شركات المجموعة مستقلة عن الأخرى في ذمتها المالية وموطنها واسمها وجنسيتها وأهليتها.

ب‌- تتبع كافة الشركات في المجموعة قرارات اقتصادية موحدة تتخذها الشركة الأم كما تمارس دور الرقابة والإشراف والتوجيه على الشركات التابعة، ويكاد يقتصر دور المدراء في الشركات التابعة على تنفيذ قرارات وتوجيهات الشركة الأم، وترسم الشركة الأم الخطط والأهداف والسياسات التجارية والمالية والإدارية للمجموعة، بحيث تشكل واقعا اقتصاديا موحدا one economic reality له مصلحة اقتصادية مشتركة[5].

ومن التعريفات التي قدمها الفقه لـ “مجموعة الشركات”:

– بأنها “تجمع عدد من الشركات تتمتع فيه كل شركة بشخصية قانونية مستقلة ومتميزة، في حين لا يتمتع هذا التجمع بالشخصية القانونية بل بوحدة في القرارات والإدارة والرقابة”[6].

– بأنها “تجمع شركاتي لعدد من الشركات المستقلة من وجهة النظر القانونية، وكلها خاضعة لإدارة اقتصادية واحدة”[7].

2- خصائص “مجموعة الشركات” وتمييزها عن غيرها

يتبين مما سبق بأن “مجموعة الشركات” تتميز بعدة خصائص منها استقلال كل عضو من أعضاء المجموعة بشخصية قانونية مستقلة وذمة مالية مستقلة عن المجموعة وعن سائر الأعضاء فيها، فالمجموعة لا تتمتع بذاتها بالشخصية القانونية، وتشكل المجموعة “واقعا اقتصاديا واحدا” له أهداف اقتصادية ومالية وتجارية موحدة، وتكون للشركة الأم سلطة الإدارة والتوجيه والإشراف والرقابة على المجموعة، ومن خصائص “مجموعة الشركات” أيضا تعدد الأعضاء المكونين للمجموعة، بحيث تكون هنالك شركة أمة مسيطرة وشركة أو عدة شركات تابعة أو وليدة مسيطر عليها.

تختلف “مجموعة الشركات” عن الشركة القابضة، حيث أن المشرع الكويتي قد عرف الأخيرة بأنها شركة الغرض من تأسيسها الاستثمار في أسهم أو حصص أو وحدات استثمارية في شركات أو صناديق أو الاشتراك في تأسيس هذه الشركات وإقراضها وكفالتها لدى الغير[8]، بينما عرفها المشرع التونسي بأنها “الشركة الأم التي لا تمارس أي نشاط صناعي أو تجاري ويقتصر نشاطها على مسك مساهمات في شركات أخرى وإدارتها”[9]، وبالتالي فإن ثمة فروقات قانونية بين “مجموعة الشركات” و”الشركة القابضة” إذ ان الأولى لا تتمتع بالشخصية القانونية بخلاف الثانية، كما أن الأولى لم يتطلب المشرع أن تكون في شكل معين من أشكال الشركات بخلاف الثانية، إضافة إلى ذلك فإن الأولى لم يحدد المشرع لها أغراضا معينة بينما حدد أغراض الثانية في أنها تؤسس حصرا بغرض الاستثمار في مجالات الاستثمار المذكورة أعلاه، ويمكننا أن نلاحظ بعض أوجه الشبه بين “مجموعة الشركات” والشركة القابضة تتمثل في أن كليهما من الكيانات الاقتصادية الكبيرة كما أن كليهما يتكون من شركة أم وشركة أو شركات تابعة وفي كليهما تمارس الشركة الأم الرقابة والتوجيه والإشراف وتكون مسئولة – على تفصيل في ذلك – عن بعض تصرفات الشركات التابعة القانونية.

وتختلف “مجموعة الشركات” عن “الشركة متعددة الجنسية Multinational company إذا كانت الأخيرة تتمتع بالشخصية القانونية، فالشركة متعددة الجنسية تتكون من شركة أم وشركات تابعة تتوزع في أقاليم عدة دول، وهنا فرق دقيق بين الاثنين، فـ”مجموعة الشركات” قد تكون في إقليم دولة واحدة أو تتوزع في عدة دول[10] مثل شركة The Dow Chemical الأمريكية وشركاتها التابعة في دعوى Dow Chemical v Isover St. Gobain والتي قررت هيئة التحكيم بأنها تمثل “مجموعة شركات” فلم تكن المجموعة تتمتع بالشخصية القانونية ولذا فهي لا تعتبر شركة متعددة الجنسية رغم أن الشركة الأم والشركات التابعة موجودة في أقاليم عدة دول.

وتختلف “مجموعة الشركات” عن التجمع ذي الغاية الاقتصادية Economic interest grouping والذي نظمته المواد من L251-1 وإلى L251-23 من قانون التجارة الفرنسي، حيث أنه تجمع بين شخصين أو أكثر طبيعيين أو اعتباريين لمدة محددة ويهدف إلى تسهيل أو تطوير نشاط أعضائه الاقتصادي كما يهدف إلى تحسين أو زيادة نتائج هذا النشاط، ولا يهدف إلى تحقيق الربح للتجمع، ويجب أن تكون أنشطة التجمع مرتبطة بأنشطة أعضائه وليست أنشطة مضافة عليها، ووفقا للمادة L251-4 من قانون التجارة الفرنسي فإن التجمع ذا الغاية الاقتصادية يتمتع بالشخصية القانونية المستقلة وبالأهلية المستقلة من تاريخ قيده في السجل التجاري وسجل الشركات، وبهذا يتميز عن “مجموعة الشركات” حيث أنها لا تتمتع بالشخصية القانونية المستقلة كما أنها لم ينظمها المشرع الفرنسية علاوة على فروقات أخرى لا يتسع المجال لتفصيلها[11].

وعموما فإن أهم العناصر التي تميز “مجموعة الشركات” عن غيرها من المجاميع الاقتصادية والقانونية هو أن الأولى لا تتمتع بالشخصية القانونية المستقلة، وبالتالي تنشأ العديد من الإشكاليات القانونية منها محل هذا البحث وهو مدى جواز مد اتفاق التحكيم إلى الطرف غير الموقع في “مجموعة الشركات” الواحدة.

المطلب الثاني

معايير تطبيق “مبدأ مجموعة الشركات”

بينما نجد في التشريع والفقه التقليدي أسبابا متعددة لخرق الحجاب القانوني للشركة مثل الغش والتدليس، فقد أصبحت “مبدأ مجموعة الشركات” من بين الأسباب والأسس الحديثة نسبيا والمقبولة أمام هيئات التحكيم لخرق حجاب الشخصية القانونية للشركة، إلا أن الأمر لا يخلو من ضوابط ومعايير، نناقش في هذا الفرع عناصر “مبدأ مجموعة الشركات” وفقا لما قررته بعض أحكام هيئات التحكيم التجاري الدولية، ومعايير تطبيق هذه المبدأ، ثم نسلط الضوء بتعمق أكثر على طبيعة الروابط التي يتوجب أن توجد بين الشركات في المجموعة الواحدة ومفهوم “الواقع الاقتصادي الواحد” الذي يجب أن تمثله المجموعة، حيث سنناقش ذلك في ضوء ما قررته بعض الأحكام والباحثين في سبيل تحقيق فهم أعمق للمسألة.

الفرع الأول: عناصر “مبدأ مجموعة الشركات”

وفقا لتقرير صادر عن فريق الأونسيترال العامل على مسائل التحكيم[12]، فإن تطبيق “مبدأ مجموعة الشركات” يتطلب إثبات مجموعة من العناصر كما يلي:

1- أن تكون مجموعة من الشركات بما فيها الشركة غير الموقعة على اتفاق التحكيم “واقعا اقتصاديا واحدا”.

2- أن تكون الشركة غير الموقعة على اتفاق التحكيم والتي يراد إلزامها أو التزامها به قد لعبت دورا فعالا في إبرام وتنفيذ العقد الذي يتضمن شرط التحكيم

3- أن يكون إلزام الشركة غير الموقعة أو التزامها باتفاق التحكيم يعكس النية المشتركة لجميع الأطراف والفرقاء في العقد محل المنازعة التحكيمية.

يمكننا أن نتلمس تطبيق تلك العناصر جليا في الحكم الصادر عن هيئة التحكيم في دعوى Dow Chemical v Isover St. Gobain حيث قررت هيئة التحكيم وجود نية مشتركة بين الأطراف على الالتزام باتفاق التحكيم ومد أثره إلى الطرف غير الموقع والذي قبل به قبولا ضمنيا، مؤكدة على أن شرط التحكيم مستقل عن العقد الأساسي، وقد اتجهت إرادة كافة الأطراف إلى قبول العقد بكامله والالتزام به بما في ذلك شرط التحكيم، أو أنهم على الأقل قد اتجهت إرادتهم إلى الالتزام بشرط التحكيم، وقد حللت هيئة التحكيم في الدعوى المذكورة فكرة “مجموعة الشركات” والتي تعمل كـ “واقع اقتصادي واحد” أي وحدة اقتصادية مشتركة، فواقع الشركات الاقتصادي هو عامل مهم تعتمد عليه هيئات التحكيم في تشخيص مدى وجود نوايا مشتركة بين المتعاقدين حينما أبرموا العقد بالالتزام بشرط التحكيم، وعليه فقد قضت هيئة التحكيم بمد شرط التحكيم ليشمل بأثره الشركة الأم والشركة التابعة غير الموقعتين على العقد[13].

تحلل الأسس التي تقوم عليها “مبدأ مجموعة الشركات” إلى عنصرين[14][15]، أحدهما موضوعي والآخر ذاتي، فالأساس الموضوعي يتمثل في أن تكون هنالك مجموعة اقتصادية تتكون من عدة أعضاء ضمن إطار ملكية مشتركة وتدار بشكل حثيث من قبل الشركة الأم، أي أن يكون قرارها الاستثماري والاقتصادي والإداري واحدا، وأما العنصر الذاتي فيمثله الرضا الضمني للشركة الأم بالعقود التي أبرمتها شركتها التابعة ومشاركة الشركة الأم في تكوين تلك العقود وتنفيذها و/أو إنهائها.

عودا على دعوى Dow Chemical v Isover St. Gobain فقد قررت هيئة التحكيم بأن الأطراف التي سعت إلى الاحتكام والدخول في منازعة التحكيم كانت قد اضطلعت في المرحلة الأولية والأخيرة للصفقة محل النزاع، أي أن الأطراف غير الموقعة قد لعبت دورا فعالا في المفاوضات السابقة للصفقة وإبرام العقود وتنفيذها وإنهائها، فمجرد المشاركة في تنفيذ العقود لا يبدو كافيا عندما يكون بمعزل عن العوامل الأخرى المذكورة مثل المفاوضات، يؤكد المعلقون على الحكم في دعوى Dow Chemical v Isover St. Gobain بأن الشركتين غير الموقعتين قد لعبتا دورا جوهريا في خلق العقد من خلال التفاوض والمشاركة في عملية الإبرام والتنفيذ[16]، تبرز أهمية ذلك في أنه وخلال تلك المراحل – أي التفاوض والإبرام والتنفيذ والإنهاء – تكون النوايا المشتركة قد اتضحت لكافة الأطراف أي يكون من الواضح ما هي الشركة الملتزمة بالعقد بما فيه شرط التحكيم من غيرها.

ما نعنيه بالنوايا المشتركة بين الأطراف هو أن كل طرف راض رضاء لا يشوبه عيب من عيوب الإرادة بالالتزام بشرط التحكيم، بما في ذلك الأطراف غير الموقعة على العقد، ومن المفترض هنا بأن أحد الأطراف الموقعة على شرط التحكيم يرفض احتكام أو انضمام الطرف غير الموقع إلى منازعة التحكيم.

يعتبر الرضا من أركان العقد، وقد تم تنظيم مسائله في مبادئ اليونيدروا للعقود التجارية الدولية UNIDROIT principles[17] حيث تنص المادة 2.1.1 منه على ما يلي: “يبرم العقد إما بقبول الإيجاب أو بتصرف الأطراف الكافي لإظهار الموافقة”، بينما تنص الفقرة (1) من المادة 4.1 على ما يلي: “يجب أن يفسر العقد وفقا للنية المشتركة للأطراف”، فالمتعاقدون قد لا يدونون كافة المسائل التي اتفقوا عليها، ولذا فالمرجعية في تفسير العقد وبيان محله هي النية المشتركة لهم.

ويميز الفقه والقضاء[18] بين نوعين من الأشخاص غير الموقعين كما يلي:

– الأشخاص غير الموقعين الراضون: وهم الأطراف غير الموقعة على شرط التحكيم والتي تريد الاحتكام واللجوء أو الانضمام إلى منازعة التحكيم.

– الأشخاص غير الموقعين غير الراضين: وهم الأطراف غير الموقعة على شرط التحكيم التي ترفض اللجوء إلى التحكيم أو الانضمام إلى منازعة التحكيم القائمة، بينما ترغب أطراف أخرى باختصامهم أو إدخالهم في منازعة التحكيم.

يمكن أن نلاحظ بأن المدعى عليه في دعوى Dow Chemical v Isover St. Gobain قد رفض انضمام الشركتين غير الموقعتين إلى التحكيم، رغم أنه قد قبل باللجوء إلى التحكيم ضد الشركتين المدعيتين اللتين وقعتا على شرط التحكيم، وقد رغبت الشركتان غير الموقعين بالاحتكام إلى منازعة التحكيم القائمة التي شرعت بها الشركتان المدعيتان الموقعتان على شرط التحكيم، وبالتالي فإن الشركتين غير الموقعين هما من الأشخاص غير الموقعة الراضية بالانضمام إلى منازعة التحكيم، وقد نجحتا في إثبات أن مد شرط التحكيم ليشملهما يتوافق مع النية المشتركة للأطراف، خصوصا وأن المدعى عليه المعترض على انضمامهما قد وافق على أصل اللجوء إلى التحكيم في الدعوى التي رفعتها المدعيتان الموقعتان على شرط التحكيم.

لا تميل هيئات التحكيم إلى مد أثر اتفاق التحكيم إلى الطرف غير الموقع على العقد عندما يطلب هذا الطرف اللجوء إلى التحكيم في مواجهة طرف موقع على العقد، وذلك إذا تمسك الأخير بعدم اختصاص هيئة التحكيم بنظر الدعوى واللجوء إلى القضاء الوطني، وبطبيعة الحال فإن سند الطرف الموقع هو أن الطرف غير الموقع ليس طرفا في اتفاق التحكيم.

ولو عكسنا المسألة فمن المتصور أن يطلب الطرف الموقع على العقد إلزام طرف غير موقع عليه باتفاق التحكيم والدخول في منازعة التحكيم، وفي هذه الحالة سيحتج الطرف غير الموقع بعدم اختصاص هيئة التحكيم وانحسار ولايتها عنه لأنه لم يوقع على اتفاق التحكيم ولم تتجه إرادته إلى الالتزام به البتة، وفي هذه الحالة ستقوم هيئة التحكيم ببحث مدى توافر النوايا المشتركة والرضا الضمني بين الأطراف في مراحل إبرام العقد محل النزاع المذكورة آنفا[19].

من ناحية أخرى، وبعد أن بينا بأن دعوى Dow Chemical v Isover St. Gobain هي مثال نموذجي جيد لبيان استناد هيئة التحكيم على النية المشتركة للأطراف والالتزام الضمني بشرط التحكيم، فإنه لا يفوتنا القول بأن هنالك أحكاما أخرى اعتمدت أيضا على هذا السند القانوني، فالعديد من أحكام هيئات التحكيم في غرفة التجارة الدولية تستند إلى العقلانية والمنطق وراء مد اتفاق التحكيم إلى الأطراف غير الموقعة، وذلك بناء على الرضا الضمني بدلا عن مجرد وجود واقع اقتصادي واحد، رغم أن بعض تلك الأحكام تقرر بشكل صريح بأن النوايا المشتركة ليست المؤشر الوحيد والسند الفريد لمد اتفاق التحكيم وإنما يجب أن ينظر إلى الصورة كاملة أي إلى كافة ملابسات وظروف الدعوى، ففي دعوى Sponsor A.B. v. Lestrade قبلت محكمة استئنافية تطبيق “مبدأ مجموعة الشركات” وقد قرر الحكم بأنه ليس من الممكن أن تكون هنالك قاعدة عامة بشأن اتفاق التحكيم الذي وقعه بعض أعضاء المجموعة ومدى إمكانية مده إلى الشركات الأخرى غير الموقعة في تلك المجموعة، كما قررت بأن التحقق من النوايا المشتركة للأطراف ليس هو المؤشر الوحيد، وإنما يجب أن ينظر إلى كافة ظروف وملابسات الدعوى وتحليلها كيما يتوصل إلى نتيجة بهذا الشأن[20].

وفي دعوى Kis France v. Societe Generale ضربت محكمة الاستئناف في باريس مثالا آخر للظروف التي تقود إلى مد اتفاق التحكيم ضمن مجموعة شركات واحدة، فقد كان النزاع بشأن عقد إطاري، وفي هذه الدعوى تم توقيع العقد من قبل الشركة الأم والمقاول المساعد، وقد أعلنت الشركة الأم بأنها تقوم بذلك التصرف لصالح شركاتها التابعة، ولذا فقد قررت هيئة التحكيم بأنه يجوز للمقاول المساعد وشركاته التابعة بأن يشرعوا بدعوى تحكيمية تتعلق بالعقد الإطاري ضد كل من الشركة الأم وشركاتها التابعة، وفي إصدارها لحكمها قد أخذت هيئة التحكيم بعين الاعتبار وجود نية مشتركة بين الأطراف بأن يكون كل من Kis France و Kis Photo مسئولتين عن أي من وكل الديون التي يلتزمان بها أو تلتزم بها الشركة التابعة، فكما هو واضح من هذه السوابق فإن الرضا الضمني يعتبر أحد العناصر المهمة في “مبدأ مجموعة الشركات”[21].

الفرع الثاني: أهمية الروابط بين الشركات في المجموعة ومعايير تقييم “الواقع الاقتصادي الواحد”

إن كان فريق الأونسيترال العامل على مسائل التحكيم يرى بحق بأن أحد عناصر “مجموعة الشركات” هو أن يكون هذا التجمع بما فيه الشركة غير الموقعة على اتفاق التحكيم “واقعا اقتصاديا واحدا”، بما يثير تساؤلا مهما حول طبيعة الروابط والعلاقة بين أعضاء المجموعة وماهية “الواقع الاقتصادي الواحد” وضوابط القول بوجوده ومدى وثاقة الصلة المطلوبة بين أعضاء المجموعة كي يكون تطبيق “مبدأ مجموعة الشركات” سائغا.

ولئن كان المشرع التونسي على ما ذكرنا يجعل إمساك شركة ما لنسبة من رأس مال شركة أخرى تمنحها أغلبية حقوق الاقتراع أو إمساك شركة لأغلبية حقوق الاقتراع في شركة أخرى أو التحكم الفعلي بمقتضى حقوق الاقتراع، وهو في ذلك يحدد نسبا للإمساك لتحديد مدى وجود النفوذ على الوجه الذي بيناه تفصيلا آنفا، لئن كان المشرع التونسي ينص على ذلك وينظمه إلا أنه ليس هذا هو الحال في الفقه والتشريع والقضاء المقارن، فلربما يكون مسمى “مجموعة الشركات” خادعا، فبعض الفقهاء يقولون بأن المبدأ لكي يمكن تطبيقها فلا بد من وجود روابط وثيقة بين الشركات[22]، ولكن في الواقع العملي فإن هذه المبدأ لا تطبق على تلك الشركات فحسب بل حتى على الأشخاص الطبيعيين أو الشركات غير الموقعة على شرط التحكيم التي لا تملك أسهما في رأس مال الشركة الموقعة التي تكون طرفا في النزاع، وفي هذه الأحوال لا تكون هنالك روابط شراكة Corporate links بين الطرف الموقع والطرف غير الموقع[23].

من أحكام التحكيم التي تسلط الضوء على تطبيق “مبدأ مجموعة الشركات” على الشخص الطبيعي هو حكم هيئة التحكيم في غرفة التجارة الدولية في الدعوى رقم 9517 حيث كان المدعي غير الموقع شخصا طبيعيا يريد الاحتكام والانضمام إلى منازعة التحكيم، والتي كان المدعون فيها مجموعة من الشركات التي يملكها هذا الشخص الطبيعي، وقد واجهت هيئة التحكيم صعوبة في ندرة السوابق القضائية التي عالجت هذه الإشكالية حيث يريد شخص طبيعي غير موقع على العقد أن ينضم إلى اتفاق التحكيم الذي أبرمته شركات مملوكة له وأن يلزم المدعى عليه بذلك، لقد قرر حكم حديث صادر عن المحكمة الفيدرالية الألمانية العليا بأن هذه الحالة ليست نادرة جدا، فقد عالج هذا الحكم مسألة تطبيق “مبدأ مجموعة الشركات” حينما يكون العضو المسيطر في المجموعة شخصا طبيعيا غير موقع على شرط التحكيم، وقد كان النزاع بشأن انتهاك مزعوم لبراءة اختراع، وقد كان مالك براءة الاختراع مديرا ومالكا حصريا للشركة المدعية التي كان مكانها في الدنمارك، وكانت حقوقه في براءة الاختراع قد أحيلت إلى الشركة المدعية، وقد دفعت الشركة المدعى عليها بعدم اختصاص هيئة التحكيم لأن عقد الترخيص كان مبرما بين السلف القانوني للمدعى عليها وشركة أخرى كان مكانها في موريشيوس، ويمثلها نفس الشخص الطبيعي، إن هذا العقد يتعلق بنفس الاختراع المحمي ببراءة الاختراع ويتضمن شرط التحكيم، أكدت الشركة المدعى عليها بأن المدعي كان له علاقات وثيقة مع الشركة الموريشيوسية ومالك براءة الاختراع وبالتالي فهو ملتزم بشرط التحكيم، وقد أثيرت هذه الدفوع بناء على “مبدأ مجموعة الشركات”، ولم تر المحكمة الألمانية الفيدرالية العليا أية صعوبات في تطبيق هذه المبدأ على الشخص الطبيعي[24].

وهكذا يتضح بأن هنالك منهجا لا يفرق ما بين الشخص الطبيعي والشركة من حيث كونهما شخصا غير موقع على شرط التحكيم، ومن حيث علاقتهما بالشخص الموقع وتطبيق “مبدأ مجموعة الشركات”، وذلك على الرغم من وجود بعض الاختلافات في العلاقة ما بين الشخص الطبيعي والشركة وما بين الشركة والشركة، فالشخص الطبيعي عادة ما يكون مستثمرا لا يتدخل في الإدارة واتخاذ القرارات المالية والاستثمارية والاستراتيجية والأنشطة اليومية للشركة، بينما تتولى الشركة الأم ذلك في علاقتها مع الشركة التابعة عادة، وبالتالي فإن الشركات في علاقاتها مع بعضها البعض تكون أميل إلى تكوين وحدة اقتصادية واحدة على أرض الواقع ذات قرار وإدارة موحدة، ولذا – من ناحية أخرى – فإن مبدأ محدودية المسئولية يقدم حماية أكبر للشخص الطبيعي من الشركة الأم بسبب قرب الأخيرة من الشركة التابعة.

وهكذا نتوصل إلى نتيجة مفادها أن “مبدأ مجموعة الشركات” – وعلى الرغم من هذه التسمية – لا تقتصر على الشركات في علاقاتها ببعضها البعض، بل إن أعضاء المجموعة التي تشكل الواقع الاقتصادي الواحد قد يكون بينهم شخص طبيعي، وفي بعض الأحيان قد تكون دولة ما باعتبارها شخصا قانونيا اعتباريا عضوا في المجموعة، وفي هذه الحالة يجب أن تراعى اعتبارات حصانة الدولة وطبيعة نشاطها وما لو كانت تمارسه بصفتها صاحبة سيادة أو أنه ضمن إطار نشاطها الخاص.

يتوجب على هيئات التحكيم التي تريد تطبيق “مبدأ مجموعة الشركات” أن تفحص مدى توافر معيار “البناء المحكم للمجموعة tight group structure” بين أعضاء المجموعة، فإن لم يكن بناء المجموعة محكما استبعدت تطبيقها، وامتنعت عن مد أثر اتفاق التحكيم، ففي دعوى هيئة التحكيم في غرفة التجارة الدولية رقم 13774 رفضت الهيئة تطبيق “مبدأ مجموعة الشركات” لأن العلاقة بين المدعى عليها الأولى التي وقعت العقد والمدعى عليها الثانية التي لم توقعه كانت علاقة تعاقدية، فلم تكن الشركتان المدعى عليهما ترتبطان ببعضها البعض بعلاقة شراكة وكان هذا بالضبط هو سبب رفض الهيئة تطبيق المبدأ، فمقاربات هيئات تحكيم غرفة التجارة الدولية المختلفة تتفاوت وبعضها تتعامل مع “مبدأ مجموعة الشركات” وفقا للتحليل ثلاثي الخطوات الذي ذكرناه آنفا بينما تتجاهل هيئات أخرى المعيار الأول أي تكوين الأعضاء في المجموعة لواقع اقتصادي واحد تربطه روابط شراكة محكمة أو ما أسماه بعض الباحثين كما بينا بالبناء المحكم للمجموعة[25].

ومن الأمثلة على الأحكام التحكيمية التي تجاهلت معيار الواقع الاقتصادي الواحد والبناء المحكم للمجموعة هو حكم هيئة تحكيم في غرفة التجارة الدولية رقم 10818 حيث كان عدد المدعى عليهم اثنين، أحدهما وقع الاتفاق وأنهاه، والآخر بدأ – بعد فترة من الزمن من إبرام العقد – بتنفيذ أغلب الالتزامات في العقد، ولم تكن أي من تلك الشركتين المدعى عليهما تابعة للأخرى، ولقد كان السبب الرئيسي لقيام الشركة الأخرى غير الموقعة بتنفيذ الالتزامات هو رغبة الشركة المدعى عليها الأولى بإدارة علاقاتها مع الشركة المدعية بطريقة أكثر كفاءة، وقد أبرمت الشركتان المدعى عليهما عقدا فيما بينهما في سبيل ذلك، فالعلاقة بين الشركتين المدعى عليهما كانت علاقة تعاقدية ولم تكن علاقة شراكة، وبتحليل “مبدأ مجموعة الشركات” فإن الهيئة لم تعر أهمية إلى واقعة أن معيار “البناء المحكم للمجموعة tight group structure” لم يكن متحققا، فرفضت الهيئة تطبيق “مبدأ مجموعة الشركات” ولكن على أساس آخر غير عدم وجود المجموعة[26].

تبقى هنالك إشكالية وصعوبة في التمييز بين ما هو محكم وما ليس بمحكم من علاقة بين أعضاء المجموعة، فـ “الواقع الاقتصادي الواجد” و”المجموعة” و”البناء المحكم” هي مفاهيم لا تخلو من غموض، فلا شك بأن ليس مجرد ملكية الأسهم في رأس مال الشركة التابعة كافيا لحسم هذه المسألة، خصوصا وأن أغراض الشركات التابعة متفاوتة ومتغايرة، فليس الغرض من تأسيسها دائما هو أن تعمل مع الشركة الأم كوحدة اقتصادية واحدة، بل إن الحد من مسئولية الشركة الأم وممارسة بعض الأنشطة من خلال الشركات التابعة هي ممارسات تجارية شائعة على مستوى التجارة الدولية والمحلية، وهكذا فمناط الإحكام والوثاقة المطلوب في العلاقة ما بين مجموعة من الأشخاص للقول بأنهم يشكلون مجموعة هي مسألة لا تخلو من المصاعب.

يرى بعض الباحثين[27] بأن أحكام هيئات التحكيم نادرا ما تتصدى لتحليل معيار “البناء المحكم للمجموعة” تحليلا عميقا، فهي غالبا ما تقرر تقريرا مرسلا ما لو كان عددا من الشركات تشكل مجموعة ثم تنتقل لبعض العنصر الثاني لتطبيق “مبدأ مجموعة الشركات”، وهذا السلوك لهيئات التحكيم منتقد، فهو قد ينطوي على معاقبة الشركات بسبب ممارستها لحق في تأسيس شركات تابعة وممارسة بعض الأنشطة من خلالها، وهذا ما تنبهت له هيئة التحكيم في غرفة التجارة الدولية في الدعوى رقم 11160 حيث قررت بأن الشركة التابعة التي وقعت اتفاق التحكيم قد تم تأسيسها لغرض الإعفاء من ضريبة القيمة المضافة في فنزويلا، وقد قررت الهيئة – بشأن مد اتفاق التحكيم إلى الشركة الأم غير الموقعة عليه – بأن غرض تأسيس شركات تابعة بهدف الإعفاء من الضريبة هو غرض تجاري قانوني صحيح ومشروع، فالقيام بالتجارة من خلال الشركات التابعة وتأسيسها بهدف تنفيذ مشروع محدد أو حجب مسئولية الشركة الأم هو ممارسات تجارية شائعة وليس دليلا على الرضا بالتحكيم[28].

المبحث الثاني

مبدأ مجموعة الشركات في أحكام التحكيم والقضاء

نستعرض في هذا المبحث الاجتهادات المختلفة لهيئات التحكيم وللمحاكم الوطنية حين تطرقت إلى بحث مبدأ مجموعة الشركات وأثر في مد اتفاق التحكيم إلى طرف غير موقع، وذلك في محاكم بعض دول أنظمة القانون المدني والقانون العام، ثم نتطرق إلى تعاطي هيئات التحكيم مع المبدأ محل البحث، ونستعرض بإيجاز وعلى وجه من الخصوص منازعات التحكيم التي تكون دولة طرفا فيها وأثر مبدأ مجموعة الشركات في مد اتفاق التحكيم في مثل هذه المنازعات، إذن ينقسم هذا المبحث إلى مطلبين كالتالي:

المطلب الأول: مبدأ مجموعة الشركات في أحكام القضاء

الفرع الأول: مبدأ مجموعة الشركة في أحكام قضاء أنظمة القانون المدني

الفرع الثاني: مبدأ مجموعة الشركات في أحكام قضاء أنظمة القانون العام

المطلب الثاني: مبدأ مجموعة الشركات في أحكام التحكيم

الفرع الأول: نماذج لتعاطي هيئات التحكيم مع “مبدأ مجموعة الشركات”

الفرع الثاني: تطبيق “مبدأ مجموعة الشركات” حين تكون شركة مملوكة لدولة خصما في منازعة التحكيم

المطلب الأول

مبدأ مجموعة الشركات في أحكام القضاء

تعرض أحكام التحكيم على المحاكم الوطنية في سبيل تنفيذها أو الطعن فيها وإبطالها، فإذا ما تبنت هيئة التحكيم تطبيق “مبدأ مجموعة الشركات” ومدت أثر اتفاق التحكيم إلى شخص غير موقع عليه فإن ذلك سيكون موردا لفحص المحاكم الوطنية سواء في الدولة التي يراد تنفيذ حكم التحكيم فيها أو في دولة مكان التحكيم حيث قد يطعن على حكم التحكيم ويطلب إبطاله، وهكذا اتخذت محاكم الدول المختلفة مواقف متباينة اتجاه “مبدأ مجموعة الشركات”، وفي هذا الفرع سنبحث كيفية تعامل نماذج مختارة من محاكم الدول المختلفة مع “مبدأ مجموعة الشركات” لمد أثر اتفاق التحكيم إلى الطرف غير الموقع عليه، سواء في تلك الدول التي تتبنى نظام القانون المدني أو القانون العام.

الفرع الأول: “مبدأ مجموعة الشركات” في أحكام قضاء أنظمة القانون المدني

ليس هنالك إجماع بين المحاكم في الدول التي تتبع نظام القانون المدني civil law systems بشأن مد اتفاق التحكيم إلى الطرف غير الموقع بناء على “مبدأ مجموعة الشركات”، وذلك رغم أن هذه الدول تتماثل فيما بينها في تنظيم مسائل العقود والرضا، نعم نجد بعض التفاوتات المؤثرة في المسألة محل البحث مثل التشدد في الشروط الشكلية، فهل يجب أن يكون الاتفاق مكتوبا، وهل يمكن إلزام الطرف غير الموقع على شرط التحكيم بهذا الشرط رغم عدم وجود كتابة تفيد إلزامه أو التزامه به.

يتساهل النظام الفرنسي من حيث المتطلبات الشكلية في العقد، والقضاء الفرنسي كما البيئة القانونية في فرنسا مرحب بالتحكيم أو كما يعبر بعض الباحثين “صديق للتحكيم”، بينما نجد الأمر مختلفا في سويسرا فقانونها أكثر تشددا بشأن المتطلبات الشكلية، وما ما انعكس سلبا في قبول تطبيق “مبدأ مجموعة الشركات” من قبل القضاء السويسري، ولكن هذا الأمر آخذ بالتغير، فثمة توجه قضائي بارز في حكم صدر عن المحكمة الفيدرالية العليا في سويسرا قرر بأنه إذا كان هنالك شرط تحكيم فإنه من الممكن مد أثر اتفاق التحكيم إلى طرف غير موقع عليه، ولكن تبقى نية الأطراف المشتركة مهمة[29].

ولو أخذنا قضاء البرازيل وتركيا كأمثلة أخرى للدول التي تنتهج نظام القانون المدني، فلن نجد ميلا في البرازيل إلى تبني “مبدأ مجموعة الشركات” رغم أن بعض دعاواها الأخيرة توحي بعدم الممانعة في تنفيذ هذه المبدأ ضمن نظامها القانوني، وأما في تركيا فتثير “مبدأ مجموعة الشركات” الجدل، حيث عالج حكم صادر من المحكمة العليا التركية عام 1989 هذه المبدأ بشكل غير مباشر، إذ رفضت المحكمة دعوى طلب فيها تنفيذ حكم تحكيم ضد الشركة الأم على أساس اتفاق تحكيم أبرمته شركتها التابعة، ولكن ومن ناحية أخرى، يرى بعض الباحثين أن قانون التجارة التركي في المادة 203(1) يشكل أساسا للأخذ بـ “مبدأ مجموعة الشركات” حيث ينص على ما يلي: “.. تلتزم هيئات الشركة المعتمدة بالامتثال بالتعليمات”، وذلك رغم حكم المحكمة العليا المذكور آنفا[30].

وتتخذ ألمانيا موقفا متشددا اتجاه تطبيق “مبدأ مجموعة الشركات” فهي تصر على تحقق شرط الكتابة ومبدأ التبعية للقول بإلزام شرط التحكيم، ولا يجوز إلزام أعضاء المجموعة الواحدة بشرط التحكيم الذي وقع عليه عضو فيها حتى لو شارك العضو غير الموقع في المفاوضات المؤدية إلى إبرام العقد وفي تنفيذه وإنهائه[31].

بل إن القضاء الألماني ذهب في بعض أحكامه إلى أن “مبدأ مجموعة الشركات” تتنافى مع النظام العام في ألمانيا، ففي دعوى كان المدعي فيها في الدنمارك ويقوم بإنتاج أغلفة للأجهزة الكهربائية، وقد كان المدير والشريك الوحيد في رأس مال المدعية L يملك براءة اختراع لتصميم إطار ثلاثي الأبعاد، وكانت المدعى عليها شركة توجد في الهند وتعمل في نفس نشاط المدعي، وقد رفع المدعي الدعوى على المدعى عليها بعد معرض هانوفر التجاري عام 2010 حيث زعم بأن المدعى عليها قد أنتجت أغلفة محمية ببراءة الاختراع دون إذن مسبق من المدعي صاحب الحق في البراءة، وقد استمد المدعي حقه برفع الدعوى على المدعى عليها من L الذي عين ادعاءاته للمدعي.

أبدت المدعى عليها اعتراضها بأن الموضوع المعروض على المحكمة يخضع لاتفاق التحكيم المتضمن في عقد الترخيص المبرم عام 1999 بين IPH وهي شركة موجودة في جمهورية موريشيوس وتمثلها L وبين BIP وهي شركة موجودة في الهند وهي السلف القانوني للمدعى عليها.

اكتسبت BIP بموجب عقد الترخيص حق استعمال التصميم المحمي ببراءة اختراع L، وكان شرط التحكيم في العقد ينص على أن أي نزاع ينشب بين الأطراف تختص بنظره هيئة تحكيم تابعة لغرفة التجارة الدولية في نيودلهي، ووفقا للمدعى عليها فإن المدعي ملزم بشرط التحكيم بسبب ارتباطه الوثيق بـ IPH و L.

قررت المحكمة الإقليمية بأن اعتراض المدعى عليها لا يقوم على أساس، وقد رفضت المحكمة الإقليمية الأعلى في براونشفايغ الاستئناف اللاحق حيث رأت أن المدعي ليس ملزما باتفاق التحكيم، فـ “مبدأ مجموعة الشركات” غير معترف بها في القانون الدنماركي الواجب التطبيق كما أنها تتنافى مع النظام العام في ألمانيا[32].

لم تؤيد المحكمة الألمانية الفيدرالية العليا حكم المحكمة الأدنى، حيث ألغت الحكم وأرجعت الدعوى إلى محكمة الاستئناف حيث قررت بأن الأخيرة لم تحدد كافة الوقائع الضرورية لإصدار الحكم النهائي بشأن اعتراض المدعى عليها، وقد أرشدت المحكمة المذكورة المحكمة الأدنى حول كيفية الحكم بشأن: القانون الواجب التطبيق على مسألة ما لو كان الطرف غير الموقع ملتزما باتفاق التحكيم، والمتطلبات الشكلية في مثل هذه الحالات، ومسألة ما لو كان مثل هذا التفسير لاتفاق التحكيم ينتهك النظام العام الألماني.

فيما يتعلق بالقانون الواجب التطبيق على ما لو كان الطرف غير الموقع ملتزما باتفاق التحكيم، لم تتبن المحكمة الألمانية الفيدرالية العليا مبادئ القانون الدولي كما حصل في دعوى Dow Chemical ، بل إنها اختارت أن تحدد من خلال قواعد الإسناد المناسبة القانون الوطني الواجب التطبيق، وبهذا الشأن فقد لاحظت المحكمة أولا بأن ليس هنالك سوابق قضائية يمكنها الاعتماد عليها، كما أن الإشكالية محل البحث نادرا ما تم التطرق لها من قبل الفقهاء، حينئذ قررت المحكمة بأن هنالك منهجين رئيسيين، الأول هو تطبيق القانون الواجب التطبيق على اتفاق التحكيم والذي هو – في حال عدم وجود اتفاق صريح أو ضمني على القانون الواجب التطبيق على العقد الرئيسي – قانون مكان التحكيم، وأما المنهج الثاني فهو أنه يمكن حل الإشكالية بناء على القانون الذي يفترض بأنه واجب التطبيق على العلاقة القانونية بين الطرف غير الموقع وأحد أطراف اتفاق التحكيم.

لقد وافقت المحكمة بأنه فيما عدا ذلك فإن أطراف اتفاق التحكيم سيكون من شأنهم أن يحددوا القانون الواجب التطبيق على ضرر الطرف الثالث، وعلى الرغم من ذلك فقد قررت المحكمة بأن ليس هنالك ضرورة في الدعوى الماثلة بأن تحمي L حيث أنه قد اضطلع في إبرام اتفاق التحكيم بين IPH و BIP، وهكذا فإن المحكمة اعتبرت ذلك بأنه مناسب لأن تطبق أيضا القانون الواجب التطبيق على اتفاق التحكيم على مسألة ما لو كان L ملتزما به، وفي الدعوى المنظورة فإن هذا القانون كان هو القانون الهندي[33].

وفيما يتعلق بإجابة السؤال الثاني بشأن استيفاء شرط الكتابة المقرر في المادة 2(1) من اتفاقية نيويورك فترى المحكمة الألمانية الفيدرالية العليا بأن هذه المادة لا تمنع بالضرورة من تطبيق شرط التحكيم على المدعي بسبب المبدأ الوطني المفضل في المادة 7(1) من اتفاقية نيويورك والتي يتقرر وفقها بأنه يمكن تطبيق قواعد الإسناد في القانون الألماني والتي يكون العقد طبقا لها صحيحا إذا كان يستوفي الشروط الشكلية المقررة في القانون الموضوعي الواجب التطبيق أو قانون الدولة التي أبرم فيها، وبالتالي فقد كان على محكمة الاستئناف أن تحدد مدى استيفاء اتفاق التحكيم للشروط الشكلية بناء على القانون الهندي.

وفيما يتعلق بمخالفة “مبدأ مجموعة الشركات” للنظام العام في ألمانيا، فيثار التساؤل فيما لو كان النظام العام في ألمانيا وفقا لقواعد الإسناد في القانون الألماني يحول دون مد اتفاق التحكيم ليشمل المدعي، فقد ذهبت محكمة الاستئناف الألمانية إلى أن النظام العام يمنع ذلك، وقد قررت في تسبيبها ذلك دون حتى أن تحلل فيما لو كانت “مبدأ مجموعة الشركات” تشكل جزءا من القانون الواجب التطبيق، وقد حكمت المحكمة الألمانية الفيدرالية العليا بأن هذا التسبيب لا يتناول الظروف الخاصة للدعوى: L ليست مجرد رافعة الدعوى بل كانت قد اضطلعت أيضا في إبرام اتفاق التحكيم، علاوة على ذلك فقد قررت المحكمة بأن استثناء النظام العام لا يعفي المحاكم من أن تطبق القانون الأجنبي وأن تحدد نتائج ذلك في ظل الظروف المحددة للدعوى، وفقط حينما تكون هذه النتيجة المحددة – في مقابل النتيجة المحتملة من قاعدة القانون الأجنبي – تتناقض مع المبادئ الأساسية للقانون الألماني ومبادئ العدالة، فإن تطبيقها يجب أن يرفض على أساس انتهاك النظام العام في ألمانيا[34].

الفرع الثاني: مبدأ مجموعة الشركات في أحكام قضاء أنظمة القانون العام

ترفض كلتا الدولتين الرائدتين ضمن أنظمة القانون العام common law وهما الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة تطبيق “مبدأ مجموعة الشركات”، ومع ذلك فإن المحاكم البريطانية أكثر ميلا إلى الاعتراف بمد اتفاق التحكيم إلى غير الموقعين، وكما يتضح من حكم محكم الاستئناف في الولايات المتحدة الأمريكية في دعوى J.J. Ryan & Sons v. Rhone Poulenc Textile فإن محاكم الولايات المتحدة لا تطبق “مبدأ مجموعة الشركات” ولكنها قد توظف بشكل جيد عقائد أخرى في القانون العام مثل الإغلاق الحكمي (السلوك المانع من إثبات العكس) Estoppel[35] وفضح الاستتار Veil-Piercing في سبيل مد اتفاق التحكيم ليشمل الكيانات المرتبطة.

ومن المفاهيم التي يثور في الولايات المتحدة الأمريكية النقاش حول علاقتها بـ “مبدأ مجموعة الشركات” هو مبدأ الشخصية الأخرى [36]Alter Ego، حيث تعتبر المحكمة كلا من تلك العقيديتين نظرية مغايرة للأخرى، إن عدم الاعتداد بـ “مبدأ مجموعة الشركات” كمبدأ معترف به جعل مواقف المحاكم بشأنها متفاوتة.

ألغت الدائرة الثانية حكم التحكيم الصادر في دعوى Sahrank عن هيئة تحكيم عقدت في القاهرة، والذي طبق “مبدأ مجموعة الشركات”، وقد قرر حكم التحكيم الذي تم إلغاؤه بأنه وفقا للقانون المصري فإنه وعلى الرغم من أن الشخصية القانونية للشركة الأم مستقلة عن الشخصية القانونية للشركة التابعة، إلا أن الشركات التابعة في مجموعة الشركات تعتبر ملتزمة بشرط التحكيم، وذلك لأن موافقة الشركة الأم على المشاركة في العلاقة التعاقدية تعد ضرورة، ولكن حينما انتقل الخصوم إلى مرحلة التنفيذ بعد صدور حكم التحكيم، فقد قضت محكمة في الولايات المتحدة الأمريكية بأن القانون الأمريكي يمكن من مد اتفاق التحكيم فقط على أساس نظريات مثل فضح الاستتار Veil-Piercing والإغلاق الحكمي Estoppel والتضمين بالإحالة Incorporation by reference، علاوة على ذلك فقد فصلت المحكمة بين هذه النظريات و”مبدأ مجموعة الشركات” وقررت بأن هذه النظريات تتطلب اتفاق تحكيم وفقا للقواعد العامة لقانون العقود، مما يؤدي إلى القول بأن إجمال الدليل يدعم النية الموضوعية للجوء إلى التحكيم، وفي استنتاجها قررت المحكمة بأن الطرف الأمريكي غير الموقع لا يمكن إجباره على التحكيم إن لم يكن هنالك عرض كامل للوقائع الداعمة لنظرية واضحة تستند إلى قانون العقود الأمريكي أو قانون الوكالة الأمريكي، والقول بخلاف ذلك سيهدر توقعات التجار ذوي الخبرة العادية والعرفية، فممارسة التعامل من خلال شركة تابعة ملائمة كليا وأساسية للسلوك الأمريكي في التجارة الأجنبية.

وعلى الرغم من حكم الدائرة الثانية المشار إليه أعلاه، فإن جمعية نيويورك للتحكيم في دعاوى التجارة البحرية New York Society of Maritime Arbitrations قد استفادت من دعوى Map Tankers التي قررت اجتهادا مغايرا، ففي هذه الدعوى قرر المحكمون بأن من غير المنطقي ولا العملي أن نمنع طرفا غير موقع من أن ينضم في دعوى التحكيم التي تنظر ادعاءات مجموعة الشركاء أو الشركات التابعة التي ينتمي إليها.

إن الاجتهادات المتناقضة من المحاكم وهيئات التحكيم المختلفة تتسبب بعدم انسيابية وانسجام بشأن هذه المسألة في الولايات المتحدة الأمريكية، فبينما رفضت الدائرة الثانية تطبيق “مبدأ مجموعة الشركات” لم تبد مؤسسات أخرى رفضها لتطبيقها.

من ناحية أخرى، فإن المحاكم الانكليزية أبقت على موقفها التحفظي، فالقانون الانكليزي يرفض “مبدأ مجموعة الشركات” ولكنه يقرر بأنه إن كان القانون الواجب التطبيق على اتفاق التحكيم يعترف بالمبدأ، فإن المحاكم الانكليزية لا تمانع من تنفيذ حكم التحكيم.

إن السوابق القضائية في بريطانيا مفيدة لفهم موقف القانون البريطاني بشأن “مبدأ مجموعة الشركات”، ففي دعوى Caparo Group Ltd v Fagor Arrastate Sociedad Cooparative رفضت المحكمة التجارية الانكليزية تطبيق المبدأ، وفي هذه الدعوى أبرمت شركة Fagor الأسبانية عقدا مع شركة CML الهندية ونشأ نزاع بينهما بشأن السداد، وقد سعت الشركة الأسبانية Fagor بأن تثبت مسؤولية شركة Caparo – والتي تمتلك نسبة 60% من أسهم الشركة الهندية CML – عن الخطأ المرتكب، فرفضت المحكمة مد نطاق المسئولية إلى الشركة المذكورة على سند من أن العقد واتفاق التحكيم يخضعان للقانون الانكليزي، ووفقا للقانون الانكليزي ليس هنالك سند لإثبات مسؤولية الأطراف فيما عدا Fagor و CML بإلزامهم بالعقد أو اتفاق التحكيم، وفي هذه الدعوى قررت المحكمة بأن لا سند قانوني لاعتبار Caparo طرفا في العقد واتفاق التحكيم.

وأعيد تأكيد ذات المقاربة في دعوى Peterson Farms Inc. v. C&M Farming Limited فهي الدعوى الرائدة بشأن “مبدأ مجموعة الشركات” في انكلترا، وموضوعها شراء دجاج وفقا لقانون أركانساس، فقد اشترى المدعي في دعوى التحكيم هذه (شركة C&M) دجاج من مزارع Peterson من نوع (الدجاج الجد) وقد قام المدعي بمزاوجة الدجاج لإنتاج نوع (الدجاج الأب) والذي سيقوم ببيعه لشركات أخرى في مجموعة الشركات التي ينتمي إليها، ولكن (الدجاج الجد) الذي باعته مزارع Peterson كان مصابا بفيروس انفلونزا الطيور ولذا تمسك المدعي بإخلال المدعى عليه بالعقد وطلب التعويض عن الأضرار التي تكبدها، والتي تكبدها أعضاء آخرون في مجموعة الشركات C&M group جراء موت (الدجاج الأب)، وهكذا ادعت شركة C&M بأن الأعضاء الآخرين في مجموعتها يمثلون وحدة واحدة لا يمكن فصلها عن بعضها البعض، ومن ناحية أخرى فقد تمسكت مزارع Peterson بأنه لا يجوز للمدعي تطبيق “مبدأ مجموعة الشركات” لأنها لا سند لها في قانون أركانساس، ولكن هيئة تحكيم من غرفة التجارة الدولية رفضت دفع المدعى عليها Peterson Farms وقررت بأنه وفقا لمبدأ الاستقلالية فإن اتفاق التحكيم مستقل ومنفصل عن سائر العقد، ولذا فلهيئة التحكيم الحق بأن تطبق قانونا مختلفا عن القانون الواجب التطبيق المتفق عليه بين الأطراف كقانون العقد.

علاوة على ذلك، فقد قررت هيئة التحكيم بأنه وفقا للمفاوضات وإبرام عقد البيع، فإن مزارع Peterson كانت على علم بأنها تتعامل لا مع C&M فحسب بل مع بقية الأعضاء في مجموعتها، وهكذا فقد قررت هيئة التحكيم بأن C&M قد تعاقدت باسم ولحساب بقية أعضاء المجموعة كوكيل عنها كاملة، وهذا ما كان مفهوما وواضحا عند إبرام العقد لدى المدعى عليه.

طعن في الحكم أمام المحكمة العليا البريطانية، وقد قررت هذه المحكمة بأن استقلال العقد ليس هو المسألة، لأن مسألة الولاية القضائية والاختصاص هو مسألة كيفية تفسير العقد الذي يحكمه قانون أركانساس، ولذا فإن مقاربة هيئة التحكيم عرضة للعديد من الانتقادات الجوهرية، فكما قررت المحكمة: “لم يكن هنالك … أي أساس لهيئة التحكيم لكي تطبق أي قانون آخر سواء كان – بشكل مفترض – مشتقا من الإرادة المشتركة للأطراف أم لم يكن كذلك”[37]، إن هذه الدعوى هي مثال ممتاز لبيان موقف القانون الانكليزي إزاء “مبدأ مجموعة الشركات”.

إن من المفهوم والواضح بأن هنالك ميولا متفاوتة نحو تطبيق “مبدأ مجموعة الشركات” في الدول المختلفة سواء كانت متبنية لنظام القانون المدني أو القانون العام، ومن العوامل المهمة لانتقاد هذه المبدأ هو عدم وجود قاعدة واضحة بشأنها وتضارب الآراء الفقهية حولها وغياب النص القانوني بشأنها.

المطلب الثاني

مبدأ مجموعة الشركات في أحكام التحكيم

في هذا الفرع ندرس بعض أحكام هيئات التحكيم الدولية وكيفية تعاطيها مع “مبدأ مجموعة الشركات”، ثم نسلط الضوء أكثر على أحكام التحكيم في منازعات الاستثمار حيث تكون الدول ذات السيادة طرفا في المنازعة، وكيفية التعامل مع “مبدأ مجموعة الشركات” لمد اتفاق التحكيم في هذه الأحوال.

الفرع الأول: نماذج لتعاطي هيئات التحكيم مع “مبدأ مجموعة الشركات”

لقد تم تطبيق “مبدأ مجموعة الشركات” في عدد كبير من الدعاوى التحكيمية منها ما يلي على سبيل المثال[38]:

– في دعوى ICC رقم 4972 قررت هيئة التحكيم بأن شرط التحكيم الذي وقعته الشركة المسيطرة قابل للمد إلى شركاتها التابعة.

– في دعوى ICC رقم 5721 و 5730 قررت هيئة التحكيم بأن شرط التحكيم الذي وقعته الشركة التابعة قابل للمد إلى الشركة الأم.

– في دعوى ICC رقم 5103 وبعدما حللت هيئة التحكيم خلفيات الموضوع، فقد قررت بأن مجموعة الشركات يجب أن تعتبر وحدة اقتصادية واحدة طالما كانت جميع الشركات التي تنتمي لها قد شاركت مشاركة متماثلة في علاقة تجارية دولية معقدة، وطالما كانت مصلحة المجموعة قد سمت على مصالح كل شركة على حدة. إن الثقة في العلاقات الاقتصادية الدولية تطلبت أن يؤخذ الواقع الاقتصادي بعين الاعتبار وكذلك أن جميع الشركات التي حققت فوائد يتوجب عليها أن تتحمل الديون.

– في دعوى ICC رقم 6519 وعلى الرغم من أن الدعوى رفعت على شركة واحدة والتي كانت طرفا في اتفاق التحكيم، فإن من المهم ملاحظة أن هيئة التحكيم قد استبعدت الشركات الأخرى على أساس أنها لم تكن ذات مشاركة فعالة في التعاملات التجارية. في الحقيقة فإن هيئة التحكيم قد قررت في حكمها بأن آثار اتفاق التحكيم كان من الممكن أن تمتد إلى الشركات غير الموقعة إن كان من الممكن إثبات أنها قد تم تمثيلها ضمنيا أو بشكل مؤثر أو أنها قد لعبت دورا فعالا في المفاوضات التي سبقت الصفقة التجارية أو أنها قد كان لها دور مباشر في العقد الذي يتضمن شرط التحكيم.

– في دعوى ICC رقم 7604 و 7610 قررت هيئة التحكيم بأن مد اتفاق التحكيم يكون كلما كشفت ظروف التجارة نية الأطراف المشتركة وبأنها متجهة إلى اعتبار الشركة غير الموقعة طرفا في العقد الذي يتضمن شرط التحكيم، أو كلما كان من الممكن افتراض أن الشركة غير الموقعة قد قبلت مشارطة التحكيم وخصوصا إذا قامت بذلك صراحة، ففي هذه الدعاوى اعتبرت الشركة الأم طرفا في منازعة التحكيم وذلك لأن هيئة التحكيم رأت بأنها قد التزمت باتفاق التحكيم، وقد توصلت إلى هذا الاستنتاج لأن الشركة الأم كانت قد مثلت أمام القضاء لصالح شركتها التابعة، وقد تسمكت حينذاك بعدم اختصاص الهيئة القضائية لوجود اتفاق التحكيم، وذلك في منازعة بشأن الكفالة.

وعموما، فقد استقر العمل بـ “مبدأ مجموعة الشركات” لمدة معتبرة من الزمن وفي عدد معتبر من أحكام التحكيم وذلك كسند اعتمدته هيئات التحكيم لمد اتفاق التحكيم إلى طرف غير موقع عليه بما يجعلها أكثر قدرة على إصدار أحكام عادلة ومبنية على أسس سليمة من الواقع والقانون.

الفرع الثاني: تطبيق “مبدأ مجموعة الشركات” حين تكون شركة مملوكة لدولة خصما في منازعة التحكيم

تطبق “مبدأ مجموعة الشركات” على الشركات العامة أيضا، وذلك حينما تلجأ أو تخضع للتحكيم ما بين الدولة والمستثمر، ويعتبر تطبيق هذه المبدأ في هذا المجال أمرا مهما، حيث أن الاستثمار الأجنبي المباشر هو عنصر أساسي من عناصر الاقتصاد الدولي، وهكذا فإذا اعتبرنا أن “مبدأ مجموعة الشركات” هي إحدى الأدوات التي تستعمل لحل هذا النوع من النزاعات فإنها تكون ذات أهمية بالغة.

يجب أن نعرف بداية “الشركات المملوكة للدول” لكي نفهم مساحة تطبيق “مبدأ مجموعة الشركات”، فهذه الشركات قائمة على “مفهوم الأداة instrumentality concept”، عرفت إحدى الأحكام التحكيمية الصادرة عن هيئة في غرفة التجارة الدولية “الأداة” بأنها كيان من كيانات الدولة يتمتع بالشخصية الاعتبارية المستقلة أسسته الدولة لغرض محدد وتقوم الدولة بالسيطرة عليه[39].

ويمكننا أن نجد تعريفا واضحا لمفهوم “الأداة” في حكم ICC رقم 6465 فوفقا لهذا الحكم فإن الكيان التي تؤسسه الدولة يخدم الأغراض التي تتطلبها الحكومة س وذلك باعتباره مركبا مسيطرا عليه من قبل الحكومة س ويعتمد عليها، وتقوم الحكومة س بممارسة سلطاتها إلى درجة بحيث يجب أن ننظر إلى هذا الكيان الذي تؤسسه الدولة على أنه أداة للحكومة س[40].

يمكن أن نحلل دعوى Vivendi في مؤسسة ICSID على أنها مثال آخر لمفهوم “الأداة” فهذه الدعاوى من الأمثلة المعروفة التي يسوقها المؤلفون لتوضيح مفهوم الكيان الذي تؤسسه الدولة the state entity، فقد أقيمت هذه الدعوى بسبب نزاع معقد بشأن عقد امتياز أبرم عام 1995 بين شركة فرنسية هي Compagnie Generale des Eaux وشركتها المنتسبة Campania de Aguas del Aconquija, S.A. حيث أبرمتا العقد مع إقليم Tucuman في الأرجنتين، ولم تكن جمهورية الأرجنتين طرفا في عقد الامتياز كما لم تشارك في المفاوضات التي أدت إلى إبرامه، ومع ذلك فإن هيئة التحكيم حينما نظرت الدعوى وتطرقت إلى اختصاصها وولايتها قررت بأن التصرفات التي تبرمها الكيانات السياسية الجزئية في الدولة تنسب إلى الحكومة المركزية، ولذلك فليس من المهم من هو الطرف الذي أبرم العقد طالما كانت تصرفات الطرف الموقع تعتبر بمثابة تصرفات الطرف المسيطر عليه (الدولة) غير الموقع.

ويمكن أن نزيد في توضيح تطبيق “مبدأ مجموعة الشركات” على الشركات المملوكة للدول من خلال دعوى ICC رقم 9762 حيث طبقت هيئة التحكيم في هذه الدعوى “مبدأ مجموعة الشركات” لكي تضع كيانا مملوكة للدولة موضع المسئولية والذي كان أحد المدعى عليهم في تلك الدعوى، وذلك عن تصرفات مدعى عليه آخر كان يمثل وزارة الزراعة[41].

يمكن من خلال الأمثلة والتوضيحات السابقة لتطبيق “مبدأ مجموعة الشركات” أن نبين المفهوم، ولكن كي نجعل هذا التعريف أكثر وضوحا، فعلينا أن نتحقق من تحقق الرضا الضمني بشكل حثيث.

الخاتمة

ختاما يتبين لنا بأن مبدأ مجموعة الشركات هو مفهوم قانوني ناشئ في اجتهادات القضاء وهيئات التحكيم، وأنه لا زال محل جدل قانوني، كما تبين لنا بأن بعض المحاكم تلجأ إلى أسانيد قانونية أخرى لخرق حجاب الشخصية القانونية للشركة وتستبعد تطبيق مبدأ مجموعة الشركات.

كما اتضح من خلال هذا البحث أن المشرعين في مختلف الدول قد نحو منحيين، حين نصت بعض قوانين الشركات على مجموعة الشركات ونظمتها كمفهوم قانوني مستقل ومتمايز عن الشركة القابضة وغيرها من المفاهيم المشابهة، بينما نحا فريق آخر من المشرعين منحى عدم النص عليها، بما جعل إشكالية مد أثر اتفاق التحكيم إلى طرف غير موقع على سند مبدأ مجموعة الشركة مسألة أكثر غموضا.

كذلك، يتضح من خلال هذا البحث أن الاجتهادات القضائية والتحكيمية قد تصدت في حيثيات أحكامها لوضع المعايير اللازمة لتحديد ماهية مجموعة الشركات وتعريفها تعريفا جامعا مانعا بهدف الفصل في مسألة امتداد أثر اتفاق التحكيم إلى الطرف غير المحكم من عدمه، ولا شك بأن بعض تلك الأحكام قد شابه القصور في بحث ذلك وتأسيسه.

إننا نعتقد في نهاية هذا البحث بأن المفاهيم القانونية القائمة والموجودة مثل قاعدة أن “الغش مبطل للتصرفات” وغيرها من القواعد العامة والمبادئ المستقرة في القانون، سواء في أنظمة دول القانون العام أو القانون المدني، لهي – بحق – كافية لمعالجة مسألة امتداد أثر اتفاق التحكيم إلى الطرف غير الموقع، وليس مبدأ مجموعة الشركات – في حقيقته – إلا تطبيقا لتلك المبادئ والقواعد غالبا.

من ناحية أخرى فإننا نؤمن بالأهمية البالغة لفكرة محدودية مسئولية الشركات، وبأن هذه الفكرة هي أحد ركائز العمل التجاري في العالم على المستويات المحلية والدولية، ولا شك بأن مد أثر اتفاق التحكيم إلى طرف غير موقع دون مسوغ مقبول، والتساهل في خرق حجاب الشخصية القانونية للشركة ومساءلة شخص قانوني آخر عن التصرفات التي أبرمها غيره، لهي من الأمور التي تهدر الأمن التجاري، وتضر بالاقتصاد، وتهدر فكرة محدودية المسئولية.

لذلك فنحن نرى في نهاية هذا البحث عدم الحاجة إلى النص على مبدأ مجموعة الشركات في قانون الشركات، وأن المنحى الذي نحاه فريق من المشرعين – ومنهم المشرع الكويتي – باستبعاد هذا المفهوم من ميدانه القانون لهو المنحى الصحيح، وهذا ما يجب على المحاكم الوطنية وهيئات التحكيم أن تنتهجه، وذلك لكي يتمكن التاجر من ممارسة تجارته وهو مطمئن البال ناعم بالأمن القانوني، لا أن يفاجأ باختصامه في خصومة وإلزامه بعقد لم يقم بتوقيعه وإبرامه.

قائمة المراجع والمصادر

أولا – المراجع باللغة العربية

– قانون عدد 117 لسنة 2001 مؤرخ في 6 ديسمبر 2001 يتعلق بإتمام مجلة الشركات التجارية (1). الرائد الرسمي للجمهورية التونسية، 7 ديسمبر 2001 عدد 98 صفحة 4791

– قانون الشركات الكويتي رقم 1 لسنة 2016، الجريدة الرسمية لدولة الكويت، 1 فبراير 2016، ملحق 1273.

– عبلة خالد عبدالسلام عبدالمجيد الفقي

امتداد أثر اتفاق التحكيم للغير، مجلة الحقوق للبحوث القانونية الاقتصادية، جامعة الإسكندرية، العدد الأول، سنة 2013.

– طاهر شوقي مؤمن

دراسة قانونية في مجموعة الشركات، مجلة البحوث القانونية والاقتصادية، كلية الحقوق، جامعة المنصورة، العدد 61، ديسمبر 2016.

– علي سيد قاسم

شرط التحكيم ومجموعة الشركات، المؤتمر السادس عشر لجامعة الإمارات عن التحكيم التجاري الدولي، خلال الفترة من 28 إلى 30 أبريل 2008، المجلد الأول.

– عاطف محمد الفقي

التحكيم التجاري متعدد الأطراف دراسة مقارنة، دار النهضة العربية، طبعة 2007.

– أحمد مخلوف

اتفاق التحكيم كأسلوب لتسوية منازعات عقود التجارة الدولية، دار النهضة العربية، طبعة 2001.

– حارث سليمان الفاروقي

المعجم القانوني، مكتبة لبنان ناشرون، الطبعة الخامسة، عام 2014.

ثانيا – المراجع باللغة الإنكليزية

– French commercial code, last update 30th march 2006, available at: www.legifrance.gouv.fr

– ICC Award No. 2375, Clunet 1976, at 973 et seq. available at: https://www.trans-lex.org/202375/_/icc-award-no-2375-clunet-1976-at-973-et-seq/

– ICC Award No.1434, Clunet 1976, at 978 et seq. https://www.trans-lex.org/201434/_/icc-award-no1434-clunet-1976-at-978-et-seq/

– ICC Case No. 4131, Y.C.A. Vol. IX (1984), 131. Available at: https://www.trans-lex.org/204131/_/icc-award-no-4131-yca-1984-at-131-et-seq-/

– Society of Maritime Arbitrators, Inc., New York, Partial Final Award No. 1510, 28 November 1980, VII Yearbook Commercial Arbitration, American Awards, p. 151 (1982).

– Irmgard Anna Rodler. When are non-signatories bound by the arbitration agreement in international commercial arbitration?. University of Chile and University of Heidelberg. March 2012.

– Osman Erturk Ozel. The group of companies’ doctrine as a non-signatory issue in arbitration agreements. Available at: http://ozel.law/wp-content/uploads/2016/04/ozel_articles-002.pdf

– William W.Park. Non-Signatories and international contracts: an arbitrator’s dilemma. Oxford 2009. Available at the ICCA website at: http://www.arbitration-icca.org/media/4/80099054862031/media012571271340940park_joining_non-signatories.pdf

– UNIDROIT principles of international commercial contracts 2016 available at unidroit.org

– Brekoulakis (n 4) 6.04; Alexandre Meyniel, ‘That Which Must Not Be Named: Ra onalizing the Denial of US Courts with Respect to the Group of Companies Doctrine’ (2013) 3 Arb. Brief 18, 50.

– Alona Kiriak. Arbitral jurisdiction over non-signatories: the ‘group of companies’ doctrine. Central European university. March 27, 2015. Available at: http://www.etd.ceu.hu/2015/kiriak_alona.pdf

– Kirstin Schwedt and Julia Grothaus, ‘when does an arbitration agreement have a binding effect on non-signatories? The group of companies’ doctrine vs conflict of laws rules and public policy’, Kluwer Arbitration Blog, July 30 2014. Available at: http://arbitrationblog.kluwerarbitration.com/2014/07/30/when-does-an-arbitration-agreement-have-a-binding-effect-on-non-signatories-the-group-of-companies-doctrine-vs-conflict-of-laws-rules-and-public-policy/

– “Estoppel”. Black’s Law Dictionary. Retrieved 18 December 2015

– 241Court of Appeals, Paris, 31 October 1989, in A.J. van den Berg, Yearbook Commercial Arbitration 145-9, (Vol. XVI 1991).

– Stephan Wilske, Laurence Shore & Jan-Michael Ahrens. The ‘Group of Companies’ doctrine’ where is it heading?. The American review of international arbitration. 17 am. Rev. Int’l Arb. 73. 2006.

– ICC case No. 6465, Aug. 15, 1991 interim award.

– ICC case No. 9762 (2001)

– alter ego. (n.d.) West’s Encyclopedia of American Law, edition 2. (2008). Retrieved March 15 2018 from https://legal-dictionary.thefreedictionary.com/alter+ego

الفهرس

مقدمة …………………………………………………………………………………………………
2
المبحث الأول: بيان ماهية مجموعة الشركات ومعايير تطبيق مبدأ “مجموعة الشركات” …………………..
3
المطلب الأول: ماهية مجموعة الشركات ………………………………………………………………
4
الفرع الأول: نشأة مبدأ مجموعة الشركات……………………………………………………………….
4
الفرع الثاني: تعريف “مجموعة الشركات” وبيان خصائصها وتمييزها عن غيرها ………………………..
5
1- تعريف “مجموعة الشركات” …………………………………………………………………..
6
2- خصائص “مجموعة الشركات” وتمييزها عن غيرها…………………………………………….
6
المطلب الثاني: معايير تطبيق “مبدأ مجموعة الشركات” ……………………………………………….
8
الفرع الأول: عناصر “مبدأ مجموعة الشركات” …………………………………………………………
8
الفرع الثاني: أهمية الروابط بين الشركات في المجموعة ومعايير تقييم “الواقع الاقتصادي الواحد” …………
11
المبحث الثاني: مبدأ مجموعة الشركات في أحكام التحكيم والقضاء ……………………………………..
14
المطلب الأول: مبدأ مجموعة الشركات في أحكام القضاء ………………………………………………
14
الفرع الأول: “مبدأ مجموعة الشركات” في أحكام قضاء أنظمة القانون المدني …………………………….
14
الفرع الثاني: مبدأ مجموعة الشركات في أحكام قضاء أنظمة القانون العام ………………………………..
17
المطلب الثاني: مبدأ مجموعة الشركات في أحكام التحكيم ………………………………………………
19
الفرع الأول: نماذج لتعاطي هيئات التحكيم مع “مبدأ مجموعة الشركات” …………………………………
20
الفرع الثاني: تطبيق “مبدأ مجموعة الشركات” حين تكون شركة مملوكة لدولة خصما في منازعة التحكيم .
20
الخاتمة ……………………………………………………………………………………………….
22
المراجع والمصادر ……………………………………………………………………………………
23

[1] ICC Case No. 4131, Y.C.A. Vol. IX (1984), 131.
[2] ICC Award No. 2375, Clunet 1976, at 973 et seq. and ICC Award No.1434, Clunet 1976, at 978 et seq.
[3] Society of Maritime Arbitrators, Inc., New York, Partial Final Award No. 1510, 28 November 1980, VII Yearbook Commercial Arbitration, American Awards, p. 151 (1982).
[4] قانون عدد 117 لسنة 2001 مؤرخ في 6 ديسمبر 2001 يتعلق بإتمام مجلة الشركات التجارية (1). الرائد الرسمي للجمهورية التونسية – 7 ديسمبر 2001 عدد 98 صفحة 4791
[5] د.علي سيد قاسم: شرط التحكيم ومجموعة الشركات، المؤتمر السنوي السادس عشر (التحكيم التجاري الدولي) – جامعة الإمارات، خلال الفترة 28-30 أبريل 2008، المجلد الأول، ص69-71
[6] عاطف محمد الفقي، التحكيم التجاري متعدد الأطراف دراسة مقارنة، دار النهضة العربية، طبعة 2007، ص26.
[7] أحمد مخلوف، اتفاق التحكيم كأسلوب لتسوية منازعات عقود التجارة الدولية، دار النهضة العربية، طبعة 2001، ص232.
[8] المادة (243) من قانون الشركات الكويتي رقم 1 لسنة 2016 بتصرف، الجريدة الرسمية لدولة الكويت، ملحق 1273، تاريخ الإصدار 1 فبراير 2016
[9] المادة (463) من القانون رقم 117 لسنة 2001، مصدر سابق.
[10] عاطف محمد الفقي، التحكيم التجاري متعدد الأطراف، المصدر السابق، ص23.
[11] قانون التجارة الفرنسي، آخر تحديث في 30 مارس 2006، متاح على الموقع الالكتروني www.legifrance.gouv.fr.
[12] Irmgard Anna Rodler. When are non-signatories bound by the arbitration agreement in international commercial arbitration?. University of Chile and University of Heidelberg. March 2012.
[13] Ibid.
[14] Ibid.
[15] Osman Erturk Ozel. The group of companies’ doctrine as a non-signatory issue in arbitration agreements.
[16] William W.Park. Non-Signatories and international contracts: an arbitrator’s dilemma. Oxford 2009.
[17] UNIDROIT principles of international commercial contracts 2016 available at unidroit.org
[18] William W.Park. Non-Signatories and international contracts: an arbitrator’s dilemma. Oxford 2009.
[19] Ibid
[20] Osman Erturk Ozel. The group of companies’ doctrine as a non-signatory issue in arbitration agreements.
[21] Ibid.
[22] Brekoulakis (n 4) 6.04; Alexandre Meyniel, ‘That Which Must Not Be Named: Ra onalizing the Denial of US Courts with Respect to the Group of Companies Doctrine’ (2013) 3 Arb. Brief 18, 50.
[23] Alona Kiriak. Arbitral jurisdiction over non-signatories: the ‘group of companies’ doctrine. Central European university. March 27, 2015.
[24] Ibid.
[25] Ibid.
[26] Ibid.
[27] Ibid.
[28] Ibid.
[29] Osman Erturk Ozel. The group of companies’ doctrine as a non-signatory issue in arbitration agreements.
[30] Ibid.
[31] Ibid.
[32] Kirstin Schwedt and Julia Grothaus, ‘when does an arbitration agreement have a binding effect on non-signatories? The group of companies’ doctrine vs conflict of laws rules and public policy’, Kluwer Arbitration Blog, July 30 2014.
[33] Ibid.
[34] Ibid.
[35] الإغلاق الحكمي Estoppel هو اسم يطلق على مجموعة من العقائد القانونية في أنظمة القانون العام ويعرفه معجم Black law’s بأنه حظر أو عائق يقرره القانون يمنع الإنسان من ادعاء أو نكران واقعة معينة أو حالة من الوقائع وذلك بسبب ادعائه أو نكرانه أو سلوكه أو إقراره المسبق أو بسبب البت النهائي في الموضوع في محكمة قانون.
[36] تعرف مبدأ أو نظرية الشخصية الأخرى Alter Ego بأنه مبدأ تطبقه المحاكم لتتجاهل حالة الشركة لمجموعة ملاك أسهم أو عاملين أو مدراء في الشركة وذلك فيما يتعلق بمسئوليتهم المحدودة، بحيث يساءلون مساءلة شخصية عن تصرفاتهم وذلك حينما تكون مشوبة بالغش أو الظلم أو حينما يحرم عدم تطبيق ذلك شخصا بريئا من إصلاح إصابة تسببوا بها، فتعتبر الشركة “شخصا واحدا alter ego” لملاك الأسهم والمدراء والعاملين عندما تستخدم للقيام بأعمالهم الشخصية التي يريدون أن يتمتعوا فيها بالحصانة من المسئولية الشخصية، إن الشركة الأم هي “الشخص الواحد” بالنسبة للشركة التابعة إذا كانت تتحكم بأنشطتها وتديرها لكي تكون مسئوليتها عن أخطائها محدودة. تعرف مبدأ الشخص الواحد أيضا باسم قاعدة “الأداة instrumentality rule” لأن الشركة تصبح أداة تحقق المصالح الشخصية لشركتها الأم وملاك الأسهم والمدراء والعاملين، وعندما تطبق المحكمة هذه القاعدة فيقال بأن المحكمة قد اخترقت حجاب الشركة. [المعجم الحر يقدمه فارلكس، 2008].
[37] 241Court of Appeals, Paris, 31 October 1989, in A.J. van den Berg, Yearbook Commercial Arbitration 145-9, (Vol. XVI 1991).
[38] Irmgard Anna Rodler. When are non-signatories bound by the arbitration agreement in international commercial arbitration?. University of Chile and University of Heidelberg. March 2012.
[39] Romero (n163) 36.
[40] ICC case No. 6465, Aug. 15, 1991 interim award.
[41] ICC case No. 9762 (2001) Para. 35.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت